جلسة 16 من نوفمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.
-----------------
(168)
الطعن رقم 41 لسنة 31 القضائية
(أ) مسئولية. "مسئولية جهة الإدارة عن إدارة المرافق العامة". "مسئولية تقصيرية". مرافق عامة.
حرية جهة الإدارة في إدارة المرافق العامة لا تمنع القضاء من تقرير مسئوليتها عن الضرر الذي يصيب الغير نتيجة إهمالها أو تقصيرها في تنظيم شئون المرفق العام والإشراف عليه.
(ب) مسئولية. "ما يدفع المسئولية". "سبب أجنبي".
ثبوت حصول الضرر نتيجة خطأ تابع الوزارة رغم الجهالة به. استخلاص الحكم بأسباب سائغة أن هذا الفاعل ليس أجنبياً عن طرفي المشاجرة التي نشبت بين عمال مصلحة السكة الحديد ومستخدميها العاملين بالقطار وعدم تطبيقه حكم المادة 165 مدني. لا خطأ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت أصلاً الدعوى رقم 1443 لسنة 1953 أمام محكمة الدرب الأحمر الجزئية ضد الطاعنة وقالت شرحاً لدعواها إنه بتاريخ 23/ 8/ 1951 كانت تركب القطار المتجه من القاهرة إلى ميت غمر، كان به بعض الركاب من عمال مصلحة السكة الحديد يركبون بغير تذاكر، وقد حرر كمساري القطار لبعضهم المحاضر وسلمهم بمحطتين متعاقبتين، ولما وصل القطار إلى محطة سند نهور وأراد الكمساري تحرير المحاضر للباقين وتسليمهم بالمحطة قاوموه وحدثت مشاجرة بينهم وبين مستخدمي القطار وأخذت مقاومتهم مظهر قذف القطار بالحجارة فأصابها حجر في عينها اليسرى إصابة أفقدتها الإبصار وقيدت الواقعة برقم 1123 سنة 1951 جنايات بنها ضد مجهول، وطلبت المطعون عليها الحكم بإلزام الطاعنة - وزارة المواصلات - بأن تدفع لها مبلغ 5000 ج تعويضاً لها عما لحقها من ضرر، وقضت المحكمة بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليها مبلغ 1000 ج، فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة القاهرة الابتدائية التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص محكمة الدرب الأحمر بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 3154 سنة 1953 كلي مصر وصممت المطعون عليها أمامها على طلباتها، وفي 31/ 5/ 1959 حكمت المحكمة بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليها مبلغ 1000 ج، استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1124 سنة 76 ق القاهرة طالبة أصلياً الحكم بسقوط الدعوى بالتقادم واحتياطياً برفضها، كما استأنفته المطعون عليها بالاستئناف رقم 1453 سنة 77 ق فرعي القاهرة وطلبت تعديل الحكم إلى مبلغ 5000 ج، وفي 27/ 12/ 1960 حكمت المحكمة برفض الاستئنافين وتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في 23/ 1/ 1961، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 30/ 5/ 1964 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التي طلبت فيها رفض الطعن، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أسباب ثلاثة، حاصل السبب الأول منها أن الحكم المطعون فيه شابه البطلان لتناقض أسبابه ومخالفته الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب من ثلاثة أوجه (الأول) أن الحكم عند تحصيله الوقائع نفى حصول اشتباك بين موظفي القطار والعمال الذين كانوا يركبونه بدون تذاكر عندما قرر أنه لما أراد موظفو القطار إمساك العمال نزل هؤلاء عند أول محطة وأخذوا يقذفون القطار بالحجارة، وأن إصابة المطعون عليها نتجت عن رد الفعل الذي قام لدى هؤلاء العمال عند محاولة موظفي المصلحة الإمساك بهم - إلا أن الحكم عاد فأرجع سبب الإصابة إلى وقوع اشتباك بين رجال القوة الضئيلة المرافقة للقطار عندما أرادت مطاردة العدد الكبير من العمال الذين كانوا يركبونه بالمخالفة للوائح. وفي نفي الحكم حصول تشابك ثم استناده في قضائه إلى حصوله تناقض يفسده (والثاني) أن الحكم إذ قرر بوقوع اشتباك بين موظفي القطار والعمال بسبب مطالبتهم بالأجرة قد خالف الثابت بالأوراق ذلك أن الثابت بها أن العمال قد نزلوا من القطار بعد مطالبتهم في أول محطة وقف بها وأخذوا يقذفونه بالحجارة وذلك لحقدهم على موظفي المصلحة مما يجعل الاعتداء منبت الصلة عن المطالبة بالأجرة وينفي علاقة السببية بين المشاجرة والإصابة (والثالث) أن الحكم لم يرد على دفاع الطاعنة الذي أبدته أمام محكمة الاستئناف في خصوص إسناد الخطأ إلى المطعون عليها لأنها أطلت من نافذة القطار فعرضت نفسها للخطر وفي ذلك قصور يفسد الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول بأن الحكم المطعون فيه إذ جاء في تقريراته الواقعية "أن الثابت من أوراق تحقيقات الجناية 1443 سنة 1951 مركز بنها المتضمن أن بعضاً من عمال السكة الحديد كانوا يركبون القطار بدون تذاكر خلافاً للأنظمة واللوائح وعندما جرت مطالبتهم وأراد موظفوا القطار والقوة المرافقة الإمساك بالعمال لتحرير محاضر بمخالفاتهم انتهزوا فرصة وقوف القطار عند أول محطة ونزلوا بالرصيف وأخذوا يقذفون القطار وموظفيه بالحجارة فأصابت إحداها عين المستأنف ضدها - المطعون عليها - مما نجم عنه فقد إبصارها" ثم قرر الحكم بعد ذلك "إن الحادث حصل نتيجة اشتباك وقع بين رجال القوة الضئيلة المرافقة للقطار والمؤلفة من خمسة أفراد عندما أرادت مطاردة ذلك العدد الكبير من عمال ذات المصلحة المتمردين عليها" فإنه لا يكون قد تناقض في أسبابه ذلك أن التقرير الثاني يعتبر تحصيلاً من الحكم مكملاً للأول ومستخلصاً منه، فكل من التقريرين يتضمن واقعة عدم امتثال العمال لموظفي القطار عندما أرادوا تحرير محاضر مخالفات لهم وتسليمهم بالمحطة بسبب ركوبهم بدون تذاكر، وما ترتب على ذلك من مطاردة موظفي القطار للعمال للإمساك بهم ومقاومة هؤلاء لهم بقذف القطار بالحجارة، ومردود في وجهه الثاني بأن ما حصله الحكم من أن الحادث وقع بسبب أن بعضاً من العمال كانوا يركبون القطار بدون تذاكر لمطالبتهم بقيمتها - هو تحصيل منه لوقائع الدعوى الثابتة من أوراق التحقيقات كلها وإذ لم تقدم الطاعنة إلا صورة رسمية من تحقيقات النيابة دون محضر ضبط الواقعة المحرر بمعرفة رجال الشرطة فإن النعي في هذا الخصوص يكون عار عن الدليل، ومردود في وجهه الثالث بأن الحكم المطعون فيه وقد أقام قضاءه على أن الحادث وقع نتيجة شجار بين رجال القوة المرافقة للقطار والعمال وأن علاقة السببية متوافرة بين حادث الشجار وإصابة المطعون عليها، ومسئولية الإدارة قائمة في عدم اتخاذ الحيطة الكافية وتسرعها في مطاردة العمال دون تفكير بالنتائج التي قد يتطور إليها الحادث يكون قد أقام قضاءه على أسباب كافية لحمله فلا عليه بعد ذلك إن هو لم يتعقب جميع أوجه دفاع الخصوم والرد على كل منها استقلالاً.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ أقام قضاءه في مساءلة الطاعنة على أن القوة التي كانت بالقطار ضئيلة، وأن الإدارة لم تتخذ الحيطة الكافية لدرء ما عسى أن يقع من العدد الكبير من العمال المخالفين لأنظمتها ذلك أن تنظيم المرافق العامة منوط بالسلطة التنفيذية وحدها وليس للمحاكم مراجعتها فيه وإلا تكون قد خرجت عن اختصاصها وخالفت مبدأ فصل السلطات هذا بجانب ما ثبت من أن عدد موظفي القطار كان كافياً لأداء المهمة المنوط بهم أداؤها، وأنهم قاموا بها فعلاً وأنزلوا الركاب المخالفين في محطتي شبرا وقليوب ولم يقع الحادث إلا بسبب حقد العمال الذين أنزلوا من القطار بمحطة سندنهور وتجمهرهم خارجه وقذفه بالحجارة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه وإن كان لجهة الإدارة حرية إدارة المرافق العامة وحق تنظيمها والإشراف عليها, إلا أن ذلك لا يمنع المحاكم - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من حق التدخل لتقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذي يصيب الغير متى كان ذلك راجعاً إلى إهمالها أو تقصيرها في تنظيم شئون المرفق العام أو الإشراف عليه، وإذ أقام الحكم قضاءه بمساءلة الطاعنة تأسيساً على ما استظهره من تحقق الخطأ في جانبها بقوله "إن الحادث حصل نتيجة اشتباك وقع بين رجال القوة الضئيلة المرافقة للقطار والمؤلفة من خمسة أفراد عندما أرادت مطاردة ذلك العدد الكبير من عمال ذات المصلحة المتمردين عليها، وعليه تكون علاقة السببية بين حادث الشجار والإصابة التي أفقدت إبصار عين المستأنف عليها واضح لا لبس فيه، ومسئولية الإدارة قائمة في عدم اتخاذ الحيطة الكافية مقابل ذلك العدد الكبير من العمال المخالفين لأنظمتها، وأن عدم تقدير تلك القوة الضئيلة المرافقة للقطار لحقيقة الموقف وتسرعها في مطاردة العمال دون تفكير بالنتائج التي قد تتطور إليه هو وجه مساءلة الإدارة عن الحادث..." وكان هذا الذي قرره الحكم قد استخلصه في حدود سلطته التقديرية من وقائع الدعوى وأوراقها، وهو استخلاص سائغ يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها من مساءلة الطاعنة عن الحادث، لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون على النحو الذي تثيره الطاعنة يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، وتقول الطاعنة في بيان ذلك أنه يشترط طبقاً للمادة 163 من القانون المدني أن يكون الفعل الذي سبب الضرر للغير فعلاً خاطئاً، وإذ لم يقع من الطاعنة أو أحد موظفيها أي خطأ في حق المطعون عليها على النحو الوارد بالسبب الثاني من أسباب الطعن، وانتفى ركن الخطأ فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق المادة 163 السالفة الذكر إذ حصل علاقة السببية بين الخطأ والضرر مكتفياً في إقامة مسئولية الطاعنة على مجرد وقوع ضرر من فعل لا يعتبر خطأ، كما أخطأ الحكم في تطبيق المادة 165 مدني عندما نفى عن عمال السكة الحديد الذين نزلوا من القطار واعتدوا عليه وصف الغير في حكم هذه المادة، ولم يعتد بأن الضرر قد نشأ عن سببي أجنبي لا يد للطاعنة فيه وبأن الاشتباك الذي حدث بين مستخدمي وعمال المصلحة لا يعتبر سبباً مباشراً لوقوع الحادث بعد مطالبة العمال بالأجرة ونزولهم فعلاً من القطار.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول ذلك أن الطاعنة اتخذت قواماً له انتفاء ركن الخطأ استناداً إلى ما أوردته بالسبب الثاني من أسباب الطعن، وإذ تبين على ما جاء بالرد على هذا السبب أن الخطأ قائم في جانب الطاعنة، فإن النعي في هذا الشق يكون على غير أساس - والنعي مردود في باقي ما ورد بهذا السبب بما سبق الرد به على الوجهين الثاني والثالث من السبب الأول من أسباب الطعن وبما جاء بالحكم المطعون فيه مما أقام عليه قضاءه بمساءلة الطاعنة عن الضرر الذي أصاب المطعون عليها إذ قال "إن فحوى التحقيق الذي اشتملت عليه القضية الجنائية 1443 سنة 1951 الدرب الأحمر قاطع في أن النزاع حصل بين عمال السكة الحديد الذين كانوا يربون على المائتين من جهة وبين موظفي السكة القائمين على قطع التذاكر وقوة المراقبة المرافقة للقطار، وليس من المنطق في شيء أن تسند هذه الإصابة إلى تدخل شخص غريب لا علاقة له بالخلاف الحاصل بين عمال الإدارة وموظفي القطار والتابعين لهذه الإدارة... وأن عدم الاهتداء إلى شخص الفاعل الذي صدرت عنه الحجرة الجانية التي أصابت عين المستأنف ضدها والقول بجهالة الفاعل لا يعني أن الحادث صدر من شخص غريب عن نطاق فئتي الشجار الذي نشب آنئذ بين عمال السكة وموظفيها فلا مجال إذن لإعمال المادة 165 من القانون المدني توصلاً لرفع المسئولية عن الإدارة المستأنفة" ومفاد هذا الذي قرره الحكم أن إصابة المطعون ضدها جاءت نتيجة لخطأ تابعي الطاعنة من مستخدمين وعمال، وأنه رغم الجهالة بالفاعل الذي ألقى بالحجر الذي أصاب المطعون عليها فأفقدها إبصار أحد عينيها فقد قطع الحكم في نطاق سلطته الموضوعية وبأسباب سائغة بأن هذا الفاعل ليس أجنبياً عن طرفي المشاجرة التي نشبت بين عمال مصلحة السكك الحديد ومستخدميها من العاملين بالقطار, ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.