حيث إن الوقائع - على ما
يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين قد أقاموا الدعوى رقم
381 لسنة 1993 مدني كلي الفيوم ضد السيدين عبد المجيد سعيد عبد الله وأحمد حسن عبد
الجواد والسيدة/ عليه عبد التواب قطب، طالبين الحكم بتثبيت ملكيتهم لسبع وعشرين
فداناً كائنة بناحية جبلة مركز سنورس، والمبين حدودها ومعالمها في صحيفة تلك
الدعوى، على سند من أنهم حازوها بنية التملك - ومورثهم من قبلهم - مما يكسبهم
ملكيتها.
وبجلسة 24 يناير سنة 1995
قضت محكمة الفيوم الابتدائية بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني
بالنسبة إلى 19 س، 13 ط، 14 ف من أطيان التداعي، والمقيدة بالسجل العيني في ملكية
المدعى عليه الأول في تلك الدعوى، وبتثبيت ملكية المدعين لمساحة قدرها 19 س، 13 ط،
14 ف من أطيان التداعي، والمقيدة بالسجل العيني باسم مورثهم، وأقامت قضاءها في ذلك
على ما تنص عليه المادة 37 من قانون السجل العيني الصادر بالقرار بقانون رقم 142
لسنة 1964 من أن للسجل العيني قوة إثبات لصحة البيانات الواردة فيه. ولا يجوز
التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل. فضلاً عن أن المادة 38 من ذات
القانون استلزمت لقيد الحقوق استناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية أن ترفع الدعوى
أو يصدر الحكم فيها خلال خمس سنوات من تاريخ سريان قانون السجل العيني على القسم
المساحي الذي تقع فيه الأرض المطلوب الحكم بثبوت ملكيتها لواضع اليد عليها، وقد نص
قرار وزير العدل على تطبيق نظام السجل العيني على القسم المساحي الكائنة به أرض
التداعي وذلك اعتباراً من 18/ 11/ 1978.
وإذا لم يرتض المدعون
الحكم الابتدائي أنف البيان، فقد طعنوا عليه بالاستئناف رقم 269 لسنة 31 قضائية
أمام محكمة استئناف بني سويف (مأمورية استئناف الفيوم)، وأثناء نظره دفعوا بعدم
دستورية ما تنص عليه المادة 37 من قانون السجل العيني من عدم جواز التمسك بالتقادم
المكسب للملكية على خلاف ما هو ثابت بالسجل العيني. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية
دفعهم هذا، وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا دعواهم الماثلة وضمنوا
صحيفتها طلبهم الحكم بعدم دستورية هذا الحظر وكذلك المادة 38 من قانون السجل
العيني.
وحيث إن المصلحة الشخصية
المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي
يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية، لازماً
للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان المدعون يقولون بأنهم تملكوا عقار
النزاع بالتقادم المكسب للملكية، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تتوافر بإبطال
المادة 37 من قانون السجل العيني التي لا تجيز التملك بالتقادم على خلاف ما هو
ثابت بالسجل.
وحيث إن المادة 38 من
قانون هذا السجل، وإن أجازت استثناء من المادة السابقة عليها قيد الحقوق استناداً
إلى وضع اليد المكسب للملكية، إلا أنها تقيد مجال عمل هذا الاستثناء بالدعاوى التي
ترفع أو التي يصدر حكم فيها خلال خمس سنوات من انقضاء المدة المنصوص عليها في
القرار الوزاري المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار. ومن ثم يعتبر نص
المادة 38 من قانون السجل العيني ساقطاً إذا ما قضي بعدم دستورية قاعدة الحظر التي
قررتها الفقرة الثانية من المادة 37 من هذا القانون، تقديراً بأن الاستثناء من
قاعدة يفترض بقاءها فإذا أبطلتها المحكمة لمخالفتها للدستور، سقط الاستثناء معها.
وحيث إن الفقرة الأولى من
المادة 37 من قانون السجل العيني الصادر بالقرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 تنص على
أن يكون للسجل العيني قوة إثبات لصحة البيانات الواردة به، وتقضي فقرتها الثانية
بأنه لا يجوز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل، بما مؤداه أن بيانات
السجل العيني في شأن المكية، لها قوة تؤكد صحتها، ولا يجوز تغييرها إذا كان
التقادم سبباً لكسبها.
وحيث إن المدعين ينعون
على النص المطعون فيه، مخالفته أحكام المواد 8 و40 و34 و68 من الدستور، وذلك من
الأوجه الآتي بيانها:
أولها: أن من حاز أراض من
مناطق لم يشملها السجل العيني، يملكها بالتقادم. فإذا امتد إليها تطبيق هذا
القانون، صار تملكها به مستحيلاً، وفي ذلك إهدار لتكافؤ الفرص.
فضلاً عن أن النص المطعون
فيه يخل باستقرار أوضاع كثير من المزارعين الذين تملكوا أراضيهم بمقتضى عقود عرفية
عزفوا عن تسجيلها، ولا تزال أيديهم متصلة بها من خلال حيازتها. غير أنهم فوجئوا
بأن اللجان القائمة على تطبيق قانون السجل العيني لا تعير آذانها لحقوقهم، وأنها
تقيد أراضيهم هذه بأسماء ملاكها القدامى أو ورثتهم بزعم أن التقادم لا يجوز أن
يناهض بياناً مثبتاً بالسجل العيني.
ثانياً: أن الذين يدعون
الملكية بناء على أحد أسباب كسبها غير التقادم، يستطيعون تثبيتها من خلال اللجوء
إلى قاضيهم الطبيعي ثم قيدها في السجل العيني، فإذا كان التقادم سبب كسبها، حيل
بينهم وبين إثباتها. وفي ذلك تمييز دون مسوغ بين من يملكون، وتأبيد للنزاع حول الملكية.
ثالثها: أن القيد الأول
بالسجل العيني يستند إلى أعمال وقرارات إدارية. وحرمان من تملك بالتقادم من تسجيل
ملكيته على سند من مخالفتها للثابت بالسجل، مؤداه أن تظل هذه الأعمال والقرارات
بعيدة عن الرقابة القضائية.
وحيث إن الأصل في سلطة
المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد
من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التي لا يجوز اقتحامها. وكلما كان هذا التنظيم
منتهياً إلى إهدار الحقوق التي تناولها، أو مؤدياً إلى إرهاق محتواها بقيود لا
تكفل فعاليتها، وبما ينال من مجالاتها الحيوية التي لا تقوم إلا بها، كان مخالفاً
للدستور.
وحيث إن الدستور يكفل
للحقوق التي نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية،
وكان الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها باعتبارها وسائل صاغها
المشرع لتحقيقها، وكان من المقرر أن الحقوق جميعها لا تنشأ ولا تنتقل إلا من خلال
أسبابها التي حددها القانون، فقد صار متعيناً أن نستظهر ما إذا كان قانون السجل
العيني ملتزماً إطاراً منطقياً للدائرة التي يعمل فيها، كافلاً من خلالها تحقيق
الأغراض التي رصد عليها، أم كان بالنصوص التي تضمنها مجاوزاً لها.
وحيث إن الشهر - وكلما
كان شخصياً - لا يحيط بكل صور التعامل التي يكون العقار محلها، وإنما تسجل الحقوق
المشهرة، وفقاً لأسماء أصحابها التي قد تختلط فيما بينها بالنظر إلى تشابهها.
وكثيراً ما يكون العقار الواحد محلاً لأكثر من علاقة قانونية لا يتحد أطرافها، فلا
ترصد في صحيفة واحدة تجمعها، وإنما تتفرق مواضعها في السجل، فلا تسهل معرفتها.
كذلك فإن تسجيل الأعمال
القانونية التي يكون من شأنها إنشاء الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقلها أو
تغييرها أو زوالها، لا يطهرها من عيوبها كلما كان الشهر شخصياً، ولا يحول دون الطعن
عليها والنزاع في شأن صحتها، بما يخل بالحماية الواجبة لكل ذي شأن فيها.
ولا كذلك أن يكون السجل
عينياً، متطلباً قيد الحقوق العينية الأصلية المتعلقة بالعقار الواحد، وكذلك ما
اتصل بهذا العقار من الحقوق العينية التبعية، فضلاً عن التصرفات والأحكام النهائية
المقررة لحق من الحقوق العينية الأصلية، في صحيفة واحدة تجمعها، تتضمن وصفاً
للعقار من حيث أبعاده وحدوده وطبيعته، وما تعلق به من صور التعامل على اختلافها،
وما نشأ أو ارتبط بها من الحقوق العينية وأصحابها، فلا يكون قيد هذه الحقوق في
السجل إلا لإثباتها بصورة مطلقة، ضماناً لاستقرار أوضاعها، وبما يطهرها من عيوبها
أياً كان نوعها أو مداها.
وحيث إن القوة المطلقة
للقيود التي يثبتها السجل العيني في صحائفه وفقاً لأحكامه، وإن كانت جوهر نظامه،
ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونها، ولو كان هذا القيد قد تم خلافاً للحقيقة، إلا
أن شرط إجراء القيد - وعلى ما تنص عليه المادة الحادية عشرة من قانون السجل العيني
- وهو أن تكون الحقوق العينية التي يثبتها القيد في صحائفه، فقد أنشأتها أو قررتها
أسباب كسبها، تقديراً بأن أسبابها هذه، تمثل روافدها التي لا يتصور أن يتجاهلها
هذا السجل، شأنها في ذلك شأن مصادر الحقوق الشخصية.
ولا يجوز بالتالي أن
ينفصل قيد الحقوق العينية الأصلية عن أسبابها التي رتبها القانون المدني، وحصرها.
بل إن أسبابها هذه، هي
التي يكون الاستيثاق من صحتها سابقاً على قيد الحقوق التي أنشأتها أو نقلتها، فلا
يكون من شأن السجل العيني تحوير بنيانها ضماناً لتقيده بالأغراض التي رصد عليها،
ولأن القيد في هذا السجل لا يعتبر ركناً شكلياً لا تكتمل بغيره عناصر وجود الحقوق
المراد إثباتها فيه، بل تظل لهذه الحقوق - حتى وإن لم تقيد - مقوماتها باعتبار
أنها ترتد مباشرة إلى أسبابها التي أنتجتها، وهو ما تؤكده الفقرتان الثانية
والثالثة من المادة 26 من قانون السجل العيني بما قررتاه من أن الأعمال القانونية
التي لا تقيد، لا تزول بكامل آثارها، وإن امتنع الاحتجاج بالحقوق العينية الأصلية
التي أنشأتها أو نقلتها أو غيرتها أو أزالتها، سواء في العلاقة بين أطرافها أو على
صعيد الأغيار عنها.
وحيث إن الحيازة هي
السيطرة المادية على الحق أو الشيء محل الحق من خلال أعمال مادية يأتيها الحائز
ابتداء أو انتقالاً من الغير، ويستبقيها - ولو كان مغتصباً للحق موضوعها - مع
اقترانها بقصد استعمال هذا الحق محدداً على ضوء محتواه. ولا تعتبر الحيازة -
باجتماع عنصريها هذين، وبالنظر إلى طبيعتها - حقاً عينياً أو شخصياً، ولا هي بحق
أصلاً، ولكنها تنقل الحقوق موضوعها - وعند توافر شرائطها - إلى من يكسبونها بأثر
رجعي يرتد إلى تاريخ بدئها. ولا تعتبر الحيازة بالتالي مجرد قرينة لا يجوز دحضها
على أن الحائز صار مالكاً للشيء محلها بعد أن حازه المدة التي عينها المشرع،
ولكنها تتمحض سبباً مباشراً لنقل ملكية الحق موضوعها. والحيازة بذلك تحيل الأوضاع
الفعلية التي استقر أمرها بعد أن امتد زمنها من خلال التقادم، إلى حقائق قانونية
لا تتزعزع بها الملكية بعد اكتمال الحق فيها، وإنما تخلص لحائز اتصل بها، وظهر
عليها أمداً، مباشراً سلطاتها دون اعتراض من مالكها.
وكان منطقياً أن يقدم
المشرع على مصلحته التي أهمل الدفاع عنها ورد من يناهضونها على أعقابهم، مصلحة
حائز اطمأن الناس إلى الأوضاع الظاهرة التي بسطها، والتي يقدرون معها أن امتداد
زمنها، يقلبها إلى ملكية كاملة، ولو كان مغتصباً للحق فيها.
وحيث إن الحماية التي أظل
بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، لا تقتصر على الصور التي تظهر
الملكية فيها بوصفها الأصل الذي تتفرع عنه الحقوق العينية الأصلية جميعها، وإنما
تمتد هذه الحماية إلى الأموال كلها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال حق ذو قيمة
مالية، سواء كان هذا الحق شخصياً أو عينياً أو كان من حقوق الملكية الأدبية أو
الفنية أو الصناعية، ذلك أن الحقوق العينية التي يكون العقار ملحها، تعتبر مالاً
عقارياً. أما ما يقع منها على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية - أياً كان محلها -
فإنها تعد مالاً منقولاً، وإلى هذه الأموال كلها، تنبسط الحماية التي كفلها
الدستور لحق الملكية، فلا تخلص لغير أصحابها.
وحيث إن نظم الشهر على
اختلافها - ما كان منها شخصياً أو عينياً - تفترض اشتقاق الحقوق التي تسجلها أو
تقيدها في صحائفها، من أسبابها التي حددها المشرع حصراً. تقديراً بأن أسبابها هذه
هي التي تقيمها وفقاً للقانون، حتى ولو كان السجل عينياً، وكان ما يقيد في هذا
السجل، إما أن يكون تصرفاً قانونياً أو عملاً مادياً، وكان كلاهما مصدراً للحقوق
العينية يكسبها وفقاً للشروط التي نص عليها القانون، فإن استكمالها لشروطها هذه،
يظل مناط صحتها.
وما تنص عليه المادة 13
من قانون السجل العيني - والتي يتعلق حكمها بالقيد الأول - من أن الحقوق التي يطلب
أصحابها قيدها في السجل استناداً إلى وضع اليد لا يجوز إثباتها إذا كان في المحررات
المشهرة ما يناقضها، يعتبر انفلاتاً عن كل منطق.
ذلك أن التقادم، طويلاً
كان أم قصيراً - وعلى ما تقضي به المادتان 968 و969 من القانون المدني على التوالي
- يعتبر سبباً ناقلاً للملكية من أصحابها. فإذا كان طويلاً تمحض حيازة استطال
زمنها مع اقترانها بقصد استعمال الحق موضوعها. فإن كان قصيراً، فإن واقعة الحيازة
يظل لها دورها، وإنما ينبغي أن يدعمها حسن نية الحائز، واقتران يده على الشيء
محلها بما يكون سبباً صحيحاً وفقاً للقانون. ويعتبر كذلك كل سند يصدر عن شخص ليس
مالكاً للشيء. والحيازة بالتالي تناقض بالضرورة حقوق ملكية قائمة مشهر سندها.
وحيث إن القول بأن قانون
السجل العيني، يعتبر - بالنصوص التي تضمنها - ملغياً أحكام القانون المدني في شأن
الحيازة المكسبة للملكية، مردود أولاً: بأن الأصل في النصوص القانونية، هو أن
تتحدد مضامينها على ضوء موضوعها، وبمراعاة مقاصدها، وبما لا يخرج عبارة تضمنها
النص عن سياقها.
ولا شأن لقانون السجل
العيني بمصادر الحقوق العينية الأصلية في غير مجال إثباتها، ومن ثم يبقيها، ممحصاً
على ضوئها طبيعة الحقوق التي يراد إثباتها في السجل ونطاقها، متوخياً من رصدها
وتحقيق مشروعيتها، أن يحل تدريجياً محل نظام يكون الشهر فيه شخصياً، وليس للتسجيل
بمقتضاه، ما للقيد في السجل العيني من أثر.
ومردود ثانياً: بأن تعلق
قيد الحقوق العينية في السجل العيني بمجال إثباتها، هو ما تنص عليه المادة الأولى
من قانون إصدار قانون هذا السجل، وكذلك الفقرة الأولى من المادة 37 من هذا القانون
اللتان تصرحان بأن شهر المحررات مرتبط بإثباتها في السجل وفقاً للشروط والأوضاع
المنصوص عليها في القانون، وأن مؤدى إثباتها فيه، إسباغ قوة مطلقة على بياناتها،
فلا تتزعزع صحتها.
ومردود ثالثاً: بأن إلغاء
النصوص القانونية - وعلى ما تقضي به المادة الثانية من القانون المدني - إما أن
يكون صريحاً أو ضمنياً. وهو لا يكون ضمنياً إلا إذا أعاد المشرع تنظيم موضوعها بما
يناقض النصوص التي كان قد قررها في شأن هذا الموضوع.
ويفترض ذلك أن يكون
التنظيمان القديم والجديد، دائرين حول المسائل عينها، وأنهما تعامدا بالتالي على
محل واحد. ولا كذلك القانون المدني وقانون السجل العيني، ذلك أن أولهما لا يتناول
الحقوق العينية إلا على صعيد أسبابها التي تنشئها أو تنقلها، بعد استكمالها
لعناصرها، ولا يتصور أن يكون قانون السجل العيني - وباعتباره لاحقاً للقانون
المدني - معدلاً من روافد حقوق لا يعني بغير إثباتها.
وحيث إن ما تنص عليه
المادة 38 من قانون السجل العيني - واستثناء من حكم المادة السابقة عليها - من
جواز قيد الحقوق استناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية، إذا رفعت الدعوى أو صدر
الحكم فيها خلال خمس سنوات من انقضاء المدة المنصوص عليها في القرار الوزاري
المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار، مؤداه أن الحيازة في ذاتها، لا
تناقض بالضرورة طبيعة السجل العيني، ولا تحول - بخصائصها ولا بآثارها - دون قيد
الحقوق الناشئة عنها، وكان القيد وإن تناول أصلاً الحقوق التي يكون سندها تصرفاً
قانونياً، إلا أن النصوص التي تضمنها قانون السجل العيني، لا تحول دون قيد الحقوق
التي تكون الوفاة - وهي واقعة مادية - مصدراً لها.
وحيث إن مؤدى نص المادة
37 - المطعون فيه - حظر تملك الحقوق العينية الأصلية من خلال قيدها بالسجل العيني
إذا كان التقادم سبب كسبها، وكانت دستورية النصوص القانونية تفترض ارتباطها عقلاً
بأهدافها بما يقيم علاقة منطقية بين الوسائل وغاياتها، وكانت المذكرة الإيضاحية
لهذا النص، تراه دارئاً لخطرين: أولهما ألا يفاجأ من يملكون الحقوق العينية
الأصلية المقيدة في السجل، بآخرين ينازعونهم فيها من خلال اغتصابها عن طريق
الحيازة. ثانيهما أن من يطلبون حقوقاً عينية أصلية يدعون تملكها بالحيازة، يطرحون
موقفاً يناهض القوة المطلقة التي أثبتها السجل، فلا يجوز قيدها، وكان هذان الخطران
متوهمين ذلك أن الحيازة لا تتمحض غصباً في كل صورها وأحوالها، وكان وإن كانت كذلك،
فإن الأوضاع العملية التي تستمد منها، هي التي قلبها المشرع إلى حقائق قانونية يتم
التعامل على أساسها، فلا تكون أوضاعها الظاهرة إلا قرين مشروعيتها. كذلك فإن
التأشير الهامشي، يرد عن الحيازة المخاطر التي يدعى اتصالها بها، وبمقتضاه لا تقيد
الحقوق العينية الأصلية التي تنقلها الحيازة في السجل العيني، إلا بعد التأشير
بدعواها على هامش صحيفة السجل للوحدة العقارية المتعلقة بها، وصدور حكم نهائي
بصحتها يرتد أثره إلى تاريخ هذا التأشير. فلا يكون التغيير في السجل بناء على
التملك بالتقادم، إلا في الحدود التي يقوم فيها الدليل عليه نقياً كاملاً.
وحيث إنه متى كان ما
تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية،
ويقيم فيما بين الحقوق العينية الأصلية تمييزاً من جهة أسبابها لا يستند إلى أسس
موضوعية تقتضيها طبيعة القيد في السجل العيني، وكانت تنمية الدخل القومي وفقاً لنص
المادة 23 من الدستور، لا يكفلها من أهمل أعياناً يملكها، أو تركها مواتاً متخلياً
عنها وإنما يرعاها من اتصل بهذه الأعيان، وبسط يده عليها لإحيائها واستثمارها، فإن
النص المطعون فيه يكون مخالفاً أحكام المواد 23 و32 و34 و40 من الدستور..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق