الدعوى رقم 121 لسنة 40 ق "دستورية" جلسة 3 / 4 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أبريل سنة 2021م،
الموافق الحادي والعشرين من شعبان سنة 1442 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر
والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت
والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 121 لسنة 40
قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري "الدائرة
الثانية" بحكمها الصادر بجلسة 10/6/2018، ملف الدعوى رقم 70537 لسنة 67
قضائية.
المقامة من
عبد العزيز حسن محمد
ضد
1 – نقيب التجاريين
2 - رئيس نقابة التجاريين بالقاهرة
الإجراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من ديسمبر سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 70537 لسنة 67 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري
" الدائرة الثانية " بجلسة 10/6/2018، بوقف الدعوى تعليقًا، وإحالتها
بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرتين الأولى
والثانية من المادة (85) من القانون رقم 40 لسنة 1972 بشأن إنشاء نقابة التجاريين.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة,
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق -
في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 7274 لسنة 2005 مدنى كلى، أمام محكمة شمال
القاهرة الابتدائية، ضد النقابة المدعى عليها الثانية، وآخر، طالبًا الحكم بأحقيته
في صرف المعاش المستحق له عن زوجته فتحية محمد محمود، وذلك اعتبارًا من تاريخ
وفاتها. قولاً منه إن زوجته كانت عضوًا بنقابة التجاريين، شعبة المحاسبة
والمراجعة، وتوفيت إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 12/4/1995، ويحق لها الحصول على
معاش من النقابة، وبوفاتها انتقل هذا الحق إليه، أسوة بما ورد في الحكم الصادر
بجلسة 14/12/2003، في الدعوى رقم 83 لسنة 22 قضائية " دستورية "، الذى
قضى " بأحقية الزوج في الجمع بين معاشه عن زوجته وبين معاشه بصفته منتفعًا
بأحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون قم 79 لسنة 1975، وكذا الجمع بين
معاشه عن زوجته وبين دخله من العمل أو المهنة وذلك دون حدود "، إلا أن نقابة
التجاريين رفضت إجابته لطلبه، استنادًا لنص المادة (85) من القانون رقم 40 لسنة
1972 بشأن إنشاء نقابة التجاريين، مما حدا به إلى إقامة دعواه. وبجلسة 24/4/2012،
قضت المحكمة له بطلباته. وإذ لم يرتض نقيب التجاريين ذلك الحكم، فطعن عليه أمام
محكمة استئناف القاهرة (الدائرة 151 مدنى)، بالاستئناف رقم2181 لسنة 16 قضائية،
وقضى فيه بجلسة 11/6/2013، بإلغاء الحكم المستأنف ، وبعدم اختصاص محكمة أول درجة
ولائيًّا بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة المختصة
لنظرها. ونفاذًا لذلك، قيدت الدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى برقم 70535 لسنة 67
قضائية. وإذ ارتأت المحكمة أن عجز نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (85) من
القانون رقم 40 لسنة 1972 بشأن إنشاء نقابة التجاريين أغفلا النص على أحقية الزوج
الأرمل في الحصول على معاش نقابة التجاريين المستحق لزوجته المتوفاة، بالمخالفة
لأحكام المادتين (11، 53) من الدستور، فقضت بجلسة 10/6/2018، بوقف الدعوى، وإحالة
الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نصى هاتين الفقرتين.
وحيث إن المادة (71) من القانون رقم 40 لسنة 1972 بشأن إنشاء نقابة
التجاريين، تنص على أن " ينشأ للنقابة صندوق للمعاشات والإعانات يقوم بترتيب
معاشات وإعانات وقتية أو دورية طبقًا لأحكام هذا القانون ".
وتنص المادة (72) منه على أن " تتكون أموال الصندوق من الموارد
الآتية :
1 - ثلاثة أرباع رسوم القيد.
2 - ثلاثة أرباع الإشتراكات السنوية.
3 - .............. 4 - ,............ 11- ....... ".
وتنص المادة (84) من القانون ذاته على أن " لمجلس النقابة الحق
في تقدير معاش أو إعانة للعضو إذا توافرت فيه الشروط الآتية :
(أ) أن يكون قد أدى رسوم الاشتراك المستحقة
عليه منذ قيده بالجدول ما لم يكن قد أعفى منها بقرار من مجلس النقابة.
(ب) ............... (ج) ...................... (د)
.....................
وتحدد اللائحة الداخلية قواعد صرف المعاشات والإعانات في ضوء موارد
الصندوق، وذلك دون إخلال بالحقوق المقررة حاليًا لأعضاء نقابة المحاسبين
والمراجعين ".
وتنص المادة (85) من هذا القانون – الفقرة الأولى منها مستبدلة
بالقانون رقم 124 لسنة 1982 - على أنه " في حالة وفاة العضو يصرف المجلس
لأرملته وأولاده القصّر وأبويه إذا كانا عاجزين عن الكسب معاشًا يوازى ثلاثة أرباع
المعاش المقرر له.
ويستحق الأرمل أو الأرامل الربع، والأبوان الربع مناصفةً، والأولاد
القصر الباقى بنسب متساوية. فإذا لم يكن بين ورثته أحد من هؤلاء قسم ما كان يستحقه
على الموجودين منهم بالنسب المتقدمة.
وينتهي معاش كل وارث بوفاته. وتفقد الأرمل حقها في المعاش لزواجها
والقصر ببلوغ سن الرشـد أو سن السادسة والعشرين إذا كانوا طلبة بالجامعات أو
المعاهد العليا.
كما ينتهي المعاش بزواج الإناث منهم وللجنة الصندوق أن تقرر استمرار
صرف المعاش حتى يتبين لها زوال الأسباب التى رتب من أجلها المعاش.
ولمجلس النقابة في الأحوال الاستثنائية أن يقرر معاشًا أو إعانة لأخوة
العضو إذا ثبت أنه كان يعولهم، وذلك في حدود نصيب الأبوين وفقًا للقواعد التى
تقررها اللائحة الداخلية ".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على
ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحـة القائمة في الدعوى
الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها
والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد
اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى
وحدها التى تتحـرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها.
ومؤدى ذلك: أن الإحالة من محكمـة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد
بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس
النص التشريعى المحال على النزاع الموضوعى، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية
لازمًا للفصل في ذلك النزاع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذى ثارت بشأنه
شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعى، فإن الدعوى
الدستورية تكون غير مقبولة.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، يدور حول طلب
المدعى - في الدعوى الموضوعية - بأحقيته في معاش نقابة التجاريين المستحق له عن
زوجته المتوفاة، باعتبارها كانت عضوًا مقيدًا بجداول النقابة، وسددت بانتظام
اشتراكات العضوية منذ قيدها بالجدول. وكان نص المادة (85) المحال، قد حجب المعاش
المستحق لعضو النقابة عن الزوج الأرمل، ومن ثم فإن حسم المسألة الدستورية المثارة
بشأن هذا النص، يضحى مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالنزاع الموضوعى، وبذلك تتوفر
المصلحة في الدعوى المعروضة، وينحصر نطاقها فيما تضمنه هذا النص من قصر استحقاق
المعاش، على الزوجة الأرملة دون الزوج الأرمل، ولا يستطيل إلى غير ذلك من أحكام
وردت به.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على نص المادة (85) من القانون رقم 40 لسنة
1972 المشار إليه، في حدود النطاق المتقدم، إخلاله بمبدأى المساواة بين المرأة
والرجل، في الحصول على المعاش المقرر بنقابة التجاريين، والتزام الدولة باتخاذ
التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، ويتعارض تبعًا لذلك مع أحكام
المادتين (11، 53) من الدستور
وحيث إن هذه المناعي سديدة في جوهرها، ذلك أن ما نص عليه الدستور في المادة (8) من قيام المجتمع على أساس التضامن الاجتماعي، يعنى وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها ببعض ليكون بعضهم لبعض ظهيرًا، وأن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهـم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن الدستور في مجال دعم التأمين الاجتماعي، ناط بالدولة - في المادة (17) منه - كفالة توفير خدمات التأمين الاجتماعي ومد خدماته إلى المواطنين بجميع فئاتهم، ذلك أن مظلة التأمين الاجتماعي هي التى تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التى يقوم عليها المجتمع.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ عهد بنص المادة
(128) منه إلى المشرع بصوغ القواعد القانونية التى تتقرر بموجبها على خزانة الدولة
مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم، على أن ينظم أحوال
الاستثناء منها، والجهات التى تتولى تطبيقها، فذلك لتهيئة الظروف التى تفى
باحتياجاتهم الضرورية، وتكفل مقوماتها الأساسية التى يتحررون بها من العوز،
وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء بمعاشها، بما مؤداه أن التنظيم
التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع في هذا النطاق يكون مجافيًا أحكام الدستور،
منافيًا لمقاصـده إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها.
وحيث إن الحق في المعاش، إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون، إنما
ينهض التزامًا على الجهة التى تقرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى،
على تعاقبها، إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه
عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقًا للنظم المعمول بها، يعتبر التزامًا مترتبًا بنص
القانون في ذمة الجهة المدينة. وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة، خطوة
أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعى، حين ناط بالدولة، أن تكفل لمواطنيها خدماتهم
التأمينية الاجتماعية، بما في ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهـم أو عجزهم عن العمل
أو شيخوختهم في الحدود التى يبينها القانون، وأضفى حماية خاصة لأموال التأمينات
والمعاشات، بحسبانها، وعوائدها، حقًا للمستفيدين منها، فذلك لأن مظلة التأمين
الاجتماعى، التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هى التى تكفل لكل مواطن الحد
الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها آدميته، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها
الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يمليها التضامن بين
أفراد الجماعة التى يعيش في محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها. وتلك هـى
الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى تعتبر المادة (8) من الدستور
مدخلاً إليها.
وحيث إن تنظيم المهن الحرة، ومنها مهن المحاسبة والمراجعة والتنظيم
وإدارة الأعمال والاقتصاد وغيرها ممن يرتبط بمجال نشاط التجاريين، وهى مرافق عامة،
مما يدخل في صميم اختصاص الدولة، بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة، فإذا
رأت الدولة أن تتخلى عن هذا الأمر، لأعضاء المهنة أنفسهم، من خلال نقاباتهم، لأنهم
أقدر عليه، مع تخويلهم نصيبًا من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم، مع
الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقًا للصالح العام، فإن مؤدى ذلك أن تقوم
نقابات هذه المهن بما تلتزم به الدولة تجاه أعضائها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق – على ما جرى به
قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من
إطلاقها، وتكون تخومًا لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم
موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده، لا
يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية، سواء بالنقـض أو بالانتقاص، ذلك أن
إهـدار الحقـوق التى كفلها الدستور أو تهميشها، يمثل عدوانًا على مجالاتها الحيوية
التى لا تتنفس إلا من خلالها.
وحيث إن الدساتير المصرية على تعاقبها تكفل للمواطنين جميعهم تساويهم
أمام القانون، ضمانًا لتحقيق أغراض بعينها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين
وحرياتهم، في مواجهة صـور التمييز التى تنال منها هدمًا لمحتواها أو تقييدًا
لممارستها. وقد اعتمد الدستور القائم بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة،
باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته
الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة
لجميع المواطنين أمام القانون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز
بينهم لأى سبب. وعلى ذلك، فإن التمييز المنهى عنه بموجب المادتين (4، 53) من
الدستور، هو الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا
لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها، إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى
المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم. وترتيبًا على ذلك، فإنه لا يجوز أن تخل
السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مجال مباشرتهما لاختصاصاتهما التى نص عليها
الدستور، بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التى قررها الدستور
أو التى ضمنها المشرع، ومن ثم كان هذا المبدأ عاصمًا من النصوص القانونية التى
يقيم بها المشرع تمييزًا غير مبرر، تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل
عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية
التى تحكمها إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها،
ذلك أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرهـا، فإن قوامهـا كـل تفرقـة أو
تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها
الدستور أو القانون بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين
المؤهلين قانونًا للانتفاع بها. وكان التكافؤ في المراكز القانونية بين المشمولين
بنظم التأمين الاجتماعى المختلفة يقتضى معاملتهم معاملة قانونية متكافئة.
وحيث إن المشرع، قد أنشأ بموجب أحكام القانون رقم 40 لسنة 1972 المشار
إليه، صندوقًا للمعاشات والإعانات، لأعضاء نقابة التجاريين، ولورثتهم، يقوم بترتيب
معاشات لهم، تحقيقًا للتكافل بين سائر أعضاء النقابة، لمواجهة الأخطار الاجتماعية،
التى قـد يتعـرض لها أى منهم، محددًا إيّاها بالتقاعـد، أو الوفاة، أو العجز
الصحى، وذلك لضمان دخل بديل لعضو النقابة، أو ورثته، بحسب الأحوال، عند تحقق أى من
هذه الأخطار، فلا يترك، أو يتركـون فريسة في مواجهتها. وأضحى لهذا التأمين، بهذه
المثابة، وظيفة اجتماعية، تتمثل في درء الخطـر عـن الأعضاء أو ورثتهم، ويقوم على
اعتبار اجتماعى، مبناه التضامن بينهم لكونهم تجمعهم ظروف متشابهة، ويتعرضون
للأخطار ذاتها. والاشتراك فيه يشمل جميع التجاريين، ويتم تغطيته عن طريق ثلاثة
أرباع الاشتراكات التى يؤديها المستفيدون منه سنويًّا، على النحو المتبع في الغالبية
العظمى من نظم التأمين، وعن طريق موارد أخرى، نصت عليها المادة (72) من قانون
نقابة التجاريين المشار إليه، من بينها رسوم قيد الأعضاء، واشتراكات الأعضاء، وبعض
الرسوم التى تحصل عند توافر موجباتها، وهى موارد ارتأى المشرع توجيهها لتحقيق
الوظيفة الاجتماعية السالفة البيان، بإدراجها كموارد رئيسة للصندوق القائم على
تحقيقها، محددًا حالات الخطر التى يضطلع الصندوق، تحقيقًا لوظيفته الاجتماعية،
بدرئها.
متى كان ما تقدم، وكان نص المادة (85) من القانون رقم 40 لسنة 1972
المشار إليه – في النطاق السالف تحديده – قد مايز بين الزوجة أرملة عضو نقابـة
التجاريين، والزوج أرمـل عضـوة النقابة، في استحقـاق المعاش، بأن اختص الأولى بصرف
المعاش المستحق عن زوجها، وحرم الثانى من هذا الحق، متبنيًا بذلك تمييزًا في المعاملة
التأمينية على أساس الجنس، دون أن يستند في ذلك إلى أسس موضوعية أو ضرورة جوهرية،
حال أن الخطر المؤمن ضده قائم في شأنهما، ويتوافر لهما شرائط استحقاق المعاش،
واتحادهما في المركز القانونى، فزوج كل منهما كان عضوًا بالنقابة، وقام بالوفاء
بالالتزامات المالية المقررة لصالح صندوق معاشات النقابة، الأمر الذى كان يلزم
ضمانًا للتكافؤ في الحقوق التأمينية بينهما أن تنتظمها قواعد قانونية موحدة، لا
تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بها. ومن ثم، يكون النص التشريعى
المحال قد انطوى على تمييز تحكمى جائر، بما يناقض مبدأ المساواة، بالمخالفة لنص
المادتين (4، 53) من الدستور.
وحيث إن النص المحال – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه – قد
نال من الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة - على ما جرى به قضاء هذه
المحكمة – التى تمتد إلى كل حق ذى قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصيًّا أم
عينيًّا، أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية، وهو ما يعنى
اتساعها للأموال بوجه عام، ذلك أن النص المحال قد انتقص - دون مقتض - من الحقوق التي
تثرى الجانب الإيجابى للذمة المالية للزوج الأرمل، ومن ثم، فإنه يكون قد انطوى على
عدوان على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادة (35) من الدستور، فضلاً عن إهداره
لمبدأ التضامن الاجتماعى ، الذى تغياه المشرع من إنشاء صندوق للمعاشات والإعانات
لأعضاء نقابة التجاريين وأفراد أسرهم، بحرمان الأرمل من معاش زوجته عضو النقابة.
وترتيبًا على ما تقدم، وكان النص المحال قد تجاوز الضوابط الدستورية
المقررة، على ما سبق بيانه، وأخل بمبادئ التضامن الاجتماعى وتوفير خدمات التأمين
الاجتماعى، والحق في المعاش والملكية الخاصة، والحق في مساواة المواطنين أمام
القانون، بالمخالفة لأحكام المواد (4 و8 و11 و17 ، 35، 53 ، 128) من الدستور، بما
يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بعدم دستورية نص المادة (85) من القانون رقم 40 لسنة 1972 بشأن إنشاء نقابة التجاريين، فيما تضمنه من قصر استحقاق المعاش المستحق لعضو النقابة على الزوجة الأرملة، دون الزوج الأرمل.