الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 مارس 2015

عدم دستورية الاعتداد بملاءة الموكل في تقدير اتعاب المحاماة

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت 12 فبراير سنة 1994الموافق 2رمضان سنة 1414ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور/ محمد إبراهيم أبوالعينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد              أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
 فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 23 لسنة 14 قضائية "دستورية"
المقامة من
السيد / أمير لطفى المندراوى
السيدة/تغريد فوزى سليمان
ضد
 السيد / رئيس الجمهورية
السيد / رئيس الوزراء السيد المستشار / وزير العدل
السيد / نقيب المحامين
 السيد / عبد الرحمن طه طه
" الإجراءات "
بتاريخ 2 ديسمبر 1992 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالبين الحكم بعدم دستورية المادة (82) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 مع مايترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع –على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعيين أقاما هذه الدعوى بصحيفة خلصا فى ختامها إلى طلب الحكم بعدم دستورية المادة (82) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وقالا شرحاً لذلك أنهما وكلاعنهما المدعى عليه الخامس محامياً لمباشرة بعض الدعاوى المتعلقة بهما، إلا أنه اخل بواجباته المهنية وعرضهما لأخطار فادحة. وإذ تقدما بشكوى ضده إلى النيابة العامة، فقد استصدر ضدهما من نقابة المحامين الفرعية بالقاهرة أمر تقدير لأتعابه بمبلغ خمسة وسبعين ألف جنيه مستغلاً فى ذلك الأوراق التى تحت يده، وحضوره فى القضايا التى كان يقيمها لصالحهما والتى لم تستكمل إجراءاتها بعد. وقد طعنا فى هذا الأمر كما طعن هو فيه وذلك أمام محكمة استئناف القاهرة التى قررت ضم الاستئنافين إلى بعضهما، وإذ دفع الحاضر عنهما بعدم دستورية المادة (82) من قانون المحاماة المشار إليه، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفاعهما وصرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (82) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على مايأتى:
فقرة أولى: "للمحامى الحق فى تقاضى أتعاب لمايقوم به من أعمال المحاماة والحق فى استرداد ماأنفقه من مصروفات فى سبيل مباشرة الأعمال التى وكل فيها".
فقرة ثانية: "ويتقاضى المحامى أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله.وإذ تفرع عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى، حق للمحامى أن يطالب بأتعابه عنها".
فقرة ثالثة: "ويدخل فى تقدير الأتعاب أهمية الدعوى والجهد الذى بذله المحامى والنتيجة التى حققها وملاءة الموكل وأقدمية درجة قيد المحامى، ويجب ألا تزيد الأتعاب على عشرين فى المائة وألاتقل عن خمسة فى المائة من قيمة ماحققه المحامى من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير".
فقرة رابعة: "وفى جميع الأحوال لايجوز أن يكون أساس تعامل المحامى مع موكله أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها".   
وحيث إن المدعيين ينعيان على المادة (82) المشار إليها مخالفتها للدستور بمقولة إن الدستور ضمن حق التقاضى للناس كافة فى المادة (68)، ونص فى المادة (69)- التى كفل بها حق الدفاع أصالة أو بالوكالة- على أن يوفر المشرع لغير القادرين مالياً وسائل الإلتجاء إلى القضاء للدفاع عن حقوقهم. غير أن النص التشريعى المطعون فيه أطلق لكل محام العنان فى اقتضاء أتعابه، محدداً عناصر تقديرها بغير حساب، ودون مااعتداد بمقدم الأتعاب أو غيره من المبالغ التى يكون قد تقاضاها أثناء نظر الدعوى، وبغير تربص بالقضايا التى يكون الموكل قد أقامها ضده للفصل فيما هو منسوب إليه من الجرائم التى ارتكبها والمستوجبة لمسئوليته الجنائية والمدنية، هذا بالإضافة إلى أن نقابة المحامين متعاطفه دائماً مع أعضائها مما يعد افتئاتاًعلى حقوق المواطنين مستوجباً تقرير الضوابط اللازمة لإعمال النص التشريعى المطعون عليه.

ومن حيث إن المدعى عليه الخامس دفع بعدم قبول الدعوى الدستورية بمقولة عدم اتصالها بالمحكمة الدستورية العليا وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها ارتكاناً من جانبه إلى أن الدفع بعدم الدستورية الذى أبداه المدعيان لاتجوز إثارته لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافيه، وكان يتعين - وباعتباره من الدفوع الإجرائية - أن يطرح أمام محكمة أول درجة ابتداء وقبل تعرضها لموضوع النزاع الذى تتولى الفصل فيه.  
وحيث إن هذا الدفع مردود بما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن الشرعية الدستورية التى تقوم بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية المطعون عليها أمامها مطابقة لأحكام الدستور. ذلك أن لهذه الشرعية - فى موقعها من البنيان القانونى فى الدولة - مقام الصدارة، وانفاذها وبلوغ مقاصدها فرع من خضوع الدولة -بكافة تنظيماتها- للقانون وإلتزامها بمضمونه وفحواه. ولايجوز بالتالى لأية محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى - إعمال نص تشريعى لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية قوامها ظاهر الأمر فى المطاعن الدستورية الموجهه إليه دون إنزلاق إلى أغوارها، ذلك أن قيام هذه الشبهه لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا وفقاً لنص المادة (29) من قانونها لتتولى دون غيرها الفصل فى المسائل الدستورية المطروحة عليها، متقصية أبعادها، محيطه بجوانبها متعمقة دخائلها بالغه ببحثها منتهاه، بمامؤداه: أنه لايجوز لأية جهه تتولى الفصل فى الخصومة القضائية المطروحة عليها أن تتجاهل مظنه الخروج على أحكام الدستور ولا أن تنحيها جانباً، بل يتعيين عليها أن تنزل القواعد الدستورية المنزلة الأعلى التى تتبوؤها، وإلا آل أمر الإعراض عنها إلى إعمالها لنصوص تشريعية لازمة للفصل فى النزاع الموضوعى المعروض عليها ولو داخلتها شبهه ترجح مخالفتها للدستور بخروجها على زواجره ونواهيه، وهو مايناقض سيادة القانون- والدستور على القمة من مدارجه -ويخل كذلك بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية راسية أسسها تتكامل عناصرها، وتتواصل حلقاتها دون انقطاع، وينقض من جهة أخرى دور المحكمة الدستورية العليا فى مباشرة رقابتها على هذه الشرعية بوصفها أمينة عليها حافظة لها، غير مجاوزة لتخومها، لتفرض بأحكامها كلمة الدستور على المخاطبين بها، فلاينسلخون منها أو يحيدون عنها. متى كان ذلك، وكان الدفع بعدم دستورية نص تشريعى يطرح بالضرورة -ومن أجل الفصل فى هذا الادعاء- مابين القواعد القانونية من تدرج يفرض عند تعارضها إهدار القاعدة الأدنى تغليباً للقاعدة التى تعلوها، وكان من المقرر وعلى ماسلف البيان - أن القواعد الدستورية تحتل من القواعد القانونية مكاناً علّياً لأنها تتوسد منها المقام الأسمى كقواعد آمره لاتبديل فيها إلا بتعديل الدستور ذاته، فإن الدفع بعدم الدستورية لايكون من قبيل الدفوع الشكلية أو الإجرائية، بل يتغيا فى مضمونه ومرماه مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور ترجيحاً لها على ماعداها وتوكيداً لصلتها الوثقى بالنظام العام، وهى أجدر قواعده وأولاها بالإعمال، بمامؤداه: جواز إثارة هذا الدفع فى أية حالة تكون عليها الدعوى، وأمام أية محكمة أياً كان موقعها من التنظيم القضائى الذى يضمها.
ومن حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطه بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إنه لامصلحة للمدعيين فى الطعن على الفقرة الأولى من المادة (82) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، ولا على الفقرتين الثانية والرابعة منها،ذلك إن الفقرة الأولى من المادة (82) المشار إليها تقرر أمرين: أولهما حق المحامى فى الحصول على أتعاب عن أعمال المحاماة التى قام بها: وثانيهما الحق فى أن ترد إليه المصروفات التى يكون قد أنفقها فى سبيل مباشرة الأعمال التى وكل فيها. وكلا الأمرين لاخلاف عليه فى النزاع الراهن، ذلك أن الأعمال القانونية التى يقوم بها المحامى ممثلاً فيها لموكله، تعتبر من أعمال الوكالة وتسرى عليها أحكامها، كأصل عام. وقد يقوم المحامى إلى جانبها ببعض الأعمال المادية، ويظل كذلك - حتى فى هذه الحالة- خاضعاً لقواعد الوكالة ملتزماً ضوابطها كلما كان العنصر الأغلب فى هذين النوعين من الأعمال، متصلاً بالأعمال القانونية والأصل المقرر فى الوكالة أنها تبرعية مالم يوجد اتفاق على الأجربين كل من الموكل والوكيل سواء كان هذا الاتفاق صريحاً أم كان ضمنياً. وتكون الوكالة مأجورة ضمناً إذا كان الوكيل ممن يحترفون مهنة يتكسبون منها، وكان العمل الموكل فيه يدخل فى إطار أعمال هذه المهنه. ويدل الواقع على أن الوكالة المأجورة هى الأكثر وقوعاً فى العمل، وأن الوكيل لايقوم بأعمال الوكالة تفضلاً أو مجاملة إلا بدليل قاطع من الظروف المحيطة بها، وهو يؤجر على مابذل من جهد فى تنفيذ أعمال الوكالة، ولو لم يكن قد بلغ نتيجة بذاتها، باعتبار أن إلتزامه الناشئ عقد الوكالة لايعدو أن يكون إلتزاماً ببذل عناية، وليس بتحقيق غاية. وسواء قام الطرفان بتعيين أجر الوكالة من البداية أم أغفلا تحديده، فإن تقديره فى النهاية مرده إلى القاضى عند الخلاف على مقداره، وهو مالا يتصور إذا كان أجر الوكالة قد دفع تطوعاً بعد تنفيذها.
متى كان كذلك، وكانت الأتعاب التى طلبها محامى المدعيين قد عرض أمرها على مجلس النقابة الفرعية إعمالاً لنص المادة (84) من قانون المحاماه الذى يسرى عند وقوع خلاف بشأنها بين الموكل ومحاميه ولايكون مقدارها محدداً بالاتفاق عليها كتابة، وكان المدعيان قد نعيا على هذا التقدير إرتكانه إلى عناصر بذواتها حددتها الفقرة الثالثة من المادة (82) فى إطلاق لايعتد بما قد يكون المحامى قد اقتضاه بالفعل من موكله من مبالغ يتعين خصمها من الأتعاب المحكوم بها، فإن المدعيين يكونان قد أقرا بأن الوكالة الماثلة غير تطوعية، وليس لهما من بعد أن ينازعا فى أصل الحق فى الأجر عن الأعمال القانونية التى قام بها الوكيل، ولا أن يعارضا حق الوكيل فى أن ترد إليه المصروفات التى يكون قد أنفقها فى سبيل مباشرة الأعمال التى وكل فيها، ذلك أن الأعمال القانونية التى يقوم بها المحامى فى إطار مهنته تعتبر إعمالاً مأجورة ولولم تكن متعلقة بخصومة قضائية، بل منصرفة إلى غيرها من الأعمال التى يفيد منها الموكل، وتكون ضرورية لتأمين الأغراض النهائية للوكالة. أما المصروفات التى يكون قد أنفقها بما لايجاوز متطلبات تنفيذ الأعمال التى وكل فيها، فإن حجبها عنه يعتبر إفقاراً له بمقدارها دون مسوغ من اتفاق أو من نص فى القانون، وهو مالا يجوز بإعتباره إثراء يصيب الموكل بلا سبب.
وحيث إنه لامصلحة أيضاً للمدعيين فى إطراح الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (82) من قانون المحاماة المطعون عليهما، ذلك أن ماتنص عليه الفقرة الرابعة منها من أنه لايجوز فى أية حال أن يكون أساس تعامل المحامى مع موكله، أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها، إنما يتمحض عن مزية تعود فائدتها - فى الحدود التى قررتها هذه الفقرة- عليهما. اذ كان ذلك، وكان من المقرر أن الدعوى الدستورية ينبغى أن تؤكد بماهية الخصومة التى تتناولها، التعارض بين المصالح المثارة فيها بما يعكس حدة التناقض بينها، ويبلور من خلال تصادمها ومجابهتها لبعض، حقيقة المسألة الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها، اذ كان ذلك وكان من المسلم أن الحقوق الدستورية ليس لها قيمة مجردة فى ذاتها، ولا يتصور أن تعمل فى فراغ، وإنه أياً كان وزنها أو دورها أو أهميتها فى بناء النظام القانونى للدولة ودعم حرياته المنظمة، فإن تقريرها تغيا دوماً توفير الحماية التى تقتضيها مواجهة الأضرار الناشئة عن الإخلال بها، يستوى فى ذلك أن تكون هذه الحقوق من طبيعة موضوعية أو إجرائية. ولايكفى بالتالى لتوافر المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية، مجرد إنكار أحد الحقوق المنصوص عليها فى الدستور أو محض الخلاف حول مضمون هذا الحق، بل يجب أن يكون للخصم الذى أقامها مصلحة واضحة فى اجتناء الفائدة التى يتوقعها منها باعتبارها الترضية القضائية التى يرد بها عن الحقوق التى يدعيها مضار فعلية أصابتها أو تهددها من جراء أعمال النص التشريعى المطعون عليه فى حقه، وترتيبه لآثار قانونية بالنسبه إليه. ولاكذلك إفادة المدعيين من مزايا نص تشريعى معين، إذ يكون الطعن عليه من قبلهما غير جائز. وحيث إنه لامصلحة للمدعيين كذلك فى الطعن على الفقرة الثانية من المادة (82) من قانون المحاماة، ذلك أن ماتنص عليه من أن للمحامى أن يتقاضى أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله، وأنه إذ تفرعت عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى، كان للمحامى أن يحصل على أتعابه عنها، مؤداه: أن الأصل هو ألايتقاضى المحامى أكثر من الأتعاب التى تم الاتفاق عليها كتابة، فإذا لم يكن ثمة اتفاق، أو كان الاتفاق قد تناول دعوى بذاتها، ولكن أعمالاً أخرى غير التى ورد الاتفاق بشأنها قد تفرعت عنها، فإن أتعاب المحامى -فى هاتين الحالتين- تقدر على ضوء العناصرالتى حددتها الفقرة الثالثة من المادة (82) المطعون عليها. وهذه العناصر وحدها هى التى ينحصر نطاق الطعن فيها بالنظر إلى تعلقها بموضوعه، بالإضافة إلى أن ذلك أكفل لمقاصد المدعيين اللذين ركزا مناعيهما عليها بمقولة إطلاقها دون قيد، وأن الغاية منها هى تمكين المحامين من الضغط على موكليهم وتطويعهم لمصالحهم بالمخالفة للواقع والقانون.
وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة -التى انحصر فيها نطاق الطعن على النحو المتقدم- تنص على أن يدخل فى تقدير أتعاب المحامى أهمية الدعوى والجهد الذى بذله المحامى والنتيجة التى حققها وملاءة الموكل وأقدمية درجة قيد المحامى ويجب ألا تزيد الأتعاب على عشرين فى المائه وألاتقل عن خمسة فى المائه من قيمة ماحققه المحامى من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة مخالفتها لنص المادة (69) من الدستور.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الدستور نظم حق الدفاع محدداً بعض جوانبه مقرراً كفالته كضمانه مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصيه ولصون الحرية فى مظاهرها المختلفة و الحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى كفلتها النظم المعمول بها، فاورد فى شأن هذا الحق حكماً قاطعاً حين نص فى الفقرة الأولى من المادة (69) منه على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، وكان ضمان هذا الحق يفترض أن يكون الدفاع فعالاً محيطاً بالخصومة التى يتناولها التوكيل، فلا تكون المعاونة التى يقدمها المحامى لموكله دون مستوياتها الموضوعية التى يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة، ولاينزلق المحامى بتقصيره فى أدائها إلى أخطاء مهنية لوكان قد تداركها فى حينها لكان من الأرجح أن تتخذ الخصومة مساراً مختلفاً، وكان الدستور تعزيزاً منه لضمانه الدفاع على هذا النحو، لم يجز للسلطة التشريعية إهدار هذا الحق أو تقليص محتواه بما يعطل فعاليته أو يحد منها، كاشفاً بذلك عن أن ضمانه الدفاع لم تعد ترفاً يمكن التجاوز عنه، وأن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق فى حقائقها الموضوعية، يعتبر تراجعاً عن مضمونها الحق مصادماً لمعنى العدالة منافياً لمتطلباتها، وأن إنكار ضمانة الدفاع أوتقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها،ليس إلا هدماً للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان نقضها أو إعاقتها منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة بما يقوم عليه من ضمان حق كل فرد فى أن يعرض وجهه نظره فى شأن الواقعة محل التداعى مبيناً حكم القانون بصددها، أم كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة حين يقيم الشخص باختياره محامياً يطمئن إليه لخبرته وقدراته ويراه لثقته فيه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها، وكان الدستور بعد أن قرر أصل الحق فى ضمانة الدفاع - أصالة أو بالوكالة - قد خطا خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية من المادة (69) منه التى تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، وكان المدعيان لايقولان بإنكار حقهما فى اللجوء إلى القضاء للحصول على الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان الذى ذهبا إلى وقوعه على حقوقهما المالية، ولايدعيان أنهما من المعوزين الذين يلوذون بالمعونه القضائية لتأمين ضمانه الدفاع عن حقوقهم هذه، وكانت الوكالة بالخصومة غايتها أن يقوم محام من اختيارهما بإدارة الدفاع عنهما وتوجيهه، وتفترض هذه الوكالة أنها مأجورة لاتبرعيه باعتبار أن الأعمال موضوعها تدخل فى إطار مهنة المحاماة التى احترفها وكيلهما، وكان المدعيان قد أيدا ذلك بإقرارهما انهما دفعا لهذا الوكيل جزءاً من مقدم أتعابه، فإن قالة سريان الفقرة الثانية من المادة (69) من الدستور فى حقهما- وقوامها معاونة الدولة للمعسرين وفقاً للقانون وبما لايجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم ويرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون المحامين لهذا الغرض- لايكون لها محل.  
وحيث إن المدعيين ينعيان كذلك على الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة تحيفها، وممالأتها لمصالح المحامين وتقريرها حقوقاً لهم تجاوز حد الاعتدال مما آل إلى الركون إليها للضغط من خلالها على موكليهم وتطويعهم لإرادتهم بالمخالفة للقانون.   
وحيث إن الأصل المقرر قانوناً هو أن تتكافأ الأتعاب التى يحصل عليها المحامى تنفيذاً لعقد الوكالة مع قيمة الأعمال التى أداها فى نطاقها، ذلك أن الوكالة من عقود القانون الخاص التى تتوازن المصالح فيها، ولا تميل الحقوق الناشئة عنها فى اتجاه أحد طرفيها، ويتعين بالتالى أن يكون تقدير أجر المحامى عن الأعمال التى قام بها - فى إطار عقد الوكالة وتنفيذاً لمقتضاها - معقولاً، فلا يكون أجر الوكيل عنها مبالغاً فيه مرهقاً الموكل فى غيرمقتض وإلاكان تقديره تحكمياً مجاوزاً الأسس الموضوعية التى يتعين أن يتحدد على ضوئها توصلاً إلى تقديره دون زيادة أونقصان، وبعيداً عن شبهة الممالأة أوالتحامل. ولازم ذلك أن يكون أجر المحامى متناسباً مع الأعمال التى أداها، وان يقدر بمراعاة أهميتها، وعلى ضوء مختلف الظروف ذات العلاقة المحيطة بها ويندرج تحتها بوجه خاص القيمه الفنيه لهذه الأعمال، والجهد الذى بذله المحامى فى إنجازها عمقاً وزمناً، والعوارض الاستثنائية التى تكون قد واجهته فى تنفيذها، وصعوبة أو تعقد الأعمال التى أداها ومظاهرتشعبها، والنتائج التى حققها من خلالها، وماعاد على الوكيل منها من فائدة. ومن ثم تكون حقيقة الأعمال التى قام بها المحامى هى ذاتها مناطاً لتحديد أجره، ويتعين بوجه عام أن يكون مرد الاعتداد بها عائداً إلى العناصر الواقعيه المختلفة التى يتحدد بها نطاقها ووزنها، وبما لاإخلال فيه بالظروف الموضوعية المتصلة بها. ودون ذلك، فإن تقدير أجرالمحامى يكون منطوياًعلى عدوان على الحقوق المالية للموكل، وهى حقوق حرص الدستور على صونها، ومن ثم كان ضرورياً أن يقدر أجر المحامى بمراعاة كل العوامل التى تعين على تحديده تحديداً منصفاً، وهى بعد عوامل لاتستغرقها قائمة محددة من أجل ضبطها وحصرها، وإن جاز أن يكون من بينها، أولاً: حقيقة الجهد والزمن الذى بذله المحامى وكان لازماً لإنجاز الأعمال التى وكل فيها. ثانياً: جدة المسائل التى قام ببحثها ودرجة تشابكها أو تعقدها. ثالثاً: ما اقتضاه تنفيذها بالدقة الكافية من الخبرة والمهارة الفنية. رابعاً: ما إذا كان تنفيذ الأعمال التى عهد إليه الموكل بها قد حال دون مزاولته لأعمال أخرى. خامساً: الأجر المقرر عرفاً مقابلاً معقولاً لها. سادساً: القيود الزمنية التى يكون الموكل قد فرضها على المحامى لإنجاز الوكالة وكذلك تلك التى أملتها ظروفها. سابعاً: النتائج التى يكون محاميه قد بلغها فى شأن المبالغ التى يتردد النزاع حولها. ثامناً: مكانة المحامى ومقدرته وشهرته العامة. تاسعاً: طبيعة العلاقة المهنية بين الموكل ومحاميه وعمق امتدادها فى الزمان. عاشرا: الأتعاب التى تقررت لغيره من المحامين فى الدعاوى المماثلة. حادى عشر: ماإذا كان المحامون يعرضون عادة عن قبول الدعوى التى وكل فيها بالنظر إلى ملابساتها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت العوامل الموضوعية وحدها هى التى يعتد بها فى تقدير أتعاب المحامى باعتبارها مرتبطة بطبيعة الأعمال التى أداها ومبلغ أهميتها ومحصلتها النهائية وغير ذلك من الظروف ذات العلاقة المحيطة بها، ووثيقة الاتصال بالتالى بقيمة هذه الأعمال منظوراً فى ذلك إلى عناصرها الواقعية والجهد الذى لازمها وكان يلزم عقلاً أن يبذل فيها، وجب استبعاد ماعداها مما لايندرج تحتها.
وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة قد أوردت ضمن العناصر التى تدخل فى تقدير أتعاب المحامى أهمية الدعوى والجهد الذى بذله فى سبيلها والنتيجه التى حققها وأقدمية قيده - وجميعها عوامل موضوعية تٌعين على تقدير هذه الأتعاب تقديراً منصفاً، إلا أن نص هذه الفقرة ذاتها - إذ اعتد بملاءة الموكل كأحد عناصر هذا التقدير، فإنه يكون قد جاوز فى هذا النطاق الأسس المعقولة التى يتعين أن تتحدد الأتعاب على ضوئها، ذلك أن ثروة الموكل منقطعة الصلة بالأعمال التى باشرها الوكيل، ولا يجوز أن يكون لها من أثر على تقييمها. وليس منطقياً أو معقولاً أن تزيد قيمة هذه الأعمال وأن تتصاعد أهميتها تبعاً ليسار الموكل وليس بالنظر إلى طبيعتها وفحواها. يؤيد ذلك أنه وإن صح القول بأن الأتعاب المتنازع عليها لا يجوز أن تنحدر على نحو يكون مثبطاً لهمم الأكفاء من المحامين، فإن من الصحيح كذلك أنها لا يجوز أن تكون مستعلية فى غير مقتض بافتقارها إلى العوامل الموضوعية اللازمة لحملها.   
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم، فإن ما قررته الفقرة الثالثة من المادة (82) المشار إليها من أنه لايجوزأن تقل أتعاب المحامى عن 5 % من قيمة ما حققه من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير، مؤداه: أنه أياً كان مقدارالجهد الذى بذله المحامى فى أداء هذا العمل، فإن الحدود الدنيا لأتعابه لايجوز أن تقل عن 5% من الفائدة التى حققها، وهو مايخرج بتقييم الأعمال التى باشرها عن الأسس الموضوعية التى يجب أن تكون قواماً لها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان وفقاً لنص المادة (34) منه، لاتعتبر منحصرة فى الملكية الفردية كحق عينى أصلى تتفرع عنه الحقوق العينية جميعها ويعتبر جماعهاوأوسعها نطاقاً، بل تمتد هذه الحماية إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الأدبية أوالفنية أوالصناعية، وكان ما يميز الملكية الفردية عن الحقوق الشخصية هو أنه بينما تخول الملكية الفردية صاحبها السلطة المباشرة على الشئ محلها تصرفاً واستغلالاً واستعمالاً لتعود إليه دون غيره ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها يستخلصها منها دون وساطه أحد، فإن الحقوق الشخصية ترتبط بمدين معين أو بمدينين معينين، وبوساطتهم يكون اقتضاء الدائن لها، وكان التمييز بين الملكية الفردية والحقوق الشخصية على هذا النحو لاينال من كونهما من الأموال، ذلك ان الحقوق العينية التى تقع على عقار -بما فى ذلك حق الملكية- تعتبر مالاً عقارياً أما الحقوق العينية التى تقع على منقول وكذلك الحقوق الشخصية - أياً كان محلها- فانها تعد مالاً منقولاً. ويتعين بالتإلى ان تمتد الحماية المنصوص عليها فى المادة (34) من الدستور إلى الحقوق الشخصية والعينيه على سواء، ذلك أن التمييز بينهما فى مجال هذه الحماية ينافى مقاصد الدستور فى سعيها لتأمين الأموال جميعها من العدوان عليها وبما يردع مغتصبيها.
متى كان ما تقدم، وكان تعيين أتعاب المحامين على ضوء عنصرين غير موضوعيين- أحدهما ملاءة الموكل وثانيهما حد أدنى تقرر بقاعدة عامة مجرده يلزم تطبيقها فى كل حال لضمان عدم النزول بمبلغهاعن قدر معين- مؤداه: اعتبار مايقابلهما من مبالغ إلتزاماً مترتباً فى ذمة الموكل منذ نشوئه، وكان كل إلتزام يعتبر قيمة مالية سلبية حال أن هذين العنصرين منفصمان عن حقيقة الأعمال التى قام بها الوكيل ولايغلان بالتالى أية قيمة مالية يتصور معها أن يقعا عبئاً فى مال المدين بمايجرد ذمته المالية - وهى لا تتناول إلا مجموع الحقوق والديون التى تكون لها قيمة مالية- من بعض عناصرها الإيجابية، إذ كان ذلك، فإن النص التشريعى المطعون فيه يكون مخالفاً من هذه الناحية للمادة (34) من الدستور.
وحيث إن ما قرره المدعيان من أن الفقرة الثالثة من المادة (82 ) آنفة البيان تسقط من حسابها مقدار المبالغ التى يكون قد دفعها مقدماً لمحاميه، مردود بأن حكمها لايفيد ذلك، إذ لا تتناول هذه الفقرة بالتنظيم غير الأسس التى قدر المشرع ضرورة تحديد أتعاب الوكيل على ضوئها بافتراض عدم وجود اتفاق كتابى بشأنها والخلاف عليها، ولايحول بذاته دون استنزال أية مبالغ منها يكون الموكل قد أداها للوكيل كلما قام الدليل عليها.   
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من الاعتداد بملاءة الموكل كأحد العناصر التى تدخل فى تقديرأتعاب محاميه وكذلك ما قررته من أن لا تقل الأتعاب المستحقه عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق