جلسة 12 من نوفمبر سنة 1955
برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
-----------------
(14)
القضية رقم 65 لسنة 1 القضائية
(أ) كادر العمال
- العمال الموجودون بالخدمة وقت صدوره وقامت بهم شروطه في ذلك الوقت - احتساب ترقيات لهم في مواعيدها في الماضي دون توقف على وجود اعتمادات مالية أو درجات خالية - العمال الذين سيطبق عليهم مستقبلاً ولو كانوا معينين قبل صدوره - خضوعهم في ترقيتهم لقيود الترقية التي يقررها - وجوب التزام حدود الاعتماد المالي، ومراعاة نسبة لكل فئة من الصناع في القسم الواحد - خضوعهم أيضاً للقواعد العامة للترقية - اشتراط وجود درجات خالية - أساس التفرقة بين هاتين الطائفتين من العمال.
(ب) كادر العمال
- ست السنوات التي اشترطها للترقية إلى درجة أعلى - شرط صلاحية للترقية لا شرط لزوم لها - المركز القانوني فيها لا ينشأ تلقائياً بمجرد استيفاء المدة - الجدول رقم 6 من كشوف حرف (ب) لا ينطوي على خروج على هذه القاعدة - دليل ذلك.
إجراءات الطعن
في 3 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 4 من مايو سنة 1955 في الدعوى رقم 5611 لسنة 8 القضائية المقامة من محافظ القاهرة، بصفته الممثل القانوني لبلدية القاهرة، ضد صالح محمود أحمد كركور، وهو الحكم الذي قضى بتأييد قرار اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية الصادر في 23 من ديسمبر سنة 1953 في التظلم رقم 483 لسنة 2 القضائية المرفوع من صالح محمود أحمد كركور ضد مجلس بلدي مدينة القاهرة، والقاضي بأحقية المتظلم في تسوية حالته في درجة صانع دقيق (300 - 500 م) معدلة من تاريخ تعيينه وأحقيته في الترقية إلى درجة صانع دقيق ممتاز (360 - 700 م) بعد ست سنوات من تاريخ تعيينه وما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار اللجنة القضائية، ورفض طلبات المتظلم، مع إلزامه بالمصروفات.
وقد أعلن كل من المطعون عليه والجهة الإدارية بعريضة الطعن في 6 و9 من يوليه سنة 1955 على التوالي. ولم يقدم المطعون عليه مذكرة بملاحظاته في الميعاد القانوني. وقد عين لنظر الطعن جلسة 22 من أكتوبر سنة 1955، وأبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقرر السيد المفوض الحاضر بالجلسة أنه يحدد المطلوب بالطعن بقصره على الشق الثاني من الحكم المطعون فيه، وهو الذي قضى بتأييد قرار اللجنة القضائية فيما قضى به في شقه الثاني من أحقية المتظلم في الترقية إلى درجة صانع دقيق ممتاز (360 - 700 م) بعد ست سنوات من تاريخ تعيينه، وما يترتب على ذلك من آثار. ومن ثم فهو يطلب إلغاء الحكم المطعون فيه وكذا قرار اللجنة القضائية في هذا الشق، مع رفض طلبات المتظلم الخاصة به، وإلزامه بالمصروفات المناسبة. وقد قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة الإدارية، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية التظلم رقم 483 لسنة 2 القضائية طالباً تسوية حالته على أساس وضعه في درجة صانع دقيق من بدء التعيين، وأحقيته في الترقية إلى درجة صانع دقيق ممتاز بعد ست سنوات من تاريخ تعيينه وما يترتب على ذلك من آثار؛ مستنداً في ذلك إلى أنه عين في أول مارس سنة 1944 بمصلحة التنظيم بمهنة براد ميكانيكي بعد أداء امتحان، وعند تطبيق كادر العمال منح أجراً يومياً قدره 300 م، وبعد مضي ست سنوات من تاريخ تعيينه طلب ترقيته إلى درجة صانع دقيق ممتاز (360 - 700 م)؛ إذ أن قواعد كادر العمال تقضي بأن الصانع الذي دخل الخدمة بامتحان ومهنته مدرجة بالكشف رقم 6 يعتبر صانعاً دقيقاً في الدرجة (300 - 400 م) ويرقى بعد مضي ست سنوات إلى صانع دقيق ممتاز، بيد أن المصلحة وضعته خطأ لدى تنفيذ كادر العمال في درجة صانع عادي (200 - 360 م) ومنحته أول مربوط درجة الصانع الدقيق وهو 300 م ولم تشأ تصحيح هذا الخطأ على الرغم من تكرار تظلمه. وقد أجابت المصلحة بأنه عين في أول مارس سنة 1944 بمهنة براد ميكانيكي بعد أن أدى امتحاناً، ووجد لائقاً لهذه الحرفة، ومنح أجراً يومياً قدره 200 م وعند تطبيق كادر العمال سويت حالته بمنحه أجراً يومياً قدره 300 م اعتباراً من أول مايو سنة 1944 في الدرجة (200 - 360 م) وبلغت أجرته بعد العلاوات 400 م في أول مايو سنة 1953 وقد تشكى طالباً تسوية حالته في الدرجة (300 - 500 م) من أول مايو سنة 1945 تاريخ تنفيذ كادر العمال، باعتبار أن مهنته واردة في الكشف رقم 6، مع أحقيته تبعاً لذلك في الترقية إلى الدرجة (360 - 700 م) الأمر الذي هو محل بحث. وفي 23 من ديسمبر سنة 1953 أصدرت اللجنة القضائية قرارها بأحقيته في تسوية حالته في درجة صانع دقيق (200 - 500 م) معدلة من تاريخ تعيينه وأحقيته في الترقية إلى درجة صانع دقيق ممتاز (360 - 700 م) بعد ست سنوات من تاريخ تعيينه، وما يترتب على ذلك من آثار. واستندت في قضائها عن الشق الأول من الطلبات إلى أن حرفة المتظلم هي من الحرف التي تحتاج إلى دقة؛ لورودها بالجدول رقم 6 الملحق بكادر العمال ضمن الحرف الدقيقة. وما دام قد دخل الخدمة بامتحان فيتعين وضعه في درجة صانع دقيق (300 - 500 م) من تاريخ تعيينه. وعن الشق الثاني إلى أن البند الثامن من قواعد كادر العمال قضى بأنه تجوز الترقية من درجة إلى الدرجة التالية لها بعد ست سنوات على الأقل يقضيها العامل في درجته، في حين قضت القواعد الواردة بالجدول رقم 6 من كشوف حرف (ب) الملحقة بالكادر المذكور بترقية أرباب الحرف الواردة فيه إلى درجة الدقة الممتازة (360 - 700 م) بعد ست سنوات. فلا نزاع إذن في أن هذا النص الأخير قد ورد على خلاف الأصل المقرر للترقية في باقي درجات الكادر؛ فالترقية بمقتضاه ترقية حتمية فرضها القانون للعامل بعد مضي المدة المقررة، ولا يجوز حرمانه منها إلا لسبب جدي يجعله غير صالح للترقية قانوناً. أما القول بوجوب قضاء السنوات الست قبل أول مايو سنة 1945 فلا يمكن التسليم به بصدد تطبيق القواعد الواردة بالجدول رقم 6 من كشوف حرف (ب)؛ إذا أن النص الوارد فيها قد ورد مطبقاً من كل قيد، والمطلق يجرى على إطلاقه ما لم يرد ما يخصصه. وأما القول بأن البند الثامن من قواعد كادر العمال، وهو نص عام، قد أجاز الترقية ولم يوجبها، فمردود بأن هذا النص العام قد خصصه النص الخاص الوارد بالجدول المشار إليه. ومن ثم فإن القاعدة الواردة فيه هي استثناء من القواعد العامة الواردة بشأن الترقيات، ولا مندوحة من إعمالها إنفاذاً لرغبة المشرع.
وبعريضة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 21 من مارس سنة 1954 طعنت الجهة الإدارية في قرار اللجنة القضائية المتقدم ذكره، طالبة الحكم بإلغائه مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات والأتعاب. وأقامت طعنها على أن البند الثامن من كادر العمال يقضي بجواز الترقية بعد ست سنوات، وذلك بشرط وجود خلوات ودرجات خالية وسماح النسب المقررة بالكادر. ولما كانت هذه الخلوات غير متوافرة فإن المطعون عليه لا يكون مستحقاً للترقية. وبجلسة 4 من مايو سنة 1955 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه بتأييد قرار اللجنة القضائية للأسباب التي بني عليها مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وفي 3 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن في هذا الحكم، وأقام هذا الطعن على وجه واحد هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله؛ وذلك تأسيساً على أن القاعدة العامة الواردة بمذكرة وزارة المالية في شأن كادر العمال، وهي التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1944، تقضي بجواز الترقية من درجة إلى الدرجة التالية لها بعد ست سنوات يقضيها العامل في درجته. أما ما جاء بالجدول رقم 6 من الكشوف حرف (ب) المرافقة لكتاب وزارة المالية الدوري رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1945 من أن الصانع الدقيق يرقى بعد ست سنوات إلى درجة الدقة الممتازة التي نهاية ربطها 700 م فلا ينطبق إلا في خصوص التسويات التي تجرى في ذلك الحين للعمال والصناع الموجودين في الخدمة، ولم يقصد إعماله خارج هذه الحدود؛ بدليل ما نصت عليه قواعد كادر العمال من أنه يطبق على عمال اليومية الموجودين بالخدمة بأثر رجعي من تاريخ شغلهم الوظائف المقابلة للدرجات المقترحة في الكادر، وما جاء في البند الثالث عشر من كتاب المالية الدوري المشار إليه. ومفاد هذا أن التسويات التي أوردها الكادر إنما تسري بالنسبة إلى العمال الموجودين في الخدمة وقت صدوره، وبعد تسوية حالات هؤلاء العمال تكون الترقية إلى الدرجة التالية رهناً بوجود وظائف خالية من جميع الأحوال. وقد انتهت هيئة المفوضين بحسب التحديد الذي أوضحته بالجلسة إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تأييد قرار اللجنة القضائية في شقه الخاص بأحقية المطعون عليه في الترقية إلى درجة صانع دقيق ممتاز (360 - 700 م) وجوباً بعد مضي ست سنوات من تاريخ تعيينه في أول مارس سنة 1944، وما يترتب على ذلك من آثار، والحكم برفض هذا الطلب من طلبات المطعون عليه مع إلزامه بالمصروفات المناسبة.
ومن حيث إنه ظاهر من الأوراق أن المطعون عليه عين بمصلحة التنظيم في أول مارس سنة 1944 بمهنة براد ميكانيكي بعد تأديته امتحاناً واتضاح لياقته، وذلك بأجر يومي قدره 200 م، ثم سويت حالته لدى تنفيذ كادر العمال بالتطبيق لأحكام هذا الكادر بمنحه أجراً يومياً قدره 300 م اعتباراً من أول مايو سنة 1944 في الدرجة ( 200 - 360 م ) قبل خصم الـ 12% فصارت أجرته 265 م. ورقى إلى الدرجة (300 - 500 م) اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 وبلغ أجره اليومي بالعلاوات الدورية وعلاوة الترقية 400 م في أول مايو سنة 1953.
ومن حيث إنه يبين من مذكرة اللجنة المالية رقم ف 234 - 1/ 302 المرفوعة إلى مجلس الوزراء برأي وزارة المالية في شأن إنصاف عمال اليومية والتي وافق عليها المجلس بجلسته المنعقدة في 23 من نوفمبر سنة 1944 أنه جاء بها في باب الترقيات أنه "تجوز الترقية من درجة إلى الدرجة التالية لها بعد ست سنوات يقضيها العامل في درجته". وفي باب كيفية تطبيق قواعد هذا الكادر أن "يطبق الكادر المقترح على عمال اليومية الموجودين بالخدمة بأثر رجعي من تاريخ شغلهم الوظائف المقابلة للدرجات المقترحة في الكادر". وفي البند (1) من القواعد العامة أن "تحدد كل وزارة أو مصلحة عدد كل فئة من فئات الصناع في كل قسم حسب ما تقتضيه حالة العمل، وأن يكون متوسط هذه الفئات مضروباً في عدد الوظائف لا يجاوز الاعتماد المقرر". وقد ورد في كتاب وزارة المالية الدوري بشأن كادر عمال اليومية ملف رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1945 في البند الثامن منه الخاص بالترقيات ترديد لقاعدة جواز الترقية من درجة إلى الدرجة التالية لها بعد ست سنوات على الأقل يقضيها العامل درجته. كما نص في البند الثالث عشر منه الخاص بالقواعد العامة على أن "تحدد كل وزارة أو مصلحة عدد كل فئة من فئات الصناع في كل قسم حسبما تقتضيه حالة العمل وحسب الوارد في الكشوف المرفقة وبمراعاة النسب المبينة في البند ثالثاً - وبعد الانتهاء من تسوية حالة العمال الموجودين الآن في الخدمة يجب أن يكون متوسط فئات أجور كل قسم مضروباً في عدد الوظائف لا يتجاوز الاعتماد المقرر. وبما أنه قد يترتب على تسوية حالة الصناع الموجودين الآن في الخدمة أن يزيد عدد الصناع في درجة ما عن العدد المقرر بحسب النسب المبينة في البند ثالثاً فيوضع العمال الزائدون بأجورهم التي يصلون إليها بالتسوية بصفة شخصية على الدرجات الأقل". كذلك ورد بكتاب وزارة المالية الدوري ملف رقم ف 234 - 9/ 53 المؤرخ 8 من سبتمبر سنة 1951 والمنفذ لقرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 أنه "لا تكون الترقيات جميعها إلا إلى الدرجات الخالية وبعد قضاء المدة المقررة". ومفاد ما تقدم من نصوص:
(أولاً) أن تطبيق أحكام كادر العمال ينصرف إلى طائفتين متميزتين من عمال اليومية لكل منهما وضع متباين عن الأخرى: (الطائفة الأولى) هي طائفة العمال الموجودين بالخدمة فعلاً وقت تنفيذه وقامت بهم شروطه، وهؤلاء يطبق عليهم بأثر رجعي. ومقتضى هذا الأثر أن تحسب لهم ترقيات اعتبارية في مواعديها في الماضي دون توقف على وجود درجات خالية أو ارتباط باعتمادات مقررة؛ لقيام التسوية فيها على أسس فرضية محضة، ولأن الفروق المالية والنفقات المترتبة على إجراء هذه التسوية ووجهت في جملتها باعتمادات خاصة. وهذا ما يستخلص مما أشارت إليه وزارة المالية في كتابها الدوري آنف الذكر الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1945؛ إذا طلبت في صدره موافاتها ببيان ما يتكلفه تنفيذ هذا الكادر عن سنة حسب القواعد المبينة فيه، على أن يكون حصر التكاليف من واقع ملفات خدمة العمال، مع مراعاة مقدار أجورهم في أول مايو سنة 1945، ومقدار الأجرة التي تستحق في هذا التاريخ بتطبيق قواعد الكادر، ومقدار الزيادة المترتبة على ذلك. كما طلبت في ختامه من الوزارات والمصالح إعداد البيانات المتقدمة بتكاليف إنصاف العمال في صورة كشوف على أن تصل إليها خلال عشرة أيام. (والطائفة الثانية) هي طائفة العمال الذين سيطبق عليهم الكادر مستقبلاً، كمن يحل موعد ترقيتهم بعد أول مايو سنة 1945 ولو كانوا معينين قبل هذا التاريخ، وهؤلاء يخضعون في ترقيتهم لأحكام هذا الكادر بما أورده على الترقية من قيود، سواء من حيث وجوب مراعاة نسبة معينة لكل فئة من الصناع في القسم الواحد، أو من حيث التزام حدود اعتماد مالي معين، كما يخضعون للقواعد العامة للترقية من حيث ارتباطها بوجود درجات خالية؛ ذلك أن المشرع أجاز بنص الخروج على هذه القيود فيما يتعلق بتسوية حالة الصناع الموجودين في الخدمة وقت تنفيذ أحكام الكادر المذكور والذين توافرت فيهم شروطه بأن وضعهم على درجات شخصية، ودبر ذلك في حدود الاعتماد المالي الذي قرره في هذا الشأن، بينما أوجب التزام تلك القيود بعد الانتهاء من هذه التسويات حتى يضمن بذلك سير الأوضاع الخاصة بالعمال في ظل التنظيم الذي استحدثه لهم الكادر المشار إليه على سنن منضبط قائم على الموازنة بين فئات العمال المختلفة موزعة بحسب حاجة العمل وأجور كل فئة منها، وعدد الوظائف المخصصة لها، وبين الاعتماد المالي الذي يرصد لذلك سنوياً. وذلك كله رعاية لتنظيم العمل وفق مقتضياته، ابتغاء حسن سيره، مع إيجاد التعادل بين طوائف العمال، وضبط تقدير للاعتمادات المخصصة لهم في الميزانية تحقيقاً للمصلحة العامة.
(ثانياً) أن القاعدة التي اقترحتها وزارة المالية ووافق عليها مجلس الوزراء ثم أخذت بها الوزارة بعد ذلك، دون أن تخرج عليها باستعمال حقها في الاستثناء الذي خولها إياه مجلس الوزراء، هي أن الترقية من درجة إلى الدرجة التالية لها لا تجوز، فيما خلا حالة الصناع حملة المؤهلات الدراسية الذين أبيح تقصير المدة بالنسبة إليهم، إلا بعد ست سنوات على الأقل يقضيها العامل في درجته، وأنها - بعد استكمال هذه المدة التي هي شرط صلاحية أساسه اكتساب الخبرة الفنية لا شرط لزوم - تكون جوازية تترخص الإدارة في تقدير ملاءمتها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، لا حتمية ولا واقعة بقوة القانون. ومن ثم فلا ينشأ المركز القانوني فيها من تلقاء ذاته بمجرد استيفاء المدة.
(ثالثاً) أن مناط هذه الترقية الجوازية بعد استكمال مدتها رهن بعناصر شتى، منها مراعاة النسبة المئوية لعدد الصناع والعمال الفنيين بعضهم إلى بعض موزعين في الدرجات المختلفة، وهي النسبة التي حددها البند الثالث من كتاب وزارة المالية ملف رقم ف 234 - 9/ 53 المؤرخ 16 من أكتوبر سنة 1945 وكذا عدد كل فئة من فئات الصناع في كل قسم في وزارة أو مصلحة محدداً بحسب ما تقتضيه حالة العمل في هذا القسم، ووجوب أن يكون متوسط فئات هؤلاء الصناع مضروباً في عدد الوظائف غير مجاوز للاعتماد المالي المقرر، وذلك طبقاً لما جاء بالبند الثالث عشر من كتاب وزارة المالية المتقدم ذكره، وما نص عليه البند (1) من القواعد العامة الواردة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1944. هذا فضلاً عن الشروط العامة للترقية وهي وجود درجات خالية بالميزانية، وترخص الإدارة في اختيار الوقت المناسب لإجرائها، حيث لم ينص المشرع على منح هؤلاء العمال درجات شخصية يرقون إليها آلياً ولو لم توجد درجات خالية تتسع لترقيتهم.
ومن حيث إن مثار اللبس، في جواز الترقية إلى الدرجة التالية بعد ست سنوات أو وجوبها، يرجع إلى ما ورد بالكشف رقم 6 من كشوف "ب" الملحقة بكادر العمال في شأن الصناع والعمال الفنيين الذين تسوى حالتهم من بدء تعيينهم بأجرة 300 م في اليوم في الدرجة (300 - 400 م) في الوظائف التي تحتاج إلى دقة؛ إذ ذكرت تحت خانة "بدء ونهاية المربوط" عبارة "300 - 400 م بعد ست سنوات يرقى إلى الدرجة الدقة الممتازة إلى نهاية ربطها وهو 700 م". وظاهر مما تضمنته هذه الكشوف أنه إنما قصد بها حصر الحرف المختلفة المراد تطبيق كادر العمال على المشتغلين بها، وترتيب فئات الصناع والعمال بحسب طبيعة الوظائف التي يؤدون عملها من حيث دقة هذا العمل وفنيته، وبيان بدء ونهاية مربوط الدرجة التي يوضع فيها كل منهم وتدرجه منها إلى التي تليها، وذلك كله في حدود القواعد التي استنها هذا الكادر وتنفيذاً لأحكامه. ولم يقصد بها وضع قواعد ليس من شأنها التعرض لها؛ ذلك أنها لا تعدو أن تكون كشوفاً بيانية وفرعاً تابعاً لأصل. وليس يتلاءم مع طبيعة هذا الوصف أن تستحدث أحكاماً لم ترد في هذا الأصل أو تأتي بأخرى على خلافه أو أن تعدل فيما قضى به من أوضاع وما ورد فيه من نصوص، كما أنها لم تتضمن تخصيصاً له أو استثناء منه، إذ لا تخصيص بلا مخصص، ولا استثناء إلا بنص صريح يقرره، وإنما أريد بالعبارة المتقدم ذكرها إصابة هدفين:
(الأول) بيان طريقة تنفيذ ما طلبته وزارة المالية بكتابها الدوري ملف رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1945 بالنسبة إلى الصناع والعمال الموجودين في الخدمة فعلاً وقت تطبيق الكادر، وذلك لحصر تكاليف الإنصاف الذي قضى به وإحصاء أجور هؤلاء العمال قبل هذا الإنصاف وبعده؛ إذ استهل كتاب المالية بقوله:
"إشارة إلى قراري مجلس الوزراء الصادرين في 23 من نوفمبر و28 من ديسمبر سنة 1944 وإلى... ترجو وزارة المالية موافاتها ببيان ما يتكلفه تنفيذ هذا الكادر عن سنة حسب القواعد المبينة فيما بعد، على أن يكون حصر التكاليف من واقع ملفات خدمة العمال، ويراعي في إعداد البيان ما يأتي:
( أ ) مقدار الأجور الحالية للعمال في أول مايو سنة 1945 لكل فريق على حدة... وذلك عن مدة سنة.
(ب) مقدار الأجرة التي تستحق في أول مايو سنة 1945 بتطبيق القواعد المشار إليها لكل فريق على حدة لمدة سنة.
(جـ) مقدار الزيادة التي تستحق لكل فريق محسوبة عن مدة سنة".
كما جاء في ختامه: "وترجو وزارة المالية إعداد البيانات المتقدمة في صورة كشف تحت عنوان تكاليف إنصاف العمال حسب كشوف الحرف ( أ )، ومرافق لهذا نوع آخر من الكشوف تحت عنوان كشوف (ب). وترجو وزارة المالية إعداد بيان آخر بتكاليف إنصاف العمال يطلق عليه عنوان تكاليف إنصاف العمال حسب الكشوف حرف (ب).
ويراعي عند تسوية حالة العمال الموضحة حرفهم في الكشف رقم 6 من كشوف (ب) أن تكون تسوية حالة كل منهم على أساس منحه أجرة يومية قدرها 300 مليم من تاريخ دخوله الخدمة إذا كان قد دخل الخدمة بامتحان.
هذا ونرجو التنبيه مشدداً لكي تصل هذه البيانات لوزارة المالية في خلال عشرة أيام من تاريخ هذا الكتاب الدوري".
ومما يؤيد هذا النظر أنه ورد بكتاب المالية المشار إليه تحت عنوان "الكشف الثاني" قوله: "ويكون عنوانه تكاليف إنصاف العمال الفنيين والصناع "ب"، وتحسب التكاليف في هذا الكشف على أساس أن كل صانع دخل الخدمة بامتحان تسوى حالته بافتراض تعيينه بأجرة 300 مليم من تاريخ التعيين في درجة صانع دقيق (240 - 450 م) زيدت بطريق العلاوات الدورية سواء كان حاصلاً على الشهادة الابتدائية أو غير حاصل عليها. والصانع الذي دخل الخدمة بدون امتحان ولم يكن حاصلاً على الشهادة الابتدائية أو ما يعادلها تفترض له مدة خدمة كصبي ثماني سنوات، ويوضع من التاريخ التالي لانقضاء هذه السنوات الثماني في درجة صانع غير دقيق بأجرة يومية 200 مليم ثم تدرج أجرته بالعلاوات في درجته.
ومن دخل الخدمة بوظيفة صانع بدون امتحان وكان حاصلاً على الشهادة الابتدائية أو ما يعادلها تفترض له ترقية لدرجة صانع دقيق بأجرة 300 مليم بعد انقضاء خمس سنوات خدمة. ومن لم يكن قضى خمس سنوات يوضع في درجة صانع دقيق بأجرة 300 مليم بعد انقضاء هذه السنوات الخمس، ويشترط وجود درجة خالية، وتسوى حالته خلال هذه السنوات الخمس على اعتبار مساعد صانع".
الأمر الذي يدل على أن تكاليف التسويات التي تمت للصناع الموجودين في الخدمة وقت تنفيذ كادر العمال إنما جرى حسابها بالنسبة إلى الماضي على أسس افتراضية مجردة عن القيود التي تخضع لها الترقيات الفعلية، على نقيض الحال بالنسبة إلى من أتموا المدد المقررة للترقية بعد ذلك. وهذا هو سبب الإطلاق الوارد في العبارة المدرجة في الكشف رقم 6 وفي سواه من الكشوف التي أعدت بيانات تكاليف إنصاف العمال على مقتضاها. ولكن ينبغي أن يقيد هذا الإطلاق في مجال الترقية مستقبلاً بما ورد من الأحكام السابق الإشارة إليها في هذا الخصوص.
و(الثاني) بيان الدرجة التالية التي يرقى إليها الصانع أو العامل من درجته الحالية، وحدود تدرجه في هذه الترقية بالإشارة إلى مدة السنوات الست اللازمة لذلك مفهومة بمعناها المحدد بكادر العمال، أي باعتبارها حداً أدنى لجواز الترقية وشرطاً لهذه الترقية؛ ذلك أن كادر العمال قسم الوظائف الفنية التي تحتاج إلى دقة إلى فئات ثلاث: الأولى (240 - 400 م) والثانية (280 - 400 م) والثالثة (320 - 400 م)، وأفرد للأولى الكشف رقم 5 من كشوف الحرف "ب"، كما خصص للثانية الكشف رقم 6 من الكشوف ذاتها، مراعياً في هذه التفرقة التفاوت بين بدء مربوط كان من هاتين الفئتين. ومع أن وظائف كلتا الفئتين تتحد في طبيعتها من حيث احتياجها إلى الدقة، فقد ذكرت في الكشف رقم 5 قرين بعضها عبارة "يرقى بعد ست سنوات إلى الوظيفة التي تحتاج إلى دقة ممتازة"، بينما وردت هذه العبارة في الكشف رقم 6 "300 - 400 م بعد ست سنوات يرقى إلى الدرجة الدقة الممتازة إلى نهاية ربطها وهو 700 م". وظاهر من هذا أن المراد بهذه العبارة هو مجرد تعيين نطاق المركز القانوني المرشح له الصانع أو العامل من أفراد هذه الفئة أو تلك لدى استكمال المدة المذكورة، لا تقرير حكم مخالف للأصل العام خاص بميعاد ترقيته أو بمنحه نهاية مربوط الدرجة ولو لم يصل إليها بالعلاوات الدورية العادية؛ لأن هذا لو صح لكان استثناء، والاستثناء لا يفترض ولا ينتزع من لفظ لا يحتمله، بل يجب أن تقوم عليه دلالة صريحة إبقاء على استصحاب الحال، ولا وجود لهذه الدلالة. ومتى كان الأمر كذلك فلا تأثير لقرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يونيه سنة 1950 بتطبيق قواعد وكشوف حرف "ب" فيمن عين بعد أول مايو سنة 1945 على صحة هذا النظر.
ومن حيث إن وزارة المالية قد ضمنت كتابها الدوري رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر في 17 من يوليه سنة 1951 رأى مجلس الوزراء بشأن ما تقدم؛ إذ ذكرت في البند الخامس منه أن الوزارات تتساءل "هل تعمل تسويات لعمالها طبقاً لكشوف "ب" التي نص على تطبيقها، فإذا كان الجواب بالإيجاب هل تفترض ترقية مساعد الصانع أو الإشراق مثلاً بعد خمس سنوات إلى درجة صانع دقيق بأجر 300 م، ولو لم توجد درجات خالية بالميزانية، وتعتبر ترقياتهم شخصية خصماً على الدرجات الأدنى الشاغرة بالميزانية - وكذلك الحال في جميع حالات الترقية المترتبة على تطبيق كشوف حرف "ب"، أم يرجأ النظر في ترقياتهم لحين خلو درجات لهذه الترقيات بالميزانية؟". وأبدت الوزارة أن الرأي في هذا جاء "تأييداً لما ورد بقواعد وكشوف حرف "ب" من جواز الترقية بعد المدد المنصوص عنها بشرط وجود درجات خالية". وهذا الرأي لا يعدو أن يكون بياناً تفسيرياً لا ينطوي على ابتداع حكم جديد. وهو عين ما ذهب إليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 في خصوص ما تقدم قاصداً به دفع كل لبس أو تأويل.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما سلف بيانه يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بتأييد قرار اللجنة القضائية فيما ذهب إليه من أحقية المتظلم في الترقية إلى درجة صانع دقيق ممتاز (360 - 700 م) بعد ست سنوات من تاريخ تعيينه وما يترتب على ذلك من آثار، قد خالف القانون. ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه وبرفض طلبات المطعون عليه في هذا الشق منه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من استحقاق المتظلم لدرجة صانع دقيق ممتاز (360 - 700 م) وجوباً بعد مضي ست سنوات من بدء خدمته في أول مارس سنة 1944 وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المتظلم بالمصروفات المناسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق