جلسة 7 من نوفمبر سنة 1976
برياسة السيد المستشار
حسن المغربى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ يعيش رشدي، ومحمد وهبة،
وأحمد موسى، وأحمد طاهر خليل.
--------------
(192)
الطعن رقم 633 لسنة 46
القضائية
(1) إثبات" خبرة".
محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير آراء الخبراء.
والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. موضوعي.
(2)إثبات "بوجه عام". أوراق. "صور شمسية". تزوير
"الادعاء بالتزوير". بطلان. نظام عام.
عدم ترتب البطلان على
مخالفة النصوص المنظمة للمضاهاة. أساس ذلك.
حق المحكمة الجنائية في تكوين
عقيدتها بكافة طرق الإثبات. لها الأخذ بالصورة كدليل. متى اطمأنت الى مطابقتها
للأصل.
(3) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
متى يعيب التناقض. الحكم
؟
(4) إثبات "شهادة".
حق المحكمة في الأخذ
بالشهادة السماعية.
(5)حكم "بيانات حكم البراءة. ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
كون إحدى دعامات حكم
البراءة معيبة. لا يقدح في سلامته. متى كان قد أقيم على دعامات أخرى تحمله.
(6)إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه غير معيب".
كفاية الشك في صحة إسناد
التهمة إلى المتهم. سندا للبراءة. متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة.
(7) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" .
إثبات "بوجه عام".
الخطأ القانوني في حكم
البراءة. لا يعيبه. متى كانت البراءة مؤسسة على عدم ثبوت التهمة في حق المتهم.
---------------
1 - من المقرر أن تقدير
آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي
لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر
الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولا
تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير.
2 - الأصل أن المضاهاة لم
تنظم سواء في قانون الاجراءات الجنائية أو في قانون المرافعات المدنية بنصوص آمرة
يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة في المسائل الجنائية إنما تكون باقتناع القاضي
بأن إجراء من الاجراءات يصح أولا يصح أن يتخذ أساسا لكشف الحقيقة، وللمحكمة أن
تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الإثبات غير مقيدة بقواعد الإثبات في القانون المدني
فيحق لها أن تأخذ بالصورة الفوتوغرافية، كدليل في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى
مطابقتها للأصل. وإذ كانت المحكمة قد رأت أن الأوراق التي اتخذها الخبير الاستشاري
أساسا للمضاهاة هي أوراق تصلح لذلك واطمأنت إلى صحة المضاهاة عليها فلا يقبل من
الطاعن أن يعود إلى مجادلتها فيما خلصت إليه من ذلك.
3 - التناقض الذى يعيب
الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي
الامرين قصدته المحكمة والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه
يمكن أن يعتبر قواما لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها.
4 - من المقرر أنه ليس في
القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك
الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى، إذ المرجع في تقدير قيمة
الشهادة ولو كانت منقولة هو إلى محكمة الموضوع وحدها فمتى صدقتها واطمأنت إلى
صحتها ومطابقتها للحقيقة فلا تصح مصادرتها في الأخذ بها والتعويل عليها.
5 - من المقرر أنه لا
يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة وبفرض صحة ما
يدعيه الطاعن من خطأ الحكم في تاريخ الواقعة فإن هذا العيب غير منتج ما دام الثابت
أن الحكم قد أقيم على دعامات أخرى متعددة تكفى وحدها لحمله.
6 - من المقرر أنه يكفى
في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى
بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر
من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
7 - الخطأ القانوني في الحكم
القاضي بالبراءة - بفرض ثبوته - لا يعيبه ما دام أن قاضى الموضوع قد عول في تكوين
عقيدته بتبرئة المتهمة (المطعون ضدها) على عدم اطمئنانه إلى ثبوت التهمة حقها بعد
أن ألم بأدلة الدعوى ووزنها ولم يقتنع وجدانه بصحتها مما لا يجوز معه مصادرته في اعتقاده.
الوقائع
أقام المدعى بالحقوق
المدنية (الطاعن) دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة أشمون الجزئية ضد المطعون ضدها
بوصف أنها بدائرة مركز أشمون - أولا - ارتكبت تزويرا في محرر عرفي (عقد بيع) -
ثانيا - استعملت المحرر العرفي المزور. وطلب معاقبتها بالمادتين 215 و216 من قانون
العقوبات وإلزامها بأن تدفع له مبلغ مائتين جنية على سبيل التعويض. والمحكمة
المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الاجراءات الجنائية ببراءة
المتهمة ورفض الدعوى المدنية. فاستأنف المدعى بالحقوق المدنية والنيابة العامة هذا
الحكم. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول
الاستئنافين شكلا وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المدعى بالحقوق
المدنية في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على
الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدها من جريمتي تزوير محرر عرفي
واستعماله ورفض دعواه المدنية قبلها قد شابه تناقض وقصور في التسبيب وانطوى على
خطا في الإسناد وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أطرح النتيجة التي انتهى إليها تقرير
قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي من ثبوت تزوير عقد البيع العرفي
موضوع الدعوى بمقولة احتمال أن تكون المضاهاة قد أجريت على عقد آخر بعد أن فقد
العقد الأصلي ثم أخذ الحكم في الوقت ذاته بنتيجة المضاهاة التي أجراها الخبير الاستشاري
على صورة هذا العقد والتي انتهت إلى صحته دون أن يورد الأسانيد الفنية لحمل قضائه
أو يناقش الأسباب التي أقيم عليها كل من التقريرين كما عول الحكم على الشهود الذين
سمعوا في تحقيقات الجنحة رقم 4747 سنة 1970 أشمون وصدق روايتهم في أن الطاعن قد
اعترف أمامهم بالمجلس العرفي بصحة العقد وبتوقيعه عليه مع أن الثابت بالتحقيقات المذكورة
أن الطاعن أنكر صدور العقد منه وفضلا عن هذا فإنه من غير المقبول عقلا ما ذهب إليه
الحكم من أن الطاعن قام بسرقة العقد بعد أن ثبت أنه مزور عليه كما نسب الحكم إلى
الطاعن أنه ذكر في عريضة دعواه أن تزوير العقد حصل في 30/ 1/ 1968 واتخذ من ذلك
سندا للتشكيك في صحة الاتهام المسند إلى المطعون ضدها مع أن ذلك اليوم هو تاريخ
إيداع صحيفة الدعوى المباشرة من الطاعن، كما اتخذ الحكم من فقد العقد قرينة على ما
انتهى إليه قضاؤه وهو ما لا مساغ له في الاستدلال إذ لا يلزم للفصل في شأن صحة
الورقة أو تزويرها أن تكون في حوزة المحكمة خاصة وأن فقد العقد كان لاحقا على ورود
التقرير الطبي الشرعي المثبت لتزويره، يضاف إلى ذلك أن الحكم قد استشهد بقرينة لم
تطرح بالجلسة وتخالف الواقع وهى أن المطعون ضدها ابنة شقيق الطاعن وكل ذلك مما
يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن البين من الحكم الابتدائي
الذى اعتنق أسبابه الحكم المطعون فيه أن من بين ما أورده تدليلا على إطراحه تقرير
قسم أبحاث التزييف والتزوير قوله (وخامسا) أنه بالنسبة لفقد العقد فإنه يشكك
المحكمة في صحة ما انتهى إليه تقرير أبحاث التزييف والتزوير من أن عقدا آخر قد
أجريت فيه المضاهاة أو أنه خيف من إعادة إجراء المضاهاة على نفس العقد بمعرفة خبير
خر فقد قام مجهول بسرقة العقد ومن ثم فإن عدم وجود العقد بالأوراق وتقرير الخبير
يجعل المحكمة لا تطمئن إلى ما انتهى إليه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير
(سادسا) من أن السيد الخبير الاستشاري الذى انتهى إلى صحة توقيع المدعى بالحق المدني
كان مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بوزارة العدل سابقا إذ
أنه كان أستاذ للخبير الذى أودع تقريره السابق وأن الأسس التي انتهى إليها تقريره
تتفق مع الواقع والقانون وتطمئن المحكمة إلى ما انتهى إليه في هذا التقرير إذ أنه
قد أجريت المضاهاة على صورة العقد وعلى الأوراق الخاصة المقدمة لإجراء المضاهاة
عليها" - لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما
يوجه الى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير
القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ
بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير.
وإذ كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأننت إلى تقرير الخبير الاستشاري واستندت إلى
رأيه الفني فيما استخلصته واطمأنت إليه وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية تقرير قسم
أبحاث التزييف والتزوير فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في ذلك أمام محكمة النقض ما
دام استنادها إلى التقرير الاستشاري سليما لا يشوبه خطأ، وهى غير ملزمة من بعد أن
ترد استقلالا على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذى لم تأخذ به - لما كان
ذلك، وكان الأصل أن المضاهاة لم تنظم سواء في قانون الاجراءات الجنائية أو في قانون
المرافعات المدنية بنصوص آمرة يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة في المسائل
الجنائية إنما تكون باقتناع القاضي بأن إجراء من الاجراءات يصح أولا يصح أن يتخذ
أساسا لكشف الحقيقة، وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الاثبات غير مقيدة
بقواعد الإثبات في القانون المدني فيحق لها أن تأخذ بالصورة الفوتوغرافية، كدليل
في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى مطابقتها للأصل. وإذ كانت المحكمة قد رأت أن الأوراق التي
اتخذها الخبير الاستشاري أساسا للمضاهاة هي أوراق تصلح لذلك، واطمأنت إلى صحة
المضاهاة عليها فلا يقبل من الطاعن أن يعود إلى مجادلتها فيما خلصت إليه من ذلك -
لما كان ما تقدم، وكان التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى
بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذى من شأنه أن
يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه باقيا يمكن أن يعتبر قواما لنتيجة سليمة
يصح الاعتماد عليها، وهو ما خلا الحكم منه إذ أنه من بين ما استند إليه في إطراح
تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير فقد العقد موضوع الطعن مما تشككت معه المحكمة في
أن تكون المضاهاة قد أجريت على العقد المطعون عليه ويثير احتمال إجرائها على عقد
آخر، كما أن من بين الأسباب التي عول عليها الحكم في أخذه بالتقرير الاستشاري أن
مضاهاته قد أجريت على صورة العقد وعلى أوراق أخرى خاصة وهو ما لا تعارض فيه ومن ثم
فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص بقالة التناقض والقصور في التسبيب لا يكون له
محل - لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ
برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل
الواقع في الدعوى، إذ المرجع في تقدير قيمة الشهادة ولو كانت منقولة هو إلى محكمة
الموضوع وحدها فمتى صدقتها واطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة فلا تصح مصادرتها
في الأخذ بها والتعويل عليها. ولما كان الطاعن لا يماري في أن ما حصله الحكم من
أقوال الشهود عن اعتراف الطاعن بصحة العقد المدعى بتزويره له صداه في الأوراق ولا
يعدو بدعوى الخطأ في الإسناد أن يكون محاولة تجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا
من ذلك إلى مناقصة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضى الموضوع بالدليل الصحيح وهو
ما لا يقبل أمام محكمة النقض وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى صحة أقوال هؤلاء
الشهود وعول على ما نقلوه عن الطاعن من أنه أقر بصدور العقد منه فإن ما يثيره
الطاعن حول استدلال الحكم بهذه الأقوال لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا لا تقبل
إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مراجعة الحكم المطعون فيه
أنه لم يسند إلى الطاعن سرقة العقد المدعى بتزويره وكل ما ورد به هو أن فقدان
العقد الأصيل كان من شأنه التشكك في أن هذا العقد هو الذى أجريت عليه مضاهاة
بمعرفة الطب الشرعي وبالتالي يضحى ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد على غير
أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن
تكون إحدى دعاماته معيبة وبفرض صحة ما يدعيه الطاعن من خطأ الحكم في تاريخ الواقعة
فإن هذا العيب غير منتج ما دام الثابت أن الحكم قد أقيم على دعامات أخرى متعددة
تكفى وحدها لحمله ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الصدد في غير محله، ولما كان
ذلك، وكان من المقرر أنه يكفى في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد
التهمة إلى المتهم لكى يقضى بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير
الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الحكم
المطعون فيه قد أورد الأدلة السائغة التي استند إليها والتي من شأنها أن تؤدى إلى
ما رتبه عليها من عدم الاطمئنان إلى الادعاء بالتزوير المسند إلى المطعون ضدها
وأطرح الحكم أدلة الإثبات المقدمة في الدعوى للأسباب التي ذكرها فإن منعى الطاعن
في شأن ما استند إليه الحكم من عدم إمكان البت في صحة العقد أو تزوير إزاء فقده
ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أما محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الخطأ القانوني
في الحكم القاضي بالبراءة - بفرض ثبوته - لا يعيبه ما دام أن قاضى الموضوع قد عول
في تكوين عقيدته بتبرئة المتهمة (المطعون ضدها) على عدم اطمئنانه إلى ثبوت حقها
بعد أن ألم بأدلة الدعوى ووزنها ولم يقتنع وجدانه بصحتها مما لا يجوز معه مصادرته
في اعتقاده وكان الحكم المطعون فيه بالإضافة إلى أخذه بقرينة أن المطعون ضده ابنة
شقيق الطاعن على خلاف الواقع ودون أن تطرح بالجلسة قد أقام قضاءه بالبراءة على
دعاماته بالخطأ في تطبيق القانون - بفرض صحته - يكون غير منتج ويكون النعي في هذا
الشأن غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه
موضوعا مع مصادرة الكفالة المودعة من الطاعن عملا بنص المادة 36/ 2 من القانون رقم
57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وحيث أنه عن المصروفات
المدنية فيلزم بها الطاعن شاملة مقابل أتعاب المحاماة إعمالا لنص المادة 230 /2 من
قانون الإجراءات الجنائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق