جلسة 6 من فبراير سنة 1994
برئاسة السيد المستشار/
حسن عميره نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد ومصطفى
الشناوي ومحمد طلعت الرفاعي (نواب رئيس المحكمة) وفرغلي زناتي.
---------------
(32)
الطعن رقم 3784 لسنة 62
القضائية
(1)تفتيش
"إذن التفتيش. إصداره". استدلالات. حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". مواد مخدرة.
تقدير جدية التحريات
وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
(2)تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب". مواد مخدرة.
ضبط الطاعن في سيارة غير
التي اشتملتها التحريات. لا يصلح وجهاً للنعي على جدية التحريات التي انصبت على
شخص المتهم.
(3)مواد مخدرة. استدلالات. إجراءات "إجراءات التحقيق".
ضبط شخص آخر مع المتهم لم
تشمله التحريات. لا ينال من جديتها.
العبر في صحة الأعمال
الإجرائية أو بطلانها. بالمقدمات.
(4) تفتيش. دفوع "الدفع ببطلان التفتيش".
بطلان. مأمورو الضبط القضائي. قبض. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم جواز الطعن ببطلان في
الدليل المستمد من التفتيش الباطل إلا ممن شرع البطلان لمصلحته.
انصراف القيود الواردة
على حق رجل الضبط في إجراء القبض والتفتيش على السيارات الخاصة دون السيارات النقل.
(5) دفوع "الدفع بشيوع
التهمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما
لا يقبل منها".
الدفع بشيوع التهمة.
موضوعي.
(6) نقض "المصلحة في
الطعن". "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". مواد مخدرة.
انتفاء مصلحة الطاعن فيما
يثيره بشأن المخدر المضبوط في السيارة. ما دام أن الحكم أثبت مسئوليته عن المخدر
المضبوط في جيب جلبابه.
(7) مأمورو الضبط القضائي.
استدلالات.
وجوب تحرير مأمور الضبط
محضراً بكل من يجريه في الدعوى من إجراءات مبيناً فيه وقت اتخاذ الإجراءات ومكان
حصولها.
تحرير مأمور الضبط
القضائي محضر ضبط الواقعة في مكان اتخاذ الإجراءات ذاتها. غير واجب.
(8)إجراءات "إجراءات التحقيق". استدلالات.
اتخاذ إجراءات تحريز
المضبوطات في مكان الضبط غير واجب ما دامت مقتضياتها قد استوجبت متابعة الإجراءات
خارج ذلك المكان.
إجراءات التحريز. تنظيمية
قصد بها المحافظة على الدليل. لا بطلان على مخالفتها.
(9)مأمورو الضبط القضائي. استدلالات. إجراءات "إجراءات
التحقيق". بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تراخي مأمور الضبط
القضائي في تبليغ النيابة العامة عن الحوادث. لا بطلان. العبرة بما تقتنع به
المحكمة في شأن صحة الواقعة ونسبتها إلى المتهم وإن تأخر التبليغ عنها.
(10)حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب
غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات
"بوجه عام" "شهود" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إحالة الحكم في بيان
شهادة الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه ما دامت أقوالهما متفقة مع
ما استند إليه الحكم منها.
حسب المحكمة أن تورد من
أقوال الشهود ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
اختلاف الشهود في بعض
التفصيلات التي لم يوردها الحكم. لا يؤثر في سلامته. أساس ذلك.
تناقض أقوال الشهود لا
يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
(11)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه
عام". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب
الطعن. ما لا يقبل منها".
أخذ المحكمة بأقوال
الشاهد سنداً لنسبة المخدر للمتهم لا يمنعها من عدم الأخذ بها في خصوص قصد الاتجار.
الجدل الموضوعي في تقدير
الدليل. غير جائز أمام النقض.
(12)نقض "المصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها" مواد مخدرة.
عدم قبول أوجه الطعن التي
لا تتصل بشخص الطاعن وليس له مصلحة فيها.
--------------
1 - من المقرر أن تقدير
جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل
الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى اقتنعت المحكمة بجدية
الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على
تصرفها في شأن ذلك - كما هو واقع الحال في الدعوى - فلا معقب عليها فيما ارتأته
لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
2 - لما كان محور هذه
التحريات هو شخص الطاعن وليس وسيلة النقل وصدر الإذن بناء على ذلك فإن ضبط الطاعن
في سيارة غير التي اشتملتها التحريات لا يصلح وجهاً للنعي على جديتها.
3 - أن ضبط آخر مع الطاعن
لم تشمله التحريات لا يمس ذاتيتها ولا ينال من جديتها. إذ الأعمال الإجرائية
محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها. وإذ كانت المحكمة قد سوغت الإذن بالتفتيش
وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته على نحو يتفق وصحيح
القانون. فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
4 - من المقرر أنه لا
يجوز الطعن بالبطلان في الدليل المستمد من التفتيش بسبب عدم مراعاة الأوضاع
القانونية المقررة إلا من شرعت هذه الأوضاع لحمايتهم. وكان الثابت مما استظهره
الحكم المطعون فيه أن السيارة التي ضبط المخدر بها ليست مملوكة للطاعن. فإن
تفتيشها لا يمس له جدية من التحريات المكفولة له. وكان الأصل أن القيود الواردة
على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما
ينصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها
إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي في حيازة أصحابها، إلا أنه
لما كان الثابت مما استظهره الحكم المطعون فيه - وله أصل في الأوراق - أن السيارة
المضبوطة سيارة نقل، فإن هذه الحماية تسقط عنها، ومن ثم لا يقبل من الطاعن أن
يتحدى ببطلان ضبطها وتفتيشها.
5 - من المقرر أن الدفع
بشيوع التهمة من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء
بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد إطراحها. وكان الحكم المطعون
فيه قد أقام قضاءه بإدانة الطاعن على ما ثبت من انبساط سلطانه على المخدر المضبوط،
تأسيساً على أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق وتتفق والاقتضاء العقلي والمنطقي.
فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله.
6 - انتفاء مصلحة الطاعن
فيما يثيره من منازعة بشأن المخدر المضبوط في السيارة ما دام أن وصف التهمة التي
دين بها يبقى سليماً لما أثبته الحكم من مسئوليته عن المخدر المضبوط في جيب
الجلباب الذي كان يرتديه.
7 - النص في المادة 24
فقرة ثانية من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "ويجب أن تثبت جميع
الإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين بها
وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها...... وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع
الأوراق والأشياء المضبوطة "مفاده أن القانون وإن كان يوجب أن يحرر مأمور
الضبط القضائي محضراً بكل ما يجريه في الدعوى من إجراءات مبيناً فيه وقت اتخاذها
ومكان حصولها، إلا أنه لم يستوجب أن يحرر المحضر في مكان اتخاذ الإجراءات ذاتها.
8 - لم يوجب القانون أن
تتخذ إجراءات تحريز المضبوطات في مكان الضبط ما دامت مقتضياتها قد استوجبت متابعة
الإجراءات خارج ذلك المكان، ذلك أن إجراءات التحريز إن هي الإجراءات تنظيمية لم
يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً وإنما قصد بها المحافظة على الدليل فحسب.
9 - من المقرر أن المشرع
لم يقصد حين أوجب على مأموري الضبط القضائي المبادرة إلى تبليغ النيابة العامة عن
الحوادث إلا تنظيم العمل والمحافظة على الدليل لعدم توهين قوته في الإثبات، ولم يرتب
على مجرد التأخير في التبليغ أي بطلان، إذ العبرة بما تقتنع به المحكمة في شأن صحة
الواقعة ونسبتها إلى المتهم وإن تأخر التبليغ عنها، وإذ كان ما أورده الحكم فيما
تقدم كافياً وسائغاً في إطراح دفاع الطاعن في هذا الخصوص، ومن ثم فإن النعي على
الحكم في صدده بدعوة البطلان في الإجراءات يكون على غير سند من القانون.
10 - من المقرر أنه لا
يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت
أقوالهما متفقة مع ما أسند إليه الحكم منها. وأن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد
روايات كل الشهود.... إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد
منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض
التفصيلات التي لم يوردها الحكم ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها
تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. وإذ كان البين من
أقوال الضابطين شاهدي الإثبات بمحضر جلسة المحاكمة أنها تتفق في جملتها مع ما
استند إليه الحكم منها. وكان الأصل أن ما يشوب أقوال الشهود من تناقض - بفرض حصوله
- لا يعيب الحكم ما دام أنه استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض
فيه، وكان الحكم قد أورد ما تساند إليه من أقوال شاهدي الإثبات بما لا شبهه فيه
لأي تناقض. فإن منعى الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
11 - من المقرر أنه ليس
ما يمنع محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية من أن ترى في أقوال ضابط الشرطة ما
يسوغ إجراءات الضبط ويكفي لإسناد واقعة إحراز الجوهر المخدر للمتهم، ولا ترى فيها
ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار، دون أن يعد ذلك تناقضاً في حكمها،
متى بنت ذلك على اعتبارات سائغة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر
وأظهر اطمئنانه إلى أقوال ضابطي الشرطة كمسوغ لصحة الإجراءات وإسناد واقعة إحراز
المخدر للطاعن ولكنه لم ير فيها ما يقنعه بأن هذا إحراز كان بقصد الاتجار، وهو ما
لم يخطئ الحكم في تقديره، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن
يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى وتجزئتها والأخذ
منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
12 - لما كان ما ينعاه
الطاعن على الحكم المطعون فيه من خلو وصفه للتهمة بالنسبة للمحكوم عليه الثاني من
الحيازة والعلم بالمخدر مردوداً بأن الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن إلا ما كان
متصلاً منها بشخص الطاعن، ولما كان منعى الطاعن لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له فيه بل
هو يختص بالمحكوم عليه الآخر وحده، والذي صدر الحكم في حقه غيابياً، فلا يقبل منه
ما يثيره في هذا الصدد.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن - وآخر قضى بإدانته غيابياً - بأنه أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيش)
في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وإحالته إلى محكمة جنايات المنيا لمحاكمته
طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً
بالمواد 1، 2، 38/ 1، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي
61 سنة 1977، 122 سنة 1989 والبند 57 من القسم الثاني من الجدول رقم (1) المرفق
بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه ومصادرة
المخدر المضبوط باعتبار أن الإحراز كان بغير قصد من القصود الخاصة.
فطعن المحكوم عليه في هذا
الحكم بطريق النقض....... إلخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى أوجه الطعن
التي تضمنتهما مذكرتا الأسباب المقدمتان من الطاعن أن الحكم المطعون فيه إذ دانه
بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد من القصود الخاصة قد شابه القصور والتناقض في
التسبيب والخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال وانطوى على بطلان في الإجراءات،
ذلك أنه دفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جديه بدلالة ضبط الطاعن
بسيارة غير التي صدر الإذن بضبطها وتفتيشها وضبط آخر معه في السيارة لم تشمله
التحريات، بيد أن الحكم أطرح هذا الدفع بما لا يصلح رداً، كما أغفل دفعه ببطلان
ضبط السيارة إذ لم يتضمنها إذن النيابة وبشيوع التهمة بينه والمتهم الآخر، ورد
رداً قاصراً على ما أثاره من بطلان في الإجراءات لاقتياده، بعد ضبطه إلى مدينة
المنيا بدعوى تحريز المضبوطات مع أن الضبط كان بمدينة بني مزار وعدم عرضه على
نيابة بني مزار المختصة إلا بعد أثنى عشرة ساعة من ضبطه وأحال في بيان أقوال
الشاهد الثاني إلى أقوال الشاهد الأول رغم تباين أقوالهما، إذ قرر الشاهد الأول
أنه شاهد اللفافة تسقط من "حجر" الطاعن حال نزوله من السيارة في حين قرر
الثاني بمحضر جلسة المحاكمة أنه وصل متأخراً ورأى الطاعن خارج السيارة والكيس الذي
حوى المخدر بأرضها، هذا إلى أنه عول على أقوالهما في شأن إجراءات الضبط مع أنه لم
يطمئن إليها في شأن قصد الاتجار، وأخيراً فقد خلا وصف الحكم للتهمة بالنسبة
للمحكوم عليه الآخر من الحيازة والعلم بالمخدر دون سند، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن التحريات السرية للمقدم..... رئيس مكتب مخدرات
المنيا دلت على أن الطاعن وآخر يحوزان ويحرزان مواد مخدرة بقصد الاتجار فاستصدر
إذن النيابة بضبطهما وتفتيش شخصيهما ومسكنيهما وكذلك السيارة رقم 31930 نقل المنيا
استعمالهما. وإذ اتصل به أحد مرشديه السريين وأخبره أن الطاعن سيسلم كميه من
المخدرات مستخدما السيارة رقم....... نقل المنيا قيادة أخر فقد توجه وبصحبة
الملازم أول........ وقوة من رجال الشرطة إلى طريق مرورها واستوقفها وإذ طلب من
الطاعن مغادرتها سقط من "حجره" كيس تبين احتواؤه على ستة طرب من مخدر
الحشيش وبتفتيشه عثر بالجيب الأيسر للجلباب الذي كان يرتديه على كيس آخر به كمية
من المخدر ذاته وبمواجهته بالمضبوطات أقر بملكيته لها. وساق الحكم على ثبوت
الواقعة على هذه الصورة أدلة استقاها من أقوال ضابطي الشرطة شاهدي الإثبات وتقدير
التحليل للمخدر المضبوط والجلباب الذي كان الطاعن يرتديه وقت الضبط، وهي أدلة
سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليه. لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض للدفع
ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات بدلالة ضبط الطاعن بسيارة غير التي صدر
الإذن بضبطها وتفتيشها وضبط أخر معه في السيارة غير من اشتملته التحريات وإطراحه
بقوله "أن جدية التحريات ينظر إليها وقت استصدار الإذن بصرف النظر عما يسفر
عنه التفتيش بعد ذلك، وهذه المحكمة تشايع النيابة العامة في أن هذه التحريات تحوي
من مقومات الجدية ما يستأهل إصدار الإذن المطعون عليه إذ المستخلص منها أن هناك
جريمة إحراز وحيازة مواد مخدرة قد وقعت من شخصين مسجلين في قسم المخدرات ولا يقدح
في جدية هذه التحريات أن أحد المتحرى عنهما لم يتواجد مع الآخر وقت الضبط ولا أن
المأذون بتفتيشه قد استعمل سيارة أخرى" لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير
جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل
الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى اقتنعت المحكمة بجدية
الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على
تصرفها في شأن ذلك - كما هو واقع الحال في الدعوى - فلا معقب عليها فيما ارتأته
لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كان محور هذه التحريات هو شخص الطاعن وليس
وسيلة النقل وصدر الإذن بناء على ذلك فإن ضبط الطاعن في سيارة غير التي اشتملتها
التحريات لا يصلح وجهاً للنعي على جديتها، كما أن ضبط آخر معه لم تشمله التحريات
لا يمس ذاتيتها ولا ينال من جديتها. إذ الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة
والبطلان بمقدمتها. وإذ كانت المحكمة قد سوغت الإذن بالتفتيش وردت على شواهد الدفع
ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته على نحو يتفق وصحيح القانون. فإن النعي على
الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس، لما كان ذلك وكان من المقرر أنه لا يجوز
الطعن بالبطلان في الدليل المستمد من التفتيش بسبب عدم مراعاة الأوضاع القانونية
المقررة إلا من شرعت هذه الأوضاع لحمايتهم، وكان الثابت مما استظهره الحكم المطعون
فيه أن السيارة التي ضبط المخدر بها ليست مملوكة للطاعن، فإن تفتيشها لا يمس له
جدية من التحريات المكفولة له. وكان الأصل أن القيود الواردة على حق رجال الضبط
القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما ينصرف إلى السيارات
الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال
الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي في حيازة أصحابها، إلا أنه لما كان
الثابت مما استظهره الحكم المطعون فيه - وله أصل في الأوراق - أن السيارة المضبوطة
سيارة نقل، فإن هذه الحماية تسقط عنها، ومن ثم لا يقبل من الطاعن أن يتحدى ببطلان
ضبطها وتفتيشها، لما كان ذلك وكان من المقرر أن الدفع بشيوع التهمة من الدفوع
الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت
التي تطمئن إليها بما يفيد إطراحها. وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإدانة
الطاعن على ما ثبت من انبساط سلطاته على المخدر المضبوط، تأسيساً على أدلة سائغة
لها أصلها في الأوراق وتتفق والاقتضاء العقلي والمنطقي. فإن ما يثيره الطاعن في
هذا الشأن يكون في غير محله، هذا فضلاً عن انتفاء مصلحة الطاعن فيما يثيره من
منازعة بشأن المخدر المضبوط في السيارة ما دام أن وصف التهمة التي دين بها يبقى
سليماً لما أثبته الحكم من مسئوليته عن المخدر المضبوط في جيب الجلباب الذي كان
يرتديه، لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن القائم على اقتياده بعد ضبطه
إلى مكتب المخدرات بمدينة المنيا مع أن الضبط كان بمدينة بني مزار وإلى التأخير في
إبلاغ النيابة العامة وأطرحه في قوله "عن الانتقال بعد الضبط إلى مكتب
الخبراء بمدينة المنيا فإن هذه المحكمة لا ترى في ذلك الإجراءات ما يشككها في
سلامة إجراءات الضبط والتحريز ذلك لأن مكتب المخدرات عادة ما يكون أكثر استعداداً
من حيث تزويده بما يسهل إجراءات التحريز، أما عن التأخير في الإبلاغ فإن الواضح أن
سببه هو الانتقال إلى مكتب المخدرات بمدينة المنيا لم يتضح للمحكمة أن هناك أي
إخلال بالإجراءات "وما ذهب إليه الحكم فيما تقدم سديد في القانون، ذلك أن
النص في المادة 24 فقرة ثانية من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "ويجب أن
تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم
يبين بها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها...... وترسل المحاضر إلى النيابة
العامة مع الأوراق والأشياء المضبوطة "مفاده أن القانون وإن كان يوجب أن يحرر
مأمور الضبط القضائي محضراً بكل ما يجريه في الدعوى من إجراءات مبيناً فيه وقت
اتخاذها ومكان حصولها، إلا أنه لم يوجب أن يحرر المحضر في مكان اتخاذ الإجراءات
ذاتها، ولا كذلك أوجب أن تتخذ إجراءات تحريز المضبوطات في مكان الضبط ما دامت مقتضياتها
قد استوجبت متابعة الإجراءات خارج ذلك المكان، ذلك أن إجراءات التحريز إن هي
إجراءات تنظيمية لم يرتب القانون على مخالفتهما بطلاناً وإنما قصد بها المحافظة
على الدليل فحسب. كذلك من المقرر أن المشرع لم يقصد حين أوجب على مأموري الضبط
القضائي المبادرة إلى تبليغ النيابة العامة عن الحوادث إلا تنظيم العمل والمحافظة
على الدليل لعدم توهين قوته في الإثبات، ولم يرتب على مجرد التأخير في التبليغ أي
بطلان، إذ العبرة بما تقتنع به المحكمة في شأنه صحة الواقعة ونسبتها إلى المتهم
وإن تأخر التبليغ عنها، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في إطراح
دفاع الطاعن في هذا الخصوص، ومن ثم فإن النعي على الحكم في صدده بدعوة البطلان في
الإجراءات يكون على غير سند من القانون، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب
الحكم أن يحيل في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت
أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها. وأن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد
روايات كل الشهود.... إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد
منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض
التفصيلات التي لم يوردها الحكم ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها
تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. وإذ كان البين من
أقوال الضابطين شاهدي الإثبات بمحضر جلسة المحاكمة أنها تتفق في جملتها مع ما
استند إليه الحكم منها. وكان الأصل أن ما يشوب أقوال الشهود من تناقض - بقرض حصوله
- لا يعيب الحكم ما دام أنه استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض
فيه، وكان الحكم قد أورد ما تساند إليه من أقوال شاهدي الإثبات بما لا شبهه فيه
لأي تناقض. فإن منعى الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من
المقرر أنه ليس ما يمنع محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية من أن ترى في أقوال
ضابط الشرطة ما يسوغ إجراءات الضبط ويكفي لإسناد واقعة إحراز الجوهر المخدر
للمتهم، ولا ترى فيها ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار، دون أن يعد ذلك
تناقضاً في حكمها، متى بنت ذلك على اعتبارات سائغة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد
التزم هذا النظر وأظهر اطمئنانه إلى أقوال ضابطي الشرطة كمسوغ لصحة الإجراءات
وإسناد واقعة إحراز المخدر للطاعن ولكنه لم ير فيها ما يقنعه بأن هذا إحراز كان
بقصد الاتجار، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا
الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة
الدعوى وتجزئتها والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه مما لا تجوز إثارته
أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من
خلو وصفه للتهمة بالنسبة للمحكوم عليه الثاني من الحيازة والعلم بالمخدر مردوداً
بأن الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن، ولما
كان منعى الطاعن لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له فيه بل هو يختص بالمحكوم عليه الآخر
وحده، والذي صدر الحكم في حقه غيابياً، فلا يقبل منه ما يثيره في هذا الصدد، لما
كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.