جلسة 26 من فبراير سنة 1985
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الرؤوف محمد محيي الدين وعبد اللطيف أحمد أبو الخير وعلي محمد حسن وفاروق علي عبد القادر - المستشارين.
------------------
(101)
الطعنان رقما 926 و930 لسنة 27 القضائية
تعويض - صدور حكم محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار فصل مدرسة.
رفض المحكمة الإدارية العليا الطعن في الحكم وصيرورته نهائياً - مسئولية الجهة الإدارية مدنياً عن تعويض الأضرار التي ترتبت على القرار - هذه المسئولية لا تنسب إلى العمل غير المشروع كمصدر من مصادر الالتزام وإنما تنسب إلى القانون مباشرة - أساس ذلك: القرارات الإدارية تصرفات قانونية وليست أعمالاً مادية - لا تسقط مسئولية جهة الإدارة إلا بمدة التقادم الطويل أي بمدة خمس عشر سنة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق الحادي عشر من شهر مايو سنة 1981 أودع الأستاذ عبد المسيح يوسف المحامي بصفته وكيلاً عن الراهبة ماري لبيب واصف مديرة مدارس النوتردام بموجب التوكيل الرسمي العام رقم 3276 ح لسنة 1978 جنوب القاهرة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 926 لسنة 27 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 15/ 3/ 1981 في الدعوى رقم 649 لسنة 28 القضائية، الذي قضى:
أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وباختصاصها.
ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير التربية والتعليم.
ثالثاً: برفض الدفع بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم الخمسي.
رابعاً: برفض الدفعين بعدم جواز نظر الدعوى وبعدم قبولها بالنسبة لتعديل الطلبات.
خامساً : بإلزام المدعى عليها الرابعة (الطاعنة) والمدعى عليه الخامس (محافظ القاهرة) بأن يدفعا متضامنين للمدعية مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصروفات الدعوى. وطلبت الطاعنة للأسباب التي تضمنها تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط حق المطعون ضدها الأولى في رفع الدعوى وبعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة للطلبات المعدلة واحتياطياً بعدم قبولها ومن باب الاحتياط الكلي رفض الدعوى وإلزام المطعون ضدها المصروفات. وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدها الأولى (هدى فهيم حنين) في 6/ 6/ 1981 وإلى وزير التربية والتعليم ومحافظ القاهرة في 30/ 5/ 1981. وفي ذات التاريخ 11/ 5/ 1981 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير التربية والتعليم ومحافظ القاهرة، فلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 930 لسنة 27 القضائية، في ذات الحكم المشار إليه وطلبت الإدارة المذكورة للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة لجهة الإدارة واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدها بالمصروفات، وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدها في 6/ 6/ 1981.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعنين انتهت فيه للأسباب التي ارتأتها إلى رفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه. وحدد لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) جلسة 19/ 12/ 1984 وفيها قررت الدائرة ضم الطعن رقم 930 لسنة 27 قضائية إلى الطعن رقم 926 لسنة 27 قضائية ليصدر فيهما حكم واحد وحددت لإصدار الحكم جلسة 16/ 1/ 1985 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظرهما بجلسة 29/ 1/ 1985 وفيها قررت المحكمة المذكورة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
من حيث إن كلا الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما تبين من أوراق الطعنين في أن السيدة جميلة لوقا بصفتها وصية على ابنتها القاصر هدى فهيم حنين كانت قد أقامت الدعوى رقم 1378 لسنة 21 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير التربية والتعليم ووكيل وزارة التربية والتعليم ومدير منطقة شمال القاهرة التعليمية ومدير مدرسة نوتردام بوتر وطلبت فيها الحكم بوقف التنفيذ وبإلغاء قرار فصل الابنة المذكورة من مدرسة نوتردام وإعادتها إليها لاستكمال تعليمها وبجلسة 5/ 3/ 1968 قضت المحكمة بوقف التنفيذ وبإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وطعنت الجهة الإدارية في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 879 لسنة 14 ق، وبجلسة 4/ 5/ 1970 قضت دائرة فحص الطعون بالمحكمة المذكورة برفض الطعن، وفي 7/ 4/ 1974 أقامت هدى فهيم حنين الدعوى رقم 649 لسنة 28 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد ذات المدعى عليهم في الدعوى رقم 1378 لسنة 21 ق المشار إليها وطلبت فيها إلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا لها مبلغ ثلاث آلاف جنيه كتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من قرار الفصل تأسيساً على أنهم امتنعوا عن سحب القرار وتنفيذ الحكم. وبجلسة 14/ 3/ 1976 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليهما الأولى والرابعة بأن يدفعا للمدعية متضامنين مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، وطعنت الجهة الإدارية في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 426 لسنة 22 ق كما طعنت مديرة مدرسة نوتردام في ذات الحكم بالطعن رقم 814 لسنة 24 ق، وبجلسة 1/ 1/ 1979 قررت دائرة فحص الطعون ضم الطعنين بجلسة 19/ 2/ 1979 وقضت الدائرة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقررت إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) للفصل فيهما. وبجلسة 30/ 6/ 1979 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها وتنفيذاً لهذا الحكم أعادت محكمة القضاء الإداري نظر الدعوى وقضت فيها بجلسة 15/ 3/ 1981 بالحكم المطعون فيه بالطعن الماثل، وأسست المحكمة قضاءها على أن المحكمة الإدارية العليا فصلت في أمر الاختصاص الولائي بحكمها في الطعنين رقمي 814 و624 لسنة 24 ق بجلسة 14/ 3/ 1976 ولذا يتعين رفض الدفع بعدم الاختصاص، وأن اختصام وزير التربية والتعليم في الدعوى اختصام لذي صفة وقد تم أيضاً اختصام محافظ القاهرة ولذا يتعين رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، وأن الحق في التعويض يستند إلى القانون ولا يسقط الحق فيه بالتقادم إلا بمضي مدة خمس عشرة سنة، وعن الدفعين بعدم جواز نظر الدعوى وبعدم قبولها بالنسبة لتعديل الطلبات فإن المدعية قد عدلت طلباتها في الدعوى إلى المطالبة بتعويض قدره عشرة آلاف جنيه بعد أن ألغي الحكم لصالحها بتعويض قدره ثلاث آلاف جنيه، وإن إلغاء هذا الحكم الأخير يترتب عليه زواله ولا تكون له حجية على أي من أطراف الدعوى، ويحق للمدعية تعديل طلباتها، وأن أركان المسئولية الإدارية من خطأ وضرر وعلاقة سببية قد توافرت.
ومن حيث إن الطعن رقم 926 لسنة 27 ق يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية:
1 - أن الحكم أخطأ عندما رفض سقوط الحق في رفع الدعوى بانقضاء ثلاث سنوات منذ صدور حكم المحكمة الإدارية العليا في 7/ 4/ 1974 والذي بمقتضاه أصبح الحكم بإلغاء قرار الفصل نهائياً وذلك تأسيساً على أن المسئولية الإدارية أساسها القانون وبالتالي لا يسقط الحق في التعويض إلا بمضي خمس عشرة سنة، وهذا الخطأ لأن المدرسة الطاعنة ليست جهة إدارية إنما هي شخص من أشخاص القانون الخاص. والقرار الصادر منها بفصل المدعية ليس قراراً إدارياً وإنما هو فعل مادي أو هو مجرد خطأ تقوم به المسئولية التقصيرية وتتقادم دعوى التعويض عنه بمضي ثلاث سنوات طبقاً للمادة 182 مدني وقد أخذت المطعون ضدها بهذا النظر عندما أبدت في المذكرة المقدمة منها أنها تستند إلى المسئولية التقصيرية كأساس للتعويض.
2 - أخطأ الحكم برفضه الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وبعدم قبولها بالنسبة للطلبات المعدلة تأسيساً على أن حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري وإعادة الدعوى إليها يزيل الحكم السابق فلا يكون له أية حجية على أي من أطراف الدعوى لأن من المقرر أن الطاعن لا يضار من طعنه وما دامت المدعية ارتضت الحكم بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه ولم تطعن عليه فإنه يكتسب حجية بالنسبة لها ولا يجوز لها أن تعود بطلب زيادة التعويض ذلك الطلب الذي يسري بشأنه أيضاً الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم طبقاً للمادة 182 مدني.
3 - أخطأ الحكم عندما استند إلى توافر ركن الخطأ في جانب المدرسة لأن الثابت من الأوراق أنها لم تمتنع عن تنفيذ الحكم ولم تطلب المدعية العودة إلى المدرسة لأنها لم تكن تنشد مواصلة الدراسة بل كان همها الحصول على تعويض وكان في مكنتها تحويل أوراقها إلى أية مدرسة أخرى بالقاهرة الأمر الذي لم يحدث.
4 - لم تحقق المحكمة دفاع الطاعنة أنه لم يلحق المطعون ضدها ضرر بسبب قرار الفصل فضلاً عن أنها هي التي تسببت في هذا الضرر إن كان قد وقع لتقاعسها عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحها بإلغاء قرار الفصل.
5 - بالغت المحكمة في تقدير التعويض ففضلاً عن أنه لا يتناسب مع الضرر فإنه يزيد عن إمكانيات المدرسة التي تؤدي خدمة التعليم وتواجه التزامات متزايدة وتساهم في تعليم الفقراء بالمجان ومساعدتهم اجتماعياً وصحياً.
ومن حيث إن الطعن رقم 930 لسنة 27 ق ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون للسببين الآتيين:
1 - أن المدرسة التي أصدرت قرار الفصل مدرسة خاصة وسلطة الوزارة عليها هي سلطة إشرافية واقتصر دورها على اعتماد قرار الفصل، فإذا كان هذا القرار خاطئاً، فالمتسبب في الخطأ هو المدرسة وليس الوزارة أو المحافظة ولذا يكون الحكم صادراً على غير ذي صفة بالنسبة لمحافظة القاهرة ثم إن إضافة المنطقة أسباباً أخرى إلى سبب الفصل لا يغير من الأمر شيئاً لأن القرار ورد للمنطقة بالفصل قبل إضافة الأسباب الأخرى.
2 - بالغت المحكمة في تقدير التعويض ولم تبين الأضرار المادية والأدبية التي عوضت عنها.
ومن حيث إن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1378 لسنة 21 قضائية بجلسة 5/ 3/ 1968 بإلغاء قرار الفصل من المدرسة، قد حاز حجية الأمر المقضي بعد رفض المحكمة الإدارية العليا للطعن الذي أقيم في هذا الحكم، سواء في كون القرار المطعون فيه قراراً إدارياً أو في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر دعوى إلغاء هذا القرار وما يتفرع عنها من دعوى التعويض عن هذا القرار ومن ثم تكون الجهة الإدارية مسئولة مدنياً عن تعويض الأضرار التي ترتبت على القرار دون مساس بحقها في الرجوع به على المدرسة التي أصدرت قرار الفصل، وهذه المسئولية حسبما جرى بذلك قضاء هذه المحكمة، لا تنسب إلى العمل غير المشروع كمصدر من مصادر الالتزام، وإنما تنسب إلى القانون مباشرة باعتبار أن القرارات الإدارية تصرفات قانونية وليست أعمالاً مادية، فلا تسقط مساءلة الإدارة عنها بثلاث سنوات مثل التقادم المقرر في دعوى التعويض عن العمل غير المشروع، وإنما تسقط كأصل عام بالتقادم الطويل أي بمدة خمس عشرة سنة، ولا يغير من ذلك القول بأن المسئولية الإدارية أساسها المسئولية التقصيرية لأن المقصود بذلك أنها تقوم على أساس الخطأ وليس على أساس تحمل تبعة المخاطر والخطأ في القرار الإداري لا يتحقق إلا إذا كان القرار مشوباً بعيب من العيوب التي تبرر طلب إلغائه طبقاً للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة وهي عيوب عدم الاختصاص والشكل ومخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا وقد ألغت الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التعويضات) بجلسة 14/ 3/ 1976 في الدعوى رقم 649 لسنة 28 قضائية وأمرت بإعادة الدعوى إلى المحكمة المذكورة للفصل فيها من جديد، وذلك بحكمها الصادر في الطعنين رقم 426 لسنة 22 قضائية ورقم 814 لسنة 24 قضائية، فإن الحكم الملغي يزول من الوجود وتبقى الدعوى قائمة بما تضمنته من طلبات أصلية، ويحق للمدعية أن تعدل طلباتها في أي وقت قبل إعادة الفصل فيها من جديد طالما لم يسقط الحق فيها بالتقادم.
ومن حيث إنه عن عناصر المسئولية الإدارية، فإن خطأ الجهة الإدارية ثابت من حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1378 لسنة 21 قضائية بإلغاء القرار المطعون فيه، ذلك الحكم الذي أصبح نهائياً برفض الطعن المقام عنه، وحاز قوة الشيء المقضى به، ومن ثم فلا تجوز المجادلة في ثبوت هذا الخطأ، أما الضرر فقد لحق الطالبة بمجرد صدور قرار فصلها من المدرسة بغض النظر عن عودتها إلى المدرسة من عدمه أو رغبتها في مواصلة الدراسة من عدمه ورغم ما يكون لهذه العناصر من تأثير في تقدير التعويض المستحق، وقد توافرت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وتحققت بذلك عناصر المسئولية الإدارية، وإذ قدرت المحكمة التعويض المناسب للضرر الذي لحق بالطالبة بمبلغ ثلاث آلاف جنيه، وهو تقدير مقبول، فلا ينال منه القول بأنه قد غالى في التقدير بما يفوق الطاقة المادية للمدرسة ويخل بميزانيتها وبرسالتها في التعليم، لأن تقدير التعويض لا يتأثر بالحالة المادية للمحكوم عليه أو مدى يسره أو إعساره.
ومن حيث إنه عن مسئولية الجهة الإدارية عن التعويض، فقد شاركت الجهة الإدارية في الخطأ باعتمادها لقرار الفصل رغم مخالفته القانون، ولذا فإنها تكون مسئولة عن التعويض بالتضامن مع المدرسة دون إخلال بحقها في الرجوع على المدرسة بعد ذلك بالتعويض كلياً أو جزئياً.
من حيث إنه لذلك تكون أسباب الطعنين غير قائمة على أساس من الواقع أو القانون الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الطعنين وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وألزمت كل طاعن مصروفات طعنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق