برياسة السيد المستشار/ نصر الدين حسن عزام نائب رئيس المحكمة، وعضوية
السادة المستشارين: محمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطي، وعبد الحميد محمد
الشربيني، ومحمد عادل مرزوق.
--------------
- 1 إثبات " خبرة". حكم "
تسبيب الحكم . التسبيب غير المعيب".
إبانة الحكم كافة أركان جريمة القتل الخطأ التي دان بها الطاعن ركنا
إلي الأدلة القولية والفنية السائغة التي أوردها والتي ترتد الي معين صحيح من
أوراق الدعوى مؤداه :عدم جواز المجادلة في توافر تلك الأركان أو سلامة الاستدلال
عليها أمام محكمة النقض مثال لتسبيب غير معيب في جريمة قتل خطأ .
لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى التقارير الطبية الموقعة على
المجني عليه في قوله "أنه بتشريح جثة المجني عليه بمعرفة الطبيب الشرعي ثبت
وجود كدم رضي بالجانب الأيسر للبطن في جزئها العلوي بمساحة 10 × 4 سم والإصابة
المشاهدة بالجثة حيوية حديثة من طراز رضي حدثت من المصادمة بجسم صلب راض والوفاة
إصابية حدثت من نزيف داخلي وصدمة عصبية مصاحبة نتيجة لتهتك الطحال "كما جاء
في تقرير المفتش الفني بمكتب كبير الأطباء الشرعيين أن إصابة المجني عليه حدثت من
مصادمة راضة وقعت على منطقة الضلوع السفلى اليسرى والجزء العلوي من الجانب الأيسر
للبطن وهي جائزة الحصول من سقوط قطعة من الجبس على جانبه الأيسر على النحو الوارد
بأقوال الشهود ولا يتسنى حصولها من سقوطه على الأرض بعد وصوله المستشفى - وهذا
الذي أورده الحكم كاف في بيان مؤدى هذا الدليل من أدلة الثبوت بما ينحسر عنه قالة
القصور في البيان، كما أن الحكم بعد أن أثبت خطأ الطاعن مما أورده الدكتور ...
الأستاذ بكلية الهندسة في تقريره من أن الطاعن لم يتوخ في عمل الاحتياطات اللازمة
من حلبات وحواجز حول الأجزاء المعرضة للانهيار من المبنى محافظة على سلامة الناس
مما ينجم عنه سقوط قطعة الجبس على المجني عليه دليل على توافر رابطة السببية مما
استبانه من تقرير الصفة التشريحية وما أورده المفتش الفني بمكتب كبير الأطباء
الشرعيين في تقريره من أن إصابة المجني عليه حدثت نتيجة سقوط قطعة الجبس على جانبه
الأيسر وأن تسلسل الأعراض التي ظهرت على المصاب بعد ذلك تدل على حصول تمزق في
الطحال نتيجة للإصابة وينتفي معه القول بحصوله من السقوط على الأرض بعد وصوله
المستشفى وأن الوفاة لم تحدث من تسمم غذائي وإنما هي إصابية نتيجة تمزق الطحال فإن
ما ساقه الحكم من تلك الأدلة السائغة يدل على فهم سليم للواقع وتفطن لمجريات
الأمور في الدعوى ولفحص دفاع الطاعن بما تندفع به دعوى الفساد في الاستدلال.
- 2 خطأ . رابطة السببية . قتل " قتل خطأ".
الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه
الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني
والنتيجة. تقدير توافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم توافرها هو من
المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغا
عدم جواز المجادلة في ذلك. أمام محكمة النقض .
الأصل أن المتهم يسأل على جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه
الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني
والنتيجة - كما أن تقدير توافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم توافره هو
من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها
سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق، لما كان ذلك، وكانت المحكمة
قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت
في منطق سائغ خطأ المجني عليه واتصال هذا الخطأ بالنتيجة اتصال السبب بالمسبب، فإن
الحكم بذلك يكون قد أصاب الحق في تقرير مسئولية الطاعن وما يثيره في هذا الشأن لا
يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط
معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
- 3 إثبات " شهود". إجراءات
" اجراءات المحاكمة". حكم " تسبيب الحكم . التسبيب غير المعيب".
دفاع "الاخلال بحق الدفاع - ما لا يوفره".
سماع دفاع المتهم وتحقيقه مناطه أن يكون هذا الدفاع منتجا في الدعوى
وضوح واقعة الدعوى لدي المحكمة مؤداه جواز الالتفات عن تحقيق ذلك الدفاع شريطة أن
يبين الحكم سبب عدم إجابته إليه مثال لتسبيب غير معيب في جريمة قتل خطأ
من المستقر عليه أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من
أوجه دفاع وتحقيقه، إلا أن المحكمة إذا كانت قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر
المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فإن لها أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين سبب عدم
إجابتها الطلب. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد بررت التفاتها عن طلب الطاعن مناقشة
الأطباء وضم أوراق العلاج وحرز الملابس بأنها لا ترى وجهاً لإجراء مزيد من التحقيق
بعد إذ توصلت إلى حقيقة الأمر في الدعوى فإنه لا تثريب عليها فيما ارتأته.
- 4 دفاع " الاخلال بحق
الدفاع . ما لا يوفره". محكمة
استئنافية " اجراءات نظرها الدعوى والحكم فيها".
الأصل أن محكمة ثاني درجة انما تفصل على مقتضى الأوراق مالم تر لزوما لإجراء
تحقيق معين أو سماع شهادة الا ما كان يجب أن تجريه محكمة أول درجة .
الأصل أن المحكمة الاستئنافية تفصل على مقتضى الأوراق ما لم تر هي
لزوماً لإجراء تحقيق معين أو سماع شهادة شهود إلا ما كان يجب أن تجريه محكمة أول
درجة. وإذ كان ذلك، وكان الطاعن يسلم في طعنه أنه لم يتقدم بطلبه إلى محكمة أول
درجة فإن المحكمة الاستئنافية تكون غير ملزمة بإجابته أو حتى الرد عليه.
- 5 تعويض .
تقدير التعويض من سلطة محكمة الموضوع وحدها حسبما تراه مناسبا وفق ما
تبينته من ظروف الدعوى .
تقدير مبلغ التعويض من سلطة محكمة الموضوع وحدها حسبما تراه مناسباً
وفق ما تتبينه هي من ظروف الدعوى ولا يقبل من الطاعن منازعته في سلامة هذا التقدير
ما دام قد اكتمل للحكم بالتعويض عناصره القانونية.
- 6 خطأ .
الأصل أن من يشترك في أعمال البناء والهدم لا يسأل عن نتائج خطئه
الشخصي مؤدي ذلك أن صاحب البناء لا يسأل عن الأضرار الناتجة من تلك الأعمال الا
اذا كانت جارية تحت اشرافه الخاص قيام مقاول مختص بمثل هذا العمل عادة تحت
مسئوليته مؤداه أنه الذي يسأل عن نتائج خطئه " فيه " مثال لتسبيب غير
معيب .
الأصل أن من يشترك في أعمال الهدم والبناء لا يسأل إلا عن نتائج خطئه
الشخصي فصاحب البناء لا يعتبر مسئولاً جنائياً أو مدنياً عما يصيب الناس من
الأضرار عن هدم البناء بسبب عدم اتخاذ الاحتياطات المعقولة، إلا إذا كان العمل
جارياً تحت ملاحظته وإشرافه الخاص، فإذا عهد به كله أو بعضه إلى مقاول مختص يقوم
بمثل هذا العمل عادة تحت مسئوليته فهو الذي يسأل عن نتائج خطئه. لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن أعمال الترميمات في
العقار محل الحادث كانت تجرى تحت إشراف وملاحظة المهندس المحكوم عليه وانتهى إلى
مساءلته وحده دون باقي المطعون ضدهم (ملاك العقار) وقضى برفض الدعوى المدنية قبلهم
تبعاً لانتفاء مسئوليتهم فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
- 7 اختصاص " اختصاص المحاكم .
الاختصاص الولائي والنوعي". مسئولية " مسئولية مدنية".
الضرر الذي يصلح أساسا للمطالبة بتعويض أمام المحكمة الجنائية هو ما
يكون ناشئا مباشرة عن الجريمة ومن ذات الواقعة موضوع المحاكمة الضرر الناتج عن ظرف
خارج عن الجريمة ولو متصلا بواقعتها لا يجوز المطالبة بتعويض عنه أمام المحكمة
الجنائية .علة ذلك: أن قضاءها في الدعوي المدنية استثناء لا يقبل التوسع فيه
المحاكم الجنائية ليس لها ولاية الفصل في الدعاوي المدنية اذا كانت محمولة علي
أسباب غير الجريمة المطروحة أمامها علة ذلك وجوب أن يظل القضاء الجنائي بمعزل عن
وحدة النزاع المدني وتفاديا للتطرق الي البحث في . " مسائل مدنية صرف "
مثال لتسبيب غير معيب في هذا الخصوص
الضرر الذي يصلح أساساً للمطالبة بتعويض أمام المحكمة الجنائية يجب أن
يكون ناشئاً مباشرة عن الجريمة ومن ذات الواقعة المطروحة على المحكمة والمطلوب
المحاكمة عنها، فإذا كان نتيجة لظرف خارج عن الجريمة ولو متصلاً بواقعتها فلا يجوز
المطالبة بتعويض عنه أمام تلك المحكمة لأن قضاءها في الدعوى المدنية استثناء لا
يقبل التوسع، ومؤدى ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل في الدعاوى
المدنية إذا كانت محمولة على أسباب غير الجريمة المطروحة أمامها حتى يظل القضاء
الجنائي بمعزل عن وحدة النزاع المدني وتفادياً من التطرق إلى البحث في مسائل مدنية
صرف وترتيباً على ذلك فإنه لا محل لما يرمي به الطاعنان الحكم المطعون فيه من
القصور في التسبيب لعدم تصديه لبحث مدى مسئولية المطعون ضدهم طبقاً لقواعد
المسئولية الشيئية ومسئولية المتبوع عن أعمال تابعه باعتبار أنها من الدعامات التي
أقاما عليها دعواهما المدنية.
- 8 إثبات " قرائن . قوة
الامر المقضى". تعويض .
الأصل أن الأحكام لا تحوز حجية الأمر المقضي إلا في نزاع قام بين
الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلا وسببا القاضي المدني لا
يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها
ضروريا مؤدي ذلك: أن القضاء بعدم توافر الخطأ في حق المحكوم عليه من المحكمة
الجنائية لا يقيد المحكمة المدنية ولا يمنعها من القضاء ضده بالتعويض بناء علي
أسباب قانونية أخري متي توافرت عناصره .
من المقرر قانوناً أن الأحكام لا تحوز حجية الأمر المقضي إلا في نزاع
قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وأن
القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم
وكان فصله فيها ضرورياً، ومن ثم فإن قضاء الحكم المطعون فيه بعدم توافر الخطأ في
حق المطعون ضدهم لا يقيد المحكمة المدنية ولا يمنعها من القضاء للطاعنين بالتعويض
بناء على أسباب قانونية أخرى متى توافرت عناصره.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين ... ... ... و... ... ... و...
... ... بأنهم في يوم 3 من أغسطس سنة 1964 بدائرة قسم مينا البصل محافظة
الإسكندرية تسببوا خطأ في موت ... ... ... وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهم وعدم
احترازهم بأن سوفت المتهمة الأولى في القيام بإصلاح عقارها وأغفل المتهم الثاني
(الطاعن) وهو المشرف على عمليات الإصلاح رغم علمهم بمدى تصدع العقار واتخاذ
الاحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة الجمهور فلم يضعوا حواجز حول الأجزاء
المعرضة للانهيار فسقطت منه قطعة حجر أصابت المجني عليه الذي حدثت به الإصابات
الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت معاقبتهم بالمادة 238
من قانون العقوبات. وادعى كل من ... ... ... و... ... ... مدنياً قبل المتهمين
متضامنين بمبلغ خمسة آلاف جنيه مناصفة بينهما. ومحكمة جنح مينا البصل الجزئية قضت
بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1970 أولاً - بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهمة
الأولى لوفاتها. ثانياً- حضورياً للمتهم الثاني (الطاعن) والسادس وغيابياً لباقي
المتهمين عملاً بمادة الاتهام بالنسبة للمتهم الثاني بتغريمه مبلغ خمسين جنيهاً
وبراءة باقي المتهمين مما نسب إليهم. ثالثاً- بإلزام المدعى عليهم بالحقوق المدنية
بأن يؤدوا متضامنين للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ خمسة آلاف جنيه مناصفة بينهما
وألزمتهم بمصروفات الدعوى المدنية ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فأستأنف
المتهم الثاني المحكوم عليه (الطاعن) كما استأنف المتهم الخامس عن نفسه وعن باقي
المتهمين بالنسبة للدعوى المدنية. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية
- قضت بتاريخ 19 من أبريل سنة 1972 أولاً - في الدعوى الجنائية بقبول الاستئناف
شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. ثانياً- في الدعوى المدنية (أ)
بعدم قبول الاستئناف المقرر به بالنسبة ... ... ... و... ... ... و... ... ...
شكلاً لرفعه من غير ذي صفة (ب) قبول الاستئناف المقرر به من ... ... و... ... ...
و... ... ... شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إلزامهم
بالتعويض وبرفض الدعوى قبلهم وإلزام المدعين بالحقوق المدنية والمصاريف المدنية عن
هذا الشق عن الدرجتين ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. (جـ) قبول
الاستئناف المقرر به من ... ... ... شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى
إلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحقوق المدنية مناصفة بينهما مبلغ ألفي جنيه والمصاريف
المدنية المناسبة لما قضى عليه به عن الدرجتين والمدعيين بالحقوق المدنية باقي
المصاريف مع المقاصة في أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه والمدعيان بالحقوق
المدنية في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
-----------
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن المقدم من المحكوم عليه هو أن الحكم المطعون فيه إذ
دانه بجريمة القتل الخطأ قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في
الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم لم يورد في بيان كاف مؤدى
التقارير الطبية التي اعتمد عليها في قضائه، وأخطأ فهم واقعة الدعوى حين استخلص
رابطة السببية بين خطأ الطاعن ووفاة المجني عليه فلم يفطن إلى انتفاء تلك الرابطة
على ما يبين من معاينة النيابة لملابس المجني عليه وثبوت واقعة سقوطه على الأرض
بعد وصوله إلى المستشفى وما كان لها من أثر في تهتك الطحال حسبما أثبته التقرير
الطبي الاستشاري ومن الخطأ الذي تردى فيه أطباء المستشفى بتركهم المجني عليه
بالقسم الباطني بها حتى وفاته وذلك نتيجة تشخيصهم الحالة بأنها تسمم غذائي مما
ينبئ بأن المحكمة لم تمحص الدعوى ولم تستقر في ذهنها إلى الحد الذي يؤمن به الخطأ
في فهم حقيقتها، وقد تمسك الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية بطلب مناقشة طبيب
الاستقبال بالمستشفى والدكتور .... المفتش الفني بمكتب كبير الأطباء الشرعيين وضم
أوراق العلاج وحرز ملابس المجني عليه إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وردت
عليه رداً غير سائغ وساءلت الطاعن عن النتائج المحتملة للحادث ولم تراع عند
تقديرها للتعويض ما ساهم به خطأ المجني عليه نفسه وخطأ أطباء المستشفى في حصول
الوفاة مما يكشف عن اختلال فكرة الحكم من ناحيته الجنائية والمدنية مما يعيبه
ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية لجريمة القتل الخطأ التي دان الطاعن بها، وأقام عليها في حقه
أدلة مستقاة من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير المهندس الفني ومن التقارير الطبية
الشرعية، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم
قد أورد مؤدى التقارير الطبية في قوله أنه "بتشريح جثة المجني عليه بمعرفة
الطبيب الشرعي ثبت وجود كدم رضي بالجانب الأيسر للبطن في جزئها العلوي بمساحة 10 ×
4 سم والإصابة المشاهدة بالجثة حيوية حديثة من طراز رضي حدثت من المصادمة بجسم صلب
راض. والوفاة إصابية حدثت من نزيف داخلي وصدمة عصبية مصاحبة نتيجة لتهتك الطحال
"كما جاء في تقرير الدكتور ............ المفتش الفني بمكتب كبير الأطباء
الشرعيين أن إصابة المجني عليه حدثت من مصادمة راضة وقعت على منطقة الضلوع السفلى
اليسرى والجزء العلوي من الجانب الأيسر للبطن وهي جائزة الحصول من سقوط قطعة من
الجبس على جانبه الأيسر على النحو الوارد بأقوال الشهود ولا يتسنى حصولها من سقوطه
على الأرض بعد وصوله المستشفى - وهذا الذي أورده الحكم كاف في بيان مؤدى هذا
الدليل من أدلة الثبوت بما ينحسر عنه قالة القصور في البيان لما كان ذلك، وكان
الحكم بعد أن أثبت خطأ الطاعن مما أورده الدكتور ... الأستاذ بكلية الهندسة في
تقريره من أن الطاعن لم يتوخ عمل الاحتياطات اللازمة من عمل حلبات وحواجز حول
الأجزاء المعرضة للانهيار من المبنى محافظة على سلامة الناس مما نجم عنه سقوط قطعة
الجبس على المجني عليه دلل على توافر رابطة السببية مما استبان من تقرير الصفة
التشريحية وما أورده الدكتور ........... في تقريره من أن إصابة المجني عليه حدثت
نتيجة سقوط قطعة الجبس على جانبه الأيسر وأن تسلسل الأعراض التي ظهرت على المصاب
بعد ذلك تدل على حصول تمزق في الطحال نتيجة للإصابة وينتفي معه القول بحصوله من
السقوط على الأرض بعد وصوله المستشفى وأن الوفاة لم تحدث من تسمم غذائي وإنما هي
إصابية نتيجة تمزق الطحال, فإن ما ساقه الحكم من تلك الأدلة السائغة يدل على فهم
سليم للواقع وتفطن لمجريات الأمور في الدعوى ولفحص دفاع الطاعن بما تندفع به دعوى الفساد
في الاستدلال. ولما كان الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها
نتيجة سلوكه الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية
بين فعل الجاني والنتيجة، وكان تقدير توافر السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم
توافره هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام
تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق، وكانت المحكمة قد
أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في
منطق سائغ خطأ المجني عليه واتصال هذا الخطأ بالنتيجة اتصال السبب بالمسبب، فإن
الحكم بذلك يكون قد أصاب الحق في تقرير مسئولية الطاعن وما يثيره في هذا الشأن لا
يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط
معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد
بررت التفاتها عن طلب الطاعن مناقشة الأطباء وضم أورق العلاج وحرز الملابس بأنها
لا ترى وجهاً لإجراء مزيد من التحقيق بعد أن توصلت إلى حقيقة الأمر في الدعوى،
فإنه لا تثريب عليها فيما ارتأته، ذلك أنه من المستقر عليه أنه وإن كان القانون قد
أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه دفاع وتحقيقه إلا أن المحكمة إذا كانت قد وضحت
لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فإن لها أن تعرض عن
ذلك بشرط أن تبين سبب عدم إجابتها الطلب. هذا فضلاً عن أن الأصل أن المحكمة
الاستئنافية تفصل على مقتضى الأوراق ما لم تر هي لزوماً لإجراء تحقيق معين أو سماع
شهادة شهود إلا ما كان يجب أن تجريه محكمة أول درجة. وإذا كان الطاعن يسلم في طعنه
أنه لم يتقدم بطلبه إلى محكمة أول درجة فإن المحكمة الاستئنافية تكون غير ملزمة
بإجابته أو حتى الرد عليه. لما كان ذلك، وكان تقدير مبلغ التعويض من سلطة محكمة
الموضوع وحدها حسبما تراه مناسباً وفق ما تبينته هي من ظروف الدعوى، فإنه لا يقبل
من الطاعن منازعته في سلامة هذا التقدير ما دام قد اكتمل للحكم بالتعويض عناصره
القانونية. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً
ومصادرة الكفالة.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من المدعين بالحقوق المدنية هو أن الحكم
المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى المدنية قبل باقي المطعون ضدهم قد أخطأ في تطبيق
القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأن الطاعنين على ما يبين من المذكرات المقدمة
منهما لم يقصرا أساس دعواهما المدنية على إهمال المطعون ضدهم في صيانة العقار بل
بنيا أيضاً تلك الدعوى على دعامتين الأولى أنهم بصفتهم الشخصية وبوصفهم ورثة
لوالدتهم مسئولين عن حراسة العقار محل الحادث مسئولية مفترضة طبقاً لقواعد
المسئولية الشيئية والثانية أنهم مسئولين مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه بوصف أن
والدتهم كانت تدير ذلك العقار والمملوك لهم على الشيوع بصفتها وكيلة عنهم، وإذ نفى
الحكم المطعون فيه مسئوليتهم الجنائية وبالتالي مسئوليتهم المدنية طبقاً لقواعد
المسئولية التقصيرية فإنه لم يعرض لبحث باقي الدعامات التي قامت عليها دعواهما ولم
يقل كلمته فيها بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الأصل المقرر في القانون أن من يشترك في أعمال الهدم والبناء
لا يسأل إلا عن نتائج خطئه الشخصي، فصاحب البناء لا يعتبر مسئولاً جنائياً أو
مدنياً عما يصيب الناس من الأضرار من هدم البناء بسبب عدم اتخاذ الاحتياطات
المعقولة إلا إذا كان العمل جارياً تحت ملاحظته وإشرافه الخاص، فإذا عهد به كله أو
بعضه إلى مقاول مختص يقوم بمثل هذا العمل عادة تحت مسئوليته فهو الذي يسأل عن
نتائج خطئه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي
أوردها أن أعمال الترميمات في العقار محل الحادث كانت تجرى تحت إشراف وملاحظة
المهندس المحكوم عليه وانتهى إلى مساءلته وحده دون باقي المطعون ضدهم (ملاك
العقار) وقضى برفض الدعوى المدنية قبلهم تبعاً لانتفاء مسئوليتهم الجنائية، فإنه
يكون قد أصاب صحيح القانون. ولا محل لما يرمي به الطاعنان الحكم المطعون فيه من
القصور في التسبيب لعدم تصديه لبحث مدى مسئولية المطعون ضدهم طبقاً لقواعد
المسئولية الشيئية ومسئولية المتبوع عن أعمال تابعه باعتبار أنها من الدعامات التي
أقاما عليها دعواهما المدنية ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الضرر الذي
يصلح أساساً للمطالبة بتعويض أمام المحكمة الجنائية يجب أن يكون ناشئاً مباشرة عن
الجريمة ومن ذات الواقعة المطروحة على المحكمة والمطلوب المحاكمة عنها، فإذا كان
نتيجة لظرف خارج عن الجريمة ولو متصلاً بواقعتها فلا يجوز المطالبة بتعويض عنه
أمام تلك المحكمة لأن قضاءها في الدعوى المدنية استثناء لا يقبل التوسع. ومؤدى هذا
القضاء أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل في الدعاوى المدنية إذا كانت
محمولة على أسباب غير الجريمة المطروحة أمامها حتى يظل القضاء الجنائي بمعزل عن
وحدة النزاع المدني وتفادياً من التطرق إلى البحث في مسائل مدنية صرف. وإذ التزم
الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى على موجبه فإنه لا يكون قد خالف القانون ويكون
المدعيان بالحقوق المدنية وشأنهما في المطالبة بحقهما أمام المحكمة المدنية. ولما
كان من المقرر قانوناً أن الأحكام لا تحوز حجية الأمر المقضي إلا في نزاع قام بين
الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وأن القاضي
المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم، وكان
فصله فيها ضرورياً، فإن قضاء الحكم المطعون فيه بعدم توافر الخطأ في حق المطعون
ضدهم لا يقيد المحكمة المدنية ولا يمنعها من القضاء للطاعنين بالتعويض بناء على
أسباب قانونية أخرى متى توافرت عناصره. لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير
أساس متعيناً رفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين المصاريف ومصادرة الكفالة.