جلسة الأول من ديسمبر سنة 1998
برئاسة السيد المستشار/ فتحي خليفة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جابر عبد التواب وأمين عبد العليم وعمر بريك نواب رئيس المحكمة. وفؤاد نبوي.
-----------------
(194)
الطعن رقم 19120 لسنة 66 القضائية
(1) إجراءات "إجراءات التحقيق". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي بأن تحقيقات النيابة تمت في غيبة المتهم. تعييب للإجراءات السابقة على المحاكمة. إثارته لأول مرة أمام النقض. غير مقبول.
(2) نيابة عامة. إجراءات "إجراءات التحقيق".
للنيابة إجراء التحقيق في غيبة المتهم. إذا رأت موجباً لذلك.
(3) إجراءات "إجراءات المحاكمة". استجواب. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 274 إجراءات.
الاستجواب. منعاه: مناقشة المتهم تفصيلياً في أدلة الدعوى إثباتاً أو نفياً.
صحة استجواب المحكمة للمتهم. رهن بقبوله. علة وأساس ذلك؟
(4) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
لمحكمة الموضوع تلاوة أقوال الشاهد إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً. عدم سماعهم أمامها. لا يحول أن تعتمد في حكمها على أقوالهم. ما دامت مطروحة على بساط البحث. المادة 289 إجراءات. استهلال الدفاع مرافعته بطلب مناقشة للمجني عليها الغائبة. تنازله عن سماعها. أثره: صحة القضاء في الدعوى دون سماعها.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
(6) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم. ما دامت المحكمة استخلصت الحقيقة منها بما لا تناقض فيه.
(7) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة. حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. حقها في الأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل الدعوى دون بيان العلة.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(8) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
أقوال متهم على آخر. شهادة. للمحكمة التعويل عليها في الإدانة. حد ذلك؟
(9) دفوع "الدفع بنفي التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بعدم الوجود على مسرح الحادث. موضوعي. لا يستأهل رداً. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(10) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بالرد على كل دفاع موضوعي يثيره المتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التي عولت عليها في الإدانة. حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراده الأدلة المنتجة التي صحت لديه على وقوع الجريمة من المتهم. تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه. غير لازم. التفاته عنها. مفاده: إطراحها.
التفات الحكم عن الرد على دفاع الطاعن الذي لا يتجه إلى نفي الجريمة أو استحالة وقوعها. لا يعيبه.
(11) ارتباط. عقوبة "تطبيقها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". "الطعن. ما لا يقبل منها". خطف. هتك عرض بالقوة. احتجاز بدون أمر أحد الحكام. سرقة "سرقة بالإكراه". إكراه. سلاح.
مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 عقوبات؟
تقديم قيام الارتباط موضوعي. متى كان ما حصله الحكم يتفق قانوناً مع ما انتهى إليه.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على الارتباط بين جرائم خطف وهتك عرض بالقوة واحتجاز بدون أمر أحد الحكم وسرقة بإكراه وحيازة سلاح أبيض.
2 - من المقرر أنه وإن كان من حق المتهم أن يحضر التحقيق الذي تجريه النيابة في تهمة موجهة إليه إلا أن القانون قد أعطى النيابة - استثناء من هذه القاعدة - حق إجراء التحقيق في غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجباً فإذا أجرت النيابة تحقيقاً ما في غيبة المتهم فيكون ذلك من حقها ولا بطلان فيه، وكل ما للمتهم هو التمسك لدى محكمة الموضوع بما يكون في التحقيقات من نقص أو عيب حتى تقدرها وهي على بينة من أمرها.
3 - من المقرر أن المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه "لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك". قد أفادت بأن الاستجواب بما يعنيه من مناقشة المتهم على وجه مفصل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواء أكان ذلك من المحكمة أم من الخصوم أم المدافعين عنهم - لما له من خطورة ظاهرة - لا يصح إلا بناء على طلب المتهم نفسه يبديه في الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته باعتباره صاحب الشأن الأصلي في الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة، وإذ كان ذلك، وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة استجوابه عما نسب إليه بل اقتصر على إنكار التهمة عند سؤاله عنها وهو لا يدعي في طعنه بأن المحكمة منعته من إبداء ما يروم من أقوال أو دفاع فإن ما ينعاه على الحكم من إخلال بحق الدفاع يكون غير سديد.
4 - لما كانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت المحكمة تقرير تلاوة الشهادة السابق إبداؤها في التحقيق الابتدائي أو محضر جمع الاستدلالات أو أمام الخبير إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً - ولا يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم ما دامت مطروحة على بساط البحث في الجلسة - وإذ كان الثابت أن محامي الطاعن طلب بجلسة 9 إبريل 1996 مناقشة المجني عليها الغائبة إلا أنه عاد بجلسة المرافعة الختامية في 9 يونيو 1996 وتنازل صراحة عن سماعها اكتفاء بتلاوة أقوالها في التحقيقات ومضي في مرافعته إلى أن اختتمها بطلب الحكم ببراءة الطاعن مما نسب إليه. ومن ثم فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي قضت في الدعوى دون سماع المجني عليها.
5 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها.
6 - من المقرر أن التناقض في أقوال الشاهد أو تضاربه في أقواله - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
7 - لما كانت المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها في ذلك أن تأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
8 - من المقرر أن أقوال متهم على آخر هو في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها في الإدانة متى وثقت فيها وارتاحت إليها فإن ما يثيره الطاعن بشأن استدلال الحكم بأقوال المتهم الآخر على ارتكابهما الجرائم المشار إليها يكون غير سديد.
9 - لما كان الدفع بعدم وجود الطاعن على مسرح الحادث مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
10 - لما كان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد على كل دفاع موضوعي يثيره المتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التي عولت عليها في قضائها بالإدانة. وكان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع الطاعن بشأن عدم ملكيته للمنزل محل الواقعة وأن معاينة النيابة له أورت بإحكام غلق بابه خاصة وأنه ليس من شأن صحة دفاع الطاعن المار ذكره نفي الجريمة أو استحالة وقوعها.
11 - من المقرر أن مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة المشار إليها، وأن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بلا معقب متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذي حصله الحكم تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من ظروف الدعوى وأدلتها أن المطعون ضده الأول خطف المجني عليها بالتحايل بالاتفاق مع المطعون ضده الثاني وقاما بهتك عرضها بغير رضاها وسرقا الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة لها بطريق الإكراه باستعمال المطواة المضبوطة وانتهى في منطق سليم إلى أن الجرائم الخمس المسندة إلى المطعون ضدهما وليدة نشاط إجرامي واحد ومرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة الأمر الذي يوجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدها وهي جريمة الخطف، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون ويضحى منعى النيابة في هذا الشأن غير سديد.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - ..... (الطاعن) 2 - ..... بأنهما أولاً: خطفا بالتحايل بأن أوهماها بانتظار خطيبها لها بمسكن الأول وقاما باقتيادها لذلك المكان وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهما في ذات الزمان والمكان قاما بمواقعتها جنسياً بغير رضاها بأن أشهر الأول مدية في وجهها وهدداها باستمرار احتجازها ما لم يتمكنا من مواقعتها وضرباها فشلوا بذلك مقاومتها وواقعاها رغماً عنها. ثانياً: سرقا الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات المملوكة للمجني عليها سالفة الذكر وكان ذلك بطريق الإكراه الواقع عليها بأن ضربها الأول وأشهر في وجهها مدية محدثاً إصابتها المبينة بتقرير الطب الشرعي فشل بذلك مقاومتها وتمكنا بهذه الوسيلة من الإكراه من الاستيلاء على المسروقات. ثالثاً: احتجزا المجني عليها سالفة الذكر بدون أمر أحد الحكام المختصين وفي غير الأحوال المصرح بها في القوانين واللوائح. المتهم الأول. أحرز سلاحاً أبيض (مطواة) بدون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية. وأحالتهما إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 268/ 1، 280، 290/ 1، 314 من قانون العقوبات والمادتين 1/ 1، 25 مكرراً من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 سنة 1987، 165 سنة 1981 مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات باعتبار أن ما نسب للمتهمين في التهمة الأولى هو هتك عرض المجني عليها بالقوة فطعن كل من النيابة العامة والأستاذ/.... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.
المحكمة
أولاً: أوجه طعن المحكوم عليه:
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم خطف أنثى وهتك عرض بالقوة والسرقة بالإكراه والاحتجاز بدون أمر أحد الحكام وإحراز سلاح أبيض بدون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية قد شابه بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأن تحقيقات النيابة العامة قد تمت في غيبة الطاعن مما كان يقتضي من المحكمة استكمال أوجه النقض فيها باستجوابه تفصيلاً فيما أسند إليه وسماع المجني عليها الغائبة والتي عول الحكم على أقوالها رغم ما شابها من تناقض، كما عول على أقوال المحكوم عليه الآخر في حقه وهي لا تنهض دليلاً للإدانة ولم يعن بالرد على دفاعه القائم على نفي صلته بالواقعة وعدم وجوده على مسرح الجريمة وأنه غير مالك للمنزل محل الواقعة، وأن معاينة النيابة لباب المنزل أبانت إحكام غلقه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال المجني عليها والمقدم...... وإقرار المحكوم عليه الآخر ومما ثبت من التقرير الطبي الشرعي وتقرير الإدارة العامة للمعامل الطبية، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن تحقيقات النيابة قد جرت في غيبته لا يعدو أن يكون تعييباً لإجراءات الدعوى السابقة على المحاكمة، وإذ لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار أي منهما هذا النعي فلا يقبل طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض. هذا إلى أنه وإن كان من حق المتهم أن يحضر التحقيق الذي تجريه النيابة في تهمة موجهة إليه إلا أن القانون قد أعطى النيابة - استثناء من هذه القاعدة - حق إجراء التحقيق في غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجباً فإذا أجرت النيابة تحقيقاً ما في غيبة المتهم فيكون ذلك من حقها ولا بطلان فيه، وكل ما للمتهم هو التمسك لدى محكمة الموضوع بما يكون في التحقيقات من نقص أو عيب حتى تقدرها وهي على بينة من أمرها. كما أن المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية إذا نصت في فقرتها الأولى على أنه "لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك". قد أفادت بأن الاستجواب بما يعنيه من مناقشة المتهم على وجه مفصل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواء أكان ذلك من المحكمة أم من الخصوم أم المدافعين عنهم - لما له من خطورة ظاهرة - لا يصح إلا بناء على طلب المتهم نفسه يبديه في الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته باعتباره صاحب الشأن الأصلي في الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة، وإذ كان ذلك، وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة استجوابه عما نسب إليه بل اقتصر على إنكار التهمة عند سؤاله عنها وهو لا يدعي في طعنه بأن المحكمة منعته من إبداء ما يروم من أقوال أو دفاع فإن ما ينعاه على الحكم من إخلال بحق الدفاع يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت المحكمة تقرير تلاوة الشهادة السابق إبداؤها في التحقيق الابتدائي أو محضر جمع الاستدلالات أو أمام الخبير إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً - ولا يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم ما دامت مطروحة على بساط البحث في الجلسة - وإذ كان الثابت أن محامي الطاعن طلب بجلسة 9 إبريل 1996 مناقشة المجني عليها الغائبة إلا أنه عاد بجلسة المرافعة الختامية في 9 يونيو 1996 وتنازل صراحة عن سماعها اكتفاء بتلاوة أقوالها في التحقيقات ومضى في مرافعته إلى أن اختتمها بطلب الحكم ببراءة الطاعن مما نسب إليه. ومن ثم فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي قضت في الدعوى دون سماع المجني عليها ويضحى النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان التناقض في أقوال الشاهد أو تضاربه في أقواله - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. وكانت المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها في ذلك أن تأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن أقوال متهم على آخر هو في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها في الإدانة متى وثقت فيها وارتاحت إليها فإن ما يثيره الطاعن بشأن استدلال الحكم بأقوال المتهم الآخر على ارتكابهما الجرائم المشار إليها يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الدفع بعدم وجود الطاعن على مسرح الحادث مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بالرد على كل دفاع موضوعي يثيره المتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التي عولت عليها في قضائها بالإدانة. وكان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع الطاعن بشأن عدم ملكيته للمنزل محل الواقعة وأن معاينة النيابة له أورت بأحكام غلق بابه خاصة وأنه ليس من شأن صحة دفاع الطاعن المار ذكره نفي الجريمة أو استحالة وقوعها. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: وجه طعن النيابة العامة:
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضدهما بجرائم خطف أنثى وهتك عرضها بالقوة واحتجازها بدون أمر أحد الحكام والسرقة بالإكراه وإحراز سلاح أبيض قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه اعتبر الجرائم الخمس المسندة للمطعون ضدهما مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة في حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات وأنزل على المطعون ضدهما عقوبة واحدة عنها جميعاً هي عقوبة الجريمة الأشد، مع أن جريمة السرقة بالإكراه نشأت عن فعل مستقل تمام الاستقلال عن الفعل الذي نتج عنه جريمتا الخطف وهتك العرض بالقوة مما كان يتعين معه توقيع عقوبة مستقلة عن جريمة السرقة بالإكراه بالإضافة إلى العقوبة الموقعة عن جريمتي الخطف وهتك العرض بالقوة مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المطعون ضدهما اتفقا على خطف المجني عليها بالتحايل بأن استدرجاها إلى منزل تحت الإنشاء برغم لقاء خطيبها به ثم قاما بتهديدها بمطواة وحسرا عنها ملابسها وهتكا عرضها بالقوة ثم استولى المطعون ضده الأول على حقيبتها وما بداخلها من مشغولات فضية ومبلغ نقدي كرهاً عنها، وبعد أن أورد الحكم الأدلة على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق المطعون ضدهما وأطرح دفاعهما عرض لتوافر أركان الجرائم المسندة للمطعون ضدهما بقوله: "وحيث إنه لما كان ما تقدم يكون قد ثبت في يقين المحكمة على وجه الجزم واليقين واطمأن وجدانها أن المتهم الأول تحايل على المجني عليها بأن أفهمها أن خطيبها في انتظارها بمنزله واستدرجها إلى مكان الحادث حيث حضر في أثره المتهم الثاني ونفاذاً لاتفاقهما السابق وقاما بتهديد المجني عليها بالمطاوي إن هي حاولت الاستغاثة وجذبها بالقوة إلى إحدى الحجرات وضربها بالأيدي فأوقع الرعب في قلبها عنوة، وتمكنا جبراً من هتك عرضها على النحو المبين بالتحقيقات ثم الاستيلاء على الأشياء المبينة بالأوراق والمملوكة لها وقد ترك الاعتداء على المجني عليها أثراً في جسدها عبارة عن سحجات في العنق والصدر". وانتهى الحكم إلى توافر الارتباط بين جميع الجرائم المقترفة بقوله "وحيث إن الأعمال الإجرامية التي اقترفها كل من المتهمين ارتكبت لغرض إجرامي واحد ومن ثم فهي مرتبطة مما يتعين معاقبة كل متهم بعقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات". لما كان ذلك وكان من المقرر أن مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة المشار إليها، وأن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بلا معقب متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذي حصله الحكم تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من ظروف الدعوى وأدلتها أن المطعون ضده الأول خطف المجني عليها بالتحايل بالاتفاق مع المطعون ضده الثاني وقاما بهتك عرضها بغير رضاها وسرقا الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة لها بطريق الإكراه باستعمال المطواة المضبوطة وانتهى في منطق سليم إلى أن الجرائم الخمس المسندة إلى المطعون ضدهما وليدة نشاط إجرامي واحد ومرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة الأمر الذي يوجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدها وهي جريمة الخطف، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون ويضحى منعى النيابة في هذا الشأن غير سديد الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق