جلسة 11 من يناير سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، وأحمد زكي كامل، ومحمود حلمي خاطر، ورشاد القدسي المستشارين.
------------------
(6)
الطعن رقم 2036 سنة 29 القضائية
(أ) تلبس.
متى يتوافر؟
صورة واقعة تتوافر بها المظاهر الخارجية المنبعثة عن واقعة الرشوة والكاشفة عن ارتكابها.
سلطة رجال الضبط القضائي عند توافر حالة التلبس.
القبض على المتهم في غير إذن من سلطة التحقيق بأي مكان وفي أي وقت ما دامت حالة التلبس قائمة.
(ب - و) حكم. بيانات التسبيب.
بيان تاريخ الواقعة. إغفال الحكم بيانه في واقعة الدعوى. متى لا يعيبه؟ عند ورود هذا البيان في وصف التهمة.
ومتى لا يتصل بحكم القانون؟
عند عدم الادعاء بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة.
بيان محل الواقعة. تحديد المكان الذي دفعت فيه الرشوة. متى لا يكون لازماً؟
عند تعيين الحكم جهة ارتكاب الجريمة.
ما لا يلزم بيانه. ما لا يتصل بأركان الجريمة. مثال.
البيان المتعلق بعدد وتواريخ المرات التي ترددت المتهمة فيها على الموظف الذي عرضت عليه الرشوة.
ما لا يعيب التسبيب.
عدم توفيق الحكم إلى ذكر السبب الصحيح للواقعة ما دام قد اشتمل على البيان الكافي لها ودلل على الإدانة تدليلاً سليماً.
ما لا يوفر عيب التناقض في التدليل. مثال في رشوة.
قول الحكم أن السند ضبط مع المتهمين من بعد سابقة التقرير بضبطه مع المتهم الثاني الذي لم يكن إلا أداة للتهمة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة وآخر بأنهما: عرضا رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدما لأحمد محمود عليوة كاتب حفظ محكمة مركز الجيزة مبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل تمكينهما من إحداث تغيير في إمضاء المتهمة الأولى على السند الصادر به أمر أداء والمحفوظ لديه، ولكن الموظف العمومي لم يقبل الرشوة منهما - وأحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً للمواد 104 و109 مكرر و110 و111 عقوبات المعدل بالقانون 69 سنة 1953، ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المواد 17، 55، 56 من قانون العقوبات بالنسبة إلى الطاعنة بمعاقبتها بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة وتغريمها خمسمائة جنيه ومصادرة المبلغ المضبوط وبراءة المتهم الآخر مما أسند إليه، فطعن الوكيل عن الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو الغموض والقصور في بيان الواقعة بحيث لا يستطاع معه تعرف الأساس الذي كونت عليه محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى، إذ نسب إلى الطاعنة ارتكاب الجريمة في دائرة قسم أول بندر الجيزة، ولم يورد الحكم ما يفيد استدلاله على وقوع الجريمة في دائرة هذا القسم بل كل ما تفيده الأسباب أن الموظف الذي عرضت عليه الرشوة هو أمين محفوظات محكمة مركز الجيزة، وأن وكيل النيابة الذي أمر بضبط الواقعة هو وكيل نيابة المركز، وهو ما يتعارض مع القول بأن الحادثة وقعت في دائرة البندر وإن صح هذا القول فإن نيابة بندر الجيزة تكون وحدها صاحبة الحق في إصدار الأمر بضبط الواقعة حال قيام التلبس، وكان يقتضي الأمر أن تحدد المحكمة مكان وجود الضابط ومحل الواقعة التي حصل فيها الضبط، وخاصة أن الطاعنة قد دفعت ببطلان القبض والتفتيش. هذا وقد تضمن الحكم أن الطاعنة ترددت على الموظف أكثر من مرة في شأن تقديم الرشوة ولكن الحكم قد خلا من بيان تاريخ الواقعة وعدد المرات التي حصلت فيها المقابلة بينهما وتاريخ كل منها، ثم إن الحكم لم يوضح زمان ومكان الاتفاق بين الكاتب والضابط على ضبط الواقعة واتصال الطاعنة بالكاتب المذكور، يضاف إلى ذلك أن الحكم في سبيل استدلاله على صحة الواقعة استند إلى أقوال الضابط والكاتب مع قيام التعارض بينهما في شأن من ضبط معه السند إذ بينما يقول الضابط أنه أجرى ضبط السند مع المتهم الثاني الذي حكم ببراءته يقول الكاتب إن الضابط ضبط السند معهما معاً، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل زاد الأمر غموضاً في صدد حديثه في تحديد الباعث فتارة يقول إن الغرض من دفع الرشوة هو إحداث تغيير في السند وأخرى يقول إن الغرض هو طمس الإمضاء أو إبدال السند بآخر دون بيان مصلحة الطاعنة في ذلك بعد أن صدر ضدها الأمر بالأداء فعلاً.
وحيث إن واقعة الحال هي أن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعنة ومحمد حامد عيد (وقد حُكم ببراءته) بأنها في يوم 9 من فبراير سنة 1958 بدائرة قسم أول بندر الجيزة عرضا رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته، بأن قدما لأحمد محمود عليوة كاتب حفظ محكمة مركز الجيزة مبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل تمكينها من إحداث تغيير في إمضاء المتهمة الأولى على السند الصادر به أمر الأداء رقم 20 سنة 1958 مركز الجيزة والمحفوظ لديه، ولكن الموظف العمومي لم يقبل الرشوة منه وقضت محكمة جنايات الجيزة بمعاقبة الطاعنة بالحبس مع الشغل لمدة سنة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة وتغريمها خمسمائة جنيه ومصادرة المبلغ المضبوط وبراءة المتهم الآخر، وقد بين الحكم واقعة الدعوى في قوله "إن جلفدان حامد عيد المتهمة الأولى (الطاعنة) حضرت لأحمد محمود عليوة كاتب الحفظ بمحكمة مركز الجيزة أكثر من مرة وطلبت منه أن يمكنها من إحداث تغيير بكمبيالة قيمتها 180 جنيهاً محفوظة بالمحكمة المذكورة ومأخوذ بموجبها أمر أداء ضدها لصالح حسن إبراهيم رفاعي، وذلك حتى تبدو مزورة ووعدته بدفع رشوة مقدارها ثلاثون جنيهاً مقابل هذا العمل، وقد تظاهر المذكور بالقبول وأبلغ السيد وكيل النيابة الذي اتصل بمباحث مديرية الجيزة لاختيار أحد الضباط لضبط واقعة الرشوة، وقد وقع الاختيار على الملازم أول عبد المنعم زكي الذي انتدب لضبط المتهمة متلبسة بجريمتها، وقد اتفق الضابط والشاهد المبلغ بأن يشرف أولهما عن كثب عما يدور بين ثانيهما والمتهمة، وقد حضرت المتهمة الأولى للمحكمة بصحبة المتهم الثاني واتصلا بالشاهد الأول أحمد محمود عليوة، وحمل هذا الأخير ملف الدعوى المرفق به الكمبيالة وانصرف مع المتهمين إلى مكان قريب بعيداً عن نظر المترددين على المحكمة، وقدمت المتهمة الأولى مبلغ ثلاثين جنيهاً للشاهد المُبلغ الذي وضع المبلغ في جيبه ثم سلم الكمبيالة للمتهم الثاني الذي هم بإحداث التغيير بالإمضاء الموقع بها عليها وعندئذ أسرع الضابط عبد المنعم زكي لضبطه وضبط معه الكمبيالة وضبط مبلغ الثلاثين جنيهاً مع الشاهد المُبلغ" واستند الحكم في إدانة الطاعنة إلى أقوال أحمد محمد عليوة والضابط وكاتب أول محكمة المركز وضبط المبلغ مع الكاتب، ثم عرض الحكم إلى ما أشارت إليه الطاعنة من بطلان إجراءات القبض والتفتيش ورد عليه في قوله.
"وحيث إن الدفاع عن المتهمة دفع ببطلان القبض عليها تأسيساً على أنها لم تكن في حالة من حالات التلبس زعماً بأن الضابط لم يشاهد واقعة تسليمها مبلغ الرشوة للشاهد أحمد محمود عليوة، ويرد على ذلك بأن الضابط عبد المنعم زكي كما شهد في التحقيقات وأمام المحكمة لم يضبط الواقعة ويقبض على المتهمين إلا بعد أن شاهد المتهم الثاني يتسلم أوراق الدعوى من الشاهد الأول ورأى هذا الأخير يضع شيئاً في جيبه، وهذه الوقائع تمثل ولا شك حالة تلبس بجريمة الرشوة" ومن قاله الحكم صحيح في القانون - ذلك أن إبلاغ الموظف الجهة المختصة بما تم بينه وبين الطاعنة وعن الرشوة ثم حضور الطاعنة وأخيها يوم الحادث ومقابلتهما للموظف في مبنى المحكمة الذي يقع في دائرة البندر وخروج هذا الأخير برفقتهما ومعه ملف الدعوى وذهابهم تحت بصر الضابط إلى مكان خارج المحكمة ليكونوا بمنأى عن مشاهدة الآخرين ورؤية الضابط للموظف يضع شيئاً في جيبه وتسليمه ملف الدعوى بعد ذلك مباشرة إلى أخيها المتهم الآخر الذي كان يرافق الطاعنة، كل هذه مظاهر خارجية تنبعث عن الواقعة الجنائية ذاتها وتكشف للضابط عن أن الجريمة ترتكب في ذلك الوقت - وهذا تلبس يجيز له القبض على المتهمة في أي وقت وفي أي مكان ما دامت حالة التلبس قائمة ولو بغير إذن من سلطة التحقيق، لما كان ذلك، وكان الحكم يكوّن مجموعاً واحداً يكمل بعضه بعضاً فإذا أغفل الحكم في واقعة الدعوى بيان تاريخ ارتكاب الحادث مع ورود بيان عن ذلك في وصف التهمة فذلك لا يقدح في سلامته ما دامت الطاعنة لم تدع في طعنها أن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة - وما أشارت إليه الطاعنة بصدد عدد المرات التي ترددت فيها على الموظف المختص وتواريخها فبيانها في الحكم غير لازم لعدم اتصالها بأركان الجريمة، وحسب المحكمة كما هو الحال في الدعوى أن يكون مجموع ما أوردته كافياً في بيان الواقعة وظروفها بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي نسبت إلى المتهمة، وكان تحديد المكان الذي دفعت فيه الرشوة غير لازم متى كانت جهة ارتكاب الجريمة معينة في الحكم، وكان مفهوم بيان عبارة الحكم أن الطاعنة إنما دفعت المبلغ للموظف لتحصل على السند وتتمكن من العبث به بما يفقده قوته في الإثبات توطئة للطعن في الأمر الصادر ضدها بالأداء - وقد أورد الحكم شهادة الكاتب والضابط بما لا خطأ فيه ومفاده أن الورقة ضبطت مع المتهم الثاني فقوله بعد ذلك في إحدى عباراته أن الورقة ضبطت معهما معاً لا ينطوي على شيء من التناقض، إذ أن تسليم الورقة للمتهم الثاني الذي كان يصحبها لتنفيذ غرضها الإجرامي إنما هو تسليم لها في الواقع إذ لم يكن المتهم الثاني إلا أداة لها. لما كان ذلك كله، وكان سبب الجريمة ليس ركناً من أركانها ولا عنصراً من عناصرها الواجب إثباتها في الحكم فلا يضيره على فرض صحة ما جاء بالطعن ألا يكون قد وفق إلى ذكر السبب الصحيح ما دام قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الشروع في الرشوة التي دان الطاعنة بها وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن ما تثيره الطاعنة لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق