الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

طباعة

Print Friendly and PDF

الثلاثاء، 6 يوليو 2021

الطعن 85 لسنة 15 ق جلسة 31 / 10 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 103 ص 220

جلسة 31 من أكتوبر سنة 1946

برياسة حضرة جندي عبد الملك بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

---------------

(103)
القضية رقم 85 سنة 15 القضائية

شفعة.

العين المشفوعة لا تصير إلى ملك الشفيع إلا من بعد الحكم بالشفعة انتهائياً. دعوى الشفيع بالريع عن المدة السابقة للحكم بالشفعة. لا سند لها من القانون.

------------------
إذا كان حق الشفيع في طلب الأخذ بالشفعة إنما ينشأ بالبيع مع قيام المسوغ، فإن العين المشفوعة لا تصير إلى ملك الشفيع في غير حالة التراضي إلا بالحكم النهائي القاضي بالشفعة. ولا سند في القانون لدعوى الشفيع بريع العين عن المدة السابقة للحكم ولو كان قد عرض الثمن على المشترى عرضاً حقيقياً وأودعه خزانة المحكمة إثر رفضه. ذلك بأن الشارع إذ نص في المادة 18 من قانون الشفعة (1) على أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع إنما أراد بالسند السبب القانوني المنشئ لحق الملكية، لا دليل الملكية أو حجيتها. ومقتضى هذا النظر ولازمه أن المشفوع لا يصير إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم؛ أما قبله فلا، لأن المسبب لا يوجد قبل سببه، ولأن ما جعله الشارع من الأحكام منشئاً للحقوق لا ينسحب على الماضي. ولا يفيد أن لحكم الشفعة أثراً رجعياً ما جاء في المادة العاشرة من قانون الشفعة (2) مفيداً حق المشترى في البناء والغراس في العين المشفوعة، ولا ما جاء في المادة الثانية عشرة (3) قاضياً بأنه لا يسرى على الشفيع كل رهن من المشترى وكل حق اختصاص حصل عليه دائنوه وكل بيع وكل حق عيني قبله المشترى أو اكتسبه الغير ضده بعد تسجيل طلب الشفعة، فإن الشارع المصري إنما أخذ أحكام هاتين المادتين جملة من فقه الحنفية وهى مخرجة فيه، لا على فكرة الأثر الرجعى، بل على فكرة العدل والبعد عن الجور والتوفيق بالقدر المستطاع بين ما تعارض من مصلحتي المشترى والشفيع. وكذلك لا يتعارض القول بتملك الشفيع من وقت الحكم بالشفعة مع ما نص عليه في المادة الثالثة عشرة (4) من حلول الشفيع محل المشترى في حقوقه والتزاماته بالنسبة إلى البائع، ولا مع ما نص عليه فيها من أن الشفيع ليس له في حالة الاستحقاق أن يرجع إلا على البائع، فإن هذا لا يعين أن الشفيع يحل محل المشترى من وقت طلبه الشفعة (5).


الوقائع

أقام الطاعن على المطعون ضده الدعوى رقم 111 سنة 1942 كلى الزقازيق وقال في صحيفة افتتاحها إن المطعون ضده اشترى من السيدة إيلين ليدس 13 ف و17 ط و22 س في 12 من أغسطس سنة 1941. ولما كان الطاعن حائزاً لما يجعله شفيعاً في الصفقة فقد أنذر المطعون ضده في 20 من أغسطس سنة 1936 برغبته في الأخذ بالشفعة وكلفه بالحضور في أول سبتمبر سنة 1941 إلى محكمة المنصورة المختلطة لتوقيع عقد تنازله له عن العين المبيعة مقابل قبض ثمنها. غير أن المطعون ضده لم يحضر في الميعاد المذكور ولم يسلم بحق الطاعن إلى أن قضى بهذا الحق نهائياً بالحكم الصادر من محكمة استئناف مصر في 24 من يونيه سنة 1941. ونفذ هذا الحكم بتسليم العين المشفوعة في 15 من سبتمبر سنة 1941. وقال الطاعن في صحيفة دعواه إنه لما كان المطعون ضده قد بقى واضعاً يده على العين المشفوعة من يوم أن اشترى إلى يوم أن تنفذ حكم الشفعة النهائي بالتسليم، وكان الطاعن ذا حق في أن يرجع عليه بريع هذه العين من يوم أول سبتمبر سنة 1936 إلى 10 سبتمبر سنة 1941، فإنه يطلب الحكم عليه بمبلغ 845 ج و415 م وهو قيمة ريع العين المشفوعة عن هذه المدة على أساس أن ريع الفدان يوازى اثنى عشر جنيهاً في السنة. وفى 30 من نوفمبر سنة 1942 حكمت محكمة الزقازيق تمهيدياً بندب خبير لتقدير قيمة صافى الريع عن المدة من 7 يونيه سنة 1937 إلى 15 سبتمبر سنة 1941 بناءً على أن حكم الشفعة مقرر لحق الملكية وليس منشئاً له، وأن الشفيع مستحق للريع منذ أظهر رغبته في 20 من أغسطس سنة 1936. غير أنه لما لم يكن قد أودع الثمن خزانة المحكمة إلا في 7 من يونيه سنة 1937 فقد جعلت المحكمة هذا التاريخ بداية للمدة التي يستحق الشفيع ريعها.
استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلب فيه أصلياً إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه فيما زاد على مبلغ 27 ج و493 م واحتياطياً تعديل الحكم المستأنف وقصر مأمورية الخبير على تقدير ريع الأطيان المشفوعة عن المدة من 24 يونيه سنة 1941 إلى 15 سبتمبر سنة 1941.
وفى 22 من مارس سنة 1945 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفى موضوعه بتعديل الحكم المستأنف وقصر مأمورية الخبير على تقدير ريع الأطيان المشفوعة ابتداءً من 24 يونيه سنة 1941 إلى 15 سبتمبر سنة 1941 وألزمت المستأنف بالمصاريف الخ.
وفى 18 من يونيه سنة 1945 قرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض الخ. الخ.


المحكمة

وحيث إن الطعن مبناه أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير المادتين 13 و18 من قانون الشفعة، كما أخطأ في اعتماده على ما سماه إجماعاً عند علماء الحنفية على أن الشفيع إنما يملك بالتراضي أو بقضاء القاضي. ثم إنه خالف أحكام قانون الشفعة نفسه، كما خالف المبادئ العامة للقانون وللشريعة الإسلامية. أما خطأ الحكم في تفسير المادتين 13 و18 من قانون الشفعة فوجهه أن الحكم قد استند إلى هاتين المادتين في القول بأن حكم الشفعة ينشئ ملكية الشفيع ولا يقررها في حين أن التفسير الصحيح لهاتين المادتين لا يؤدى إلى ما استخلصته المحكمة منهما. ذلك لأن المادة 18 تنص على أن "الحكم الذى يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع، وهذا النص لا يفيد أكثر من أن حكم الشفعة هو دليل الشفيع على ملكية العين المشفوعة، كما أن حكم القسمة هو دليل المتقاسم على ملكية ما اختص به في القسمة. أما سبب الملكية، وهو غير دليلها، فسابق على الحكم في كلتا الحالتين. وأما المادة 13 فتنص على حلول الشفيع محل المشترى بالنسبة إلى البائع في كافة ما كان له وعليه من الحقوق. وهذا الحلول ليس معناه أن الشفيع وقد حل محل المشترى لا يكون مالكاً إلا من يوم الحكم له بالشفعة بل معناه أن البيع الذى صدر إلى المشترى كان يجب أن يصدر إلى الشفيع إذ هو أحق به. فهو بهذه المثابة يجب أن يعتبر حالا محل المشترى من اليوم الذى أظهر فيه رغبته وأعلنها للمشترى منبهاً عليه بأنه أولى منه بالصفقة. والشفيع في ذلك شبيه بصاحب حق الاسترداد الوراثي والحكم له، فيما هو مجمع عليه في فرنسا وفى مصر، يقرر حقه ولا ينشئه، وأثره لا يبدأ من يوم صدوره بل يرجع إلى يوم البيع الذى حل فيه المسترد محل المشترى. أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من التفرقة بين حق الأخذ بالشفعة وحق التملك بها، وأن الحق الأول ينشأ بالبيع مع قيام سبب الشفعة، أما الحق الثاني فلا ينشأ إلا بالتراضي أو قضاء القاضي، وما رتبه الحكم على هذه التفرقة من أن حكم القاضي بالشفعة يكون مقرراً لحق طلبها منشئاً لأثر هذا الطلب في حلول الشفيع محل المشترى - ما قاله الحكم من ذلك وما رتبه عليه لا أساس له إلا اعتبار المشترى بائعاً مع أنه ليس ببائع بل هو متخل عن الصفقة والبائع هو البائع ذاته.
وأما خطأ الحكم في اعتماده على ما سماه إجماعاً عند علماء الحنفية على أن الشفيع لا يملك إلا بالتراضي أو قضاء القاضي، فوجهه أن من علماء الحنفية من لم ير هذا الرأي، فكان القول بأنهم مجمعون عليه مغايراً للواقع، وعلى فرض أنهم مجمعون فإن الشفعة ليست من المواد التي يشملها نص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي يتعين على المحاكم أن تأخذ عند الحكم فيه بأرجح الأقوال في مذهب أبى حنيفة.
وأما مخالفة الحكم لقانون الشفعة فوجهه أن الفقرة الأخيرة من المادة 13 من هذا القانون تنص على أنه "إذا ظهر بعد الأخذ بالشفعة أن العقار المشفوع مستحق للغير فليس للشفيع أن يرجع إلا على البائع" والمعتبر في هذا النص أن الشفيع يتلقى حقه مباشرة من البائع. وعلى هذا أوجب النص المذكور رفع دعوى الضمان عليه. ومقتضى هذا الاعتبار أن حق الشفعة قائم من وقت البيع، وأن طلبها هو بداية استعمال هذا الحق، وأن ملكية الشفيع ترجع إلى هذا الطلب.
وأما مخالفة الحكم للمبادئ العامة في القانون المدني وفى الشريعة الإسلامية فوجهه أن المعتدى على الحق أو المنكر له يجب أن لا يفيد من مطله وأن صاحب الحق يجب أن يعوض عما يلاقيه من ضرر بسبب عنت خصمه، ولهذا كان من الأصول الثابتة أن الأحكام مقررة للحقوق لا منشئة لها. والقول بأن حق الشفعة ينشئ ملكية الشفيع ولا يقررها مناقض لهذا الأصل، كما أنه مناقض لأحكام الفقه الإسلامي التي تقضى باعتبار المشترى كالغاصب في كل ما له علاقة بالمباني أو الغراس في الأرض المشفوعة. وهذا لا يتفق مع القول بأن حكم الشفعة منشئ لا مقرر لأن لازم كونه منشئاً أن يعتبر المشترى مالكاً حتى صدور الحكم، ومن ثم ذا حق في أن يجرى في الملك ما يشاء من بناء وغراس، أما أن يعتبر المشترى غاصباً وأن يعامل معاملة الغاصب فذلك يتفق كل الاتفاق مع اعتبار حق الشفيع قائماً منذ طلبه واعتبار الحكم مظهراً للحق لا منشئاً له.
هذه هي أوجه الطعون
وحيث إن الشارع إذا كان قد نص في المادة 18 من قانون الشفعة على أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيعTitre de propriété  فإنه لم يرد بهذا النص أن يعتبر الحكم المذكور حجة أو دليلاً على الملكية التي قضى بها، وإلا لكان هذا النص عبثاً مع وجود المادة 232 التي نصت على حجية الأحكام. بل الذى أراده الشارع هو اعتبار حكم الشفعة سبباً قانونياًcause juridique  لملكية الشفيع، كما أراد بنص المادة 587 من قانون المرافعات اعتبار حكم البيع سبباً قانونياً لملكية من رسا عليه المزاد، وكما أراد بنص المادة 608 من القانون المدني اعتبار مجرد وضع اليد سبباً صحيحاً لملكية واضع اليد على المنقول. وكلمة سند titre التي وردت في هذه النصوص كلها إنما جاءت على معنى السبب القانوني المنشئ لحق الملكية، ولم تجئ على معنى دليل الملكية أو حجيتها. ومتى كان حكم الشفعة في نظر القانون هو سبب ملكية الشفيع ومنشأها فإن مقتضى هذا النظر ولازمه أن لا يصير المشفوع إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم أما قبله فلا، لأن المسبب لا يوجد قبل سببه، ولأن ما جعله الشارع من الأحكام منشئاً للحقوق لا ينسحب على الماضي.
وحيث إن ما جاء في المادة العاشرة من قانون الشفعة مقيداً حق المشترى في أن يبنى وأن يغرس في العين المشفوعة، وما جاء في المادة الثانية عشرة قاضياً بأن لا يسرى على الشفيع كل رهن من المشترى وكل حق اختصاص حصل عليه دائنوه وكل بيع وكل حق عيني قبله المشترى أو اكتسبه الغير ضده بعد تسجيل طلب الشفعة - ما جاء من ذلك في قانون الشفعة لا يمكن أن يفيد أن الشارع قد أراد أن يجعل حكم الشفعة ذا أثر رجعى، لأن هذا الأثر لا يستقيم إلا على تقدير أن مجرد طلب الشفعة يجعل المشترى مالكا تحت شرط فاسخ هو الحكم بالشفعة ويجعل في الوقت نفسه الشفيع مالكا تحت شرط توقيفي هو الحكم له بطلبه بحيث إذا صدر هذا الحكم وتحقق الشرط الفاسخ لملك المشترى والموقف لملك الشفيع زالت ملكية المشترى واعتبرت كأن لم تكن واعتبر الشفيع مالكاً منذ إعلان طلبه. وهذا تقدير غير مقبول، لأن حق الشفيع الذى سيتولد عند البيع هو حق متعلق بعقارjus ad rem لا حق ملكيته، وهو لا يخول صاحبه إلا مداعاة المشترى بدعوى شخصية. ثم إن الأصل في التصرفات التنجيز. والتعليق يثبت بعارض الشرط. والتعليق بالشرط لا يكون إلا في الالتزامات الاتفاقية. وإذن فلا يمكن أن يثبت للمشترى - الذى اشترى بعقد غير مضاف ولا معلق على شرط ولا مقترن به ثم سجل عقده - إلا حق ملكية تامة ناجزة تبقى له إلى أن تزول عنه بسبب من الأسباب التي تؤدي إلى هذا الزوال. أما أن تتحول هذه الملكية التامة الناجزة إلى ملكية معلقة لمجرد أن البيع الذى كان علة لها قد ولد حقاً لمن قام به سبب من أسباب الشفعة فلذلك لا يتأتى قانوناً.
هذا كله إذا كان الشارع المصري قد أتى من عنده بجديد فيما أورده من أحكام المادتين العاشرة والثانية عشرة من قانون الشفعة ليجوز الخلاف على مراده من إيراد هذه الأحكام، وليجوز القول في غمرة هذا الخلاف بأنه أراد بها أن يجعل حكم الشفعة ذا أثر رجعى. لكن الواقع أن الشارع أخذ أحكام هاتين المادتين جملة من فقه الحنفية. فقد كان الرأي عند أبى يوسف أن الشفيع ليس له حق تكليف المشترى بهدم البناء وقلع الشجر لكن إذا أصر على الأخذ بالشفعة أخذ العقار بثمنه مضافاً إليه قيمة البناء أو الشجر باقيين على الأرض. ووجه هذا الرأي أن المشترى لم يكن في بنائه ولا في غرسه متعدياً لأنه إنما غرس وبنى في ملكه. فإذا أراد الشفيع أخذ ملكه جبراً عنه وجب ألا يترتب على ذلك ضرر. وليس في أخذه على هذا الوجه ضرر بأحدهما، لأن الشفيع يأخذ ما زاد في الأرض بقيمته والمشترى قد عوض عنه بهذه القيمة، وإذا كان في إلزام الشفيع بأخذ شيء قد لا يرغب فيه بعض ضرر، فهو أدنى من ضرر المشترى حين يؤخذ منه البناء والشجر بقيمتهما مقلوعين. وعند تعارض الضرر يحتمل الأقل. وكان الرأي عند أبى حنيفة أن الشفيع بالخيار إن شاء أخذ الأرض بالثمن والبناء والغرس بقيمته مقلوعاً، وإن شاء أجبر المشترى على القلع. ووجه هذا الرأي أن المشترى كان عليه أن يتريث إلى أن يفصل في أمر الشفعة، وإذ لم يفعل وبنى وغرس في عين تعلق بها حق غيره لزمه أن يتحمل ما يترتب على فعله هذا من ضرر. وقد وقف الشارع المصري بين هذين الرأيين فأخذ بالثاني في الحال التي يكون فيها البناء أو الغراس بعد الطلب، لأن المشترى يكون قد أقدم على البناء أو الغراس وهو يعلم أن العين قد تؤخذ منه، فإن كلف القلع أو الهدم وحدث له ضرر فهو الجاني على نفسه، وأخذ بالرأي الأول إذا كان البناء أو الغراس قبل الطلب لأنه عسى أن يكون المشترى غير متوقع الطلب بالشفعة ثم هو يتصرف في ملكه.
وكما استمد الشارع المصري من فقه الحنيفة ما شرعه من أحكام لتصرفات المشترى المادية في العين المشفوعة، كذلك استمد من هذا الفقه نفسه ما شرع من أحكام للتصرفات القانونية في هذه العين. إذ المقرر في الفقه الحنفي أنه إذا تم عقد البيع بين البائع والمشترى ثبت ملك المشترى في البيع، ولا ترفعه مطالبة الشفيع أن يأخذه بالشفعة، وإنما يثبت للشفيع بهذه المطالبة حق متعلق بالمبيع، وهذا الحق هو استحقاقه لأخذه جبراً عن المشترى إذا رغب في ذلك وأنفذ تلك الرغبة. وهذا الحق لا يحول بين المشترى وبين التصرف في ملكه. لا فرق في ذلك بين أن يصدر ذلك منه قبل المطالبة بالشفعة وأن يصدر بعدها، فتعتبر تصرفاته نافذة من وقت تمامها، لكنها مع ذلك تكون عرضة للنقض والإبطال إذا قضى للشفيع بالشفعة، إذ يكون له في هذه الحال أنه يمضى هذه التصرفات وأن يفسخها، بناءً على أن المشترى قد تصرف فيما تعلق به حق غيره، فلا ينفذ تصرفه منعاً للإضرار بالشفيع. وهذا الذى قرره علماء الحنفية قد أجرى الشارع المصري حكمه في المادة الثانية عشرة من قانون الشفعة على ما صدر من المشترى من تصرفات في العين المشفوعة بعد تسجيل طلب أخذها بالشفعة لأن الشارع، وقد أوجب تسجيل هذا الطلب، كان خليقاً بأن يجعل هذا التسجيل شرطاً لحق الشفيع في نقض تصرفات المشترى. ومن هذا يبين أن الفقه الحنفي هو مصدر قانون الشفعة فيما شرعه من أحكام المادتين العاشرة والثانية عشرة. ولما كان هذا الفقه لا يعرف الأثر الرجعى ولا الاستناد، أى ثبوت الحكم في الحال مستنداً إلى ما قبله، إلا في تصرفات الفضولي إذا أجيزت وغيرها مما لا يدخل في باب التعليقات، وكانت هذه الأحكام بناءً على ذلك مخرجة فيه لا على فكرة الأثر الرجعى بل على فكرة العدل والبعد عن الجور والتوفيق بالقدر المستطاع بين ما تعارض من مصلحتي المشترى والشفيع، فإن القول بأن الشارع المصري - الذى أخذ هذه الأحكام معلولة بعلاتها الفقهية - قد دل بما شرعه منها على جعل حكم الشفعة ذا أثر رجعى يكون قولاً ظاهر الفساد.
وحيث إن النص في المادة الثالثة عشرة من قانون الشفعة على حلول الشفيع محل المشترى في حقوقه والتزاماته بالنسبة إلى البائع، لا يمكن أن يفيد ما ذهب إليه الطاعن من اعتبار الشفيع الذى حكم له بطلبه حالا محل المشترى منذ هذا الطلب، إذ اعتباره كذلك لا يجوز إلا على تقدير أثر رجعى لحلوله محل المشترى، وهو تقدير يتنافى مع ما تقرر قبل من أن حكم الشفعة منشئ لا مقرر لحق الشفيع، لأن لازم كونه منشئاً أن لا تتصل العين المشفوعة بملك الشفيع إلا بعد الحكم، ولما كانت ملكية الشفيع لهذه العين هي جوهر الحق الذى يحل فيه محل المشترى، وكان إسناد هذه الملكية للشفيع قبل الحكم له بالشفعة ممتنعاً، فإن حلوله فيها قبل الحكم بالشفعة يكون ممتنعاً أيضاً. هذا وإن كان العمل قد جرى في فرنسا على غير ذلك في خصوص حق الاسترداد الوراثي، فذلك لأن الشارع هناك لم يجعل حكم الاسترداد منشئاً لحق المسترد، كما جعل الشارع هنا حكم الشفعة منشئاً لحق الشفيع (6) ، وعلى هذا يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الرأي إذ قال - تأسيساً على المادة 18 من قانون الشفعة - إن هناك فرقاً بين حق طلب الشفعة وحق التملك بها، وإنه إذا كان الحق الأول يوجد بالبيع مع قيام المسوغ فإن الحق الثاني لا يوجد إلا بقبول المشترى أو القاضي نيابة عنه. ومن أجل هذا كان حكم الشفعة مقرراً لحق الشفيع في طلب الأخذ، منشئاً لأثر هذا الطلب في حلول الشفيع محل المشترى على ما نصت عليه المادة 13 من قانون الشفعة. ولا يعيب الحكم المذكور ما جاء فيه مشيراً إلى أن هذا الرأي الذى ارتآه متفق مع رأى الحنفية في الملك بالشفعة، لأنه لم يقم قضاءه على رأى الحنفية ليصح النعي عليه بأن هذا الرأي ليس مجمعاً عليه عندهم وأنه على فرض الإجماع عليه لا يقيد القضاء المدني، بل أقام قضاءه على ما استمده استمداداً صحيحاً من نصوص المادتين 18 و13 من قانون الشفعة. ولهذا يكون الوجهان الأول والثاني من وجوه الطعن واجبى الرفض.
وحيث إن النص في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة عشرة من قانون الشفعة على أن الشفيع ليس له في حالة الاستحقاق أن يرجع إلا على البائع - هذا النص لا يمكن أن يفيد زوال ملك المشترى للعين المشفوعة بمجرد حكم الشفعة واعتباره كأنه لم يكن مالكاً لهذه العين، على نحو ما قال الطاعن في الوجه الثالث من وجوه طعنه مستدلاً به على استثناء حكم الشفعة وسريانه على الماضي، لأن الشفيع إذ يرجع بالضمان في حالة الاستحقاق إنما يستعمل حقاً من حقوق المشترى الذى حل محله، ولا يتأتى مع هذا الوضع أن يرجع على المشترى نفسه بل الذى يتأتى أن يرجع على البائع الذى ادعى ملك ما باع ثم نقضت دعواه بالاستحقاق. وعلى ذلك فلا تعارض بين نفى الأثر الرجعى لحكم الشفعة واعتبار المشترى مالكا إلى يوم هذا الحكم وبين إيجاب الضمان في حالة الاستحقاق على البائع دون المشترى. كذلك لا تعارض ين اعتبار المشترى مالكاً إلا يوم الحكم بالشفعة وبين ما جاء من الأحكام في الفقه الإسلامي خاصاً ببناء المشترى أو غرسه في العين المشفوعة، لأن هذه الأحكام ليس مبناها عند الحنفية اعتبار المشترى غاصباً، كما زعم الطاعن في الوجه الأخير من وجوه الطعن، بل مبناها اعتبار المشترى خاطئاً ببنائه أو غرسه في ملكه الذى تعلق به حق الشفيع. أما قول الطاعن بأن اعتبار المشترى مالكا إلى يوم الحكم في الشفعة فيه افتيات على القاعدة التي تقضى بأن الأحكام مقررة لا منشئة للحقوق فرده أن الشارع نفسه هو الذى جعل حكم الشفعة منشئاً لحق الشفيع كما جعل حكم البيع منشئاً لحق الراسي عليه المزاد فكان النزول على حكم الشارع واجباً لا معدى عنه.
وحيث إنه وقد بان مما تقدم أن العين المشفوعة لا تصير إلى ملك الشفيع في غير حال التراضي إلا بالحكم النهائي القاضي بالشفعة، فإن دعوى الشفيع بريع هذه العين عن المدة السابقة على هذا الحكم تكون دعوى لا سند لها من القانون. ولا يغير من هذا النظر أن يكون الشفيع قد عرض الثمن على المشترى عرضاً حقيقياً وأن يكون قد أودعه خزانة المحكمة إثر رفضه، لأنه ما كان ليصبح مديناً بالثمن للمشترى بمجرد طلب الشفعة ولا كان ملزماً بعرضه ولا بإيداعه. فإذا كان قد ألزم نفسه بما لم يلزمه به القانون فهو وشأنه. على أنه ليس له أن يتوسل بفعله إلى حرمان المشترى من حقه. وعلى هذا يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب إذ قصر مسئولية المطعون ضده عن ريع العين التي اشتراها على المدة التالية للحكم القاضي للطاعن بالشفعة. ويكون الطعن على هذا الحكم متعين الرفض موضوعاً.


 (1)تطابقها المادة 944 من القانون الجديد في نصها على أن "الحكم الذى يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع" مع استبدال عبارة "دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل" بعبارة "وعلى المحكمة تسجيله من تلقاء نفسها".
 (2)تطابقها في أحكامها المادة 946 من القانون الجديد.
 (3)تطابقها في حكمها المادة 947 من القانون الجديد.
 (4)تطابقها في أحكامها المادة 945 من القانون الجديد.
 (5)للدكتور أنور سلطان الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول نقد لهذا الحكم منشور في العدد الرابع من السنة الثانية ص 699 - 718 من مجلة الحقوق التي تصدرها كلية الحقوق بجامعة فاروق الأول.
 (6)قد أبرز القانون المدني الجديد الفرق بين الشفعة وبين استرداد الحصة الشائعة إذ نص في المادة 833 على أن "الاسترداد يتم بإعلان يوجه إلى كل من البائع والمشترى" مع نصه في المادتين 943 و944 على رفع دعوى الشفعة وعلى أن الحكم النهائي بثبوت الشفعة يكون سنداً لملكية الشفيع.

الطعن 111 لسنة 15 ق جلسة 17 / 10 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 100 ص 218

جلسة 17 من أكتوبر سنة 1946

برياسة حضرة جندي عبد الملك بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

----------------

(100)
القضية رقم 111 سنة 15 القضائية

أ - إثبات. شاهد.

عدم اطمئنان المحكمة إلى صدق شاهد. اطراح شهادته. ليس عليها أن تبرر عدم أخذها بها.
ب - شفعة.

العلم المعتبر قانوناً في هذا المقام. هو العلم الشامل لأركان البيع الجوهرية.

--------------
1 - إذا كان عدم اطمئنان المحكمة إلى صدق الشهود هو السبب الأصلي في عدم أخذها بشهادتهم فهي لا تكون ملزمة بإبداء الأسباب لتبريره، ولا معقب عليها؛ إذ الاطمئنان إلى صدق الشاهد مرده وجدان القاضي وشعوره. ولا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون ما أضافه من رمى شهادة الشهود بالقصور غير مطابق لواقع شهادتهم، على ما هي ثابتة بالحكم الابتدائي، إذ أن صدق الشاهد نفسه أمر وفهم ذات شهادته أمر آخر.
2 - علم الشفيع بالبيع المعتبر قانوناً هو العلم الشامل لأركان البيع الجوهرية، كالثمن وأسماء المشترين، وذلك لكى يقدر مصلحته في طلب الشفعة ويتمكن من توجيه طلبه إلى من يجب (1)


 (1)يراجع في هذا المعنى الحكم المنشور بهذا الجزء تحت رقم 44 والتعليق عليه بنصوص القانون الجديد.

الطعن 123 لسنة 15 ق جلسة 6 / 6 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 92 ص 189

جلسة 6 من يونيه سنة 1946

برياسة حضرة أحمد نشأت بك وبحضور حضرات: أحمد فهمى إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

--------------

(92)
القضية رقم 123 سنة 15 القضائية

ا - شفعة. نقض وإبرام. 

اختصام المشترى والبائع كليهما. وجوبه حتى أمام محكمة النقض. جزاء المخالفة عدم قبول الطعن.
ب - نقض وإبرام.

للنيابة طلب عدم قبوله لعدم اختصام من لا يصح الطعن إلا باختصاصه.

------------
1 - إن القانون قد أوجب على الشفيع اختصام المشترى والبائع كليهما معاً في دعوى الشفعة وإلا كانت غير مقبولة. وهذا الحكم يسرى على الدعوى في درجتي التقاضي الابتدائية والاستئنافية. ولما كان الطعن بالنقض مرحلة من مراحل الدعوى ينظر فيها من حيث الموضوع عند تصدى محكمة النقض له، فان اختصام المشترى والبائع كليهما في الطعن يكون واجباً كذلك. ولا يغض من هذا النظر ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون الصادر بإنشاء محكمة النقض من أن لرافع النقض الحرية في تعيين الخصوم الذين يراد إدخالهم في الدعوى دون إلزامه بإعلان (1) الطعن إلى جميع الخصوم في الحكم المطعون فيه، فإن هذا لا يمكن أن يفيد أنه في دعوى الطعن لا يكون الطاعن ملزماً باختصام من لا تقبل الدعوى إلا باختصامه، بل معناه أنه بعد مراعاة مقتضى الحال من اختصام من يجب قانوناً اختصامه في الدعوى يكون للطاعن أن يقصر الطعن على من يهمه نقض الحكم في حقه.
وعلى ذلك فإنه إذا لم تعلن البائعة في دعوى الشفعة بتقرير الطعن (2) كانت دعوى الطعن بالنقض غير مقبولة.
2 - للنيابة العامة أن تطلب الحكم بعدم قبول الطعن بسبب عدم صحة اختصام من لا يصح الطعن إلا باختصامه (3).


 (1) المراد توجيه الطعن لا إعلانه.
 (2)كانت البائعة، في صورة هذه الدعوى، قد اختصمت في تقرير الطعن، ولكنها لم تعلن به، فسيان عدم اختصام الشخص في التقرير وعدم إعلانه إليه بعد اختصامه، لأن الطعن يبطل في حق المطعون عليه إذا هو لم يعلن به في الميعاد المعين للإعلان.
 (3)لم يثر الدفع بعدم قبول الطعن أحد من المطعون عليهم، فانهم لم يحضروا في الطعن، وإنما أثارته النيابة في مذكرتها.

الطعن 93 لسنة 15 ق جلسة 22 / 5 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 84 ص 179

جلسة 22 من مايو سنة 1946

برياسة حضرة أحمد نشأت بك وحضور حضرات: أحمد فهمى إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

---------------

(84)
القضية رقم 93 سنة 15 القضائية

شفعة.

عرض الملحقات مع الثمن. لا يكلف الشفيع ذلك. إذا لم يكن للثمن محلقات وقت التعاقد. مؤجل الثمن. تخصيصه لوفاء الديون المسجلة على الأطيان محل الشفعة. لا محل لعرضه.

--------------
إذا لم يكن لثمن البيع ملحقات وقت التعاقد فلا يكلف الشفيع عرضها فى إعلان رغبته في الشفعةوإذا كان المؤجل من الثمن قد خصص لوفاء الديون المسجلة على الأطيان محل الشفعة فلا محل كذلك لعرضه.

الطعن 127 لسنة 15 ق جلسة 16 / 5 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 81 ص 176

جلسة 16 من مايو سنة 1946

برياسة حضرة أحمد نشأت بك المستشار وبحضور حضرات: محمد المفتي الجزايرلى بك وأحمد على علوبة بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

-------------

(81)
القضية رقم 127 سنة 15 القضائية

شفعة:
قرار مجلس الوزراء المتضمن شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية. العقد المكون من عرض الحكومة وقبول المالك الأصلي. تكييفه. اتفاق على التقايل في البيع القديم والتراد في الثمن. إفراغ التراد في صورة عقد بيع. لا يجوز أن يكون محلا لشفعة.

------------
إن القرار الذى أصدره مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1935 بالموافقة على مذكرة وزارة المالية التي تضمنت شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية قد تضمن إيجاباً من الحكومة أوجبت به على نفسها أن ترد لكل مالك ملكه الذى نزع منه بمجرد طلبه في مدى خمس سنوات مقابل ثمنه الذى رسا به المزاد عليها، ولما كان المدين المنزوعة ملكيته هو قانوناً في حكم البائع، فإن هذا الإيجاب متى قبله المدين المذكور لا يكون إنشاءً لبيع مستحدث وإنما هو اتفاق على التقايل في البيع القديم والتراد في المبيع والثمن، ومتى كان هذا التكييف الصحيح للعقد المكون من عرض الحكومة وقبول المالك الأصلي لهذا العرض، فإن إفراغ التراد في صورة عقد بيع ليس من شأنه أن يؤثر في صحة هذا التكييف، ولهذا لا يجوز أن يكون هذا التصرف موضوع شفعة (1) .


 (1) أسس الحكم هذه النتيجة على القواعد ذاتها التى أخذ بها الحكم الصادر في القضية رقم 36 سنة 15 القضائية المنشور في هذا الجزء تحت رقم 74 بصفحة 161.

الطعن 36 لسنة 15 ق جلسة 16 / 5 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 74 ص 161

جلسة 16 من مايو سنة 1946

برياسة حضرة أحمد نشأت بك المستشار وبحضور حضرات: محمد المفتي الجزايرلى بك وأحمد على علوبة بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

----------------

(74)
القضية رقم 36 سنة 15 القضائية

شفعة:
قرار مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1935 المتضمن شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية. ليس في حكم القوانين. لا ينسخ أحكام الشفعة. تنازل المدين المنزوعة ملكيته إلى آخر عن حقه في استرداد أرضه. تصرف الحكومة في الأرض إلى المتنازل إليه. هذا بيع تجوز فيه الشفعة.

-------------------
إن مجلس الوزراء إذ أصدر في 27 من نوفمبر سنة 1935 قراره بالموافقة على مذكرة وزارة المالية التي تضمنت شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية إنما كان يباشر سلطته الإدارية التي تجعل منه قيماً على الملك الخاص للدولة، له أن يضع من الشروط لبيع هذا الملك ما يراه محققاً للصالح العام. فما يصدر منه في هذا الشأن من قرارات هو من قبيل القرارات الإدارية. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 الذى نص على فتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية المهددة بخطر نزع الملكية قد أذن مجلس الوزراء في أن يحدد كيفية هذه المساعدة وشروطها فإن هذا الإذن لا يسوّغ اعتبار ما صدر من المجلس من القرارات الخاصة بتدخل الحكومة لشراء الأراضي الزراعية أو بيع ما اشترته منها بشروط معينة في حكم القوانين، فهي لا يمكن أن تكون ناسخة لأحكام الشفعة. وإذا كان قرار مجلس الوزراء سالف الذكر قد تضمن إيجاباً من الحكومة أوجبت به على نفسها أن ترد لكل مالك ملكه الذى نزع منه بمجرد طلبه في مدى خمس سنوات مقابل ثمنه الذى رسا به المزاد عليها، وإذا كان المدين المنزوعة ملكيته هو قانوناً في حكم البائع، فإن قبول المدين المذكور هذا الإيجاب لا يكون إنشاءً لبيع مستحدث وإنما هو اتفاق على التقايل في البيع القديم والتراد في المبيع والثمن (1). وأما إذا ما تنازل المدين المنزوعة ملكيته إلى آخر عن حقه في استرداد أرضه على أساس التقايل في البيع الذى آلت به الأرض إلى الحكومة، وقبلت الحكومة هذا التنازل وتصرفت على موجبه في الأرض إلى المتنازل إليه، فإن هذا التصرف الذى من شأنه أن يحدث للمتنازل إليه ملكية لم تكن له من قبل يكون بيعاً، ومن ثم تجوز فيه الشفعة.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن عمر أفندي لطفى كان يملك في ناحية أبى صير دفنو من أعمال مركز إطسا مديرية الفيوم أرضاً مساحتها 45 فداناً وجزء من فدان نزعت ملكيتها ورسا مزادها في فبراير سنة 1933 على الشركة العقارية المصرية نائبة عن الحكومة تنفيذاً لاتفاق أبرم بينهما كان الغرض منه صيانة الثروة العقارية. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1933 يخول المدين الحق في أن يسترد عقاره الذى نزعت ملكيته كما يخوله الحق في أن يتنازل لمن يشاء بموافقة وزارة المالية عن هذا العقار كله أو بعضه على أن يقع الاسترداد أو التنازل في مدى خمس سنوات فإن عمر أفندي لطفى تنازل في 26 من نوفمبر سنة 1940 عن حقه في استرداد أرضه إلى السيدة فتحية حسنين أبو العينين المطعون ضدها الأولى، وأقرت وزارة المالية هذا التنازل، وعلى أساسه أودعت المطعون ضدها الأولى خزانة وزارة المالية مبلغ 161 ج و638 م تأميناً على ذمة استرداد أرض عمر أفندي لطفى. وفى 31 من يوليه سنة 1941 أعلن مورث الطاعنين المطعون ضدها الأولى ومصلحة الأملاك الأميرية برغبته في أخذ الأرض بالشفعة. وفى 24 من أغسطس سنة 1941 أقام عليهما أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 1624 سنة 1941 وطلب فيها الحكم له بحقه في أن يأخذ تلك الأرض بالشفعة مقابل مبلغ قدره 3425 ج و829 م وهو الثمن الذى اشترت به المطعون ضدها الأولى الأرض من مصلحة الأملاك. ودفعت المطعون ضدها الأولى هذه الدعوى بأنه لا شفعة فيما تبيعه مصلحة الأملاك الأميرية من الأراضي التي آلت إليها تنفيذاً لقواعد صيانة الثروة العقارية. وفى أثناء نظر الدعوى توفى مورث الطاعنين وحل الطاعنون محله فيها. وفى 20 من يناير سنة 1944 قضت محكمة مصر بعدم جواز الشفعة لمنافاتها لأحكام صيانة الثروة العقارية وألزمت الطاعنين بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب محاماة. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر وفيه طلبوا قبول استئنافهم شكلا وفى الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والحكم لهم بالطلبات التي وردت في صحيفة افتتاح دعواهم. وفى 14 من يناير سنة 1945 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين مصاريف ثاني درجة وعشرين جنيهاً مقابل أتعاب محاماة - وأعلن الطاعنون بهذا الحكم في 24 من فبراير سنة 1945 فطعنوا فيه بالنقض الخ الخ.


المحكمة

وحيث إن الطعن مبناه أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفى تأويله: أولاً - لأنه أسقط حق الطاعنين في الشفعة استناداً إلى قرارات مجلس الوزراء الخاصة بصيانة الثروة العقارية التي جعلت لملاك الأراضي الزراعية التي نزعت ملكيتها ولفئات من ذويهم حق الأولوية في شراء هذه الأراضي. ذلك في حين أن هذه القرارات ليست في مرتبة القوانين من حيث قوة النفاذ والإبرام. وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه إذا استمد من هذه القرارات أحكاماً عطل بها قانون الشفعة قد خالف المبدأ الأصولي الذى يقضي بأن القانون لا ينسخه إلا قانون. ثانياً - لأنه على فرض اعتبار قرارات مجلس الوزراء الخاصة بصيانة الثروة العقارية مانعة من الشفعة فإن ذلك محله أن يقع بيع الأرض الزراعية من الحكومة إلى مالكها الأصلي أو إلى واحد من ذويه الذين رأت الحكومة أن تؤثرهم بحق الأولوية في الشراء. أما إذا وقع البيع لأجنبي عن الصفقة أحله المالك الأصلي محله كما هو الحال في الدعوى فلا وجه للتحدث بقواعد صيانة الثروة العقارية لأن هذه القواعد تخول المالك الأصلي وذويه حقاً مبناه الرعاية التي اتجهت سياسة الدولة إلى إسباغها عليهم، وهذا اعتبار شخصي محض لا يتعدى هذه الفئة من الناس إلى غيرها. ومن المقرر قانوناً أن الاستخلاف على الحق لا يستتبع انتقال حقوق المتنازل التي يكون ملحوظاً فيها اعتبار شخصي محض. ثالثاً - لأن الحكم المطعون فيه إذ تصدى لتكييف التصرف الذى آلت به ملكية العين موضوع الدعوى إلى المطعون ضدها الأولى لم يعتبر التصرف المذكور بيعاً بل اعتبره تصرفاً من نوع خاص ورتب على هذا الاعتبار عدم جواز الشفعة. ذلك في حين أن التصرف المذكور ليس إلا بيعاً اجتمعت فيه كل مقومات البيع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ أيد حكم محكمة الدرجة الأولى القاضي بعدم جواز الشفعة قد أسس قضاءه: أولا - على أن قرار مجلس الوزراء الذى صدر في 27 من نوفمبر سنة 1935 والذى يجعل لملاك الأراضي الزراعية التي نزعت ملكيتها ولفئات من ذوى هؤلاء الملاك الأولوية في شراء هذه الأراضي إنما صدر من مجلس الوزراء بمقتضى التفويض المنصوص عليه في المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 الصادر بفتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه يؤخذ من المال الاحتياطي العام للدولة لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية نظراً لما جاء فيه من أن تحديد كيفية المساعدة وشروطها يكون بقرار من مجلس الوزراء. ومتى كان الأمر كذلك فإن القرار المذكور يكون متمماً للمرسوم الذى صدر على موجبه وتنفيذاً له، ويكون بالتالي قانوناً له ما للقوانين من قوة النفاذ والإلزام. ولما كانت الأولوية التي جعلها هذا القرار لملاك الأراضي الزراعية وذويهم تتنافى مع حق الشفعة فقد وجب اعتبار القرار المذكور ناسخاً لقانون الشفعة عملاً بقواعد التفسير العامة. ثانياً - انه أياً كان التكييف القانوني الصحيح للعملية التي تجريها وزارة المالية لمصلحة المدين المنزوعة ملكيته من وقت دخولها المزاد بصفة مشترية في الظاهر إلى وقت ردها الأطيان له أو لواحد من ذويه فإنها في أية صورة صورت لا يصح اعتبارها في مرحلتها الأخيرة التي تؤول فيها ملكية الأرض لذى الحق في استردادها بيعاً باتاً يجيز الأخذ بالشفعة. لأن وزارة المالية لم تقصد إلى شراء أرض المدين لتستقر لها ملكيتها وإنما قصدت إلى أن تحوزها لتردها فيما بعد له أو لواحد من ذويه حسب ترتيب أولويتهم، ولأن البيع يقوم على الرضا ووزارة المالية لا تملك أن ترفض نقل الملك إلى المدين أو من حل محله من ذويه متى أعرب عن إرادته في طلب الأرض، ولأن التصرف في مرحلته الأخيرة يتم بمقابل خاص هو المبلغ الذى دفعته الحكومة في سبيل الحصول على الصفقة مضافاً إليه المصاريف القضائية مع استنزال فائض ريع الصفقة حتى تاريخ ردها لطالب استردادها. وهذه اعتبارات من شأنها أن تنفى عن العملية أهم خصائص البيع وتطبعها بطابع خاص، ليكن تكييفه القانوني ما يكون، فهي على كل حال ليست في مرحلتها الأخيرة بيعاً يصح معه الأخذ بالشفعة. ولا يغير من طبيعة هذه العملية صدورها مباشرة لمن تنازل له ذو الحق في استرداد الأرض بموافقة وزارة المالية، لأن المتنازل له يحل محل المتنازل في جميع حقوقه وواجباته فلا يتحول عقده إلى بيع بات يجيز الشفعة.
وحيث إنه يبين من المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 والمرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1933 وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت تنفيذاً لهذين المرسومين ومذكرات وزارة المالية التي انبنت عليها هذه القرارات أن الحكومة قد هالها الازدياد المطرد في دعاوى نزع ملكية الأراضي الزراعية بسبب عجز الملاك عن الوفاء بديونهم بسبب الضائقة المالية مما كان له أثره في خفض قيمة هذه الأراضي، ورأت وجوب تدخلها لمنع هذا الأثر وتدارك أسبابه فاتجهت إلى مجلس إدارة بنك التسليف الزراعي طالبه إليه أن يعد برنامجاً يكفل المحافظة على قيمة الثروة العقارية، فاستجاب المجلس المذكور لهذا الطلب ووضع برنامجاً مقتضاه أن يتجه الجهد إلى السعي لدى الدائنين لصدهم عن الالتجاء إلى نزع الملكية، وذلك إما بزيادة الضمان المقدم لهم كلما كان ذلك في وسع مدينهم أو بأن يدفع بنك التسليف نفسه للدائنين المستحق لهم من الأقساط المتأخرة. وقد حرص مجلس إدارة بنك التسليف على أن يشير على الحكومة في البرنامج الذى وضعه بوجوب الامتناع عن شراء الأرض المعروضة للبيع الجبري حتى لا تتعرض الحكومة للصعوبات المترتبة على إدارة أملاك مختلفة المساحات مبعثرة في جهات متعددة. وأقر مجلس الوزراء هذا البرنامج في 16 من أغسطس سنة 1931. وبدأت الحكومة في تنفيذه، فاستصدرت في 20 من أغسطس سنة 1931 المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 وهو ينص على "فتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية المعرضين لخطر نزع الملكية بناءً على طلب الدائنين، على أن يؤخذ المبلغ المذكور من المال الاحتياطي العام للدولة، وعلى أن تحدد كيفية المساعدة المتقدم ذكرها وشروطها بقرار من مجلس الوزراء". ولم يعرض هذا المرسوم على البرلمان عند انعقاده اكتفاءً بإيداعه ضمن ما أودع من المراسيم التي صدرت بعد فض دورة الانعقاد، لكنه مع ذلك نفذ منذ صدوره وتلقى بنك التسليف من الحكومة دفعات متعددة خصماً من المليون جنيه التي صدر بها المرسوم ليدفعها للدائنين وفاءً للأقساط المتأخرة على مدينيهم. غير أن الحكومة ما لبثت حتى أدركت قصور هذا البرنامج عن تحقيق الغاية التي هدفت إليها وهى الحيلولة دون بيع الأراضي الزراعية بيعاً جبرياً بأثمان بخسة. ولهذا اتجه تفكيرها إلى التدخل لشراء الأطيان التي يتضح من بحث حالتها أنها بيعت أو أنها معرضة للبيع بثمن بخس عن طريق هيئة تمولها وتشرف على عملها. وتنفيذاً لهذا التفكير عقدت وزارة المالية مع الشركة العقارية اتفاقاً أقره مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1931 جاء فيه "أن تضع الحكومة تحت تصرف الشركة مائة ألف جنيه. فإذا ما استنفد هذا المبلغ وضعت الحكومة مبلغاً آخر مماثلا له، وهكذا كلما استنفد مبلغ وضع مبلغ آخر مماثل بدلا منه، وأن تستعمل الشركة هذه المبالغ في شراء الأرض الزراعية المملوكة للمصريين والمعرضة للبيع الجبري في أحوال يتبين منها أن الشراء سيتم بثمن أقل من القيمة الحقيقية لها، وأن تدير الشركة الأراضي المشتراة إلى أن يوجد مشتر لها بثمن مناسب على أن يكون للمدين الأصلي الذى نزعت ملكيته ثم لأفراد عائلته ثم لأهالي المنطقة الموجودة بها الأرض حق الأولوية في الشراء عند تساوى الشروط، وأن تحسب للحكومة فائدة على المبالغ التي تمول بها الشركة بسعر خمسة لكل ماية، وأن تقسم الأرباح الناتجة من العملية عند انتهائها مناصفة بين الشركة والحكومة، مع ثبوت الحق للحكومة في أن تنهى العمل بالاتفاق في أي وقت تشاء. وسارت الشركة العقارية في تنفيذ هذا الاتفاق إلى أن قرر مجلس الوزراء في أول أغسطس سنة 1934 إنهاء العمل به، فوقف الشراء وتسلمت مصلحة الأملاك الأميرية ما اشترته الشركة من أراض زراعية وأدارتها بنفسها. وقد أسفرت هذه الإدارة عن أنه لا تناسب بين غلة هذه الأراضي وبين رؤوس الأموال التي أنفقت في شرائها لتفرقها في مناطق متعددة تفرقاً ضاعف تكاليف إدارتها، الأمر الذى حدا بالحكومة إلى التفكير في التصرف فيها. غير أنه حدث قبل أن يوضع هذا التفكير موضع التنفيذ أن عرض على مجلس النواب في جلسة 5 من يوليه سنة 1932 تقرير اللجنة المالية عن مشروع ميزانية سنة 1932 - 1933 وكان هذا المشروع قد تضمن فصلاً عن صيانة الثروة العقارية الزراعية أشير فيه إلى اتفاق الحكومة مع الشركة العقارية. فقال مقرر اللجنة تعليقاً على هذا الاتفاق: "إن اللجنة مع تقديرها لما قامت به الحكومة من الاتفاق مع الشركة العقارية تلاحظ أن هذا الاتفاق خلو مما يضمن إعادة الأراضي التي تشتريها الشركة إلى أصحابها أو إلى ذويهم في خلال خمس سنين من تاريخ الشراء بثمن محدود لا يقوم حوله شك ولا ريب بأن تقرر صراحة إعادة هذه الأراضي لأصحابها أو ذويهم بثمنها الأساسي مضافاً إليه 10% ربحاً للشركة والحكومة على أن يدفع ربع الثمن نقداً ويقسط الباقي على عشرين سنة بفائدة 6% وحينئذ يتحقق غرض الحكومة وتتحقق الفائدة المرجوة للبلاد". وما أن أبدى مقرر اللجنة المالية ملاحظته هذه حتى قال رئيس الحكومة إنه يوافق اللجنة على رأيها. وحدث أيضاً عند نظر مشروع القانون رقم 26 لسنة 1933 القاضي بأن يؤخذ مليون جنيه من المال الاحتياطي لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية المعرضين لخطر نزع الملكية "أن اتضح للنواب في جلستي 19 و24 من أبريل لسنة 1933 أن المبلغ موضوع هذا القانون هو قيمة ما دفعته الحكومة فعلاً للشركة العقارية تنفيذاً للاتفاق الذى أقره مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1931 فنعى كثير منهم على الحكومة أنها لم تضمن الاتفاق المذكور ما يفيد تقرير حق الاسترداد للملاك الذين نزعت ملكيتهم. وقبل أن يوافق المجلس على مشروع هذا القانون أبدى رغبة عامة في أن يعطى هذا الحق للملاك المذكورين وأن تيسر عليهم سبل استعماله. وعلى إثر ذلك غيرت الحكومة وجهتها وأقامت سياستها في التصرف فيما آل إليها من الأراضي لا على أساس عرضها للبيع بل على أساس ردها إلى أصحابها بحيث لا يباع منها بالمزاد أو بطريق المظاريف - كما تباع أموال الحكومة عادة - إلا ما يبقى تحت يدها دون أن يطلبه صاحب الحق في استرداده. وعملا بهذه السياسة الجديدة أصدر مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1935 قراراً أقر مذكرة لوزارة المالية تضمنت القواعد التي وضعتها الوزارة المذكورة لتراعى في التصرف في هذه الأراضي. ومن هذه القواعد أن يكون لأصحاب هذه الأراضي أو ذويهم ممن سيأتي ذكرهم بعد الحق في شراء تلك الأراضي في مدى خمس سنوات تبدأ بالنسبة إلى كل صفقة من تاريخ رسو مزادها على الشركة العقارية وأن يكون الشراء مقابل الثمن الذى اشترت به الحكومة الصفقة مضافاً إليه المصاريف القضائية ورسوم التسجيل على أن يخصم من ذلك ما يوازى غلة الأرض إذا كان إيرادها زائداً على مصروفاتها، أما إذا زادت المصروفات على الإيراد فتضاف الزيادة إلى الثمن، وأن يدفع طالب الشراء عشر الثمن عند توقيع العقد الابتدائي بالبيع وتحسب على باقى الثمن فائدة بسيطة بسعر 3.5 لكل ماية، وتضم هذه الفائدة إلى باقي الثمن ويقسط المجموع على ثلاثين سنة، وأن تكون الأولوية في شراء الأرض للمالك المنزوع ملكيته فزوجته فأولاده فأبويه فاخوته فأولاد إخوته فأعمامه فأولاد أعمامه فأصهاره، وأن لا يجوز بيع هذه الأراضي أو رهنها رهناً عقارياً أو حيازياً أو تقرير اختصاص قضائي عليها أو إجراء البدل فيها أو التنازل عنها أو تقرير حق عيني عليها أو التنفيذ عليها بطريق الحجز أو نزع الملكية، وذلك لغاية الوفاء بالثمن كله. ومع ذلك فيجوز بيع الأرض أو التنازل عنها كاملة أو مجزأة لأى شخص بشرط موافقة وزارة المالية، وفى هذه الحالة لا تلتزم الحكومة إزاء المتنازل إليه بما التزمت به إزاء الملاك الأصليين وذويهم من حيث أجل دفع الثمن وسعر الفائدة، وأنه إذا انقضت الخمس السنوات دون أن يتقدم أصحاب الأولوية في شراء أي صفقة لاستردادها بالشروط الآنف ذكرها تباع تلك الصفقة بالمزايدة بطريق المظاريف المقفلة، على أن يكون الثمن الأساسي حسب ما تقدره لجنة يختار أعضاءها وزير المالية. ومع ما في هذه الشروط من التيسير البالغ فإن من أصحاب الأراضي من قصرت أسبابه عن الإفادة منها، ولم يهن على الحكومة أن يضيع على هؤلاء حقهم في الاسترداد فخولتهم بناءً على تظلمهم مزيداً من التيسير والمراعاة بقرار صدر من مجلس الوزراء في 16 من مارس سنة 1937 قضى بأن تخفض الفائدة إلى 3% بدلاً من 5ر3. وأن يعفى أصحاب الأراضي من استهلاك رأس المال في الخمس السنوات الأولى من الاسترداد وأن يقسط رأس المال على خمس وثلاثين سنة بدلاً من ثلاثين، وأن تبدأ الخمس سنوات المحددة لقبول طلبات الاسترداد من نوفمبر سنة 1935 بدلاً من تاريخ رسو المزاد.
وحيث إنه مما تقدم يتضح: أولا - أن مجلس الوزراء إذ أصدر في 27 من نوفمبر سنة 1935 قراره بالموافقة على مذكرة وزارة المالية التي تضمنت شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية إنما كان يباشر سلطته الإدارية التي تجعل منه قيماً على الملك الخاص للدولة له أن يضع من الشروط لبيع هذا الملك ما يراه محققاً للصالح العام. وما يصدر منه في هذا الشأن من قرارات من قبيل القرارات الإدارية. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 الذى نص على فتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه لمساعدة ملاك الأرض الزراعية المهددة بخطر نزع الملكية قد أذن لمجلس الوزراء في أن يحدد كيفية هذه المساعدة وشروطها فان هذا الإذن - مع ما يدور في الفقه الدستوري من خلاف حول قوة القوانين المالية وأثرها في القوانين الأخرى مما لا محل هنا للتعرض له - لا يسوغ اعتبار ما صدر من المجلس المذكور من القرارات العامة بتدخل الحكومة لشراء الأراضي الزراعية أو بيع ما اشترته منها بشروط معينة في حكم القوانين، لأن المساعدة المقصودة بالمرسوم الذى تضمن هذا الإذن كانت مقصورة على تمويل بنك التسليف العقاري بالمال ليدفع عن المدينين باسم الحكومة ما تأخر عليهم من الأقساط أخذاً بالبرنامج الذى وضعه مجلس إدارة بنك التسليف على أساس اطراح فكرة تدخل الحكومة لشراء الأراضي والتحذير من عواقب تلك الفكرة. ومتى كان الأمر كذلك فان تلك القرارات لا يمكن أن تكون قد صدرت في حدود الإذن الذى تضمنه المرسوم رقم 107 لسنة 1931 فلا محل أصلاً للقول بأنها تشريع ناسخ لأحكام الشفعة. وفضلاً عن ذلك فان هذه القرارات لم تنشر في الجريدة الرسمية مع أن هذا النشر في حكم الدستور إجراء لابد منه لنفاذ كل تشريع. ثانياً - أن الحكومة وقت أن رأت في 25 من نوفمبر سنة 1931 وجوب تدخلها لشراء الأراضي الزراعية المعرضة للبيع الجبري بثمن بخس إنما كانت تهدف إلى تقوية عنصر الطلب في سوق الأراضي الزراعية لتضع حداً لتدهور قيمتها بعد أن اطردت الزيادة في عرضها. أما رد هذه الأراضي إلى أصحابها فلم يكن هو هم الحكومة، ولهذا جاء اتفاقها مع الشركة العقارية قاضياً بأن تضع الشركة يدها على ما تشتريه إلى أن يوجد له مشتر بثمن مناسب فتبيعه، على أن يكون لصاحب الأرض ثم لأفراد عائلته ثم لأهالي المنطقة حق الأفضلية في الشراء عند تساوى الشروط. وهذا صريح في أن الحكومة - إلى هذا الحين - لم يكن من رأيها أن تؤثر المدين المنزوع ملكيته بأرضه فتركته عرضة لأن يزاحمه غيره ولأن يفضل عليه من يعرض شروطاً أفضل من شروطه. ومن ثم يكون القول بأن الحكومة عندما أقدمت على شراء الأراضي الزراعية المهددة بالبيع فقد التزمت مقدماً بأن ترد هذه الأرض لأصحابها عند طلبها، وأن ملكيتها لهذه الأراضي تبعاً لهذا الالتزام كانت ملكية مقيدة بشرط فاسخ، لا سند له. ثالثاً - أن الحكومة منذ واجهها مجلس النواب برغبته في أن ترد ما آل إليها من الأراضي الزراعية إلى أصحابها اتجهت نحو تنفيذ هذه الرغبة، وجاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1935 عاملاً على تحقيقها. ولما كان القرار المذكور قد تضمن إيجاباً من الحكومة أوجبت به على نفسها بأن ترد لكل مالك ملكه الذى نزع منه بمجرد طلبه في مدى خمس سنوات مقابل ثمنه الذى رسا به المزاد عليها، ولما كان المدين المنزوع ملكيته هو قانوناً في حكم البائع، فان هذا الإيجاب متى قبله المدين المذكور لا يكون إنشاءً لبيع مستحدث، وإنما هو اتفاق على التقايل في البيع القديم والتراد في المبيع والثمن.
وحيث إنه إذا ما تنازل المدين المنزوع ملكيته إلى آخر عن حقه في أن يسترد أرضه على أساس التقايل في البيع الذى آلت به الأرض إلى الحكومة، وقبلت الحكومة هذا التنازل، وعلى موجبه تصرفت في الأرض إلى المتنازل إليه، فان هذا التصرف - الذى من شأنه أن يحدث للمتنازل إليه ملكية لم تكن له من قبل - يكون بيعاً. ومن ثم تكون الشفعة فيه جائزة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز الشفعة على أساس أن التصرف الصادر من مصلحة الأملاك الأميرية للمطعون ضدها ليس بيعاً قد جاء مخالفاً للقانون متعيناً نقضه.


 (1) أنظر الحكمين الصادرين في هذه الجلسة في القضيتين رقم 127 سنة 15 ورقم 144 سنة 15 المنشورين في هذا الجزء تحت رقم 81 ورقم 82.

الطعن 69 لسنة 15 ق جلسة 18 / 4 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 65 ص 152

جلسة 18 من أبريل سنة 1946

برياسة حضرة جندي عبد الملك بك وحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

----------------

(65)
القضية رقم 69 سنة 15 القضائية

ا - شفعة.

عرض الثمن. عرض مبلغ على أنه الثمن الحقيقي. ثبوت أن الثمن أكثر من المبلغ المعروض. عرض ناقص.
ب - استرداد الحصة المبيعة.

عرض الثمن غير واجب. الاختلاف على الثمن. حسم الخلاف بحكم وقضاء الحكم في ذات الوقت برفض طلب الاسترداد لكون الطالب لم يبد استعداده لدفع الثمن الحقيقي. مخالف للقانون. المادة 462 مدنى.

-----------
1 - إذا أعلن الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة وعين الثمن الذى أسس عليه هذه الرغبة قائلا إن هذا المبلغ هو الذى دلت تحرياته على أنه الثمن الحقيقي وهو قيمة ما تساويه العين المبيعة في نظره، فإن العرض في هذه الحالة يكون مقيداً بالثمن المذكور. فإذا تبين أن هذا الثمن دون الثمن الحقيقي الذى ثبت لدى محكمة الاستئناف فإن هذا العرض يكون ناقصاً نقصاً لا يجزئ عنه أن يكون الشفيع قد وصف الثمن الذى عينه بأنه الثمن الحقيقي  (1) ، لأن طلب الشفعة على أساس ثمن معين لا يفيد بذاته استعداد الطالب للأخذ بثمن أعلى.
2 - إن المادة 462 من القانون المدني لم توجب على طالب الاسترداد أن يعرض الثمن، خلافاً لما هو مقرر في قانون الشفعة (2) . وهذا يفيد أنه لا يجوز رفض طلب الاسترداد بمقولة إن الثمن الذى عرضه الطالب هو دون الثمن الذى ثبت لدى القضاء أنه الثمن الحقيقي، إلا إن أعرض الطالب عن الاسترداد مقابل هذا الثمن بعد أن تتاح له فرصة العلم به. فإذا كان ثمن الحصة المبيعة بقى مختلفاً عليه إلى أن حسمت محكمة الاستئناف هذا الخلاف بحكمها مثبتة فيه الثمن الحقيقي، ثم حكمت المحكمة في ذات الوقت برفض طلب الاسترداد لكون الطالب لم يبد استعداده لدفع هذا الثمن، فإنها تكون قد خالفت القانون  (3) .


(1) المادة 942 من القانون الجديد توجب إيداع "كل الثمن الحقيقي الذى حصل بعد البيع".
 (2)وكذلك المادة 833 من القانون الجديد فإنها لا توجب إيداع الثمن ولا عرضه.
 (3)طلب المدعى في دعواه الحكم أصلياً باستحقاقه أخذ العقار المبيع بالشفعة واحتياطياً الحكم بحقه في استرداده عملا بالمادة 462 من القانون المدني، وقضت محكمة الاستئناف برفض الدعوى، ومحكمة النقض قضت بنقض الحكم المطعون فيه وبإحالة الدعوى إلى محكمة الاستئناف للحكم فيها من جديد في خصوص حق الاسترداد وحده.