الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 مارس 2015

القضية 42 لسنة 17 ق جلسة 6 / 6 / 1998 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 2 دستورية ق 103 ص 1348

جلسة 6 يونيو 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور،

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (103)
القضية رقم 42 لسنة 17 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: "مناطها":
مناط هذه المصلحة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - هو ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
(2) تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية: ضوابطها": -
سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد من إطلاقها - مخالفة هذا التنظيم للدستور إذا كان مؤداه إهدار الحقوق التي تناولها.
(3) دستور "حقوق" - نصوص قانونية "أهدافها": -
كفالة الدستور للحقوق التي نص عليها الحماية من جوانبها العملية - الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها.
(4) حقوق عينية "شهرها": -
عدم إحاطة الشهر - كلما كان شخصياً - بكل صور التعامل الواردة على العقار - تسجيل التصرفات الواردة على الحقوق العينية الأصلية لا يطهرها من عيوبها كلما كان الشهر شخصياً - ليس كذلك أن يكون السجل عينياً.
(5) تشريع "قانون السجل العيني الصادر بالقانون رقم 142 لسنة 1964: "قيود":
شرط قيد الحقوق العينية في صحائف السجل العيني - وفقاً لهذا القانون - هو أن تكون قد أنشأتها أو قررتها أسباب كسبها - الاستيثاق من صحة هذه الأسباب قبل قيد تلك الحقوق.
(6) حيازة "مؤداها": -
الحيازة تحيل الأوضاع الفعلية من خلال التقادم إلى حقيقة قانونية لا تتزعزع بها الملكية بعد اكتمال الحق فيها - اكتساب الملكية بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ بدء الحيازة.
(7) ملكية خاصة "حماية":
امتداد الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة إلى الأموال كلها دون تمييز بينها باعتبار أن المال حق ذو قيمة مالية.
(8) شهر "حقوق":
افتراض نظم الشهر - شخصياً أو عينياً - اشتقاق الحقوق واجبة التسجيل أو القيد من أسبابها التي حددها المشرع حصراً.
(9) تشريع "المادة 13 من قانون السجل العيني الصادر بالقانون رقم 142 لسنة 1964: تقادم".
ما قضت به هذه المادة من عدم جواز إثبات الحقوق المستندة إلى وضع اليد إذا كان في المحررات المشهرة ما يناقضها يناقض المنطق - التقادم يعتبره القانون المدني سبباً ناقلاً للملكية من أصحابها - من غير المتصور أن يكون قانون السجل العيني وباعتباره لاحقاً للقانون المدني معدلاً من روافد حقوق لا يعني بغير إثباتها - الحيازة في ذاتها لا تحول - بخصائصها ولا بآثارها - دون قيد الحقوق الناشئة عنها.
(10) تشريع "نص المادة 37 من قانون السجل العيني: تقادم".
مؤدى هذا النص حظر تملك الحقوق العينية الأصلية من خلال قيدها بالسجل العيني إذا كان التقادم سبب كسبها - إخلاله بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية - انطواؤه على تمييز بين الحقوق العينية الأصلية من جهة أسبابها غير مستند إلى أسس موضوعية تبرره - تنمية الدخل القومي لا يكفلها من أهمل ملكه - يرعى هذه التنمية من أحيى هذا الملك واستثمره.

---------------------
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان المدعون يقولون بأنهم تملكوا عقار النزاع بالتقادم المكسب للملكية، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تتوافر بإبطال ما تنص عليه المادة 37 من قانون السجل العيني التي لا تجيز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل.
2 - الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التي لا يجوز اقتحامها. وكلما كان هذا التنظيم منتهياً إلى إهدار الحقوق التي تناولها، أو مؤدياً إلى إرهاق محتواها بقيود لا تكفل فعاليتها، وبما ينال من مجالاتها الحيوية التي لا تقوم إلا بها، كان مخالفاً للدستور.
3 - الدستور يكفل للحقوق التي نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وكان الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها، وكان من المقرر أن الحقوق جميعها لا تنشأ ولا تنتقل إلا من خلال أسبابها التي حددها القانون، فقد صار متعيناً أن نستظهر ما إذا كان قانون السجل العيني ملتزماً إطاراً منطقياً للدائرة التي يعمل فيها، كافلاً من خلالها تحقيق الأغراض التي رصد عليها، أم كان بالنصوص التي تضمنها مجاوزاً لها.
4 - الشهر - وكلما كان شخصياً - لا يحيط بكل صور التعامل التي يكون العقار محلها، وإنما تسجل الحقوق المشهرة، وفقاً لأسماء أصحابها التي قد تختلط فيما بينها بالنظر إلى تشابهها. وكثيراً ما يكون العقار الواحد محلاً لأكثر من علاقة قانونية لا يتحد أطرافها، فلا ترصد في صحيفة واحدة تجمعها، وإنما تتفرق مواضعها في السجل، فلا تسهل معرفتها.
كذلك فإن تسجيل الأعمال القانونية التي يكون من شأنها إنشاء الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقلها أو تغييرها أو زوالها، لا يطهرها من عيوبها كلما كان الشهر شخصياً، ولا يحول دون الطعن عليها والنزاع في شأن صحتها، بما يخل بالحماية الواجبة لكل ذي شأن فيها. ولا كذلك أن يكون السجل عينياً، متطلباً قيد الحقوق العينية الأصلية المتعلقة بالعقار الواحد، وكذلك ما اتصل بهذا العقار من الحقوق العينية التبعية، فضلاً عن التصرفات والأحكام النهائية المقررة لحق من الحقوق العينية الأصلية، في صحيفة واحدة تجمعها، تتضمن وصفاً للعقار من حيث أبعاده وحدوده وطبيعته، وما تعلق به من صور التعامل على اختلافها، وما نشأ أو ارتبط بها من الحقوق العينية وأصحابها، فلا يكون قيد هذه الحقوق في السجل إلا لإثباتها بصورة مطلقة، ضماناً لاستقرار أوضاعها، وبما يطهرها من عيوبها أياً كان نوعها أو مداها.
5 - القوة المطلقة للقيود التي يثبتها السجل العيني في صحائفه وفقاً لأحكامه، وإن كانت جوهر نظامه، ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونها، ولو كان هذا القيد قد تم خلافاً للحقيقة، إلا أن شرط إجراء القيد - وعلى ما تنص عليه المادة الحادية عشرة من قانون السجل العيني - وهو أن تكون الحقوق العينية التي يثبتها القيد في صحائفه، فقد أنشأتها أو قررتها أسباب كسبها، تقديراً بأن أسبابها هذه، تمثل روافدها التي لا يتصور أن يتجاهلها هذا السجل، شأنها في ذلك شأن مصادر الحقوق الشخصية. ولا يجوز بالتالي أن ينفصل قيد الحقوق العينية الأصلية عن أسبابها التي رتبها القانون المدني، وحصرها.
بل إن أسبابها هذه، هي التي يكون الاستيثاق من صحتها سابقاً على قيد الحقوق التي أنشأتها أو نقلتها، فلا يكون من شأن السجل العيني تحوير بنيانها ضماناً لتقيده بالأغراض التي رصد عليها، ولأن القيد في هذا السجل لا يعتبر ركناً شكلياً لا تكتمل بغيره عناصر وجود الحقوق المراد إثباتها فيه، بل تظل لهذه الحقوق - حتى وإن لم تقيد - مقوماتها باعتبار أنها ترتد مباشرة إلى أسبابها التي أنتجتها، وهو ما تؤكده الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 26 من قانون السجل العيني بما قررتاه من أن الأعمال القانونية التي لا تقيد، لا تزول بكامل آثارها، وإن امتنع الاحتجاج بالحقوق العينية الأصلية التي أنشأتها أو نقلتها أو غيرتها أو أزالتها، سواء في العلاقة بين أطرافها أو على صعيد الأغيار عنها.
6 - الحيازة هي السيطرة المادية على الحق أو الشيء محل الحق من خلال أعمال مادية يأتيها الحائز ابتداء أو انتقالاً من الغير، ويستبقيها - ولو كان مغتصباً للحق موضوعها - مع اقترانها بقصد استعمال هذا الحق محدداً على ضوء محتواه. ولا تعتبر الحيازة - باجتماع عنصريها هذين، وبالنظر إلى طبيعتها - حقاً عينياً أو شخصياً، ولا هي بحق أصلاً، ولكنها تنقل الحقوق موضوعها - وعند توافر شرائطها - إلى من يكسبونها بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ بدئها. ولا تعتبر الحيازة بالتالي مجرد قرينة لا يجوز دحضها على أن الحائز صار مالكاً للشيء محلها بعد أن حازه المدة التي عينها المشرع، ولكنها تتمحض سبباً مباشراً لنقل ملكية الحق موضوعها. والحيازة بذلك تحيل الأوضاع الفعلية التي استقر أمرها بعد أن امتد زمنها من خلال التقادم، إلى حقائق قانونية لا تتزعزع بها الملكية بعد اكتمال الحق فيها، وإنما تخلص لحائز اتصل بها، وظهر عليها أمداً، مباشراً سلطاتها دون اعتراض من مالكها. وكان منطقياً أن يقدم المشرع على مصلحته التي أهمل الدفاع عنها ورد من يناهضونها على أعقابهم، مصلحة حائز اطمأن الناس إلى الأوضاع الظاهرة التي بسطها، والتي يقدرون معها أن امتداد زمنها، يقلبها إلى ملكية كاملة، ولو كان مغتصباً للحق فيها.
7 - الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، لا تقتصر على الصور التي تظهر الملكية فيها بوصفها الأصل الذي تتفرع عنه الحقوق العينية الأصلية جميعها، وإنما تمتد هذه الحماية إلى الأموال كلها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال حق ذو قيمة مالية، سواء كان هذا الحق شخصياً أو عينياً أو كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية، ذلك أن الحقوق العينية التي يكون العقار ملحها، تعتبر مالاً عقارياً. أما ما يقع منها على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية - أياً كان محلها - فإنها تعد مالاً منقولاً، وإلى هذه الأموال كلها، تنبسط الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، فلا تخلص لغير أصحابها.
8 - نظم الشهر على اختلافها - ما كان منها شخصياً أو عينياً - تفترض اشتقاق الحقوق التي تسجلها أو تقيدها في صحائفها، من أسبابها التي حددها المشرع حصراً. تقديراً بأن أسبابها هذه هي التي تقيمها وفقاً للقانون، حتى ولو كان السجل عينياً، وكان ما يقيد في هذا السجل، إما أن يكون تصرفاً قانونياً أو عملاً مادياً، وكان كلاهما مصدراً للحقوق العينية يكسبها وفقاً للشروط التي نص عليها القانون، فإن استكمالها لشروطها هذه، يظل مناط صحتها.
9 - ما تنص عليه المادة 13 من قانون السجل العيني - والتي يتعلق حكمها بالقيد الأول - من أن الحقوق التي يطلب أصحابها قيدها في السجل استناداً إلى وضع اليد لا يجوز إثباتها إذا كان في المحررات المشهرة ما يناقضها، يعتبر انفلاتاً عن كل منطق. ذلك أن التقادم، طويلاً كان أم قصيراً - وعلى ما تقضي به المادتان 968 و969 من القانون المدني على التوالي - يعتبر سبباً ناقلاً للملكية من أصحابها. فإذا كان طويلاً تمحض حيازة استطال زمنها مع اقترانها بقصد استعمال الحق موضوعها. فإن كان قصيراً، فإن واقعة الحيازة يظل لها دورها، وإنما ينبغي أن يدعمها حسن نية الحائز، واقتران يده على الشيء محلها بما يكون سبباً صحيحاً وفقاً للقانون. ويعتبر كذلك كل سند يصدر عن شخص ليس مالكاً للشيء. والحيازة بالتالي تناقض بالضرورة حقوق ملكية قائمة مشهر سندها. إن القول بأن قانون السجل العيني، يعتبر - بالنصوص التي تضمنها - ملغياً أحكام القانون المدني في شأن الحيازة المكسبة للملكية، مردود أولاً: بأن الأصل في النصوص القانونية، هو أن تتحدد مضامينها على ضوء موضوعها، وبمراعاة مقاصدها، وبما لا يخرج عبارة تضمنها النص عن سياقها. ولا شأن لقانون السجل العيني بمصادر الحقوق العينية الأصلية في غير مجال إثباتها، ومن ثم يبقيها، ممحصاً على ضوئها طبيعة الحقوق التي يراد إثباتها في السجل ونطاقها، متوخياً من رصدها وتحقيق مشروعيتها، أن يحل تدريجياً محل نظام يكون الشهر فيه شخصياً، وليس للتسجيل بمقتضاه، ما للقيد في السجل العيني من أثر. ومردود ثانياً، بأن تعلق قيد الحقوق العينية في السجل العيني بمجال إثباتها، هو ما تنص عليه المادة الأولى من قانون إصدار قانون هذا السجل، وكذلك الفقرة الأولى من المادة 37 من هذا القانون اللتان تصرحان بأن شهر المحررات مرتبط بإثباتها في السجل وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في القانون، وأن مؤدى إثباتها فيه، إسباغ قوة مطلقة على بياناتها، فلا تتزعزع صحتها. ومردود ثالثاً: بأن إلغاء النصوص القانونية - وعلى ما تقضي به المادة الثانية من القانون المدني - إما أن يكون صريحاً أو ضمنياً. وهو لا يكون ضمنياً إلا إذا أعاد المشرع تنظيم موضوعها بما يناقض النصوص التي كان قد قررها في شأن هذا الموضوع.
ويفترض ذلك أن يكون التنظيمان القديم والجديد، دائرين حول المسائل عينها، وأنهما تعامدا بالتالي على محل واحد. ولا كذلك القانون المدني وقانون السجل العيني، ذلك أن أولهما لا يتناول الحقوق العينية إلا على صعيد أسبابها التي تنشئها أو تنقلها، بعد استكمالها لعناصرها، ولا يتصور أن يكون قانون السجل العيني - وباعتباره لاحقاً للقانون المدني - معدلاً من روافد حقوق لا يعني بغير إثباتها.
10 - مؤدى نص المادة 37 - المطعون فيه - حظر تملك الحقوق العينية الأصلية من خلال قيدها بالسجل العيني إذا كان التقادم سبب كسبها، وكانت دستورية النصوص القانونية تفترض ارتباطها عقلاً بأهدافها بما يقيم علاقة منطقية بين الوسائل وغاياتها، وكانت المذكرة الإيضاحية لهذا النص، تراه دارئاً لخطرين: أولهما ألا يفاجأ من يملكون الحقوق العينية الأصلية المقيدة في السجل، بآخرين ينازعونهم فيها من خلال اغتصابها عن طريق الحيازة. ثانيهما أن من يطلبون حقوقاً عينية أصلية يدعون تملكها بالحيازة، يطرحون موقفاً يناهض القوة المطلقة التي أثبتها السجل، فلا يجوز قيدها، وكان هذان الخطران متوهمين، ذلك إن الحيازة لا تتمحض غصباً في كل صورها وأحوالها، وحتى وإن كانت كذلك، فإن الأوضاع العملية التي تستمد منها، هي التي قلبها المشرع إلى حقائق قانونية يتم التعامل على أساسها، فلا تكون أوضاعها الظاهرة إلا قرين مشروعيتها. كذلك فإن التأشير الهامشي، يرد عن الحيازة المخاطر التي يدعى اتصالها بها، وبمقتضاه لا تقيد الحقوق العينية الأصلية التي تنقلها الحيازة في السجل العيني، إلا بعد التأشير بدعواها على هامش صحيفة السجل للوحدة العقارية المتعلقة بها، وصدور حكم نهائي بصحتها يرتد أثره إلى تاريخ هذا التأشير. فلا يكون التغيير في السجل بناء على التملك بالتقادم، إلا في الحدود التي يقوم فيها الدليل عليه نقياً كاملاً. إن النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، ويقيم فيما بين الحقوق الأصلية تمييزاً من جهة أسبابها لا يستند إلى أسس موضوعية تقتضيها طبيعة القيد في السجل العيني، وكانت تنمية الدخل القومي وفقاً لنص المادة 23 من الدستور، لا يكفلها من أهمل أعياناً يملكها، أو تركها مواتاً متخلياً عنها وإنما يرعاها من اتصل بهذه الأعيان، وبسط يده عليها لإحيائها واستثمارها.


الإجراءات

بتاريخ 19 يونيو سنة 1995، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 37، المادة 38 من القرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على المادة 38 من القرار بقانون المشار إليه، وبرفضها فيما عدا ذلك.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين قد أقاموا الدعوى رقم 381 لسنة 1993 مدني كلي الفيوم ضد السيدين عبد المجيد سعيد عبد الله وأحمد حسن عبد الجواد والسيدة/ عليه عبد التواب قطب، طالبين الحكم بتثبيت ملكيتهم لسبع وعشرين فداناً كائنة بناحية جبلة مركز سنورس، والمبين حدودها ومعالمها في صحيفة تلك الدعوى، على سند من أنهم حازوها بنية التملك - ومورثهم من قبلهم - مما يكسبهم ملكيتها.
وبجلسة 24 يناير سنة 1995 قضت محكمة الفيوم الابتدائية بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني بالنسبة إلى 19 س، 13 ط، 14 ف من أطيان التداعي، والمقيدة بالسجل العيني في ملكية المدعى عليه الأول في تلك الدعوى، وبتثبيت ملكية المدعين لمساحة قدرها 19 س، 13 ط، 14 ف من أطيان التداعي، والمقيدة بالسجل العيني باسم مورثهم، وأقامت قضاءها في ذلك على ما تنص عليه المادة 37 من قانون السجل العيني الصادر بالقرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 من أن للسجل العيني قوة إثبات لصحة البيانات الواردة فيه. ولا يجوز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل. فضلاً عن أن المادة 38 من ذات القانون استلزمت لقيد الحقوق استناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية أن ترفع الدعوى أو يصدر الحكم فيها خلال خمس سنوات من تاريخ سريان قانون السجل العيني على القسم المساحي الذي تقع فيه الأرض المطلوب الحكم بثبوت ملكيتها لواضع اليد عليها، وقد نص قرار وزير العدل على تطبيق نظام السجل العيني على القسم المساحي الكائنة به أرض التداعي وذلك اعتباراً من 18/ 11/ 1978.
وإذا لم يرتض المدعون الحكم الابتدائي أنف البيان، فقد طعنوا عليه بالاستئناف رقم 269 لسنة 31 قضائية أمام محكمة استئناف بني سويف (مأمورية استئناف الفيوم)، وأثناء نظره دفعوا بعدم دستورية ما تنص عليه المادة 37 من قانون السجل العيني من عدم جواز التمسك بالتقادم المكسب للملكية على خلاف ما هو ثابت بالسجل العيني. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعهم هذا، وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا دعواهم الماثلة وضمنوا صحيفتها طلبهم الحكم بعدم دستورية هذا الحظر وكذلك المادة 38 من قانون السجل العيني.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان المدعون يقولون بأنهم تملكوا عقار النزاع بالتقادم المكسب للملكية، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تتوافر بإبطال المادة 37 من قانون السجل العيني التي لا تجيز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل.
وحيث إن المادة 38 من قانون هذا السجل، وإن أجازت استثناء من المادة السابقة عليها قيد الحقوق استناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية، إلا أنها تقيد مجال عمل هذا الاستثناء بالدعاوى التي ترفع أو التي يصدر حكم فيها خلال خمس سنوات من انقضاء المدة المنصوص عليها في القرار الوزاري المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار. ومن ثم يعتبر نص المادة 38 من قانون السجل العيني ساقطاً إذا ما قضي بعدم دستورية قاعدة الحظر التي قررتها الفقرة الثانية من المادة 37 من هذا القانون، تقديراً بأن الاستثناء من قاعدة يفترض بقاءها فإذا أبطلتها المحكمة لمخالفتها للدستور، سقط الاستثناء معها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 37 من قانون السجل العيني الصادر بالقرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 تنص على أن يكون للسجل العيني قوة إثبات لصحة البيانات الواردة به، وتقضي فقرتها الثانية بأنه لا يجوز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل، بما مؤداه أن بيانات السجل العيني في شأن المكية، لها قوة تؤكد صحتها، ولا يجوز تغييرها إذا كان التقادم سبباً لكسبها.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه، مخالفته أحكام المواد 8 و40 و34 و68 من الدستور، وذلك من الأوجه الآتي بيانها:
أولها: أن من حاز أراض من مناطق لم يشملها السجل العيني، يملكها بالتقادم. فإذا امتد إليها تطبيق هذا القانون، صار تملكها به مستحيلاً، وفي ذلك إهدار لتكافؤ الفرص.
فضلاً عن أن النص المطعون فيه يخل باستقرار أوضاع كثير من المزارعين الذين تملكوا أراضيهم بمقتضى عقود عرفية عزفوا عن تسجيلها، ولا تزال أيديهم متصلة بها من خلال حيازتها. غير أنهم فوجئوا بأن اللجان القائمة على تطبيق قانون السجل العيني لا تعير آذانها لحقوقهم، وأنها تقيد أراضيهم هذه بأسماء ملاكها القدامى أو ورثتهم بزعم أن التقادم لا يجوز أن يناهض بياناً مثبتاً بالسجل العيني.
ثانياً: أن الذين يدعون الملكية بناء على أحد أسباب كسبها غير التقادم، يستطيعون تثبيتها من خلال اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ثم قيدها في السجل العيني، فإذا كان التقادم سبب كسبها، حيل بينهم وبين إثباتها. وفي ذلك تمييز دون مسوغ بين من يملكون، وتأبيد للنزاع حول الملكية.
ثالثها: أن القيد الأول بالسجل العيني يستند إلى أعمال وقرارات إدارية. وحرمان من تملك بالتقادم من تسجيل ملكيته على سند من مخالفتها للثابت بالسجل، مؤداه أن تظل هذه الأعمال والقرارات بعيدة عن الرقابة القضائية.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التي لا يجوز اقتحامها. وكلما كان هذا التنظيم منتهياً إلى إهدار الحقوق التي تناولها، أو مؤدياً إلى إرهاق محتواها بقيود لا تكفل فعاليتها، وبما ينال من مجالاتها الحيوية التي لا تقوم إلا بها، كان مخالفاً للدستور.
وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التي نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وكان الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها، وكان من المقرر أن الحقوق جميعها لا تنشأ ولا تنتقل إلا من خلال أسبابها التي حددها القانون، فقد صار متعيناً أن نستظهر ما إذا كان قانون السجل العيني ملتزماً إطاراً منطقياً للدائرة التي يعمل فيها، كافلاً من خلالها تحقيق الأغراض التي رصد عليها، أم كان بالنصوص التي تضمنها مجاوزاً لها.
وحيث إن الشهر - وكلما كان شخصياً - لا يحيط بكل صور التعامل التي يكون العقار محلها، وإنما تسجل الحقوق المشهرة، وفقاً لأسماء أصحابها التي قد تختلط فيما بينها بالنظر إلى تشابهها. وكثيراً ما يكون العقار الواحد محلاً لأكثر من علاقة قانونية لا يتحد أطرافها، فلا ترصد في صحيفة واحدة تجمعها، وإنما تتفرق مواضعها في السجل، فلا تسهل معرفتها.
كذلك فإن تسجيل الأعمال القانونية التي يكون من شأنها إنشاء الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقلها أو تغييرها أو زوالها، لا يطهرها من عيوبها كلما كان الشهر شخصياً، ولا يحول دون الطعن عليها والنزاع في شأن صحتها، بما يخل بالحماية الواجبة لكل ذي شأن فيها.
ولا كذلك أن يكون السجل عينياً، متطلباً قيد الحقوق العينية الأصلية المتعلقة بالعقار الواحد، وكذلك ما اتصل بهذا العقار من الحقوق العينية التبعية، فضلاً عن التصرفات والأحكام النهائية المقررة لحق من الحقوق العينية الأصلية، في صحيفة واحدة تجمعها، تتضمن وصفاً للعقار من حيث أبعاده وحدوده وطبيعته، وما تعلق به من صور التعامل على اختلافها، وما نشأ أو ارتبط بها من الحقوق العينية وأصحابها، فلا يكون قيد هذه الحقوق في السجل إلا لإثباتها بصورة مطلقة، ضماناً لاستقرار أوضاعها، وبما يطهرها من عيوبها أياً كان نوعها أو مداها.
وحيث إن القوة المطلقة للقيود التي يثبتها السجل العيني في صحائفه وفقاً لأحكامه، وإن كانت جوهر نظامه، ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونها، ولو كان هذا القيد قد تم خلافاً للحقيقة، إلا أن شرط إجراء القيد - وعلى ما تنص عليه المادة الحادية عشرة من قانون السجل العيني - وهو أن تكون الحقوق العينية التي يثبتها القيد في صحائفه، فقد أنشأتها أو قررتها أسباب كسبها، تقديراً بأن أسبابها هذه، تمثل روافدها التي لا يتصور أن يتجاهلها هذا السجل، شأنها في ذلك شأن مصادر الحقوق الشخصية.
ولا يجوز بالتالي أن ينفصل قيد الحقوق العينية الأصلية عن أسبابها التي رتبها القانون المدني، وحصرها.
بل إن أسبابها هذه، هي التي يكون الاستيثاق من صحتها سابقاً على قيد الحقوق التي أنشأتها أو نقلتها، فلا يكون من شأن السجل العيني تحوير بنيانها ضماناً لتقيده بالأغراض التي رصد عليها، ولأن القيد في هذا السجل لا يعتبر ركناً شكلياً لا تكتمل بغيره عناصر وجود الحقوق المراد إثباتها فيه، بل تظل لهذه الحقوق - حتى وإن لم تقيد - مقوماتها باعتبار أنها ترتد مباشرة إلى أسبابها التي أنتجتها، وهو ما تؤكده الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 26 من قانون السجل العيني بما قررتاه من أن الأعمال القانونية التي لا تقيد، لا تزول بكامل آثارها، وإن امتنع الاحتجاج بالحقوق العينية الأصلية التي أنشأتها أو نقلتها أو غيرتها أو أزالتها، سواء في العلاقة بين أطرافها أو على صعيد الأغيار عنها.
وحيث إن الحيازة هي السيطرة المادية على الحق أو الشيء محل الحق من خلال أعمال مادية يأتيها الحائز ابتداء أو انتقالاً من الغير، ويستبقيها - ولو كان مغتصباً للحق موضوعها - مع اقترانها بقصد استعمال هذا الحق محدداً على ضوء محتواه. ولا تعتبر الحيازة - باجتماع عنصريها هذين، وبالنظر إلى طبيعتها - حقاً عينياً أو شخصياً، ولا هي بحق أصلاً، ولكنها تنقل الحقوق موضوعها - وعند توافر شرائطها - إلى من يكسبونها بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ بدئها. ولا تعتبر الحيازة بالتالي مجرد قرينة لا يجوز دحضها على أن الحائز صار مالكاً للشيء محلها بعد أن حازه المدة التي عينها المشرع، ولكنها تتمحض سبباً مباشراً لنقل ملكية الحق موضوعها. والحيازة بذلك تحيل الأوضاع الفعلية التي استقر أمرها بعد أن امتد زمنها من خلال التقادم، إلى حقائق قانونية لا تتزعزع بها الملكية بعد اكتمال الحق فيها، وإنما تخلص لحائز اتصل بها، وظهر عليها أمداً، مباشراً سلطاتها دون اعتراض من مالكها.
وكان منطقياً أن يقدم المشرع على مصلحته التي أهمل الدفاع عنها ورد من يناهضونها على أعقابهم، مصلحة حائز اطمأن الناس إلى الأوضاع الظاهرة التي بسطها، والتي يقدرون معها أن امتداد زمنها، يقلبها إلى ملكية كاملة، ولو كان مغتصباً للحق فيها.
وحيث إن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، لا تقتصر على الصور التي تظهر الملكية فيها بوصفها الأصل الذي تتفرع عنه الحقوق العينية الأصلية جميعها، وإنما تمتد هذه الحماية إلى الأموال كلها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال حق ذو قيمة مالية، سواء كان هذا الحق شخصياً أو عينياً أو كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية، ذلك أن الحقوق العينية التي يكون العقار ملحها، تعتبر مالاً عقارياً. أما ما يقع منها على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية - أياً كان محلها - فإنها تعد مالاً منقولاً، وإلى هذه الأموال كلها، تنبسط الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، فلا تخلص لغير أصحابها.
وحيث إن نظم الشهر على اختلافها - ما كان منها شخصياً أو عينياً - تفترض اشتقاق الحقوق التي تسجلها أو تقيدها في صحائفها، من أسبابها التي حددها المشرع حصراً. تقديراً بأن أسبابها هذه هي التي تقيمها وفقاً للقانون، حتى ولو كان السجل عينياً، وكان ما يقيد في هذا السجل، إما أن يكون تصرفاً قانونياً أو عملاً مادياً، وكان كلاهما مصدراً للحقوق العينية يكسبها وفقاً للشروط التي نص عليها القانون، فإن استكمالها لشروطها هذه، يظل مناط صحتها.
وما تنص عليه المادة 13 من قانون السجل العيني - والتي يتعلق حكمها بالقيد الأول - من أن الحقوق التي يطلب أصحابها قيدها في السجل استناداً إلى وضع اليد لا يجوز إثباتها إذا كان في المحررات المشهرة ما يناقضها، يعتبر انفلاتاً عن كل منطق.
ذلك أن التقادم، طويلاً كان أم قصيراً - وعلى ما تقضي به المادتان 968 و969 من القانون المدني على التوالي - يعتبر سبباً ناقلاً للملكية من أصحابها. فإذا كان طويلاً تمحض حيازة استطال زمنها مع اقترانها بقصد استعمال الحق موضوعها. فإن كان قصيراً، فإن واقعة الحيازة يظل لها دورها، وإنما ينبغي أن يدعمها حسن نية الحائز، واقتران يده على الشيء محلها بما يكون سبباً صحيحاً وفقاً للقانون. ويعتبر كذلك كل سند يصدر عن شخص ليس مالكاً للشيء. والحيازة بالتالي تناقض بالضرورة حقوق ملكية قائمة مشهر سندها.
وحيث إن القول بأن قانون السجل العيني، يعتبر - بالنصوص التي تضمنها - ملغياً أحكام القانون المدني في شأن الحيازة المكسبة للملكية، مردود أولاً: بأن الأصل في النصوص القانونية، هو أن تتحدد مضامينها على ضوء موضوعها، وبمراعاة مقاصدها، وبما لا يخرج عبارة تضمنها النص عن سياقها.
ولا شأن لقانون السجل العيني بمصادر الحقوق العينية الأصلية في غير مجال إثباتها، ومن ثم يبقيها، ممحصاً على ضوئها طبيعة الحقوق التي يراد إثباتها في السجل ونطاقها، متوخياً من رصدها وتحقيق مشروعيتها، أن يحل تدريجياً محل نظام يكون الشهر فيه شخصياً، وليس للتسجيل بمقتضاه، ما للقيد في السجل العيني من أثر.
ومردود ثانياً: بأن تعلق قيد الحقوق العينية في السجل العيني بمجال إثباتها، هو ما تنص عليه المادة الأولى من قانون إصدار قانون هذا السجل، وكذلك الفقرة الأولى من المادة 37 من هذا القانون اللتان تصرحان بأن شهر المحررات مرتبط بإثباتها في السجل وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في القانون، وأن مؤدى إثباتها فيه، إسباغ قوة مطلقة على بياناتها، فلا تتزعزع صحتها.
ومردود ثالثاً: بأن إلغاء النصوص القانونية - وعلى ما تقضي به المادة الثانية من القانون المدني - إما أن يكون صريحاً أو ضمنياً. وهو لا يكون ضمنياً إلا إذا أعاد المشرع تنظيم موضوعها بما يناقض النصوص التي كان قد قررها في شأن هذا الموضوع.
ويفترض ذلك أن يكون التنظيمان القديم والجديد، دائرين حول المسائل عينها، وأنهما تعامدا بالتالي على محل واحد. ولا كذلك القانون المدني وقانون السجل العيني، ذلك أن أولهما لا يتناول الحقوق العينية إلا على صعيد أسبابها التي تنشئها أو تنقلها، بعد استكمالها لعناصرها، ولا يتصور أن يكون قانون السجل العيني - وباعتباره لاحقاً للقانون المدني - معدلاً من روافد حقوق لا يعني بغير إثباتها.
وحيث إن ما تنص عليه المادة 38 من قانون السجل العيني - واستثناء من حكم المادة السابقة عليها - من جواز قيد الحقوق استناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية، إذا رفعت الدعوى أو صدر الحكم فيها خلال خمس سنوات من انقضاء المدة المنصوص عليها في القرار الوزاري المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار، مؤداه أن الحيازة في ذاتها، لا تناقض بالضرورة طبيعة السجل العيني، ولا تحول - بخصائصها ولا بآثارها - دون قيد الحقوق الناشئة عنها، وكان القيد وإن تناول أصلاً الحقوق التي يكون سندها تصرفاً قانونياً، إلا أن النصوص التي تضمنها قانون السجل العيني، لا تحول دون قيد الحقوق التي تكون الوفاة - وهي واقعة مادية - مصدراً لها.
وحيث إن مؤدى نص المادة 37 - المطعون فيه - حظر تملك الحقوق العينية الأصلية من خلال قيدها بالسجل العيني إذا كان التقادم سبب كسبها، وكانت دستورية النصوص القانونية تفترض ارتباطها عقلاً بأهدافها بما يقيم علاقة منطقية بين الوسائل وغاياتها، وكانت المذكرة الإيضاحية لهذا النص، تراه دارئاً لخطرين: أولهما ألا يفاجأ من يملكون الحقوق العينية الأصلية المقيدة في السجل، بآخرين ينازعونهم فيها من خلال اغتصابها عن طريق الحيازة. ثانيهما أن من يطلبون حقوقاً عينية أصلية يدعون تملكها بالحيازة، يطرحون موقفاً يناهض القوة المطلقة التي أثبتها السجل، فلا يجوز قيدها، وكان هذان الخطران متوهمين ذلك أن الحيازة لا تتمحض غصباً في كل صورها وأحوالها، وكان وإن كانت كذلك، فإن الأوضاع العملية التي تستمد منها، هي التي قلبها المشرع إلى حقائق قانونية يتم التعامل على أساسها، فلا تكون أوضاعها الظاهرة إلا قرين مشروعيتها. كذلك فإن التأشير الهامشي، يرد عن الحيازة المخاطر التي يدعى اتصالها بها، وبمقتضاه لا تقيد الحقوق العينية الأصلية التي تنقلها الحيازة في السجل العيني، إلا بعد التأشير بدعواها على هامش صحيفة السجل للوحدة العقارية المتعلقة بها، وصدور حكم نهائي بصحتها يرتد أثره إلى تاريخ هذا التأشير. فلا يكون التغيير في السجل بناء على التملك بالتقادم، إلا في الحدود التي يقوم فيها الدليل عليه نقياً كاملاً.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، ويقيم فيما بين الحقوق العينية الأصلية تمييزاً من جهة أسبابها لا يستند إلى أسس موضوعية تقتضيها طبيعة القيد في السجل العيني، وكانت تنمية الدخل القومي وفقاً لنص المادة 23 من الدستور، لا يكفلها من أهمل أعياناً يملكها، أو تركها مواتاً متخلياً عنها وإنما يرعاها من اتصل بهذه الأعيان، وبسط يده عليها لإحيائها واستثمارها، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً أحكام المواد 23 و32 و34 و40 من الدستور..

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما نصت عليه المادة 37 من قانون السجل العيني الصادر بالقانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني من حظر التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل، وبسقوط نص المادة 38 من هذا القانون، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

الاثنين، 9 مارس 2015

نقض جزائي اتحادي الامارات 2003

طعن 75 و 77 لسنة 23 ق جلسة 31 /5 / 2003 مخدرات

هيئة المحكمة : الرئيس الحسيني الكناني والمستشاران الصديق أبو الحسن وفلاح الهاجري .
1- الارتباط بين الجرائم قائم في حال وجود عنصر مشترك مؤثر على عناصر الاثبات الاخرى أو سير التحقيق فيها.
- جريمة – اثبات – تحقيق .
2- جواز مخالفة قاعدة الاختصاص المكاني في حال توافر الارتباط بين الجرائم واحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة مكانياً بإحداها أو إلى المحكمة الاعلى درجة وذلك منعاً لتضارب الاحكام ولحسن سير العدالة.
- اختصاص – جريمة – حكم – عدالة .
3- سلطة محكمة الموضوع في تقدير مدى توافر الارتباط بين الجرائم شرط اقامة قضائها على اسباب سائغة.
- محكمة الموضوع – جريمة .
4- سلطة محكمة الموضوع في تحصيل فهم الواقع وتقدير الادلة والاخذ باعتراف المتهم بالرغم من عدوله عنه فيما بعد وذلك في صدوره عنه بارادة حرة مختارة شرط اقامة قضائها على اسباب سائغة.
- محكمة الموضوع – ادلة – اعتراف – ارادة .
5- قيام مأمور الضبط القضائي الحاصل على اذن بالتفتيش بندب مأموراً آخر للقيام بالمهمة بدلاً عنه هو امر صحيح شرط تصريح الاذن له بذلك وكون المندوب تابعاً للنادب في عمله.
- ضبط قضائي – تفتيش – اذن – انتداب – عمل .
6- عمل الاكراه هو الاصل وعلى المدعي العكس اثبات ذلك.
- اكراه – اثبات .
7- الدفع بشيوع التهمة هو دفع موضوعي غير لازم رداً خاصاً من المحكمة في حال تضمن الحكم ثبوت التهمة.
- دفاع ودفوع – اثبات .
8- وجوب تضمن حكم الادانة بياناً للواقعة المستوجبة للعقوبة وظروف ارتكاب الجريمة والاشارة إلى النص القانوني المحكوم بموجبه مع عدم التزام المحكمة بالرد على كل اقوال الخصوم.
- عقوبة – خصومة – حكم .
9- اعفاء الجناة من العقوبات المقررة للجرائم المبينة في المواد 46 و48 و49 و50 عقوبات في ابلاغهم السلطات القضائية أو الادارية عن المعلومات التي لديهم قبل البدء في ارتكاب الجريمة.
- جناية – عقوبة – تبليغ – سلطة قضائية – قضاء – ادارة – جريمة .
10- جواز اعفاء المحكمة الجناة من العقوبة في حال ابلاغهم عن المعلومات التي لديهم بعد ارتكاب الجريمة وقبل البدء في التحقيق اضافة إلى جواز تخفيفها العقوبة في حال تسهيل الجاني للسلطة المختصة القبض على احد مرتكبي الجريمة.
- جناية – عقوبة – تبليغ – جريمة – تحقيق – اختصاص – قبض .
11- سلطة محكمة الموضوع بالفصل في جواز الاعفاء أو تخفيف العقوبة شرط اقامة قضائها على اسباب سائغة.
- محكمة الموضوع – عقوبة .
ملخص المكتب الفني للمحكمة الاتحادية العليا
( 1 ) اختصاص " اختصاص مكاني ". دعوى . ارتباط .
الاختصاص يتعين بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة . تقديم متهم أو أكثر عن جريمة واحدة ، أو عن جرائم مرتبطة شملها تحقيق واحد إلى جهتين من جهات الحكم ، وكانت كلتاها مختصة ، إحالة الدعوى الي المحكمة التي قدمت إليها أولاً . تقدير مدى الارتباط موضوعي .
( 2 ) محكمة الموضوع " سلطتها . إثبات " الاعتراف ". جريمة " الجريمة التعزيرية ".
فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلة الاتهام فيها سلطة لمحكمة الموضوع . لها الأخذ باعتراف المتهم أمام الشرطة أو النيابة العامة ، ولو رجع عنه في الجرائم التعزيرية .
( 3 ) مأمور الضبط القضائي . " في التفتيش ". تفتيش .
ندب مأمور الضبط القضائي الذي صدر له إذن التفتيش لمأمور أخر للقيام به كتابة أو شفاهة صحيح . شرطه إباحة الإذن ذلك .
( 4 ) دفاع . مواد مخدرة . محكمة الموضوع .
الدفع بشيوع التهمة دفع موضوعي لا يستأهل رداً خاصة من المحكمة . شرطه تضمن الأدلة ما يفيد ثبوت تهمة حيازة المخدر في حق المتهم .
( 5 ) حكم " تسبيب الأحكام ".
وجوب أن يتضمن حكم الإدانة بيانا للواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يشير إلي نص القانون الذي حكم بموجبه م 216 إجراءات جزائية وأن تفصل المحكمة في الطلبات والدفوع م 217 إجراءات جزائية . عدم التزامها بالرد علي كل ما أثاره الخصوم . شرطه أن تقيم قضاءها علي ما يكفي لحمله .
( 6 ) تحقيق . عقوبة . مواد مخدرة . أساب الإباحة وموانع العقاب . محكمة الموضوع .
مناط الإعفاء من العقوبة المقررة في مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة . ويقوم أحدهم بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بما يعلمه عنها قبل البدء في ارتكاب الجريمة . القيام بالإبلاغ بعد ارتكابها وقبل البدء في التحقيق . مؤداه جواز إعفاء المحكمة للمتهم . شرطه إسهام إبلاغه في معاونة السلطات للتوصل لباقي الجناة . للمحكمة أن تخفف العقوبة إذا سهل المتهم للسلطات _ أثناء التحقيق أو المحاكمة القبض علي احد مرتكبي الجريمة مادة 55 من قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية . عدم تحقق صدق التبليغ مؤداه عدم استحقاق صاحبه الإعفاء لانتفاء مقوماته . الفصل في ذلك من سلطة محكمة الموضوع .
1 - أنه وإن كان نص المادة 142 من قانون الإجراءات الجزائية بأنه ( يتعين الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة ) إلا أن نص المادة 145 من ذات القانون من أنه ( إذا قدم متهم أو أكثر عن جريمة واحدة أو عن جرائم مرتبطة شملها تحقيق واحد ، إلى جهتين من جهات الحكم ، وكانت كلتاهما مختصة ، تحال الدعوى إلى المحكمة التي قدمت إليها أولاً ). ومؤدى ذلك أن الارتباط يكون قائماً بين الجرائم التي يتناولها التحقيق الواحد إذا كان بينها عنصر مشترك يؤثر على عناصر الإثبات الأخرى أو سير التحقيق فيها ، ولا شك أن الارتباط البسيط قد يبرر نظر الدعاوى الناشئة عن الجرائم المرتبطة أمام محكمة واحدة نظراً لحسن سير العدالة ومنعا من تضارب الأحكام ومن أجل ذلك يجوز فيها مخالفة قواعد الاختصاص المكاني وإحالة الدعاوى إلى المحكمة المختصة مكانياً بإحداها متى كانت قد قدمت إليها الدعوى أولاً أو إحالتها إلى المحكمة الأعلى درجة حسب الأحوال وتقدير مدى توافر قيام الارتباط من عدمه مرجعه إلى محكمة الموضوع متى كان ذلك سائغاً وكافياً لحمل قضائها في هذا الخصوص .
2 - أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلة الاتهام فيها – والأخذ باعتراف المتهم أمام الشرطة أو النيابة العامة ، ولو رجع عنه في الجرائم التعزيرية متى صدر منه هذا الاعتراف عن إرادة حره مختارة طالما كان مطابقاً لحقيقة الواقع في الدعوى ولا رقيب عليها في ذلك طالما لم تعتمد على واقعة بلا سند ، وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله .
3 - أن ندب مأمور الضبط القضائي الذي صدر له إذن التفتيش – مأموراً آخر للقيام به بدلاً منه كتابة أو شفاهة صحيح متى كان الإذن قد أباح له ذلك ، وكان المندوب ممن يتبعون النادب في عمله . وأنه إذا صدر إذن التفتيش من النيابة العامة لأحد مأموري الضبط أو من يعاونه أو يندبه ، فإن انتقال أي من هؤلاء لتنفيذه يجعل ما أجراه بمفرده صحيحاً لوقوعه في حدود الأمر الصادر من النيابة العامة بذلك والذي خول كلاً منهم سلطة إجرائه ما دام أن من أذن بالتفتيش لم يقصد أن يقوم بتنفيذه شخص معين بالذات بحيث يكون مقصوراً عليه لا يتعداه بالإجازة إلى غيره . كما أنه لا يشترط أن يكون مأمور الضبط الذي استصدره قد ندب زميله كتابة أسوة بالأمر الصادر من النيابة العامة نفسها ، بل يجوز أن يكون الندب شفاهة . ومن المقرر كذلك أن الأصل في الإجراءات الصحة ، وأن عدم الإكراه هو الأصل ويقع عبء الإثبات على من يدعي خلاف هذا الأصل .
4 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفع بشيوع التهمة هو دفع موضوعي لا يستأهل رداً خاصاً من المحكمة متى تضمنت الأدلة التي اطمأن إليها الحكم ما يفيد ثبوت تهمة حيازة المخدر في حق المتهم .
5 - أن المادتين 216 ، 217 من قانون الإجراءات الجنائية لم توجبا في الحكم إلا أن يشتمل على الأسباب التي بني عليها ، وأن يتضمن حكم الإدانة بياناً للواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وأن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه وان تفصل المحكمة في الطلبات والدفوع التي تقدم إليها من الخصوم ، وتبين الأسباب التي استندت إليها وأن تذكر بطبيعة الحال الأدلة التي أقامت عليها قضاءها ، وهي ليست ملزمة من بعد أن ترد على ما كل أثاره الخصوم ، طالما أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله .
6 - أن نص المادة 55 من القانون الاتحادي 14/95 بشأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية من أنه ( يعفى من العقوبات المقررة للجرائم المبينة في المواد 46 ، 48 ، 49 ، 50 كل من بادر من الجناة إلى إبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بما يعلمه عنها قبل البدء في ارتكاب الجريمة ، ويجوز للمحكمة الإعفاء من العقوبة إذا حصل الإبلاغ بعد ارتكاب الجريمة وقبل البدء في التحقيق ، كما يجوز للمحكمة تخفيف العقوبة إذا سهل الجاني للسلطات المختصة أثناء التحقيق أو المحاكمة القبض على أحد مرتكبي الجريمة ) يدل على أن مناط الإعفاء من العقوبة المقررة للمواد سالفة الذكر ومنها حيازة مادة الحشيش الواردة بالجدول ( 4 ) الملحق بالقانون الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين أو شركاء فيها ، ويقوم أحدهم بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بما يعلمه عنها قبل البدء في ارتكاب الجريمة . فإذا حصل الإبلاغ بعد ارتكاب الجريمة ، وقبل البدء في التحقيق فإنه يجوز لمحكمة الموضوع إعفاء المتهم الذي أبلغ عن غيره من الجناة من العقوبة ، شريطة أن يسهم إبلاغه إسهاماً ايجابياً ومنتجاً في معاونة السلطات للتوصل إلى باقي الجناة . كما - يجوز للمحكمة تخفيف العقوبة إذا سهل المتهم للسلطات المختصة – أثناء التحقيق أو المحاكمة القبض على أحد مرتكبي الجريمة . وذلك باعتبار أن هذا الإعفاء أو التخفيف هو نوع من المكافأة أجاز القانون منحها لكل من يؤدي خدمة للعدالة . فإذا لم يتحقق صدق التبليغ بأن كان غير متسم بالجدية فلا يستحق صاحبه الإعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع . والفصل في كل ذلك وفي جواز الإعفاء أو التخفيف من سلطة قاضي الموضوع متى كان ذلك سائغاً وكافياً لحمل قضائه . وإلا كان حكمة معيباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه .
المحكمة ،
بعد الإطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص والمداولة .
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية .
وحيث إن الواقعة تتلخص على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن النيابة العامة اتهمت الطاعنين إبراهيم .....، وفاضل ..... وآخر محمد ..... لأنهم في 16/1 / 2000 وأيام سابقة عليه بدائرة أبو ظبي .
الطاعن في الطعن الأول : ابراهيم ..... ( أ ) جلب مادة مخدرة حشيشاً بقصد الاتجار بالمخالفة لأحكام القانون ( ب ) تعاطى مواد مخدرة (( حشيشا ، مورفين ، كودايين )) بالمخالفة لأحكام القانون .
الطاعن في الطعن الثاني : فاضل ..... ( أ ) جلب مادة مخدرة (( حشيشاً )) بالمخالفة لأحكام القانون ( ب ) اشترك بطريق الاتفاق مع المتهم الأول في جلب مادة الحشيش المخدرة المبينة بالتهمة الأولى بأن اتفق معه على ذلك ، فقام الأول بإحضارها من سلطنة عمان إلى داخل الدولة ، فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق ( ج ) حاز بقصد التعاطي المادة المخدرة سالفة الذكر بالمخالفة لأحكام القانون .
ثالثاً – الطاعن في الطعن الثاني – والمحكوم عليه الآخر – محمد ..... معاً – تعاطيا المادة المخدرة سالفة الذكر بالمخالفة لأحكام القانون ، وطلبت معاقبتهم طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والمواد 1/1 ، 5 ، 6/1 ، 34 و 39 ، 48 ، 56 ، 63 ، 65 من القانون 14/95 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والبندين 19 ، 65 من الجدول رقم 1 والبند رقم 7 من الجدول رقم 2 – الملحقين به والمادتين 45/2 ، 47 من قانون العقوبات الاتحادي . وبجلسة 7/10/2000 حكمت محكمة جنايات أبو ظبي الشرعية حضورياً : أولاً – بإدانة الطاعن إبراهيم عبد الله الفارسي ( 1 ) بارتكابه جريمة جلب مادة مخدرة الحشيش بغير قصد الاتجار ( بعد تعديل الوصف ) ومعاقبته تعزيراً بالسجن مدة خمس عشرة سنه ، وبغرامة مائه ألف درهم من تاريخ توقيفه ( 2 ) بارتكابه جريمة تعاطي المواد المخدرة ومعاقبته تعزيراً بالسجن مدة أربع سنوات وتنفيذ العقوبات المقيدة للحرية بالتعاقب . ثانياً - بإدانة الطاعن فاضل حميد البادي ( 1 ) بارتكابه جريمتي الجلب والاشتراك مع المتهم الأول في جلب مخدر الحشيش ومعاقبته تعزيراً بالسجن لمدة خمس عشر سنه ، وبغرامة مائة ألف درهم من تاريخ توقيفه ( 2 ) بارتكابه جريمتي حيازة مخدر الحشيش بقصد التعاطي – وتعاطيه . ومعاقبته تعزيراً بالسجن أربع سنوات وتنفذ العقوبات المقيدة للحرية بالتعاقب . ثالثاً – بإدانة المتهم الآخر – محمد .....– بارتكاب جريمة تعاطي مخدر الحشيش ومعاقبته تعزيراً بالسجن أربع سنوات من تاريخ توقيفه . رابعاً – مصادرة المواد المخدرة المضبوطة محل الجريمة وإعدامها . خامساً – إبعاد المحكوم عليهم عن الدولة بعد تنفيذ العقوبات .
استأنف الطاعن إبراهيم .... الحكم برقم 1569/2000 والطاعن فاضل ..... برقم 1562/2000 ومحمد ..... برقم 1580/2000 شرعي أبو ظبي .
وبجلسة 6/2 / 2001 حكمت المحكمة بإلغاء الفقرة الثالثة من الحكم المستأنف وقضت مجدداً ببراءة محمد علي محمد من الاتهام المسند إليه وتأييد الحكم فيما عدا ذلك ، فطعن الأول بالطعن 75/23 والثاني بالطعن 77/23 ، وأودعت النيابة مذكرة برأيها في الطعنين رأت فيها رفض الطعن 75/23 وفي موضوع الطعن 77/23 بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة .
أولاً : - الطعن 75/23 – المقدم من إبراهيم
حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت بالأوراق من وجوه .
الوجه الأول : يقول فيه إن الجريمة وقعت بمدينة العين وليس في أبو ظبي ، فينعقد الاختصاص لمحكمة العين وحدها . وقد خالف الحكم هذا النظر مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه وإن كان نص المادة 142 من قانون الإجراءات الجزائية بأنه ( يتعين الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة ) إلا أن نص المادة 145 من ذات القانون من أنه ( إذا قدم متهم أو أكثر عن جريمة واحدة أو عن جرائم مرتبطة شملها تحقيق واحد ، إلى جهتين من جهات الحكم ، وكانت كلتاهما مختصة ، تحال الدعوى إلى المحكمة التي قدمت إليها أولاً ). ومؤدى ذلك أن الارتباط يكون قائماً بين الجرائم التي يتناولها التحقيق الواحد إذا كان بينها عنصر مشترك يؤثر على عناصر الإثبات الأخرى أو سير التحقيق فيها ،
ولا شك أن الارتباط البسيط قد يبرر نظر الدعاوى الناشئة عن الجرائم المرتبطة أمام محكمة واحدة نظراً لحسن سير العدالة ومنعا من تضارب الأحكام ومن أجل ذلك يجوز فيها مخالفة قواعد الاختصاص المكاني وإحالة الدعاوى إلى المحكمة المختصة مكانياً بإحداها متى كانت قد قدمت إليها الدعوى أولاً أو إحالتها إلى المحكمة الأعلى درجة حسب الأحوال
وتقدير مدى توافر قيام الارتباط من عدمه مرجعه إلى محكمة الموضوع متى كان ذلك سائغاً وكافياً لحمل قضائها في هذا الخصوص .
لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن قسم مكافحة المخدرات بالإدارة العامة بشرطة أبو ظبي استصدر بتاريخ 15/1 / 2000 إذنا من النيابة العامة في الساعة 5 ، 1 ظهراً بالقبض على الطاعن في الطعن الثاني فاضل حميد خميس ، ولدى سؤاله بواسطة قسم المكافحة بشرطة أبو ظبي بتاريخ 16/1 / 2000 في الساعة الخامسة عصراً ، أفاد بمحضر التحريات بأنه يحصل على مخدر الحشيش من شخص يدعي إبراهيم .....– الطاعن في الطعن الأول - والذي يتردد دائماً على مدينة العين وأبو ظبي - وفي ذات التاريخ في الساعة 20 ، 5 عصراً استصدرت الشرطة إذناً من النيابة العامة بأبو ظبي بانتداب أحد السادة أعضاء النيابة العامة بالعين للإذن لرئيس قسم مكافحة المخدرات أو لمن ينتدبه من أفراد الضبطية القضائية المختصين لضبط وتفتيش هذا الطاعن وتفتيش السيارة التي يقودها ساعة الضبط ، وذلك بحثاً عن أي مواد مخدرة أو أي ممنوعات تظهر عرضا أثناء التفتيش ، وخولته باقي صلاحيات إصدار الإذن . وفي ذات اليوم في الساعة السابعة وثلاثين دقيقة أصدر وكيل نيابة العين المناوب إذنا للنقيب مكتوم على عزيز أو من ينيبه أو ينوب عنه من رجال الضبطية القضائية المختصة بضبط المتهم الطاعن في الطعن الأول وتفتيشه وتفتيش سيارته وضبط وتفتيش من يوجد معه ساعة الضبط بحثاً عن أي مواد مخدرة يحوزها أو يحرزها وفي نفس التاريخ تم ضبطه والتحقيق معه في الساعة 45 ، 11 مساء بواسطة الملازم عبيد سلطان بتكليف من رئيس قسم مكافحة المخدرات لشرطة أبو ظبي .
لما كان ذلك وكان هناك متهم آخر شريك مع الطاعن في الجريمة – هو فاضل حميد خميس قد تم القبض عليه بتاريخ 15/1 / 2000 قبل القبض على هذا الطاعن ، وكانت النيابة العامة قد أحالت المتهمين جميعاً على محكمة جنايات أبو ظبي بما فيهم الطاعن ، فإن محكمة جنايات أبو ظبي تكون هي المختصة بنظر الدعوى الجزائية المقامة على الطاعن المذكور وزملائه أمامها عملاً بالمادة 145 من قانون الإجراءات الجزائية ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي برفض دفع الطاعن بعدم اختصاص المحكمة مكانياً بنظر الدعوى على أساس ذلك فإن النعي يكون على غير أساس متعين الرفض .
وحيث إن الطاعن يقول في الوجه الثاني والثالث والرابع والسادس أن ضبطه تم قبل وجود أدلة جدية وقبل صدور إذن من النيابة العامة ، ولم يكن ذلك تحت إشراف الضابط المأذون له بالتفتيش لأن النقيب سلطان ..... الذي تولى إجراءات القبض والتفتيش لم يكن مأذونا له به ، فوقع القبض والتفتيش باطلين . وكذلك يبطل الاعتراف المنسوب إليه لترتبه على إجراء باطل ، ولأنه جاء غير مطابق لحقيقة الواقع ، إذ أن الثابت من الأوراق أنه في يوم 16/1 / 2000 في الساعة ( 5 ) عصراً أخذت أقوال المتهم الثاني عن مصدر حصوله على المخدر ، فأفاد بأن مصدره المتهم الأول – الطاعن – وكان وقت القبض على الأخير – كما قرر النقيب ..... – ما بين الساعة السادسة والساعة السابعة والستة وعشرين دقيقه ، فكانت الفترة التي رتبت فيها الشرطة الاتصال بين الأول والثاني لإحضار مخدر الحشيش إلى العين بعد الخامسة عصراً وإلقاء القبض على الطاعن بعد صلاة المغرب بفترة قصيرة أقل من ساعة ونصف ، لا تسمح للطاعن أن يقوم خلالها بالوصول إلى ولاية صحار بعمان لإحضار المخدر ثم العودة به مرة أخرى إلى العين قبل ميعاد الضبط بينما المسافة بين صحار والعين تزيد على مائتي كيلومتر مما يتضح منه أن اعترافه لم يكن مطابقاً للحقيقة والواقع وجاء وليد قسوة وإكراه وقد تمسك ببطلانه . كما أنه شكك في نتيجة فحص عينة البول لاحتمال اختلاط العينات لأن الفحص قد أظهر فيها ( حشيش + مورفين + كودايين ) وهذه المواد لم تضبط معه ولم يعرض الحكم المطعون فيه لهذا الدفاع الجوهري ، مما يعيبه بمخـالفة القانون والثابت بالأوراق ويوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلة الاتهام فيها – والأخذ باعتراف المتهم أمام الشرطة أو النيابة العامة ، ولو رجع عنه في الجرائم التعزيرية متى صدر منه هذا الاعتراف عن إرادة حره مختارة طالما كان مطابقاً لحقيقة الواقع في الدعوى . ولا رقيب عليها في ذلك طالما لم تعتمد على واقعة بلا سند ، وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله .
كما أن ندب مأمور الضبط القضائي الذي صدر له إذن التفتيش – مأموراً آخر للقيام به بدلاً منه كتابة أو شفاهة صحيح متى كان الإذن قد أباح له ذلك ، وكان المندوب ممن يتبعون النادب في عمله .
وأنه إذا صدر إذن التفتيش من النيابة العامة لأحد مأموري الضبط أو من يعاونه أو يندبه ، فإن انتقال أي من هؤلاء لتنفيذه يجعل ما أجراه بمفرده صحيحاً لوقوعه في حدود الأمر الصادر من النيابة العامة بذلك والذي خول كلاً منهم سلطة إجرائه ما دام أن من أذن بالتفتيش لم يقصد أن يقوم بتنفيذه شخص معين بالذات بحيث يكون مقصوراً عليه لا يتعداه بالإجازة إلى غيره . كما أنه لا يشترط أن يكون مأمور الضبط الذي استصدره قد ندب زميله كتابة أسوة بالأمر الصادر من النيابة العامة نفسها ، بل يجوز أن يكون الندب شفاهة .
ومن المقرر كذلك أن الأصل في الإجراءات الصحة ، وأن عدم الإكراه هو الأصل ويقع عبء الإثبات على من يدعي خلاف هذا الأصل .
لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه ، وكما سبق بيانه في الرد على الوجه الأول – من الطعن – أن وكيل نيابة العين المناوب بناء على ندبه من وكيل نيابة أبو ظبي أصدر إذنه بتاريخ 16/1 / 2000 في الساعة السابعة والنصف – للنقيب مكتوم على عزيز أو من ينوب عنه أو ينيبه من رجال الضبطيه القضائية المختصة بذلك لضبط الطاعن إبراهيم ..... وتفتيشه وتفتيش سيارته ، وضبط وتفتيش من يوجد معه ساعة الضبط ، وقد تم ضبطه يوم 16/1 / 2000 بناء على إذن وكيل النيابة وحرر محضر الضبط موقعاً من النقيب سلطان .....، والشرطي وليد ثابت الكندي من شرطة أبو ظبي والنقيب مكتوم ..... والعريف درويش ..... والشرطي علي ..... من شرطة العين فإن إجراءات القبض والتفتيش تكون قد تمت صحيحة قانوناً وما ترتب عليها من إجراءات لاحقة تكون أيضاً قد وقعت صحيحة وفق ما رسمه القانون وعلى من يدعي خلافها عبء أثبات ذلك . وإذ لم يثبت الطاعن ما ادعاه فإن النعي في هذا الخصوص يكون على غير أساس متعين الرفض . سيما وأن الضابط مكتوم على نفسه المأذون بالقيام بالإجراء قد شارك في تنظيم محضر الضبط . وإذ تصدى الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه لدفاع الطاعن ، وأورد في أسبابه أن الاتهام الثاني المسند للطاعن – المتهم الأول – وهو تعاطيه مادة مخدرة غير مصرح بها – ثابت قبله ثبوتاً كافياً من تحليل عينة بوله بمعرفة قسم الأدلة الجنائية واحتوائها على المواد المخدرة ( حشيش + مورفين + كودايين ) الأمر الذي يقطع بتعاطيه المواد المخدرة ، ولا يعدو أن يكون القصد من إنكاره هو الإفلات من العقاب . وأضاف الحكم المطعون فيه أن باقي الدفوع الأخرى فقد سبق إثارتها أمام محكمة أول درجة وردت عليها . ومحكمة الاستئناف تؤيدها في ردها – وهذه أسباب سائغة لها أصلها الثابت من الأوراق . وتكفي لحمل قضاء الحكم في هذا الشق من الاتهام ، إذ الثابت من الأوراق أن عينة بول الطاعن على ما يبين من كتاب قسم مكافحة المخدرات المؤرخ 17/1 م 2000 أخذت يوم 17/1 / 2000 ورقمت 46/2000 ق م وعليها توقيع المتهم وبصمة إبهامه الأيسر ، واسم وتوقيع من أخذها ومن أرسلها إلى المختبر الجنائي ومن استلمها به ، ومن استلم نتيجة التحليل ، وأفاد قسم الأدلة الجنائية – فرع السموم والمخدرات – أنها وصلت إليه في مظروف محرز برقم 46/2000 وهو ذات رقمها مما ينفي احتمال شبهة الاختلاط ، كما خلت الأوراق مما يفيد وقوع قسوة أو إكراه على الطاعن ، ومن ثم يضحي قولاً مرسلاً ، ولا يعدو النعي بهذه الوجوه أن يكون جدلاً موضوعياً فيما لمحكمة الموضوع . سلطة تقديره متعين الرفض .
وحيث إن الطاعن ينعي بالوجه الخامس أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بشيوع التهمة المسندة إليه لأنه عندما تم ضبطه وتفتيشه لم يضبط لديه أي مخدر . وكان المخدر المضبوط بعيداً عن السيارة التي كان معه فيها شخص آخر . وخلت الأوراق من أي دليل على بسط سلطانه منفرداً على المخدر واستمرار سيطرته عليه ، ولم يرد الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه على هذا الدفاع الجوهري ، وجاراه الحكم المطعون فيه مما يعيبه ويوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلة الاتهام فيها مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع متى كان ذلك سائغاً وكافياً لحمل قضائها .
وأن الدفع بشيوع التهمة هو دفع موضوعي لا يستأهل رداً خاصاً من المحكمة متى تضمنت الأدلة التي اطمأن إليها الحكم ما يفيد ثبوت تهمة حيازة المخدر في حق المتهم .
لما كان ذلك وكان حكم أول درجة المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أورد بأسبابه بأنه في 16/1 / 2000 وبناء على إفادة الطاعن الثاني فاضل حميد بحصوله على المخدر من الطاعن الماثل إبراهيم ..... – والذي اتفق معه على تسليمه كمية من مخدر الحشيش بمدينة العين ، وأنه تم ضبط المتهم – الطاعن – بالقرب من فندق انتركونتننتال العين ، حيث تم العثور على قطعة كبيرة لمخدر الحشيش تزن 30 ، 1 كيلوجرام بجانب سيارته . وكان بجانبه المتهم الثالث الذي قضي ببراءته من تهمة تعاطي المخدر ، وأنه بمواجهة الطاعن أمام الشرطة والنيابة العامة اعتراف بحيازته لهذا المخدر وجلبه من سلطنة عمان مقابل مبلغ 500 درهم لتسليمها للمتهم الثاني ، وإذ خلصت المحكمة من الرد على الوجه السابق على صحة هذا الاعتراف وكان ذلك كافياً لحمل قضائها ، ومن ثم فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهمه وتقدير دليله مما لا تجوز إثارته أمام المحكمة العليا ويكون النعي على غير أساس .
وحيث إن الطاعن ينعي بباقي الأوجه على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ، ذلك أنه لم يعرض لدفاع الطاعن ومستنداته ومنها بطلان القبض والتفتيش لتمامه قبل صدور إذن من النيابة العامة ولانعدام التحريات الجدية مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أن المادتين 216 ، 217 من قانون الإجراءات الجنائية لم توجبا في الحكم إلا أن يشتمل على الأسباب التي بني عليها ، وأن يتضمن حكم الإدانة بياناً للواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وأن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه وان تفصل المحكمة في الطلبات والدفوع التي تقدم إليها من الخصوم ، وتبين الأسباب التي استندت إليها وأن تذكر بطبيعة الحال الأدلة التي أقامت عليها قضاءها ، وهي ليست ملزمة من بعد أن ترد على ما كل أثاره الخصوم ، طالما أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله .
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين في أسبابه وأسباب حكم أول درجة التي أخذ بها ظروف الواقعة وملابساتها والأدلة التي أدان بها الطاعن ومادة العقاب وصحة إجراءات القبض والتفتيش على ما سلف ذكره وتعويله في إدانة الطاعن على من سمعت أقواله وشهادته من الشهود ، ومن اعتراف الطاعن الذي اطمأن إلى صحة صدوره منه عن إرادة حرة مختارة مطابقة للواقع سواء أمام الشرطة أو النيابة العامة بحيازته للمخدر المضبوط سائغاً بما يكفي لحمل قضائه ، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس متعين الرفض .
ولما تقدم يتعين رفض هذا الطعن .
ثانياً : الطعن 77/23 ق ع المقام من فاضل
وحيث إن مما ينعي به الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ، ويقول في بيان ذلك أنه أبلغ السلطات قبل ارتكاب الجريمة وقبل وصول المخدر للدولة ، وأثمر ذلك في قبض المتهم – الطاعن الأول – إبراهيم ..... متلبساً بالمخدر ، وطلب أمام محكمة البداية شموله بالعفو القضائي إعمالا للمادة 55 من القانون 14/95 بشأن مكافحة المخدرات . فرد الحكم المستأنف على دفاعه رداً غامضاً ومبهماً . كما أغفل إعمال الفقرة الثانية من ذات المادة التي لم يقصد المشرع بجوازيتها عدم تطبيقها حال توفر شروطها في الواقع والقانون ، بل يحمل عدم تطبيقها تعنتا ضد الطاعن ، وأن التفسير الصحيح هو أن جريمة التعاطي وجريمة الحيازة بقصد التعاطي تخضع للإعفاء المقرر في ذات المادة 55 بينما استند ذلك الحكم لنص المادة 65 من ذات القانون بعدم جواز النزول بالعقوبة ، وجاراه الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه معللاً بأن محكمة الاستئناف تؤيد محكمة البداية في ردها . وهو إجمال مجهل ولا يقيم قضاءه مما يعيب الحكم المطعون فيه بسبب الطعن ويوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أن نص المادة 55 من القانون الاتحادي 14/95 بشأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية من أنه ( يعفى من العقوبات المقررة للجرائم المبينة في المواد 46 ، 48 ، 49 ، 50 كل من بادر من الجناة إلى إبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بما يعلمه عنها قبل البدء في ارتكاب الجريمة ،
ويجوز للمحكمة الإعفاء من العقوبة إذا حصل الإبلاغ بعد ارتكاب الجريمة وقبل البدء في التحقيق ، كما يجوز للمحكمة تخفيف العقوبة إذا سهل الجاني للسلطات المختصة أثناء التحقيق أو المحاكمة القبض على أحد مرتكبي الجريمة )
يدل على أن مناط الإعفاء من العقوبة المقررة للمواد سالفة الذكر ومنها حيازة مادة الحشيش الواردة بالجدول ( 4 ) الملحق بالقانون الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين أو شركاء فيها ، ويقوم أحدهم بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بما يعلمه عنها قبل البدء في ارتكاب الجريمة . فإذا حصل الإبلاغ بعد ارتكاب الجريمة ، وقبل البدء في التحقيق فإنه يجوز لمحكمة الموضوع إعفاء المتهم الذي أبلغ عن غيره من الجناة من العقوبة ، شريطة أن يسهم إبلاغه إسهاماً ايجابياً ومنتجاً في معاونة السلطات للتوصل إلى باقي الجناة . كما - يجوز للمحكمة تخفيف العقوبة إذا سهل المتهم للسلطات المختصة – أثناء التحقيق أو المحاكمة القبض على أحد مرتكبي الجريمة . وذلك باعتبار أن هذا الإعفاء أو التخفيف هو نوع من المكافأة أجاز القانون منحها لكل من يؤدي خدمة للعدالة فإذا لم يتحقق صدق التبليغ بأن كان غير متسم بالجدية فلا يستحق صاحبه الإعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع .
والفصل في كل ذلك وفي جواز الإعفاء أو التخفيف من سلطة قاضي الموضوع متى كان ذلك سائغاً وكافياً لحمل قضائه . وإلا كان حكمة معيباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه .
لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن دفع أمام محكمة أول درجة بحقه في التمتع بالإعفاء من العقوبة أو التخفيف فيها لما أسهم به من كشف الجناة الآخرين إلا أن الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه أدانه عن جريمتي جلب مخدر الحشيش والحيازة بقصد التعاطي وتعاطيه ، ورد على دفاعه بقوله ( أنه عن طلب محاميه ( أعمال ) نص المادة 55 من القانون 14/95 فإن المتهم الثاني – الطاعن – تم القبض عليه ومعه مخدر الحشيش في حيازته قبل أن يبادر إلى الإبلاغ عن المتهم الأول ، ولا يجوز النزول عن الحد الأدنى بالعقوبة التي يحكم بها تطبيقا للقانون 14/95 عملاً بالمادة 65 منه والفقرة الثانية من المادة 55 جوازية ولا ترى المحكمة إجابة الدفاع لذلك ). وإذ أيد الحكم المطعون فيه هذا القضاء لأسبابه بما تعلل به من أن ( باقي الدفوع الأخرى قد سبق وأن أثيرت أمام محكمة أول درجة ورد عليها وان محكمة الاستئناف تؤيدها في ردها ). فإن هذا الرد يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال – ذلك أن القبض على الطاعن وبحيازته مخدر الحشيش قبل الإبلاغ عن المحكوم عليه الآخر لا يحول دون توافر شروط باقي حالات تلك المادة من جواز الإعفاء عن العقوبة إذا حصل الإبلاغ بعد ارتكاب الجريمة وقبل البدء في التحقيق ، وفي جواز تخفيف العقوبة إذا سهل الجاني للسلطات المختصة في أثناء التحقيق أو المحاكمة القبض على أحد مرتكبي الجريمة . ومؤدى تخفيف العقـوبة هو جواز النزول بها خلافاً لحكم المادة 65 من ذات القانون .
لما كان ذلك وكان رد حكم أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه قد جاء مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ، وقد حجبه ذلك عن بحث موجبات تطبيق حكم المادة 55 من القانون سالف الذكر على وجهه الصحيح مما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة دون حاجه لبحث باقي أسباب الطعن .


الشفعة بين الحق والرخصة : (نظرة من الفقه الاسلامي)

للوصول إلى نتيجة يقينية بين أن الموقف الفعلي للشفعة بين الحق والرخصة نجد أن عشرات الأحكام لمجلس الدولة في فرنسا ومصر وكذلك لمحاكم النقض والتمييز – وسايرتهما كافة الدول العربية في ذلك - لا نجد حكما واحدا إلا ويعطف العبارتين (المركز القانوني والحق المكتسب) على بعضهما بما يفيد المغايرة.

وقد اعتدت القوانين جميعا بوقائع مادية بحتة جعلتها أسباباً لكسب الملكية ومثالها الميراث والوصية والحيازة والعقد والشفعة والاستيلاء والالتصاق كلها أسباب مباشرة لكسب الملكية دون أن يتصور تصنيفها على أساس أنها حق شخصي أو حق عيني وإنما كلها وقائع مادية تؤثر في الحقوق المكتسبة ومن ثم في المراكز القانونية .
ولمعرفة الفارق بينهما يطيب لي العودة إلى ما كتبه العلامة السنهوري في كتابه نظرية الحق ، حيث يقول تعليقا على ذلك : " وما بين الرخصة والحق توجد منزلة وسطى ، هي أعلى من الرخصة وادنى من الحق .... فحق التملك وحق الملك ، الأول رخصة والثاني حق . وما بينهما منزلة وسطى هي حق الشخص في ان يتملك . فلو ان شخصاً رأى داراً اعجبته ورغب في شرائها ، فهو قبل ان يصدر له ايجاب البائع بالبيع كان له حق التملك عامة في الدار وفي غيرها ، فهذه رخصة . وبعد ان يصدر منه قبول بشراء الدار صارت له ملكية الدار ، وهذا حق . ولكنه قبل القبول وبعد الايجاب في منزلة وسطى بين الرخصة والحق بالنسبة إلى الدار . فهو من جهة ليس له فحسب مجرد رخصة في تملك الدار كغيرها من الاعيان التي لا يملكها . وهي من جهة أخرى لم يبلغ ان يصبح صاحب الملك في الدار . بل هو بين بين . له أكثر من رخصة في التملك واقل من حق الملك : له الحق في ان يتملك . إذ يستطيع بقبوله البيع أي بإرادته وحده ان يصبح مالكاً للدار . ولم يصل الفقه الغربي إلى تبين هذه المنزلة الوسطى إلا بعد ان ارتقى ووصل في الرقي إلى مرحلة بعيدة . نرى ذلك في الفقه الجرماني الحديث .
ويدعو الفقيه فون تور (Von Tuhr) هذه المنزلة الوسطى بالحق المنشيء (droit formateur) ، ويعرفه بأنه : " مكنة تعطي الشخص بسبب مركز قانوني خاص في ان يحدث اثراً قانونيا بمحض ارادته " . ويأتي بأمثلة لهذا الحق المنشيء يذكر منها : حق من وجه إليه الايجاب ، وحق المسترد في ان يسترد الحصة الشائعة المبيعة ، وحق البائع وفاء في ان يسترد المبيع ، وحق الشفيع في أن يأخذ بالشفعة ....
ومما يقطع في وجود هذه المنزلة الوسطى في الفقه الاسلامي أن القرافي يقابل في عبارات صريحة ما بينها وبين الرخصة . فيقول عن صاحب الرخصة " من ملك ان يملك " ، وعن صاحب المنزلة الوسطى " من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك " وينكر على الأول ان يكون مالكاً اطلاقاً ويجعل الثاني محلاً للنظر . وننقل ما يقوله في هذا الصدد : " اعلم ان جماعة من مشايخ المذهب رضي الله عنهم اطلقوا عباراتهم بقولهم من ملك ان يملك هل يعد مالكاً ام لا ، قولان .... وليس الامر بل هذه القاعدة باطلة وبيان بطلانها ان الإنسان يملك ان يملك أربعين شاة ، فهل يتخيل احد انه يعد مالكاً الآن قبل شرائها حتى تجب الزكاة عليه على احد القولين ؟ وإذا كان الآن قادراً على ان يتزوج ، فهل يجري في وجوب الصدقة والنفقة عليه قولان قبل ان يخطب المرأة لأنه ملك ان يملك عصمتها ؟ والإنسان مالك ان يملك خادماً أو دابة ، فهل يقول احد انه يعد الآن مالكاً لهما فيجب عليه كلفتهما ومؤونتهما على قول من الاقوال الشاذة أو الجادة ؟ بل هذا لا يتخيله من عنده ادنى مسكة من العقد والفقه ... بل القاعدة التي يمكن ان تجعل قاعدة شرعية ، ويجري فيها الخلاف في بعض فروعها لا في كلها ، ان من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك هل يعطى حكم من ملك ؟ قد يختلف في هذا الأصل في بعض الفروع ، ولذلك مسائل ....
(المسألة الرابعة) في الشفعة ، إذا باع شريكه تحقق له سبب يقتضي المطالبة بان يتملك الشخص المبيع بالشفعة ولم ار خلافاً في انه غير مالك .
( المسألة الخامسة ) الفقير وغيره من المسلمين له سبب يقتضي أن يملك من بيت المال ما يستحقه بصفة فقره أو غير ذلك من الصفات الموجبة للاستحقاق .... فإذا سرق هل يعد كالمالك فلا يجب عليه الحد لوجود سبب المطالبة بالتمليك أو يجب عليه القطع لأنه لا يعد مالكا وهو المشهور ؟ قولان . فهذه القاعدة على ما فيها من القوة من جهة قولنا جرى له سبب التمليك في تمشيتها عسر لأجل كثرة النقوض عليها . أما هذا المفهوم وهو قولنا من ملك أن يملك مطلقا من غير جريان سبب يقتضي مطالبته بالتمليك ولا غير ذلك من القيود ، فهذا جعله قاعدة شرعية ظاهر البطلان لضعف المناسبة جدا أو لعدمها البتة . أما إذا قلنا انعقد له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك فهو مناسب لأن يعد مالكا من حيث الجملة تنزيلا لسبب السبب منزلة السبب ، وإقامة للسبب البعيد مقام السبب القريب فهذا يمكن أن يتخيل وقوعه قاعدة في الشريعة . أما مجرد ما ذكروه فليس فيه إلا مجرد الإمكان والقبول للتملك وذلك في غاية البعد عن المناسبة فلا يمكن جعله قاعدة.
(الفروق للقرافي جزء 3 ص 20 - 21)
ويتبين مما نقلناه عن القرافي انه يميز بين أوضاع ثلاثة : 
(أولا) وضع من ملك أن يملك ، كمن ملك أن يملك أربعين شاة ومن ملك أن يتزوج ومن ملك أن يملك خادماً أو دابة .... هؤلاء جميعاً لا يملكون ، فلا يجب على الأول الزكاة ، ولا على الثاني الصداق والنفقة ، ولا على الثالث الكلفة والمؤونة .... وترجمة ذلك إلى الفقه الغربي أن هؤلاء جميعاً ليس لهم حق الملك ، وإنما لهم رخصة التملك ، والرخصة ليست بحق . 
(ثانياً) وضع من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك ، كما ... في بيع الشريك لنصيبه بالنسبة إلى شريكه الشفيع . وفي بيت المال بالنسبة إلى المستحق لفقر أو جهاد أو غير ذلك . هؤلاء أيضاً على خلاف في الرأي ، لا يملكون بمجرده جريان السبب الذي يقتضي المطالبة بالتمليك ... فالشفيع لا يملك الشيء المبيع إلا إذا أخذنا بالشفعة ، والفقير لا يملك شيئاً من بيت المال إلا إذا طالب فأعطى وقبل ذلك إذا سرق وجب عليه الحد . وترجمة ذلك إلى لغة الفقه الغربي أن هذه المنزلة الوسطى بين رخصة التملك وحق الملك ، فهي دون الملك وفوق الرخصة . 
(ثالثاً) وضع من جرى له سبب الملك ، كمن اشترى أرضا أو شفع في دار ، فهذا هو الذي له حق الملك".
( مصادر الحق في الفقه الإسلامي ، عبد الرزاق السنهوري ، ج 1 ص 4 – ص 8 )