جلسة 27 من ديسمبر سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة. وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
-----------------
(145)
القضية رقم 26 سنة 23 القضائية
(أ) وفاء. عرض. إيداع. إجارة.
إيداع المستأجر السيارة المستأجرة في جراج معين بعد عرضها على المؤجر عرضا رسميا عند انتهاء مدة العقد ورفضه استلامها. اعتبار الحكم أن العرض في هذه الحالة كان ناقصا واستلزامه أن يكون المستأجر قد حصل مبدئيا على حكم بإيداع السيارة. خطأ. المادة 339 مدنى.
(ب) إثبات "الإثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. دفاع. "طلب التحقيق".
حق محكمة الموضوع في تقرير ثبوت الواقعة أو عدم ثبوتها وعدم التزامها بإجابة طلب إجراء التحقيق.
(ج) قوة قاهرة. وفاء. التزام. محكمة الموضوع.
تقرير ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر قوة قاهرة. موضوعي.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى 307 سنة 1951 بولاق الجزئية على الطاعن طلب فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 75 جنيها قيمة أجرة السيارة المؤجرة منه إلى الطاعن عن المدة من يونيه إلى أكتوبر سنة 1950 ثم أضاف المطعون عليه إلى ذلك طلب الحكم بما استجد ويستجد من الأجرة بواقع 15 جنيها شهرياً واستند في دعواه إلى عقد مؤرخ أول يناير سنة 1950 استأجر الطاعن بمقتضاه سيارة نقل من المطعون عليه لمدة سنة تنتهي في 31 ديسمبر سنة 1950 بأجرة شهرية قدرها خمسة عشر جنيها ونص في العقد على تجديد مدته سنويا ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر برغبته في عدم التجديد قبل انتهاء المدة بشهر على الأقل - دفع الطاعن الدعوى بأنه أعلن المطعون عليه في 30 من أكتوبر سنة 1950 بعدم رغبته في تجديد العقد ورد المطعون عليه هذا الدفاع بأن الطاعن عاد فأرسل إليه خطابا في 23 من ديسمبر سنة 1950 أشار فيه إلى عدم قدرته على تسليم السيارة في نهاية مدة العقد لاحتراق ماكينتها وأن إصلاحها لن يستغرق أكثر من شهر يناير سنة 1951 وأنه على استعداد لدفع أجرتها عن هذا الشهر، وأضاف المطعون عليه أنه رد على هذا الخطاب بخطاب في 27 من ديسمبر سنة 1950 أبدى فيه استعداده لاستلام السيارة في نهاية مدة العقد وإلا اعتبر العقد مجددا. وفى 13 من مارس سنة 1951 عرض الطاعن السيارة على المطعون عليه بإنذار على يد محضر فرفضت زوجته المخاطب معها استلام السيارة وعللت ذلك بالنزاع القائم بين طرفي الخصومة وبأن زوجها لم يوكلها في الاستلام وفي 11 من أبريل سنة 1951 أنذر الطاعن المطعون عليه على يد محضر بأنه أودع السيارة في جراج معين وصرح له باستلامها - وفي 15 من مايو سنة 1951 حكمت محكمة بولاق بالزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 105 جنيهات قيمة الأجرة حتى 31 من ديسمبر سنة 1950 وأرجأت الفصل في طلب ما استجد من الأجرة ثم في 2 من نوفمبر سنة 1951 حكمت بالزام الطاعن بما استجد من الأجرة. استأنف الطاعن هذا الحكم الأخير وطلب إلغاءه ورفض دعوى المطعون عليه في خصوص ما استجد من الأجرة من أول يناير سنة 1951 وقيد الاستئناف برقم 215 سنة 1952 مدني مستأنف، ومحكمة القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية حكمت في 18 من نوفمبر سنة 1952 بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وطلبت النيابة رفضه. وقررت دائرة الفحص في 20 من مايو سنة 1956 إحالته على الدائرة المدنية لجلسة 8 من نوفمبر سنة 1956 وفيها صممت النيابة على طلبها.
وحيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور ومخالفة الثابت في الأوراق ودفاع طرفي الخصومة استنادا إلى أن الحكم سلم بأن عقد الإيجار المؤرخ في أول يناير سنة 1950 والذي تنتهي مدته في 31 من ديسمبر سنة 1950 لم يتجدد إذ استعمل الطاعن حقه المتفق عليه في العقد وأبدى رغبته في عدم تجديد العقد بخطابه المؤرخ 30 من أكتوبر سنة 1950 وأصبحت العلاقة بين الطرفين خاضعة لحكم المادتين 263، 569 من القانون المدني فكان لزاما على المحكمة أن تحقق السبب الذي تمسك الطاعن بأنه حال دون تسليم السيارة في الموعد المتفق عليه مما يعد عذرا قهريا خصوصا وأن الطاعن قدم المستندات الدالة على واقعة احتراق ماكينة السيارة ولم ينكرها المطعون عليه وأنه إذا كانت المحكمة لم تقتنع بما قدم من أدلة فكان يتعين عليها إحالة الدعوى إلى التحقيق.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه من "أن الطاعن لم يقدم أي دليل على حصول واقعة احتراق آلة السيارة التي ادعاها وأنه على فرض ثبوتها فإنها لا تعتبر قوة قاهرة مانعة من التسليم في الميعاد إذ أن هذه الواقعة على ما قال الطاعن حصلت قبل الخطاب الذى أرسله إلى المطعون عليه في 23 من ديسمبر سنة 1950 وكانت لديه الفرصة الكافية لإصلاح السيارة وتسليمها في الميعاد". ذلك أن الطاعن لم يقدم أي مستند على واقعة احتراق ماكينة السيارة فجاء طعنه في هذا الخصوص عاريا عن الدليل - كما أن تقرير ثبوت الواقعة المدعى بها أو عدم ثبوتها مما تستقل به محكمة الموضوع بلا معقب وهي ليست ملزمة بإجابة طلب إجراء التحقيق متى كان فيما قدم إليها ما يكفي لاقتناعها بما انتهت إليه من عدم قيام الدليل على صحة الواقعة المطلوب إثباتها وكذلك تقرير ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر قوة قاهرة هو تقدير موضوعي تملكه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة - ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن واقعة احتراق ماكينة السيارة على فرض صحتها لا تعتبر قوة قاهرة مانعة من تسليم السيارة في الموعد المحدد بالعقد تأسيسا على أنها وقعت على ما قال الطاعن قبل موعد التسليم بفترة كافية لإصلاحها فإن تقريره في ذلك كله لا يعتوره قصور ولا مخالفة فيه للثابت في الأوراق.
وحيث إن السبب الآخر من أسباب الطعن يتحصل في أن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والثابت في المستندات تأسيسا على أن الطاعن سعى في تسليم السيارة إلى المطعون عليه وديا ولما أعيته الحيل عرضها على المطعون عليه عرضا حقيقيا في 13 من مارس سنة 1951 وسلم الحكم المطعون فيه بحصول العرض إلا أنه وصفه بأنه عرض ناقص إذ لم يصحبه إيداع عملا بالمادة 336 من القانون المدني في حين أن المادة 339 من القانون المدني تنص على أن العرض الحقيقي يقوم مقام الوفاء إذا تلاه إيداع يتم وفقا لأحكام قانون المرافعات أو تلاه إجراء مماثل، وأن المادة 790 من قانون المرافعات تنص على أنه إذا رفض العرض وكان المعروض شيئا غير النقود جاز للمدين أن يطلب من قاضى الأمور المستعجلة تعيين حارس لحفظه في المكان الذى يعينه - وأن الطاعن إذ عرض السيارة على المطعون عليه عرضا حقيقيا في 13 من مارس سنة 1951 ولما رفضت زوجة الأخير استلامها قام بإيداعها الجراج الذى كانت تودع به عادة وأنذر المطعون عليه بذلك في 11 من أبريل سنة 1951 على يد محضر وصرح له في الإنذار باستلامها بلا قيد ولا شرط فإن العرض بهذا يكون قد استوفى ما فرضه القانون من إجراءات ويكون بالتالي مبرئا لذمته.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد في هذا الخصوص أنه "وإن كان قد تم عرض السيارة في 13/ 3/ 1951 إلا أن المستأنف (الطاعن) لم يشفع هذا العرض بما نصت عليه المادة 336 من القانون المدني من طلب الترخيص من القضاء بإيداع السيارة المستأجرة الأمر الذي يجعل عرضه ناقصا وبالتالي يكون ادعاؤه الوفاء ناقصا أيضا" وهذا الذي أورده الحكم مخالف للقانون ذلك أن المادة 339 من القانون المدني تنص على أن "يقوم العرض الحقيقي بالنسبة إلى المدين مقام الوفاء إذا تلاه إيداع يتم وفقا لأحكام قانون المرافعات أو تلاه إجراء مماثل وذلك إذا قبله الدائن أو صدر حكم نهائي بصحته" كما تنص المادة 790 من قانون المرافعات على أنه "إذا رفض العرض وكان المعروض شيئا غير النقود جاز للمدين أن يطلب من قاضى الأمور المستعجلة تعيين حارس لحفظه في المكان الذي يعينه". ولما كان الطاعن ملزما بتسليم السيارة المؤجرة للمطعون عليه عند انتهاء مدة العقد عملا بالمادة 590 من القانون المدني وكان عقد الإيجار المعقود بين طرفي الخصومة قد تجدد بعد 31 من ديسمبر سنة 1950 للمدة المحددة لسداد الأجرة أي مشاهرة على ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه - كما أن الطاعن عندما عرض السيارة عرضا رسميا على المطعون عليه ورفضت زوجته استلامها قام بإيداعها (جراجا) معينا وأنذر المطعون عليه بذلك على يد محضر في 11 من مارس سنة 1951 وصرح له باستلامها بغير قيد ولا شرط - فكان على المحكمة أن تقول كلمتها فى هذا الإجراء وهل يعتبر مماثلا للإيداع في حكم المادة 339 من القانون المدني وهل هو يؤكد صحة العرض ويتوافر فيه موجب الإيداع من تخلى المدين وصلاحية مكان الإيداع ولكن المحكمة تخلت عن البحث في صحة هذا الإجراء نتيجة خطأ في فهم القانون أساسه أن المحكمة تطلبت من الطاعن أن يكون قد حصل مبدئيا على حكم بإيداع السيارة مع أن هذا الإجراء ليس من الشروط الحتمية لصحة الإجراء المماثل للإيداع الذي يجب أن يعقب العرض فكما يجوز أن هذا الإجراء المماثل قد طلب ابتداء من القضاء في صورة دعوى حراسة مثلا يجوز أن يعرض على القضاء كدفع في دعوى المطالبة بالأجرة ليقول فيه كلمته من حيث استيفاء الشروط السابق بيانها - ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن عرض السيارة كان ناقصا دون بحث صحة الإجراء الذى اتخذه الطاعن يكون قد خالف القانون متعينا نقضه.