جلسة 3 من نوفمبر سنة 1998
برئاسة السيد المستشار/ صلاح عطية نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ رضوان عبد العليم ومحمد شعبان باشا وعبد الرحمن أبو سليمة وعبد الرحمن فهمي نواب رئيس المحكمة.
----------------
(162)
الطعن رقم 29342 لسنة 59 القضائية
(1) نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب. ميعاده".
امتداد ميعاد الطعن بالنقض إذا صادف نهايته عطلة رسمية إلى اليوم التالي لنهاية هذه العطلة. أساس ذلك.
(2) تزوير "أوراق رسمية". جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير. غير لازم ما دام أورد من الوقائع ما يدل عليه.
(3) حكم "بيانات التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(4) دفوع "الدفع بنفي التهمة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بنفي التهمة. موضوعي. لا يستوجب رداً صريحاً. استفادة الرد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراده الأدلة المنتجة التي صحت لديه على وقوع الجريمة من المتهم. تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه. غير لازم. التفاته عنها. مفاده: إطراحها.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(5) إثبات "بوجه عام". أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الأدلة في المواد الجنائية. إقناعية. للمحكمة الالتفات عن دليل النفي. ولو حملته أوراق رسمية. شرط ذلك.
(6) تزوير "أوراق رسمية". جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
القصد الجنائي في جريمة التزوير. موضوعي. تحدث الحكم عنه صراحة غير لازم ما دام أورد الوقائع ما يدل عليه.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(7) ارتباط. تزوير. عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن".
نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه بالقصور بشأن جريمتي التزوير في محرر عرفي والاستحصال بغير حق على خاتم إحدى الجمعيات غير مجد. ما دام أنه اعتبر الجرائم المسندة إليه جريمة واحدة.
(8) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعيين خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي. شرطه. كفايتهم وصلاحيتهم لأعمال القسم الذي يعينون به. المادتان 18، 35 من المرسوم بقانون 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام القضاء.
الجدل في تقدير المحكمة لعمل الخبير. غير جائز. أمام النقض.
(9) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. موضوعي.
عدم التزام محكمة الموضوع بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء. ما دامت قد أخذت بما جاء بها. علة ذلك؟
الجدل الموضوعي. غير جائز أمام النقض.
(10) محكمة الإعادة. إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نقض الحكم يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. عدم امتداد هذه القاعدة إلى وسائل الدفاع.
نعي الطاعن على محكمة الإعادة عدم استجابتها للطلبات المبداة في المحاكمة الأولى أو الرد عليها. غير مقبول. ما دام لم يتمسك بها أمامها. علة ذلك؟
مثال.
(11) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل".
النعي بأن الواقعة مجرد جنحة معاقب عليها بالمادة 94 من القانون 53 لسنة 1966 وليست جناية اشتراك في تزوير رسمي. جدل موضوعي في سلطة المحكمة في استخلاص صورة الواقعة. غير مقبول.
(12) دعوى جنائية "انقضاؤها". قوة الشيء المحكوم فيه. دعوى تأديبية.
اختلاف الدعوى الجنائية عن الدعوى التأديبية. سبباً وموضوعاً أثره: ليس للأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم الجنائية.
2 - لما كان من المقرر أنه لا يلزم الحكم أن يتحدث صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه.
3 - لما كان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها. وإذ كانت الأدلة التي عول عليها الحكم المطعون فيه والتي لا يماري الطاعن أن لها أصلها الصحيح في أوراق الدعوى من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعن للجرائم التي دانه بها، فإن النعي في هذا الخصوص يكون غير سديد.
4 - نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
5 - بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يقبل معه معاودة التصدي أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية للمحكمة أن تلتفت عن الدليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى.
7 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال، ما دام الحكم قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مقام التدليل على توافر جريمة التزوير في محرر رسمي في حق الطاعن، وما استدل به على علمه بالتزوير، تتحقق به كافة العناصر القانونية لتلك الجريمة التي دانه بها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
8 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبه بالعقوبة المقررة لأشدها وهي جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وأوقعت عليه المحكمة عقوبتها عملاً بنص المادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد، فإنه لا مصلحة له فيما يثيره بشأن جريمتي التزوير في محرر عرفي والاستحصال على خاتم إحدى الجمعيات.
9 - لما كان الثابت من مدونات الحكم والمفردات أن من قام بالمضاهاة من خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي وكان هؤلاء الخبراء لا يعينون إلا بعد التحقق من كفايتهم وصلاحيتهم لأعمال القسم الذي يعينون به وذلك طبقاً لما تقضى به المادتان 18، 35 من المرسوم بقانون 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام القضاء وإذ كان الحكم قد اطمأن إلى تقرير هذا الخبير فإن منعى الطاعن بعدم دقته لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير المحكمة لعمل الخبير وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض.
10 - من المقرر أن الأصل في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، فيكون هذا النعي بدوره جدلاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به.
11 - لما كان يبين من مراجعة الأوراق أن الطاعن وإن كان قد طلب في المحاكمة الأولى ندب خبير استشاري لإجراء المضاهاة إلا أنه لم يثر في دفاعه لدى محكمة الإحالة شيئاً يتصل بهذا الأمر، أو ما يشير إلى تمسكه بدفاعه السابق في شأنه، ومن ثم لا يكون له أن يطلب من المحكمة الأخيرة إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يبد أمامها، ولا يغير من ذلك أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض، لأن هذا الأصل المقرر لا يتناهى إلى وسائل الدفاع التي لا مناحة في أن ملاك الأمر فيها يرجع أولاً وأخيراً إلى المتهم وحده يختار منها - هو أو المدافع عنه - ما يناسبه ويتسق مع خطته في الدفاع ويدع منها ما قد يرى - من بعد - أنه ليس كذلك، ومن هذا القبيل مسلك الطاعن في الدعوى في المحاكمة الأولى ولدى محكمة الإحالة.
12 - لما كان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية الاشتراك في تزوير محرر رسمي كما هي معرفة به في القانون، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة معاقب عليها بنص المادة 94 من القانون رقم 53 لسنة 1966 لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، ما دام قضاؤها في ذلك سليماً. فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول.
13 - من المقرر أن الدعوى الجنائية تنفصل تماماً عن الدعوى التأديبية الاختلاف الدعويين سبباً وموضوعاً وأن قوة الأمر المقضي أمام المحكمة الجنائية لا تكون إلا للأحكام الجنائية الباتة، ومن ثم فإن الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية لا تنقضي بها الدعوى الجنائية وليس لها قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم الجنائية.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - .... 2 - .... "طاعن" 3 - .... 4 - .... 5 - .... 6 - .... بأنهم: أولاً: اشتركوا بطريق الاتفاق والمساعدة مع مجهول في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو محضر المناقشة المؤرخ.... بوضع إمضاءات مزورة بأن اتفقوا معه على ارتكابها وساعدوه في ذلك بتقديم المحرر المذكور إليه فقام المجهول بالتوقيع بإمضاء نسبه زوراً إلى..... فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. ثانياً: استعملوا المحرر المزور موضوع التهمة الأولى فيما زور من أجله وحصلوا على سند نقل حيازة الأرض الزراعية موضوع النزاع إلى المتهم الأول: ثالثاً: اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع مجهول في تزوير عقد الإيجار المؤرخ..... والتنازل عن حيازة الأرض الزراعية المذكورة بطريق الاصطناع ووضع إمضاءات مزورة بأن اتفقوا معه على ارتكابها وساعدوه في ذلك بأن أمدوه بالبيانات المتعلقة بالمجني عليها فقام المجهول باصطناع تلك المحررات على غرار المحررات الصحيحة وملأ بياناتها ووقع عليها بإمضاءات نسبها إلى.... فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. رابعاً: استعملوا المحررات المزورة موضوع التهمة الثالثة فيما زورت من أجلة وحصلوا على سند نقل حيازة الأرض الزراعية سالفة الذكر إلى المتهم الأول. خامساً استحصلوا بغير حق على خاتم إحدى الجمعيات (جمعية.... التعاونية الزراعية) واستعملوه استعمالاً ضاراً بمصلحة عامة على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهم إلى محكمة جنايات دمنهور لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 2 - 3، 41، 206 مكرراً، 207، 211، 212، 214، 215 من قانون العقوبات مع تطبيق المواد 17، 27، 55/ 1، 56 من ذات القانون بمعاقبة المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنة وبعزل كل من الطاعنين الأول والثاني والسادس من وظائفهم لمدة سنتين ومصادرة المحررات المزورة المضبوطة وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض. ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة بالنسبة للطاعنين جميعاً إلى محكمة جنايات دمنهور لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ ثانياً وثالثاً، 41، 206 مكرراً/ 207، 211، 212، 214، 215 من قانون العقوبات مع تطبيق المواد 17، 55، 56 من ذات القانون بمعاقبة المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات ومصادرة الأوراق المزورة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض "للمرة الثانية".... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 22/ 3/ 1989 وقرر المحكوم عليه الثاني..... بالطعن فيه بطريق النقض بتاريخ 4/ 4/ 1989، وقدم مذكرة بأسباب طعنه بتاريخ 2/ 5/ 1989 - ولما كانت المادة 34 من القانون 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 - تنص على وجوب التقرير بالطعن وإيداع الأسباب التي بني عليها في ظرف أربعين يوماً من تاريخ الحكم الحضوري وكان هذا الميعاد ينقضي بالنسبة للحكم المطعون فيه يوم 1/ 5/ 1989 بيد أنه لما كان ذلك اليوم قد صادف عطلة رسمية بمناسبة عيد العمال ومن ثم فإن ميعاد الطعن يمتد إلى يوم 2/ 5/ 1989. لما كان ذلك، فإن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان قد تما في الميعاد القانوني ويكون الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاشتراك في تزوير محرر رسمي ومحررات عرفية واستعمالها، واستحصاله بغير حق على خاتم إحدى الجمعيات واستعماله استعمالاً ضاراً بمصلحة عامة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، والخطأ في تطبيق القانون، والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن الحكم قد خلا من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة وأدلة الثبوت عليها، ولم يستظهر أركان الجرائم التي دانه بها، وأغفل الحكم - إيراداً ورداً - دفاعه القائم على عدم ارتكابه الجرائم المسندة إليه لشواهد عددها منها أنه لم يتسلم عمله إلا بعد انتهاء خدمته العسكرية في عام 1976 بدلالة الشهادة الرسمية المقدمة منه بجلسة المحاكمة، وأن المجني عليها تقيم بعيداً عن الأرض موضوع النزاع بما يستحيل عليها أن تقوم بزراعتها، وإن تلك الأرض كانت في حيازة المتهم الأول كمستأجر وأنه سدد مديونية سابقة عليها وكان يتسلم مستلزمات الإنتاج من الجمعية الزراعية المختصة ويسلم القيمة الإيجارية للمجني عليها، كما لم يستظهر الحكم القصد الجنائي لدى الطاعن في جريمة التزوير، هذا إلى أنه التفت عما أثاره المدافع عن الطاعن من الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة - بالنسبة لتهمة تزوير عقد الإيجار - دون أن يعرض له إيراداً أو رداً، فضلاً عن عدم توافر أركان جريمة الاستحصال بغير حق على خاتم إحدى الجمعيات في حقه، كما أخذ الحكم بتقرير خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير مع أن آراء خبراء الخطوط لا تستند إلى قواعد ثابتة تؤدى إلى نتيجة لازمة بل مرجعها إلى اجتهادات في تعرف اللازمات الخطية، ولم تجبه المحكمة إلى طلبة ندب خبير استشاري لإجراء المضاهاة على التوقيعات المنسوب صدورها للمجني عليها على المحررات المدعي بتزويرها، وفضلاً عن ذلك، فإن الواقعة في حقيقتها مجرد جنحة معاقب عليها بنص المادة 94 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، وأخيراً فإنه تم مجازاة الطاعن إدارياً عن التهم المسندة إليه، كان ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله: "..... أن المتهمين وآخر توفى اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع مجهول في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو محضر المناقشة المؤرخ 2/ 6/ 1976. وكذا عقد الإيجار المؤرخ...... وإقراري التنازل عن الحيازة المبينة بالأوراق لإثبات أن الأطيان المملوكة.... عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم.... قد تم تأجيرها ونقلت حيازتها للمتهم الأول بأن اتفقوا معه على تزوير تلك المستندات وساعدوه على ذلك بأن أمدوه بالبيانات اللازمة لذلك فقام المجهول بالتوقيع على محضر المناقشة سالف الذكر بتوقيع نسبه زوراً إلى المجني عليها سالفة الذكر كما قام باصطناع عقد إيجار ووقع عليه وعلى إقراري نقل الحيازة بتوقيعات نسبها زوراً إلى المجني عليها، وقام المتهم الثاني (الطاعن) بالتوقيع على محضر المناقشة بما يفيد أن المجني عليها هي الموقعة عليه، كما قام والمتهم الأول بالتوقيع على عقد الإيجار بما يفيد أن المجني عليها هي الموقعة عليه، كما قام المتهمون الثلاث.... و.... و.... بالتوقيع على إقراري التنازل عن الحيازة بما يفيد صحة توقيع المجني عليها، وقام المتهم الثالث بوضع بصمة خاتم الجمعية على المستندات المزورة سالفة الذكر دون حق فوقعت جرائم التزوير المذكورة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة، ثم قام المتهمان الأول والثاني باستعمال المحررات المزورة سالفة الذكر بأن قدماها إلى الجهات المختصة مع علمهما بتزويرها وتمكنا بذلك من الحصول على سند نقل حيازة الأرض من المجني عليها إلى المتهم الأول". ولما كان من المقرر أنه لا يلزم الحكم أن يتحدث صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها. وإذ كانت الأدلة التي عول عليها الحكم المطعون فيه والتي لا يماري الطاعن أن لها أصلها الصحيح في أوراق الدعوى من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعن للجرائم التي دانه بها، فإن النعي في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بعدم ارتكابه الجرائم مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يقبل معه معاودة التصدي أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية للمحكمة أن تلتفت عن الدليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال، ما دام الحكم قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مقام التدليل على توافر جريمة التزوير في محرر رسمي في حق الطاعن، وما استدل به على علمه بالتزوير، تتحقق به كافة العناصر القانونية لتلك الجريمة التي دانه بها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه قد أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبه بالعقوبة المقررة لأشدها وهي جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وأوقعت عليه المحكمة عقوبتها عملاً بنص المادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد، فإنه لا مصلحة له فيما يثيره بشأن جريمتي التزوير في محرر عرفي والاستحصال بغير حق على خاتم إحدى الجمعيات. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم والمفردات أن من قام بالمضاهاة من خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي وكان هؤلاء الخبراء لا يعينون إلا بعد التحقق من كفايتهم وصلاحيتهم لأعمال القسم الذي يعينون به وذلك طبقاً لما تقضى به المادتان 18، 35 من المرسوم بقانون 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام القضاء، وإذ كان الحكم قد اطمأن إلى تقرير هذا الخبير فإن منعى الطاعن بعدم دقته لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير المحكمة لعمل الخبير وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض. كما أنه من المقرر أن الأصل في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون الموجهة ما يستحق التفاتها إليه، فيكون هذا النعي بدوره جدلاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ذلك، وكان يبين من مراجعة الأوراق أن الطاعن وإن كان قد طلب في المحاكمة الأولى ندب خبير استشاري لإجراء المضاهاة إلا أنه لم يثر في دفاعه لدى محكمة الإحالة شيئاً يتصل بهذا الأمر، أو ما يشير إلى تمسكه بدفاعه السابق في شأنه، ومن ثم لا يكون له أن يطلب من المحكمة الأخيرة إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يبد أمامها، ولا يغير من ذلك أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض، لأن هذا الأصل المقرر لا يتناهى إلى وسائل الدفاع التي لا مشاحة في أن ملاك الأمر فيها يرجع أولاً وأخيراً إلى المتهم وحده يختار منها - هو أو المدافع عنه - ما يناسبه ويتسق مع خطته في الدفاع ويدع منها ما قد يرى - من بعد - أنه ليس كذلك، ومن هذا القبيل مسلك الطاعن في الدعوى في المحاكمة الأولى ولدى محكمة الإحالة. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية الاشتراك في تزوير محرر رسمي كما هي معرفة به في القانون، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة معاقب عليها بنص المادة 94 من القانون رقم 53 لسنة 1966 لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، ما دام قضاؤها في ذلك سليماً - كما هو الحال في الدعوى - ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدعوى الجنائية تنفصل تماماً عن الدعوى التأديبية لاختلاف الدعويين سبباً وموضوعاً وأن قوة الأمر المقضي أمام المحكمة الجنائية لا تكون إلا للأحكام الجنائية الباتة، ومن ثم فإن الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية لا تنقضي بها الدعوى الجنائية وليس لها قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم الجنائية. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق