جلسة 26 من نوفمبر سنة 1984
برياسة السيد المستشار/
يعيش رشدي نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين: محمد الصوفي وأحمد سعفان
ومحمود البارودي وعادل عبد الحميد.
--------------
(187)
الطعن رقم 1011 سنة 54
القضائية
(1)جلب.
مواد مخدرة. جريمة "أركان الجريمة". قصد جنائي.
الجلب هو استيراد المخدر
بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس. استيراد المواد
المخدرة لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل الجمهورية.
الحيازة المادية للمخدر. ليست شرط لاعتبار الشخص حائزاً لمادة مخدرة. كفاية أن
يكون سلطانه مبسوطاً على المخدر. متى يعد المتهم فاعلاً أصلياً في جريمة جلب مواد
مخدرة.
(2)تفتيش. إذن التفتيش "إصداره". استدلالات.
تقدير جدية التحريات
وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
خلو إذن التفتيش من بيان
اسم المأذون بتفتيشه كاملاً أو صفته أو صناعته أو محل إقامته لا يعيبه. طالما كان
هو الشخص المقصود بالإذن. أساس ذلك؟
(3)تفتيش "إذن التفتيش". دفوع "الدفع بصدور إذن التفتيش
بعد القبض". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة.
الدفع بصدور إذن التفتيش
بعد الضبط والتفتيش. دفاع موضوعي. كفاية اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط والتفتيش
بناء على الإذن. رداً عليه. مثال.
(4)حكم "بيانات التسبيب".
بيانات حكم الإدانة؟
صياغة الأحكام. لم يرسم
لها القانون شكلاً خاصاً؟
(5)تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". مواد مخدرة. دفوع
"الدفع ببطلان التفتيش". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التفتيش المحظور. ماهيته؟
صدور إذن بتفتيش الشخص أو
مسكنه. شموله بالضرورة ما يكون متصلاً بأيهما من جراج. مثال.
(6) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد الذي
يعيب الحكم. ماهيته؟
(7)إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق
الدفاع. ما لا يوفره".
تنازل دفاع الطاعنين عن
سماع الشهود. بالرغم من حضور بعضهم الجلسة. أثره: صحة القضاء في الدعوى دون سماعهم.
(8)إجراءات المحاكمة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
تولي أحد المحامين الدفاع
عن الطاعنين معاً - ثم انفراد محام لكل طاعن فيها بالدفاع عنه في نطاق مصلحة موكله
الخاصة دون غيرها. تنتفي معه مظنة الإخلال بحق أيهما في الدفاع.
(9) إثبات "اعتراف". حكم "تسبيبه.
تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره" دفوع
"الدفع ببطلان الاعتراف". نقض. "أسباب الطعن ما لا يقبل فيها."
للمحكمة أن تأخذ باعتراف
المتهم في محضر الشرطة ولو عدل عنه في مراحل أخرى متى اطمأنت إلى صدقه.
مجرد قول المتهم ببطلان
اعترافه لصدوره أمام رجال الشرطة لخشيته منهم. عدم كفايته. ما دام لم يستطل
سلطانهم إليه بالأذى.
(10)مسئولية جنائية "الإعفاء منها". مواد مخدرة. حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بتقصي
أسباب إعفاء المتهم من العقاب طبقاً للمادة 48 من ق. 182 سنة 1960 ما دام لم يدفع
به أمامها.
(11)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". مواد مخدرة -
إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفاع الذي تلتزم
المحكمة بالرد عليه. هو الدفاع الجازم الذي يصر مقدمه عليه. عدم جواز النعي على
المحكمة التفاتها عن دفاع أبدي أمام هيئة سابقة.
(12) مواد مخدرة. تلبس. قبض. تفتيش "بغير
إذن". مأمورو الضبط القضائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إجازة القبض على المتهم
في أحوال التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر
أو الأمر بضبطه وإحضاره إن كان غائباً متى وجدت دلائل كافية على اتهامه. المادتان
34، 35 من قانون الإجراءات المعدلتين بالقانون رقم 37 لسنة 1972 بضمان حريات
المواطنين.
متى جاز قانوناً القبض
على المتهم جاز لمأمور الضبط تفتيشه. المادة 46 إجراءات.
(13) مواد مخدرة. تلبس. قبض.
مأمورو الضبط القضائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة التلبس".
إثبات "بوجه عام" "اعتراف".
تقرير أو انتفاء حالة
التلبس. لرجل الضبط القضائي. تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع.
التلبس. صفة تلازم
الجريمة. لا شخص مرتكبها.
(14)دفوع. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب
الطعن. ما لا يقبل فيها". إكراه.
الدفع الذي تلتزم المحكمة
بتحقيقه أو الرد عليه هو الذي يبدى طرحه أمامها.
(15)إثبات "اعتراف" "بوجه عام" "شهود".
محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن، ما لا
يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في
الأخذ بأقوال متهم على آخر ولو ورد في محضر الشرطة إن عدل عنها.
(16)إثبات "شهادة". محكمة الموضوع.. سلطتها في تقدير
الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل فيها".
وزن أقوال الشهود -
موضوعي. المنازعة في أقوال الشاهد جدل موضوعي. لا تجوز إثارته أمام النقض.
---------------
1 - إن الشارع إذ عاقب في
المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها
والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 على جلب المواد المخدرة فقد دل
على أن المراد بجلب المخدر في الأصل هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في
ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره
متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في
المجتمع الدولي، وإذ كان استيراد المواد المخدرة لا يعدو في واقع الأمر أن يكون
حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضي الجمهورية فهو في مدلوله القانوني
الدقيق ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها. وكان لا
يشترط لاعتبار الجاني حائزاً لمادة مخدرة أن يكون محرزاً مادياً للمادة المخدرة بل
يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو
كان المحرز للمخدر شخصاً غيره، وكانت المادة 39 من قانون العقوبات إذ نصت على أن
يعتبر فاعلاً في الجريمة من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتي
عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها فقد دلت على أن الجريمة إذ تركبت من عدة أفعال
سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما
يعد فاعلاً مع غيره فيها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو
أكثر ممن تدخلوا معه فيها متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقاً لغرض مشترك هو
الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قد قَصَدَ قصْد الفاعل معه في إيقاع
تلك الجريمة المعنية وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها.
2 - من المقرر أن تقدير
جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل
الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وأن القانون لا يشترط شكلاً
معيناً لإذن التفتيش فلا ينال من صحته خلوه من بيان اسم المأذون بتفتيشه كاملاً أو
صفته أو صناعته أو محل إقامته ولا الخطأ في اسمه طالما أنه الشخص المقصود بالإذن.
3 - من المقرر أن الدفع
بصدور الإذن بعد الضبط والتفتيش يعد دفاعاً موضوعياً يكفي للرد عليه اطمئنان
المحكمة إلى وقوع الضبط والتفتيش بناء على هذا الإذن أخذاً منها بالأدلة السائغة
التي أوردتها، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على هذا الدفع بقوله "وحيث إنه
بالنسبة للدفع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور إذن النيابة العامة فمردود
عليه بأن الثابت من أوراق الدعوى وأقوال شهود الإثبات الذين تطمئن المحكمة إلى
أقوالهم أن إذن النيابة قد صدر في الساعة السادسة من مساء يوم...... وأن الضبط
والتفتيش تما في الساعة السابعة والنصف من مساء نفس اليوم ومن ثم لا تعول المحكمة
على هذا الدفع الذي جاء قولاً مرسلاً عارياً من دليله". وكان ما رد به الحكم
على الدفع سالف الذكر سائغاً لإطراحه، فإن نعي الطاعنين المذكورين على الحكم في
هذا الشأن يكون على غير أساس.
4 - من المقرر أن القانون
وإن أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف
التي وقعت فيها وأن يورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة حتى يتضح وجه
استدلاله بها وسلامة مأخذها إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان
الواقعة والظروف التي وقعت فيها.
5 - التفتيش المحظور هو
الذي يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون، أما حرمة الجراج فمستمدة من
اتصاله بشخص صاحبه أو مسكنه، وإذن فما دام هناك أمر من النيابة العامة بتفتيش
أحدهما أو كليهما فإنه يشمل بالضرورة ما يكون متصلاً به والجراج كذلك، لما كان
ذلك، فإن إطلاق القول ببطلان تفتيش الجراج لعدم التنصيص عليه صراحة في الأمر يكون
على غير سند من صحيح القانون.
6 - متى كان البين من
الحكم المطعون فيه أنه قد صدر إذن من النيابة بتفتيش شخص ومسكن الطاعن الأول فضلاً
عن السيارة المبين رقمها بالحكم، فإن تفتيش الجراج الخاص به سواء أكان ملحقاً
بمسكنه أم غير ملحق به - يكون صحيحاً، ومن ثم فلا جدوى للطاعنين الأول والثاني من
نعيهما على الحكم خطأه فيما أسنده إلى معاينة النيابة من أن الجراج ملحق بالمسكن،
إذ بغرض وقوع الحكم في هذا الخطأ المدعى به فإنه لا يعيبه لما هو مقرر من أن الخطأ
في الإسناد الذي يعيب الحكم هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت
إليها.
7 - لما كان من المقرر
أنه وإن كان الأصل أن الأحكام في المواد الجنائية إنما تبنى على التحقيقات الشفوية
التي تجريها المحكمة في الجلسة وتسمع فيها الشهود متى كان سماعهم ممكناً، إلا أن
المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - المعدلة بالقرار بقانون رقم 113 لسنة
1957 - تخول المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك
يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه،
وهي وإن وردت في الباب الثاني من الكتاب الثاني من ذلك القانون الخاص بمحاكم
المخالفات والجنح إلا أن حكمها واجب الاتباع أمام محاكم الجنايات عملاً بالفقرة
الأولى من المادة 381 من القانون ذاته، وإذ كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن
المدافعين عن الطاعنين تنازلوا صراحة بجلسة 16 من نوفمبر سنة 1983 عن سماع الشهود
اكتفاء بتلاوة أقوالهم بالرغم من حضور شاهدي الإثبات الخامس والسابع بتلك الجلسة،
فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي قضت في الدعوى دون سماع الشهود - الحاضر منهم
والغائب - ومن ثم فإن منعى الطاعن الثاني على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل.
8 - لما كان البين من
محضر جلسة 16 من نوفمبر سنة 1983 سالف الذكر أنه وإن كان الأستاذ..... المحامي قد
تولى الدفاع عن الطاعنين الأول والثاني إلا أن الأستاذ...... المحامي قد صرح بترك
المرافعة عن الطاعن الأول لزملائه واقتصر بعد ذلك على المرافعة عن الطاعن الثاني
وحده، كما تولى محام ثالث المرافعة عن الطاعن الأول، ومن ثم فإن كلاً من الطاعنين
الأول والثاني قد انفرد بالدفاع عنه محام تسنى له أن يبدي ما يعن له من أوجه
الدفاع في نطاق مصلحة موكله الخاصة دون غيرها بما تنتفي معه مظنة الإخلال بحق
أيهما في الدفاع، ويضحى منعى الطاعن الثاني على الحكم في هذا الشأن غير ذي وجه.
9 - لما كان ما يثيره
الطاعن الرابع من تعويل الحكم على اعترافه الذي عدل عنه بالجلسة مردوداً بما هو
مقرر من أن للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم ولو كان وارداً بمحضر الشرطة متى
اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه في مراحل التحقيق الأخرى دون بيان
السبب، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الرابع وإن أثار أمام هيئة
سابقة بجلسة 17 من يوليه سنة 1983 دعوى الإكراه بالضرب ودفع المدافع عنه بتلك
الجلسة ببطلان الاعتراف المعزو إليه للإكراه المادي الواقع عليه، إلا أنه عاد
بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1983 التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه وقرر ما يفيد
عدوله عن هذا الدفع بقوله إن بطلان الاعتراف مرده وجود الطاعن حين سؤاله بإدارة
المخدرات وهو مكان يوحي بالتهديد والإرهاب ومن ثم يغدو منعى الطاعن الرابع على
الحكم بعدم التعرض لما أثاره من تعييب الاعتراف ولا محل له، لما هو مقرر من أن
مجرد تواجد المتهم أمام رجال الشرطة وخشيته منهم لا يعد قرين الإكراه المبطل
لاعترافه لا معنى ولا حكماً ما دام سلطان رجال الشرطة لم يستطل إليه بالأذى مادياً
كان أو معنوياً.
10 - لما كان من المقرر
أن المحكمة لا تلتزم بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها ما لم يدفع به
أمامها، وكان يبين من محضر الجلسة الأخيرة للمحاكمة أن الطاعن الرابع لم يتمسك
بإعفائه من العقاب عملاً بالمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فلا يكون له أن
ينعى على حكمها إغفاله التحدث عن ذلك.
11 - لما كان من المقرر
أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على الدفاع إلا إذا كان من قدمه قد أصر عليه، وإذ
كان الطاعن الرابع لم يتمسك أمام الهيئة الجديدة التي نظرت الدعوى وأصدرت الحكم
المطعون فيه بإعفائه من العقاب فلا يكون له أن يطالب هذه الهيئة بالرد على دفاع لم
يبد أمامها، ومن ثم يكون منعى الطاعن الرابع على الحكم في هذا الخصوص غير قويم.
12 - لما كانت المادتان
34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المتعلق
بضمان حريات المواطنين - قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس
بالجنايات أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، فإذا لم
يكن حاضراً جاز للمأمور إصدار أمر بضبطه وإحضاره كما خولته المادة 46 من القانون
ذاته تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً.
13 - تقدير توافر حالة
التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط
القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع -
وفق الوقائع المعروضة عليها بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق
منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، كما أن التلبس صفة تلازم
الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها.
14 - من المقرر أن الدفع
الذي تلتزم المحكمة بتحقيقه والرد عليه هو الذي يبدى صراحة أمامها دون غيره من
القول المرسل الذي لم يقصد به سوى مجرد التشكيك فيما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت،
فليس للطاعن الخامس من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثره
أمامها.
15 - لما كان من المقرر
أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على متهم آخر ولو كانت واردة في محضر
الشرطة متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ولو عدل عنها في مراحل التحقيق
الأخرى.
16 - لما كان وزن أقوال الشاهد
وتعديل القضاء عليها إنما مرجعه إلى محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة
النقض، فإن ما يثيره الطاعن الخامس في شأن أقوال الطاعن الرابع في حقه التي عول
عليها الحكم ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام
هذه المحكمة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعنين وآخر قضي ببراءته: أولاً: جلبوا مخدراً حشيشاً دون أن يحصلوا على ترخيص
من الجهة الإدارية المختصة. ثانياً: حازوا بقصد الاتجار جوهراً مخدراً حشيشاً في
غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً
للقيد والوصف الواردين بأمرها.
ومحكمة جنايات الجيزة قضت
حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 3، 33/ 2، 34/ أ، 42 من القانون رقم 182 سنة 1960
المعدل بالقانون رقم 40 سنة 1966 والقانون رقم 16 سنة 1973 والبند 57 من الجدول
رقم 1 المرفق بالقانون الأول مع تطبيق المادتين 32/ 1، 17 عقوبات بمعاقبة المتهمين
بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهم عشرة آلاف جنيه وبمصادرة المواد المخدرة
والسيارة التي استخدمت في ارتكاب الجريمة.
فطعن المحكوم عليهم
الثاني والثالث والرابع والخامس في هذا الحكم بطريق النقض وطعن المحكوم عليه الأول
في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعنين ينعون
على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمتي جلب جوهر مخدر وحيازته بقصد الاتجار
قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في الإسناد وإخلال بحق
الدفاع، ذلك بأن الحكم لم يبين العناصر القانونية لجريمة الجلب في حق كل طاعن على
حدة وهي تستلزم - علاوة على القيام بشحن السيارة التي ضبط بها المخدر أو استيرادها
من الخارج - العلم بجلب المخدر إلى داخل البلاد، ويقول الطاعنون الثاني والرابع
والخامس أن الحكم رد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية
بدلالة الخطأ في أسماء الطاعنين وببطلان القبض والتفتيش لتمامها قبل صدور الإذن
بما لا يصلح رداً، ولم يفطن إلى القرائن التي سبقت للتدليل على صدور الإذن بعد
الضبط، كما يقول الطاعنان الأول والثاني أن الحكم لم يبين صورة واقعة الدعوى حسبما
ارتسمت في وجدان محكمة الموضوع وأنه رد على الدفع ببطلان تفتيش الجراج لعدم ذكره
في الإذن بأن معاينة النيابة أبانت أن الجراج ملحق بمسكن الطاعن الأول بالرغم من
أن المعاينة خلت مما أسنده إليها الحكم إذ أن الجراج غير ملحق بالمسكن وإنما
استأجره الطاعن الأول بعقد مستقل، ويضيف الطاعن الثاني أنه على الرغم من حضور
الشاهدين الخامس والسابع بإحدى جلسات المحاكمة فإن المحكمة لم تسمعهما مع أن تنازل
الدفاع عن سماع الشهود المثبت بمحضر الجلسة إنما ينصرف إلى الشهود الغائبين ولا
يعتد به قانوناً أمام محاكم الجنايات، هذا إلى أن أحداً من المحامين لم ينفرد
بالمرافعة عنه وإنما حضر محاميان عنه وعن شقيقه الطاعن الأول وترافعا عن كليهما
معاً رغم تعارض مصلحتيهما، كما يضيف الطاعن الرابع أن الحكم عول على اعترافه في
التحقيقات رغم عدوله عنه بالجلسة وأغفل الرد على الدفع - المبدى أمام هيئة سابقة -
ببطلان هذا الاعتراف للإكراه الواقع عليه وبتمتعه بالإعفاء المنصوص عليه في
القانون لأنه أبلغ عن الطاعن الخامس ووصل الإبلاغ فعلاً إلى ضبطه، وأخيراً يضيف
الطاعن الخامس أن الحكم رد على دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه - لحصولهما بغير
إذن من النيابة العامة - بأن الجريمة كانت في حالة تلبس وذلك بالرغم من انتفاء هذه
الحالة بالنسبة إليه, كما أن الحكم عول على اعترافه بمحضر ضبط الواقعة مغفلاً الرد
على الدفع ببطلانه تبعاً لبطلان القبض ولصدوره تحت تأثير الإكراه الواقع عليه،
وعول كذلك على أقوال الطاعن الرابع في حقه مع عدوله عنها بالجلسة ورغم الشك في هذه
الأقوال لإنكارها من جانبه، كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلتها السائغة التي استقاها من شهادة الشهود
واعتراف الطاعنين الثالث والرابع والخامس بمحضر ضبط الواقعة وتقرير المعامل
الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي خلص إلى إدانة الطاعنين في قوله: "وحيث إنه لما
كان الثابت من التحريات والتحقيقات أن المتهمين الأول والثالث والرابع والخامس
والسادس (الطاعنين) يكونون تشكيلاً عصابياً القصد منه جلب الجواهر المخدرة من
الخارج بقصد ترويجها على عملائهم وتم ضبط كمية من مخدر الحشيش تزن 109.280
كيلوجراماً داخل مخبأ سري في حقيبة سيارة شحنوها من الخارج إلى الأراضي المصرية
ومن ثم يكون قد تحقق قبل كل منهم جريمة جلب مخدر من الخارج وحيازتهم له بقصد
ترويجه والاتجار فيه". لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم يتحقق به توافر
جريمة جلب جوهر مخدر في حق كل من الطاعنين، ذلك بأن الشارع إذ عاقب في المادة 33
من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار
فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن
المراد بجلب المخدر في الأصل هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه
وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز
بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع
الدولي، وإذ كان استيراد المواد المخدرة لا يعدو في واقع الأمر أن يكون حيازة
مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضي الجمهورية فهو في مدلوله القانوني الدقيق
ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها، وكان لا يشترط
لاعتبار الجاني حائزاً لمادة مخدرة أن يكون محرزاً مادياً للمادة المخدرة بل يكفي
لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان
المحرز للمخدر شخصاً غيره، وكانت المادة 39 من قانون العقوبات إذ نصت على أن يعتبر
فاعلاً في الجريمة من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتي عمداً
عملاً من الأعمال المكونة لها فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء
بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد
فاعلاً مع غيره فيها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر
ممن تدخلوا معه فيها متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقاً لغرض مشترك هو الغاية
النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قد قَصَدَ قصد الفاعل معه في إيقاع تلك
الجريمة المعنية وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت
في منطق سائغ وتدليل مقبول أن الطاعنين الخمسة اتفقت كلمتهم على جلب المواد
المخدرة وأن كلاً منهم أسهم - تحقيقاً لذلك - بالدور الذي أعد له في خطة تنفيذ تلك
الجريمة على النحو الذي أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى, وكل ما ساقه الحكم من
وقائع الدعوى وملابساتها كافياً في الدلالة على أن الطاعنين كانوا يعلمون بأن السيارة
المضبوطة تحوي مخدراً وكان الطاعنون لا ينازعون في أن ما عول عليه الحكم من أدلة
الثبوت له مأخذه الصحيح من الأوراق، وقد انصبت مجادلتهم على ما استخلصه الحكم من
هذه الأدلة ورتب عليه أن كلاً منهم قد ارتكب جريمة جلب المخدر, فإن ما يثيره
الطاعنون في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة
محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام
محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان إذن
التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية بقوله: "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن
النيابة لقيامه على تحريات غير جدية فإنه لما كانت المحكمة تطمئن إلى التحريات
التي أجريت وترتاح إليها لأنها تحريات صريحة وواضحة وتحوي بيانات كافية لإصدار
الإذن وتصدق من أجراها وتقتنع بأنها أجريت فعلاً بمعرفة ضباط إدارة مكافحة المخدرات
ومن ثم يكون الدفع ببطلان الإذن الصادر من النيابة العامة لعدم جدية التحريات لا
سند له ويتعين الالتفات عنه ورفضه". وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات
وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى
سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وأن القانون لا يشترط شكلاً معيناً لإذن
التفتيش فلا ينال من صحته خلوه من بيان اسم المأذون بتفتيشه كاملاً أو صفته أو
صناعته أو محل إقامته ولا الخطأ في اسمه طالما أنه الشخص المقصود بالإذن. ولما كان
الحكم المطعون فيه قد تناول فيما سلف بيانه - الرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش
على نحو يتفق وصحيح القانون، فإن ما ينعاه الطاعنون الثاني والرابع والخامس في هذا
الصدد لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بعد
الضبط والتفتيش يعد دفاعاً موضوعياً يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع
الضبط والتفتيش بناء على هذا الإذن أخذاً منها بالأدلة السائغة التي أوردتها، وكان
الحكم المطعون فيه قد رد على هذا الدفع بقوله: "وحيث إنه بالنسبة للدفع
ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور إذن النيابة العامة فمردود عليه بأن
الثابت من أوراق الدعوى وأقوال شهود الإثبات الذين تطمئن المحكمة إلى أقوالهم أن
إذن النيابة قد صدر في الساعة السادسة من مساء يوم.... وأن الضبط والتفتيش تما في
الساعة السابعة والنصف من مساء نفس اليوم ومن ثم لا تعول المحكمة على هذا الدفع
الذي جاء قولاً مرسلاً عارياً من دليله". وكان ما رد به الحكم على الدفع سالف
الذكر سائغاً لإطراحه، فإن نعي الطاعنين المذكورين على الحكم في هذا الشأن يكون
على غير أساس. لما كان ذلك وكان من المقرر أن القانون وإن أوجب في كل حكم بالإدانة
أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يورد
مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها
إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر
القانونية للجريمتين المسندتين إلى الطاعنين وأورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها
الإدانة فإنه ينحسر عنه قالة القصور في التسبيب التي يرميه بها الطاعنان الأول
والثاني في هذا الصدد.
لما كان ذلك، وكان
التفتيش المحظور هو الذي يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون، أما حرمة
الجراج فمستمدة من اتصاله بشخص صاحبه أو مسكنه، وإذن فما دام هناك أمر من النيابة
العامة بتفتيش أحدهما أو كليهما فإنه يشمل بالضرورة ما يكون متصلاً به والجراج
كذلك، لما كان ذلك، فإن إطلاق القول ببطلان تفتيش الجراج لعدم التنصيص عليه صراحة
في الأمر يكون على غير سند من صحيح القانون, إذ كان ذلك، وكان البين من الحكم
المطعون فيه أنه قد صدر إذن من النيابة بتفتيش شخص ومسكن الطاعن الأول فضلاً عن
السيارة المبين رقمها بالحكم، فإن تفتيش الجراج الخاص به سواء أكان ملحقاً بمسكنه
أم غير ملحق به - يكون صحيحاً، ومن ثم فلا جدوى للطاعنين الأول والثاني من نعيهما
على الحكم خطأه فيما أسنده إلى معاينة النيابة من أن الجراج ملحق بالمسكن، إذ بفرض
وقوع الحكم في هذا الخطأ المدعى به فإنه لا يعيبه لما هو مقرر من أن الخطأ في
الإسناد الذي يعيب الحكم هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت
إليها لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان الأصل أن الأحكام في المواد
الجنائية إنما تبنى على التحقيقات الشفوية التي تجريها المحكمة في الجلسة وتسمع
فيها الشهود متى كان سماعهم ممكناً، إلا أن المادة 289 من قانون الإجراءات
الجنائية - المعدلة بالقرار بقانون رقم 113 لسنة 1957 - تخول المحكمة الاستغناء عن
سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوي أن يكون القبول صريحاً أو
ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، وهي وإن وردت في الباب الثاني
من الكتاب الثاني من ذلك القانون الخاص بمحاكم المخالفات والجنح إلا أن حكمها واجب
الاتباع أمام محاكم الجنايات عملاً بالفقرة الأولى من المادة 381 من القانون ذاته،
وإذ كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافعين عن الطاعنين تنازلوا صراحة
بجلسة.... عن سماع الشهود اكتفاء بتلاوة أقوالهم بالرغم من حضور شاهدي الإثبات
الخامس والسابع بتلك الجلسة، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي قضت في الدعوى دون
سماع الشهود - الحاضر منهم والغائب - ومن ثم فإن منعى الطاعن الثاني على الحكم في
هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من محضر...... سالف الذكر أنه
وإن كان الأستاذ..... المحامي قد تولى الدفاع عن الطاعنين الأول والثاني إلا أن
الأستاذ.... المحامي قد صرح بترك المرافعة عن الطاعن الأول لزملائه واقتصر بعد ذلك
على المرافعة عن الطاعن الثاني وحده، كما تولى محام ثالث المرافعة عن الطاعن
الأول، ومن ثم فإن كلاً من الطاعنين الأول والثاني قد انفرد بالدفاع عنه محام تسنى
له أن يبدي ما يعن له من أوجه الدفاع في نطاق مصلحة موكله الخاصة دون غيرها بما
تنتفي معه مظنة الإخلال بحق أيهما في الدفاع، ويضحى منعى الطاعن الثاني على الحكم
في هذا الشأن غير ذي وجه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الرابع من تعويل
الحكم على اعترافه الذي عدل عنه بالجلسة مردوداً بما هو مقرر من أن للمحكمة أن
تأخذ باعتراف المتهم ولو كان وارداً بمحضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته
للواقع ولو عدل عنه في مراحل التحقيق الأخرى دون بيان السبب، وكان البين من محاضر
جلسات المحاكمة أن الطاعن الرابع وإن أثار أمام هيئة سابقة بجلسة..... دعوى
الإكراه بالضرب ودفع المدافع عنه بتلك الجلسة ببطلان الاعتراف المعزو إليه للإكراه
المادي الواقع عليه، إلا أنه عاد بجلسة..... التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه
وقرر ما يفيد عدوله عن هذا الدفع بقوله إن بطلان الاعتراف مرده وجود الطاعن حين
سؤاله بإدارة المخدرات وهو مكان يوحي بالتهديد والإرهاب ومن ثم يغدو منعى الطاعن
الرابع على الحكم بعدم التعرض لما أثاره من تعييب الاعتراف ولا محل له، لما هو
مقرر من أن مجرد تواجد المتهم أمام رجال الشرطة وخشيته منهم لا يعد قرين الإكراه
المبطل لاعترافه لا معنى ولا حكماً ما دام سلطان رجال الشرطة لم يستطل إليه بالأذى
مادياً كان أو معنوياً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بتقصي
أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها ما لم يدفع به أمامها، وكان يبين من محضر الجلسة
الأخيرة للمحاكمة أن الطاعن الرابع لم يتمسك بإعفائه من العقاب عملاً بالمادة 48
من القانون رقم 182 لسنة 1960 فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عن
ذلك، ولا يغير من هذا تمسك المدافع عنه بجلسة..... آنفة الذكر أمام هيئة أخرى بهذا
الإعفاء لما هو مقرر من أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على الدفاع إلا إذا كان من
قدمه قد أصر عليه، وإذ كان الطاعن الرابع لم يتمسك أمام الهيئة الجديدة التي نظرت
الدعوى وأصدرت الحكم المطعون فيه بإعفائه من العقاب فلا يكون له أن يطالب هذه
الهيئة بالرد على دفاع لم يبد أمامها، ومن ثم يكون منعى الطاعن الرابع على الحكم
في هذا الخصوص غير قويم.
لما كان ذلك، وكان الحكم
المطعون فيه قد رد على الدفع المبدى من الطاعن الخامس ببطلان القبض عليه وتفتيشه
بقوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش اللذين وقعا على المتهم
السادس.... (الطاعن الخامس) لأن إذن التفتيش لم يشمله وأنه لم يضبط متلبساً
بالجريمة فمردود عليه بأنه من المقرر أن ضبط مخدر في حوزة المتهم الخامس (الطاعن
الرابع) وآخرين أوجد جريمته في حالة تلبس، ولما كان المتهم الخامس.... دل على
المتهم السادس باعتباره مصدر هذه المادة المخدرة فإن انتقال الضابط إلى مكان تواجد
هذا الأخير وضبطه وتفتيشه يكون إجراء صحيحاً في القانون". لما كان ذلك، وكانت
المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972
المتعلق بضمان حريات المواطنين - قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس
بالجنايات أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، فإذا لم
يكن حاضراً جاز للمأمور إصدار أمر بضبطه وإحضاره كما خولته المادة 46 من القانون
ذاته تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً، وكان تقدير
توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة
لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف
محكمة الموضوع - وفق الوقائع المعروضة عليها بغير معقب، ما دامت النتيجة التي
انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، كما أن
التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه
أن الطاعن الرابع ضبط ضبطاً قانونياً محرزاً مادة مخدرة وقد دل على الطاعن الخامس
باعتباره مصدر هذه المادة فإن انتقال مأمور الضبط القضائي إلى الأخير وضبطه
وتفتيشه يكون إجراء صحيحاً في القانون إذ بضبط المخدر مع الطاعن الرابع تكون جريمة
إحرازه متلبساً بها مما يبيح للمأمور الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم
دليل على مساهمته فيها وأن يجري تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة ومن ثم فإن ما
يثيره الطاعن الخامس في هذا الشأن وما يرتبه على ذلك من بطلان اعترافه يكون غير
سديد. لما كان ذلك، وكان البين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعن
الخامس أو المدافع عنه لم يدفع ببطلان الاعتراف المعزو إليه للإكراه الواقع عليه،
وقصارى ما قرره المدافع عنه بجلسة..... من أن "المتهم (الطاعن الخامس) كان في
حالة ذهول وقد تم وضع ابنته في الحبس لمدة 24 ساعة وهذا كان إرهاباً للمتهم"
وطلبه عدم التعويل على أقوال موكله بمحضر الشرطة وإهدارها لا يشكل دفعاً صريحاً
ببطلان الاعتراف للإكراه, وكان من المقرر أن الدفع الذي تلتزم المحكمة بتحقيقه
والرد عليه هو الذي يبدى صراحة أمامها دون غيره من القول المرسل الذي لم يقصد به
سوى مجرد التشكيك فيما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت، فليس للطاعن الخامس من بعد أن
ينعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها. لما كان ذلك، وكان من
المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على متهم آخر ولو كانت واردة في
محضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ولو عدل عنها في مراحل التحقيق
الأخرى - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد
وتعويل القضاء عليها إنما مرجعه إلى محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة
النقض، فإن ما يثيره الطاعن الخاص في شأن أقوال الطاعن الرابع في حقه التي عول
عليها الحكم ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام
هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه
موضوعاً..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق