جلسة 9 من ديسمبر سنة 1991
برئاسة السيد المستشار/
نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي منتصر وحسن حمزة
نائبي رئيس المحكمة وفتحي الصباغ ومصطفى كامل.
------------
(181)
الطعن رقم 10971 لسنة 60
القضائية
(1)اختصاص
"الاختصاص المكاني". دفوع "الدفع بعدم الاختصاص". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز إثارة الدفع
بعدم الاختصاص المكاني لأول مرة أمام النقض. ما دامت مدونات الحكم قد خلت مما
يظاهره. علة ذلك؟
(2)إثبات "اعتراف". حكم "ما لا يعيبه في نطاق
التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
أخذ الحكم بإقرار الطاعن
بالتحقيقات. لا يعيبه. ما دام لم يرتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف.
(3)إثبات "اعتراف". استدلالات. مأمورو الضبط القضائي. محكمة
الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق مأمور الضبط القضائي
في سؤال المتهم. دون استجوابه. المادة 29 إجراءات.
الاعتراف في المسائل
الجنائية من عناصر الاستدلال. تقدير صحته وقيمته في الإثبات. موضوعي.
حق المحكمة في الأخذ
باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق. وإن عدل عنه. متى اطمأنت إليه.
(4)إثبات "اعتراف". إكراه. محكمة الموضوع "سلطتها في
تقدير الدليل".
البحث في صحة ما يدعيه
المتهم من انتزاع الاعتراف منه بالإكراه. موضوعي.
(5)إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تساند الأدلة الجنائية.
لا يلزم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. كفاية أن تكون
الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها.
(6)نقض "أسباب الطعن. تحديدها. ما لا يقبل منها".
تفصيل أسباب الطعن بالنقض
ابتداءً. واجب. علة ذلك؟
(7) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي.
محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي".
قصد القتل. أمر خفي.
إدراكه بالأمارات والمظاهر الخارجية التي تنبئ عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
(8)إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق
الدفاع ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
ليس للطاعن أن ينعى على
المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها.
الدفاع الموضوعي. التحدي
به أمام النقض. غير مقبول.
مثال.
(9) إثبات "بوجه عام" "معاينة".
حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
عدم التزام المحكمة
بالتحدث في حكمها. إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
مثال لتسبيب سائغ.
(10)إثبات "شهود". إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
حق المحكمة في الاستغناء
عن سماع شهود الإثبات. بتنازل المتهم صراحة أو ضمناً. عدم حيلولة ذلك دون
استعانتها بأقوالهم في التحقيق الابتدائي. ما دامت قد طرحت على بساط البحث.
(11)إثبات "بوجه عام" "أوراق رسمية". تزوير
"الطعن بالتزوير".
الأصل في الإجراءات
الصحة. عدم جواز إثبات ما يخالف الثابت بمحضر الجلسة أو الحكم. إلا عن طريق
الادعاء بالتزوير.
(12) مسئولية مدنية
"مسئولية المتبوع". دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها" خطأ. ضرر.
إثبات "قرائن قانونية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مسئولية المتبوع عن أعمال
تابعة غير المشروعة. قيامها على خطأ مفترض في جانب المتبوع فرضاً لا يقبل إثبات
العكس. مرجعه سوء اختياره لتابعه وتقصيره في رقابته. تحققها؟
ارتكاب ضابط الشرطة جريمة
قتل عمد بمسدسه الذي في عهدته بحكم وظيفته. تحقق مسئولية وزير الداخلية عن الضرر
باعتباره متبوعاً. علة ذلك؟
------------
1 - لما كان الطاعن لم
يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها المكاني بنظر الدعوى، وكانت مدونات الحكم
خالية مما ينفي هذا الاختصاص ويظاهر ما يدعيه الطاعن من أن ضبطه تم في دائرة قسم
الساحل بمحافظة القاهرة وليس في دائرة شبرا الخيمة التي تقع في اختصاص محكمة
الموضوع فلا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق
بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن وظيفتها.
2 - من المقرر أنه لا
يقدح في سلامة الحكم أخذه بإقرار الطاعن بالتحقيقات طالما أن الإقرار قد تضمن من
الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى، وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر
القانوني للاعتراف.
3 - من المقرر طبقاً لنص
المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن
التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً وأن يثبت في محضره ما يجيب به المتهم
بما في ذلك اعترافه بالتهمة ويكون هذا المحضر عنصراً من عناصر الدعوى للمحكمة أن
تستند إلى ما ورد به ما دام قد عرض مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث في الجلسة
ولها أن تعول على ما تضمنه محضر جمع الاستدلالات من اعتراف ما دامت قد اطمأنت
إليه، لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي
تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات بغير معقب ما
دامت تقيمه على أسباب سائغة، ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور
من أدوار التحقيق بما في ذلك محضر الضبط وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صدقه
ومطابقته للحقيقة والواقع.
4 - من المقرر أن لمحكمة
الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد
انتزع منه بطريق الإكراه.
5 - من المقرر أنه لا يلزم
في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من
جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها
مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون
باقي الأدلة، إذ يكفي أن تكون الأدلة مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم
ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
6 - من المقرر أن تفصيل
أسباب الطعن ابتداءً مطلوب على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه منذ
افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن العيب الذي شاب
الحكم.
7 - من المقرر أن قصد
القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات
والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه
النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
8 - لما كان الثابت من
محضر جلسة المحاكة أن الطاعن ولئن أثار في دفاعه أن وقت ارتكاب الحادث - بدلالة
حالة التيبس الرمي التي وجدت عليها جثة المجني عليها - هو فجر يوم 27/ 1/ 1989 أي
لاحقاً على الوقت الذي ورد في أقوال الشهود من رجال الضبطية القضائية في
التحقيقات، إلا أنه لم يثر - على خلاف ما زعمه في أسباب طعنه - أن وفاة المجني
عليها حدثت في وقت سابق على هذا الوقت الأخير، فإنه ليس للطاعن أن ينعى على
المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها،
ولا يقبل منه التحدي بالدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
9 - من المقرر أن المحكمة
لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين
عقيدتها، ومن ثم فإن منعى الطاعن بخصوص التفات الحكم عن إيراد مؤدى المعاينة التي
أجريت للمكان الذي وجدت فيه جثة المجني عليها والتي لم يعول عليها الحكم ولم يكن
لها أثر في عقيدته يكون ولا محل له.
10 - من المقرر أن لمحكمة
الموضوع أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة
أو ضمناً دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي
أدلوا بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث، وكان الثابت
من مطالعة جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن قد تنازل صراحة عن سماع شهود الإثبات
مكتفياً بتلاوة أقوالهم، فليس للطاعن من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماعهم.
11 - لما كان الأصل في
الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت بمحضر الجلسة أو الحكم إلا
بطريق الطعن بالتزوير، وكان الثابت أن الطاعن لم يسلك هذا السبيل في خصوص ما أثبت
بمحضر جلسة المرافعة من اكتفاء الدفاع بالأقوال الواردة بالتحقيقات لشهود الإثبات،
فإن الزعم بأن المحكمة قررت نظر الدعوى دون سماع الشهود مغاير للواقع ويكون غير
مقبول.
12 - من المقرر في قضاء
هذه المحكمة أن القانون المدني إذ نص في المادة 174 منه على أن "يكون المتبوع
مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه في حال
تأديته وظيفته أو بسببها. وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار
تابعه متى كانت عليه سلطة فعلية في رقابته وفي توجيهه". فقد أقام هذه
المسئولية على خطأ مفترض في جانب المتبوع فرضاً لا يقبل إثبات العكس، مرجعه سوء
اختياره لتابعه وتقصيره في رقابته، وأن القانون إذ حدد نطاق هذه المسئولية بأن
يكون العمل الضار غير المشروع واقعاً من التابع "حال تأدية الوظيفة أو
بسببها" لم يقصد أن تكون المسئولية مقتصرة على خطأ التابع وهو يؤدي عملاً من
أعمال وظيفته، أو أن تكون الوظيفة هي السبب المباشر لهذا الخطأ، أو أن تكون ضرورية
- لا مكان وقوعه، بل تتحقق المسئولية أيضاً كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء
تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله غير
المشروع أو هيأت له بأية طريقة فرصة ارتكابه، سواء ارتكبه التابع لمصلحة المتبوع
أو عن باعث شخصي وسواء أكان الباعث الذي دفعه إليه متصلاً بالوظيفة أو لا علاقة له
بها، وسواء وقع الخطأ بعلم المتبوع أو بغير علمه. ولما كان الثابت من الحكم
المطعون فيه أن الطاعن الأول ضابط شرطة يعمل تحت رئاسة الطاعن الثاني - وزير
الداخلية - وأن هذا الضابط قتل المجني عليها بمسدسه الذي في عهدته بحكم وظيفته -
فلحق ضرر بالمدعية بالحقوق المدنية، فإن وظيفته لدى الطاعن الثاني المتقدم ذكره
تكون قد هيأت له فرصة إتيان العمل غير المشروع، إذ لولا هذه الوظيفة وما يسرته
لصاحبها من حيازة السلاح الناري المستعمل في قتل المجني عليها، لما وقع الحادث منه
بالصورة التي وقع بها، ويكون الطاعن الثاني مسئولاً عن الضرر الذي أحدثه الطاعن
الأول بعمله غير المشروع. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد صادف
صحيح القانون وأضحى هذا الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه أولاً: قتل....... عمداً بأن أطلق عليها عياراً نارياً من مسدسه
الميري الذي كان يحمله قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابة الموصوفة بتقرير
الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. ثانياً: سرق المبلغ النقدي والحلي المبينة
بالمحضر المملوكة للمجني عليها سالفة الذكر على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات.
ثالثاً: أطلق في داخل مدينة سلاحاً نارياً. وأحالته إلى محكمة جنايات بنها
لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى كل من...... و......
و...... مدنياً قبل المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ مائة وواحد
جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت
حضورياً عملاً بالمواد 234/ 1، 318، 376/ 6 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين
17، 32 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة سبع سنوات وألزمته والمسئول عن
الحقوق المدنية بأن يدفعا للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل
التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه وهيئة
قضايا الدولة نيابة عن المسئول عن الحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض......
إلخ.
المحكمة
أولاً/ بالنسبة إلى الطعن
المقدم من الطاعن الأول:
حيث إن الطاعن ينعى على
الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد والسرقة وإطلاق سلاح ناري داخل
مدينة، قد ران عليه البطلان وشابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في
الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه صدر من محكمة غير مختصة مكانياً بنظر
الدعوى إذ قبض على الطاعن بدائرة قسم الساحل بمحافظة القاهرة وأن الجريمة وقعت في
دائرة محافظة الشرقية، وعول الحكم في إدانة الطاعن على اعترافه في التحقيقات رغم
أنه أنكر بها مقارفته للجريمة، كما عول على ما قرره لرجال الضبطية القضائية
بارتكابه الحادث وعلى ما شهدوا به باعتبار أن ذلك اعترافاً منه، ودون أن يطرح دفعه
ببطلان هذا الإقرار لصدوره تحت تأثير الإكراه الواقع عليه بما يسوغ إطراحه، وأيضاً
استند في قضائه بالإدانة إلى أن الطاعن كان قد التقى بالمجني عليها قبيل اختفائها،
وهو ما لا يصلح دليلاً لإسناد تهمة قتلها إليه، هذا ولم تعن المحكمة بسماع شهود
الإثبات تنفيذاً لقرارها بذلك بناءً على طلب الطاعن وقررت نظر الدعوى بما أحاط
الدفاع عنه بالحرج ودون أن تبين في حكمها سبب عدولها عن سماع الشهود، وأغفل الحكم
إيراد مؤدى المعاينة التي أجرتها الشرطة والنيابة للمكان الذي عثر فيه على جثة
المجني عليها، والتفت عن دفاع الطاعن القائم على أن وفاة المجني عليها - بدلالة
حالة التيبس الرمي التي وجدت عليها الجثة - قد حدثت في وقت سابق على الوقت الذي
عينه رجال الضبط القضائي في التحقيقات، فلم يعن بتحقيقه أو الرد عليه، كما جمع
الحكم بين الدليل المستمد من أقوال ضابط الشرطة وبين الدليل المستفاد من تقريري
الصفة التشريحية والمعمل الجنائي رغم تناقضهما في شأن كيفية وتاريخ قتل المجني
عليها، ودلل على توافر نية القتل في حق الطاعن بما لا يكفي. كل ذلك مما يعيب الحكم
المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان
الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال شهود الإثبات
وإقرار الطاعن ومما ثبت من تقارير الصفة التشريحية وإدارة البصمات بمصلحة تحقيق
الأدلة الجنائية وفحص السلاح والطلقات، ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم
عليها. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها
المكاني بنظر الدعوى، وكانت مدونات الحكم خالية مما ينفي هذا الاختصاص ويظاهر ما
يدعيه الطاعن من أن ضبطه تم في دائرة قسم الساحل بمحافظة القاهرة وليس في دائرة
شبرا الخيمة التي تقع في اختصاص محكمة الموضوع فلا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول
مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج
عن وظيفتها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل إقرار الطاعن بتحقيقات النيابة العامة
في قوله "بأنه اتفق مع المجني عليها على الزواج منذ فترة طويلة وأنه أخذ منها
مصاغها يوم 25/ 1/ 1989 عندما قابلها أمام نادي أسكو بشبرا وباعه للصائغين......
و...... بمبلغ ألف وثلاثمائة جنيه وأنه يحتفظ بهذا المبلغ في مسكنه"، وكان لا
يقدح في سلامة الحكم أخذه بإقرار الطاعن بالتحقيقات طالما أن الإقرار قد تضمن من
الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى، وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر
القانوني للاعتراف. وإذ كان من المقرر طبقاً لنص المادة 29 من قانون الإجراءات
الجنائية أن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن
يستجوبه تفصيلاً وأن يثبت في محضره ما يجيب به المتهم بما في ذلك اعترافه بالتهمة
ويكون هذا المحضر عنصراً من عناصر الدعوى للمحكمة أن تستند إلى ما ورد به ما دام
قد عرض مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث في الجلسة ولها أن تعول على ما تضمنه
محضر جمع الاستدلالات من اعتراف ما دامت قد اطمأنت إليه. لما هو مقرر من أن
الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل
الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات بغير معقب ما دامت تقيمه على أسباب
سائغة، ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق بما
في ذلك محضر الضبط وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة
والواقع، وأن لمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن
الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم
المطعون فيه أنه قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى إطراح الدفع ببطلان إقرار
الطاعن الوارد بمحضر ضبط الواقعة لصدوره تحت تأثير الإكراه وأفصح عن اطمئنانه إلى
صحة هذا الإقرار ومطابقته للحقيقة والواقع، فلا على الحكم - من بعد ذلك - أن يأخذ
بإقرار الطاعن الوارد بمحضر الاستدلالات، وبأقوال الشهود من ضباط الشرطة اللذين
أدلى الطاعن في حضرتهم بهذا الإقرار من ضمن الأدلة التي أقام عليها قضاءه
بالإدانة، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد برئ من أية شائبة رماه الطاعن بها في
شأن ما تقدم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها
الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في
المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، ومن
ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، إذ يكفي أن تكون
الأدلة مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع
المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، فإن ما يثيره الطاعن - في شأن أخذ الحكم
بما أورده الشهود في أقوالهم من أنه كان قد التقى بالمجني عليها قبيل الحادث رغم
أنها واقعة لا تفيد بذاتها تدليلاً على مقارفته جريمة قتلها - لا يكون مقبولاً.
لما كان ذلك وكان من المقرر أن تفصيل أسباب الطعن ابتداءً مطلوب على وجه الوجوب
تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك
لأول وهلة موطن العيب الذي شاب الحكم، وإذ كان الطاعن قد أرسل القول دون أن يكشف
بأسباب الطعن عن أوجه التعارض بين أقوال ضباط الشرطة في تصويرهم للحادث وبين
المستفاد من تقريري الصفة التشريحية والمعمل الجنائي حتى يتبين ما إذا كان التناقض
بين الدليلين على نحو يستعصى على الملائمة والتوفيق أم لا. هذا، والبين من أسباب
الحكم أن جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني، ومن ثم فإن ما
يثيره الطاعن في هذا الخصوص فضلاً عن عدم قبوله يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان
من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة
بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه،
فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته
التقديرية، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلاً على توافر نية القتل في حق
الطاعن - مما أوضحه من الظروف والملابسات وما استقاه من عناصر الدعوى - كافياً
وسائغاً في استظهار قيامها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص غير سديد. لما كان
ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكة أن الطاعن ولئن أثار في دفاعه أن وقت
ارتكاب الحادث - بدلالة حالة التيبس الرمي التي وجدت عليها جثة المجني عليها - هو
فجر يوم 27/ 1/ 1989 أي لاحقاً على الوقت الذي ورد في أقوال الشهود من رجال
الضبطية القضائية في التحقيقات، إلا أنه لم يثر - على خلاف ما زعمه في أسباب طعنه
- أن وفاة المجني عليها حدثت في وقت سابق على هذا الوقت الأخير، فإنه ليس للطاعن
أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم
يثره أمامها، ولا يقبل منه التحدي بالدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لم تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في
حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ومن ثم فإن منعى الطاعن بخصوص
التفات الحكم عن إيراد مؤدى المعاينة التي أجريت للمكان الذي وجدت فيه جثة المجني
عليها والتي لم يعول عليها الحكم ولم يكن لها أثر في عقيدته يكون ولا محل له. لما
كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو
المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في
حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على
بساط البحث، وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن قد
تنازل صراحة عن سماع شهود الإثبات مكتفياً بتلاوة أقوالهم، فليس للطاعن من بعد أن
ينعى على المحكمة قعودها عن سماعهم. وإذ كان الأصل في الإجراءات الصحة ولا يجوز
الادعاء بما يخالف ما أثبت بمحضر الجلسة أو الحكم إلا بطريق الطعن بالتزوير، وكان
الثابت أن الطاعن لم يسلك هذا السبيل في خصوص ما أثبت بمحضر جلسة المرافعة من
اكتفاء الدفاع بالأقوال الواردة بالتحقيقات لشهود الإثبات، فإن الزعم بأن المحكمة
قررت نظر الدعوى دون سماع الشهود مغاير للواقع ويكون غير مقبول. لما كان ما تقدم،
فإن الطعن برمته يكون على غير أساس، متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: بالنسبة إلى
الطعن المقدم من المسئول عن الحقوق المدنية:
حيث إن مبنى ما ينعاه
الطاعن الثاني - المسئول عن الحقوق المدنية - على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى
بإلزامه بصفته بالتعويض متضامناً مع تابعه - الطاعن الأول - قد أخطأ في تطبيق
القانون، ذلك بأنه أسس قضاءه على أن التابع أخطأ فألحق ضرراً بالمدعية بالحقوق
المدنية رغم أن الخطأ الذي قارفه منبت الصلة بعلمه مكاناً وزماناً، مما يعيب الحكم
بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر في
قضاء هذه المحكمة أن القانون المدني إذ نص في المادة 174 منه على أن "يكون
المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه
في حال تأديته وظيفته أو بسببها. وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حراً في
اختيار تابعه متى كانت عليه سلطة فعلية في رقابته وفي توجيهه". فقد أقام هذه
المسئولية على خطأ مفترض في جانب المتبوع فرضاً لا يقبل إثبات العكس، مرجعه سوء
اختياره لتابعه وتقصيره في رقابته، وأن القانون إذ حدد نطاق هذه المسئولية بأن
يكون العمل الضار غير المشروع واقعاً من التابع "حال تأدية الوظيفة أو
بسببها" لم يقصد أن تكون المسئولية مقتصرة على خطأ التابع وهو يؤدي عملاً من
أعمال وظيفته، أو أن تكون الوظيفة هي السبب المباشر لهذا الخطأ، أو أن تكون ضرورية
- لإمكان وقوعه، بل تتحقق المسئولية أيضاً كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء
تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعلة غير
المشروع أو هيأت له بأية طريقة فرصة ارتكابه، سواء ارتكبه التابع لمصلحة المتبوع
أو عن باعث شخصي وسواء أكان الباعث الذي دفعه إليه متصلاً بالوظيفة أو لا علاقة به
بها، وسواء وقع الخطأ بعلم المتبوع أو بغير علمه. ولما كان الثابت من الحكم
المطعون فيه أن الطاعن الأول ضابط شرطة يعمل تحت رئاسة الطاعن الثاني - وزير
الداخلية - وأن هذا الضابط قتل المجني عليها بمسدسه الذي في عهدته بحكم وظيفته -
فلحق ضرر بالمدعية بالحقوق المدنية، فإن وظيفته لدى الطاعن الثاني المتقدم ذكره
تكون قد هيأت له فرصة إتيان العمل غير المشروع، إذ لولا هذه الوظيفة وما يسرته
لصاحبها من حيازة السلاح الناري المستعمل في قتل المجني عليها، لما وقع الحادث منه
بالصورة التي وقع بها، ويكون الطاعن الثاني مسئولاً عن الضرر الذي أحدثه الطاعن
الأول بعمله غير المشروع. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد صادف
صحيح القانون وأضحى هذا الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.