جلسة 27 من ديسمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/
توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى
رضوان، ومحمود عزيز الدين سالم، ومحمود العمراوي، ومحمد أبو الفضل حفني.
---------------
(184)
الطعن رقم 1850 لسنة 35
القضائية
(أ) دعوى. "دعوى
جنائية. دعوى مدنية". اختصاص.
دعاوى الحقوق المدنية.
الأصل أن ترفع إلى المحاكم المدنية. إباحة للقانون رفعها استثناء إلى المحاكم
الجنائية متى كان طلب التعويض ناشئا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة موضوع
الدعوى الجنائية. الأثر المترتب على تخلف هذا الشرط: عدم اختصاص المحكمة بالفصل في
الدعوى المدنية. توزيع الاختصاص على هذا النحو من النظام العام. مثال.
(ب) قانون. إتلاف. جريمة.
القانون الجنائي لا يعرف
جريمة إتلاف المنقول بإهمال.
(ج) دفاع. "الإخلال
بحق الدفاع. ما لا يوفره".
لا يعيب الحكم أن يكون
دفاع المتهم غير مدون بالتفصيل في محضر الجلسة. على المتهم أن يطلب صراحة تدوين ما
يعنيه إثباته في المحضر.
---------------
1 - من المقرر أن الأصل
في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون استثناء
رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، وكان الحق المدعى به
ناشئا عن ضرر للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية أي أن يكون طلب
التعويض ناشئا مباشرة عن الفعل الضار المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية
المنظورة - فإذا لم يكن كذلك سقطت هذه الإباحة - وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة
بنظر الدعوى المدنية ومتى تقرر أن هذه الإباحة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون
ممارستها في الحدود التي رسمها القانون ويكون توزيع الاختصاص على هذا النحو من
النظام العام لتعلقه بالولاية وإذ قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر طلب التعويض عن
الأضرار التي لحقت بالسيارة فإنها تكون قد أصابت صحيح القانون وليس فيما قضت به
المحكمة تناقض بين ما حكمت به من رفض دعوى التعويض عن إصابات الطاعن لعدم ثبوت
تهمة الإصابة الخطأ في حق المطعون ضده وهو حد اختصاصها في الدعاوى المدنية التي
ترفع لها عن التعويض الناشئ عن الجريمة وبين ما حكمت به من عدم اختصاصها بالتعويض
عن تلفيات السيارة لأن الضرر فيها ليس ناشئا مباشرة عن الجريمة.
2 - القانون الجنائي لا
يعرف جريمة إتلاف المنقول بإهمال.
3 - لا يعيب الحكم أن
يكون دفاع المتهم غير مدون بالتفصيل في محضر الجلسة. وإذا كان يهمه بصفة خاصة
تدوين أمر فيه فهو الذى عليه أن يطلب صراحة إثباته به.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن وآخر بأنهما في يوم 11 ديسمبر سنة 1962 بدائرة قسم الرمل: (أولا) تسببا من
غير قصد ولا تعمد في إصابة محمد أبو الحسن أحمد ومحمد علي يوسف مطاوع والسيد عبد
الوهاب ومحمد سعيد علي سراج وكان ذلك ناشئا عن إهمالهما وعدم احتياطهما بأن قادا
سيارتين بكيفية ينجم عنها الخطر فاصطدمتا وأحدثتا إصابات المصابين سالفي الذكر.
(ثانيا) قادا سيارتين بكيفية تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر. وطلبت عقابهما
بالمادة 244 من قانون العقوبات. وادعى (الطاعن) مدنيا قبل المتهم الأول والمسئول
عن الحقوق المدنية متضامنين وطلب القضاء له بمبلغ أربعة آلاف جنيه على سبيل
التعويض والمصاريف. ومحكمة جنح الرمل الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 27 مايو سنة 1963
عملا بمواد الاتهام (أولا) في الدعوى الجنائية بحبس المتهم الأول شهرا واحدا مع
الشغل وكفالة 200 قرش لإيقاف التنفيذ وبراءة المتهم الثاني مما أسند إليه بلا
مصاريف جنائية. (ثانيا) في الدعوى المدنية بالزام المتهم الأول والمسئول بالحقوق
المدنية أن يدفعا للمتهم الثاني مبلغ ثلاثة آلاف جنيه والمصاريف المدنية المناسبة
وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المتهم
الأول والمسئول عن الحقوق المدنية هذا الحكم كما استأنفته النيابة العامة. ومحكمة
الاسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت في 20 يونيه سنة 1964 حضوريا
وبإجماع الآراء بقبول استئنافات المتهم الأول والمسئول عن الحقوق المدنية والنيابة
شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف (أولا) ببراءة المتهم الأول مما نسب إليه
وبرفض الدعوى المدنية المرفوعة عن تعويض الإصابات التي لحقت المدعى المدني وبعدم
اختصاص محكمة الجنح بنظر طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت السيارة وألزمت المدعى المدني
المصاريف المدنية عن الدرجتين وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. (ثانيا) بتغريم
المتهم الثاني "الطاعن" عشرة جنيهات عن التهمتين بلا مصاريف جنائية.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على
الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الإصابة الخطأ ورفض دعوى التعويض المرفوعة
منه ضد المتهم الأول عن الأضرار التي لحقت به من جراء إصابته وبعدم اختصاص محكمة
الجنح بدعوى التعويض عن الأضرار التي لحقت به بسبب إتلاف سيارته قد شابه قصور في
التسبيب وفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه أسس قضاءه على أقوال
الشاهد متى حبيب متى من أنه انحرف بسيارته إلى اليسار انحرافا أدى إلى تصادمه
بالسيارة الأتوبيس القادمة في عكس اتجاهه والتي كان يقودها المتهم الأول وتجاهل
الأدلة المادية القاعدة في الدعوى ولم يلتفت إلى دلالتها أو يعنى بالرد عليها إذ
أن مؤدى وقوع المصادمة من الجهة اليمنى بسيارته وسيارة المتهم الأول يقطع بأن
الأخير كان يخترق الطريق بالعرض ومع كبر حجم سيارة الأتوبيس وثقلها بالركاب فإنه
لا يمكن أن ننحرف من جراء مصادمة سيارة الطاعن الملاكي إلى يسار اتجاهها فضلا عن
أن ما جاء بشهادة شاهد الإثبات بجلسة 28/ 3/ 1964 من وجود طريق متفرع على يسار
اتجاه السيارة الأتوبيس يقطع في صدق تصوير الطاعن للحادث من أن المتهم الأول أراد
أن ينحرف بها يسارا إلى الطريق المتفرعة مما أدى إلى وقوع الحادث. كذلك أغفل الحكم
اعتراف المتهم الأول من أنه انحرف يساره لتفادى المصادمة مع أن هذا الانحراف يعجل
باللقاء بين السيارتين ولو سار في طريقه أو انحرف يمينا لما وقع الحادث كما اطرح
شهادة الشهود الذين ظاهروا الطاعن استنادا إلى أنه لم يشهد أحدا وأن شهادتهم موعز
بها ولم يتقدموا للشهادة لشرطة النجدة فور وقوع الحادث وتناقضها مع شاهد الإثبات
في حين أن الثابت أن الطاعن كان في غيبوبة على أثر الحادث لم تمكنه من الاستشهاد بأحد
أو اتصاله بالشهود للإيحاء إليهم بأقوال معينة وأن شرطة النجدة على ما هو ثابت
بالأوراق تأخرت في الوصول لمكان الحادث فضلا عن أن الحكم قد عول على أقوال متى
حبيب متى شاهد الإثبات رغم المطاعن العديدة التي تنال منها والتي أظهرها المدافع
عن الطاعن في مذكرته المقدمة للمحكمة وبمرافعته الشفوية التي لم يثبت بمحضر الجلسة
شيئا عنها كذلك وما انتهى إليه الحكم من عدم اختصاص محكمة الجنح بشق دعوى التعويض التي
رفعها الطاعن ضد المتهم الأول والمسئول عن الحقوق المدنية عن الأضرار التي لحقته
من إتلاف سيارته استنادا إلى أن هذه الأضرار غير ناشئة عن الجريمة ينطوي على تناقض
ومخالفة للقانون لأن نفى خطأ المتهم الأول لا يجعل محكمة أخرى مختصة بنظر دعوى
التعويض ولأن المحكمة قد فاتها أن النيابة العامة أسندت له وللمتهم الأول تهمة
ثانية بوصف قيادة كل لسيارته بكيفية تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر وهي تهم من
شأنها أن تعرض على محكمة الجنح أمر التعويض عن التلفيات التي حدثت بالسيارة.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي
الإصابة الخطأ وقيادة السيارة بكيفية تعرض حياة الأشخاص للخطر التي دين الطاعن
بهما أورد على ثبوتهما في حقه وانتفائهما عن المتهم الأول محمد السيد أحمد أدلة من
شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال شاهد الإثبات متى حبيب متى
والمجنى عليهم المصابين الذين أيدوه وكانوا يرافقون المتهم الأول في سيارته ومن
جسامة تلفيات سيارة الطاعن التي تشير إلى سرعته وفصلها بقوله "وحيث إن الثابت
من أقوال الشاهد متى حبيب متى وهو شاهد الرؤية المحايد الذى تقدم للشهادة والإدلاء
بأقواله عقب الحادث مباشرة أن السبب المباشر الذى أدى إلى حصول الحادث هو انحراف
سيارة المتهم الثاني (الطاعن) إلى يسارها ناحية سيارة الأتوبيس قيادة المتهم الأول
عند اقترابهما وقيادة المتهم الثاني لسيارته بسرعة كبيرة تزيد عن الحد المسموح به
قانونا مما أدى إلى اصطدام السيارتين بالتصوير الذى أوراه الشاهد الأمر الذى نشأ
عنه حصول إصابة المجنى عليهم نتيجة خطأ المتهم المذكور ورعونته أثناء قيادته
للسيارة ومما يؤيد سلامة هذا التصوير ما قرره المجنى عليهم الذين كانوا يرافقون
المتهم الأول في سيارته إذ شهدوا بمثل رواية الشاهد الأمر الذى تطمئن معه المحكمة
إلى سلامة تلك الرواية خاصة وأن شدة التلفيات بالسيارة الملاكي إنما تشير إلى السرعة
المؤيدة للسيارة المذكورة وقت حصول الحادث" وما أورده الحكم في هذا الشأن
سائغ وسديد ولا يتنافى مع دلالة التلفيات التي تخلفت في الجانب الأيمن لكلا
السيارتين لأن مقتضى تصوير شاهد الإثبات للحادث - والذى اطمأنت إليه المحكمة - من
انحراف الطاعن إلى اليسار دون سبب ومحاولة المتهم الأول مفاداته بالانحراف هو
الآخر ليساره يقتضى حصول التلفيات في هذه المواضع من السيارتين. لما كان ذلك، فإن
ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ما هو إلا جدل موضوعي في تقدير المحكمة الأدلة
ومصادرة لها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض لما هو مقرر من أن
لمحكمة الموضوع حسب الأصل أن تستخلص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود
وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح
ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل
والمنطق ولها أصلها في الأوراق ولما لها من سلطة وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي
يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من
الشبهات وتنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة
لمحكمة النقض عليها. ولها أن تأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة وإطراح ما عداها دون
أن تكون ملزمة بالرد على كل دليل على حدة صراحة ما دام أن ردها مستفاد ضمنا من
قضائها بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت الأخرى. أما نعيه بخصوص خلو محضر الجلسة
من إثبات المطاعن التي وجهها لشاهد الإثبات فمردود بأنه لا يعيب الحكم أن يكون
دفاع المتهم غير مدون بالتفصيل في محضر الجلسة وإذا كان يهمه بصفة خاصة تدوين أمر
فيه فهو الذي عليه أن يطلب صراحة إثباته به. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل
في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون استثناء
رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، وكان الحق المدعى به
ناشئا عن ضرر للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية أي أن يكون طلب
التعويض ناشئا مباشرة عن الفعل الضار المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية
المنظورة فإذا لم يكن كذلك سقطت هذه الإباحة وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة
بنظر الدعوى المدنية، ومتى تقرر أن هذه الإباحة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون
ممارستها في الحدود التي رسمها القانون ويكون توزيع الاختصاص على هذا الشق من
النظام العام لتعلقه بالولاية وإذن فمتى كانت الدعوى العمومية قد رفعت على المتهم
الأول بتهمتي الإصابة الخطأ وقيادة سيارته بكيفية تعرض حياة الأشخاص والأموال
للخطر فتدخل الطاعن مدعياً بحق مدني للمطالبة ضمن ما طلب بقيمة التلف الذي أصاب
سيارته وكان الضرر الذي أسس عليه دعواه في هذا الشق من الدعوى المدنية لم ينشأ
مباشرة عن أي من الجريمتين موضوع الدعوى الجنائية وإنما نشأ عن إتلاف السيارة وهي
واقعة لم ترفع بها الدعوى الجنائية وما كانت لترفع بها لأن القانون الجنائي لا
يعرف جريمة إتلاف المنقول بإهمال إذ قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر طلب التعويض
عن الأضرار التي لحقت السيارة فإنها تكون قد أصابت صحيح القانون وليس فيها قضت به
المحكمة تناقض بين ما حكمت به برفض دعوى التعويض عن إصابات الطاعن لعدم ثبوت تهمة
الإصابة الخطأ في حق المطعون ضده وهو حد اختصاصها في الدعاوى المدنية التي ترفع
لها عن التعويض الناشئ عن الجريمة وبين ما حكمت به من عدم اختصاصها بالتعويض عن
تلفيات السيارة لأن الضرر فيها ليس ناشئا مباشرة عن الجريمة. ومن ثم فلا محل لما
يثيره الطاعن في هذا الصدد.
وحيث إنه لما تقدم يكون
الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن
المصاريف المدنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق