الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 يونيو 2020

الطعن 1963 لسنة 35 ق جلسة 26 / 4 / 1966 مكتب فني 17 ج 2 ق 94 ص 491


جلسة 26 من إبريل سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح.
-------------------
(94)
الطعن رقم 1963 لسنة 35 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ، و، ز) جريمة. "جريمة الإهمال الجسيم". "أركانها". موظفون عموميون.
(أ) جريمة المادة 116 مكرر (ب) عقوبات. أركانها: خطأ جسيم، وضرر جسيم، ورابطة سببية.
(ب) الخطأ الجسيم. صوره: ثلاث - منها الإهمال الجسيم في أداء الوظيفة.
الإهمال الجسيم في نطاق الأموال والوظائف العامة. ماهيته: صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه. قوامه: تصرف إرادي خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها.
السلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس في أعمالهم أو طبيعة مهنتهم وظروفها. قعوده عن بذل القدر الذي يبذله أكثر الناس تهاوناً في أمور نفسه. اعتبار تصرفه خطأ جسيماً.
الإهمال الذي يستوجب عادة الاكتفاء بمؤاخذة الموظف تأديباً لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم في حكم المادة 116 مكرر (ب) عقوبات.
)ج) وجوب التفرقة بين الخطأ الجسيم وبين الغش في المسئولية الجنائية. كل منهما يمثل وجهاً مغايراً للإجرام.
اكتفاء المشرع بالخطأ الجسيم في جريمة الإهمال الجسيم، واستلزامه الغش ركناً معنوياً في جريمة الإضرار العمد.
)د) وقوع الإهمال الجسيم بفعل واحد. غير لازم. تحققه بأفعال متعددة إيجابية أو سلبية متلاحقة.
)هـ) الخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً في الجرائم غير العمدية. توافره: بتصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية.
)و) الضرر في جريمة المادة 116 مكرر (ب) عقوبات. ماهيته: هو الأثر الخارجي للإهمال الجسيم المعاقب عليه. شروطه: أن يكون جسيماً، محققاً، مادياً. تقدير مبلغ الجسامة. أمر متروك لقاضى الموضوع.
)ز) وجوب توافر رابطة السببية بين الخطأ الجسيم والضرر الجسيم بحيث تكون جريمة الموظف نتيجة سلوكه - فعلاً كان أو امتناعاً.
)ح، ط) اختلاس أموال أميرية. جريمة. "أركانها". موظفون عموميون.
)ح) جريمة المادة 112 عقوبات. أركانها: فعل مادي (هو التصرف في المال) وعامل معنوي يقترن به (هو نية إضاعة المال على ربه).
)ط) مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي لا يعتبر بذاته دليلاً على حصول الاختلاس. جواز أن يكون العجز ناشئاً عن خطأ حسابي أو لسبب آخر.
)ى، ك، ل) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "خبرة".
)ى) وجوب بناء الأحكام على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال.
)ك) لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات والمفاضلة بينها.
)ل) المحاكمة الجنائية. تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. كفايته للقضاء له بالبراءة.

---------------
1 - تدل المراحل التشريعية التي مر بها نص المادة 116 مكرر (ب) من قانون العقوبات المستحدثة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 وأعماله التحضيرية على أن إعمال حكم هذه المادة يتطلب توافر أركان ثلاثة - هي: خطأ جسيم، وضرر جسيم، ورابطة سببية بين ركني الخطأ الجسيم والضرر الجسيم.
2 - حدد المشرع للخطأ الجسيم صوراً ثلاث منها - الإهمال الجسيم في أداء الوظيفة. والإهمال الجسيم في نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه - قوامه تصرف إرادي خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها. والسلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس في أعمالهم أو طبيعة مهنتهم وظروفها، فإن قعد عن بذل القدر الذي يبذله أكثر الناس تهاوناً في أمور نفسه كان تصرفه خطأ جسيماً. وترتيباً على ذلك فإن الإهمال الذي يستوجب عادة الاكتفاء بمؤاخذة الموظف تأديباً لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم الذي عناه الشارع في نص المادة 116 مكرر (ب) من قانون العقوبات. وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون عن معيار هذا الإهمال الجسيم من أن "بناء المجتمع الجديد يوجب على كل فرد ضرورة التزام الحيطة والحرص على هذه الأموال والمصالح العامة حرصه على ماله ومصلحته الشخصية". ذلك أن عدم حرص الموظف على مصلحته الشخصية لا شك مما يلام عليه وينبو عما يجب أن يكون عليه سلوك الرجل العادي الملتفت لشئونه.
3 - يتعين عدم الخلط بين الخطأ الجسيم والغش - إذ أن كلاً منهما يمثل وجهاً مغايراً للإجرام يختلف عن الآخر - وإن جاز اعتبار الخطأ الجسيم والغش صنوين في مجال المسئولية المدنية أو المهنية، إلا أن التفرقة بينهما واجبة في المسئولية الجنائية. يؤكد ذلك أن المشرع أدخل بالمادة 116 مكرر ( أ ) عقوبات جريمة الإضرار العمد في ذات التعديل الذي استحدث به جريمة الإهمال الجسيم، فاستلزم الغش ركناً معنوياً في الجريمة الأولى، واكتفى بالخطأ الجسيم ركناً في الثانية.
4 - لا يشترط أن يقع الإهمال الجسيم بفعل واحد - بل قد يتحقق بأفعال متعددة إيجابية أو سلبية متلاحقة.
5 - الخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً في الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية. وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجة مماثلة للظروف التي أحاطت بالمسئول.
6 - الضرر في الجريمة المنصوص عليها في المادة 116 مكرر (ب) من قانون العقوبات هو الأثر الخارجي للإهمال الجسيم المعاقب عليه، وشرطه - أن يكون جسيماً بدوره. وقد ترك المشرع تقدير مبلغ جسامته لقاضي الموضوع لاختلاف مقدار الجسامة في كل حالة عن غيرها تبعاً لاعتبارات مادية عديدة. كما يشترط في الضرر أن يكون محققاً، ذلك أنه أحد أركان الجريمة ولا يؤثم مسلك إذا كان أحد أركان الجريمة فاقداً. كذلك فإنه يشترط أن يكون مادياً بحيث يلحق أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته، أو أموال أو مصالح الأفراد المعهود بها إلى تلك الجهة - والمراد بالمصلحة في هذا المقام - المصلحة المادية - أي المنفعة التي يمكن تقويمها بالمال. ذلك أن الشارع لم يتجه إلى إدخال المصالح الأدبية للأفراد في نطاق الحماية المقررة في هذه المادة وهى ترعى أساساً الأموال العامة والمصالح القومية والاقتصادية للبلاد - سعياً وراء بناء مجتمع جديد - أما انعطاف حمايته إلى أموال الأفراد أو مصالحهم المادية المعهود بها إلى جهة عامة فذلك لأن نشاط هذه الأموال إنما يتصل بخطة التنمية الاقتصادية والتنظيم الجديد للمجتمع. وبذلك يستوي أن تكون صورة الضرر انتقاص مال أو منفعة أو تضييع ربح محقق.
7 - يجب أن تتوافر رابطة السببية بين الخطأ الجسيم والضرر الجسيم بحيث تكون جريمة الموظف نتيجة سلوكه - فعلاً كان أو امتناعاً.
8 - فرض القانون العقاب في المادة 112 من قانون العقوبات على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته باعتباره حائزاً له إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له. وهو معنى مركب من فعل مادي - هو التصرف في المال - ومن عامل معنوي يقترن به - وهو نية إضاعة المال على ربه.
9 - من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي لا يمكن أن يكون بذاته دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر.
10 - يجب أن تبنى الأحكام على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال.
11 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والفصل فيما يوجه إلى تلك التقارير من اعتراضات والمفاضلة بينهما والأخذ بما تراه مما ترتاح إليه وإطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل بما لا يجوز معه مجادلتها ومصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض.
12 - يكفى في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة. إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين الأول والثاني والمطعون ضدهم في الطعن المرفوع من النيابة العامة بأنهم بين عام 1961 ونهاية عام 1964 بدائرة قسم محرم بك محافظة الإسكندرية: (أولاً) المتهم الأول (الطاعن الأول) بصفته موظفاً عمومياً بالجمعية التعاونية الاستهلاكية المملوكة للدولة "رئيس قسم الإنشاءات بالإسكندرية" اختلس مبلغ 5266 ج و787 م لهذه الجمعية وكان قد تسلمه كأمين عليه للصرف منه على عمليات الإنشاءات. (ثانياً) المتهمين الثاني والثالث (المطعون ضدهما الأول والثاني) بوصفهما موظفين عموميين بالجمعية المذكورة - عضوي لجنة تسويق الخضروات والفاكهة اختلساً مبلغ 10770 ج لهذه الجمعية وكانا قد تسلماه كأمينين عليه للصرف منه على مشتروات الجمعية من الخضروات والفاكهة. (ثالثاً) المتهم العاشر (المطعون ضده الثامن) بوصفه موظفاً عمومياً رئيس مجلس إدارة الجمعية المذكورة تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بأموالها ومصالحها وكان ذلك ناشئاً عن إهماله الجسيم في أداء وظيفته وواجباتها بأن أمر بعد علمه بدلائل الاختلاس بتسوية المبالغ المعلقة بخزانة الجمعية بالإسكندرية قبل مراجعة العمليات التي تم صرف هذه المبالغ عليها والتحقق من صحة مستنداتها مما ترتب عليه التجاوز عن وقائع الاختلاس سالفة الذكر وعدم ضبطها في حينها وعدم مطالبة المتهمين الثلاثة الأول بالأموال المختلسة وضياعها على الجمعية. (رابعاً) المتهمين الرابع والخامس (المطعون ضدهما الثالث والرابع) بوصفهما موظفين عموميين الأخير مدير الجمعية السابق بالإسكندرية والأول بقسم الإنشاءات بها اختلساً مبلغ 1465 ج لهذه الجمعية وكانا قد تسلماه كأمينين عليه للصرف منه على عملية شراء الثلاجات. (خامساً) المتهم الثامن (المطعون ضده السادس) اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الرابع والخامس في ارتكاب جريمة الاختلاس المنسوبة إليهما بأن اتفق معهما عليها وساعدهما في الأعمال المسهلة للجريمة مع علمه بها إذا أثبت أثماناً لبيع الثلاجات للجمعية تزيد على الأثمان الحقيقية وقد وقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وهذه المساعدة. (سادساً) المتهمين التاسع والعاشر (المطعون ضدهما السابع والثامن) بوصفهما موظفين عموميين التاسع رئيس مجلس إدارة المؤسسة التعاونية الاستهلاكية والعاشر رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الاستهلاكية المملوكة للدولة - تسبباً بخطئهما الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بأموال ومصالح الجهات التي يعملان بها وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهما الجسيم في أداء وظيفتهما وواجباتهما بأن أغفلاً الاستعانة بفنيين لمعاينة وفحص الثلاجات التي اشتراها المتهمان الرابع والخامس من المتهم الثامن لتقدير حالتها وقيمتها الحقيقية قبل صرف قيمتها للمتهم الثامن مما ترتب عليه ضياع أموال الجمعية التي تمكن المتهمون المذكورون من اختلاسها. (سابعاً) المتهم السابع (المطعون ضده الخامس) بوصفه موظفاً عمومياً أميناً على مخزن 3 تجميع بالجمعية المذكورة اختلس بضائع قيمتها 17504 ج و409 م المملوكة لهذه الجمعية وكانت قد سلمت إليه بصفته السابقة. (ثامناً) المتهم العاشر (المطعون ضده الثامن) بوصفه سابق الذكر تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها وكان ذلك ناشئاً عن إهماله الجسيم في أداء وظيفته وواجباتها بأن وافق على تعيين المتهم السابع رغم عدم خبرته بأعمال المخازن وضآلة مرتبه "598 قرشاً شهرياً" أميناً بمفرده على مخزن التجميع رقم 3 الذي يحتوى على بضائع تقدر قيمتها بمئات الألوف من الجنيهات ولما جرد عهدة ذلك الأمين وعلم المتهم أنه اختلس بضائع من هذا المخزن وأخطر بذلك أغفل اتخاذ أي إجراء بشأنه وتركه يواصل عمله في المخزن مما ترتب عليه استمراره في اختلاس البضائع السالفة الذكر. (تاسعاً) المتهمين الحادي عشر والثاني عشر (المطعون ضدهما التاسع والعاشر) بوصفهما موظفين عموميين الأول مدير الجمعية المذكورة والثاني مدير الحسابات بها تسببا بخطئهما الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بأموال ومصالح الجهة التي يعملان بها وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهما الجسيم في أداء وظيفتهما وواجباتها بأن طلب المتهم الحادي عشر تعيين المتهم السابع رغم ضآلة مرتبه أميناً على مخزن 3 الذي تبلغ قيمة البضائع فيه مئات الألوف من الجنيهات كما أن المتهمين معاً لم يضعا نظماً صحيحة لعملية المخازن أو يتابعاً أو يقوماً بالتفتيش بين حين وآخر على أعمال المتهم عبد الحميد الرفاعي رغم تكرار مطالبة المسئولين في المخازن والحسابات لهما بإحلال شخص آخر محله ولم يعملا على نقله من هذا العمل الأمر الذي ترتب عليه اختلاس المتهم السابع البضائع السالفة الذكر والمملوكة للجمعية. (عاشراً) المتهم السادس - الطاعن الثاني - (أولاً) بوصفه موظفاً عمومياً بقسم الإنشاءات بالجمعية المذكورة اختلس مبلغ 562 ج و815 م مملوكة لها وكان يسلم إليه كأمين عليه بصفته السابقة لسداد قيمة فواتير لمصلحة التليفونات وللصرف منه على بعض الإنشاءات (ثانياً) ارتكب تزويراً في محررات رسمية تختص الهيئة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية بتحريرها وهى إيصالات سداد قيمة المكالمات التليفونية وذلك بأن قلد عليهما عبارة السداد ذات الثقوب (ثالثاً) استعمل الأوراق المزورة السالفة الذكر بأن قدمها لإدارة حسابات الجمعية التعاونية الاستهلاكية وذلك مع علمه بتزويرها. (حادي عشر) المتهمين الثالث عشر والرابع عشر (المطعون ضدهما الحادي عشر والثاني عشر) بوصفهما موظفين عموميين بالجمعية المذكورة الأول مديراً لوحدة النقل بالإسكندرية والثاني مشرفاً للمتابعة بها تسببا بخطئهما الجسيم في إحداث ضرر جسيم بأموال الجهة التي يعملان بها وكان ذلك ناشئاً عن إهمال جسيم في أداء وظيفتهما بأن لم يعملا على تشغيل السيارات المؤجرة من شركة السيد مصيلحي للجمعية في نقل البضائع تشغيلاً كاملاً يحقق الغرض من تأجيرها ولم يتابعا استخدام الوحدات المختلفة ولم يمسكا سجلات كافية لإتمام هذه العملية الأمر الذي ترتب عليه سوء تشغيل واستخدام هذه السيارات مما نجم عنه إضرار بأموال الجمعية قدرها 1878 ج و852 م (ثاني عشر) المتهم العاشر (المطعون ضده الثامن) بوصفه موظفاً عمومياً رئيساً لمجلس إدارة الجمعية التعاونية الاستهلاكية تسبب بخطئه الجسيم في إحداث ضرر جسيم بأموال الجهة التي يعمل بها وكان ذلك ناشئاً عن إهمال جسيم في أداء وظيفته وواجباتها بأن أمر بحفظ المذكرة المقدمة من رئيس قسم المراجعة بشأن الإهمال في تشغيل السيارات المؤجرة من شركة السيد مصيلحي للجمعية لنقل البضائع بغير تحقيق ودون اتخاذ أي إجراء جدي لتلافى هذا الإهمال مما ترتب عليه الاستمرار في سوء تشغيل السيارات والإضرار بأموال الجمعية قدره 1878 ج و852 م (ثالث عشر) المتهمين التاسع والعاشر (المطعون ضدهما السابع والثامن) بصفتهما سابقة الذكر تسببا بخطئهما الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بمصلحة قومية واقتصادية للبلاد بأموال ومصالح الجمعية التعاونية الاستهلاكية التي يشرفان عليها وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهما الجسيم في أداء وظيفتهما بأن أدارا أعمال الجمعية التعاونية الاستهلاكية دون أن يضعا لذلك تخطيطاً سليماً أو نظماً كفيلة بحسن سير العمل وانتظامه ولم يعملا على توفير الأجهزة الفنية لمواجهة التوسع في فروع الجمعية الأمر الذي ترتب عليه وقوع جميع الجرائم السالفة الذكر وإلحاق ضرر جسيم بمصالح الجمعية ومصالح البلاد القومية والاقتصادية. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 40 و41 و111 و112/ 1 و2 و118 و119 و211 و214 و116 مكرر (ب) من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً بتاريخ 16 أكتوبر سنة 1965 عملاً بالمواد 111 و112/ 1 و2 و118 و119 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى الطاعن الأول والمواد ذاتها مع إضافة المواد 211 و212 و214 و32/ 2 من القانون نفسه بالنسبة إلى الطاعن الثاني (أولاً) بمعاقبة الطاعن الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ 4622 ج و517 م (أربعة آلاف وستمائة وأثنين وعشرين جنيهاً وخمسمائة وسبعة عشر مليماً) وإلزامه برد قيمة ما اختلسه ومقداره 4622 ج و517 م (أربعة آلاف وستمائة واثنين وعشرين جنيهاً وخمسمائة وسبعة عشر مليماً). (ثانياً) بمعاقبة الطاعن الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 562 ج و815 م (خمسمائة واثنين وستين جنيهاً وثمانمائة وخمسة عشر مليماً) وإلزامه برد ما اختلسه ومقداره 562 ج و815 م (خمسمائة واثنين وستين جنيهاً وثمانمائة وخمسة عشر مليماً) عما أسند إليه. (ثالثاً) ببراءة باقي المتهمين مما أسند إليهم. فطعن الطاعنان الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض في 19 و21 أكتوبر سنة 1965 ولم يقدما أسباباً لطعنهما، كما طعنت النيابة العامة في هذا الحكم في 15 نوفمبر سنة 1965 بالنسبة لمن قضى ببراءتهم من المتهمين وقدمت أسباباً لطعنها في التاريخ ذاته... الخ.

المحكمة
من حيث إن الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني كرم منصور أرمانيوس ومحمد أحمد منير وإن قررا بالطعن في الميعاد إلا أنهما لم يقدما أسباباً فيكون طعنهما غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من النيابة العامة قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم من جرائم الاختلاس والإهمال الجسيم المسندة إلى كل منهم حسب قرار الاتهام قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وبطلان في الإجراءات. وفي ذلك تقول الطاعنة أنه بالنسبة إلى تهمة الاختلاس المسندة إلى المطعون ضدهما الأول والثاني - أقام الحكم قضاءه ببراءتهما على عدة أسباب - منها أنه جاء بتقرير مكتب الخبراء المقدم في 7 مارس لسنة 1965 أن جميع المشتريات الخاصة بهما قد تأيدت بفواتير وهو قول لا أصل له في الأوراق. إذ الثابت من النتيجة النهائية لهذا التقرير أنه ثبت للخبراء أن المطعون ضده الأول لم يقدم فواتير الشراء بالنسبة إلى مبلغ 1363 ج و993 م. كما أسند الحكم إلى تقرير الخبراء المقدم في 30 من سبتمبر سنة 1965 أنه ثبت به أن قيمة العجز في عهدة المطعون ضده الثاني هي مبلغ 37 ج و542 م طبقاً لكشوف التفريغ، ثم ذكر في موضع آخر أنه لا يوجد عجز في عهدة هذا المتهم. وما قالته المحكمة في هذا الشأن - فضلاً عن أنه مشوب بالتناقض - فإنه يخالف الثابت بالأوراق إذ جاء بتقرير الخبراء سالف الذكر أنه يوجد عجز في كميات الخضر والفاكهة الموردة من هذا المتهم حدد التقرير كميتها دون قيمتها، ثم قالت النيابة بجلسة 4 من أكتوبر سنة 1965 بتحديد قيمتها بمبلغ 414 ج و252 م. كذلك فإن الحكم أورد أن العجز في عهدة المطعون ضده الأول ضئيل ونافه مما ترى معه المحكمة التجاوز عنه في حين أن تقرير الخبراء أثبت أن قيمة هذا العجز تبلغ 1170 ج و662 م في الخضر و110 ج و855 م في الفاكهة. وقد قال الحكم إن شهود الإثبات لم تمس شهادتهم هذين المتهمين - في حين أن اثنين منهم وهما إبراهيم محمد عبد السميع وأنور محمد قاسم ذكرا بمحضر جلسة 21 من يونيه 1965 أن الكميات الموردة من هذين المتهمين كانت من الأصناف الرديئة وأنهما يهتما بشرائها من الأصناف الجيدة. كذلك فإن المحكمة استندت في براءة هذين المتهمين إلى استردادهما الإيصالات المؤقتة بالمبالغ التي استلماها لشراء الخضر والفاكهة وأغفلت ما قاله موظف الحسابات بالجمعية من أنه استلمها على مسئوليتهما ولم يقم بمراجعة عمليتهما مراجعة فعلية، ومن ثم يكون استخلاص المحكمة أن استلام المتهمين لهذه الإيصالات يدل على عدم وجود عجز في عهدتهما وتخالصهما - هو استخلاص فاسد. وقالت الطاعنة إنه بالنسبة لتهمة الاختلاس المنسوبة إلى المطعون ضدهم الثالث والرابع والسادس فقد استند الحكم في القضاء ببراءتهم إلى أن تقدير الخبراء لأثمان الثلاجات مجاف لسعر السوق وأنهم قدروا أثمانها على أساس الصناديق الخشبية ووحدات التبريد فقط في حين أنهم اعتمدوا في تقدير الأثمان على تحرى سعر السوق وقت الشراء على أساس الخامات التي يصنع منها جسم الثلاجة وثمن وحدة التبريد وأجهزة التحكم والتوصيلات الأخرى. وقد قالت المحكمة إنه بالنسبة إلى مبلغ العشرين جنيهاً التي اتهم المطعون ضده الثالث باختلاسها فإنه كان سلفة سددها عند التحقيق في حين أن الثابت أنه استلم هذا المبلغ للصرف منه على الإنشاءات الخاصة بوحدة ثلاجات الجمعية ولم يرد هذا المبلغ إلا بعد فصله من العمل وبعد أن أثبت الخبراء وجود عجز في عهدته وهو ما يؤكد اختلاسه لهذا المبلغ. وبالنسبة إلى تهمة الاختلاس المسندة إلى المطعون ضده الخامس أمين المخزن رقم 3 فقد قررت المحكمة بجلسة 28 من يوليه سنة 1965 ندب لجنة من الخبراء مكونة من وكيل مكتب الخبراء بالإسكندرية وعضوين أو أكثر بينهما رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في شئون المؤسسات بالانضمام إلى الخبراء الذين قاموا بأعمال الخبرة السابقة بخصوص عهدة هذا المتهم لإعادة فحصها على النحو المبين بالقرار. ولكن الثابت من الأوراق أن لجنة الخبرة التي قدمت التقرير الأول كان يرأسها النقيب محمد عبد الحميد كريم وكان من بين أعضائها النقيب حميد الدين محمد وثلاثة من مكتب خبراء وزارة العدل وقد باشرت اللجنة الثانية عملها دون إشراك هذين النقيبين مما يجعل تقريرها باطلاً. وعلى الرغم من تمسك النيابة في المذكرة المقدمة منها بالدفع بهذا البطلان إلا أن المحكمة لم تقل كلمتها فيه. وقد قدمت الجمعية إلى لجنة الخبرة الثانية أذونات صرف جديدة لم تعرض على اللجنة الأولى وكان لها تأثير كبير على الرأي الذي انتهت إليه اللجنة الثانية - وعلى الرغم مما طعنت به النيابة على هذه المستندات فإن المحكمة لم تعن بالرد على هذه المطاعن ولم تبد رأيها فيما قالته الجمعية أمام لجنة الخبرة الأولى من أنه لا توجد مستندات أخرى خاصة بهذا المخزن. واكتفت بالقول بأنها تطمئن إلى المستندات الجديدة وهو ما يعيب حكمها بالقصور. وبالنسبة إلى تهم الإهمال الجسيم فقد سوى الحكم بين الإهمال الجسيم والغش فخلط بذلك بين جريمتي الإضرار العمدي والإضرار بإهمال وأقام قضاءه على أساس أن الإهمال الذي يوجب المساءلة الجنائية هو الذي يثبت فيه أن الجاني قد توقع حصول ضرر من تصرفه الخاطئ ولكنه لم يكترث به ولم يعبأ بنتيجته. ثم جعلت المناط في ثبوت الضرر من مجرد وقوع جرائم الاختلاس والتفتت عما طلبته النيابة بالجلسة من معاقبة جميع المتهمين بموجب الفقرة الثانية من المادة 116 مكرر ب. ولم تقل كلمتها في تهمة الإضرار بمركز البلاد الاقتصادي وبالمصالح القومية وفي الضرر الأدبي الجسيم الذي لحق بسمعة هذه الجمعيات باعتبارها مشروعاً قومياً كبيراً وضعته الدولة لتنفيذ سياستها الاشتراكية. وقد أسس الحكم قضاءه ببراءة المطعون ضده الثامن من جريمة الإهمال الجسيم المسندة إليه في التهمة الثالثة على أنه لم يقع اختلاس من المطعون ضدهما الأول والثاني وأنه حينما أمر بتسوية معلقات الخزينة حسابياً - لم تكن أمامه أية بوادر اختلاس منهما أو من الطاعن الأول وأن الأمر بالتسوية الحسابية الذي صدر منه كان مقترناً بالأمر بالمراجعة الفنية، حالة أن الثابت بالأوراق يؤكد أنه كان يعلم بأمارات الاختلاس من التحقيق الذي أجرى معه في هذا الشأن بمعرفة محقق المؤسسة قبل أن يصدر الأمر بالتسوية الحسابية - كما أن الأمر بالمراجعة الفنية لم يصدر إلا بتاريخ 15 يونيه 1965 من إدارة الجمعية بالإسكندرية مما فوت على الجمعية فرصة استرداد المبالغ المختلسة. وفي واقعة الإهمال في تشغيل السيارات أغفلت المحكمة ما قالته النيابة من أن المطعون ضدهما العاشر والحادي عشر عرضا حالة العمل بوحدة النقل عرضاً خاطئاً على المسئولين وصوراها على أنها في حاجة إلى مزيد من سيارات النقل وأن المطعون ضده الثامن أهمل إذ أمر بحفظ المذكرة المقدمة من رئيس قسم المراجعة في شأن الإهمال في تشغيل السيارات المؤجرة وذلك بغير تحقيق. وفي تهمة الإهمال المسندة إلى المطعون ضدهما السابع والثامن في شأن تنظيم العمل في الجمعية قالت المحكمة أنهما لم يتوانيا في وضع الأنظمة الكفيلة بحسن سير العمل وأن السابع ليس من عمله التفتيش على الجمعية أو الإشراف على عملها في حين أن ما وضعاه من أنظمة وتعليمات خاص بالعمل الروتيني فقط وأن المطعون ضده السابع كان يتدخل فعلاً في إدارة الجمعية والإشراف عليها وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن القانون رقم 120 لسنة 1962 الصادر في 19 يوليه 1962 - والمنشور بالجريدة الرسمية في 25 يوليه 1962 - استحدث المادة 116 مكرر ب التي تنص على أن "كل موظف تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد أو مصالحهم المعهود بها إليها، بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمال جسيم في أداء وظيفته أو عن إساءة استعمال السلطة أو عن إخلال جسيم بواجبات الوظيفة - يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ست سنوات وغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية". وتدل المراحل التشريعية التي مر بها نص هذه المادة والأعمال التحضيرية له على أن مشروعه كان يعاقب كل موظف عمومي يتسبب خطأ في إلحاق ضرر بأموال الجهة التي يعمل بها بأن يكون ذلك ناشئاً عن سوء إدارته أو إساءته استعمال السلطة أو إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة. ثم عدل النص في مشروع لجنة مراجعة التشريعات الجنائية إلى معاقبة كل موظف عمومي يتسبب خطأ في إلحاق الضرر بأموال الجهة التي يعمل بها بأن يكون ذلك ناشئاً عن إساءة الإدارة أو استعمال السلطة أو أي إخلال جسيم بواجبات وظيفته. وأوضحت اللجنة أنها وإن "أجمعت على صواب حكم النص المقترح من ناحية المبدأ لما قد يترتب على إهمال الموظف من نتائج بالغة الضرر بمصلحة الدولة. إلا أنها رأت كذلك أن التشدد في مساءلة الموظف عن إهماله يرفعها من النطاق التأديبي إلى المسئولية الجنائية يتطلب درجة معينة من الجسامة في الخطأ تبرر قيام هذه المسئولية، بحيث يكون الخطأ صادراً عن إساءة الإدارة أو استعمال السلطة أو عن إهمال جسيم بواجبات الوظيفة. ولا يكفى فيه مجرد توافر صورة من صور الخطأ الواقع من الأفراد في جرائم القتل أو الإصابات الغير عمدية - بعد أن أصبح من المقرر فقها وقضاء وحدة الخطأ الجنائي والخطأ المدني وتأسيس المسئولية الجنائية كالمسئولية المدنية على وقوع أي خطأ مهما خفت درجته". كذلك رأت اللجنة أنه إذا كان خطأ الموظف ناشئاً عن نقص في كفاءته الإدارية أو الفنية أو عن قصور في إدراك واجبات الوظيفة - فإنه يتعذر في هذه الحالة تبرير محاكمته جنائياً مهما بلغت قيمة الضرر الناتج عن خطئه. ولهذه الاعتبارات جميعها - صاغت اللجنة النص بحيث يتطلب درجة معينة من الجسامة في الخطأ". ثم اتخذ النص صورة أوضح في التعبير عن هذه المعاني. فجرى مشروع لجنة إدارة التشريع بوزارة العدل بمعاقبة كل موظف عمومي يتسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بمصالح أو أموال الجهة التي يعمل بها أو أي جهة أو فرد يتعامل معها، بأن كان ذلك ناشئا عن إساءة الإدارة أو إساءة السلطة أو أي إخلال جسيم بواجبات وظيفته - ثم كان أن خرج النص في صورته النهائية مستبدلا عبارة الإهمال الجسيم في أداء الوظيفة بعبارة إساءة الإدارة. وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون أن هذا النص "قد استحدث نظراً لما يوجبه بناء المجتمع الجديد على كل فرد من ضرورة التزام الحيطة والحرص على هذه الأموال والمصالح حرصه على ماله ومصلحته الشخصية. وأنه من الواضح أن النص يشترط الخطأ الجسيم والضرر الجسيم كركنين متلازمين لوقوع هذه الجريمة. فالخطأ غير الجسيم لا يكفى ولو كان الضرر جسيما، والضرر غير الجسيم لا يكفى ولو كان الخطأ جسيما". وبذلك فإن إعمال حكم هذه المادة يتطلب توافر أركان ثلاثة هي خطأ جسيم وضرر جسيم ورابطة سببية بين ركني الخطأ الجسيم والضرر الجسيم. ولقد حدد المشرع للخطأ الجسيم صوراً ثلاث منها الإهمال الجسيم في أداء الوظيفة وهى محل البحث في هذا الطعن. والخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً في الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجة مماثلة للظروف التي أحاطت بالمسئول. والإهمال الجسيم في نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه - قوامه تصرف إرادي خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها. والسلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس في أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها فإن قعد عن بذل القدر الذي يبذله أكثر الناس تهاوناً في أمور نفسه كان تصرفه خطأ جسيماً. وترتيباً على ذلك فإن الإهمال الذي يستوجب عادة الاكتفاء بمؤاخذة الموظف تأديبياً لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم الذي عناه الشارع في هذا النص. وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون عن معيار هذا الإهمال الجسيم من "أن بناء المجتمع الجديد يوجب على كل فرد ضرورة التزام الحيطة والحرص على هذه الأموال والمصالح (العامة) حرصه على ماله ومصلحته الشخصية". ذلك أن عدم حرص الموظف على مصلحته الشخصية لا شك مما يلام عليه وينبو عما يجب أن يكون عليه سلوك الرجل العادي الملتفت لشئونه. وبذلك كله يتعين عدم الخلط بين الخطأ الجسيم والغش إذ أن كلا منهما يمثل وجهاً مغايراً للإجرام يختلف عن الآخر - وإن جاز اعتبار الخطأ الجسيم والغش صنوين في مجال المسئولية المدنية أو المهنية، إلا أن التفرقة بينهما واجبة في المسئولية الجنائية - يؤكد ذلك في مجال هذه التشريعات المستحدثة أن المشرع أدخل بالمادة 116 عقوبات مكرر (ا) جريمة الإضرار العمد في ذات التعديل الذي استحدث به جريمة الإهمال الجسيم فاستلزم الغش ركناً معنوياً في الجريمة الأولى واكتفى بالخطأ الجسيم ركناً في الثانية. ومن نافلة القول أنه لا يشترط أن يقع الإهمال الجسيم بفعل واحد. بل قد يتحقق بأفعال متعددة إيجابية أو سلبية - متلاحقة - أما الضرر وهو الركن الثاني في هذه الجريمة كما سلف فهو الأثر الخارجي للإهمال الجسيم المعاقب عليه وشرطه أن يكون جسيماً بدوره. وقد ترك المشرع تقدير مبلغ جسامته لقاضي الموضوع لاختلاف مقدار الجسامة في كل حالة عن غيرها تبعاً لاعتبارات مادية عديدة - وهو ما يستفاد من أن المشرع الأول لنص المادة 116 مكرر (ب) كان يفرق بين ما إذا كانت قيمة الضرر لا تجاوز ألف جنيه أو تزيد عنها - مختصاً الحالة الأخيرة بعقوبة أشد من الأولى - ثم عدلته لجنة مراجعة التشريعات الجنائية مشترطة للعقاب أصلاً تجاوز قيمة الضرر خمسمائة جنيه - قولاً منها في مذكرتها أنها رأت أن تشترط في الضرر أن يكون مما تجاوز قيمته خمسمائة جنيه - تاركه المحاسبة على الضرر الذي تقل قيمته عن هذا القدر لتحكمها قواعد المسئولية التأديبية والمدنية. ثم خرج النص في صيغته الحالية مشترطاً الجسامة في الضرر تاركاً تقديره لقاضي الموضوع - كما سلف - تبعاً لكل حالة. كما يشترط في الضرر أن يكون محققاً ذلك أنه أحد أركان الجريمة ولا يؤثم مسلك إذا كان أحد أركان الجريمة فاقداً. كذلك فإنه يشترط في الضرر أن يكون مادياً بحيث يلحق أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته، أو أموال أو مصالح الأفراد المعهود بها إلى تلك الجهة. والمراد بالمصلحة في هذا المقام - على ما يتضح من المشروع الأول لنص تلك المادة - المصلحة المادية - أي المنفعة التي يمكن تقويمها بالمال، ذلك أن الشارع لم يتجه إلى إدخال المصالح الأدبية للأفراد في نطاق الحماية المقررة في هذه المادة وهى ترعى أساساً الأموال العامة والمصالح القومية والاقتصادية للبلاد - سعياً وراء بناء مجتمع جديد. أما انعطاف حمايته إلى أموال الأفراد أو مصالحهم المادية المعهود بها إلى جهة عامة فذلك لأن نشاط هذه الأموال إنما يتصل بخطة التنمية الاقتصادية والتنظيم الجديد للمجتمع. وبذلك يستوي أن تكون صورة الضرر انتقاص مال أو منفعة أو تضييع ربح محقق. أما رابطة السببية فيجب أن تتوافر بين الخطأ الجسيم والضرر الجسيم بحيث تكون جريمة الموظف نتيجة سلوكه - فعلاً كان أو امتناعاً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى حسب تصوير النيابة العامة لها وعرض إلى أدلة الثبوت والنفي وإلى المستندات وتقارير الخبراء ودفاع المتهمين المقدمة فيها في بيان مفصل - بني قضاءه بالنسبة إلى المطعون ضدهما الأول والثاني - على أنه مما يشكك في صحة التهمة المسندة إليهما أن النيابة اتهمتهما باختلاس مبلغ 10770 جنيها في حين أن الثابت من تقارير الخبراء (مما لا تجادل فيه النيابة) أن جملة المبالغ التي صرفت إلى المطعون ضده الأول هي 9588 ج و199 م وأن المطعون ضده الثاني صرف إليه مبلغ 1192 ج و67 م فكأنهما اختلسا جميع المبالغ المسلمة إليهما في حين أن الثابت من أقوال شهود الإثبات وتقارير الخبراء أنهما قدما للجمعيات خضراً وفاكهة مختلفة. وقد قدمتهما النيابة إلى المحاكمة قبل أن يضع الخبراء تقريرهم وهذا كله يدل على أنهما لم يختلسا هذا المبلغ ويدل على أن هذه التهمة غير صحيحة. كما قال الحكم أنه وإن أظهر تقرير الخبراء الذين ندبتهم النيابة بعض العجز في عهدة هذين المتهمين إلا أن ذلك كان مرجعه عدم العثور على أذونات التسليم لما اشتروه - وأنه ثبت للمحكمة أن أذونات التسليم الخاصة بالمطعون ضده الثاني والتي استبعدها الخبراء لعدم تقديمها قد سبق تقديمها لحسابات الجمعية قبل تحقيقات النيابة بسنتين. كما أن مراجع الحسابات ميشيل بسطوروس أعطى على نفسه إيصالا باستلامها منه. وأن أذونات التسليم الخاصة بهذين المتهمين قد راجعها محاسب الجمعية رامي فرج وحامد حجاج مدير إدارة الخزينة وأفرغاها في كشوف تفصيلية وتبين من تلك المراجعة أنه لا يوجد عجز في عهدة المطعون ضده الثاني وأن العجز ضئيل وتافه في عهدة المطعون ضده الأول بحيث يمكن التجاوز عنه نظراً لكثرة المبيعات ولأنه لا يمكن أن يتحمل مسئولية فقد بعض تلك الأذونات نتيجة الإهمال في حفظها. وأن شهود الإثبات شهدوا بأن معظم المبيعات كانت من الصنف الجيد والبعض الآخر كان من الصنف المتوسط. وأنه مما يقطع ببراءة هذين المتهمين أن نظام الحسابات في الجمعية كما تبينته المحكمة من تحقيقاتها ومن الاطلاع على أوراق الدعوى يجري على أن من يوكل إليه من مستخدمي الجمعية شراء بضاعة أو القيام بأعمال أخرى يتقدم بإيصال للخزينة موقعاً عليه ومعتمداً من مدير الجمعية متضمناً المبلغ الذي يسحبه ثم يودع هذا الإيصال المؤقت بالخزينة ولا يسترده من وقعه إلا بعد مراجعة العملية التي كلف بها - من قلم مراجعة الحسابات بعد أن يقدم لحسابات الجمعية مستندات الصرف بعد اعتمادها من الخزينة التي لا ترد الإيصال إلا بعد إخلاء مسئوليته. وأنه ثبت للمحكمة أن المطعون ضدهما الأول والثاني قد استرداً جميع الإيصالات المؤقتة وقد قدماها إلى المحكمة بجلسة المعارضة في 18 نوفمبر سنة 1964 وأن تلك الإيصالات مرفقة بملف الدعوى مما يفيد مراجعة عملية كل منهما واعتمادها. ولاحظت المحكمة أنه قد تأشر على ظهر الإيصال الخاص بالمطعون ضده الثاني بما يؤكد تسوية حساباته وسداد الفروق الناتجة عن الحسابات وأن أقطع دليل على ذلك أن ميشيل بسطوروس مراجع الحسابات أعطى على نفسه إيصالاً لهذا المتهم يفيد أنه استلم منه كافة مستندات عمليته. وانتهت المحكمة إلى أنه ثبت بالدليل القاطع أن كلاً من هذين المتهمين لم يختلس شيئاً إذ ندبت لجنة من الخبراء أوردوا في تقريرهم أنهم وجدوا كتاباً مرسلاً من إدارة الجمعية بالقاهرة يفيد أن مبيعات المطعون ضده الثاني بلغت 1439 ج و277 م ولما كانت قيمة مشترياته هي مبلغ 1192 ج فتكون الجمعية قد حققت ربحاً من عمليته يصل إلى 20%. وأنه وإن كان الخبراء لم يتعرضوا إلى عملية المطعون ضده الأول على ضوء هذا الخطاب إلا أن المحكمة تبينت من اطلاعها على جميع المستندات أن إدارة الجمعية كانت قد أرسلت بيانات استخلصتها عن كشف المبيعات الشهري عن عملية كل من هذين المتهمين مبيناً بها قيمة مبيعاتهما في المدة التي تبدأ من الأسبوع الأخير من شهر يونيه 1962 حتى يوم 20 أغسطس 1962 أي أنها شملت جميع المدة التي عمل فيها المتهمان وهى تشمل مبيعات الخضر والفاكهة في المجمعات والمعسكرات وجاء بها أن مبيعات الأسبوع الأخير من شهر يونيه وهى عملية المطعون ضده الثاني بلغت 1439 ج و277 م بما يطابق الخطاب المرسل إلى الخبراء وأن مبيعات شهر يوليه 1962 وهى عملية المطعون ضده الأول بلغت 8438 ج وأن عملية المدة من أول أغسطس إلى 20 أغسطس 1962 وهى عملية المطعون ضده الأول أيضاً بلغت 2869 ج وأن قيمة المبيعات للمعسكرات بلغت 4765 ج وأنه بجمع تلك المبيعات يتضح أنها بلغت 17511 ج في حين أن المبلغ الذي تقول النيابة إنهما تسلماه هو10770 ج فكأن عمليتهما قد حققت ربحاً قدره 6741 ج وأن في هذا ما يكفى درأ لكل شبهة عنهما. ثم قالت المحكمة إنه لا يسعها إلا أن تقضي لهذه الأسباب مجتمعة ببراءة كل منهما وأن ما جاء في تقرير المؤسسة التعاونية عما لاحظه مندوبها من إهمالات في فرع حسابات الإسكندرية وأنها لا تطمئن إلى دقة الكشوف المحررة عن مشتريات الخضر والفاكهة فمردود بما ثبت من تقرير الخبراء من أن جميع المشتريات قد تأيدت بالفواتير وأما التوزيعات فقد ثبت للمحكمة سلامتها على الوجه المبين بالحكم. ويبين من الاطلاع على المفردات المضمومة إلى ملف الطعن تحقيقاً لأسبابه أن الإيصالات المؤقتة التي أشار إليها الحكم المطعون فيه مرفقة بالملف وهى تتضمن جميع البيانات التي أشار إليها فيما تقدم وهو ما لا تجادل النيابة فيه بل في مدلوله. كما تبين أن المحكمة سألت ثلاثة من الشهود فذكر أولهم إبراهيم عبد الحميد أبو زيد أن الخضر والفاكهة التي كان يتسلمها المتهمان كانت من صنف جيد وأنه نادراً ما كان يجد أسفل القفص تالفاً فيرده وشهد إبراهيم محمد عبد السميع أمام المحكمة أن العادة جرت على أن يكون وجه القفص وجوانبه جيدة وأنه توجد أقفاص كلها جيدة وأخرى يكون ثلثاها جيد وأن من سلطته رفض استلام الأصناف الرديئة. كما قرر الشاهد أنور قاسم أن قفص العنب لابد وأن يحتوى على كمية تالفة وأنه لا يوجد عنب "نمرة واحد" بل لابد وأن يكون بعضه تالفاً وكذلك التين وهذا التلف يأتي من الحدائق على هذا الوضع. وقد تبين من الاطلاع على تقرير الخبراء المؤرخ 7 مارس 1965 أنه بمراجعة جميع الفواتير والمستندات الخاصة بعملية المشتريات بالنسبة إلى المبالغ المعلقة بالخزينة تبين أن جملة المبالغ التي استلمها المطعون ضده الأول بلغت 9588 ج و129 م وأنه بمراجعة الفواتير اتضح أن قيمتها تساوى المبلغ الكلي ينقصها مبلغ 1363 ج و993 م لم تقدم عنها فواتير. وأن المبالغ المسلمة للمطعون ضده الثاني هي 1192 ج و67 م وبمراجعة الفواتير اتضح أن قيمتها تساوي هذا المبلغ. كما تبين من التقرير المؤرخ 14/ 8/ 1965 أن جميع الأصناف الخاصة بعملية هذين المتهمين كانت غير مسعرة وأنه بمراجعة الفواتير الخاصة بالمطعون ضده الأول التي وافته المحكمة بها تبين أن قيمة المشتريات الواردة بها تعادل المبلغ الذي كان التقرير الأول أثبت عدم تقديم الفواتير المثبتة له وأنه بمراجعة عملية المطعون ضده الثاني للمرة الثانية اتضح أن عمليته حققت ربحاً بواقع 20% تقريباً وأن هذا يدل على أنه قام بتنفيذ ما كلف به من شراء وتوزيع. وثبت من التقرير المؤرخ في 30/ 9/ 1965 أنه بالاطلاع على التقرير السابق وعلى كشوف التفريغ المقدمة من الجمعية والمحررة بمعرفة رامي فرج وعلى فواتير الشراء المقدمة من المتهمين اتضح وجود زيادة قدرها 215 ج و516 م وعجز قدره 37 ج و542 م في عهدة المطعون ضده الثاني وأنه بعد الاطلاع على الفواتير الخاصة بالمطعون ضده الأول تبين وجود عجز في الفاكهة قدره 70 ج و220 م وزيادة قدرها 567 ج و983 م. ثم عرض الحكم للتدليل على براءة المطعون ضدهما الثالث والرابع من تهمة اختلاس المبالغ التي تسلماها للصرف منها على عملية شراء الثلاجات وبراءة السادس من تهمة الاشتراك معهما في تلك الجريمة في قوله "إن النيابة استندت في ثبوت تلك التهمة إلى أقوال المطعون ضدهما التاسع والعاشر من أن الأثمان التي دفعت في شراء الثلاجات إلى المطعون ضده السادس غير حقيقية وأنها وصفت في عقود شرائها بأنها جديدة في حين أنها قديمة وأن هذه الثلاجات قد عرضت على الخبراء فأثبتوا أن أسعارها الحقيقية أقل من الأسعار المتعاقد عليها. وقالت المحكمة إنه ثبت من الاطلاع على عقود شراء تلك الثلاجات أنه لم يذكر فيها أنها جديدة أو قديمة وأنه ذكر في عقد شراء ثلاجة واحدة فقط أنها مستعملة وأن النيابة ندبت أستاذين بكلية الهندسة لتقدير أثمان تلك الثلاجات ومدى ملاءمتها فقررا أنهما عاينا جميع الثلاجات التي بمجمعات الإسكندرية وانتهيا إلى أن تلك الثلاجات لا تعمل بانتظام مما أدى إلى وجود حشرات بها أتلفت التوصيلات الكهربائية ثم قدرا أثمان تلك الثلاجات بأسعار تقل عن الأسعار التي باعها بها المطعون ضده السادس إلى الجمعية. كما قدر الخبراء أثمان ثلاجات أخرى مباعة من غيره ورأت النيابة أن هؤلاء المطعون ضدهم اختلسوا الفرق بين الأثمان الحقيقية والأثمان الثابتة في عقود الشراء. وقالت المحكمة إنها لا تطمئن إلى تقدير الخبراء لأثمان تلك الثلاجات حيث إنهما قدرا ثمن ثلاجتين اشترتهما إدارة الجمعية من القطاع العام من شركة المحاريث والهندسة بمبلغ 700 جنيه لكل منهما وذلك بمبلغ 290 جنيهاً للأولى ومبلغ 350 جنيهاً للثانية. وأن هذه التقديرات كانت من الخبراء قبل أن يعرفا مصدر شراء هاتين الثلاجتين وأن المحكمة ترى أن هذه التقديرات مجافية لسعر السوق خاصة وأنها اشتريت بعد شراء الثلاجات الأخرى بسنتين وانتهت المحكمة إلى أن المطعون ضده التاسع وهو أول من شهد ضد المطعون ضده الرابع وحمل على سياسة شراء الثلاجات قد نفى علمه بشرائها بأكثر من الثمن الحقيقي أو بوجود تواطؤ بين المطعون ضدهما الثالث والرابع والمطعون ضده السادس وانتهى الحكم إلى أن القول ببيع تلك الثلاجات بالمزاد لعدم صلاحيتها يدحضه وجودها في المجمعات ومعاينتها بمعرفة الخبراء وأن البيع بالمزاد شمل الصناديق الخشبية فقط كما ثبت لها من الاطلاع على ملفات هذه الثلاجات وأن خلاصة ما تقدم أنها لا تحمل هؤلاء المتهمين مسئولية ما بصدد هذه الثلاجات. لأنه ليست هناك مغالاة في سعرها ولأنها سلمت سليمة إلى الجمعية فأصبحت هي المسئولة عن صيانتها ومن ثم يتعين براءتهما هما والمطعون ضده السادس الذي ثبت أنه لم يختلس شيئاً ولم يثبت أنه ساعد على الاختلاس أو اشترك فيه. أما ما نسبته النيابة في مرافعتها إلى المطعون ضده الثالث من أنه كان باقياً بعهدته مبلغ عشرون جنيهاً ولم يسددها إلا عند التحقيق معه فلا محل له في هذه الدعوى لأن جميع السلف التي سحبها الموظفون ومنهم هذا المتهم بدأ الخبراء في تسويتها أثناء التحقيق ومن كانت تثبت عليه ديون كان يسددها وكان هذا المتهم من بين من قاموا بالسداد بعد حصر المبلغ الذي تسلمه ثم قدم مستنداته وسدد ما ظهر من فروق عنده، ومن ثم فإن هذه الواقعة لا تنهض لمساءلته. كما عرض الحكم إلى تهمة الاختلاس من عهدة المخزن رقم 3 المسندة إلى المطعون ضده الخامس وأشار إلى أن النيابة سبق أن ندبت لجنة من الخبراء برياسة النقيب محمد عبد الحميد كريم من المباحث الجنائية العسكرية وعضوية النقيب حميد الدين محمد عريف من سلاح مهمات الجيش وآخرين وأنها قدمت في 1/ 12/ 1964 تقريراً ثبت فيه أنه يوجد عجز في عهدة هذا المتهم قدره 17504 ج و409 م وزيادة قدرها 52605 ج و671 م ثبت توريدها للمجمعات وأن هناك زيادة فعلية قدرها 7255 ج و816 م وهى موجودة فعلاً بالمخزن وذلك عن الفترة من 9/ 7/ 1964 التي تسلم فيها هذا المتهم المخزن حتى 14/ 11/ 1964 وهو الوقت الذي بوشرت فيه المأمورية واعتبرت اللجنة أن هذا المتهم مسئول عن العجز هو ومدير المخزن والمسئولين عن الحسابات نظير إهمالهم في مراجعة عهدته. وبعد أن طعن المتهم على تقرير تلك اللجنة ناعياً عليها عدم خبرتها في شئون المخازن الأمر الذي كان من نتيجته وقوعها في أخطاء كثيرة، قررت المحكمة بجلسة 28/ 6/ 1965 ندب وكيل مكتب خبراء وزارة العدل بإسكندرية وعضوين أو أكثر يندبهما رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لشئون المؤسسات مع الخبراء الذين قاموا بأعمال الخبرة السابقة لإعادة حصر عهدة المتهم المذكور عن المدة موضوع التقرير السابق وبيان كفاءة البضائع التي وردت إلى الجمعية التعاونية الاستهلاكية بإسكندرية سواء ما دخل منها إلى المخزن فعلاً أو ما أرسل من جهات التوريد مباشرة إلى المجمعات والفروع للتوزيع. وأداء المأمورية التي أشار إليها هذا القرار. ثم أدى الخبراء الجدد اليمين أمام المحكمة وبعد أن باشروا مأموريتهم قدموا تقريراً انتهوا فيه إلى أنه ثبت لديهم أن كثيراً من المستندات لم تكن قد قدمت إلى لجنة الخبرة الأولى ومنها أذونات الإضافة والتسليم مما أثر على نتيجة الفحص السابقة بإظهار عجز أو زيادة بغير حق. وأن اللجنة الجديدة قد انتقلت إلى شركة توريد السكر والأرز واطلعت على الأصناف المرسلة من الشركات إلى المجمعات رأسا وانتهت إلى أن اللجنة الأولى وقعت في بعض الأخطاء المادية في التحرير والنقل وأنه تبين لها بعد أداء مأموريتها على الوجه الثابت بالتقرير أن هناك عجزاً بسيطاً في جميع أصناف البقالة والمربى والورق وخلافه عدا الأرز والسكر وقيمة هذا العجز 94 ج 902 م وزيادة في البقول قيمتها 157 ج و740 م بسبب فقد وضياع بعض الأذونات وأنه بالنسبة إلى السكر فقد وجد عجز قيمته 115 جنيهاً سببه فقد بعض الإيصالات من متعهدي النقل وكذلك الخطأ في الصرف من العبوات المتشابهة وبالنسبة للأرز وجدت زيادة قيمتها 13 ج 995 م عزته إلى نفس الأسباب السابقة. وقد نعى ممثل النيابة أمام محكمة الموضوع على عمل هؤلاء الخبراء وقال إن الجمعية دست عليهم مستندات جديدة لخدمة المتهمين وأنه من اليسير عليها تزوير تلك المستندات ورد الدفاع على ذلك بأن جميع هذه المستندات كانت تحت يد المباحث الجنائية العسكرية ووقع رئيسها عليها فيها عدا ما يخص جهات التوريد التي انتقل إليها الخبراء. وقد ناقشت المحكمة رئيس لجنة الخبراء الثانية في ذلك فقال إن ثلاثة أرباع تلك المستندات أو أربعة أخماسها كان موقعاً عليها من قبل قائد المباحث الجنائية العسكرية وأن قرار اللجنة كان بإجماع الآراء وأنه شخصياً مقتنع بكل ما جاء في التقرير وأن المستندات الجديدة كانت محل اطمئنانهم. وانتهت المحكمة إلى أنها لا تساير النيابة في مطاعنها على التقرير لأنها استبعدت من التقرير الأول عجزاً قدره 1360 ج بموافقة النيابة بالجلسة. ولأن أهم ما تضمنه التقرير الأخير هو انتقال اللجنة الجديدة إلى جهات توريد الأرز والسكر واستنزال ما ثبت توريده إلى المجمعات رأساً وهو ما كانت اللجنة السابقة قد اعتبرته عجزاً في عهدة المتهم. وأضافت المحكمة أن الخبراء الجدد أظهروا أخطاء واضحة في نقل البيانات وقعت فيها اللجنة الأولى أدت إلى إثبات عجز أو زيادة على خلاف الواقع. وأن اللجنة الجديدة أضافت إلى عهدة المخزن كميات جديدة لم تقدم مستنداتها إلى اللجنة الأولى وهي الأصناف التي وردت من جمعية محافظة الإسكندرية بمحاضر رسمية وقع عليها موظفو تلك الجمعية ومندوبون عن وزارة التموين حسبما استبان للمحكمة من التحقيق الذي أجرته. وأن مثل هذه المحاضر لا يمكن أن ترقى إليها مظنة افتعال لأنها بعيدة عن متناول الجمعية وموظفيها. وخلصت المحكمة إلى "أن تشكيل اللجنة الجديدة والمدة الطويلة التي استغرقتها في عملها على عكس اللجنة الأولى - فيه أكبر الضمان للوصول إلى الحقيقة مما يجعلها توليها ثقتها. وأن كمية العجز والزيادة التي أوردها الخبراء في هذا التقرير تدخل في حد المسموح الذي لا يصح أخذ المتهم به نتيجة فقد بعض المستندات وهو غير مسئول عنه. وأنها تحكم مرتاحة ببراءته مما أسند إليه". وقد تبين لهذه المحكمة من الاطلاع على المفردات أن ما أورده الحكم من بيانات خاصة بهذا المخزن له أصل ثابت من تقارير الخبراء والأوراق.
لما كان ذلك، وكان القانون فرض العقاب في المادة 112 من قانون العقوبات على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته باعتباره حائزاً له إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له وهو معنى مركب من فعل مادي هو التصرف في المال ومن عامل معنوي يقترن به وهو نية إضاعة المال على ربه. وكان من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي لا يمكن أن يكون بذاته دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر، كما أن قيام الموظف بتسوية ما سلم إليه بسبب وظيفته وسداده ما يظهر فيه من عجز فور مطالبته به هو مما تنتفي به نية الاختلاس. لما كان ما تقدم، وكانت الأحكام يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، وكان سائر ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه إنما يتجه أساساً إلى مناقشة أدلة الثبوت في الدعوى وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها بعدم توافر أركان جرائم الاختلاس المسندة إلى هؤلاء المتهمين سواء لعدم توافر الركن المادي أو انتفاء نية الاختلاس أورد ما ظهر عن عجز في عهدة أحد المتهمين وذلك بناء على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها ولها أصل ثابت في الأوراق مما تنتفي معه قولة مخالفة هذا الأصل، وكان لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والفصل فيما يوجه إلى تلك التقارير من اعتراضات والمفاضلة بينهما والأخذ بما تراه مما ترتاح إليه وإطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل بما لا يجوز معه مجادلتها ومصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يكفى في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم إذ داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، فإن ما تنعاه الطاعنة في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، وكان ما تثيره الطاعنة من إغفال الحكم الرد على الدفع ببطلان تقرير الخبراء الثاني عن فحص عهدة المطعون ضده الخامس مردوداً بأنه لم يثبت من محاضر الجلسات سواء في جلسة حلف اليمين أو المرافعة التي جرت بعد تقديم هذه اللجنة تقريرها أن النيابة أثارت اعتراضاً ما في شأن تشكيل اللجنة قبل المرافعة في الموضوع وحتى إقفال بابها. أما ما تقوله من أنها أثارته في مذكرتها المقدمة إلى المحكمة فإن الثابت من مطالعة هذه المذكرة أنها أبدت فيها اعتراضها على عمل الخبراء فيما نصه: "إن المسئولين عن الجمعية انتهزوا فرصة عدم وجود رئيس لجنة الخبراء الأولى وخبير سلاح المهمات فغرروا بالسادة الخبراء الجدد الذين باشروا المأمورية منفردين دون باقي الخبراء السابقين وتم تزوير ما يقرب من 20% إلى 25% من المستندات وقدموها للخبراء اللذين لم يحاولوا البحث في مدى صحة هذه المستندات رغم الإقرار الصريح من المتهم والمسئولين في الجمعية بعدم وجود مستندات أخرى عن المخزن رقم 3 سوى ما سلم إلى اللجنة الأولى. وما أسهل عملية التزوير والتزييف على المسئولين في الجمعية وخصوصاً في غيبة رئيس اللجنة الأولى وزميله مما يجعل التقرير منعدم الوجود ومحلاً للطعن عليه سواء من ناحية من وضعوه أو موضوعه". وما قالته النيابة في هذا الشأن إنما ينصرف إلى التشكيك في صحة المستندات التي قدمت إلى الخبراء وتزويرها والتغرير بهم وعدم عنايتهم بفحصها وهدفها مما ضمنته مذكرتها هذه حمل المحكمة على إطراح ما انتهى إليه تقرير هؤلاء الخبراء. ولما كان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بآراء الخبراء مهما وجه إليها من مطاعن وذلك متى اطمأنت إليها. لما كان ذلك، فإن ما تنعاه النيابة العامة على الحكم في هذا الصدد لا يكون له من وجه.
وحيث إنه عن تهم الإهمال الجسيم فإن الحكم بعد أن عرض إلى الآراء المختلفة في تعريفه انتهى إلى ما عول عليه في قضائه في أن "درجات الخطأ تتصل بمدى توقع الجاني لما يؤدى إليه مسلكه من نتائج ضارة - فإن كان غير متوقع تلك النتيجة ولم يكن ليتوقعها الناس عادة فهو غير مخطئ - وإن كان غير متوقع لها ولكن بالمراعاة للظروف التي وجد فيها - فإنها متوقعة لدى الشخص العادي. فإنه مهمل لأنه لم يحتط ولم يتبصر - وإن كان هو نفسه يتوقع تلك النتائج الضارة فعلاً ولكنه لم يكترث ليتجنب وقوعها فإن إهماله ليس إهمالاً عادياً بل هو إهمال جسيم لأنه توقع النتيجة الضارة ولم يتخذ حذره لتلافيها. أما إذا توقع النتيجة الضارة وارتضاها في تصرفه فهو متعمد لها قاصداً إحداثها... أما الضرر فإنه شرط أساسي لمعاقبة الجاني في جرائم الإهمال وقد يكون هذا الضرر مادياً أو أدبياً ولكن يشترط أن يكون حقيقياً وأن يكون مباشراً أي مترتباً على الفعل الخاطئ. فجسامة الضرر ليست ظرفاً مشدداً بل ركن من أركان الجريمة. فيشترط إذن أن يقع الضرر وأن يكون جسيماً. وجسامة الضرر متروكة لتقدير المحكمة مراعية فيه ضخامة الضرر بالنسبة لأموال الفرع الذي يعمل فيه الموظف المهمل إن كان يعمل في فرع، أو بالنسبة إلى الجهة جميعها إن كان يعمل في إدارة المصلحة أو الجهة جميعهاً - والمصالح المعتدى عليها التي قد يصيبها ضرر قد تكون مصالح مالية أو اقتصادية أو اجتماعية تسئ إلى سمعة البلاد إساءة بالغة وقد تؤدى إلى الإضرار بسمعة البلاد الاقتصادية أو بمركزها المالي". وانتهت المحكمة في تعريفها للإهمال الجسيم "إنه الإهمال الذي يثبت فيه أن الجاني قد توقع فعلاً من تصرفه الخاطئ ضرراً ولكنه لم يكترث له ولم يعبأ به لتجنب هذا الضرر ومن ثم سمى منحرفاً أو غير أمين وأنه بدون هذا التفسير يصبح الموظف عرضة للمؤاخذة الجنائية عن تصرفات فيها بعض الخطأ عن أضرار لم يتوقعها لمجرد أن الرجل العادي يجب أن يتوقعها مما يترتب عليه إرهاب الموظف وإيقاف لدفة العمل ووضعه في المكان الذي يرى فيه أن يتوارى ويحجم عن البت فيما يراه محققاً للصالح العام بمجرد أن رأيه يختلف عما يراه غالبية الناس من هم في مثل عمله وظروفه وقد يكون له دفاع لا يوافقه عليه هؤلاء فمثل هذا الموظف الذي وقع في هذا الإهمال العادي الذي لم يصل إلى حد الانحراف والجسامة بالمعنى سالف الذكر يجب الوقوف عند حد مساءلته إدارياً وتأديبياً ولا يصح أن يؤخذ جنائياً بالمادة 116 مكرر ب من قانون العقوبات اللهم إلا إذا كان إهماله جسيماً يصل إلى حد الانحراف وعدم الاكتراث والاستهتار". وخلصت المحكمة تطبيقاً لهذا التفسير الذي أخذت به وعولت عليه وبعد مناقشة أدلة الاتهام إلى أنه: بالنسبة إلى التهمة الموجهة إلى المطعون ضدهما السابع والثامن فيما يتعلق بعدم استعانتهما بفنيين لمعاينة وفحص الثلاجات التي اشتراها المطعون ضدهما الثالث والرابع من المطعون ضده السادس - لتقدير حالتها وقيمتها الحقيقية قبل صرف ثمنها إلى المطعون ضده السادس. فقد أوردت المحكمة دفاع المتهمين المؤسس على أن القانون 120 لسنة 1962 الذي عمل به في 5/ 8/ 1962 لا يسرى على واقعة شراء الثلاجات الذي تم بتاريخ 7/ 5/ 1962 و16/ 6/ 1962 أو على واقعة تسليمها في 28/ 6/ 1962 و20/ 7/ 1962. وأنه من حيث الموضوع فقد أخذت المحكمة بما قرره الدفاع من أن المتهم السابع ليس من اختصاصه التعرض لتلك الجزئيات بصفته رئيس مجلس إدارة المؤسسة التعاونية الاستهلاكية. وأنه بالنسبة إلى المطعون ضده الثامن فقد قدم خطاباً من شركة المحاريث والهندسة بتاريخ 1/ 4/ 1962 يتضمن أنه توجد صعوبات في الاستيراد وأنها رفعت الأسعار إلى 750 جنيهاً للثلاجة لاضطرارها إلى شراء وحدات التبريد من السوق المحلية. كما قدم خطاباً آخر من إدارة المشتريات بالجمعية بتاريخ 3/ 2/ 1962 ورد فيه أن شركات القطاع العام "المحاريث والهندسة ونقولا دياب" ليس لديها ثلاجات وأنه يجب على الجمعية أن تساعدها لدى الجهات المسئولة للحصول على تراخيص استيراد. وأن المطعون ضده الثامن برر بهذين الخطابين ما لجأت إليه الجمعية من شراء ثلاجات من السوق المحلى بالأسعار المتفق عليها وهى أقل من أسعار القطاع العام. كما قدم المطعون ضده الثامن صورة خطاب مرسل إلى عميد كلية الهندسة بتاريخ 25/ 9/ 1962 - بطلب انتداب مهندس لمعاينة الثلاجات الموضحة بالخطاب وتقدير أثمانها ومدى صلاحيتها. ورأت المحكمة من ذلك كله أن المطعون ضدهما السابع والثامن "لم يهملا في شيء بالنسبة لموضوع الثلاجات لأن أولهما لا شأن له بواقعة شرائها ولأن الثاني حاول جاهداً الاستعانة بالفنيين لمعاينة تلك الثلاجات المشتراة وتقدير أثمانها وبيان مدى صلاحيتها للعمل وفضلاً عن ذلك فإن تلك التهمة مردودة بما أثبتته هذه المحكمة في تفنيد تهمة الاختلاس المسندة إلى المتهمين (المطعون ضدهما الثالث والرابع) بأنها في غير محلها وأن الأثمان التي دفعت إلى المتهم (المطعون ضده السادس) ثمناً للثلاجات ليس فيها مغالاة ولا تجاوز أثمان السوق وأن تقرير الخبير في هذا الصدد جاء مجافياً لأسعار السوق.... وأن تلك الثلاجات لم تتعطل بل ظلت تعمل شأن باقي الثلاجات المشتراة من القطاع العام..... ومعنى ذلك أنه بصدد جريمة الإهمال فركن الضرر قد انتفى كلية ومن ثم يكون هذان المتهمان بريئين من التهمة المسندة إليهما من تلك الناحية". وقالت المحكمة أنه بالنسبة إلى التهمة المسندة إلى المطعون ضدهم الثامن والتاسع والعاشر في شأن تعيين المطعون ضده الخامس أميناً لمخزن 3 على الرغم من عدم خبرته وضآلة مرتبه وإغفال الثامن اتخاذ أي إجراء معه بعد علمه باختلاس هذا المتهم بضائع من ذلك المخزن - أن تلك التهمة مردودة "بانتفاء ركن الضرر الجسيم بعد أن ثبت أمام هذه المحكمة من تقرير الخبراء الذين ندبتهم أن المتهم الخامس لم يختلس شيئاً وذلك دون حاجة إلى مناقشة دفاع المتهمين في هذا الصدد إذ انهار ركن الضرر كلية". وبالنسبة إلى التهمة المسندة إلى المطعون ضدهما الحادي عشر والثاني عشر في شأن عدم تشغيلهما السيارات المؤجرة من شركة السيد مصيلحي في نقل البضائع تشغيلاً كاملاً يحقق الغرض من تأجيرها مما نجم عنه إضرار بأموال الجمعية تقدر بمبلغ 1878 ج و852 م قالت المحكمة أن النيابة استندت في ثبوت هذه التهمة إلى تقرير الخبراء الذي ورد فيه أن هناك فترات في تشغيل السيارات المؤجرة في مختلف الوحدات حيث لم تقم كل وحدة بتشغيل السيارات تشغيلاً كاملاً يشمل كل وقتها ولم تقم بتشغيل سيارات نقل في إحدى الوحدات - وحدة السمك، وحدة اللحوم، وحدة المواشي، وحدة الخضر، وحدة البقالة، في وقت فراغها في وحدة أخرى واعتبر الخبراء أن تلك السيارات قد أمضت وقتاً ضائعاً بدون عمل حددته بثلاث ساعات يومياً لكل سيارة في المتوسط بالنسبة إلى عدد السيارات المؤجرة وعددها 13 سيارة في مدة الفحص من 1/ 6/ 1964 حتى 10/ 11/ 1964. كما استندت النيابة أيضاً إلى ارتفاع أجور هذه السيارات. ثم انتهت المحكمة إلى أنه بالنسبة لأجور السيارات فقد قرر صاحب الشركة أنه أجر سيارات للجمعية مقابل 7.5 جنيهاً يومياً لتعمل من الثامنة صباحاً إلى الرابعة مساء ولما لاحظ أن السيارات تتأخر في العودة عن موعدها شكا ذلك إلى الجمعية فحررت معه عقداً في أوائل يونيه سنة 1964 نص فيه على رفع الأجر إلى عشرة جنيهات على أن تعمل السيارات حتى منتصف الليل. وأنه عن سوء تشغيل السيارات وبقاء بعضها بدون عمل بعض الوقت. فإن المثل الذي ساقه الخبراء لا يصلح أساساً لهذا الاستنتاج في تقدير الإضرار لأنه ليس من المقبول أن السيارة التي تنقل الفاكهة حتى الساعة الواحدة ظهراً يجوز استخدامها بعد ذلك حتى الساعة الخامسة في نقل المواشي ثم تعود لوحدة الفاكهة لنقل الفاكهة وهى ملوثة بروث المواشي. وأن مدير فرع الجمعية قرر أنها كانت في أشد الحاجة إلى السيارات وخاصة في فصل الصيف لمواجهة ضغط المصطافين فشكا الأمر إلى رئيس مجلس إدارة الجمعية طالباً مزيداً من السيارات مما دعاه إلى استئجارها وقد أيده الأخير في ذلك وقرر أن السيد وزير التموين هو الذي طلب منه توفير أكبر عدد من السيارات لنقل السلع للمصطافين ولو باستئجار عدد كبير منها فنفذ هذا التوجيه وقدم في التحقيقات خطاباً من وزارة التموين يؤيد هذا الدفاع - وقال الحكم إن السيد نائب رئيس الوزراء لشئون التموين شهد أمام المحكمة "بأن الجمعية وقد أنشئت لتسد حاجة الجمهور صادفت زحاماً من المصيفين فطلب من المسئولين فيها توفير السيارات واستئجارها لنقل السلع للمستهلكين منذ الصباح الباكر ولتبقى تحت تصرف الجمعية ولو بدون تشغيل وقتاً طويلاً طالما أنها تبقى تحت تصرف الجمعية لتنقل ما يطلب منها نقله في الوقت المناسب" وانتهى الحكم إلى "أن في هذه الأقوال ما يكفى لدرء مسئولية المتهمين عن بقاء السيارات بعض الوقت بدون تشغيل طالما أنها تبقى على أهبة الاستعداد لتلبية طلبات النقل كلما استدعى الأمر طالما أنها تبقى تحت تصرف الجمعية وفي خدمتها - ومن ثم تكون تهمة الإهمال المسندة لهذين المتهمين في غير محلها تأسيساً على أنه لم يقع هناك ضرر من بقاء بعض السيارات دون تشغيل ولأن زيادة عددها وبقاء بعضها دون تشغيل بعض الوقت كان لحكمة وسياسة رآها كبار المسئولين عن شئون التموين. وأنه بالنسبة إلى المطعون ضده الثامن وأنه أمر بحفظ المذكرة المقدمة من رئيس قسم المراجعة بشأن الإهمال في تشغيل تلك السيارات - فقد قرر المتهم أنه استطلع رأى السيد وزير التموين فأشار عليه باستئجار تلك السيارات حتى ولو بقى بعضها بدون استخدام بعض الوقت ما دامت تسد حاجة المستهلكين في الوقت المناسب - فوافق على ذلك... ورأى حفظ المذكرة المعروضة من مراجع الحسابات إذ لم يجد مسئولية عن أمين وحدة النقل... وقد سئل مدير فرع إسكندرية ومدير حساباتها فأيدا المتهم في دفاعه - كما شهد السيد نائب رئيس الوزراء لشئون التموين بأنه أذن لهم في تأجير عدد كبير من السيارات حتى ولو بقيت دون استخدام بعض الوقت - وإذ تبين ذلك فيكون ركن الخطأ غير قائم في حق المتهم لأنه تصرف في هذا الصدد بما يحقق تنفيذ الجمعية لالتزاماتها أمام الجمهور وتنفيذاً لسياسة تموينية وافق عليها السيد وزير التموين ويكون ركن الضرر غير قائم أيضاً". وقالت المحكمة إنه بالنسبة إلى ما أسند إلى المطعون ضده الثامن من أنه أمر بعد علمه بدلائل الاختلاس - بتسوية معلقات الخزينة حسابياً قبل مراجعة العمليات التي تم صرف تلك المبالغ فيها والتحقق من صحة مستنداتها مما ترتب عليه التجاوز عن وقائع الاختلاس وعدم مطالبة الطاعن الأول والمطعون ضدهما الأول والثاني بالأموال المختلسة وضياعها على الجمعية - فإنه عن الشق الخاص بالتجاوز عن وقائع الاختلاس المنسوبة إلى المطعون ضدهما الأول والثاني فإنه يتعين تبرأته منها "تأسيساً على ما ثبت للمحكمة جزماً ويقيناً من عدم وقوع اختلاس من هذين المتهمين". أما بالنسبة إلى المطعون ضده الأول - فالثابت أن المطعون ضده الرابع مدير فرع الإسكندرية أصدر أمراً بتشكيل لجنة تتولى أعمال إنشاء الجمعيات وإصلاحها تتكون من المطعون ضده الأول وآخرين - ولكن الذي حدث فعلاً أن المطعون ضده الأول كان يسحب وحده مبالغ من خزينة الجمعية للصرف منها على تلك الأعمال بموجب إيصالات مؤقتة موقع عليها منه وحده وكان يعتمدها كتابة ويقرها ويؤشر عليها المطعون ضده الرابع قبل تقديمها للخزينة لتصرف ما بها من مبالغ. وأنه عندما تسلم المطعون ضده العاشر إدارة الحسابات في نوفمبر 1962 وبدأ في جرد خزينة الفرع ومستنداتها لتقفيل الحساب السنوي الذي بدأ في نوفمبر تبين أن هناك مبالغ صرفت من الخزينة ولم تتم تسويتها - فحرر كشفاً بذلك واستعلم من إدارة الجمعية بالقاهرة عما يتبعه من إجراءات بالنسبة إلى تلك المبالغ المعلقة. فأرسل رئيس مجلس إدارة الجمعية (المطعون ضده الثامن) إلى مدير الفرع خطاباً بتاريخ 7/ 1/ 1963 يأمره فيه بتسوية هذه المعلقات حسابياً حتى تظهر الميزانية في أدق صورها - وتنفيذاً لأمره فقد أدرجت جميع المبالغ المسحوبة في كشف كما أدرجت أوجه صرفها في كشف آخر بدون إجراء مراجعة فنية، وأرسلت الكشوف إلى إدارة الجمعية فقامت بإدراجها في ميزانية الجمعية تحت بند المعلقات، وفي نفس الوقت أمر رئيس مجلس الإدارة بتشكيل لجنة يرأسها المهندس حسين حشيش لمراجعة عملية الإنشاءات مراجعة فنية فقدم له تقريراً بما اكتشفه من عجز فأبلغ النيابة ضد الطاعن الأول. وقد سئل مدير الحسابات بالإسكندرية ومدير الإدارة المالية بالقاهرة فقررا أن التسوية الحسابية قصد منها الإسراع في إعداد الميزانية وأن التسوية الحسابية تتم بدون إجراء أي مراجعة فنية للمستندات وقد قرر المطعون ضده الثامن إنه بعد أن عرضت عليه مستندات تلك العملية بعد التسوية الحسابية رأى أنها تحتاج إلى مراجعة فنية فأمر بإجرائها. ثم أضاف أن التسوية الحسابية لا تعنى عدم المراجعة الفنية بل إن مؤداها إجراء مراجعة حسابية بين الوارد والمنصرف على أن تجرى مراجعة فنية لما يثور فيه شك. وأن ذلك حدث فعلا. واستطرد قائلاً إن التسوية الحسابية تؤكد حصول المراجعة الفنية بدليل الإبلاغ ضد الطاعن الأول عن اختلاسه مبلغ 465 جنيهاً الذي ظهر أولاً كعجز عنده قبل مراجعة عهدته فنيا بمعرفة المهندس حسين حشيش. كما قرر أن التسوية الخاصة بالمطعون ضدهما الأول والثاني تمت بعد مراجعة حساباتهما بمعرفة رامي فرج وميشيل بسطوروس وحامد حجاج في 24/ 10/ 1962 وأضاف أن التسوية الحسابية لا تفيد التجاوز عن وقائع الاختلاس وإلا لما أمر هو بمراجعة أعمال الإنشاءات مراجعة فنية انتهت بثبوت الاختلاس في حق الطاعن الأول. ولما حررت الإدارة في القاهرة خطاباً إلى فرع إسكندرية في 18/ 9/ 1963 وهو مضموم للأوراق تطلب فيه سرعة إرسال مستندات المعلقات مستوفاة من جميع المختصين والفنيين ومعتمدة من مدير الفرع بعد أن مضى شهران على التسوية الحسابية دون إرسال تلك المستندات ثم قال إن التسوية الحسابية ليست بدعة في النظام الحسابي بدليل أن ميزانية 1963 - 1964 التي أجريت قد جاء في أحد بنودها إجراء تسوية حسابية للمبالغ التي لم يسمح الوقت بالفراغ من مراجعة مستنداتها عند وضع الميزانية وقد قدمت تلك الميزانية في الأوراق وثبت ذلك منها فعلاً". وانتهى الحكم بعد سرد تلك الوقائع إلى "أن المطعون ضده الثامن عندما أمر بتسوية المعلقات حسابياً لم يكن أمامه بوادر أو دلائل اختلاس من الطاعن الأول أو غيره. وأن الأمر بالتسوية الحسابية لا يفيد التجاوز عن الاختلاسات بدليل أنه في نفس الوقت الذي أمر فيه بالتسوية الحسابية أمر بمراجعة أعمال الطاعن الأول مراجعة فنية أسفرت عن ثبوت جناية الاختلاس في حقه وكذلك طلب هو والإدارة المالية الاستعلام من فرع إسكندرية عما ظهر من نتائج التسوية وإرسال مستنداتها موقعاً عليها من الفنيين بآرائهم - وعلى ذلك فإن الأمر بالتسوية الحسابية لم يسبب اختلاساً أو يرتب أضراراً مالية ولم يتضمن أمراً بعدم مراجعة الحسابات أو العهد بل على العكس اقترن بضرورة إجراء المراجعة الفنية وقد ثبت من الميزانيات اللاحقة أن المعلقات لها وجود في الميزانيات حتى لا تظهر المبالغ كأرباح في حين أنها لم تتم بعد تصفيتها تصفية نهائية ومن ثم فإن هذه التهمة في غير محلها لانتفاء ركن الإهمال الجسيم ولأن هذا التصرف لم يكن ذا أثر أو دخل في وقوع الاختلاس من الطاعن الأول لأنه كان قد وقع من قبل عرض تلك التسوية ومن قبل أن يأمر المطعون ضده الثامن بإجرائها ومن ثم يتعين تبرأته منها". ثم قال الحكم أنه بالنسبة إلى التهمة المسندة إلى المطعون ضدهما السابع والثامن لأنهما تسببا بخطئهما الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بالمصالح القومية والاقتصادية وبمصالح الجمعية التي يشرفان عليها بأن أدارا أعمالها دون أن يضعا لذلك تخطيطاً سليماً أو أنظمة كفيلة بحسن سير العمل وانتظامه "فإن المحكمة سبق أن فسرت الإهمال الجسيم بأنه الخطأ مع التبصر الذي يتوقع فيه الجاني الضرر الجسيم فعلاً ولا يتخذ أي إجراء لتلافيه بل يمضى في تصرفاته الخاطئة باستهتار غير مكترث بوقوع الإضرار. وقد ثبت لهذه المحكمة أنه لم تقع اختلاسات أو إضرار جسيمة إلا بالنسبة إلى الاختلاس الواقع من الطاعنين الأول والثاني" ثم عرض الحكم إلى دفاع المطعون ضده السابع الذي يجمل في أنه عين رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة التعاونية الاستهلاكية الذي يضم آخرين منهم مدير عام المؤسسة الذي أعطى في نفس الوقت سلطات مجلس إدارة الجمعية، وأن مجلس إدارة المؤسسة هو الذي يضع اللائحة الخاصة بالرقابة على الجمعيات وتصدر هذه اللائحة بقرار من رئيس الجمهورية وأن مجلس إدارة المؤسسات أصدر قراراً في 18/ 4/ 1962 بتأسيس جمعية تعاونية تسمى الجمعية التعاونية الاستهلاكية المركزية لها أن تتعاقد وأن تجرى جميع الأعمال والتصرفات اللازمة لتنفيذ الغرض الذي أنشئت من أجله وأن لكل جمعية تعاونية طبقاً للقانون رقم 317 لسنة 1956 مجلس إدارة يتولى شئونها ويديرها - وقدم صورة من قرار إنشاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية وانتهى إلى القول بأن الجمعية التعاونية ومجلس إدارتها هو المسئول عن وضع تنظيم وتخطيط لأعمالها وأعمال العاملين فيها وأن عمل رئيس مجلس إدارة المؤسسة قاصر على التوجيه والإرشاد ولا يتدخل في الجزئيات والتفصيلات. وأنه مع ذلك لم يتوان عن أداء واجباته وأنه عندما لاحظ وجود إهمالات في حسابات وتصرفات مدير فرع إسكندرية في أغسطس سنة 1962 كلف مراقب عام الجمعية ومدير الشئون القانونية بالتحقيق الذي انتهى بإصدار قرار بنقل مدير الفرع وأرسل أوراق التحقيق إلى النيابة الإدارية وأنه لا يسأل عن عملية الثلاجات لأن أحداً لم يفاتحه في شأنها وأنه مع ذلك فقد تم شراؤها قبل العمل بالمادة 116 مكرر ب. وقال الحكم "أنه استبان للمحكمة من الاطلاع على ملف النيابة الإدارية أن المطعون ضده السابع أصدر أمراً بنقل مدير فرع إسكندرية في 18/ 8/ 1962 وكلف مراقب عام المؤسسة بالتحقيق معه فقام بإجراء تحقيقات تناولت الإهمال الذي لمسه في أعمال الحسابات والإنشاءات وعملية شراء الخضر والفاكهة ثم أحال هذا التحقيق إلى النيابة الإدارية بتاريخ 27/ 3/ 1963". ثم عرض الحكم إلى دفاع المطعون ضده الثامن في هذه التهمة ويجمل في قوله إنه لم يقصر ولم يهمل في شيء وأن الجمعية لا تتبع النظام الحكومي في البيع والشراء ولا تخضع إلى لائحة المناقصات والمزايدات. وقدم خطاباً مؤرخاً في 24/ 2/ 1965 من عضو لجنة إدارة الجمعية مؤكداً هذا الرأي. وأنه وضع لائحة تنظيمية مماثلة للائحة مركز الشاي الذي كان يديره قبل تعيينه مديراً للجمعية. وهذه اللائحة تبين اختصاص جميع العاملين في الجمعية ولائحة الجزاءات وأن تلك القرارات صدرت تباعاً، ومؤداها أن العمل بالإنشاءات قد نيط بلجنة مشكلة من ثلاثة أحدهما الطاعن الأول - أصدر مدير الفرع قراراً بتشكيلها بحيث لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالعمل في وحدة الإنشاءات، وأن سحب المبالغ من الخزينة يتم بإيصالات معتمدة من مدير الفرع وهى لا تخلى مسئوليته إلا إذا قدم الفواتير المؤيدة للمبالغ التي صرفت وأن من حق فروع الجمعية إذا لاحظت عجزاً أو شبه عجز أو قام لديها شك أن تبلغ النيابة العامة وأن مدير كل فرع هو المسئول عن الإشراف والرقابة على أعمال الموظفين والتبليغ عن أخطائهم. ثم أثبتت المحكمة إطلاعها على المستندات التي قدمها وأهمها - محضر اجتماع رؤساء الحسابات في 28/ 12/ 1962 الذي حدد فيه اختصاصات إدارة الحسابات المختلفة ومسئولية كل إدارة عن سلامة التخزين بالمخازن والمجمعات والثلاجات والتأكد من حسن سير العمل وأن أي موظف يتسلم نقدية بإيصال مؤقت يجب عليه أن يسوى المبلغ في نفس اليوم أو يقدم مذكرة بما تم وأن الإدارة المالية يتبعها جميع أقسام الحسابات التي عليها أن تمسك دفاتر منتظمة. ثم أوضح المحضر عدد الإدارات المختلفة واختصاصاتها وواجباتها. ثم قرار رقم 50 لسنة 1962 بوضع تنظيم جديد للجمعية أرسلت صورته إلى المؤسسة في 14/ 3/ 1963 ويتضمن تنظيم الجمعية وفروعها وإنشاء إدارة للتخطيط والمتابعة وهى تقوم بإجراء البحوث ووضع الخطة مع باقي الإدارات بعد الحصول على كافة المعلومات اللازمة لقيام القسم بأبحاثه حتى تكون الجمعية على علم بأحدث النظم التي يمكن تطبيقها. ثم إنشاء قسم المتابعة لتنفيذ الميزانية وتتبع المدير العام وإدارة الشئون القانونية التي تختص بجميع علاقات الجمعية القانونية مع الغير وإجراء التحقيقات. ثم قسم التفتيش ويقوم بمهمة التفتيش للاطمئنان على حسن سير العمل بالجمعية وهو يشمل التفتيش المالي والإداري ويتبع المدير العام لإدارة العلاقات العامة. ثم إنشاء إدارات تتبع نائب المدير العام للشئون التجارية ومنها إدارة الخضر والفاكهة وإدارة النقل ويلحق بكل إدارة قسم للحسابات يتولى المراجعة بين ما تم شراؤه وما تم بيعه بحيث لا تصرف الخزانة مبلغاً ولا تقوم بتسويته إلا بعد التأشير بحصول الموافقة فعلاً كما قدم بيانا بعدد المهندسين بالجمعية وعدة إعلانات في الصحف اعتباراً من أغسطس 1963 عن احتياج الجمعية إلى فنيين. ثم خطابات للمؤسسة من تاريخ 29/ 11/ 1961 بطلب مهندسين فنيين للتبريد والمعمار. ثم بياناً تفصيلياً مطولاً بالمنشورات واللوائح الأخرى المقدمة من هذا المتهم لتنظيم العمل بالجمعية. وخلص الحكم بعد سرد تلك الوقائع إلى "أن هذه المحكمة تنتهي من استعراض تفصيلات دفاع هذين المتهمين وما قدماه من مستندات في الدعوى بصدد جريمة الإهمال. أنه لا محل لمناقشة جرائم الإهمال بصدد ارتكاب جريمة الاختلاس في المخزن رقم 3 أو في عهدة الخضر والفاكهة أو في عملية الثلاجات أو في وحدة النقل بعد أن ثبت عدم وجود اختلاسات أو أضرار بالنسبة لتلك التهم جميعاً. وأنه بالنسبة إلى تهمة الاختلاس المسندة إلى الطاعنين الأول والثاني فقد ثبت أن الغالبية الغالبة من الأعمال التي قام بها الأول تمت قبل العمل بالمادة 116 مكرر ب في 25/ 7/ 1962. وأنه بالنسبة إلى الثاني فإن المبلغ الذي نسب إليه اختلاسه لا يتجاوز 562 جنيهاً وأن النظام الذي كان متبعاً في أعمال الإنشاءات لو نفذ من إدارة الإسكندرية كما وضع. لحال إلى درجة كبيرة دون وقوع أضرار... وأنه لو طبق النظام الذي وضعه المطعون ضده الثامن لكان في تطبيقه ضمان بعدم تلاعب الطاعن الأول... ولما قام منفرداً بصرف مبالغ من الخزينة موقعاً عليها منه ولما كان أمين الخزينة ليسلمها له لو أنها كانت موقعاً عليها من مدير الفرع.. ومن ثم فإن المطعون ضدهما السابع والثامن لم يهملا في وضع الأنظمة التي تكفل عدم التلاعب بأموال الجمعية واختلاسها... وأنه بالنسبة إلى المطعون ضده الرابع (مدير الفرع) فإن النيابة لم تقدمه بتهمة الإهمال عن هذا التصرف، ولا محل للمناقشة في ذلك بعد أن تبين بأن هذا المتهم قد رفعت يده عن العمل في الفرع في أغسطس 1962. وأن المادة 116 مكرر ب لا تمتد إلى التصرفات السابقة على تاريخ العمل بها". واستطرد الحكم فقال "إن الأنظمة التي كانت متبعة... لو طبقت تطبيقاً سليماً من إدارة الحسابات ومن وحدة المخازن ووحدة الخضر لما حصل التخبط الذي أظهر وجود اختلاسات لا وجود لها... وأن المطعون ضدهما السابع والثامن لم يتوانياً عن وضع تخطيطات لمواجهة التوسع في أعمال الجمعية..." ثم ناقش الحكم المستندات المقدمة منهما والتي سلف بيانها... وقال "إنه ليس صحيحاً أنهما لم يعنيا بتوفير الفنيين بالجمعية. وأن ما قدم من مستندات عن مدى نشاط الجمعية وأرباحها في فترة عمل المتهمين يدل على أن تلك الفترة لم تنته لا بالإضرار بالاقتصاد القومي ولا بالجمعية بل على العكس فإن أرباحها التي كانت في سنة 1957 لا تتجاوز 49172 جنيهاً في مركز الشاي أصبحت في سنة 1963 - 1964 تتجاوز المليون من الجنيهات. وهذا يدل على المجهود الشاق الذي بذله كل منهما في هذا المشروع الحيوي. ثم قال الحكم "إن المطعون ضده السابع لم يكن من عمله التفتيش على المجمعات أو شراء الثلاجات أو الخضر أو الإشراف على أعمال الإنشاءات. وأن مهمته هي مراجعة اللوائح والأنظمة التي يضعها مجلس إدارة الجمعية لعرضها على مجلس إدارة المؤسسة لاعتمادها أو تعديلها طبقاً لنص المادة 55 من القرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962 بنظام لائحة العاملين، كما أن عليه تنفيذ ما يضعه مجلس إدارة المؤسسة من لوائح بنظام الرقابة على الجمعيات طبقاً للمادة 7 من القرار الجمهوري رقم 2347 لسنة 1960 بإنشاء المؤسسة التعاونية الاستهلاكية... وأنه إذا كان قد تدخل في الإشراف فعلاً على فرع الإسكندرية فقد كان دافعه في ذلك تحقيق المصلحة العامة. وليس أدل على ذلك من أنه إذ نما إلى علمه أمر تلك الإهمالات المنسوبة إلى مدير الفرع - أمر بنقله من الإسكندرية وتحقيق ما ظهر له من إهمالات في الحسابات وأعمال الإنشاءات وحسابات الخضر والفاكهة وغيرها وناط ذلك بمراقب عام المؤسسة ومدير الشئون القانونية. ثم أحال نتيجة التحقيق إلى النيابة الإدارية التي أقامت الدعوى التأديبية ضد بعض المتهمين وأرجأت البت بالنسبة إلى التهم المسندة إلى الباقين حتى تنتهي النيابة العامة من التحقيق معهم. ومثل هذا التدخل من المتهم يستحق التقدير والتنويه وليس الانتقاد والازدراء". وانتهت المحكمة إلى أنه "يستبين من استعراض الوقائع السابقة جميعها انتفاء ما قيل من أن المتهمين التاسع والعاشر (المطعون ضدهما السابع والثامن) أهملا إهمالاً جسيماً أو لم يضعا أنظمة لحسن سير العمل بعد أن ثبت أن الأنظمة التي كانت سائدة لو طبقت تطبيقاً سليماً لما وقع خطأ أو ارتباك ولما أجهد الخبراء أنفسهم إجهاداً شاقاً كي يستخلصوا نتيجة تلك الحسابات. ولو طبق مدير فرع إسكندرية تلك التعليمات بالاستعانة بلجنة الإنشاءات مجتمعة بدلاً من الطاعن الأول وحده - وهذا سابق على العمل بالمادة 116 مكرر (ب) لكان من المحتمل ألا تقع اختلاسات في هذا الفرع. وفي جميع الأحوال فلم يترتب على تلك الإهمالات الحسابية أو المخزنية أي ضرر اللهم إلا بالنسبة لوحدة الإنشاءات كما سبق البيان ولا يسأل عن ذلك رئيس المؤسسة أو رئيس الجمعية". ثم خلص الحكم إلى "أنه بعد استعراض وقائع تلك الدعوى وبعد الاستماع إلى شهادة السيد نائب رئيس الوزراء لشئون التموين. فإن هذه المحكمة ترى أن الجمعية التعاونية وفروعها قد حققت نجاحاً في خدمة الشعب لا يمكن أن ينال أو يقلل منه وقوع بعض الإهمالات من جانب قسم الحسابات لإسكندرية في فترة إنشاء الجمعيات". لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لا تجادل في صحة إسناداً لحكم لما أورده من القرارات المحددة لاختصاصات رئيس مجلس إدارة المؤسسة ورئيس مجلس إدارة الجمعية والعاملين فيها أو في اللوائح والأوامر والمنشورات التي وضعها المطعون ضده الثامن لتنظيم وإدارة الجمعيات أو في اختصاص إدارة التخطيط بوضع خطة العمل مع باقي الإدارات أو في اختصاص المطعون ضده الرابع في إدارة فرع الإسكندرية ومسئوليته عن تطبيق النظام العام الموضوع لعملية الإنشاءات والتي لا تسمح بانفراد الطاعن الأول بها، أو في أقوال السيد نائب رئيس الوزراء لشئون التموين أو الشهود الذين أشار الحكم إليهم أو في استلام ميشيل بسطوروس مستندات وحدة الخضر والفاكهة واسترداد المطعون ضدهما الأول والثاني للإيصالات المؤقتة بالمبالغ التي كانت في عهدتها والمرافعة بالمفردات. وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن بنيامين شنوده مدير الإدارة المالية قال في شأن التسوية الحسابية إن المطعون ضده الثامن أمره بإجرائها حتى تظهر الميزانية أدق صورها ثم أمر بمراجعة المستندات بعد ذلك وأنه بخصوص الإنشاءات فقد حول الأمر إلى المهندس المختص (حسين حشيش) لمراجعتها وبعد أن قدم تقريراً أثبت فيه أن المبالغ التي صرفها كرم منصور مبالغ فيها أمر على أثر ذلك بتبليغ النيابة الإدارية عن هذا العجز الذي ظهر في عهدة الطاعن الأول (كرم منصور). وأضاف أن من رأيه أنه لو لم تتم التسوية الحسابية ولم تظهر هذه المبالغ المعلقة في المصروفات لكانت النتيجة أنها تظهر كأرباح وهمية لا تتناسب مع المصروفات وتكون الميزانية لا تمثل المركز الحقيقي للجمعية وأنه "إذا لم تعمل تسوية فلا تعمل ميزانية". "وأن الإيصالات المؤقتة لا ترد إلى الموظفين إلا بعد توريد البضاعة ومراجعة المستندات". كما قرر مدير عام الجمعية وله سلطات مجلس الإدارة كما سلف. أن الجمعية لا تتقيد بالنظم الحكومية سواء في تعيينات الموظفين أو في إدارة أعمالها وقال السيد نائب رئيس الوزراء لشئون التموين أمام المحكمة أنه طلب من القائمين على الجمعيات أن يكسروا اللوائح وأن الجمعيات حققت رسالتها في حدود إمكانياتها البشرية ومستوى العاملين الثقافي والاجتماعي والأخلاقي وظروف إنشائها وما طرأ عليها من توسع سريع وأن الجمعيات المماثلة في بلاد أخرى تبلغ نسبة السرقات والاختلاسات فيها 1% - ويعتبرها المسئولون عنها أنها ناجحة وأن تشديد الرقابة لن يكون له من نتيجة سوى تقليل المبيعات وإبعاد المستهلكين - وأنه في سنة 1963 سمع من رئيس المؤسسة أن حسابات الإنشاءات غير دقيقة وطلب تحويل المسئول إلى النيابة الإدارية وحول إليها فعلاً وعلم منه أنه استعجل تلك النيابة مرة أخرى وأنه فيما يتعلق بعملية الخضر والفاكهة فإنها تسير بطريقة بدائية ويتحكم فيها المنتج وتاجر الجملة في شأن أصنافها وتعبئتها وأن الجمعية لم تخالف القوانين واللوائح وأنه هو الذي أمر باستئجار سيارات النقل لسد حاجة المستهلكين ولو بقيت بعض الوقت بدون عمل ونفى وجود أية فوضى في جمعية إسكندرية. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى وأحاط بعناصرها ووازن بين أدلة الثبوت والنفي فيها واستخلص بحق عدم توافر أركان جريمة الإهمال الجسيم في حق المتهمين بارتكابها وأورد ما أدلى به نائب رئيس الوزراء لشئون التموين في حدود رأيه من تزكية للقائمين على إدارة تلك الجمعيات باعتباره المهيمن على شئون التموين وله سلطة الإشراف والتوجيه على الجمعيات ومن اختصاصه أن يلم إلماماً كافياً ومسئولاً بكل ما يتعلق بها. فإن من حق محكمة الموضوع أن تعول على تلك الشهادة وأن توليها ثقتها واطمئنانها. أما ما تقوله النيابة من قصور الحكم في إبداء رأيه في الأضرار الأدبية التي وقعت وفي تهمة الإضرار بالمصالح الاقتصادية والقومية التي وجهتها إلى المتهمين بإحدى الجلسات وبعد تقديمهم إلى المحاكمة عن الجرائم المحددة في قرار الاتهام. فإنه فضلاً عن أن النيابة لم تبين ماهية تلك الإضرار وكيف أنها وقعت نتيجة الجرائم المسندة إلى المتهمين ولم تقم دليلاً على أن هذه الإضرار كانت محققة فعلاً وليست احتمالية، فإن الثابت من الحكم أنه حيثما نفى حصول ضرر للجمعيات فقد تحدث عنه بصفة عامة ومؤدى عدم توافره في جرائم الاختلاس وهى الأصل في الاتهام أنه ينسحب تبعاً إلى نفي حصول أية أضرار بالمصالح الاقتصادية والقومية للبلاد ومع ذلك فإن الحكم إذ عرض إلى التهمة المسندة إلى المطعون ضدهما السابع والثامن المؤسسة على أنهما تسببا في إلحاق ضرر جسيم بمصلحة قومية واقتصادية للبلاد فإنه تحدث عن تلك الأضرار بصفة عامة أيضاً فقال "إن ما تقدم من مستندات عن مدى نشاط الجمعية وأرباحها في فترة المتهمين بالجمعية وبالمؤسسة يدل على أن تلك الفترة لم تنته لا بالإضرار بالاقتصاد القومي ولا بالجمعية". وهو ما ينعطف على باقي المتهمين الذين كانوا يعملون في الجمعيات في فترة رئاسة المطعون ضدهما السابع والثامن لهم التي انتهت بعدم وقوع أضرار بالاقتصاد القومي - ويكفى للرد على ما نسب إلى هؤلاء المتهمين من التسبب في تلك الأضرار الوهمية. لما كان ذلك، فإنه لا يكون هناك محل لرمى الحكم بما رمته به الطاعنة. وكل ما تنعاه في هذا الشأن إنما ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة البراءة التي اطمأنت إليها المحكمة وركنت إلى الأخذ بها والتعويل عليها وهو ما لا يجوز إثارته أو المجادلة فيه أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق