جلسة 31 من أكتوبر سنة 1946
برياسة حضرة جندي عبد
الملك بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلى بك
وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.
---------------
(103)
القضية رقم 85 سنة 15 القضائية
شفعة.
العين المشفوعة لا تصير
إلى ملك الشفيع إلا من بعد الحكم بالشفعة انتهائياً. دعوى الشفيع بالريع عن المدة
السابقة للحكم بالشفعة. لا سند لها من القانون.
------------------
إذا كان حق الشفيع في طلب
الأخذ بالشفعة إنما ينشأ بالبيع مع قيام المسوغ، فإن العين المشفوعة لا تصير إلى
ملك الشفيع في غير حالة التراضي إلا بالحكم النهائي القاضي بالشفعة. ولا سند في القانون
لدعوى الشفيع بريع العين عن المدة السابقة للحكم ولو كان قد عرض الثمن على المشترى
عرضاً حقيقياً وأودعه خزانة المحكمة إثر رفضه. ذلك بأن الشارع إذ نص في المادة 18
من قانون الشفعة (1) على
أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع إنما أراد بالسند السبب القانوني المنشئ
لحق الملكية، لا دليل الملكية أو حجيتها. ومقتضى هذا النظر ولازمه أن المشفوع لا
يصير إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم؛ أما قبله فلا، لأن المسبب لا يوجد قبل
سببه، ولأن ما جعله الشارع من الأحكام منشئاً للحقوق لا ينسحب على الماضي. ولا يفيد أن لحكم الشفعة
أثراً رجعياً ما جاء في المادة العاشرة من قانون الشفعة (2)
مفيداً حق المشترى في البناء
والغراس في العين المشفوعة، ولا ما جاء في المادة الثانية عشرة (3)
قاضياً بأنه لا يسرى على
الشفيع كل رهن من المشترى وكل حق اختصاص حصل عليه دائنوه وكل بيع وكل حق عيني قبله
المشترى أو اكتسبه الغير ضده بعد تسجيل طلب الشفعة، فإن الشارع المصري إنما أخذ
أحكام هاتين المادتين جملة من فقه الحنفية وهى مخرجة فيه، لا على فكرة الأثر
الرجعى، بل على فكرة العدل والبعد عن الجور والتوفيق بالقدر المستطاع بين ما تعارض
من مصلحتي المشترى والشفيع. وكذلك لا يتعارض القول بتملك الشفيع من وقت الحكم
بالشفعة مع ما نص عليه في المادة الثالثة عشرة (4)
من حلول الشفيع محل
المشترى في حقوقه والتزاماته بالنسبة إلى البائع، ولا مع ما نص عليه فيها من أن
الشفيع ليس له في حالة الاستحقاق أن يرجع إلا على البائع، فإن هذا لا يعين أن
الشفيع يحل محل المشترى من وقت طلبه الشفعة (5).
الوقائع
أقام الطاعن على المطعون
ضده الدعوى رقم 111 سنة 1942 كلى الزقازيق وقال في صحيفة افتتاحها إن المطعون ضده
اشترى من السيدة إيلين ليدس 13 ف و17 ط و22 س في 12 من أغسطس سنة 1941. ولما كان
الطاعن حائزاً لما يجعله شفيعاً في الصفقة فقد أنذر المطعون ضده في 20 من أغسطس
سنة 1936 برغبته في الأخذ بالشفعة وكلفه بالحضور في أول سبتمبر سنة 1941 إلى محكمة
المنصورة المختلطة لتوقيع عقد تنازله له عن العين المبيعة مقابل قبض ثمنها. غير أن
المطعون ضده لم يحضر في الميعاد المذكور ولم يسلم بحق الطاعن إلى أن قضى بهذا الحق
نهائياً بالحكم الصادر من محكمة استئناف مصر في 24 من يونيه سنة 1941. ونفذ هذا
الحكم بتسليم العين المشفوعة في 15 من سبتمبر سنة 1941. وقال الطاعن في صحيفة
دعواه إنه لما كان المطعون ضده قد بقى واضعاً يده على العين المشفوعة من يوم أن
اشترى إلى يوم أن تنفذ حكم الشفعة النهائي بالتسليم، وكان الطاعن ذا حق في أن يرجع
عليه بريع هذه العين من يوم أول سبتمبر سنة 1936 إلى 10 سبتمبر سنة 1941، فإنه
يطلب الحكم عليه بمبلغ 845 ج و415 م وهو قيمة ريع العين المشفوعة عن هذه المدة على
أساس أن ريع الفدان يوازى اثنى عشر جنيهاً في السنة. وفى 30 من نوفمبر سنة 1942
حكمت محكمة الزقازيق تمهيدياً بندب خبير لتقدير قيمة صافى الريع عن المدة من 7
يونيه سنة 1937 إلى 15 سبتمبر سنة 1941 بناءً على أن حكم الشفعة مقرر لحق الملكية
وليس منشئاً له، وأن الشفيع مستحق للريع منذ أظهر رغبته في 20 من أغسطس سنة 1936.
غير أنه لما لم يكن قد أودع الثمن خزانة المحكمة إلا في 7 من يونيه سنة 1937 فقد جعلت
المحكمة هذا التاريخ بداية للمدة التي يستحق الشفيع ريعها.
استأنف المطعون ضده هذا
الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلب فيه أصلياً إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى
المستأنف عليه فيما زاد على مبلغ 27 ج و493 م واحتياطياً تعديل الحكم المستأنف
وقصر مأمورية الخبير على تقدير ريع الأطيان المشفوعة عن المدة من 24 يونيه سنة
1941 إلى 15 سبتمبر سنة 1941.
وفى 22 من مارس سنة 1945
قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفى موضوعه بتعديل الحكم المستأنف
وقصر مأمورية الخبير على تقدير ريع الأطيان المشفوعة ابتداءً من 24 يونيه سنة 1941
إلى 15 سبتمبر سنة 1941 وألزمت المستأنف بالمصاريف الخ.
وفى 18 من يونيه سنة 1945
قرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض الخ. الخ.
المحكمة
وحيث إن الطعن مبناه أن
الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير المادتين 13 و18 من قانون الشفعة، كما أخطأ في
اعتماده على ما سماه إجماعاً عند علماء الحنفية على أن الشفيع إنما يملك بالتراضي
أو بقضاء القاضي. ثم إنه خالف أحكام قانون الشفعة نفسه، كما خالف المبادئ العامة
للقانون وللشريعة الإسلامية. أما خطأ الحكم في تفسير المادتين 13 و18 من قانون
الشفعة فوجهه أن الحكم قد استند إلى هاتين المادتين في القول بأن حكم الشفعة ينشئ
ملكية الشفيع ولا يقررها في حين أن التفسير الصحيح لهاتين المادتين لا يؤدى إلى ما
استخلصته المحكمة منهما. ذلك لأن المادة 18 تنص على أن "الحكم الذى يصدر
نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع، وهذا النص لا يفيد أكثر من أن
حكم الشفعة هو دليل الشفيع على ملكية العين المشفوعة، كما أن حكم القسمة هو دليل
المتقاسم على ملكية ما اختص به في القسمة. أما سبب الملكية، وهو غير دليلها، فسابق
على الحكم في كلتا الحالتين. وأما المادة 13 فتنص على حلول الشفيع محل المشترى
بالنسبة إلى البائع في كافة ما كان له وعليه من الحقوق. وهذا الحلول ليس معناه أن
الشفيع وقد حل محل المشترى لا يكون مالكاً إلا من يوم الحكم له بالشفعة بل معناه
أن البيع الذى صدر إلى المشترى كان يجب أن يصدر إلى الشفيع إذ هو أحق به. فهو بهذه
المثابة يجب أن يعتبر حالا محل المشترى من اليوم الذى أظهر فيه رغبته وأعلنها
للمشترى منبهاً عليه بأنه أولى منه بالصفقة. والشفيع في ذلك شبيه بصاحب حق
الاسترداد الوراثي والحكم له، فيما هو مجمع عليه في فرنسا وفى مصر، يقرر حقه ولا
ينشئه، وأثره لا يبدأ من يوم صدوره بل يرجع إلى يوم البيع الذى حل فيه المسترد محل
المشترى. أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من التفرقة بين حق الأخذ بالشفعة وحق
التملك بها، وأن الحق الأول ينشأ بالبيع مع قيام سبب الشفعة، أما الحق الثاني فلا
ينشأ إلا بالتراضي أو قضاء القاضي، وما رتبه الحكم على هذه التفرقة من أن حكم القاضي
بالشفعة يكون مقرراً لحق طلبها منشئاً لأثر هذا الطلب في حلول الشفيع محل المشترى
- ما قاله الحكم من ذلك وما رتبه عليه لا أساس له إلا اعتبار المشترى بائعاً مع
أنه ليس ببائع بل هو متخل عن الصفقة والبائع هو البائع ذاته.
وأما خطأ الحكم في اعتماده
على ما سماه إجماعاً عند علماء الحنفية على أن الشفيع لا يملك إلا بالتراضي أو
قضاء القاضي، فوجهه أن من علماء الحنفية من لم ير هذا الرأي، فكان القول بأنهم
مجمعون عليه مغايراً للواقع، وعلى فرض أنهم مجمعون فإن الشفعة ليست من المواد التي
يشملها نص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي يتعين على المحاكم أن
تأخذ عند الحكم فيه بأرجح الأقوال في مذهب أبى حنيفة.
وأما مخالفة الحكم لقانون
الشفعة فوجهه أن الفقرة الأخيرة من المادة 13 من هذا القانون تنص على أنه
"إذا ظهر بعد الأخذ بالشفعة أن العقار المشفوع مستحق للغير فليس للشفيع أن
يرجع إلا على البائع" والمعتبر في هذا النص أن الشفيع يتلقى حقه مباشرة من
البائع. وعلى هذا أوجب النص المذكور رفع دعوى الضمان عليه. ومقتضى هذا الاعتبار أن
حق الشفعة قائم من وقت البيع، وأن طلبها هو بداية استعمال هذا الحق، وأن ملكية
الشفيع ترجع إلى هذا الطلب.
وأما مخالفة الحكم
للمبادئ العامة في القانون المدني وفى الشريعة الإسلامية فوجهه أن المعتدى على
الحق أو المنكر له يجب أن لا يفيد من مطله وأن صاحب الحق يجب أن يعوض عما يلاقيه
من ضرر بسبب عنت خصمه، ولهذا كان من الأصول الثابتة أن الأحكام مقررة للحقوق لا
منشئة لها. والقول بأن حق الشفعة ينشئ ملكية الشفيع ولا يقررها مناقض لهذا الأصل،
كما أنه مناقض لأحكام الفقه الإسلامي التي تقضى باعتبار المشترى كالغاصب في كل ما
له علاقة بالمباني أو الغراس في الأرض المشفوعة. وهذا لا يتفق مع القول بأن حكم
الشفعة منشئ لا مقرر لأن لازم كونه منشئاً أن يعتبر المشترى مالكاً حتى صدور
الحكم، ومن ثم ذا حق في أن يجرى في الملك ما يشاء من بناء وغراس، أما أن يعتبر
المشترى غاصباً وأن يعامل معاملة الغاصب فذلك يتفق كل الاتفاق مع اعتبار حق الشفيع
قائماً منذ طلبه واعتبار الحكم مظهراً للحق لا منشئاً له.
هذه هي أوجه الطعون
وحيث إن الشارع إذا كان
قد نص في المادة 18 من قانون الشفعة على أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيعTitre de propriété فإنه لم يرد بهذا النص أن
يعتبر الحكم المذكور حجة أو دليلاً على الملكية التي قضى بها، وإلا لكان هذا النص
عبثاً مع وجود المادة 232 التي نصت على حجية الأحكام. بل الذى أراده الشارع هو
اعتبار حكم الشفعة سبباً قانونياًcause
juridique لملكية الشفيع، كما أراد بنص
المادة 587 من قانون المرافعات اعتبار حكم البيع سبباً قانونياً لملكية من رسا
عليه المزاد، وكما أراد بنص المادة 608 من القانون المدني اعتبار مجرد وضع اليد
سبباً صحيحاً لملكية واضع اليد على المنقول. وكلمة سند titre التي وردت في هذه النصوص
كلها إنما جاءت على معنى السبب القانوني المنشئ لحق الملكية، ولم تجئ على معنى
دليل الملكية أو حجيتها. ومتى كان حكم الشفعة في نظر القانون هو سبب ملكية الشفيع
ومنشأها فإن مقتضى هذا النظر ولازمه أن لا يصير المشفوع إلى ملك الشفيع إلا بعد
هذا الحكم أما قبله فلا، لأن المسبب لا يوجد قبل سببه، ولأن ما جعله الشارع من
الأحكام منشئاً للحقوق لا ينسحب على الماضي.
وحيث إن ما جاء في المادة
العاشرة من قانون الشفعة مقيداً حق المشترى في أن يبنى وأن يغرس في العين
المشفوعة، وما جاء في المادة الثانية عشرة قاضياً بأن لا يسرى على الشفيع كل رهن
من المشترى وكل حق اختصاص حصل عليه دائنوه وكل بيع وكل حق عيني قبله المشترى أو
اكتسبه الغير ضده بعد تسجيل طلب الشفعة - ما جاء من ذلك في قانون الشفعة لا يمكن
أن يفيد أن الشارع قد أراد أن يجعل حكم الشفعة ذا أثر رجعى، لأن هذا الأثر لا
يستقيم إلا على تقدير أن مجرد طلب الشفعة يجعل المشترى مالكا تحت شرط فاسخ هو
الحكم بالشفعة ويجعل في الوقت نفسه الشفيع مالكا تحت شرط توقيفي هو الحكم له بطلبه
بحيث إذا صدر هذا الحكم وتحقق الشرط الفاسخ لملك المشترى والموقف لملك الشفيع زالت
ملكية المشترى واعتبرت كأن لم تكن واعتبر الشفيع مالكاً منذ إعلان طلبه. وهذا
تقدير غير مقبول، لأن حق الشفيع الذى سيتولد عند البيع هو حق متعلق بعقارjus ad rem لا حق ملكيته، وهو لا يخول صاحبه إلا مداعاة المشترى بدعوى شخصية. ثم
إن الأصل في التصرفات التنجيز. والتعليق يثبت بعارض الشرط. والتعليق بالشرط لا يكون
إلا في الالتزامات الاتفاقية. وإذن فلا يمكن أن يثبت للمشترى - الذى اشترى بعقد
غير مضاف ولا معلق على شرط ولا مقترن به ثم سجل عقده - إلا حق ملكية تامة ناجزة
تبقى له إلى أن تزول عنه بسبب من الأسباب التي تؤدي إلى هذا الزوال. أما أن تتحول
هذه الملكية التامة الناجزة إلى ملكية معلقة لمجرد أن البيع الذى كان علة لها قد
ولد حقاً لمن قام به سبب من أسباب الشفعة فلذلك لا يتأتى قانوناً.
هذا كله إذا كان الشارع المصري
قد أتى من عنده بجديد فيما أورده من أحكام المادتين العاشرة والثانية عشرة من
قانون الشفعة ليجوز الخلاف على مراده من إيراد هذه الأحكام، وليجوز القول في غمرة
هذا الخلاف بأنه أراد بها أن يجعل حكم الشفعة ذا أثر رجعى. لكن الواقع أن الشارع
أخذ أحكام هاتين المادتين جملة من فقه الحنفية. فقد كان الرأي عند أبى يوسف أن
الشفيع ليس له حق تكليف المشترى بهدم البناء وقلع الشجر لكن إذا أصر على الأخذ
بالشفعة أخذ العقار بثمنه مضافاً إليه قيمة البناء أو الشجر باقيين على الأرض.
ووجه هذا الرأي أن المشترى لم يكن في بنائه ولا في غرسه متعدياً لأنه إنما غرس
وبنى في ملكه. فإذا أراد الشفيع أخذ ملكه جبراً عنه وجب ألا يترتب على ذلك ضرر.
وليس في أخذه على هذا الوجه ضرر بأحدهما، لأن الشفيع يأخذ ما زاد في الأرض بقيمته
والمشترى قد عوض عنه بهذه القيمة، وإذا كان في إلزام الشفيع بأخذ شيء قد لا يرغب
فيه بعض ضرر، فهو أدنى من ضرر المشترى حين يؤخذ منه البناء والشجر بقيمتهما
مقلوعين. وعند تعارض الضرر يحتمل الأقل. وكان الرأي عند أبى حنيفة أن الشفيع
بالخيار إن شاء أخذ الأرض بالثمن والبناء والغرس بقيمته مقلوعاً، وإن شاء أجبر
المشترى على القلع. ووجه هذا الرأي أن المشترى كان عليه أن يتريث إلى أن يفصل في أمر
الشفعة، وإذ لم يفعل وبنى وغرس في عين تعلق بها حق غيره لزمه أن يتحمل ما يترتب
على فعله هذا من ضرر. وقد وقف الشارع المصري بين هذين الرأيين فأخذ بالثاني في الحال
التي يكون فيها البناء أو الغراس بعد الطلب، لأن المشترى يكون قد أقدم على البناء
أو الغراس وهو يعلم أن العين قد تؤخذ منه، فإن كلف القلع أو الهدم وحدث له ضرر فهو
الجاني على نفسه، وأخذ بالرأي الأول إذا كان البناء أو الغراس قبل الطلب لأنه عسى
أن يكون المشترى غير متوقع الطلب بالشفعة ثم هو يتصرف في ملكه.
وكما استمد الشارع المصري
من فقه الحنيفة ما شرعه من أحكام لتصرفات المشترى المادية في العين المشفوعة، كذلك
استمد من هذا الفقه نفسه ما شرع من أحكام للتصرفات القانونية في هذه العين. إذ
المقرر في الفقه الحنفي أنه إذا تم عقد البيع بين البائع والمشترى ثبت ملك المشترى
في البيع، ولا ترفعه مطالبة الشفيع أن يأخذه بالشفعة، وإنما يثبت للشفيع بهذه
المطالبة حق متعلق بالمبيع، وهذا الحق هو استحقاقه لأخذه جبراً عن المشترى إذا رغب
في ذلك وأنفذ تلك الرغبة. وهذا الحق لا يحول بين المشترى وبين التصرف في ملكه. لا
فرق في ذلك بين أن يصدر ذلك منه قبل المطالبة بالشفعة وأن يصدر بعدها، فتعتبر
تصرفاته نافذة من وقت تمامها، لكنها مع ذلك تكون عرضة للنقض والإبطال إذا قضى
للشفيع بالشفعة، إذ يكون له في هذه الحال أنه يمضى هذه التصرفات وأن يفسخها، بناءً
على أن المشترى قد تصرف فيما تعلق به حق غيره، فلا ينفذ تصرفه منعاً للإضرار
بالشفيع. وهذا الذى قرره علماء الحنفية قد أجرى الشارع المصري حكمه في المادة الثانية
عشرة من قانون الشفعة على ما صدر من المشترى من تصرفات في العين المشفوعة بعد
تسجيل طلب أخذها بالشفعة لأن الشارع، وقد أوجب تسجيل هذا الطلب، كان خليقاً بأن
يجعل هذا التسجيل شرطاً لحق الشفيع في نقض تصرفات المشترى. ومن هذا يبين أن الفقه الحنفي
هو مصدر قانون الشفعة فيما شرعه من أحكام المادتين العاشرة والثانية عشرة. ولما
كان هذا الفقه لا يعرف الأثر الرجعى ولا الاستناد، أى ثبوت الحكم في الحال مستنداً
إلى ما قبله، إلا في تصرفات الفضولي إذا أجيزت وغيرها مما لا يدخل في باب
التعليقات، وكانت هذه الأحكام بناءً على ذلك مخرجة فيه لا على فكرة الأثر الرجعى
بل على فكرة العدل والبعد عن الجور والتوفيق بالقدر المستطاع بين ما تعارض من مصلحتي
المشترى والشفيع، فإن القول بأن الشارع المصري - الذى أخذ هذه الأحكام معلولة
بعلاتها الفقهية - قد دل بما شرعه منها على جعل حكم الشفعة ذا أثر رجعى يكون قولاً
ظاهر الفساد.
وحيث إن النص في المادة
الثالثة عشرة من قانون الشفعة على حلول الشفيع محل المشترى في حقوقه والتزاماته
بالنسبة إلى البائع، لا يمكن أن يفيد ما ذهب إليه الطاعن من اعتبار الشفيع الذى
حكم له بطلبه حالا محل المشترى منذ هذا الطلب، إذ اعتباره كذلك لا يجوز إلا على
تقدير أثر رجعى لحلوله محل المشترى، وهو تقدير يتنافى مع ما تقرر قبل من أن حكم
الشفعة منشئ لا مقرر لحق الشفيع، لأن لازم كونه منشئاً أن لا تتصل العين المشفوعة
بملك الشفيع إلا بعد الحكم، ولما كانت ملكية الشفيع لهذه العين هي جوهر الحق الذى
يحل فيه محل المشترى، وكان إسناد هذه الملكية للشفيع قبل الحكم له بالشفعة
ممتنعاً، فإن حلوله فيها قبل الحكم بالشفعة يكون ممتنعاً أيضاً. هذا وإن كان العمل
قد جرى في فرنسا على غير ذلك في خصوص حق الاسترداد الوراثي، فذلك لأن الشارع هناك
لم يجعل حكم الاسترداد منشئاً لحق المسترد، كما جعل الشارع هنا حكم الشفعة منشئاً
لحق الشفيع (6) ، وعلى
هذا يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الرأي إذ قال - تأسيساً على المادة 18 من
قانون الشفعة - إن هناك فرقاً بين حق طلب الشفعة وحق التملك بها، وإنه إذا كان
الحق الأول يوجد بالبيع مع قيام المسوغ فإن الحق الثاني لا يوجد إلا بقبول المشترى
أو القاضي نيابة عنه. ومن أجل هذا كان حكم الشفعة مقرراً لحق الشفيع في طلب الأخذ،
منشئاً لأثر هذا الطلب في حلول الشفيع محل المشترى على ما نصت عليه المادة 13 من
قانون الشفعة. ولا يعيب الحكم المذكور ما جاء فيه مشيراً إلى أن هذا الرأي الذى
ارتآه متفق مع رأى الحنفية في الملك بالشفعة، لأنه لم يقم قضاءه على رأى الحنفية
ليصح النعي عليه بأن هذا الرأي ليس مجمعاً عليه عندهم وأنه على فرض الإجماع عليه
لا يقيد القضاء المدني، بل أقام قضاءه على ما استمده استمداداً صحيحاً من نصوص
المادتين 18 و13 من قانون الشفعة. ولهذا يكون الوجهان الأول والثاني من وجوه الطعن
واجبى الرفض.
وحيث إن النص في الفقرة
الأخيرة من المادة الثالثة عشرة من قانون الشفعة على أن الشفيع ليس له في حالة
الاستحقاق أن يرجع إلا على البائع - هذا النص لا يمكن أن يفيد زوال ملك المشترى
للعين المشفوعة بمجرد حكم الشفعة واعتباره كأنه لم يكن مالكاً لهذه العين، على نحو
ما قال الطاعن في الوجه الثالث من وجوه طعنه مستدلاً به على استثناء حكم الشفعة
وسريانه على الماضي، لأن الشفيع إذ يرجع بالضمان في حالة الاستحقاق إنما يستعمل
حقاً من حقوق المشترى الذى حل محله، ولا يتأتى مع هذا الوضع أن يرجع على المشترى
نفسه بل الذى يتأتى أن يرجع على البائع الذى ادعى ملك ما باع ثم نقضت دعواه
بالاستحقاق. وعلى ذلك فلا تعارض بين نفى الأثر الرجعى لحكم الشفعة واعتبار المشترى
مالكا إلى يوم هذا الحكم وبين إيجاب الضمان في حالة الاستحقاق على البائع دون
المشترى. كذلك لا تعارض ين اعتبار المشترى مالكاً إلا يوم الحكم بالشفعة وبين ما
جاء من الأحكام في الفقه الإسلامي خاصاً ببناء المشترى أو غرسه في العين المشفوعة،
لأن هذه الأحكام ليس مبناها عند الحنفية اعتبار المشترى غاصباً، كما زعم الطاعن في
الوجه الأخير من وجوه الطعن، بل مبناها اعتبار المشترى خاطئاً ببنائه أو غرسه في ملكه
الذى تعلق به حق الشفيع. أما قول الطاعن بأن اعتبار المشترى مالكا إلى يوم الحكم
في الشفعة فيه افتيات على القاعدة التي تقضى بأن الأحكام مقررة لا منشئة للحقوق
فرده أن الشارع نفسه هو الذى جعل حكم الشفعة منشئاً لحق الشفيع كما جعل حكم البيع
منشئاً لحق الراسي عليه المزاد فكان النزول على حكم الشارع واجباً لا معدى عنه.
وحيث إنه وقد بان مما
تقدم أن العين المشفوعة لا تصير إلى ملك الشفيع في غير حال التراضي إلا بالحكم النهائي
القاضي بالشفعة، فإن دعوى الشفيع بريع هذه العين عن المدة السابقة على هذا الحكم
تكون دعوى لا سند لها من القانون. ولا يغير من هذا النظر أن يكون الشفيع قد عرض
الثمن على المشترى عرضاً حقيقياً وأن يكون قد أودعه خزانة المحكمة إثر رفضه، لأنه
ما كان ليصبح مديناً بالثمن للمشترى بمجرد طلب الشفعة ولا كان ملزماً بعرضه ولا
بإيداعه. فإذا كان قد ألزم نفسه بما لم يلزمه به القانون فهو وشأنه. على أنه ليس
له أن يتوسل بفعله إلى حرمان المشترى من حقه. وعلى هذا يكون الحكم المطعون فيه قد
أصاب إذ قصر مسئولية المطعون ضده عن ريع العين التي اشتراها على المدة التالية
للحكم القاضي للطاعن بالشفعة. ويكون الطعن على هذا الحكم متعين الرفض موضوعاً.
(1)تطابقها المادة 944 من القانون الجديد في نصها على أن "الحكم
الذى يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع" مع استبدال عبارة
"دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل" بعبارة "وعلى المحكمة
تسجيله من تلقاء نفسها".
(2)تطابقها في أحكامها المادة 946 من القانون الجديد.
(3)تطابقها في حكمها المادة 947 من القانون الجديد.
(4)تطابقها في أحكامها المادة 945 من القانون الجديد.
(5)للدكتور أنور سلطان الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة
فاروق الأول نقد لهذا الحكم منشور في العدد الرابع من السنة الثانية ص 699 - 718
من مجلة الحقوق التي تصدرها كلية الحقوق بجامعة فاروق الأول.
(6)قد أبرز القانون المدني الجديد الفرق بين الشفعة
وبين استرداد الحصة الشائعة إذ نص في المادة 833 على أن "الاسترداد يتم
بإعلان يوجه إلى كل من البائع والمشترى" مع نصه في المادتين 943 و944 على رفع
دعوى الشفعة وعلى أن الحكم النهائي بثبوت الشفعة يكون سنداً لملكية الشفيع.