جلسة 16 من يناير سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ مصطفى زعزوع نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فهمي الخياط نائب رئيس المحكمة، كمال نافع، يحيى عارف وكمال محمد مراد.
-----------------
(34)
الطعن رقم 2161 لسنة 52 القضائية
(1، 2) عقد "تفسير العقد". محكمة الموضوع.
(1) تفسير العقود واستخلاص قصد عاقديها. من سلطة محكمة الموضوع. شرطه. ألا تخرج عن المعنى الذي تحتمله عباراتها أو تجاوز المعنى الظاهر لها.
(2) وصف المتعاقد. المقصود به. عدم الاعتداد بمن ورد ذكره في العقد من أشخاص طالما لم يكن له صلة بترتيب الأثر القانوني الناشئ عن العقد. لقاضي الموضوع استخلاص صفة المتعاقد دون معقب. متى كان سائغاً.
(3) إيجار "إيجار الأماكن" "عقد الإيجار". عقد "تفسير العقد".
محكمة الموضوع. حكم "تسبيب الحكم" "فساد في الاستدلال".
استخلاص الحكم المطعون فيه - من العبارة الواردة بعقد إيجار عين النزاع أن الغرض من تأجيرها استعمالها سكناً خاصاً للطاعن وزوجته - اعتبار الأخيرة شريكة في الإيجار وصاحبة حق أصلي في الانتفاع يخولها الاستقلال بها حال تخلي الطاعن عن عقد إيجارها. خطأ وفساد في الاستدلال. علة ذلك.
(4، 5) إيجار "إيجار الأماكن" "ترك العين المؤجرة". محكمة الموضوع.
(4) تعبير المستأجر عن إرادته في التخلي عن العين المؤجرة. جواز أن يكون صريحاً أو ضمنياً. استخلاص ذلك. من مسائل الواقع. استقلال محكمة الموضوع بتقديره. شرطه.
(5) ترك العين المؤجرة. عنصراه. وجوب هجر المستأجر الإقامة فيها على وجه نهائي بنية تخليه عن العلاقة الإيجارية، لا تثريب على المستأجر عدم الانتفاع بالعين المؤجرة طالما قائماً بتنفيذ التزامه قبل المؤجر.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 9 لسنة 1977 مدني إسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بتنفيذ عقد الإيجار المؤرخ 11/ 8/ 1976 وتسليمه العين المؤجرة والتي أناب عنه في استئجارها المطعون ضده الثاني والد خطيبته والذي تواطأ مع المطعون ضده الأول - المؤجر - بعد فسخ الخطبة على تحرير عقد آخر باسم ابنته عن ذات عين النزاع، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد سماع شهود الطرفين أجابت الطاعن إلى طلباته. استأنف المطعون ضدهما الثاني والثالثة بالاستئناف رقم 117 لسنة 37 ق إسكندرية، وبتاريخ 17/ 5/ 1982 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أُقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة للثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال ومخالفة القانون والخطأ في تفسيره وتأويله وفي بيانهما يقول أن الحكم أقام قضاءه على ما استخلصه من العبارة التي وردت بعقد الإيجار قرين بيان الغرض من الاستعمال بأنها مسكن خاص للطاعن والزوجة المطعون ضدها الثالثة وأنها لذلك تعتبر شريكة في الإيجار صاحبة حق أصلي في الانتفاع بالعين في حين أن هذه العبارة لا تؤدي إلى المعنى الذي استخلصه الحكم منها، فضلاً عن مخالفة هذا الاستخلاص لباقي نصوص العقد وللمعنى الظاهر لعباراته والتي يبين منها أن الطاعن هو المستأجر الوحيد فيه فلا يجوز الانحراف عن هذا المعنى عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين حسبما تقضي به المادة 150 من القانون المدني، كما أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضدها الثالثة لم يكن لها مع الطاعن إقامة بالعين المؤجرة ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبرها شريكة في الإيجار وخروجاً على مبدأ نسبية أثر العقد يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن النعي سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود والشروط للتعرف على مقصود العاقدين دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بألا تخرج في تفسيرها عما تحتمله عبارات تلك العقود أو تجاوز المعنى الظاهر لها، وأن إسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يفصح مع إرادة أخرى على إنشاء التزامه أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه دون ما اعتداد بمن يرد ذلك في العقد من أشخاص طالما لم تكن لهم صلة بشأن ترتيب الأثر القانوني الذي يدور حوله النزاع الناشئ بسبب العقد وهو أمر من مطلق سلطة قاضي الموضوع مستمد من حقه في تفهم الواقع في الدعوى ولا معقب عليه فيه ما دام استخلاصه سائغاً، ولما كان البين من نصوص عقد إيجار عين النزاع أنه أُبرم من المطعون ضده الأول كمؤجر وبين الطاعن كمستأجر، وكان ما أثبت بالعقد بصدد المطعون ضدها الثالثة بشأن تحديد الغرض من التأجير وهو "استعمالها سكناً خاصاً للطاعن ولزوجته المطعون ضدها الثالثة، وكان مؤدى ذلك أن المطعون ضدها الثالثة لا تعتبر مستأجرة أصلية في العقد فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه استخلاصاً من هذه العبارة إلى أن المطعون ضدها المذكورة تعد شريكة في الإيجار صاحبة حق أصلي في الانتفاع وما رتبه على ذلك من حقها في الاستقلال بشقة النزاع في حالة تخلي الطاعن عن عقد إيجارها فضلاً عن خروجه عن المعنى الظاهر لعبارات العقد، فإنه ينطوي على فساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه البطلان، ويقول بياناً لذلك أن الحكم أقام قضاءه على ما استخلصه خلافاً للثابت في الأوراق من أن الطاعن ترك عين النزاع استناداً إلى إلغاءه اشتراك المياه والإنارة الخاصين به لعين النزاع وإلى تأجيره سكناً آخر حالة أن المطعون ضده الثاني هو الذي توصل لغلق ملف الاشتراك بعد أن حرر المطعون ضده الأول بطريقة التواطؤ مع المطعون ضدها الثالثة عقد إيجار جديد باسمها، ورغم أن تأجيره لعين أخرى كان قياماً منه بواجبات اجتماعية ليأوي والده المتقدم في العمر وباقي أفراد أسرته وأن تحقيقات الشكوى الإداري رقم 100 سنة 1977 إداري باب شرقي المقدمة منه فور عودته من الخارج تنبئ عن تمسكه بإجارة العين ومن ثم يكون الحكم قد أقام قضاءه على استخلاص ليس له سند في الأوراق بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي يدور في محله - ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن تعبير المستأجر عن إرادته في التخلي عن إجارة العين المؤجرة كما قد يكون صريحاً يصح أن يكون ضمنياً بأن يتخذ موقفاً لا تدع ظروف الحل شكاً في دلالته على انصراف قصده في إحداث هذا الأثر القانوني واستخلاص هذا التخلي أو نفيه من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديره متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، ومن المقرر أيضاً أنه يجب أن يتوافر في هذا الترك عنصران أولهما مادي يتمثل في هجر الإقامة في العين عن وجه نهائي والثاني معنوي بأن يصاحب هجر الإقامة منها عنصر التخلي عن العلاقة الايجارية للغير، كما وأنه لا تثريب على المستأجر إن هو لم ينتفع بالعين المؤجرة فعلاً ما دام قائماً بتنفيذ التزاماته تجاه المؤجر، لما كان ذلك وكانت الأوراق خالية مما يقطع بأن الطاعن قد تخلى نهائياً عن إجارة عين النزاع للغير إذ لم يثبت أنه هو الذي تقدم بطلب الإلغاء اشتراك استهلاك المياه والإنارة لشقة النزاع وأنه في أثر عودته من الخارج تقدم بالشكوى رقم 100 لسنة 1977 إداري باب شرقي تأسيساً إلى المطعون ضدهما الأول والثاني تواطؤ للإضرار بحقه في استئجار عين النزاع الأمر الذي ينبئ عن تخلف العنصر المعنوي للتخلي عن إجارتها كما وأن استئجار الطاعن عيناً أخرى في ذات البلد وأياً كان أمر مشروعيته لا يدل بطريق اللزوم على تخليه نهائياً عن العين المؤجرة ومن ثم فإن استخلاص الحكم ترك الطاعن لعين النزاع من القرائن المشار إليها وحدها هو استخلاص غير سائغ وليس له سند من الأوراق.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم دون حاجة لبحث السبب الرابع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق