جلسة 12 من يناير سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة فهيم يسى جندي ، وأحمد زكي كامل، ومحمود حلمي خاطر، وعادل يونس المستشارين.
----------------
(9)
الطعن 1128 لسنة 29 القضائية
(أ) اختلاس.
جناية المادة 112 ع. مواد مخدرة. إحرازها. المسئولية والعقاب عن الجريمتين، صورة واقعة تتوافر بها جناية اختلاس حرز المادة المخدرة وجناية إحراز المخدر في غير الأحوال التي بينها القانون.
(ب) مواد مخدرة.
الإحراز. ماهيته. هو الاستيلاء المادي على المخدر بصرف النظر عن الباعث. ما ينفيه. تسليم المخدر لإخفائه أو إتلافه قصد إفلات المتهم الأصلي في جناية الإحراز.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: أولاً - أحرزا جواهر مخدرة (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وثانياً ( أ) المتهم الأول بوصفه موظفاً عمومياً رئيس القلم الجنائي بنيابة مركز سوهاج اختلس حرز المادة المخدرة والتي سلمت إليه بسبب وظيفته لوضع الأختام على الحرز الخاص بها من الخارج (ب) المتهم الثاني - اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجناية موضوع التهمة السابقة بأن تسلم منه المادة المخدرة بعد إخراجها من الحرز وقام بإخفائها وتمت الجريمة بناءً على ذلك وطلبت من محكمة الجنايات معاقبتهما بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و111 و112/ 1 و118 و119 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و33 ج و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند رقم 12 من الجدول (1) المرافق. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة لهما بمعاقبة كل متهم من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهما ثلاثة آلاف جنيه وبمصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة وبعزل كل منهما من وظيفته الأميرية. فطعن المتهمان في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن، هو الخطأ في الإسناد والقصور وتخاذل الأسباب والخطأ في تطبيق القانون. وفى بيان ذلك يقول الطاعن - إن الحكم المطعون فيه في سبيل إثبات التهمة قبله افترض وقائع لا أساس لها في الأوراق إذ أورد أن الطاعن بوصفه سكرتيراً لنيابة سوهاج فرض نفسه كاتباً للتحقيق مع وجود غيره من الكتبة بقلم النيابة في حين أن الثابت من محضر الجلسة أن مساعد النيابة هو الذي طلب منه أن يقوم بكتابة محضر التحقيق كما افترض أن الطاعن استدعى المتهم الثاني خصيصاً للقيام بعملية التحريز في حين أن الثابت أن الطاعن لم يقم بالنداء على المتهم الثاني - بل الذي استدعاه هو الحاجب ولم يحدد له الطاعن شخصاً معيناً، كما قال الحكم إن الطاعن أبقى الحرز في يده نصف دقيقة ثم التفت إلى الخلف بحيث كان يستر المتهم الثاني أمامه وبقى على هذا الوضع فترة ما طلب بعدها إلى المتهم الثاني أن يسارع في إحضار الجمع الأحمر مع أن أقوال الشهود صريحة في أن الطاعن ما أن تسلم الحرز حتى سلمه للمتهم - ونسب الحكم كذلك إلى مساعد النيابة أنه طلب من المتهمين إظهار المخدر لأن أحداً لم يخرج من غرفة التحقيق سوى المتهم الثاني وحده وأن يداً لم تمتد للمخدر سوى يد الطاعن مع مخالفة ذلك لما في الأوراق إذ اتجهت الشبهة نحو المتهم الثاني بسبب خروجه من الغرفة ولم يكن دور المتهم الأول في استرداد المخدر من المتهم الثاني بعد إخفائه، إلا دور الوسيط - هذا وقد أثار الطاعن مسائل موضوعية من شأنها أن تؤثر في ثبوت التهمتين المسندتين إلى الطاعن - من ذلك أن تحديد ساعة التحريز لم يكن من عمله وأن الاختيار وقع عليه بمحض الصدفة ولم يكن يتطرق إلى ذهنه أنه سيطلب للتحقيق، كما أن استدعاء المتهم الثاني لم يكن نتيجة تدبير سابق بل استدعى لوجوده دون غيره على مقربة من غرفة التحقيق، كما ذكر الطاعن أن وضعه في غرفة التحقيق وجلوسه أمام مساعد النيابة وتحت إشرافه والضابط الذي حضر واقعة التحريز ومحامي المتهم الأصلي، كل ذلك يجعل من المتعذر عليه أن يعبث بالحرز - ولكن الحكم لم يعن بالرد على ذلك الدفاع مع أهميته واستنتج وجود اتفاق بين الطاعن وزميله المتهم الثاني من ترددهما على المركز في شأن إرجاء إرسال الحرز للنيابة وهو استنتاج غير سليم خصوصاً بعد أن قرر المتهم الثاني أن وجوده بالمركز كان بمحض الصدفة لمطالبة أحد الخفراء بدين له عليه، هذا إلى أن الطاعن أثار في دفاعه إلى أن المخدر كان في حيازة مساعد النيابة الذي كان يشرف على تحريزه ولم تكن حيازة الطاعن مبسوطة عليه بل كان مجرد وسيط في نقل الحرز بما فيه من يد مساعد النيابة إلى المتهم الثاني وعندئذ قام المتهم الثاني من تلقاء نفسه باستبدال الحرز- وما دام الأمر كذلك فلا قيام لجريمتي الاختلاس والإحراز اللتين دين الطاعن بهما، ومع هذا كله فقد قضى الحكم بمعاقبة الطاعن بالعقوبة المغلظة المنصوص عليها في المادة (33) من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 في حين أن الواقعة التي أثبتها الحكم ترشح بأن الإحراز كان بقصد الاستعمال الشخصي ولم يكن مقصوداً به الاتجار.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن وزميله عبد الحميد زكي - الطاعن الثاني - بأنهما (أولاً) أحرزا جواهر مخدرة (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وبغير ترخيص. (ثانياًً) الطاعن بوصفه موظفاً عمومياً رئيس القلم الجنائي بنيابة مركز سوهاج اختلس حرز المادة المخدرة موضوع الجناية رقم 2216 سنة 1957 مركز سوهاج والتي سلمت إليه بسبب وظيفته لوضع الأختام على الحرز الخاص بها. والمتهم الثاني اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجناية موضوع التهمة السابقة وذلك بأن اتفق معه على ارتكابها وساعده في ذلك بأن تسلم منه المادة المخدرة بعد إخراجها من الحرز وقام بإخفائها وتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. فقضت محكمة جنايات سوهاج بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريم كل منهما ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المواد المخدرة وعزل كل منهما من وظيفته الأميرية عملاً بالمواد 1 و2 و33 ج و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والمواد 111 و112 و118 و119 و40/ 2 - 3 و41 و32/ 2 من قانون العقوبات وقد بين الحكم واقعة الدعوى في قوله "إنه في يوم 25/ 9/ 1957 ضبط عبده رشوان سلام المحكوم عليه في الجناية المضمومة محرزاً مخدراً بمعرفة اليوزباشي محمد منير حماية معاون مباحث مديرية سوهاج وقد أرسلت المضبوطات وهي جلباب ذلك المتهم وميزان معدني وجد بمنزله وقطعة حشيش ضبطت بجيب جلبابه وأرسلت هذه الأحراز الثلاثة للمعمل الكيماوي التابع لمكتب طب شرعي أسيوط - أرسلت بعد أن ختم عليها بأختام الملازم أول السيد لطفي السيد ضابط مباحث المركز الذي كان ضمن القوة التي ضبطت المتهم وقد أرسلت هذه الأحراز الثلاثة لمكتب مدير معمل طب شرعي أسيوط في الساعة الواحدة من صباح يوم السبت 28/ 9/ 1957 وأعيدت الساعة السادسة من مساء نفس اليوم لختمها بأختام مقروءة حتى يمكن إجراء المضاهاة على بصمة الختم الموجود على الاستمارة وقد تسلم هذه الأحراز الثلاث الضابط إكرام فهمي عاصم عهدة خزينة مركز سوهاج فأودعها خزانة المركز على أن يرسلها في صباح يوم الأحد 29/ 9/ 1957 لنيابة مركز سوهاج - ولأمر غير مفهوم حضر المتهمان في هذه الدعوى وهما أحمد مصطفى إبراهيم سكرتير نيابة مركز سوهاج وعبد الحميد زكي الحكيم المحضر بها - حضرا للملازم أول السيد لطفي السيد في المركز صباح يوم الأحد 29/ 9/ 1957 من تلقاء أنفسهما دون إخطار من المركز وطلب منه أولهما وهو سكرتير النيابة ختم الأحراز الثلاثة بمعرفته وإرسالها لمعمل طب شرعي أسيوط بدلاً من إرسالها للنيابة فاعتذر الملازم أول السيد لطفي السيد بأن الختم احتفظ به وكيل النيابة وبعد ذلك ذهب المتهمان للضابط إكرام فهمي عاصم وطلب إليه أولهما إبقاء الأحراز الثلاثة بالمركز وإرسالها صباح يوم الاثنين 30/ 9/ 1957 بمقولة إن مساعد النيابة مشغول بالجلسة مع أنه ثبت من شهادة مساعد النيابة بجلسة المحاكمة أن الجلسة يوم الاثنين لا يوم الأحد وقد رفض الضابط إكرام فهمي مصطفى تلبية طلب المتهمين وذهب من فوره إلى وديع شنودة جندي كاتب ضبط مركز سوهاج وكلفه بأن يقوم بنفسه للنيابة لتسليم الأحراز الثلاثة لوكيل النيابة فقام في الساعة 45 و9 من صباح يوم الأحد 29/ 9/ 1957 وعاد في العاشرة صباحاً حيث لم يجد وكيل النيابة ثم أعيدت بعد ذلك الأحراز الثلاثة للنيابة مرة ثانية في الساعة الواحدة من صباح نفس اليوم وهو يوم الأحد 29/ 9/ 1957 - أعيدت بكتاب خاص من مركز سوهاج أشر عليه المتهم الأول بخطه كاعترافه بإشارة مؤرخة 29/ 9/ 1957 نصها (تعاد رجاء إرساله باكر صباحاً مع إخطار السيد لطفي السيد بالحضور إلينا ومعه خاتمه الذي قام بختم الأحراز به لتنفيذ المطلوب بكتاب الطب الشرعي) وكيل نيابة مركز أسيوط وليس عليه إمضاء وكيل النيابة بل على الخطاب ختم النيابة نفسه، وفي الساعة الحادية عشر من صباح يوم 29/ 9/ 1957 تسلمت الأحراز للضابط إكرام فهمي عاصم وأودعت خزانة المركز، وفي الساعة 12 و45 من مساء اليوم التالي وهو يوم الاثنين 30/ 9/ 1957 قام كاتب الضبط ومعه المخبر بكري أحمد سليم والأحراز الثلاثة في الجناية رقم 2216 سنة 1957 مركز سوهاج لتحريزها بمعرفة النيابة فلم يتسلمها المتهم الأول وردها في الساعة 12 و45 من مساء نفس اليوم وهو يوم الاثنين 29/ 9/ 1957 بإشارة منه بخطه كاعترافه نصها (ترسل إلينا باكر) وكيل نيابة مركز سوهاج ولا يوجد توقيع من وكيل النيابة أسوة بالإشارة في اليوم السابق - وفي الساعة 11 و15 من صباح يوم الثلاثاء أول الشهر تسلم المتهم الأول الأحراز الثلاثة ووضعها في الدولاب وكلف أحد كتبة النيابة ويدعى أحمد بدوي بالتوقيع على سركي المركز وأبقى الأحراز دون أن يخطر مساعد النيابة حتى اتصل بهذا الأخير في نحو الساعة 1 و30 من مساء يوم الثلاثاء أول أكتوبر الملازم أول السيد لطفي السيد وأخبره بأن الأحراز الثلاثة قد سلمت للمتهم الأول لإعادة تحريزها وختمها بأختام مقروءة نظراً لطمس الأختام الموجودة على الأحراز فاستدعى مساعد النيابة المتهم الأول وسأله عن حقيقة ما بلغه به الملازم أول السيد لطفي السيد فاعترف بأن الأحراز الثلاثة لديه وعندئذ طلب مساعد النيابة من نفس الملازم أول أن يحضر على الفور بعد إخطار الأستاذ شلبي نجيب حكيم محامي المحكوم عليه عبده رشوان في الجناية المضمومة - وبعد أن وصل المتهم من السجن وفي حضور المتهم ومحاميه والملازم أول السيد لطفي السيد طلبت الأحراز الثلاثة فوجدت أختامها سليمة ولكنها مطموسة وتقدم المتهم الأول على خلاف القواعد المرعية ليعمل كاتباً للتحقيق في حين أنه كان بالنيابة وقتئذ من الكتبة خمسة خلافه هم أحمد بدوي الذي وقع على السركي باستلام الأحراز ويونان حبيب وحسن الجابري ونبيل جرجس وفؤاد حلمي وقد فتح مساعد النيابة محضراً أثبت فيه أن الأحراز سليمة والأختام مطموسة ولما سأل مساعد النيابة المتهم الأول عن وجود جمع أحمر للتحريز قال إنه سوف يستدعي أحد المحضرين ومعه الجمع وأطل من باب الغرفة فدخل المتهم الثاني إلى غرفة التحقيق وبدأت عملية التحريز فقام مساعد النيابة بفض حرز الجلباب ثم أعاد لفه بعد أن وضع عليه ورقة بيضاء وسلمه للمتهم الأول الذي قام بربط الجلباب بدوبارة باشتراكه مع الملازم أول السيد لطفي السيد وبعد ذلك سلمه المتهم الأول للمتهم الثاني الذي قام بختمه على الجمع الأسود وحصل ذلك بالنسبة لحرز الميزان وبعد ذلك فض مساعد النيابة الحرز الثالث الذي به المخدر فوجد به نفس المادة التي سبق أن حرزها في اليوم التالي لضبط المحكوم عليه عبده رشوان سلام وبعد ذلك وضع المخدر في العلبة التي كان بها ولف مساعد النيابة العلبة بقطعة ورق وسلم العلبة بقطعة الورق التي عليها للمتهم الأول لإجادة لف الورقة تمهيداً لوضع الأختام عليها فأبقاها المتهم الأول في يده نحو نصف دقيقة والتفت إلى الخلف فحجب عنه المتهم الثاني وبقى المتهم الأول على هذا الوضع الأخير فترة طلب بعدها المتهم الأول من المتهم الثاني أن يحضر جانباً من الجمع الأحمر وخرج المتهم الثاني عقب ذلك فوراً بسرعة مذهلة بعد أن قال سأحضر الجمع الأحمر وخرج المتهم الثاني من الباب مهرولاً وفي هذه اللحظة استدار المتهم الأول لمساعد النيابة وبيده الحرز وكان يبدو على لفة العلبة أنه حدث بها عبث وأراد مساعد النيابة، بسبب ما أوحت به الحركة الصادرة من المتهم الأول، أن يستوثق من سلامة الحرز فانتزع مساعد النيابة الحرز من يد المتهم الأول في الحال وفتح العلبة للاستيثاق من سلامة محتويات الحرز لأن الشك ساوره من تلك الحركات المريبة فوجد أن المخدر قد استبدل ووضع بدله قطعة من الكسب المضغوط في حجمه تقريباً فاندفع مساعد النيابة نحو باب الحجرة ليلحق بالمتهم الثاني فلم يجده وكلف حاجب النيابة ويدعى السيد عبد المجيد أحمد كما كلف حرس النيابة وهو الأمباشي أحمد عبد الهادي عبد اللطيف بأن يبادر إلى ضبط المتهم الثاني فأحضراه وقام مساعد النيابة بتفتيشه فلم يجد معه شيئاً وتحفظ مساعد النيابة على جميع من بالحجرة وطلب من المتهمين إظهار المخدر لأن أحداً لم يخرج من غرفة التحقيق سوى المتهم الثاني وحده ولأن يداً لم تمتد لحرز المخدر سوى يد المتهم الأول وحده وكان مساعد النيابة متأثراً لهول المفاجأة فكان المتهم الأول يهدئ من ثائرته ويطمئنه ويطلب من المتهم الثاني إعادة المخدر على أن ينتهي الأمر عند هذا الحد وانتحى المتهم الأول بزميله المتهم الثاني جانباً للتفاهم معه فما كان من المتهم الثاني إلا أن قال بلهجة يفهم منها أنه متضايق من زميله المتهم الأول (طيب تعالى معي يا حضرة السكرتير نجيبها) وخرج المتهمان سوياً تحت مراقبة الأمباشي أحمد عبد الهادي عبد اللطيف لإحضار المخدر - خرجا من غرفة التحقيق وبعد ذلك بفترة دخل المتهم الأول ومعه قطعة المخدر وتظاهر بحركة تمثيلية أنه يفتش في أحد أدراج المكتب المقابل وسلم المخدر لمساعد النيابة قائلاً (أهي) وبعد أن استوثق مساعد النيابة أن القطعة التي قدمها المتهم الأول هي نفس القطعة التي ضبطت مع المتهم عبده رشوان قام بتحريزها ثم دعا المتهم الثاني إلى المثول بغرفة التحقيق وواجههما فلم يتكلم أحد من المتهمين وبعد ذلك أخرج مساعد النيابة جميع من بالغرفة وبقى المتهم الثاني وحده فركع وقبل قدمي مساعد النيابة وقرر أن المتهم الأول هو الذي سلمه المخدر المضبوط ولما واجه المتهمين أنكر المتهم الأول ما نسبه إليه المتهم الثاني وقد أرسلت قطعة الكسب للتحليل فتبين أن أطوالها 1 × 1 × 3 سنتيمتراً وجدت خالية من الحشيش والأفيون أما تلك القطعة التي قدمها المتهم الأول والتي ضبطت مع المتهم عبده رشوان سلامة فقد ثبت أنها حشيش" واستند الحكم في إدانة الطاعن وزميله إلى أقوال مساعد النيابة والضباط السيد لطفي السيد وإكرام فهمي عاصم ومحمد منير حماية وكاتب ضبط المركز والأستاذ شلبي نجيب محامي المتهم الأصلي وحاجب النيابة والأومباشي أحمد عبد الهادي وإلى تقرير التحليل واعتراف المتهم الثاني في التحقيقات وبالجلسة ثم انتهى إلى القول "إن سلطان المتهم الأول كان مبسوطاً على المخدر فاختلسه وسلمه للمتهم الثاني الذي خرج به من غرفة التحقيق لأن كلاً منهما كان يعمل لحساب زميله وحساب المتهم في الجناية المضمومة وإبدال الحشيش المضبوط بوضع قطعة من الكسب المضبوط مشابهة لها"، ثم رد على دفاع الطاعن في قوله "وحيث إن ما قاله الدفاع عن المتهم الأول من أن حيازته كانت عارضة بحكم وظيفته فلا قيام لجريمتي الإحراز والاختلاس فمردود بأن الإحراز الأول الذي وقع تحت بصر مساعد النيابة لا عقاب عليه وأن المعاقب عليه ما حدث بعد أن غاب الحرز عن نظر مساعد النيابة نتيجة الاختلاس وأخذ الحرز من العلبة بغير علم مساعد النيابة وتسليمه للمتهم الثاني الذي أخفاه عن مساعد النيابة وأنكر علمه به ولم يقدمه إلا بعد أن طمأنه المتهم الأول بأن الأمر سيصرف وبعد أن افتضح أمر المتهمين لما شك مساعد النيابة في حركات المتهمين وفتح العلبة فوجد بها الكسب المضغوط بدلاً من الحشيش المضبوط مع المحكوم عليه في الجناية المضمومة". ولما كان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن وهو يشغل وظيفة سكرتير نيابة مركز سوهاج تسلم بحكم وظيفته وبصفته كاتباً للتحقيق الذي يجرى في الجناية رقم 2216/ 1957 مركز سوهاج من المحقق المادة المخدرة لتحريزها فاختلسها بأن استبدل بها غيرها بغير علم المحقق وسلمها للمتهم الثاني الذي أسرع في الخروج بها وأخفاها وكان هذا الفعل يتحقق فيه مظهران قانونيان: جناية اختلاس حرز المادة المخدرة وجناية إحراز المخدر في غير الأحوال التي بينها القانون، وكان الإحراز في صحيح القانون هو مجرد الاستيلاء المادي على المخدر لأي باعث كان ولو سلمه لآخر بعد ذلك لإخفائه أو سعى لإتلافه حتى يفلت المتهم الأصلي من جناية الإحراز، وكان لا يشترط لتوقيع العقوبة المغلظة المنصوص عليها في المادة 33 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 - كما قال الحكم بحق - أن يثبت اتجار المتهم في المواد المخدرة، بل يكفي أن يقوم الدليل على مجرد الإحراز، وليس ثمة محل لتطبيق العقوبة التيسيرية المنصوص عليها في المادة (34) من المرسوم بقانون سالف الذكر إلا إذا تمكن المتهم من إثبات أنه إنما كان يقصد إلى التعاطي أو إذا ثبت ذلك للمحكمة من ظروف الدعوى وعناصرها ولم يرد بالحكم ما يشير إلى قيام هذا القصد الخاص لدى الطاعن. لما كان ذلك، وكان الاشتراك بالاتفاق يتم غالباًًًً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه فإنه يكفي أن تكون المحكمة اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وقد دللت عليه تدليلاً سائغاً في قولها "وحيث إن اتفاق المتهمين على جريمتهما ثابت من إعداد قطعة الكسب لتحل محل المادة المضبوطة وهي تدل بذاتها على أن هنالك ترتيباً محكماً تأكد بملازمتهما سوياً في مكتب أولهما وذهابهما إلى كاتب الضبط والملازم أول السيد لطفي السيد والضابط إكرام فهمي عاصم على ما سلف بيانه" وهو اعتقاد بنته المحكمة على أساس أقيم على الوقائع التي أثبتها الحكم. لما كان ذلك كله، وكان خطأ الحكم في واقعة إقحام الطاعن نفسه في التحقيقات بفرض صحته لا يعيبه لأن المحكمة لم تتخذها أساساً للتدليل على إدانته، وكان يبين من أوراق الدعوى التي قررت المحكمة ضمها تحقيقاً للوجه الأول من الطعن أن ما أثبته الحكم من وقائع فيما عدا ما سبق بيانه يتفق وما ورد على لسان الشهود في التحقيقات بما لا خطأ فيه، وكان باقي ما يثيره الطاعن في طعنه لا يخرج عن كونه دفاعاً موضوعياً لا تلزم المحكمة بالرد عليه صراحة بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً ضمناً من الحكم بالإدانة للأدلة التي أوردها. لما كان ذلك فإن الطعن المقدم من الطاعن الأول لا يكون له محل.
عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن، هو بطلان الحكم لعدم التوقيع عليه خلال ثلاثين يوماًً من تاريخ صدوره إذ صدر الحكم في 23 من إبريل سنة 1958، وأخطر الطاعن بوروده قلم الكتاب في 24 من مايو سنة 1958.
وحيث إن عدم تحرير الحكم وتوقيعه في ظرف الثلاثين يوماً من تاريخ صدوره طبقاً لنص المادة 312/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية يستتبع البطلان إذ انقضى هذا الميعاد دون توقيع الحكم، ولما كان ما زعمه الطاعن من مضي أكثر من ثلاثين يوماً على عدم توقيع الحكم وإيداعه قلم الكتاب، يخالف الواقع لما هو ثابت على الحكم من أنه أودع يوم 22 من مايو سنة 1958 أي قبل مضي ثلاثين يوماً على صدوره، على أن الشهادة التي يصح الاعتداد بها في إثبات عدم التوقيع على الحكم في الثلاثين يوماً التالية لصدوره، إنما هي التي تثبت أن طالبها قد توجه إلى قلم الكتاب للاطلاع عليه، فلم يجده على الرغم من فوات هذا الميعاد فلا عبرة في هذا المقام بما يرد في الإعلان أو الإخطار عن تاريخ الحكم وورود الإعلان بعد المدة المشار إليها في المادة 312، ولما كان الطاعن لم يقدم تلك الشهادة السلبية التي تثبت أنه أراد الاطلاع على الحكم فلم يجده بعد انقضاء ذلك الميعاد، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث إن محصل سائر أوجه الطعن، هو الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب، وفي ذلك يقول الطاعن إن الدعوى الجنائية رفعت عليه وزميله بأنهما أحرزا جواهر مخدرة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً إلا أن المحكمة أدانتهما بجريمة الإحراز والحيازة وبهذا تكون المحكمة أضافت إلى التهمة وصفاً جديداً دون أن تلفت نظره إلى ذلك، ولا يغني عن ذلك العبارة التي وجهت المحكمة إليها نظر دفاع المتهم الأول (بأنه حاز وأحرز) لأن هذه العبارة لا تفيد في صورتها وألفاظها تعديلاً لوصف التهمة، وهي على كل حال جاءت في صدد ما نسب إلى الطاعن الأول وحده، هذا وقد قال الحكم في سبيل التدليل على قيام الاتفاق بين الطاعنين إن كلاً منهما كان يعمل لحساب زميله وحساب المتهم في الجناية المضمومة في حين أن واقعة الاتفاق بين المتهمين والمتهم الأصلي قد استبعدت تماماً باستبعاد واقعة الرشوة من الاتهام. أما ما ساقه الحكم من دلائل أخرى فلا تؤدي إلى القول بقيام الاتفاق بين الطاعنين على ارتكاب الجريمتين المسندتين إليهما - هذا وقد اعتمد الحكم فيما اعتمد عليه في إدانة الطاعن إلى اعترافه بأن الطاعن الأول هو الذي سلمه المخدر بطريقة سرية وطلب إليه الاحتفاظ به فألقاه من نافذة صالة النيابة التي تطل على الحديقة في حين أن هذا الاعتراف تكذبه الماديات فلم يوجد بالناحية الغربية لصالة النيابة نوافذ تطل على الحديقة المقول بأنه ألقى منها قطعة المخدر وهي من الضآلة بحيث لا يمكن العثور عليها لو صح أنها ألقيت في الحديقة والطاعن الأول دون غيره هو الذي أحضر قطعة المخدر لمساعد النيابة، وما دام أنه لم يقم دليل من الأوراق على أن الطاعن استولى في أية لحظة على المخدر فلا يصح مساءلته عن إحرازه كما لا تصح معاقبته على الاختلاس لانعدام الدليل على قيام اشتراكه مع الطاعن الأول في هذه التهمة - هذا وقد دانه الحكم المطعون فيه بالعقوبة المغلظة رغم ضآلة الكمية التي قيل بإحرازها ورغم ما قرره معاون المباحث من أن الطاعن وزميله يتعاطيان الحشيش.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جناية إحراز المخدر والاشتراك في الاختلاس التي دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك وكان اعتراف المتهم - بوصفه من طرق الاستدلال - يخضع لتقدير محكمة الموضوع شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة التي تطرح أمامها فلا حرج عليها إذا هي أخذت باعتراف الطاعن أمام النيابة رغم عدوله عنه أمامها ما دامت قد اطمأنت إلى صحته وصدوره منه، وكان لا جدوى مما ينعاه الطاعن على الحكم بأنه أضاف وصفاً جديداً للتهمة، هو حيازة المخدر ما دام أن العقوبة المقضي بها هي العقوبة التي نص عليها القانون لجريمة الإحراز التي اتهم ودين بها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن إلقاء قطعة المخدر من نافذة بصالة النيابة تطل على الحديقة وأن الحكم خالف الماديات في إثبات ذلك، ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يغض من سلامة الحكم إذ أن هذه الواقعة بفرض خطئها لم يجعلها الحكم عنصراً من عناصر الإدانة، وما دام الحكم أثبت في بيان واقعة الدعوى أن مساعد النيابة بعد أن تفقد قطعة المخدر التي كانت مع المتهم الأول لتحريزها وتسلمها منه المتهم الثاني (الطاعن) الذي خرج وهي معه من غرفة التحقيق، لما تفقد مساعد النيابة تلك القطعة ولم يجدها، طلب إعادتها فردت بعد تفاهم تم بين المتهمين فليس للوسيلة التي أخفيت بها ولا للمكان الذي ألقيت منه ما يؤثر في النتيجة التي انتهى إليها الحكم واستدل عليها استدلالاً سليماًً سائغاً. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن في طعنه مردود بما سبق الرد به على الطاعن الأول فلا محل لتكراره فإن الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق