الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 19 مايو 2023

الطعن 31 لسنة 33 ق جلسة 2 / 2 / 1966 مكتب فني 17 ج 1 أحوال شخصية ق 31 ص 237

جلسة 2 من فبراير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عبد المجيد يوسف الغايش؛ ومحمد ممتاز نصار؛ وصبري أحمد فرحات، ومحمد شبل عبد المقصود.

---------------

(31)
الطعن رقم 31 لسنة 33 ق "أحوال شخصية"

أهلية. "عوارض الأهلية". "السفه". حجر. "أسبابه". "السفه". "ماهيته".
السفه. تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً صحيحاً. التصرفات التي قوامها التراحم والتضامن الاجتماعي مما يحض عليه التشريع الإسلامي. لا تنطوي على خفة ولا تفيد السفه.

----------------
السفه هو تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً صحيحاً (1). وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتوقيع الحجر على الطاعنة مستنداً في ذلك إلى "أن تصرفاتها ينطبق عليها المدلول القانوني والشرعي للسفه ذلك بأنها فضلاً عن إسرافها في إنفاق كل ما استوفته من مبالغ التعويض التي قدرها المساعد القضائي لها بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومن مبالغ الإيراد الناتج من أكثر من ثلاثين فداناً رغم ضآلة مطالبها إذ لا تحتاج إلا للمأكل والملبس والمسكن وهي مفردها لم تنجب ذرية وليس لديها من تجب عليها نفقته ثم تتمادى في الإسراف وسوء التصرف فتنزل عن كل أطيانها الزراعية بطريق الهبة لأحد أولاد أختها مؤثرة إياه على بقية إخوته ولو تم ذلك لتجردت من أملاكها وأصبحت لا تجد من الإيراد السنوي ما يكفي لنفقتها وتوفير حاجتها الضرورية ولم تكتف بما استحوز عليه من إيراداتها بمقتضى التوكيل العام الصادر له منها مدة خمس عشرة سنة كاملة، وكل أولئك يدل دلالة لا ريب فيها على أن الطاعنة قد وصلت في سوء التقدير والتصرف في المال إلى الحد الذي يبرر وصمها بالسفه ويسوغ بالتالي توقيع الحجر عليها"، وهذه التقريرات من الحكم إنما تكشف عن أوضاع جارية ومتعارفة قوامها التراحم والتضامن الاجتماعي، ومما يحض عليه التشريع الإسلامي، وبالتالي فهي لا تنطوي على خفة من جانب الطاعنة وليس فيها ما ينبئ عن إنفاقها المال وإتلافه على غير ما يقتضيه العقل والشرع ولا يتحقق بها مقتضاه، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن إسماعيل إبراهيم إسماعيل المطعون عليه تقدم بشكوى إلى نيابة بني سويف للأحوال الشخصية بتاريخ 23/ 1/ 1962 ضد خالته السيدة حميدة حسين راغب التي سبق أن قررت المحكمة تعيين مساعد قضائي لها ضمنها أنها وهبت أطيانها وقدرها ثلاثون فداناً لابن أختها أحمد إبراهيم إسماعيل وأولاده دون استئذان محكمة الأحوال الشخصية وطلب اتخاذ اللازم للمحافظة على أموالها وفي التحقيق الذي أجرته النيابة أضاف المطعون عليه أنها أصدرت توكيلاً عاماً لأحمد إبراهيم إسماعيل المذكور وبمقتضى هذا التوكيل وبمعاونة المساعد القضائي أحمد حافظ حسن قام بصرف التعويض المستحق لها عن أرض نزعت ملكيتها للمصلحة العامة ومقداره ألفا جنيه لم تقبض منه شيئاً وأنه حملها على أن تهبه وأولاده أطيانها وانتهى إلى طلب توقيع الحجر عليها للسفه وسوء التصرف وقيد طلبه برقم 5 ب سنة 1962 بني سويف الكلية للأحوال الشخصية وطلبت النيابة العامة رفض الطلب لما تبين من التحقيقات التي أجرتها أن الطاعنة سليمة التفكير وعلى علم بتصرفاتها رغم أنها صماء بكماء وقد تأيد ذلك من أقوال المساعد القضائي وغيره. وبتاريخ 13/ 8/ 1962 حكمت المحكمة حضورياً برفض طلب توقيع الحجر على حميدة حسن راغب وألزمت الطالب إسماعيل إبراهيم إسماعيل أوده باشا المصروفات وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. واستأنف المطعون عليه هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم بتوقيع الحجر على المستأنف عليها وقيد استئنافه برقم 45 سنة 71 قضائية. وبتاريخ 31 مارس سنة 1963 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وببطلان الحكم المستأنف وبتوقيع الحجر على السيدة حميدة حسن راغب للسفه وتعيين أحمد إبراهيم إسماعيل أودة باشا قيماً عليها بلا أجر وألزمته بالمصروفات عن الدرجتين من مال المحجور عليها وقررت إعادة الأوراق إلى محكمة أول درجة لاتخاذ اللازم لجرد أموال المحجور عليها. وطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته على هذه الدائرة حيث لم تحضر الطاعنة وطلب المطعون عليه الحكم أصلياً بانقطاع الخصومة لوفاتها واحتياطياً رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة ثانية أحالت فيها على مذكرتها الأولى وطلبت الحكم بانقطاع سير الخصومة واحتياطياً نقض الحكم المطعون فيه في خصوص الوجهين الأول والرابع.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بتوقيع الحجر على الطاعنة على إسرافها في إنفاق ما استوفته من تعويض الأطيان التي نزعت ملكيتها وقدرها المساعد القضائي بمبلغ 3000 جنيه ومن إيرادها الناتج من أكثر من ثلاثين فداناً رغم ضآلة مطالبها ثم تماديها في الإسراف وسوء التصرف بتنازلها عن هذه الأطيان لابن أختها بطريق الهبة. وهو خطأ ومخالفة للقانون وللثابت في الأوراق، إذ الثابت فيها وفي التحقيقات التي أجرتها نيابة الأحوال الشخصية أن مبلغ التعويض الذي قبضته الطاعنة لم يتجاوز ألف جنيه تم قبضها في سنة 1959 أي منذ عدة سنوات سابقة على الطلب وأن واقعة الهبة لم تكن سوى مجرد رغبة منها تقديراً لابن أختها واعترافاً بجميله عليها ورعايته لها وقد قام المساعد القضائي بعرض هذه الرغبة على محكمة الأحوال الشخصية لاستئذانها فيها طبقاً للقانون ولم تتم - وتصرف الطاعنة في مالها وإيرادها بالصورة التي أوردها الحكم وتحت إشراف المساعد القضائي مع سلامة عقلها واكتماله لا يعتبر سفهاً في حكم الشرع والقانون لأنه لا يتضمن تبذيراً للمال وتضييعه على خلاف ما يقتضيه العقل والدين ولا إسرافاً فاحشاً في أمر غير مشروع ومن ثم كان استناد الحكم إلى اعتبار هذه التصرفات سفهاً منافياً للقانون مما يتعين معه نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن السفه هو تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً صحيحاً، وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتوقيع الحجر على الطاعنة مستنداً إلى أنه - تبين من مراجعة المستندات المودعة بملف الدعوى أن المستأنف عليها قد قبضت 1982 ج و21 م قيمة التعويض عن 6 ف و4 ط و18 س من الأرض الزراعية التي استولت عليها الحكومة للمنفعة العامة وأن المستأنف عليها كانت تمتلك أصلاً واحداً وثلاثين فداناً وجزءاً من الفدان من الأرض الزراعية باع منها وكيلها أحمد إبراهيم إسماعيل فداناً بمقولة وفاء ديونها والباقي وجملته ثلاثون فداناً وستة قراريط وستة أسهم قدمت بشأنها طلبات إلى الشهر العقاري لإشهار حل وقف وهبه لصالح أحمد إبراهيم إسماعيل وأولاده وهذه الطلبات مقدمة في 23/ 11/ 1961 و27/ 11/ 1961 أي في خلال أسبوع واحد وأنه إذا تمت هذه الهبة فإن المستأنف عليها تغدو مجردة من كل أطيانها الزراعية ولا يبقى لها سوى حصة في المنزل رقم 23 مسلسلة منطقة 7 شارع حورية المرفوع بشأنها طلب قسمة أمام لجنة القسمة الأولى بوزارة الأوقاف" وأن أحمد إبراهيم إسماعيل ابن أختها قرر أنه "ضمها إليه لتعيش في رعايته بعد أن توفى زوجها وأنها قد أصدرت له في سنة 1948 توكيلاً عاماً يبيح له إدارة أملاكها والتصرف فيها وأنه يقوم بتأجير الأطيان وتحصيل الأجرة وأنها تعيش معه منذ خمسة عشر عاماً" وأن المساعد القضائي أحمد حافظ حسن "بعد أن قرر في تحقيقات النيابة أن المستأنف عليها مكتملة القوى العقلية ذكر أمام هذه المحكمة بمحضر جلسة 23/ 12/ 1962 أنها تبلغ من العمر نحو خمسة وسبعين عاماً وأنها ضعيفة الفكر ويسهل التأثير عليها وأن أحمد إبراهيم لديه توكيل منها ويتصرف في شئونها كيف يشاء وأن الأول ساعدها في قبض نحو ثلاثة آلاف جنيه على دفعتين تعويضاً عن الأرض المملوكة لها التي نزعت ملكيتها للمنفعة العامة وأنه فهم منها أن وكيلها قد استولى على هذا المبلغ كله ولم يبق لها منه شيئاً" واستخلص الحكم مما سبق إيراده أن الطاعنة "بعد أن توفى زوجها سنة 1948 لجأت إلى أحمد إبراهيم إسماعيل أحد أولاد أختها وأقامت معه وأصدرت له توكيلاً عاماً لإدارة أملاكها وتحصيل ريعها والإنفاق عليها وكانت تملك ما يزيد على واحد وثلاثين فداناً وقد آل إليها مبلغ ألف جنيه تقريباً تعويضاً من الحكومة ولم يبين وكيلها مصدر هذا المبلغ فضلاً عن إيراد أطيانها الزراعية الذي قدره وكيل المستأنف بمبلغ تسعمائة جنيه سنوياً كل أولئك لم يوضح وكيلها شيئاً بخصوص إنفاقه عليها أو التصرف فيه بمعرفتها وكانت خاتمة المطاف أنه استوهبها باقي أطيانها فأذعنت لمشيئته وقدمت طلبات للشهر العقاري توطئة لتوثيق عقد الهبة الرسمي لصالحه هو وأولاده ولو تم ذلك لتجردت من أملاكها فيما عدا الحصة الشائعة في المنزل الذي سلفت الإشارة إليه وأصبحت لا تجد من الإيراد السنوي ما يكفي لنفقتها وتوفير حاجتها الضرورية" ثم انتهى في قضائه إلى أن "المحكمة ترى أن تصرفات المستأنف عليها ينطبق عليها المدلول القانوني والشرعي للسفه ذلك بأنها فضلاً عن إسرافها في إنفاق كل ما استوفته من مبالغ التعويض وقد قدرها المساعد القضائي لها بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومن مبالغ الإيراد الناتج من أكثر من ثلاثين فداناً رغم ضآلة مطالبها إذ لا تحتاج إلا للمأكل والملبس والمسكن وهي بمفردها لم تنجب ذرية وليس لديها من يجب عليها نفقته ثم تتمادى في الإسراف وسوء التصرف فتنزل عن كل أطيانها الزراعية بطريق الهبة لأحد أولاد أختها مؤثرة إياه على بقية إخوته ومنهم المستأنف دون أن تكتفي بما استحوز عليه من إيراداتها بمقتضى التوكيل العام الصادر له منها مدة خمس عشرة سنة كاملة كل أولئك يدل دلالة لا ريب فيها على أن المستأنف عليها قد وصلت في سوء التقدير والتصرف في المال إلى الحد الذي يبرر وصمها بالسفه ويسوغ بالتالي توقيع الحجر عليها لهذا السبب تطبيقاً لنص المادة 65 من المرسوم بقانون رقم 119 سنة 1952" وهذه التقريرات التي عول عليها الحكم إنما تكشف عن أوضاع جارية ومتعارفة قوامها التراحم والتضامن الاجتماعي ومما يحض عليه التشريع الإسلامي، وبالتالي فهي لا تنطوي على خفة من جانب الطاعنة وليس فيها ما ينبئ عن إنفاقها المال وإتلافه على غير ما يقتضيه العقل والشرع ولا يتحقق بها مقتضاه - وإذ كان ذلك، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي الأسباب.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم يتعين الحكم برفض الدعوى.


(1) نقض 20/ 6/ 1957. الطعن رقم 2 لسنة 26 ق "أحوال شخصية". السنة 8 ص 619.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق