ومن حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
ومن حيث عن طلب إعادة فتح
باب المرافعة في هذا الطعن فإن سنده أهمية الأنزعه الخاصة بنشوء الأحزاب السياسية
وتأسيسها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد وحاجة الدفاع عن لجنة
شئون الأحزاب السياسية إلى إتاحة الفرصة لأداء واجباته في إيضاح وجه نظرها
وأسانيدها.... إلخ.
ومن حيث إن المشرع قد
راعى في أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 هذه الطبيعة الهامة
والخطيرة للمنازعات في تأسيس الأحزاب السياسية فنظم لجنة يقدم إليها المؤسسون
طلبات التأسيس لدراستها وفحصها والتحقق من توفر الشروط التي يقتضيها القانون وأجاز
أيضاً في ذات الوقت للمؤسسين باعتبارهم يرغبون مباشرة حق من الحقوق العامة الدستورية
والأساسية للمصريين - يتمثل في تأسيس الأحزاب السياسية أن يطعنوا في قرار لجنة
الأحزاب السياسية أمام هذه المحكمة بتشكيلها المتميز الذي راعى فيه المشرع طبيعة
هذا النزاع وخطورته وقد نص صراحة في المادة (8) من القانون المذكور على أن تفصل
المحكمة في الطعون خلال أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ إيداع عريضته، كما نص
المشرع كذلك رعاية لطبيعة هذا الحق العام للمصريين وأهميته السياسية والدستورية
على أن يتمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية ويمارس نشاطه الحزبي والسياسي منذ انقضائه
الفترة المحددة للاعتراض عليه دون أن يتم إخطار المؤسسين بذلك بقرار مسبب أو من
تاريخ صدور الحكم بوقف أو إلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية
بالاعتراض على تأسيس الحزب.
ومقتضى ذلك أن المشرع
يهدف بوضوح إلى ضرورة حسم المنازعات المتعلقة بتأسيس الأحزاب لكي لا يتأخر قيام أي
حزب تتوفر فيه الشروط المقررة في أحكام الدستور والقانون بدون مبرر معقول.
ومن حيث إن الثابت أن
الطعن الماثل قد انقضى عليه منذ إقامته في 2/ 1/ 1990 عدة سنوات وقد بدأ نظره منذ
أكثر من عام أمام هذه المحكمة وتقرر فتح باب المرافعة بعد حجزه للحكم وقد أتيحت
للطرفين الفرصة الكاملة لتقديم ما يشاؤون من دفع ودفاع - وقد انطوى طلب فتح باب
المرافعة الأخير على تكرار لما سبق إبداؤه من دفاع يتعلق بعدم تميز برنامج الحزب
تحت التأسيس وعدم تحديده وسائله وأساليبه ومخالفة مبدأ نظام الحكم المحلي لأحكام
الدستور التي تقوم على الإدارة المحلية - ومن ثم فإن طلب فتح باب المرافعة المقدم
من لجنة شئون الأحزاب السياسية في 15/ 4/ 1992 يكون بلا سند أو مبرر قانوني مقبول
مما يتعين معه طرحه والالتفات عنه.
ومن حيث إن عناصر هذا
الطعن تتحصل - حسبما يتضح من الأوراق - في أنه بتاريخ 31/ 7/ 1990 وجه الطاعن - عن
نفسه وبصفته وكيلاً عن طالبي تأسيس الحزب الاشتراكي المصري إخطاراً كتابياً إلى
المطعون ضده بطلب الموافقة على تأسيس الحزب المذكور، وأرفق بطلبه قائمتين بأسماء
الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم (153) عضواً منهم (101) من العمال والفلاحين، (52)
عضواً من الفئات مصدق رسمياً على توقيعاتهم جميعاً، كما أرفق بطلبه برنامج الحزب
مشتملاً على مبادئه، وأهدافه وبرامجه وأساليبه التي يراها محققه لأهدافه فضلاً عن
لائحة نظامه الداخلي وقد عرض الإخطار بالطلب على لجنة شئون الأحزاب السياسية بجلسة
13/ 8/ 1990، وبجلسة 4/ 12/ 1990 أصدرت اللجنة قرارها المطعون فيه متضمناً
الاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بتأسيس حزب سياسي باسم الحزب الاشتراكي
المصري لعدم توافر - الشروط التي يتطلبها قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977
والقوانين المعدلة له وأقامت قرارها على أن برنامج الحزب يفتقد شرطي التميز والتحديد
الذين أوجبهما القانون لقيام أي حزب سياسي.
وفي مجال الشرط الأول
قررت اللجنة أن التميز الظاهر الذي اشترطه القانون في الأحزاب السياسية هو
المغايرة الانفرادية بمعنى أن يكون للحزب في برامجه وسياساته وأساليبه ما ينفرد به
لا يشاركه فيه كله أو بعضه حزب أخر، الأمر الذي لا يحققه، اقتباس الحزب لأجزاء من
برامج وسياسات وأساليب أحزاب أخرى، ولا يسوغ القول بتحققه بمجرد عدم التطابق في
هذه الأمور مع أي حزب على حدة، كما أن التميز لا يتحقق إذا كانت البرامج والسياسات
والأساليب مجرد عموميات تضمنها عبارات إنشائية فضفاضة وذلك كله حسبما تكشف
المناقشات التي دارت في مجلس الشعب عند نظر القانون رقم 40 لسنة 1977 وما أوردته
المحكمة الدستورية في أسباب حكمها في الدعوى رقم (44) - لسنة 7 من أن المقصود
بالمبادئ والمقومات والأهداف التي يلتزم بها الحزب هو الأيدولوجيات المشتركة التي
يجمع عليها المؤسسون ويتخذونها أساساً لحركة الحزب وممارسته لنشاطه، وأضافت اللجنة
أن القانون اشترط التميز لضمان أن يكون التعدد الحزبي جدياً، وأن ما أوضحه الحزب
من أن برنامجه يتميز عن الأحزاب الأخرى بأمور سبعة فإنها أمور لا تحقق شرط التميز
المطلوب وذلك على النحو التالي:
أولاً: بالنسبة لما دعا
إليه الحزب في شأن تحقيق اللامركزية فهو أمر يوفره قانون الإدارة المحلية رقم 43
لسنة 1979 وتعديلاته، أما ما يطالب به الحزب من انتخاب المحافظين ورؤساء الوحدات
المحلية فتلك مسألة فرعية ومرحلية تحكمها ظروف المجتمع، ولا تميز في برنامج الحزب
عند المطالبة بها.
ثانياً: وبالنسبة لما دعا
إليه الحزب من إنشاء قضاء شعبي فهو تضمنته المادة (170) من الدستور بنصها على أن
يسهم الشعب في إقامة العدالة... وقد طبقت حكومة الحزب الوطني هذا النص باشتراك
شخصيات عامة في محكمة القيم ومحكمة الأحزاب.
ثالثاً: وأما عن إنتاج
رغيف كامل المصرية بالاستغناء عن استيراد القمح بإنشاء بنك القمح فقد تضمنت أغلب
الأحزاب دراسات في شأن زيادة القمح بينما لم يقدم الحزب الماثل أي تصور عن كيفية
الوصول إلى هذه الغاية.
رابعاً: أما ما يدعو إليه
الحزب تحت التأسيس من سيطرة الدولة على المصارف من خلال البنك المركزي فإن هذا أمر
قائم بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1975 بشأن البنك المركزي والجهاز المصرفي
والقانون رقم 50 لسنة 1984 في شأن أحكام قانون البنوك والائتمان.
خامساً: وبالنسبة لما
قدمه الحزب من ضرورة الحد من سياسة البناء من أجل التمليك وقصرها في المجتمعات
الجديدة على الحكومة وحدها فإن برامج الأحزاب الأخرى قد تضمنت تصورات أوسع للسياسة
السكانية.
سادساً: أما المطالبة
بألا تمارس النقابات والأندية والمؤسسات الاجتماعية العمل السياسي إلا عن طريق
الأحزاب السياسية الشرعية، فقد أوجبتها المادة (56) من الدستور ولم يقل أحد بأن
تكون الأندية أو النقابات مرتعاً للعمل السياسي.
سابعاً: أن ما يدعو إليه
الحزب من عدم استغلال الدين في السياسة فهو أمر تنادي به الدولة كلها ويؤيده
الجميع ولا يكسب البرنامج أي جديد يتميز به على الأحزاب الأخرى.
كما أن ما يدعو إليه
الحزب من أن يكون نظام الحكم في الدولة برلماني قائم على التعددية الحزبية فهو أمر
واقع يؤكده النظام الحالي القائم على التعددية الحزبية، هذا فضلاً عن أن ما قرره
طالبوا تأسيس الحزب في برنامجه من أن الحل الاشتراكي للمشكلة الاقتصادية أمر حتمي
تفرضه ظروف الواقع، وما يدعو إليه الحزب من رفع مستوى المستشفيات الحكومية وأن
تكون التجارة الخارجية تحت الإشراف الكامل للشعب، وأن يختص القطاع العام بنسبة 75%
وأن تكون الملكية التعاونية بين من يمكنهم إدخال الميكنة الزراعية الجديدة وأن
تكون الملكية الفردية لمن يزرع الأرض بنفسه، ولا يجوز التأجير لمن ليست الزراعة
حرفته الوحيدة فكلها عبارات فضفاضة تفتقد إلى التحديد والثبات وبذلك يكون برنامج
الحزب قد افتقد شرطين أساسيين من شروط قيامه هو التميز والتحديد.
ومن حيث إن مبنى الطعن
الماثل أن القرار المطعون فيه قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً
بالإلغاء وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: أن الأصل في
الدستور هو الحرية في إنشاء الأحزاب والانتماء إليها، إذ أن الإنسان لا يستطيع أن
يمارس دوره في النقد والتوجيه والرقابة في المجتمع إلا من خلال الجماعة التي ينتمي
إليها بفكره الحر ومن ثم كانت ضرورة الأحزاب التي تمثل المعارضة المستمرة في
النظام الديمقراطي، ومن ثم فلا يجوز الادعاء بأن ما ورد في برامج الحزب هي أمور
واردة في برامج الأحزاب الأخرى كالحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار وحزب التجمع
إذ أن هذه الأحزاب جاءت في قيامها مخالفة لنصوص الدستور وما أجمع عليه في استفتاء
15/ 5/ 1974 من أنه ارتضى لنفسه نظام تحالف قوى الشعب العاملة إطاراً لحياته
السياسية، لأن هذه الأحزاب ولدت بمقتضى قرار رئيس الجمهورية في 11 نوفمبر سنة 1976
ومن ثم تكون هذه الأحزاب الثلاثة قد ولدت منعدمة ولا يجوز المقارنة بها.
ثانياً: أنه من الضروري
والطبيعي أن يتفق كل الأحزاب السياسية القائم منها وطالب التأسيس حول أمور غير
مسموح دستورياً أو قانونياً الاختلاف حولها، ومن ثم فإن التمايز يكون محظوراً في
غير هذه الأمور، والقانون لم يشترط التميز في الغاية أو المبادئ والأهداف لأنها في
عموميتها قد تتطابق وجوباً، وإنما التمايز المشروط هو التمايز في برنامج الحزب
وسياساته وأساليبه في تحقيق هذا البرنامج تمايزاً ظاهراً، وأن الثابت أن برنامج
الحزب يتميز عن الأحزاب الأخرى فيما دعا إليه من تحقيق اللامركزية في إدارة شئون
البلاد من خلال حكم يباشر فيه المواطنون إدارة شئونهم بأنفسهم، وإنشاء قضاء شعبي
في الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء المصالحات وتوفير رغيف مصري 100% للخروج
من نطاق التبعية الاقتصادية، وإلغاء سياسة البناء من أجل التمليك، يضاف إلى ذلك
التميز الظاهر في النظام الداخلي من النزول بالتشكيلات حتى مسئول الشارع ومسئول
العمارة وتشكيل حكومة ظل، وتشكيل لجان الأحزاب على مستوى المناطق والأقاليم.
ثالثاً: أن التحديد الذي
تتطلبه لجنة الأحزاب أمر لا يتسنى تحقيقه عملاً، إذ كيف يمكن لأي حزب أن يضع
برنامجاً تفصيلياً محدداً تحديداً قاطعاً وهو خارج الحكم، كما لم يقل حزب آخر
بإنشاء بنك للقمح، وأن ما جاء ببرامج الأحزاب الأخرى بشأن السياسة السكانية هو
عبارة عن تصورات غير محددة بعكس ما جاء في البرنامج من الدعوة إلى إلغاء سياسة
البناء من أجل التمليك وإلغاء التأجير المفروش حماية للقيم والأخلاق.
ومن حيث إن هذه المحكمة
بتشكيلها المتميز الذي حددته المادة 8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام
الأحزاب السياسية المعدل بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980، 124 لسنة 1983 إنما تلتزم
في أعمال رقابتها على القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس
الحزب بأحكام الدستور والقانون، ويقتضي ذلك ابتداء تحديد دور هذه اللجنة في أداء
مهمتها الواردة بالقانون والإمكانيات التي أتيحت لها في بسط رقابتها القانونية على
برامج الأحزاب تحت التأسيس وذلك في ضوء أحكام مواد الدستور والمبادئ الدستورية
العامة التي يتعين فهم وتفسر أحكامه في ظلها والأهداف والغايات القومية التي تسعى
إلى تحقيقها، فقد أكدت وثيقة إعلان الدستور على أن جماهير شعب مصر هي التي قبلت
وأعلنت ومنحت لنفسها الدستور، وقد انعقد عزمها على بذل كل الجهد لتحقق (أولاً)
السلام القائم على العدل بحسبان أن التقدم السياسي والاجتماعي لكل الشعوب لا يمكن أن
يتم إلا بحرية الشعوب وبإرادتها المستقلة (ثانياً) أن الوحدة العربية هي أمل الأمة
العربية باعتبارها نداء تاريخ ودعوة مستقبل (ثالثاً) التطوير المستمر للحياة في
الوطن إيماناً بأن التقدم لا يحدث تلقائياً أو بالوقوف عند إطلاقه الشعارات وإنما
قوته الدافعة لتحقيقه في إطلاق جميع الإمكانيات والملكات الخلاقة والمبدعة للشعب
(رابعاً) حرية الإنسان المصري عن إدراك بأن حرية الإنسان وعزته هي الشعاع الذي هدى
ووجه مسيرة التطور الذي قطعته الإنسانية نحو مثلها العليا وأن كرامة الفرد انعكاس
لكرامة الوطن، وأن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً وحسب لحرية الفرد ولكنها
الأساس الوحيد لمشروعية السلطة، ولا يمكن تفسير تلك المبادئ التي تضمنتها مقدمة
الدستور الذي أقره الشعب في استفتاء عام تفسيراً سليماً إلا إذا تم استعراض تطور
الحياة السياسية في مصر فيما قبل ثورة 23 يوليو 1952 وبعد هذه الثورة ويبين من
الدراسة لما قبلها أنه لم يرد في دستور سنة 1882 أي نص إباحة أو حظر تكوين الأحزاب
السياسية فهو بحكم نصوصه وظروف إصداره لم يتعرض إلا لنظام عضوية مجلس النواب
واختصاصاته الدستورية وبعد الاحتلال البريطاني لمصر في صيف 1882 إلغي الدستور ووضع
القانون النظامي على أساس تقرير اللورد دوفرين الذي جعل نظام الحكم المطلق بيد
المعتمد البريطاني يمارسه بواسطة الخديوي ولم يتغير هذا الوضع في ظل القانون
النظامي الصادر سنة 1913 في ظل الاحتلال، ولم يرد في دستور سنة 1923 أي نص صريح
بإباحة تشكيل الأحزاب السياسية أو بتنظيم هذه الأحزاب، وقد ورد النص في هذا
الدستور على كفالة حرية الرأي وأن لكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو بالكتابة
أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون (م14) وعلى أن للمصريين حق الاجتماع في
هدوء وسكينة غير حاملين سلاحاً (م200) - وعلى أن للمصريين حق تكوين الجمعيات مع
حظر الجمعيات السرية أو ذات النظام العسكري وكيفية استعمال هذا الحق يحددها
القانون (م31) ويطابق هذا النص ما ورد في دستور 1930 في المادة (21) منه كما أن
المادة 14 سالفة الذكر من دستور سنة 1923 بشأن حق الاجتماع للمصريين مطابق لدستور
سنة 1939 في المادة (20) منه وقد قامت معظم الأحزاب السياسية في مصر قبل صدور
دستور سنة 1923 واستمرت قائمة بعده كما نشأت أحزاب أخرى بعد صدوره دون أن يجادل
أحد في أن حق تكوين الجمعيات شامل لها بجميع أنواعها، وبينها الأحزاب السياسية
وأنه حق متفرع كذلك عن حرية الاجتماع وحرية إبداء الرأي، وحق الترشيح وحق الانتخاب
للمجالس النيابية وهي حقوق قررتها دساتير سنة 1923، سنة 1930، ولم يصدر قانون
لتنظيم الأحزاب السياسية بعد صدور الدستور سنة 1923 وقبل قيام ثورة يوليو 1952
ليضع القواعد الكفيلة لتحقيقها لأهدافها السياسية في خدمة الشعب، وبعد أن قامت
ثورة 23 يوليو 1952 وأعلنت مبادئها الستة المعروفة وبينها "إتاحة حياة
ديمقراطية سليمة" صدر في سبتمبر 1952 المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952
بتنظيم الأحزاب السياسية وقد استهدف هذا المرسوم إتاحة الفرصة للأحزاب السياسية
القائمة لتنظيم نفسها وتطهير صفوفها بما يزيل عيوب تعددها وتفتتها عن غيرها من
الأحزاب التي نشأت قبل المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 وتأثير ذلك على الوحدة
الوطنية وصلابتها مع التقرير في المادة الأولى منه بحرية المصرين في تكوين الأحزاب
السياسية والانتماء إليها وفي 17 يناير سنة 1953 أصدر القائد العام للقوات المسلحة
بصفته رئيساً لحركة الجيش إعلاناً دستورياً انتهى فيه إلى إعلان فترة انتقال لمدة
ثلاث سنوات حتى تتمكن الثورة من "إقامة حكم ديمقراطي دستوري سليم مع حل
الأحزاب السياسية اعتباراً من هذا التاريخ ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب، وقد
أبان هذا الإعلان الدستوري أن الأساس الذي ذهب إليه في حل الأحزاب السياسية
القائمة هو الحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال الأجنبي ومنع التأثير
الأجنبي على الحياة السياسية المصرية الوطنية من خلال التحالف أو الاتصال بين
الأحزاب والدول الأجنبية المختلفة - وصدر عقب ذلك المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953
وقد قام هذا المرسوم بقانون على عدة مبادئ أساسية بينها حظر مباشرة أي نوع من
النشاط الحزبي على أعضاء الأحزاب السياسية المنحلة والمنتمين إليها وتحريم تقديم
أية مساعدة لهؤلاء الأشخاص في سبيل قيامهم بمثل هذا النشاط (م2) وحظر قيام أية
أحزاب سياسية جديدة، مع إلغاء المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب
السياسية (م6)، وفي 10 من فبراير سنة 1953 صدر إعلان دستوري تضمن المبادئ الأساسية
للحكم في المرحلة الانتقالية المؤقتة السابق إعلانها وصدر مرسوم بقانون رقم (36)
لسنة 1953 في شأن التدابير المتخذة لحماية حركة 23 يوليو سنة 1952 والنظام القائم
عليها وقد قضت أحكامه باعتبار كل تدبير اتخذ خلال سنة من 23 يوليو سنة 1952 - بقصد
حماية هذه الحركة والنظام القائم عليها من أعمال السيادة - وإثر إلغاء الأحزاب
السياسية أنشأ النظام الحاكم (هيئة التحرير) وكانت طبقاً لنظامها الأساسي
"تجميعاً شعبياً ووطنياً هدفه توحيد جهود المواطنين بكافة طوائفهم وفئاتهم
ونزعاتهم لتحقيق الهدف الأول من أهداف ثورة 23 يوليو سنة 1952 وهو إجلاء المستعمر
الأجنبي عن البلاد، واستمرت هذه الهيئة حتى صدر دستور سنة 1956 الذي تضمن النص في
أحكامه الختامية والانتقالية على إنشاء اتحاد قومي يهدف إلى بناء البلاد بناءاً
سليماً من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومنح هذا الاتحاد الاختصاص في
الترشيح لعضوية مجلس الأمة وترك الدستور المذكور تنظيم هذا الاتحاد لقرار يصدره رئيس
الجمهورية وبعد صدور الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة خلال الوحدة مع
سوريا تضمن نص المادة (72) الذي قضى بأن يكون المواطنون في إقليمي الجمهورية
اتحاداً قومياً للعمل على تحقيق الأهداف القومية، وذلك لتحقيق ذات أهداف الاتحاد
القومي المصري في الإقليمين وتنظيم أمور هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية،
وبعد إعلان الميثاق الوطني سنة 1962 وصدور دستور سنة 1964 نصت المادة (3) منه على
أن "الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب
العاملة المختلفة للشعب العامل وهي الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون
والرأسمالية الوطنية، هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة
للعشب والرافعة لإمكانات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة".
ثم صدر بيان 30 مارس سنة
1968 بعد هزيمة يوليو سنة 1967 وتضمن أن من أسباب الهزيمة الرئيسية إهدار سيادة
القانون وانعدام الديمقراطية في ظل سيطرة مراكز القوى على الاتحاد الاشتراكي
العربي، وعلى السلطة في البلاد، ومع تأكيد البيان على صيغة الاتحاد الاشتراكي
العربي فقد أرجع المشاكل الناتجة عن وجوده إلى عدم قيامه على الانتخاب الحر من
القاعدة إلى القمة".
وبعد أن أعلن في 15 مايو
سنة 1976 إزاحة مراكز القوى المتسلطة على الشعب بدأ الإعداد للتصحيح الكامل لمسار
ثورة 23 يوليو سنة 1952 بوضع مبدأها السادس وهو إقامة الحياة الديمقراطية السليمة
موضع التطبيق والتنفيذ فبدأ الإعداد لوضع دستور دائم للبلاد وإزالة التناقض
المصطنع بين الحرية السياسية ومصالح الأغلبية العظمى من الشعب، والذي افتعلته
مراكز القوى للانفراد بالسلطة والتحكم في مصير الدولة وتحقيق أطماعها ونزواتها
ومصالحها الذاتية، وفتح الطريق أمام الديمقراطية باعتبارها الضمان الوحيد ضد ظهور
مراكز القوى وضد الشللية وضد الولاء للفرد أو لمجموعة من قليل من الأفراد وإثر ذلك
صدر دستور 1971 القائم بعد موافقة الشعب عليه في الاستفتاء العام في 11 من سبتمبر
1971 متضمناً النص في المادة الثالثة منه على أن "السيادة للشعب وهو مصدر
السلطات ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين
في الدستور" ونص في المادة الخامسة على قيام الاتحاد الاشتراكي العربي
والمبادئ الأساسية التي أصبحت تنظم وتحكم نشاطه وبينها مبدأ الديمقراطية وأفراد
الدستور الباب الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة وتضمن النص في المواد
(47)، (48) على حرية الرأي وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ونص في
المادة (54) على حق المواطنين في الاجتماعات العامة والمواكب الشعبية ونصت المادة
(55) على حق المواطنين في تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون وحظر في ذات
الوقت إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً أو ذا طابع عسكري".
ثم صدرت بعد ذلك ورقة
أكتوبر 1974 التي طرحت في استفتاء شعبي والتي تضمنت الاعتراف بأنه "إذا كانت
ثورة يوليو 1952 قد أنجزت الكثير في الحرية الاجتماعية فإنه بكل أمانة لابد أن
يسلم أن جانب الحرية السياسية لم يتحقق على الوجه الذي يريده الشعب بل لقد فرضت
مراكز القوى وصايتها على الجماهير وتعددت القيود والإجراءات... إلخ"
"إنه لا معنى للحرية
السياسية بالنسبة للجائع الذي يضطر لبيع صوته في الانتخابات.. وأيضاً فإنه لا جدوى
للقمة العيش إذا فقد الإنسان أهم ما يميزه وهو الحرية السياسية. واليوم بعد انتصار
أكتوبر وتأكيد وحدة الصف الوطني وارتفاع المواطنين إلى مستوى المسئولية، لابد أن
يؤكد معنى الحرية السياسية جنباً إلى جنب مع الحرية الاجتماعية" وأن
الديمقراطية "ليست مجرد نصوص ولكنها ممارسة عملية ويومية وأن الديمقراطية لا
تمارس في فراغ بل لابد من إطارات تحدد من خلالها الاتجاهات التي تخص أمور الوطن
السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلخ" وأننا نرفض الدعوة إلى تفتيت
الوحدة والذي يفرض وصايته على الجماهير ويصادر حرية الشعب من ممارسة حريته
السياسية..."
ولقد تضمنت ورقة تطوير
الاتحاد الاشتراكي التي قدمها الرئيس الراحل أنور السادات في أغسطس 1974 أن نفي
فكرة الحزب الواحد من الاتحاد الاشتراكي العربي لا يمكن أن يتم إلا بالتسليم بتعدد
الاتجاهات داخله وأنه يتعين تحرير العضوية بالاتحاد من أن تكون شرطاً لأي منصب
ووظيفة من جهة وتحرير فكر العضو إلا من المبادئ الأساسية الستة لثورة 23 يوليو
ومواثيقها المتوالية - ثم بعد تشكيل لجنة مستقبل العمل السياسي برئاسة رئيس مجلس
الشعب وعضوية عدد من أعضاء من النقابات المهنية والعمالية والتي تدارست الاتجاهات
الأساسية للتطوير وأبدت أنها ثلاثة اتجاهات أولها يرى إنشاء منابر ثابتة داخل إطار
الاتحاد الاشتراكي والثاني يذهب إلى إنشاء منابر متحركة داخل إطار هذا الاتحاد أما
الثالث فيعتبر الاتحاد حزباً سياسياً للثورة يلتزم بمبادئها ومواثيقها ويقوم خارجه
أحزاباً أخرى. وبعد تطوير نظام المنابر طالبت اللجنة البرلمانية للرد على بيان
الحكومة بمجلس الشعب في تقرير لها في 23 من ديسمبر سنة 1976 بإعداد تشريع للأحزاب
السياسية لأنه "قد صار ضرورياً أن يصدر مجلس الشعب قانوناً ينظم قيام الأحزاب
وأسلوب إعلانها والضوابط الموضوعية التي تصاحب قيامها "وبناء على ذلك فقد صدر
القانون رقم (40) لسنة 1977 بتنظيم الأحزاب السياسية وقد تضمن تقرير اللجنة
التشريعية بمجلس الشعب عن الاقتراح بقانون المقدم منها بشأن نظام الأحزاب السياسية
والاقتراحات بمشروعات القوانين الأخرى المقدمة من بعض أعضاء مجلس الشعب فيما يتعلق
بدستورية قيام الأحزاب السياسية في ظل أحكام الدستور الصادر سنة 1971، وبصفة خاصة
أحكام المادة الخامسة منه قبل تعديلها سنة 1980 - والتي كانت تنص على أن
"الاتحاد الاشتراكي والتنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس
مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة للفلاحين والعمال والجنود والرأسمالية
الوطنية وهو أداه هذا التحالف في تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية وفي متابعة
العمل الوطني في مختلف مجالاته ودفع هذا العمل الوطني إلى أهدافه المرسومة.
ويؤكد الاتحاد الاشتراكي
العربي سلطة تحالف قوى الشعب العاملة عن طريق العمل السياسي الذي تباشره تنظيماته
بين الجماهير وفي مختلف الأجهزة التي تضطلع بمسئوليات العمل الوطني.
وبين النظام الأساسي
للاتحاد الاشتراكي العربي شروط العضوية فيه وتنظيماته المختلفة وضمان ممارسة نشاطه
بالأسلوب الديمقراطي على أن يمثل العمال الفلاحين في هذه التنظيمات بنسبة خمسين في
المائة على الأقل" - أوردت اللجنة في تقريرها أن "نص المادة (55) من
الدستور المتعلق بحق تكوين الجمعيات وإن كان يقرر المبدأ الدستوري عن حق المصريين
في تكوين أي نوع من الجمعيات بما في ذلك الجمعيات السياسية، إلا أنه لا يمكن
مباشرة هذا الحق إلا بصدور القانون الذي ينظم
كل نوع من أنواع هذه
الجمعيات، وبالنسبة للأحزاب كجمعيات سياسية فإنه يتعين صدور القانون المنظم
للأحزاب السياسية، حتى يمكن مباشرة الحق الدستوري الذي تضمنه النص طبقاً للقواعد
التي يبينها هذا القانون وأساس ذلك ما يلي:
(أ) أن الحزب السياسي لا
يعدو كونه جماعة منظمة أو جمعية منظمة أو تنظيماً لمجموعة من المواطنين يعملون
كوحدة سياسية بتجميع الناخبين والحصول على تأييدهم لأهداف وبرامج تتعلق بالشئون
السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ومن المسلمات في الفقه الدستوري المصري
والمقارن ومن استقراء الدساتير المصرية السابقة ودساتير دول العالم على اختلاف
نظمها واتجاهاتها السياسية والاجتماعية أن حق تكوين الأحزاب السياسية يعد حقاً من
الحقوق الدستورية العامة المتفرعة على حق تكوين الجمعيات أو الجماعات ما دام أن
الدستور لا يخص هذا الحق بنوع معين أو محدد منها ولا يحظر بالذات تكوين هذا النوع
من الجمعيات السياسية أو يفرض فيه نظام الحزب الواحد كما أنه من المسلمات في هذا
الفقه أن حق تكوين الجمعيات ومنها الأحزاب السياسية ينبثق عن الحقوق والحريات
العامة التي تقررها الدساتير الديمقراطية بصفة أساسية، وهي حق الانتخاب والترشيح
والاستفتاء وحرية إبداء الرأي والعقيدة السياسية بوسائل الإعلام المختلفة
باعتبارها حقوقاً حريات حتمية يتعين الاعتراف بها نتيجة التسليم بأن السيادة للشعب
وهي كذلك يترتب على التسليم بها حتماً التسليم بحق التجمع السياسي في صورة الأحزاب.
(ب) أن الفقرة الأولى من
المادة (55) من الدستور قررت الحق للمصريين في تكوين الأحزاب طبقاً للقانون - وفي
ذات الوقت حظرت فقرتها الثانية تكوين الجمعيات ذات النشاط المعادي لنظام المجتمع
والجمعيات السرية أو ذات الطابع العسكري، ولم يكن ثمة مبرر للنص في هذه الفقرة
الثانية على هذا الحظر لهذا النوع من الجمعيات وهي بالضرورة جمعيات سياسية إلا لو
كان تعبير الجمعيات في الفقرة الأولى من النص مقصوداً به كل أنواع الجمعيات بما في
ذلك الجمعيات السياسة أي الأحزاب - يؤكد ذلك أن النص الذي عرض في الأعمال التحضرية
للدستور للمادة (55) كان يقضي بأن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات بقصد تنمية
النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لقوى الشعب العاملة. والجمعيات
السرية محظورة وكذلك الجمعيات التي تسعى بطريق غير مباشر إلى أهداف سياسية عن طريق
تشكيلات ذات طابع عسكري" وقد عدلت صياغة النص على النحو الذي ورد بالدستور
ولم يطرأ على عبارات النص ما يغير المعنى المقصود بعباراته في فقرتيه الأولى
والثانية إذ أن ارتباط هاتين الفقرتين يحتم فهم نص المادة في صياغتها الأخيرة بما
يشمل الأحزاب السياسية ولكن ما أضيف إلى الفقرة الأولى من النص على أن ممارسة حق
تكوين الجمعيات يكون طبقاً للقانون، هو الذي جعل هذا الحق معلقاً على صدور
القوانين التي تنظم الأنواع المختلفة منها وبينها قانون الأحزاب السياسية ويقتضي
اشتراط الفقرة الأولى من المادة (55) من الدستور صدور القانون المنظم للأحزاب
السياسية لقيامها - أن المشرع الدستوري قد ترك أمر تقدير ملائمة صدور هذا القانون
للمشرع العادي فما لم يصدر قانون بنظام الأحزاب السياسية فإنه لا يمكن دستورياً
قيام هذه الأحزاب ومن ثم فإن حق المصريين في تكوين الأحزاب يكون مستمداً بصورة
صريحة من المادة (55) من الدستور... إلخ.
(جـ) أن العرف الدستوري قد
جرى في مصر باستقرار ودون أية شبهة على التسليم بحق المصريين في تكوين الأحزاب
السياسية حتى في ظل الدساتير التي صدرت خلال فترة الاحتلال والإدارة الأجنبية للبلاد
وعندما صدر مرسوم سنة 1952 بشأن تنظيم الأحزاب السياسية سالف الذكر أصبح لا يمكن
مباشرة الحق الدستوري إلا في نطاقه ثم صدر المرسوم رقم 37 لسنة 1953 الذي قرر
صراحة حل الأحزاب السياسة القائمة وحظر تشكيل الأحزاب السياسية أو ممارسة أي نشاط
حزبي ولم يرد في أي من الدساتير التي صدرت بعد الثورة في السنوات سنة 1956، 1958،
سنة 1964، ولا في دستور سنة 1971 - كما سبق القول أي نص على أن الاتحاد الاشتراكي
العربي هو التنظيم السياسي الوحيد في البلاد، ولا أي نص على حظر تكون الأحزاب
السياسية بل ورد في كل من هذه الدساتير النص على حق المصريين في تكوين الجمعيات
طبقاً للقانون الذي يصدر بتنظيمها.
(د) أن العرف التشريعي بعد
الثورة سواء قبل سنة 1971 وما بعدها قد جرى على أن الحائل دون قيام الأحزاب ليس
حائلاً دستورياً ولكنه قانوني متمثل في:
(أولاً) أحكام المرسوم
بقانون رقم 37 لسنة 1952 بشأن حل الأحزاب السياسية.
(ثانياً) عدم صدور قانون
تنظيم لهذه الأحزاب باعتبارها نوعاً من الجمعيات التي لا يمكن مباشرة الحق في
إنشائها وتكوينها إلا طبقاً للقانون وذلك بعد إلغاء القانون رقم 79 لسنة 1952
بتنظيم الأحزاب.
(ثالثاً) صدور القانون رقم
34 لسنة 1972 بحظر تكوين أية تنظيمات سياسية خارج الاتحاد الاشتراكي العربي والنص
لأول مرة صراحة على أنه التنظيم السياسي الوحيد بالبلاد.. إلخ
(هـ) كان ثمة رأي في لجنة
نظام الحكم التي كانت مكلفة بإعداد نصوص الدستور الحالي يرى عدم إيراد نص في
الدستور عن الاتحاد الاشتراكي ذاته اكتفاء بالنص على حرية المواطنين في تكوين
الجمعيات باعتبارها تشمل هذا التنظيم السياسي ذاته ورغم أنه لم يؤخذ بهذا الرأي من
غالبية أعضاء اللجنة التي انتهت إلى وضع نص في الدستور عن الاتحاد الاشتراكي (م5)
فإن ذلك لم يكن أساسه أن حق تكوين الجمعيات لا يدخل فيها الجمعيات السياسية أي
الأحزاب السياسية ولكن لأن ثمة مسائل أساسية وجوهرية تتعلق بالحقوق والحريات
العامة للمواطنين وهي الأساس الجوهري لتنظيم وكيان الاتحاد الاشتراكي ذاته لما كان
يقوم عليه من التعبير عن تحالف قوى الشعب العاملة والوحدة الوطنية كأساسيين
دستوريين للنظام السياسي في البلاد وهي لا يجوز تقريرها على نحو مشروع إلا بنص في
الدستور فصدر متضمناً نص المادة (5) منه على النحو سالف الذكر.
(و) أخذ المشرع بهذا النظر
الدستوري السديد في المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977
بشأن حماية حرية الوطن والمواطن وقضت المادة الأولى منه بأن حق تكوين الأحزاب
مكفول طبقاً لما ينص عليه القانون الخاص بإنشاء الأحزاب حال صدوره من السلطة
التشريعية أي أن الحق في إنشاء الأحزاب السياسية معلق بصدور القانون المنظم لها
حسبما تستلزم ذلك المادة (55) من الدستور وتنص المادة (2) على أن التنظيمات السرية
والتنظيمات المعادية لنظام المجتمع محظورة وهذا الحظر هو ذاته الحظر الوارد في
الفقرة (2) من المادة (55) من الدستور فأساس حرية تكوين الأحزاب السياسية إذن في
نظر القانون رقم (2) لسنة 1977 والذي وافق عليه الشعب في الاستفتاء هو نص المادة
(55) من الدستور التي قررت للمواطنين حق تكوين الجمعيات السرية ماعدا الجمعيات
السرية أو المعدالة لنظام المجتمع أو ذات الطابع العسكري وهي ذاتها شاملة للتنظيمات
الحزبية المحظورة طبقاً للمادة (2) من القرار بقانون المذكور...... إلخ،"
وبمناسبة افتتاح دور
الانعقاد الأول لمجلس الشعب سنة 1979 أعلن رئيس الجمهورية بناء على ما سبق أن
تضمنه تقرير لجنة تطوير العمل السياسي قراراً سياسياً بأن تتحول التنظيمات التي
كانت قد تكونت كمنابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي إلى أحزاب سياسية بالمعنى
الدقيق وفي 3 فبرار سنة 1977 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 2 لسنة 1977
السالف الإشارة إليه استناداً لحكم المادة (74) من الدستور وبناء على ما سلف ذكره
صدر في 2 يوليو سنة 1977 القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية
والذي أصبح نافذاً اعتبارا من 7 يوليو سنة 1977 ونص في المادة (30) منه على أن
تستمر قائمة التنظيمات الثلاثة الحالية وهي:
1 - حزب مصر العربي الاشتراكي
2 - حزب الأحرار الاشتراكيين 3 -حزب التجمع الوطني التقدمي....
ونصت المادة الأولى منه
على أن للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب
سياسي وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون، ونصت المادة الثانية على تعريف الحزب
السياسي بأنه "كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ
وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق
بالشئون الاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات
الحكم" وحددت المادة الثالثة دور الأحزاب السياسية بالنص على أن "تسهم
الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقاً لأحكام القانون في تحقيق التقدم السياسي
والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة
والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين
وذلك كله على الوجه المبين بالدستور، وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية
وشعبية وديمقراطية على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسياً، وفصل القانون المذكور
الأحكام الخاصة بشروط تأسيس الأحزاب السياسية واستمرارها وانقضائها، وأنشأ لجنة
خاصة لشئون الأحزاب تقدم إليها طلبات تأسيس الأحزاب، ولها حق الاعتراض عليها بقرار
مسبب، إذا كان قيامها يتعارض مع أحكام القانون.
وفي 11 إبريل سنة 1979
نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 1979 بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء حيث تضمن
الموضوعات المحدد طرحها للاستفتاء الشعبي ومنها ما ورد تحت البند ثانياً الخاص
بإعادة تنظيم الدولة على الأسس التالية تدعيماً للديمقراطية 1 - .......... 2 -
إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية..." وبعد موافقة الشعب على ما طرح في
الاستفتاء فقد تم تعديل المادة (5) من الدستور على مقتضى نتيجة الاستفتاء الذي تم
في 22 مايو 1980 فأصبح نصها يجري على الوجه الآتي:
"النظام السياسي في
جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ
الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية".
ومن حيث إنه يبين من
العرض المتقدم أن أحكام القانون رقم (40) لسنة 1977 قد صدرت في ظل ما قررته أحكام
الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها دستور سنة 71 من حق المصريين في تكوين الجمعيات
بما يشمل الجمعيات السياسية أو الأحزاب - بشرط ألا تكون معادية لنظام المجتمع أو
تقوم على تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، وبناء على الحريات العامة المقررة في هذه
الدساتير، ومنها ذات الدستور الحالي والتي تقضي صراحة بحرية الرأي والتعبير بكل
وسائل النشر العلنية عن الرأي، وحق الاجتماع والتظاهر وسير المواكب الجماهيرية
السلمية في إطار القانون، وفي إطار عدم وجود حظر في الدستور ذاته لوجود تنظيم
سياسي أو حزب سياسي بناء على هذا الحق المكفول للمصريين بجانب الاتحاد الاشتراكي
الذي لم ينص ذات الدستور على كونه التنظيم السياسي الوحيد دستورياً وأن قيام
الأحزاب بناءاً على كونها حق عام للمصريين كان معلقاً على إزالة الحظر القانوني
الذي فرض انفراد الاتحاد الاشتراكي بالساحة السياسية، وفور صدور القانون الذي ينظم
كيفية قيام الأحزاب كجماعات سياسية إعمالاً لنص المادة (55) من الدستور، وليس في
تعديل أحكام الدستور التي أقامت النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب جديد في شأن
إطلاق حرية كل من الأحزاب السياسية الانتماء إليها دستورياً بل إن ذلك مجرد تأكيد
لهذا الحق الدستوري للمصريين وإن صدرت صريحة هذه الأحكام في تاريخ لاحق على صدور
قانون الأحزاب تحقيقاً للإرادة الشعبية التي أفصحت عنها جموع الشعب في الاستفتاء
على القانون رقم (2) لسنة 1977 في شأن تعدد الأحزاب السياسية وإطلاق حرية تكوينها،
ولا يعدو النص عليها أن تكون تسجيلاً لهذه الإرادة فيما سبق أن أفصحت عنه في
الاستفتاء المشار إليه والتي أقرت ضمناً قيام الأحزاب التي كانت قائمة من قبل
صدوره منابر وهي "حزب مصر الاشتراكي العربي" الحزب الوطني الديمقراطي
"وحزب الأحرار الاشتراكيين" "وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي"
وفي ضوء هذه الأحكام التي لم يضف إليها تعديل الدستور على الوجه المتقدم ذكره إلا
أنه لم يعد ممكناً قانوناً أن يقوم النظام السياسي المصري على نظام الحزب السياسي
الواحد، أو التنظيم السياسي الواحد، ولم يعد ممكناً للمشرع العادي أن يحظر قيام
الأحزاب أو يجعل حزب واحد بديلاً لها، وبذلك فإن تعدد الأحزاب وحرية تكوينها أو
الانتماء إليها يكون هو الأصل العام الدستوري الذي يتلاءم صدقاً وحقاً مع النظام
الديمقراطي الذي تأخذ به جمهورية مصر العربية وليس فقط لأن ذلك تنفيذاً لأحكام
المادة الخامسة من الدستور بعد تعديلها بل لأن ذلك أصلاً حق متفرع على حق تكوين
الجمعيات والحزب السياسي جمعية سياسية وبناء على ما نص عليه الدستور في المادة
(47) من حرية الرأي والعقيدة وفي المادة (48) من حرية التعبير في جميع وسائل
الإعلام والنشر، وتعد فرعاً من حق المساهمة في الحياة العامة التي نصت عليها
المادة (62) في الدستور واعتبرتها واجباً وطنياً ونتيجة طبيعية لحق التظاهر وتسيير
المواكب العامة تعبيراً عن الرأي السياسي، بل إن وجود الأحزاب وتعددها يعد في ذاته
ضرورة نظام لاتصاله أوثق الصلة بسير المؤسسات الدستورية وطريقة اضطلاعها
بالاختصاصات المقررة لها بمقتضى الدستور والقانون فرغم أن قانون الأحزاب السياسية
قد صدر قبل تعديل الدستور، والنص صراحة في المادة (5) بعد تعديلها على التعددية
الحزبية كأساس للنظام السياسي فإن واضعي القانون المشار إليه أقاموه على أساس
أحكام من الدستور بحق وقد ارتكنوا - كما هو ظاهر من تقرير اللجنة التشريعية ومن
مذكرته الإيضاحية - إلى النصوص الصريحة التي تقرر الحقوق والحريات العامة المقررة
بالدستور ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية وحق الاجتماع وحق تكوين الجمعيات
باعتبار أن تكون الأحزاب يعد حقاً دستورياً متفرعاً عنها مترتباً عليها، استناداً
إلى النظم الديمقراطية التي تقوم على أساس سليم بقيام الأحزاب السياسية باعتبارها
ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص
الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها وهذا ما ذهبت إليه كذلك
المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 44 لسنة 7 ق.
ومن حيث إن القانون رقم
40 لسنة 1977 في شأن نظام الأحزاب السياسية قد نظم الأحكام الخاصة بشروط تأسيس
الأحزاب السياسية واستمرارها وحلها وطريقة وصولها كحزب سياسي إلى الساحة السياسية
وذلك بعد تحديد الأسس والمبادئ الأساسية لتنظيم الأحزاب السياسية التي تبناها
المشرع حسبما هو ثابت من تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب والمذكرة الإيضاحية
التي وضعت عن المشروع وباعتبار أن الأحزاب السياسية تعد ركناً جوهرياً لقيام
الحياة الديمقراطية الصحيحة وهي هدف أساسي من الأهداف الستة لثورة 23 يوليو سنة
1952 "فوجود الأحزاب المتعددة البرامج والاتجاهات يحقق في الحياة السياسية
المزايا الآتية:
(أولاً) تشجيع التجمع
الإنساني بكل صوره لتحقيق أهداف مشتركة وبصفة خاصة التجمع السياسي... إلخ.
(ثانياً) إعطاء فرصة
للمواطنين لاختيار برامج متعددة لأحزاب متنافسة على تحقيق آمالها... إلخ.
(ثالثاً) الحيلولة دون
طغيان الحكومة وتحكمها واستبدادها لخضوعها لرقابة واعية ويقظة من أحزاب المعارضة.
(رابعاً) تحديد المسئولية
الأساسية للحكومات المتعاقبة أمام مجلس الشعب حيث تكون كل حكومة مسئولة مسئولية
سياسية أمام الشعب والحزب الذي تنتمي إليه عما نفذته من أعمال وسياسات خلال فترة
توليها الحكم أمام الشعب، ويكون للشعب تجديد الثقة بالحزب الذي شكلت منه أو عدم
تجديدها في الانتخابات العامة على ضوء ما حققته تلك الحكومة من سياسات وما التزمت
به من رعاية مصالح الشعب العامة.
(خامساً) حماية السلام
الاجتماعي بكفالة الانتقال الشرعي والسلمي بالطريق الديمقراطي للسلطة إلى الحكومة
والبرلمان المشكلين من الحزب الذي يحوز ثقة الجماهير.. إلخ. وقد تضمن تقرير اللجنة
إنه من المسلم به كثرة العيوب من تعدد الأحزاب السياسية "إذا ما ترك إنشاؤها
وممارستها لنشاطها بلا ضوابط ولا قواعد مما يؤدي إلى إضرارها بالحياة الديمقراطية
الصحيحة بل وإجهاض هذه الديمقراطية ومن العيوب المسلم بها في هذا الصدد:
(أولاً) التعدد غير
الجدي.... إلخ.
(ثانياً) تهديد الوحدة
الوطنية.. إلخ".
وقد أورد تقرير اللجنة
المبادئ الأساسية الجوهرية التي قام عليها القانون رقم (40) لسنة 1977 والذي صيغت
أحكامه تحقيقاً لها منها.
(ثالثاً) مبدأ جدية تكوين
الأحزاب السياسية وذكرت اللجنة في تقريرها أن المقصود بذلك أن يكون قيام الحزب
جدياً وممثلاً في اتجاه شعبي جدي وواقعي وليس مجرد وجود صوري لا يعبر إلا عن
مؤسسيه ودون أن تكون له قاعدة جماهيرية واضحة ودون أن يكون لوجوده إضافة جدية
للعمل السياسي، وقد تضمن المشروع الأحكام المتفرعة على هذا المبدأ متمثلة في ما
يلي:
1 - ضرورة تميز الحزب تميزاً
جوهرياً عن برامج الأحزاب القائمة وقت الإخطار عن تأسيس الحزب... أي أنه لا يشترط
التميز في مبادئ وأهداف الحزب وذلك بقصد التيسير في شروط نشوء الأحزاب وذلك اكتفاء
بتميز البرامج الخاصة بها لما في التزامها الوطني جميعها من تقيد بالمبادئ
والأهداف العامة السالف ذكرها.
(رابعاً) حرية تكوين
الأحزاب السياسية ويعني ذلك حرية أية جماعة سياسية منظمة في نطاق الجدية التي
راعاها المشرع والشروط التي قررها في تأسيس أي حزب سياسي وأن يتم هذا التأسيس عن
طريق الإخطار المقيد وليس عن طريق الترخيص وعدم تقييد نشوء الأحزاب في نصوص
المشروع بأي عدد ما دامت يتوفر فيها الشروط الواردة في المشروع وقد تقررت هذه
القواعد على النحو التالي في مواده... إلخ وبناء على هذه المبادئ والأسس التي
أقامت بناء عليها اللجنة أحكام قانون الأحزاب السياسية فقد نصت المادة الرابعة منه
على أنه "يشترط لتكوين أو استمرار أي حزب سياسي ما يلي:-
أولاً: عدم تعارض مقومات
الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع:
1 - مبادئ الشريعة الإسلامية
باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع. 2 - مبادئ ثورتي 23 يوليو 1952 و 15 مايو سنة
1971. 3 - الحفاظ على الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والنظام الاشتراكي
الديمقراطي، والمكاسب الاشتراكية.
ثانياً: تميز برنامج الحزب
وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.
ثالثاً: عدم قيام الحزب
في مبادئه، أو برامجه، أو في مباشرة نشاطه، أو اختيار قياداته أو أعضائه على أساس
يتعارض مع أحكام القانون رقم (33) لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام
الاجتماعي.
رابعاً: عدم انطواء الحزب
على إقامة أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية:
خامساً:......
سادساً........ سابعاً....... ثامناً..... تاسعاً.......
ونصت المادة السابعة على
أنه "يجب تقديم إخطار كتابي إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية المنصوص
عليها في المادة التالية عن تأسيس الحزب موقعاً عليه من خمسين عضواً من أعضائه
المؤسسين ومصدقاً رسمياً على توقيعاتهم على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال
والفلاحين وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب".
كما نصت المادة الثامنة
على أن "تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسية على النحو التالي:
1 - رئيس مجلس الشورى رئيساً
2 - وزير العدل 3 - وزير الداخلية 4 - وزير الدولة لشئون مجلس الشعب 5 - ثلاثة من
غير المنتمين إلى أي حزب سياسي أو من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو
نوابهم أو وكلائهم...
وتختص اللجنة بالنظر في المسائل
المنصوص عليها في هذا القانون، وبفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقاً
لأحكامه....
وللجنة في سبيل مباشرة
اختصاصاتها طلب المستندات والأوراق والبيانات والإيضاحات التي ترى لزومها من ذوي
الشأن في المواعيد التي تحددها لذلك، ولها أن تطلب أية مستندات أو - أوراق أو
بيانات أو معلومات من أية جهة رسمية أو عامة، وأن تجري ما تراه من البحوث بنفسها
أو - بلجنة فرعية منها وأن تكلف من تراه من الجهات الرسمية بإجراء أي تحقيق أو بحث
أو دراسة لازمة للتوصل إلى الحقيقة فيما هو معروض عليها"
ويجب أن يصدر قرار اللجنة
بالموافقة على تأسيس الحزب مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن".
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم
من نصوص قانون الأحزاب أن مهمة اللجنة وسلطاتها إزاء الأحزاب المزمع تأسيسها تتحدد
في ضوء المبادئ الدستورية والقانونية سالفة البيان التي قررت أن تكوين الأحزاب حق
عام للمصريين، ولهم حرية تكوين الأحزاب والانتماء إليها، بحيث جعل الشارع مسئولية
كل جماعة في تكوين الحزب السياسي الذي ترتضيه منحصرة في التقدم بإخطار للجنة
المذكورة وهي في طريق مرورها الطبيعي إلى ممارسة مهامها على الساحة السياسية، كما
جعل مهمة اللجنة منحصرة في بحث أوراق الحزب وهو تحت التأسيس والتأكد من مدى توافر
الشروط التي حددها الدستور والتي ورد تفصيلها في القانون في حقه وعليها في هذه
الحالة ترك سبيل مسيرته السياسية الطبيعية نحو أهدافه التي حددها برنامجه الذي
تتوافر فيه الشروط الواردة في القانون وعلى اللجنة الاعتراض على قيام الحزب
قانوناً إذا ما تخلف في حقه شرط أو أكثر من الشروط التي اقتضاها الدستور والقانون،
وفي هذه الحالة فإن عليها أن تصدر قرارها مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من
ذوي الشأن، وقد حتم المشرع سماع ذوي الشأن حرصاً على تحقيق دفاعهم وإيضاح مواقفهم
وتوجيهاتهم أمام اللجنة لتبصيرها بأهداف وأغراض مؤسسي الحزب وبرامجه كما حرص على
تسبيب قرار اللجنة باعتبارها تتصرف في إطار سلطة مقيدة بنص الدستور وأحكام القانون
في مجال حرية من الحريات وحق من الحقوق العامة للمصريين الذي يعد أحد أركان النظام
العام الدستوري والسياسي للبلاد ويخضع ما تقرره اللجنة للرقابة القضائية من هذه
المحكمة التي شكلها المشرع بالتشكيل المتميز الذي يكفل لها إعمال هذه الرقابة على
مدى سلامة قرار اللجنة ومطابقته لأحكام الدستور والقانون.
ومن حيث إنه قد حرصت نصوص
القانون على تأكيد هذا المعنى عندما عبر المشرع في المادة السابعة عن الطلب المقدم
بتأسيس الحزب بأنه إخطار أي بلاغ عن نية جماعة منظمة في ممارسة حقوقها الدستورية
على الوجه الذي يكفله الدستور والقانون، وعبر عن سلطة اللجنة عند البت في إخطار
التأسيس بعبارة الاعتراض على تأسيس الحزب مستبعداً بحق عبارات الموافقة أو
الرفض... حريصاً على التأكيد على أن مهمة هذه اللجنة تقف عند حد فحص أوراق الحزب
والتحقق من توافر الشروط الواردة في الدستور والقانون أو الاعتراض عليها، وفي هذه
الحالة الأخيرة يتعين على اللجنة أن تصدر قرارها بالاعتراض مسبباً، فاللجنة تباشر
سلطة مقيدة لا يسمح لها أن تقف حائلاً في سبيل ولوج أي حزب إلى ميدان السياسة، إلا
إذا كان لديها من الأسباب الحقيقية والجوهرية وفقاً لما ورد بنص الدستور والقانون
بما يبرر - إعلاء للشرعية واحتراماً لأحكام الدستور والمصالح القومية العليا
السياسية والديمقراطية الشرعية للأمة - عدم السماح لمؤسسي الحزب بإقامته.
ومن حيث إن الثابت من
الأوراق أن لجنة الأحزاب السياسة قد أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب
المقدم من الطاعن بصفته بتأسيس حزب سياسي باسم حزب الشعب الديمقراطي وقد أقامت
قرارها بالاعتراض على أنه لئن كان الحزب لا يتعارض في مبادئه وأهدافه مع ما أوردته
المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية في بندها الأول من أمور حاكمة، إلا أن
ما أورده الحزب في شأن إطارات السياسات العامة لبرنامجه قد تضمن أموراً شتى جاءت
كلها في أقوال عامة وعبارات مرسلة، فأصبحت أقرب ما تكون إلى الشعارات منها إلى
سياسات محددة، وأن برامج الحزب التي ساقها تماثل كثيراً ما ورد في برامج الأحزاب
القائمة وليس فيها من جديد يميزها عن الأحزاب الأخرى مما يفقد الحزب شرط التميز
الظاهر، ويجعله مفتقراً إلى التحديد مغرقاً في الخيال والأوهام التي تستعصي على
التطبيق العملي الأمر الذي يعد مخالفاً لحكم المادة الثانية من القانون المشار
إليه.
ومن حيث إنه من بين
الشروط والضوابط التي أوردها القانون رقم (40) لسنة 1977 لتأسيس الأحزاب السياسية
أو استمرارها ما ورد بالبند (ثانياً) من المادة الرابعة التي تشترط لتأسيس الحزب
أو استمراره "تميز برامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج
تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى".
ومن حيث إنه لا شك أنه
يتعين توافر هذا الشرط في كل حزب ضماناً للجدية التي تمثل مبدأ أساسياً من النظام
العام السياسي والدستوري في تطبيق مبدأ تعدد الأحزاب السياسية وفقاً لأحكام
الدستور وقانون تنظيم الأحزاب السياسية سالفة الذكر، وحتى يكون للحزب قاعدة
جماهيرية حقيقية للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى وذلك حتى
يكون للتعدد الحزبي جدوى سياسية محققة للصالح القومي بما تحققه من إثراء للعمل الوطني
ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون
السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وتوسيعاً لنطاق المفاضلة بين الأحزاب
السياسية أمامهم واختيار أصلح الأحزاب التي تتبنى أصلح الحلول وأنسبها لتحقيق
المصالح العامة للشعب.
ومن حيث إن القرار
المطعون فيه، وقد أقام اعتراضه على تأسيس الحزب على أساس تخلف شرط التميز الظاهر،
ومن ثم فإنه يتعين استناداً إلى أحكامه الدستور وقانون الأحزاب السياسية وأعماله
التنفيذية وضع معيار لتحديد هذا التميز الظاهر مانعاً من دخول صور أخرى غيره...
مستبعداً للخلط بين
التميز الظاهر عن الأحزاب الأخرى، وبين الاختلاف والتعارض الكامل مع كل منها.
ومن حيث إنه يبين من
التطور الدستوري والتشريعي لنظام الأحزاب السياسية في مصر ودور الأحزاب السياسية
في ساحة العمل السياسي ومسئوليتها الدستورية والقانونية والسياسية نحو تعميق
المفاهيم الديمقراطية ورعاية مصالح الجماهيرية لا باعتبارها حقاً يكفل الدستور
والقانون ممارسته فحسب بل باعتباره واجباً وطنياً يتعين عليها القيام به في أكثر
المجالات أهمية لاتصاله بمبدأ السيادة الشعبية أن الأحزاب السياسية القائمة منها
والتي تطلب التأسيس تلتزم أساساً باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع
المصري المنصوص عليها في الدستور والتي نظمها في الباب الثاني منه ممثلة في
المقومات الاجتماعية والخلقية الواردة في الفصل الأول، والمقومات الاقتصادية
الواردة في الفصل الثاني من الباب المذكور، وتلتزم تلك الأحزاب بألا تتعارض في
مقوماتها أو مبادئها، أو أهدافها أو برامجها أو سياستها أو أساليب ممارستها
لنشاطها مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، ومبادئ
ثورتي 23 يوليو، و15 مايو سنة 1971، كما تلتزم بالحفاظ على الوحدة الوطنية، والسلام
الاجتماعي، والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية على النحو المنصوص
عليه في القانون رقم (40) لسنة 1977 المشار إليه، ومقتضى ذلك أن الدستور ومن بعده
القانون قد تطلبا لزاماً اتفاق الأحزاب القائمة منها والتي تطلب التأسيس في أمور
غير مسموح في شأنها بالاختلاف أو التميز دستوراً وقانوناً سواء في المبادئ
والمقومات أو في الأساليب والسياسات، ومن ثم فإن دائرة التميز المطلوب كشرط لتأسيس
الحزب المزمع قيامه سوف يكون دائماً خارج إطار تلك المبادئ والأهداف، الأمر الذي
يؤدي إلى أن التماثل الذي قد يقترب من التطابق مفترض حتماً في تلك المبادئ
والأهداف الأساسية التي تقوم عليها الأحزاب، ومع ذلك فإن عدم التميز أو التباين في
هذا المجال الوطني والقومي لا يمكن أن يكون حائلاً دون تأسيس أي حزب، كذلك فإن
التميز المطلوب قانوناً في حكم الفقرة الثانية من المادة الرابعة المشار إليه لا
يمكن أن يكون مقصوداً الانفصال التام في برامج الحزب وأساليبه وسياساته عن برامج
وأساليب الأحزاب الأخرى جميعها، فليس في عبارة النص المشار إليه، أو دلالته أو
مقتضاه، ما يوحي بأن التميز يجب أن ينظر إليه بالمقارنة بما ورد ببرامج وسياسات
الأحزاب الأخرى جميعها، ذلك أن الأخذ بمنطق هذا التفسير إلى منتهاه يفرض قيداً هو
أقرب إلى تحريم تكوين أي حزب جديد ومصادرة حقه في ممارسة الحياة السياسية منه إلى
تنظيم هذا الحق - كما أن الأخذ بهذا النظر يفرض أن هذه الأحزاب تمثل حزباً أو
تنظيماً واحداً بحيث يجب أن يتميز عن الحزب طالب التأسيس، وهو ما يتعارض مع مبدأ
التعدد الحزبي الذي يقوم عليه النظام السياسي وفقاً لصريح نص الدستور.
ومن ثم فليس المطلوب في
التميز لبرنامج الحزب وسياساته أن يكون هناك تناقض واختلاف وتباين تام وكامل بينه
وبين جميع الأحزاب الأخرى، بل إن هذا التميز يظل قائماً ومنتجاً لآثاره القانونية
والدستورية ولو وجدت بعض أوجه التشابه بين برامجه أو أساليبه أو اتجاهاته مع
الأحزاب الأخرى، فذلك أمر منطقي وطبيعي مرده إلى أن جميع الأحزاب تخضع لحكم عام
واحد يمثل جانباً من النظام العام السياسي والدستوري للبلاد يلزمهم جميعاً وفقاً
للمبدأ الأساسي لوطنية الأحزاب، بالمقومات الأساسية للمجتمع المصري التي تواضعت
عليها الإرادة الشعبية واكتسبتها، وتمسكت بها من خلال تجاربها عبر العصور التي
انصهرت في بوتقة التاريخ وكونت لها شخصيتها المصرية المتميزة المتعارف عليها بين
الدول فكل حزب - إذا كان مصرياً - لابد أن يحمل على كاهله - وهو يعد برامجه
وسياساته - تراث آلاف السنين وتجارب المصريين في صراعهم المستمر في سبيل الحياة
وفي سبيل الحرية والتقدم وبناء مجتمع متطور يتمتع بالقوة والرفاهية وهذه التجارب
والقيم الناتجة عنها قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الشخصية المصرية عند التعامل مع
الأحداث والنوازل.... ووضع الحلول اللازمة للمشاكل التي يواجهها المجتمع مما يفرض
فوراً وحتمياً عديداً من أوجه الشبه بين جميع الأحزاب المصرية حتى في وضعها
للسياسات والبرامج الخاصة بكل منها وتنظيم مباشرة جهدها وقدرتها على مواجهة المشاكل،
دون أن ينفي ذلك عن كل حزب شخصيته المتميزة التي تشكل منه إضافة لا تتكرر للحياة
السياسية المصرية.
ومن ثم فإن التميز يكمن -
صدقاً وحقاً - في تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي
ترد في برامج الحزب وأساليبه وسياساته التي ارتضاها لنفسه ليكون ملامح شخصية حزبية
متميزة - وتعبر عن توجه فكري مميز في مواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لها
بين البدائل المتعددة في ظروف الحياة الواقعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية
للمواطنين المصريين ينفرد به على باقي الأحزاب.. ويعرف به بينها بحيث لا يكون نسخة
ثانية مقلدة من البرامج والسياسات التي يتبناها ويتميز بها حزب قائم بالفعل أو
صورة مطابقة له، فالمحظور هو التطابق التام بين الحزب تحت التأسيس وأي من الأحزاب
القائمة، إذ أن السماح لمثل هذا الحزب الذي يطابق غيره بالظهور على الساحة
السياسية لا يشكل أية جدوى أو إضافة جديدة تثري العمل الوطني - وبناء على ما سلف
جميعه فإن التميز بهذه المثابة يختلف عن الانفراد وعن الامتياز والأفضلية عن باقي
الأحزاب، فالتميز الظاهر وهو مناط ومبرر شرعية وجود حزب جديد - لو توفرت باقي
الشروط التي حتم توفرها الدستور والقانون - يعني ظهور ملامح الشخصية المتميزة
للحزب تحت التأسيس وتفردها على باقي الأحزاب الأخرى، بينما الإنفراد يعني عدم
تماثل أي أمر من أمور الحزب تحت التأسيس مع أي من الأحزاب القائمة وهو أمر يستحيل
في ظل الدستور وقانون الأحزاب الحاليين وذلك لأن الأهداف والغايات الأساسية
للمجتمع والأسس التي تمثل النظام العام الدستوري المصري يلتزم بها أي حزب وتنعكس
بالتالي هذه الوحدة في النظام الجوهري للأسس المبدئية لأي من الأحزاب المصرية على
أية برامج أو سياسات تصبها بما يحتم توفر قدر من الشبه أو التماثل في بعض هذه
البرامج والسياسات دون بلوغ درجة التطابق أو الشبه والتماثل الكامل أو شبه الكامل
الذي يفقد معه الحزب تحت التأسيس شخصيته المميزة، والتميز الظاهر الذي يبرر جدوى
وجدية أهدافه وغاياته ويبرر وجوده في الحياة الدستورية والسياسية المصرية - ولما
كان الامتياز والأفضلية لحزب على غيره إنما تقوم على مدى قدرة الحزب على تحقيق
برامجه وسياسته، وأن ينقل أفكاره من دائرة العقل والشعور إلى ميدان التطبيق
الواقعي في حياة أعضائه وغيرهم من المواطنين بأبسط السبل وأيسرها، والامتياز بهذا
المعنى يدخل في نطاق الرقابة على الممارسة والأداء ويخرج عن نطاق الرقابة في
النشوء المبتدأ الذي يقتصر على توفر الجدية والجدوى من برامج وسياسات الحزب
المتميزة ظاهرياً، فالامتياز يدخل في نطاق الرقابة الشعبية التي يكون لها وحدها
الحق في المفاضلة بين الأحزاب القائمة لترى أيها أقدر سياسياً وحزبياً وأهدى
سبيلاً إلى تحقيق آمالها وأحلامها على أرض الواقع، ومن ثم يخرج عن نطاق الرقابة
على تأسيس الحزب السياسي مهمة التأكد من مدى قدرة الحزب طالب التأسيس على الامتياز
على غيره في نشاطه وممارسته في الساحة السياسية الحزبية لتحقيق البرامج التي
يطرحها بنجاح، فكل برنامج قابل للنجاح أو الفشل بدرجات متباينة، ولا يمكن أن يتأكد
ذلك إلا في ساحة العمل والممارسة الحزبية والنضال السياسي - ومن ثم يكفي ليكون
الحزب جاداً فيما قدمه من برامج أن تكون جدية ومتميزة وبها عناصر متعددة جديدة،
ويتحقق ذلك بأن تكون الأساليب التي أوردها الحزب بحسب الثابت في عيون الأوراق لتحقيق
سياسات وبرامج منطقية وممكنه عقلاً ومؤدية بطريقة معقولة وواقعية إلى النتائج التي
انتهى إليها ولا يكفي لطرح الثقة بهذه البرامج الادعاء بأنها مغرقة في الخيالات
والأوهام، ما دام الحزب قد قدم في الأوراق تصوراً محدداً للخطوات المنطقية
والعملية التي يجدها مؤدية لتحقيق برامجه، ما لم يتأكد فنياً وعلى أساس علمي
ومنطقي دحض هذه الآراء واستحالة تنفيذها بناء على ما تقرره لجان أو جهات الخبرة
على سند علمي وفني سليم تفقد مزاعم الحزب تحت التأسيس وتكشف زيف توقعاته وضحالة
أفكاره، ويجعل منه حزباً غير جاد في رعاية مصالح الجماهير مستهيناً بعقلها
ومستهزئاً بذكائها، فإذا لم يتوافر للجنة المختصة السند العلمي والفني لعدم
معقولية وعدم إمكان تحقيق أفكار أو سياسات وبرامج الحزب تحت التأسيس وجب عليها أن
تسمح بمشاركته في حلبة الصراع السياسي حيث الأمر يومئذ مرجعه للشعب حيث يحكم عليه
الشعب مع غيره من الأحزاب بفطرته وبذكائه وقدراته السياسية والطبيعية - فيرتفع في
ميدان السياسة الوطنية حزب وتنزوي أحزاب أخرى وفق ما يقدمه كل منها بصدق وإيمان
لمصر وللمصريين من برامج وأفكار وقدرة على التحقيق والتنفيذ في رعاية مصالح
الجماهير وتعميق مفاهيم الديمقراطية، ومن ثم فإن المبادئ الأساسية التي قررتها
نصوص الدستور وقانون الأحزاب السياسية تحتم تحقيقاً للنظام العام الدستوري
والسياسي والديمقراطي أن لا توصد الأبواب أمام أي حزب تحت التأسيس يكون له تميز
ظاهر في برامجه أو سياساته يجعله أهلاً في المشاركة في حل مشاكل الجماهير ورفع
المعاناة عنها.
ومن حيث إن المادة (4) من
القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانونين رقمي
36 لسنة 1979، 144 لسنة 1980 قد تضمنت الشروط التي يلزم توافرها لتأسيس الحزب
ابتداء وكذلك لاستمرار بقائه، وقد ثار الخلاف حول مدى توافر الشروط المنصوص عليها
بتلك المادة في الحزب طالب التأسيس فيقوم اعتراض اللجنة المشكلة، بالتطبيق لحكم
المادة (8) من القانون المشار إليه على تأسيس الحزب على أنه لا تتوافر فيه الشروط
المتطلبة في البند ( أ ) من أولاً في المادة (4) من القانون كما أنه مخالف لحكم
الفقرات ثانياً وثالثاً وخامساً من المادة (4) المشار إليها، بينما يؤكد وكيل
المؤسسين على أن اعتراض اللجنة لا يقوم على أساس صحيح من الواقع أو القانون.
ومن حيث إن القرار
المطعون فيه الصادر من لجنة الأحزاب بالاعتراض على تأسيس "الحزب الاشتراكي
المصري" قد أقام اعتراضه - طبقاً لما ورد في أسباب القرار - على ما استبان
للجنة من أن الحزب قد أورد مبادئه وأهدافه في صورة أفكار عامة دون تحديد أو إيضاح
لأسلوبه في العمل على تحقيقها أو وسائل تنفيذها، فضلاً عن أنه أفرغ برنامجه في
عبارات مرسلة أقرب ما تكون إلى الشعارات، جاء بعضها تجميع لاقتباسات مسبوقة من
برامج الأحزاب السياسية القائمة وبعضها الآخر لا يعدو أن يكون رؤوس موضوعات لأمور
قائمة فافتقد البرنامج بذلك شرط التميز الظاهر عن برنامج الأحزاب الأخرى، كما جاء
مفتقراً إلى التجديد الواجب توافره في برامج الحزب طبقاً للمفهوم الذي عناه الشارع
في البند ثانياً من المادة (4) من القانون رقم 1977 بنظام الأحزاب السياسية.
ومن حيث إنه يتعين
الإشارة - ابتداء إلى أن الأحزاب السياسية القائمة منها والتي تطلب التأسيس تلتزم
أساساً باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في
الدستور طبقاً لحكم المادة (5) منه.
ومن حيث إنه يبين مما سبق
أن الدستور ومن بعده القانون رقم 40 لسنة 1977 قد تطلبا حتماً اتفاق الأحزاب
القائمة وتلك التي تطلب التأسيس في الأمور القومية العامة غير المسموح في شأنها
بالاختلاف "دستورياً وقانونياً" الأمر الذي يضيق معه مجال التميز
المتطلب كشرط لتأسيس الحزب، فالتميز الضرورة لا يكون جائزاً إلا في غير تلك الأمور
التي تمثل النظام العام الدستوري السياسي والاقتصادي والاجتماعي للوطن مما يعد
مجالاً للعمل السياسي المسموح به للأحزاب، ومن ثم فإن التماثل والتطابق مفترض
حتماً في المقومات الأساسية التي تقوم عليها الأحزاب، كما أن هذا التطابق مفترض -
حتى بالنسبة للبرامج والسياسات - لتقيدها حتماً بالمبادئ والمقومات الأساسية
للمجتمع التي أشار إليها الدستور، وأكدتها المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة
1977، ومن ثم فإن التميز المطلوب في حكم الفقرة (ثانياً) من هذه المادة هو التميز
في برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى، وبالتالي
فإنه وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة يتعين التسليم بأن هذا التميز الظاهر
يتحقق إذا توفر للحزب طالب التأسيس خطة - مستقبلية تأخذ بين الجماعة - طبقاً
لإمكانياتها الواقعية لتحقيق مطالبها الملحة والعامة وفقاً لما تتوجه إليه مطالبها
سواء بتكثيف وحشد هذه الإمكانيات أو ترشيد استخدامها أو ابتداع الوسائل الممكنة
لتكريسها وتهيئتها لتحقيق أهداف الحزب بما يحقق آمال الجماهير ومطالبها وذلك طبقاً
لبرامج وأساليب محددة تؤدي بطريقة منطقية ومعقولة إلى النتائج التي انتهت إليها
ولا تتعارض إمكانية تحقيقها بصفة حتمية وظاهرة وقاطعة مع الناحية العلمية والفنية
أو مع الغايات التي تستهدف تحقيقها، فإذا كانت برامج الحزب المخصصة لتحقيق أهدافه
تضع خطة منطقية ومتميزة عما ورد في باقي الأحزاب الأخرى من خطط وبرامج على نحو
يمكن معه استجلاء سمات الشخصية الحزبية ومنطلقاتها الفكرية المتميزة في معالجة
مشاكل المواطنين، فقد توافر لها مقومات الحزب السياسي الذي يسوغ له الانطلاق نحو
ساحة النضال السياسي ويخرج بذلك من نطاق الرقابة القضائية إلى نطاق الرقابة
الشعبية التي تتنافس تحت إشرافها ورقابتها الأحزاب السياسية المختلفة لترى أيها
أهدى وأقوم سبيلاً والأكثر جدية وفاعلية إلى تحقيق مصالحها وأهدافها، أما إذا كان
الحزب مفتقراً أصلاً إلى تحديد هذه الخطط والبرامج المتميزة من غيره من الأحزاب
والتي تحقق بطريقة سائغة ومقبولة أهدافه أو كانت في أغلبيتها ترديداً لما لدى
الأحزاب من برامج أو نقلاً لما لأحد الأنظمة السياسية أو الاقتصادية القائمة
بالفعل فإن الحزب يكون فاقد لشرط التميز الظاهر بالمفهوم الذي عناه الشارع في
المادة الرابعة من قانون الأحزاب وامتنع عليه مشروعية اللحاق بالأحزاب السياسية
القائمة في حلبة المنافسة السياسية لعدم جدواه من الناحية السياسية والحزبية
لفقدانه الأسس اللازمة لإضافة جديد إلى الحياة السياسية والدستورية والحزبية
للبلاد.
ومن حيث إنه بالاطلاع على
برنامج الحزب تحت التأسيس المودع بالأوراق يبين أنه قد حرص على إبراز أوجه التميز
التي يرى أنه ينفرد بها على غيره من الأحزاب وتتصل فيما يلي:
1 - تحقيق اللامركزية في
إدارة شئون البلاد من خلال إيجاد حكم محلي يباشر فيه المواطنون إدارة شئونهم
بأنفسهم لتتفرغ الحكومة المركزية لرسم السياسات العامة.
2 - إنشاء القضاء الشعبي في
الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء المصالحات بما يخفف العبء على القضاء ليتفرغ
للقضايا الكبيرة ويتحقق العدل السريع لأصحابه.
3 - تحديد هدف استراتيجي قومي
لإنتاج رغيف مصري 100% وذلك بإنشاء بنك القمح تشارك في إنشائه الملكيات الكبيرة
والصغيرة وجمعيات استصلاح الأراضي.
4 - سيطرة الدولة الكاملة على
بنوك القطاع الخاص من خلال البنك المركزي ووضع النظم المالية والمحاسبية التي تمنع
تهريب الأموال عن طريق هذه البنوك على نحو ما حدث في شركات توظيف الأموال.
5 - الحد من سياسة البناء من
أجل التمليك لخروجه على قدرة الأغلبية من المحتاجين للسكن وقصر البناء من أجل
التمليك على الدولة، ومنع التأجير المفروش لحماية القيم والأخلاق والحد من الإرهاب.
6 - حظر ممارسة العلم الحزبي
في النقابات العمالية والمهنية ويقتصر دورها على الرعاية الاجتماعية والثقافية
لأعضائها.
7 - عدم استغلال الدين في
العمل السياسي والحزبي.
ومن حيث إنه يبين من
الإيضاحات التي قدمها الحزب شرحاً لها أنها لا تتضمن جديداً يمكن أن يتميز به عن
برامج الأحزاب الأخرى، ولا تعدو أن تكون اختياراً لأحد الأنظمة القائمة بالفعل
والتي تزخر بها مراجع الأنظمة السياسية، اقتباساً للتجارب التي مرت بها بعض الدول
الأخرى، أو تأكيداً لما هو قائم ومعمول به بالفعل من مبادئ وسياسات، فاختيار الحزب
لنظام اللامركزية الإدارية - إذا ما أخذ ذلك في إطار ما يبيحه الدستور في هذا
الشأن ولو على سبيل الفرض الجدلي لا يقدم جديداً سواء في مصر أو في أغلب الدول
الموحدة حيث أثبتت التجربة فساد الأنظمة المركزية، وعدم قدرتها على مسايرة التطور
بعد أن تعقدت وظائف الدولة واتسعت رقعتها فإذا ما أضيف إلى ذلك أنه يبين من العرض
المقدم لبرنامج الحزب أنه يخلط بين مفهوم اللامركزية الإدارية الذي تحققه الإدارة
المحلية السليمة في الدول الموحدة والذي يأخذ به الدستور المصري في المادة (161)
منه، وباعتبار مصر أقدم دولة موحدة في تاريخ الإنسان وبين الحكم المحلي الذي يتبع
في الدول الاتحادية والتعاهدية بكافة صورها كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الكومنولث،
ويتضح ذلك من تأكيد برنامج الحزب على ضرورة إقامة حكم محلي حقيقي يتم تنفيذه من
خلال انتخابات المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية، بحسبان المحافظ هو الرئيس
السياسي والحاكم الفعلي للإقليم الذي يتعين اختياره بمعرفة مواطني الإقليم في أن
الدعوة إلى الأخذ بهذا النظام يتعارض مع ما أوجبته المادة الرابعة من قانون
الأحزاب السياسية من الالتزام بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وما
حظره البند سابعاً من عدم جواز قيام الحزب على أساس جغرافي ويشمل ذلك ليس فقط
تشكيل الحزب في نطاق جغرافي من إقليم الدولة ولكن دعوته إلى تفتيتها إلى ولايات أو
دويلات على أساس جغرافي كذلك.... وهما من الأمور الغير جائز في شأنها الاختلاف أو
التمايز بين الأحزاب السياسية باعتبارها من الأركان العامة للنظام العام السياسي
والحزبي والدستوري في مصر، ولا يزيل هذه المخالفة وهذا التعارض بين برنامج الحزب
في هذا الخصوص وقانون الأحزاب السياسية ما يعرضه الطاعن بصفته من حجج الصلاحية
وفوائد هذا النظام لمصر من وجهة نظر مؤسسي الحزب فمصر كدولة موحده منذ آلاف السنين
لا يتفق مع كيانها الوطني الواحد الدعوة إلى تجزئتها إلى دويلات أو ولايات... أما
الدعوة إلى إنشاء القضاء الشعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء
المصالحات بين مواطني هذه الأحياء فلا يعدو أن يكون اقتباساً لنظام قائم بالفعل في
مصر وفي بعض الدول، وقد نصت عليه المادة (170) من الدستور المصري بالنص على أن
يسهم الشعب في إقامة العدالة على الوجه وفي الحدود المبينة في القانون، وإذا كانت
القوانين القائمة في مصر قد أوضحت كيفية مساهمة الشعب في إقامة العدالة باشتراك
بعض الشخصيات العامة مع أعضاء الهيئات القضائية المتخصصة في بعض القضايا ذات
الصبغة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المتميزة كالقضايا التي تنظرها محكمة
القيم ومحكمة الأحزاب إلا أن الحزب المطلوب قيامه يستهدف انفراد الشخصيات العامة
غير المتخصصة بالقضاء في محاكم تعقد على مستوى الأحياء لفض المنازعات، فلم يبين
برنامج الحزب أسلوب تولي الشخصيات العامة مهمة الفصل في المنازعات كلها أو بعضها
بما لا يتعارض مع أحكام الدستور الذي خص السلطة القضائية وحدها بالفصل في
المنازعات وكفل لأعضائها من الضمانات المتعلقة بالاستقلال والحيدة والتأهيل
والخبرة ما يمكنهم من أداء رسالتهم في تحقيق العدالة للمواطنين في حيدة واستقلال
وبكفاءة، ولا شك أنه يتعارض مع النظام العام القضائي المصري أن يوجد نظام لفض
المنازعات لا يشترك فيه رجال السلطة القضائية وينفرد به أفراد عاديين من المواطنين
فإذا ما أضيف لذلك أنه لم يبين برنامج الحزب أنواع المنازعات التي يمكن فضها
بمعرفة أشخاص لا يتوفر لهم ما تحتمه المبادئ العامة للنظام القضائي المصري وفقاً
لأحكام الدستور والقانون وما جرى عليه العرف من الخبرة والحيدة والاستقلال بما
يمكنهم من فض المنازعات بما يحقق العدالة وما إذا كانت هي المنازعات التي تنشب
فيما بين أبناء الحي أو فيما بينهم وبين السلطات المحلية بالطعن فيما تصدره من
قرارات إدارية، حظر الدستور تحصينها من الطعن فيها قضاء، وخص مجلس الدولة وحده
بالفصل فيها طبقاً للمادة (172) من الدستور الأمر الذي يجعل من طرح هذه الأفكار
مجرد مقترحات تفتقر إلى الشرعية الدستورية والقانونية ولا يتوفر فيها الجدية
والتحديد، ولا يمكن اعتبارها برنامجاً متميزاً في حل مشاكل الجماهير.
ومن حيث إنه لا تخرج دعوة
الحزب إلى إنتاج رغيف كامل المصرية زراعة وصناعة بما يمكن من الاستغناء نهائياً عن
استيراد القمح، عن أن يكون مطلباً جماهيرياً تسعى إلى تحقيقه الأحزاب القائمة،
والأحزاب التي تطالب بالتوسع الزراعي أفقياً ورأسيا وزيادة إنتاج القمح على الوجه
الذي يغني البلاد عن استيراده وتنادي جميعها وتقدم تخطيطاً وآراء وحلولاً لتحقيق
هذه الزيادة في الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في غذاء الشعب وعلى قمته
القمح وذلك بينما برنامج الحزب محل الطعن قد اكتفى في بيان كيفية إنتاج رغيف مصري
بإنشاء بنك القمح لاستصلاح الأراضي اللازمة لزراعة القمح وإقراض الفلاحين ودون أن
يدرك أن تكثيف زراعة القمح بما يحقق أمانيه تتطلب خططاً وجهوداً لاستصلاح الأراضي
البور وزيادة الموارد المائية المحدودة والإمكانيات المالية والأيدي العاملة
والتنسيق بينها وجذبها وحشدها وتكريسها لإقامة هذا النوع من الزراعة، وهو أمر لم
يقم الحزب بدراسته ولم يقدم بأية خطة واضحة منطقية لتحقيق غايته ومطلبه لاسيما وأن
بنك الائتمان الزراعي قائم بالفعل ويلقى من الدولة كل دعم ويقدم للمزارعين كل
التيسيرات الممكنة، ومع ذلك فلم يتحقق لمصر الاكتفاء الذاتي في هذا المحصول، ولا
يكفي لتحقيق هذه الغاية مجرد تغيير تسميته أو إنشاء بنك جديد متخصص باسم محصول
القمح ما لم يتم تحديد السبل والوسائل التي تمكن هذا البنك المقترح من تحقيق دعواه
بناء على دراسة زراعية واقتصادية سليمة، الأمر الذي يجعل هذه الدعوة مجرد أمنية
وتسمية لا تتوفر لها الوسائل والبرامج الواقعية المتميزة لبلوغها.
ومن حيث إنه يدعو الحزب
إلى الحد من سياسة البناء من أجل التمليك وقصرها على ما تقوم الحكومة ببنائه في
المجتمعات الجديدة فإنه ينطوي على الدعوة إلى حرمان الملاك غير الحكومة من حرية
التصرف في أملاكهم الخاصة بما يحمله ذلك من فرض قيود على الملكية الخاصة وتتناقض
مع مبادئ الحرية التي ينادي بها الحزب ويتعارض مع حصانة الملكية الخاصة بما تحتمه
من حرية المالك في التصرف فيها في إطار وظيفتها الاجتماعية وهذه الوظيفة وإن كانت
تجيز دستورياً تنظيم الاستخدام والانتفاع والاستغلال والتصرف في الملكية الخاصة
بما يحقق مصالح المجتمع ويرعى احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية ويقيد بالتالي في
حدود التنظيم الإطلاق التام لحرية المالك في إطار عدم تعارضها مع الصالح العام
للمجتمع وتوفير تحقيق الحاجات العامة للشعب بما لا يتعارض مع حسن سير وانتظام
المرافق العامة إلا أن ذلك لا يجوز أن يصل إلى حد حرمان المالك من التصرف فيما
يملكه وفقاً لما تحققه مصلحته وبما لا يتعارض مع الوظيفة الاجتماعية للملكية في
الإطار السالف بيانه، ولما كان ذلك كذلك، ولم يبين برنامج الحزب كيفية حفز وتشجيع
المواطنين على الإحجام عن بيع ما يقومون ببنائه من وحدات سكنية وبتأجيرها خالية،
ولم يقدم الحزب دراسة عن الشقق المفروشة وما يترتب على إلغائها من امتناع عن
الوفاء بحاجات تنشيط السياحة الخارجية والداخلية وغير ذلك من الحاجات المشروعة
للمواطنين والأجانب الذين يقيمون لفترة من الوقت في مصر ولم يقدم البدائل الممكنة
للوفاء بهذه الاحتياجات في حالة إلغائها وحظر استخدامها كشقق مفروشة حماية للقيم
والأخلاق، ولم يعرض الدراسة التي تفيد تحقيق المصلحة العامة اقتصادياً واجتماعياً
مما يقترحه من قيود ليس لها مبرر ظاهر أو سند سليم من أحكام الدستور والنظام العام
القانوني المصري، بل يبرره بمنع الانحراف الخلقي الذي سببه سلوك الإنسان وليس
مقصوراً على هذه الشقق.
ومن حيث إنه لا يخرج ما
يدعو إليه الحزب من سيطرة الدولة على المصارف من البنك المصري عن النظام القائم
فعلاً طبقاً للقانون رقم (120) لسنة 1975 والقوانين المعدلة له في شأن البنك
المركزي المصري والجهاز المصرفي والقانون رقم 50 لسنة 1984 في شأن أحكام قانون
البنوك والائتمان على النحو الذي يؤكد إشراف الدولة ورقابتها من خلال البنك
المركزي على جميع البنوك العاملة في مصر ولو كانت فروعاً لبنوك أجنبية ولما كان
يبين من برنامج الحزب أنه قد يستهدف من ذلك تملك الشعب لكافة المصارف المصرية
والأجنبية فتكون جميع البنوك وشركات التأمين في إطار الملكية العامة للشعب
(البرنامج ص11) الأمر الذي يعني تأميم البنوك وشركات التأمين الخاصة القائمة وهذا
التصور يمثل عودة إلى مرحلة سابقة مر بها الاقتصاد المصري، حيث أن هذا النظام كان
قائماً بالفعل، ولم يقدم الحزب جديداً يجعله متميزاً عن غيره ولم يقدم الحزب تصوره
عن كيفية أداء هذه البنوك والشركات المؤممة لتحقيق الأهداف المطلوبة في حل مشاكل
الجماهير وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية وحماية الاقتصاد المصري وتطويره
لاسيما وأن التجربة التي سبق أن مرت بها البلاد في عهد البنوك والشركات المؤممة
كانت لها نتائجها الظاهرة على الاقتصاد المصري في الأزمة الاقتصادية التي يعاني
منها الوطن حالياً، الأمر الذي يجعل برنامج الحزب في هذا المجال مفتقراً إلى
التميز والتحديد.
أما ما يدعو إليه الحزب
من حظر ممارسة العمل السياسي في النقابات والأندية والمؤسسات الاجتماعية فهو أمر
تتضمنه بالفعل نصوص الدستور التي تلتزم باحترامها وتنفذها جميع السلطات ويخضع لها
جميع المصريين وفقد أكدته القوانين القائمة المنظمة للنقابات المهنية والعمالية
والنوادي التي حظرت على أعضائها ممارسة العمل السياسي داخلها وحتمت تكريس جهودها
لخدمة أبناء المهنة وتنظيمها.
وقد كانت النقابات في ظل
النظام السياسي الشمولي الذي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة تباشر مسئولية
الدعم والمشاركة لأعمال التنظيم السياسي الواحد إلا أن ذلك لم يعد سليماً ولا
مشروعاً بقيام الأحزاب وإعطاء الحرية في تكوينها والانتماء إليها بل قد حظره
المشرع وحرمه القانون رقم (40) لسنة 1977 حيث نصت المادة (23) منه على عقاب كل من
انضم إلى تنظيم حزبي غير مشروع ولو كان مستتراً في شكل أو وصف جمعية أو منظمة أو
جماعة أياً كانت التسمية أو الوصف الذي يطلق على هذا التنظيم وشدد المشرع العقاب
وغلظه إذا كان التنظيم معادياً لنظام المجتمع أو ذا طابع عسكري أو نشأ بالتخابر مع
دولة أجنبية أو مع دولة معادية، ولا شك أن الانطواء في منظمة نقابية مهنية أو
عمالية أو غيرها من المنظمات والهيئات غير الأحزاب السياسية واستغلال اسمها
وحصاناتها وإمكاناتها لمباشرة نشاط حزبي بواسطة جماعة أو منظمة تستهدف الدعوة إلى
مبادئ وأفكار وبرامج سياسية ولها طبيعة الاعتياد والاستمرار بما يدخلها في نطاق
التعريف الوارد في المادة (2) من قانون الأحزاب السياسية سالف الذكر بوسيلة
الانطواء تحت ستار جمعية أو ناد أو هيئة أو منظمة قانونية أخرى غير حزبية يجعل تلك
الجماعة حزباً غير مشروع ويحظره الدستور والقانون ويعاقب أفرادها جنائياً فضلاً عن
تحقيق مساءلتهم تأديبياً ومدنياً لو توفر مقتضى لذلك، ومن ثم فلا يمكن اعتبار هذا
الغرض الذي تقرره وتفرضه أحكام الدستور ونصوص القوانين برنامجاً أو أسلوباً
متميزاً في ممارسة العمل السياسي، كما لا يمكن اعتبار مطالبة برنامج الحزب تحت
التأسيس بعدم تدخل الدين في السياسة أو تدخل السياسة في الدين أمراً جديداً أو
متميزاً عن المبادئ العامة التي نص عليها الدستور في المواد المنظمة لمقومات
المجتمع المصري أو الحريات والحقوق العامة للمصريين وهذا ذاته هو ما تؤكده نصوص
قانون الأحزاب السياسية التي حظرت تعارض مبادئ الأحزاب مع الوحدة الوطنية والسلام
الاجتماعي وعدم جواز قيام مبادئ أي حزب أو برامجه أو عضويته على أساس التفرقة بسبب
الدين أو العقيدة وهذه مبادئ وأصول عامة تواضع عليها المجتمع المصري وتواترت عليها
كافة الأجيال دون حاجة إلى نصوص قانونية، وقد نصت عليها وأكدتها مواد الدستور
والقانون وجميع التنظيمات السياسية والقانونية القائمة.
ومن حيث إن ما قدمه الحزب
في المجال الاقتصادي يخلص في إبعاد الهياكل الرئيسية لعملية الإنتاج كالسكك
الحديدية والطرق والمواني والمطارات والسدود ووسائل النقل البحري والجوي وغيرها من
المرافق العامة عن الملكية الخاصة، والتعاونية وحصرها في نطاق الملكية العامة
للشعب كما أوجب أن تكون الصناعات الثقيلة والمتوسطة والصناعات التعدينية داخله في
إطار الملكية العامة للشعب وأن تحتفظ الدولة بدور في مجال الصناعات الخفيفة مما
يمكنها من توجيه هذه الصناعات لصالح الشعب كما ينبغي أن تكون الأراضي الزراعية في
إطار الملكية العامة للدولة والملكية التعاونية بالنسبة لأصحاب الأراضي التي
تمكنهم من إدخال الميكنة الزراعية، وحظر الملكية الفردية للأراضي الزراعية إلا لمن
يقوم بزراعة الأرض بنفسه بما لا يسمح للعودة إلى الإقطاع، وأن تكون التجارة
الخارجية تحت الإشراف الكامل للشعب وأن يختص القطاع العام بنسبة 75% منها على أن
يختص القطاع الخاص بالجزء الباقي فضلاً عن عودة المصارف وشركات التأمين إلى إطار
الملكية العامة للشعب..
ومن حيث إن مفاد ما تقدم
من آراء وأفكار وإن كانت تفتقر إلى بيان الأساليب المؤدية لها فإنها لا تتحقق
بالضرورة حتماً إلا بتأميم كل أو بعض المشروعات والعقارات والأراضي المملوكة
للأفراد ومصادرتها لصالح الملكية العامة للشعب تحت إدارة الحكومة وحظر النشاط
الخاص في مجالات محددة وقصرها عليها ولا يتأتى ذلك إلا بمقتضى إجراءات تشريعية
وإدارية تتعارض مع أحكام الدستور ومبادئه وما يكفله للمصريين من حقوق وحريات عامة
أهمها حريته في مباشرة النشاط الاقتصادي المشروع والتصرف أو الاحتفاظ بأملاكه
الخاصة التي كفل الدستور صيانتها وحظر فرض الحراسة عليها أو مصادرتها إلا استثناء
وبقانون أو بأحكام قضائية وبقيود وشروط تكفل حصانة الملكية الخاصة وحرية التعامل
بشأنها ولا يسوغ تنظيم أداء وظيفتها الاجتماعية إلا في إطار من هذه الحصانة
للملكية الخاصة وفي الحدود التي تقتضيها تلك الغاية الاجتماعية بما لا تسمح
بالعودة إلى إحياء الأسس التي قامت عليها أركان وأسس الاستبداد على نحو يعيد عهد
الحكم الشمولي الذي تجاوزه النظام العام الدستوري الحالي والذي يقوم على أساس
احترام حقوق الفرد وحرياته العامة والخاصة ويبنى النظام السياسي على أساس تعدد
الأحزاب السياسية مع صيانة الملكية الخاصة وحمايتها في إطار وظيفتها الاجتماعية
وخدمة المقومات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المصري.
ومن حيث إنه مما يؤكد ذلك
ويظاهره الخطاب الذي توجه به مؤسسو الحزب إلى أبناء الجيل الجديد كمقدمة لبرنامجه
الذي حدد فيه أهدافه صراحة بقولهم... أن مؤرخي سنوات الردة عن الثورة حاولوا أن
يشوهوا وجهها المضيئ ويخلعوا عنها ثوبها الأبيض بعد أن لطخت مسيرتها ممارسات
الانفتاح... ولكن يبقى للثورة أبناؤها الشرفاء الذين حملوا الدفاع عن مكاسب الشعب
في كل المواقع (عمال وفلاحين وجنود ومثقفين ورأسمالية وطنية)... أن الذين يطالبون
بمبدأ الحرية الاقتصادية وبانسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية... هؤلاء فاتهم أن
مصر الحديثة قامت في أوائل القرن الماضي على مبدأ التدخل ثم هزمت بمبدأ حرية
التجارة، وأن مبدأ الحرية الاقتصادية قد سقط في الغرب قبل الحرب العالمية
الثانية... أن الحزب الاشتراكي المصري.. يؤمن أن الانتقال من النظام الاقتصادي
الاشتراكي إلى النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر.. هو خطر يقتل الفقراء ويغيب سلطة
الدولة (ص 401).
ومن حيث إنه يبين من هذه
العبارات بوضوح تام التوجيهات التي تعتبر الحرية الاقتصادية نوعاً من الردة عن
مبادئ الثورة السليمة، وأن أبناء الثورة من العمال والفلاحين والجنود والرأسمالية
الوطنية سوف يحملون في رأي مؤسسي الحزب لواء الدفاع عن مكاسب الشعب، أن الحزب صاغ
أفكاره وآماله التي فقدت في غالبيتها العظمى الدراسة الجادة لواقع المجتمع المصري،
فانعزلت عن قضاياه توجهاته الحقيقية وقدمت برنامجاً ليس فيه من التميز سوى التعلق
بأفكار الحكم الشمولي الذي كان يقوم على أساس التنظيم السياسي الواحد، والذي لفظه
الشعب في استفتاء فبراير سنة 1977 على حرية تكوين الأحزاب والانتماء إليها، وصمم
على تسجيل هذه الإرادة الشعبية في 22 مايو سنة 1980 بتعديل نص المادة الخامسة من
الدستور ليجعل النظام السياسي في جمهورية مصر العربية قائماً على أساس تعدد
الأحزاب بعد أن كان قائماً - طبقاً للنص المعدل من الدستور - على الاتحاد
الاشتراكي العربي والتنظيم السياسي.. الذي يمثل تحالف قوى الشعب العاملة من
الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية وهي الأسس التي ما يزال
مؤسسوا الحزب متمسكين بها فكراً وصياغة، الأمر الذي أفقدهم السند الشرعي لمطالبتهم
بإقامة وتأسيس الحزب.
ومن حيث إنه يبين مما
تقدم أن المشروعات والأفكار التي عرضها الحزب في برنامجه المودع حافظة مستنداته (ص
4 - 16) لا يعدو أن يكون شعارات حماسية سياسية يتضمن مجموعة من الأفكار والأقوال
المرسلة التي لا يتوفر فيها الجدية الواجبة ولا يتحقق من ورائها أية جدوى ظاهرة
وتفتقر إلى تحديد وسائل تحقيقها حتى يمكن الحكم على مدى جديتها وجدواها وغيرها،
فضلاً عن تعارضها مع أحكام الدستور وتجاوزها لحاجز المشروعية وتناقضها مع أحكام
الدستور والقانون وعدم
ملائمتها لظروف العصر أو
ارتباطها بالحلول التي تتبناها الأغلبية العظمى من الأمة لقضايا المجتمع.
ومن حيث إنه بناء على ذلك
فإنه يفتقر البرنامج المقدم من الحزب محل الطعن إلى ملامح الشخصية الحزبية
المتميزة التي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي، ومن ثم فإنه يكون غير جدير بالانتماء
إلى حلبة النضال السياسي مع باقي الأحزاب القائمة.
ومن حيث إنه بناء على ما
سبق جميعه وإذ انتهت لجنة الأحزاب إلى افتقار برنامج الحزب للتحديد والتميز وأصدرت
قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ عادل عبد الحليم والي بتأسيس الحزب
الاشتراكي المصري فإنها تكون قد أصابت الحق فيما انتهت إليه ويكون النعي على
قرارها قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن الطاعن قد خسر
طعنه ومن ثم فإنه يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.