جلسة 16 من فبراير سنة 1971
برياسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، ومحمد أسعد محمود.
-----------------
(31)
الطعن رقم 275 لسنة 36 القضائية
(أ) نقض. "تقرير الطعن". بطلان. إعلان.
وجوب حصول تقرير الطعن بالنقض في قلم كتاب محكمة النقض في ظل قانون المرافعات السابق. خلو صورة التقرير المعلنة من بيان اسم الموظف الذي حصل أمامه. لا بطلان.
(ب) أحوال شخصية. "الولاية على المال". "سلطة الوصي". تحكيم. عقد.
إرادة الوصي تحل محل إرادة القاصر، وينصرف الأثر القانوني إلى ذلك الأخير. وجوب استئذان الوصي محكمة الأحوال الشخصية بالنسبة لبعض التصرفات ومنها التحكيم. ليس بشرط للتعاقد أو التصرف. وإنما هو مقرر لمصلحة ناقصي الأهلية. ليس الخصوم وهؤلاء التمسك به.
(ج) تحكيم. "مشارطة التحكيم".
التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات. قصره على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين. إيجاب قانون المرافعات السابق تضمين مشارطة التحكيم تعييناً لموضوع النزاع. إجازته إتمام هذا التحديد أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم.
(د) تحكيم. "إجراءات التحكيم". "أجل صدور حكم المحكمين". حكم. "تسبيب الحكم".
إيجاب قانون المرافعات السابق التزام المبادئ الأساسية في التقاضي ما لم يحصل إعفاء منها صراحة. حصول هذا الإعفاء لا يؤدي إلى عدم إتباع الأحكام الخاصة بالتحكيم والواردة في ذات القانون ومن بينها النص الموجب لصدور حكم المحكمين في ظروف ثلاثة أشهر من تاريخ قبولهم للتحكيم عند عدم اشتراط أجل للحكم. خطأ الحكم المطعون فيه في ذلك مع صحة النتيجة التي انتهى إليها. لا أثر له.
(هـ) نقض. "الصفة في الطعن". تحكيم.
قضاء الحكم بصحة حكم المحكمين بالنسبة للطاعن. نعيه على الحكم في شقه الخاص باعتبار مشارطة التحكيم غير نافذة في حق من لم يكونوا أطرافاً فيها والذين لم يطعنوا عليه. غير مقبول.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعن وآخرين أقاموا ضد المطعون عليهم الدعوى رقم 64 لسنة 1963 مدني أمام محكمة الزقازيق الابتدائية بطلب بطلان حكم المحكمين رقم 16 سنة 1962 الزقازيق وعدم نفاذه في حقهم، وقالوا بياناً لدعواهم إنه بتاريخ 25 أغسطس 1961 عقدت مشارطة تحكيم بين الطاعن وبين المطعون عليها الأولى عن نفسها ونيابة عن أولادها بقية المطعون عليهم الذين كانوا قصراً آنذاك وذلك بقصد تقسيم التركة الآيلة إليهم عن مورث الطرفين، وإذ صدر حكم المحكمين بتاريخ 3 من سبتمبر سنة 1962 مشوباً بالبطلان من نواح مختلفة فقد أقام الطاعن وبقية الورثة الذين لم يكونوا طرفاً في مشارطة التحكيم دعواهم بالطلبات سالفة البيان. ومحكمة أول درجة حكمت في 22 من يونيو 1965 بالطلبات. استأنف المطعون عليهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 125 لسنة 8 ق المنصورة (مأمورية الزقازيق) ومحكمة الاستئناف حكمت في 27 من مارس 1966 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض طلب بطلان حكم المحكمين بالنسبة للطاعن وبعدم نفاذ ذلك الحكم بالنسبة لبقية الورثة من رافعي الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقصر طعنه على الشق الخاص به المتعلق برفض طلب بطلان حكم المحكمين، ودفع المطعون عليهم ببطلان التقرير بالطعن. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي موضوع الطعن برفضه وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بالبطلان أن صورة التقرير بالطعن بالنقض المعلنة إلى المطعون عليهم لا تتضمن اسم الموظف الذي حصل التقرير بالطعن أمامه كما لا تشتمل على صفة ذلك الموظف رغم أنه بيان جوهري يترتب عليه تخلفه بطلان التقرير لعدم مطابقة الصورة للأصل ولفقدان المحرر الدليل على رسميته مما يشوبه بالبطلان.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله، ذلك أنه لما كانت المادة 429 من قانون المرافعات السابق المنطبقة على الطعن الحالي لم تستلزم أن يشتمل تقرير الطعن بالنقض على اسم الموظف الذي يحصل التقرير أمامه وإنما أشارت بصفة عامة إلى وجوب أن يتم ذلك في قلم كتاب محكمة النقض، وكان الثابت من أصل التقرير وصورته أنه حرر فعلاً في قلم كتاب تلك المحكمة وأن الصورة المعلنة منه هي صورة رسمية مطابقة للأصل، فإنه لا يبطل الإعلان خلو صورة التقرير من بيان اسم موظف قلم كتاب المحكمة الذي حصل التقرير بالطعن أمامه لأن ذلك ليس من البيانات التي يتحتم ذكرها في التقرير ويكون الدفع بذلك متعين الرفض.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم انتهى إلى أن إبرام المطعون عليها الأولى مشارطة التحكيم نيابة عن أولادها القصر وبدون استصدار إذن من محكمة الأحوال الشخصية لا يترتب عليه إلا بطلان نسبي مقرر لمصلحة القصر ولا يسوغ لغيرهم التمسك به، مع أن الأمر في الدعوى المعروضة لم يقف عند حد عدم الحصول على الإذن وإنما تعدى ذلك إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة رفضت الإذن باللجوء إلى التحكيم بداءة ولم تصدق على حكم المحكمين عقب صدوره بما يترتب عليه بطلان المشارطة وحكم المحكمين الصادر بناء عليها الأمر الذي يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت الوصاية نوعاً من أنواع النيابة القانونية تحل بها إرادة تحل بها إرادة الوصي محل إرادة القاصر مع انصراف الأثر القانوني إلى ذلك الأخير، ولئن كانت المادة 39 من القانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال قد تضمنت بياناً بالتصرفات التي لا يجوز أن يباشرها الوصي ألا بإذن من محكمة الأحوال الشخصية ومن بينها التحكيم الذي أنزلته الفقرة الثالثة منها منزلة أعمال التصرف اعتباراً بأنه ينطوي على التزامات متبادلة بالنزول على حكم المحكمين، إلا أن استصدار هذا الإذن في الحالات التي يوجب فيها القانون ذلك ليس بشرط للتعاقد أو التصرف وإنما قصد به - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلى رعاية حقوق ناقصي الأهلية والمحافظة على أموالهم بالنسبة لتصرفات معينة ارتأى الشارع لخطورتها ألا يستقل الوصي بالرأي فيها فنصب من محكمة الأحوال الشخصية للولاية على المال رقيباً عليه في صددها، وهو بهذه المثابة يعد إجراء شرع لمصلحة القصر دون غيرهم. لما كان ذلك وكان الأمر في الدعوى الماثلة أن مشارطة التحكيم وإن كانت قد أبرمت بين الطاعن والمطعون عليها الأولى عن نفسها ونيابة عن أولادها القصر دون أن تستصدر إذناً من محكمة الأحوال الشخصية التي رفضت إصدار هذا الإذن كما رفضت التصديق على حكم المحكمين عقب صدوره، فإنه لا يكون للطاعن الحق في التمسك ببطلان حكم المحكمين، ويكون ذلك الحق مقصوراً على المحتكمين من ناقصي الأهلية الذين صدر حكم المحكمين حال قصرهم، وذلك بعد بلوغهم سن الرشد. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن البطلان المترتب على إبرام المطعون عليها الأولى لمشارطة التحكيم نيابة عن أولادها القصر رغم رفض محكمة الأحوال الشخصية إصدار الإذن بذلك، هو بطلان نسبي لا يجوز أن يحتج إلا ناقصي الأهلية دون أن يكون للطاعن حق التمسك بذلك البطلان، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه كان ضمن الاعتراضات التي ساقها على حكم المحكمين، بطلانه عملاً بالمادة 849 من قانون المرافعات السابق استناداً إلى أنه قد تجاوز نطاق المشارطة وخرج عن المهمة التي نيط بالمحكمين أداؤها ودلل على ذلك بأنه بينما أبرم التحكيم بقصد تقسيم ما آل إلى الطرفين من ميراث إذ بحكم المحكمين يقضي بتثبيت ملكية المطعون عليهم شيوعاً في أعيان التركة وفي غيرها مما يدخل في ملكية الطاعن أو سواه من بقية الورثة غير الماثلين في التحكيم، ولتبرير ذلك أدخل حكم المحكمين على صورة المشارطة - على غير الحقيقة - عبارة نفذ منها إلى إدراج أراض اشتراها الطاعن من ماله الخاص ضمن أعيان التركة، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعن ببحث هذا الدفاع ولم يرد عليه مما يجعله قاصر التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان التحكيم طريقاً استثنائياً لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات فإنه يكون مقصوراً حتماً على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم، وإذ أوجبت المادة 822 من قانون المرافعات السابق أن تتضمن مشارطة التحكيم تعييناً لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين يتسنى رقابة مدى التزامهم حدود ولايتهم، فإن المشرع أجاز أيضاً في هذه المادة أن يتم ذلك التحديد أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم. لما كان ذلك وكان البين مما حصله الحكم المطعون فيه أنه ورد بالبند الثالث من مشارطة التحكيم المؤرخة 25 أغسطس 1961 ما يشير إلى تفويض المحكمين في بحث المسائل المتنازع عليها بين الطرفين بعد سماع دفاعهما الشفوي، وأن المطعون عليها الأولى قد حددت بجلسة 15 من يوليو 1962 طلباتها بالحصول على كافة حقوقها وحقوق أولادها القصر الموروثة وكذلك فيما اشتراه الطاعن باسمه خاصة سواء في حياة المورث أو بعد وفاته، وأن هيئة التحكيم ناقشت الطاعن في هذه الطلبات وردت على دفاعه بشأنها، وكان هذا الذي حصله الحكم يستقيم في معناه ومبناه مع العبارة التي وردت بمشارطة التحكيم والتي تشير إلى أن الهدف منها إنما هو حسم النزاع الدائر حول التركة. لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، ذلك أنه طرح ما تمسك به من بطلان حكم المحكمين لعدم إصداره في الميعاد المقرر بالمادة 833 من قانون المرافعات السابق على سند من القول بأن الطرفين اتفقا في مشارطة التحكيم على إعفاء المحكمين من التقيد بأحكام قانون المرافعات مع أن الإعفاء المنوه عنه بالمادة 834 من ذات القانون إنما يقصد به إجراءات المرافعات ولا يمكن أن يمتد إلى ميعاد صدور الحكم، وإذ يبين من الأوراق أن حكم المحكمين لم يصدر في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ قبولهم للتحكيم طبقاً للمادة المشار إليها فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وخالف الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كانت المادة 834 من قانون المرافعات السابق تقضي بوجوب التزام المبادئ الأساسية في التقاضي والأخذ بقواعد قانون المرافعات المتبعة أمام المحاكم ما لم يحصل إعفاء المحكمين منها صراحة إلا أن ذلك الإعفاء لا يؤدي إلى عدم إتباع الأحكام الخاصة بالتحكيم والواردة في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون المرافعات السابق ومن بينها المادة 833 التي توجب على المحكمين عند عدم اشتراط أجل للحكم أن يحكموا في ظرف ثلاثة أشهر من تاريخ قبولهم للتحكيم. ولئن كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر واعتبر أن ميعاد صدور حكم المحكمين وفق المادة 833 سالفة الإشارة هو مما يمتد إليه الإعفاء الوارد بالبند الثاني من مشارطة التحكيم، إلا أن الحكم قد انتهى صحيحاً فيما قرره من رفض دفاع الطاعن في هذا الخصوص، ذلك أنه لما كانت المادة 833 آنفه الذكر تقضي بوجوب صدور حكم المحكمين في ظرف ثلاثة أشهر من تاريخ قبولهم للتحكيم في حالة عدم اشتراط أجل للحكم، مما مفاده أن الأجل يسري من تاريخ قبول المحكمين للتحكيم، وكان الثابت من مشارطة التحكيم أن ذلك القبول قد حصل بتاريخ 10 من يوليو سنة 1962، وصدر حكم المحكمين في 3 من سبتمبر سنة 1962 أي خلال الأجل المقرر قانوناً، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه التناقض بين أسبابه ومنطوقه، وفي بيان ذلك يقول إنه بينما رفض الحكم طلب بطلان حكم المحكمين واعتبره نافذاً في حق الطاعن فقد اعتبره في ذات الوقت غير نافذ في حق باقي الورثة من غير المحتكمين مما يشوبه بالتناقض ويجعله غير مجد في شأن تقسيم التركة الذي انصرفت إليه مشارطة التحكيم.
وحيث إنه لما كان الطعن قد اقتصر على الشق من الحكم المطعون فيه الذي قضى برفض دعوى الطاعن على سند من صحة حكم المحكمين بالنسبة له، وكان ما يدعيه الطاعن من تناقض يمتد إلى الشق من الحكم الذي اعتبر مشارطة التحكيم غير نافذة في حق باقي الورثة الذين لم يكونوا أطرافاً فيها، والذين لم يطعنوا عليه، فإن النعي بهذا السبب يكون غير مقبول من الطاعن لأنه لا صفة له في إبدائه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
(1) نقض 18/ 5/ 67 مجموعة المكتب الفني. 18 ص 1054.