جلسة 15 من يناير سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ جرجس اسحق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد فتحي الجمهودي نائب رئيس المحكمة، عبد الحميد الشافعي، السيد السنباطي وإبراهيم الطويلة.
-----------------
(32)
الطعن رقم 1781 لسنة 56 القضائية
(1) حكم "تسبيب الحكم" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". تعويض.
سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى واستخلاص ما تطمئن إليه متى كان استخلاصها سائغاً لها تقدير أقوال الشهود. وأن تعتمد في استجلاء الحقيقة على أي قرينة تطرح أمامها حتماً ولو كان تحقيق للشرطة. مثال غرق طفل في حمام سباحة.
(2) حكم "تسبيب الحكم". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض.
عدم التزام محكمة الموضوع بإيراد كل حجج الخصوم وتفصيلات دفاعهم والرد عليها استقلالاً ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها الرد المسقط لكل حجة تخالفها. الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
(3) مسئولية. "مسئولية تقصيرية" "المسئولية الشيئية". تعويض.
الشيء في حكم المادة 178 مدني. ماهيته. ما تقتضي حراسته عناية خاصة إذا كان خطراً بطبيعته أو كان خطراً بظروفه وملابساته بأن أصبح في وضع أو في حالة تسمح عادة بأن يحدث الضرر. مثال. حمام السباحة من الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة بالنظر إلى ظروف الحادث.
(4) محكمة الموضوع "تقدير الدليل: في مسائل الواقع: في المسئولية". تعويض. مسئولية "في المسئولية التقصيرية. ركن الخطأ".
إثبات مساهمة المضرور أو الغير في الفعل الضار وكون الضرر من فعل أيهما وحده. سلطة لقاضي الموضوع دون رقابة لمحكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل: في المسئولية" تعويض.
تقدير مبلغ التعويض الجابر للضرر استقلال محكمة الموضوع به – ما دام لا يوجد نص يلزم باتباع معايير معينة في خصوصه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهما أقاما الدعوى رقم 2062 سنة 1982 مدني قنا الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الشركة الطاعنة وآخرين متضامنين أن يدفعوا لهما مبلغ 10000 جنيه، وقالا بياناً لذلك أن تابعي الطاعنة أهملا مراقبة حمام السباحة الكائن بمصانع سكر قوص مما أدى إلى غرق طفلهما به، وقد لحقت بهما من جراء الحادث أضرار مادية وأدبية يقدران التعويض عنها بالمبلغ المطالب به، وبتاريخ 19/ 4/ 1984 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهما أن المدعى عليهما الأخيرين - تابعي الطاعنة - تسببا بخطئهما في غرق المجني عليه وأن ضرراً أصابهما من جراء الحادث، وبعد أن استمعت المحكمة إلى شاهد المطعون عليهما حكمت بتاريخ 27/ 12/ 1984 بإلزام الطاعنة أن تدفع لهما مبلغ 2000 جنيه، استأنف المطعون عليهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف قنا بالاستئناف رقم 51 سنة 4 ق كما استأنفته الطاعنة بالاستئناف رقم 83 سنة 4 ق قنا، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت بتاريخ 8/ 5/ 1986 بتعديل الحكم المستأنف وذلك بزيادة مبلغ تعويض إلى 4000 جنيه. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أُقيم على خمسة أسباب تنعى الطاعنة بالأول والثاني والرابع منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أسس قضاءه على أن الحادث وقع في حمام السباحة المملوك لها استناداً إلى ما استخلصه من محضر الجنحة رقم 3229 سنة 1981 قوص، وهو استخلاص غير سائغ ولا يتفق مع الثابت في الأوراق، إذ لم يقل أحد ممن سئلوا بالتحقيق أن الحادث وقع بحمام السباحة، ورغم أنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف باحتمال وقوع الحادث بمكان آخر لا يخضع لسيطرتها كما أن شاهد المطعون عليهما قرر بوجود أكثر من حمام سباحة بالمنطقة إلا أن الحكم المطعون فيه لم يقسط هذا الدفاع الجوهري حقه من الفحص والتحقيق بما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى واستخلاص ما تطمئن إليه متى كان استخلاصها سائغاً من أصل ثابت في الأوراق، كما أن لها السلطة في تقدير أقوال الشهود وكل دليل يطرح أمامها، وأن تعتمد في استجلاء الحقيقة على أي قرينه تطرح أمامها حتى لو استخلصتها من تحقيق أجرته الشرطة، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع في حدود سلطتها في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها وما اطمأنت إليه من المستندات المقدمة إليها - خلصت إلى أن ابن المطعون عليهما غرق في حمام سباحة مملوك للشركة الطاعنة، واستدلت على ذلك بما أثبته المحقق في مقدمة محضر الجنحة رقم 3229 سنة 1981 قوص من أن مصنع الشركة هو الذي أبلغ بغرق طفل بحمام السباحة الموجود بالنادي الخاص بالشركة داخل المدينة السكنية وأنه لم يثبت وجود حمامات أخرى أو مجاري مياه داخل المدينة السكنية للشركة حتى يمكن التشكيك في حدوث الغرق بحمامها وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق ومن شأنه أن يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن الحادث وقع في حمام السباحة المملوك للطاعنة، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة أن تورد بالحكم كل الحجج التي يدلي بها الخصوم وتفصيلات دفاعهم وترد عليها استقلالاً ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها يتضمن الرد المسقط لكل حجة تخالفها فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ومن ثم يكون النعي بهذه الأسباب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول أنها تمسكت أمام محكمة الموضوع أن تسلل ابن المطعون عليهما إلى حمام السباحة في غير مواعيد العمل وغرقه به يعتبر خطأ من المطعون عليهما اللذين لم يولياه - وهو حدث - الرقابة الكاملة، ولا يمكن أن يكون سبباً في مسئولية غيرهما طالما كان الضرر واقعاً بفعل المجني عليه وخطأ والديه ولم يتدخل الشيء إلا تدخلاً سلبياً محضاً بما يكفي لدفع مسئولية الطاعنة، ورغم ثبوت الخطأ في جانب المطعون عليهما وابنهما المجني عليه فإن الحكم المطعون فيه اعتبر أن الضرر ناشئ عن فعل الشيء في حين أنه لم يتدخل تدخلاً ايجابياً في وقوع الحادث.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الشيء - في حكم المادة 178 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ما تقتضي حراسته عناية خاصة إذا كان خطراً بطبيعته أو كان خطراً بظروفه وملابساته بأن يصبح في وضع أو في حالة تسمح عادة بأن يحدث الضرر، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص أن حمام السباحة الذي وقع فيه الحادث هو من الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة بالنظر إلى ظروف الحادث وملابساته استناداً إلى ما قرره "أن عرضه 25 م وعمقه من 5 - 6 م وأنه كان ممتلئاً في يوم وقوع الحادث وثابت من أقوال...... مسئول النشاط الرياضي بأندية الشركة أن الحمام يقع في وسط النادي ولا يمكن منع الاقتراب منه لرواد النادي....... ومثل هذا الحمام يعتبر شيئاً خطراً في مثل هذه الظروف طالما أنه غير محاط بسور يمنع الدخول إليه إلا بإذن مالكه أو تعين عليه حراسة تمنع ذلك وهو الأمر الذي انتفى ساعة وقوع الحادث....... وأن الثابت من أقوال المسئولين المذكورين..... أن الحمام بعد الساعة 2 لا يكون به مسئول عن الإنقاذ"، وكان إثبات مساهمة المضرور أو الغير في الفعل الضار وأن الضرر من فعل أيهما وحده من مسائل الواقع التي يقدرها قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من الأوراق أن صغر السن لم يكن هو الذي أدى إلى الحادث وأن عدم وجود الحارس على الحمام هو الخطأ المباشر الذي أدى إلى الوفاة وكان هذا الذي استخلصه الحكم سائغاً ويكفي لحمل قضائه فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول أن الحكم قضى برفع التعويض المحكوم به ابتدائياً من 2000 إلى 4000 جنيه دون أن يبين سبب هذا التعديل بما يجعله خالياً من الأسباب في خصوص هذه الزيادة وهو ما يعيبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن محكمة الموضوع متى بينت في حكمها عناصر الضرر الموجب للتعويض فإن تقدير مبلغ التعويض الجابر لهذا الضرر هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما تستقل به ما دام لا يوجد في القانون نص يلتزم باتباع معايير معينة في خصوصه، لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه أوضح في أسبابه عناصر الضرر الذي لحق المطعون عليهما بسبب خطأ الطاعنة وبين وجه أحقيتهم في التعويض عما أخذ به من هذه العناصر وارتأى أن مبلغ التعويض الذي قضت به محكمة أول درجة للمطعون ضدهما وقدره 2000 جنيه لا يكفي في نظره لجبر هذا الضرر فقضى بزيادته إلى 4000 جنيه واعتبر ذلك مناسباً لجبر الضرر فإن هذا الذي انتهى إليه الحكم يكفي لتعليل مخالفته لمحكمة أول درجة في تقدير التعويض ومن ثم يكون النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق