باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من أبريل سنة 2023م،
الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري
رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 11 لسنة 43
قضائية "تنازع"
المقامة من
الشركة المصرية الأمريكية للمقاولات
ضد
1- محافـظ البحــر الأحمــر
2- رئيس مجلس مدينة الغردقة
--------------
" الإجراءات "
بتاريخ الحادي عشر من أبريل سنة 2021، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ
حكم محكمة القضـــاء الإداري بالبحـــر الأحمـــر الصـــادر بجلسة 5/ 1/ 2021، في
الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية البحر الأحمر، وفى الموضوع: بعدم الاعتداد بذلك
الحكم، والاعتداد بحكم محكمة البحر الأحمر الابتدائية الصادر بجلسة 28/ 3/ 2017،
في الدعوى رقم 105 لسنة 2016 مدني كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا
مأمورية البحر الأحمر الصادر بجلسة 19/ 12/ 2017، في الاستئناف رقم 327 لسنة 36
قضائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الاعتداد بحكم محكمة القضاء
الإداري بالبحر الأحمر الصادر في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية، دون حكم محكمة
البحر الأحمر الابتدائية الصادر في الدعوى رقم 105 لسنة 2016 مدني كلي، المؤيد
بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت الشركة
المدعية حافظة مستندات، وثلاث مذكرات صممت فيها على طلباتها، وقررت المحكمة إصدار
الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.
--------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بقنا، الدعوى رقم 1870 لسنة
20 قضائية، التي صار قيدها أمام محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر برقم 356 لسنة
1 قضائية، بطلب الحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء، قرار محافظ البحر الأحمر رقم 362 لسنة
2012، بفسخ عقد البيع الابتدائي المحرر بتاريخ 24/ 12/ 1992، المتضمن بيع المدعى
عليه الثاني للشركة المدعية قطعة الأرض الكائنة بمدينة الغردقة بتقسيم شمال
الأحياء السياحي، البالغ مساحتها ثلاثة آلاف متر مربع، المبينة بالعقد. وبجلسة 15/
1/ 2021، حكمت المحكمة برفض الدعوى، على سند من مخالفة الشركة المدعية لشروط العقد
المار ذكره، بعدم تنفيذ التزامها بإنشاء المركز السياحي، وقعودها عن ذلك لمدة
عشرين سنة سابقة على تاريخ صدور قرار الجهة الإدارية بفسخ ذلك العقد.
ومن جهة أخرى، أقام المدعى عليهما أمام محكمة البحر الأحمر الابتدائية،
الدعوى رقم 105 لسنة 2016 مدني كلي حكومة، بطلب محو وشطب العقد المسجل رقم 346
لسنة 1993، شهر عقاري الأقصر، المؤرخ 6/ 9/ 1993، بمساحة خمسة عشر ألف متر مربع،
المبينة بالأوراق، والتي تتضمن مساحة ثلاثة آلاف متر مربع، محل عقد البيع
الابتدائي المحرر بتاريخ 24/ 12/ 1992، وتسليم الأرض محل النزاع بما عليها من
منشآت. وذلك على سند من أن الشركة المدعية خالفت شروط التعاقد بعدم تنفيذ التزامها
بإنشاء المركز السياحي، باعتبار أن ذلك هو الغرض من البيع، وقد نص في العقد المسجل
على اعتبار عقد البيع الابتدائي المبرم بين المدعى عليه الثاني والشركة المدعية،
بكل شروطه، جزءًا لا يتجزأ منه. وبجلسة 28/ 3/ 2017، حكمت تلك المحكمة برفض
الدعوى، وأقامت حكمها على سند من أن تحرير العقد المسجل دون النص صراحة في صلبه
على الشروط الاستثنائية الواردة في العقد الابتدائي دليل على تقايل طرفي التعاقد
من الشروط المنصوص عليها في ذلك العقد. لم يرتض المدعى عليهما هذا القضاء، وطعنا
عليه أمام محكمة استئناف قنا - مأمورية البحر الأحمر - بالاستئناف رقم 327 لسنة 36
قضائية، وبجلسة 19/ 12/ 2017، قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف.
وإذ تراءى للشركة المدعية أن الحكمين السالفي البيان قد تعامدا على
محل واحد، وتناقضا، ويتعذر تنفيذهما معًا، فأقامت دعواها المعروضة، على سند من أن
العقد المسجل المحرر بتاريخ 6/ 9/ 1993، لم يتضمن أية شروط أو التزامات تتحملها
الشركة سوى أداء الثمن، وإذ كان الثابت أنها أدته بالفعل، وكان هذا العقد قد خلا
من أية شروط استثنائية، بما مفاده نسخ الشروط الاستثنائية الواردة بالعقد
الابتدائي، ومنها إقامة مشروع سياحي في أجل محدد، الأمر الذي يكون معه العقد
المسجل ذا طبيعة مدنية خالصة، يتجرد بها قرار محافظ البحر الأحمر بفسخ هذا العقد
من طبيعة القرارات الإدارية ، وينعقد الاختصاص الولائي بالفصل في المنازعات
الناشئة عنه إلى جهة القضاء العادي.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط قبول طلب الفصل في
التناقض بين حكمين نهائيين، طبقًا للبند ثالثًا من المادة (25) من قانون المحكمة
الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون النزاع بشأن حكمين
نهائيين، صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين، تعامدا على محل واحد، وكانا حاسمين
لموضوع الخصومة، ومتناقضين بحيث يتعذر تنفيذهما معًا، بما مفاده أن إعمال هذه
المحكمة لولايتها في مجال التناقض المدعى به بين حكمين نهائيين يتعــذر تنفيذهمـا
معًا، يقتضيهـا أن تتحقق أولاً مـن وحـدة موضوعهمـا، ثم تناقض قضائيهما بتهادمهما
معًــا فيما فصلا فيه من جوانب الموضوع، فإذا قام الدليل لديها على وقوع هذا
التناقض، كان عليها عندئذ أن تفصــل فيما إذا كان تنفيذهمــا معًا متعــذرًا،
وهــو ما يعنــي أن بحثهــا في تعــذر تنفيــذ هذيــن الحكمين، يفترض تناقضهمــا،
ولا يقوم هذا التناقض - بداهة - إن كان موضوعهما مختلفًا.
متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن كلا الحكمين المدعى تناقضهما قد
صدرا من جهتي قضاء مختلفتين؛ إذ صدر الحكم الأول من جهة القضاء الإداري - محكمة
القضاء الإداري بالبحر الأحمر- في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية البحر الأحمر، على
حين صدر الحكم الثاني من جهة القضاء العادي - محكمة البحر الأحمر الابتدائية - في
الدعوى رقم 105 لسنة 2016، مدني كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية
البحر الأحمر في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية، وكان الحكم الأول قد قضى برفض
دعوى إلغاء قرار جهة الإدارة بفسخ عقد البيع الابتدائي المحرر بين الشركة المدعية
والمدعى عليه الثاني بتاريخ 24/ 12/ 1992، المتضمن بيع قطعة أرض مساحتها ثلاثة آلاف
متر مربع، المبينة الحدود والمعالم ضمن مساحة خمسة عشر ألف متر مربع المبيعة
بالعقد المسجل بتاريخ 6/ 9/ 1993، منتهيًا إلى صحة قرار الإدارة بفسخ العقد الأول.
على حين قضى الحكم الآخر الصادر من جهة القضاء العادي برفض الدعوى المقامة من جهة
الإدارة بطلب محو وشطب العقد المشهر برقم 346 لسنة 1993، شهر عقاري الأقصر، المؤرخ
6/ 9/ 1993، بما مؤداه بقاء عقد البيع المسجل صحيحًا، ولما كان كلا الحكمين قد
أقاما قضائيهما على اعتبار أن مساحة الثلاثة آلاف متر مربع موضوع العقد الابتدائي
داخلة في مساحة الخمسة عشر ألف متر مربع موضوع العقد المسجل، ومن ثم فإن كلا
الحكمين يكونان قد تناقضا بشأن مساحة الثلاثة آلاف متر مربع موضوع الحكم الصادر من
جهة القضاء الإداري، على نحو يتعذر معه تنفيذهما معًا، دون بقية المساحة المبيعة
المبينة بالحكم الصادر من جهة القضاء العادي، وبذلك يتحدد نطاق دعوى التنازع
المعروضة.
وحيث إن المسألة الأولية التي يطرحها الفصل في هذا التناقض هي تحديد
الطبيعة القانونية للعقد محل الدعويين الصادر فيهما الحكمان موضوع التناقض
المعروض. إذ كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقود التي تكون
الإدارة طرفًا فيها لا تعتبر جميعها من العقود الإدارية، ولا هي من العقود المدنية
بالضرورة، وإنما مرد الأمر في تكييفهـا إلى مقوماتها، وبوجه خاص إلى ما إذا كانت
شروطها تدل على انتهاجها وسائل القانون الخاص أو أسلوب القانون العام، ويتعين
لاعتبار العقد من العقود الإدارية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون أحد
أطرافه شخصًا اعتباريًّا عامًّا، وأن يتعاقد بوصفه سلطة عامة، وأن يتصل العقد
بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه، وأن يتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية،
وهو انتهاج أسلوب القانون العام فيما تتضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في
روابط القانون الخاص.
متى كان ذلك، وكان العقد المسجل المشار إليه، قد نص على اعتبار عقد
البيع الابتدائي المبرم بين الوحدة المحلية والشركة المدعية، بكل شروطه، جزءًا لا
يتجزأ من هذا العقد. وكان العقد الابتدائي المحال إليه قد نص في تمهيده على أنه
أبرم استنادًا إلى قرار محافظ البحر الأحمر رقم 33 الصادر في 17/ 5/ 1982، بين
الشركة المدعية، والمدعى عليه الثاني، وهو أحد أشخاص القانون العام، بهدف إنشاء
مرفق عام، هو مركز سياحي متكامل يمول ذاتيًّا، يخصص لأنشطة السباحة والغطس والصيد
بقصد تشجيع السياحة الداخلية والخارجية، وأن ذاك البيع قد وقع بقصد تأسيس وإدارة
هذا المرفق، تنفيذًا لهذا الغرض، ولم يُجِز هذا العقد للشركة المدعية استخدام
الأرض الَمِبيعة في غير هذا الغرض. كما نص في البند ( تاسعًا) منه، على التزام
الشركة المدعية بتنفيذ المشروع خلال الأجل المتفق عليه ( سنتان)، ونص البند العاشر
على سلطة الجهة الإدارية المتعاقدة في مراقبة تنفيذ العقد وتوجيه الأعمال الخاصة
بتنفيذه، وتعديل الشروط المتعلقة بسير العمل فيه، ونص البند الثالث عشر على حق
المدعى عليهما في فسخ العقد بموجب إجراء إداري، لا محـل فيه لرضا الطـرف الثانـي،
دون إنـذار أو إعذار. وحيث إن مؤدى ذلك جميعه، أن عقد البيع الابتدائي المؤرخ 24/
12/ 1992، قد تضمن شروطًا استثنائية غير مألوفة، يخرج بها عن طبيعة العقود التي
تبرم في دائرة القانون الخاص، مما مؤداه اندراج عقد البيع المار ذكره ضمن العقود
الإدارية، ومن ثم تختص جهة القضاء الإداري ولائيًّا بالفصل في كافة المنازعات
الناشئة عن تنفيذه، ولزامه الاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر
الصادر بجلسة 5 / 1/ 2021، في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية، دون الحكم الصادر من
محكمة البحر الأحمر الابتدائية بجلسة 28/ 3/ 2017، في الدعوى رقم 105 لسنة 2016
مدني كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر، الصادر
بجلسة 19/ 12/ 2017، في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية.
ولا ينال من ذلك، ما تمسكت به الشركة المدعية من أن الإحالة إلى شروط
العقد الابتدائي في عجز العقد المسجل، قد أضيفت بعد تحرير العقد الأخير، إذ إن
إثارة هذا الدفاع، إنما ينحل إلى طعن في صحة ذلك الشرط، مما يدخل تحقيقه والفصل
فيه، في ولاية قضاء الموضوع، ولا يستنهض، بهذه المثابة، ولاية المحكمة الدستورية
العليا، ولزامه الالتفات عن الدفاع المشار إليه.
وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري السالف بيانه،
فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع ، وإذ تهيأ النزاع المعروض للفصل في موضوعه، على
نحو ما تقدم بيانه، فإن مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا اختصاص البت في هذا
الطلب طبقًا لنص الفقرة الثانية من المادة (32) من قانون هذه المحكمة، يكون قد صار
غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر
الصادر بجلسة 5/ 1/ 2021، في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية، دون حكم محكمة البحر
الأحمر الابتدائية الصادر بجلسة 28/ 3/ 2017، في الدعوى رقم 105 لسنة 2016، مدني
كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر الصادر بجلسة 19/
12/ 2017، في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق