باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2024م،
الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار وطارق عبد العليم أبو
العطا وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد
الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري
رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 155 لسنة 33
قضائية دستورية
المقامة من
محمد وجيه محمد أبو أحمد
ضد
1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- قاضي التفليسة في الدعوى رقم 159 لسنة 1993 إفلاس كلي الجيزة
5- محمد إسماعيل محمد، بصفته أمين التفليسة في الدعوى رقم 159 لسنة 1993
إفلاس كلي الجيزة
----------------
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2011، أودع المدعي صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة
(656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، ثم أودعت
تقريرًا تكميليًّا، نفاذًا لقرار المحكمة الصادر بجلسة 30/ 7/ 2017، بإعادة الدعوى
إليها؛ لاستكمال التحضير.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 9/ 3/ 2024، وفيها قررت
المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أنه بتاريخ 27/ 10/ 1993، صدر حكم في الدعوى رقم 159 لسنة 1993 إفلاس كلي
الجيزة، بإشهار إفلاس عز الدين عبد الله بركات، تَأيّدَ بالحكم الصادر من محكمة
استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 713 لسنة 111 قضائية. وإذ تقدم المدعي إلى أمين
التفليسة لتحقيق دينه الثابت بموجب أحكام نهائية، فاستبعده على سند من صدور حكمٍ
في الدعوى رقم 1316 لسنة 1993 مدني كلي شمال الجيزة، بصحة توقيعه على مخالصة مزورة
منسوبة إليه، على الرغم من إلغائه بحكم محكمة استئناف القاهرة، الصادر في
الاستئناف رقم 9397 لسنة 111 قضائية، فأعاد المدعي طلبه إلى قاضي التفليسة الذي
رفضه، وأودع القائمة النهائية للديون خالية من هذا الدين، في جلسة غير علنية، ودون
إخطاره، مما دفعه إلى التظلم من هذا القرار، أمام محكمة الجيزة الابتدائية،
بالدعوى رقم 8 لسنة 2011 إفلاس كلي، ودفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (656/ 3)
من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا
الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية؛ فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى
لرفعها بعد الميعاد، فمردود بما هو ثابت بملف الدعوى الموضوعية من أن المدعي دفع
بجلسة 5/ 5/ 2011، بعدم دستورية نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وبتلك الجلسة أجلت المحكمة الدعوى لجلسة 16/ 6/ 2011،
ليقدم المدعي ما تم بشأن إجراءات هذا الدفع، دونما أن تصرح له بإقامة الدعوى
الدستورية. وبجلسة 16/ 6/ 2011، قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، بعدما قدم لها
المدعي مذكرة تضمنت أسبابه، وتمسك بدفعه، طالبًا التصريح له برفع الدعوى، فقررت
تأجيل نظر الدعوى لجلسة 8/ 9/ 2011، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية؛ فأقام
دعواه بتاريخ 25/ 8/ 2011، خلال مهلة الثلاثة أشهر التي عيّنها المشرع كحد أقصى
لرفع الدعوى الدستورية، وفقًا لنص المادة (29/ ب) من قانون هذه المحكمة الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون قد أقيمت في الميعاد المقرر
قانونًا، ويكون الدفع بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد في غير محله، حقيقًا
بالالتفات عنه.
وحيث إن المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17
لسنة 1999، تنص على أنه:
1-.......... 2-........
3 - ولا يجوز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله.
4- ........ 5- ..........
وحيث إن المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي
والإفلاس، الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018، تنص على أنه يجوز الطعن أمام المحكمة
في القرار الصادر من قاضي التفليسة بقبول الدين أو رفضه، ........،
ولا يجوز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله،.........
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية
المباشرة في الدعوى الدستورية وهي شرط لقبولها
أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا
للفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، وأنه يكفي لتوافر شرط المصلحة في
الدعوى الدستورية أن يكون الحكم فيها مؤثرًا في مسألة كلية، أو فرعية تدور حولها
الخصومة في الدعوى الموضوعية، دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى، أو مدى
أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع، والتي تختص هذه
الأخيرة وحدها بالفصل فيها.
متى كان ذلك، وكان النزاع المعروض على المحكمة التي تنظر التظلم من
قرار قاضي التفليسة باستبعاد دين المدعي من القائمة النهائية للديون المحققة، قد
تساند فيه المدعي إلى أسباب حاصلها، أن استبعاد دينه تم بناءً على مخالصة قدمها
المدين المفلس في غيبته، ثبت تزويرها بحكم نهائي قدمه إلى أمين التفليسة، وبالرغم
من ثبوت هذا الدين بموجب أحكام نهائية مذيلة بالصيغ التنفيذية، وأورده الحكم
الصادر من محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 713 لسنة 111 قضائية، بتأييد
إشهار إفلاس المدين مار الذكر، وأثبته أمين التفليسة بتقريريه المقدمين أمام
المحكمة الأخيرة، وبجلسات إجراءات تحقيق الديون، فإن قاضي التفليسة أعلن قائمة
الديون في غيبته بجلسة غير علنية، دون إخطاره، ومن غير أن تتضمن دينه؛ ومن ثم فإن
ما تضمنه نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999،
من أنه ولا يجوز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو بقبوله، يقف حائلًا
بين المدعي والمضي قُدمًا في التوصل إلى الترضية القضائية المبتغاة، فيما لو تم
رفض تظلمه من المحكمة المختصة، لذا فإن الفصل في دستورية تلك المادة، يرتب
انعكاسًا على النزاع المطروح أمام محكمة الموضوع، مما تتوافر به للمدعي مصلحة
شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريتها.
وحيث إن المادة (656/ 3) من قانون التجارة محل الطعن، قد تم إلغاؤها
بموجب نص المادة الخامسة من القانون رقم 11 لسنة 2018 بإصدار قانون تنظيم إعادة
الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس، والتي ألغت الباب الخامس من قانون التجارة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1999، الخاص بالإفلاس والصلح الواقي منه. ومع ذلك، فإن حكم
النص اللاحق الذي تضمنه نص المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح
الواقي والإفلاس السالف البيان، هو ذاته حكم النص السابق محل الطعن، إذ ارتكز
النصان على قاعدة كلية مشتركة حاصلها عدم جواز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين
نهائيًّا أو بقبوله، وبذلك يكون المشرع عند إقراره لهذا القانون اللاحق قد أكد على
القاعدة القائمة بالفعل مستصحبًا حكمها على حاله دون أدنى تعديل. متى كان ذلك،
وكان الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني، هو أن كل تشريع لاحق
يعتبر مُلغيًا للتشريع السابق بالقدر الذى يتحقق فيه التعارض بينهما، وكان نص هذه
المادة يفترض تشريعين تعاقبا في الزمان، واختلفا في المضمون. إذ إن القول بالتعارض
بين تشريعين يفترض أن يكون ألحقهما قد أتى بقواعد قانونية جديدة تُعدل القواعد
القانونية القديمة أو تلغيها. فإذا كانت القاعدة القانونية الجديدة هي ذاتها
القاعدة القانونية القديمة، فإن القاعدتين تتلاقيان في مضمون واحد ولا تختلفان في
آثارهما، ليقتصر دور القاعدة القانونية الجديدة على مجرد ترديد الحكم المقرر
بالقاعدة القانونية القديمة التي استصحبتها.
وحيث إن الأصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين، هو ربطها
بالنصوص القانونية التي أضير الطاعن من جراء تطبيقها في حقه في المجال الزمني
لسريانها، وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص في المادة (172) من قانون
تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018، في
النزاع المعروض، هي ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنص القديم في مضمونها
وأثرها، فإنه يكون من غير المتصور أن يستقل هذا النص الأخير بذاتيته، ليحدث في حق
الطاعن أضرارًا شخصية غير التي يصاب بها من جراء تطبيق النص الجديد في حقه. متى
كان ذلك، وكان الضرر الناجم عن إعمال النص الجديد لا يختلف عن الضرر الذي سببه
تطبيق النص القديم، وإنما هو ضرر واحد، فإن الأمر يقتضي إزاء ذلك إسناد المخالفة
الدستورية لا إلى النص القديم فقط، بل إلى النص الجديد كذلك، بوصفه النص التشريعي
الذى ما زال قائمًا في مجال التطبيق القانوني بعد زوال الوجود القانوني للنص
القديم.
وحيث إنه متى كان ذلك ، وكانت طلبات المدعي تنصرف في حقيقتها إلى
الحكم بعدم دستورية قاعدة عدم جواز الطعن في حكم المحكمة برفض الدين نهائيًّا أو
بقبوله؛ التي نصت عليها المادة (656/ 3) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17
لسنة 1999، وتضمنتها بعد ذلك المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح
الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018، وهو ما يقتضي مد نطاق الدعوى
الدستورية المعروضة لتشمل النص التشريعي الجديد إلى جانب النص التشريعي القديم؛
لاتحادهما في الحكم والعلة والضرر الناجم عن كل منهما.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه إخلاله بحق التقاضي، ومبدأ
المساواة، إذ أوصد الباب أمام الدائن في الطعن على الحكم الصادر برفض دينه، وقصر
مطالبته على درجة واحدة من درجات التقاضي، دون مبرر ومن غير أن يكون هناك غاية
تشريعية من هذا التنظيم، كما أن قاضي التفليسة بمجرد إصدار قراره برفض الدين أو
بقبوله، يستنفد به ولايته بشأن النزاع، باعتبار أن ما يصدر عنه بمثابة حكم يلزم
إتاحة الطعن عليه أمام محكمة أعلى، فضلًا عن إهداره لمبدأ المساواة بين المدين
المفلس ودائنيه، حين أعطى للأول الحق في الطعن على الحكم الصادر بإشهار إفلاسه،
دون الدائنين، رغم كونهما في مركز قانوني واحد، وذلك جميعه بالمخالفة لنصي
المادتين (7 و21) من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/ 3/ 2011، المقابلين لنصي
المادتين (40 و68) من دستور 1971.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره،
بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب
منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها
النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من
تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات أيًّا كان تاريخ العمل بها لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا
تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون
جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها
الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها المدعي إلى النص المطعون عليه في النطاق السالف تحديده تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في
مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان ذلك
النص قد ظل ساريًا ومعمولًا بأحكامه حتى تاريخ العمل بالدستور القائم، ومن ثم فإن
المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه، والنص الذي امتد إليه نطاق الدعوى
المعروضة، من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطّرد على أن الأصل في سلطة المشرع في
تنظيم الحقوق - ومن بينها الحق في التقاضي المنصوص عليه بالمادة (68) من دستور
1971، المقابلة للمادة (97) من الدستور الحالي الصادر في 2014- هو إطلاقها، ما لم
يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، باعتبار أن جوهر هذه السلطة، هو
المفاضلة بين البدائل، التي تتصل بالموضوع، محل التنظيم، موازنًا بينها، مرجحًا ما
يراه أنسبها لمصالح الجماعة، وأدناها إلى كفالة أثقل هذه المصالح وزنًا، وليس ثمة
تناقض بين الحق في التقاضي، كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعيًّا، بشرط ألا
يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق، أو إهداره، ولذلك فإن المشرع في مجال ضمانه حق اللجوء إلى القضاء لا يتقيد بأشكال محددة، تمثل أنماطًا جامدة، لا
تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور والإجراءات لنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقًا مع
طبيعة المنازعة، التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي، دونما
إخلال بضماناتها الرئيسية، التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها، وفق قواعد محددة تكون
منصفة في ذاتها، وغير متحيفة.
كما أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قصر التقاضي على درجة واحدة
هو مما يستقل المشرع بتقريره بمراعاة أمرين، أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على
أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها، ثانيهما: أن تكون
الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد
المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها،
الواقعية منها والقانونية، فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك جهة أخرى.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ
المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع
وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة
تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات
العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعنى وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في
مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة
صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي
على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه
بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر
مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي
يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه بما انطوى عليه من تمييز مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه
بها أو اعتباره مدخلًا إليها؛ فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند إلى أسس
موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على
اختلافها وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون تلك الحقوق والحريات في
مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير
الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وبمراعاة
أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من
مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون يتغيا بالنصوص التي يتضمنها تحقيق أغراض
بذاتها من خلال الوسائل التي حددها، وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز
قانونية أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيها بينها، وكان تقديره في ذلك قائمًا على أسس
موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلًا وحدة القاعدة القانونية في
شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعًا في إطار
السلطة التقديرية التي يملكها المشرع .
وحيث إن المشرع يهدف من تقرير نظام الإفلاس في قانون التجارة المشار
إليه - على ما أفصحت عنه أحكامه وأعماله التحضيرية - إلى وضع نظام محكم لتصفية
أموال المدين المفلس وتوزيعها بين دائنيه توزيعًا عادلًا، ينال به كل منهم قسطًا
من دينه دون تزاحم أو تشاحن بينهم، فضلًا عن تزويدهم بالوسائل القانونية الكفيلة
بتمكينهم من المحافظة على أموال مدينهم وإبطال التصرفات التي تصدر منه بعد اضطراب
مركزه المالي، عن رغبة في تبديدها أو إقصائها عن متناولهم، وفى الوقت ذاته رعاية
المدين بالأخذ بيده وإقالته من عثرته، متى كان إفلاسه غير مشوب بتدليس أو تقصير،
وذلك بقصد تقوية الائتمان وتدعيم الثقة في المعاملات التجارية، وهو ما أدى بالمشرع
إلى تنظيم المسائل المتعلقة بتعيين أمين التفليسة واختيار أحد قضاة المحكمة قاضيًا
لها، من أجل حسم المنازعات التي تثور خلال سير إجراءات التفليسة على وجه السرعة؛
بما يحفظ للدائنين حقوقهم ويمكن المدينين من سداد ديونهم استقرارًا للمعاملات
وحماية للاقتصاد القومي. وهو النهج ذاته الذي سار عليه المشرع في قانون تنظيم
إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018 - على ما
أوردته مذكرته الإيضاحية - عندما أولى أهمية خاصة بتيسير إجراءات ما بعد شهر
الإفلاس، بما يحقق مرونة وسرعة تتفق مع المشاكل العملية الناتجة عن تطبيق أحكام
الباب الخامس من قانون التجارة السالف البيان.
وحيث إن ما تضمنه النص المطعون فيه، من تقييد الطعن على الأحكام
الصادرة في التظلم من قرارات قاضى التفليسة، إنما قد جاء متّسقًا مع ما يتطلبه
التنظيم التشريعي للإفلاس من خصوصية أوضاع التقاضي في حسم المنازعات التي تثور
خلال سير إجراءات التفليسة على النحو الذى يحقق الأهداف المرجوة من هذا التنظيم،
نظرًا لاصطباغ نظام الإفلاس بالسمات العامة لأحكام القانون التجاري التي تتمثل في
خاصية الائتمان التي تقوم عليها المعاملات التجارية، وما تتطلبه من سرعة في حسم
المنازعات الناشئة عنها، الأمر الذى يكون معه النص المطعون فيه، والنص الذي امتد
إليه نطاق هذه الدعوى، قد وقعا في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم حق
التقاضي، إذ لم يترتب على كليهما أي خطر أو إهدار لهذا الحق، بل جاء نتيجة اختيار
المشرع للإجراءات الأكثر اتفاقًا مع طبيعة منازعة الإفلاس دون إخلال بضماناتها
الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد منصفة، وبمراعاة ما يقتضيه
الصالح العام؛ ومن ثم يكون الادعاء بإهدارهما حق التقاضي على غير أساس.
وحيث إنه عما نعاه المدعي من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة
أمام القانون فهو غير سديد، ذلك أن المشرع قد أفرد تنظيمًا قضائيًّا لحسم دعاوى
الإفلاس محددًا قواعده وإجراءاته وفق أسس موضوعية، لا تقيم في مجال تطبيقها
تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها،
مستهدفًا المصلحة العامة متمثلة في سرعة إنهاء المنازعات الدائرة بين أطرافها، دون
إخلال بما تقتضيه دراستها وفحصها من تهيئة الأسس الكافية للفصل فيها؛ ومن ثم فإن
القواعد التي يقوم عليها هذا التنظيم تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية المشروعة
ومؤدية إليها، بما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة أمام القانون.
وحيث إنه، وعلى ما تقدم، لا يكون نص المادة (656/ 3) من قانون التجارة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، ونص المادة (172) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة
والصلح الواقي والإفلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 2018، وفقًا للنطاق المحدد سلفًا قد تعارضا مع أحكام المواد (4 و53 و97) من
الدستور، أو خالفا أي نص آخر فيه؛ مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.