الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 مارس 2015

الطعن 27435 لسنة 75 ق جلسة 14 / 1 / 2007 مكتب فني 58 ق 8 ص 41

بجلسة 14 يناير سنة 2007
رئاسة السيد المستشار/ أحمد علي عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / مجدي أبو العلا ، نبيل عمران ، طلعت عبد الله وأحمد الخولي نواب رئيس المحكمة .
--------------
(8)
الطعن 27435 لسنة 75 ق
 (1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وإيراده على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) رشوة . جريمة " أركانها ". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . قصد جنائي .
القصد الجنائي في جريمة الرشوة . مناط تحققه ؟
استظهار الحكم القصد الجنائي لجريمة الرشوة على استقلال . غير لازم . ما دامت الوقائع تفيد توافره .
مثال .
(3) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إيراد الحكم مؤدى تحريات الرقابة الإدارية وما أسفرت عنه . النعي عليه بخلاف ذلك . غير مجد .
مثال .
 (4) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير الدليل " .
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . ما دام سائغاً . لها أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه . حد ذلك ؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة . غير جائز أمام محكمة النقض .
(5) رشوة . أسباب الإباحة وموانع العقاب " الإعفاء من العقوبة " . عقوبة " الاعفاء منها " . قانون " تفسيره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الإعفاء المقرر بالمادة 107 مكررا عقوبات . قصره على الراشي والوسيط دون المرتشي .
مثال لتسبيب سائغ على اعتبار المتهم مرتشياً وليس وسيطاً .
(6) إثبات " بوجه عام " . استدلالات . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
للمحكمة  التعويل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . ما دامت قد عرضت على بساط البحث .
(7) إثبات " اعتراف " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الاخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
دفع الطاعن بأن اعتراف طاعن آخر في حقه قد صدر بدافع إعفائه من العقاب . عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . علة ذلك ؟
النعي على المحكمة إغفالها الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها . غير مقبول .
(8) تسجيل المحادثات . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
كفاية إيراد الحكم مضمون التسجيلات التي عوَّل عليها . عدم إيراده نص التسجيلات بكل  فحواها . لا قصور .
مثال .
(9) تسجيل المحادثات . رقابة إدارية . مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم " . نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها " .
طريقة تنفيذ إذن تسجيل المحادثات الشفوية السلكية واللاسلكية والتصوير موكولة لعضو الرقابة الإدارية المأذون له بإجرائها تحت رقابة محكمة الموضوع . حقه بالاستعانة في تنفيذ الإذن بالفنيين ورجال الضبط القضائي وغيرهم . ما داموا تحت إشرافه .
(10) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحـق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها . غير جائز .
مثال .
 (11) تفتيش " إذن التفتيش . تنفيذه " . مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
لمأمور الضبط القضائي تخير الوقت المناسب لإجراء إذن التفتيش . ما دام ذلك يتم خلال الفترة المحددة به .
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع ببطلان القبض والتفتيش .
(12) إثبات " بوجه عام" " قرائن" . تسجيل المحادثات . حكم  " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
استناد الحكم المطعون فيه إلى مشاهدة المحكمة للتسجيل المرئي كقرينة معززة للأدلة الأخرى التي بنى عليها قضائه . لا يعيبه . ما دام لم يتخذ من نتيجة هذه المشاهدة دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم .
(13) محكمة النقض " سلطتها " .
عدم جواز تصدي محكمة النقض لما شاب الحكم من خطأ لم تطعن عليه النيابة العامة  إلا لمصلحة الطاعن . أساس ذلك ؟
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وساق على ثبوتها فى حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤدى كل منها في بيان واف يكشف عن مدى إلمامه بتلك الأدلة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التى أوردها أن الطاعنين طلبا وأخذا عطية من المجني عليه مقابل إنهاء صرف مستحقاته المالية لدى الجهة التى يعملان بها ، وما أورده الحكم يتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادة 103 من قانون العقوبات على ما هي محددة به فى القانون ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعنين تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينهما وبين المجني عليه – المبلغ – مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي – كما هو معرف به فى القانون – ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ويكون النعي على الحكم فى هذا الشأن غير سديد .
3-  لما كان البين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أنه أورد فى مدوناته – خلافاً لمـا يقوله الطاعن الثاني – أن تحريات عضو الرقابة الإدارية قد أسفرت عن صحة وصدق رواية المبلغ بأن الطاعن الأول طلب منه مبلغ 3000 جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل توقيعه هو والطاعن الثاني على أوراق صرف مستحقاته المالية لدى الجهة التي يعملان بها ، وأنهما سوف يتقاسمان هذا المبلغ معاً ، وأضاف أن التحريات دلت على أن الطاعن الثاني سيء السمعة ، فإن منعاه في هذا الشأن يكون فى غير محله .
4 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها وتقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ويكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة طلب وأخذ الرشوة في حق الطاعنين ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في أدلة الثبوت التي عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا تسوغ إثارته أمام محكمة النقض .
5- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن الأول بإعفائه من العقاب طبقاً للمادة  107 مكرر من قانون العقوبات ورد عليه بقوله أن : " ... الفقرة الثانية من المادة 107 مكرر من قانون العقوبات والتي تنص على إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها لا ترى المحكمة في أوراق الدعوى ما يدعو لتطبيقها إذ الثابت في التحقيقات أن المتهم الأول يعد مرتشياً توافرت في حقه كل أركان جريمة الرشوة المنصوص عليها في القانون ، فهو قد طلب لنفسه مبلغ الرشوة وحدده تحديداً بنسبة 2 % من جملة مستحقات الدفعة الرابعة للمجني عليه المقدرة بثمانين ألف جنيـه فبلغت هذه النسبة 1600 جنيه ، وكان ذلك عن علم وإرادة حرة تحققا من خلال محادثاته التليفونية مع المجني عليه وتسلمه لمبلغ الرشوة من الأخير داخل سيارته نصف النقل الأمر الــذى يوفر في حقه القصد الجنائي لجريمة الرشوة ، ولا ينال من ذلك ما أثاره محاميه من وقوعه لضغوط من جانب رئيسه في العمل وهو المتهم الثاني " . لما كان ذلك ، وكان المشرع في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات قد منح الإعفاء الوارد به للراشي باعتباره طرفاً في الجريمة ، وبكل ما يصح وصفه بأنه وسيط فيها – سواء كان يعمل من جانب الراشي وهو الغالب –  أو يعمل من جانب المرتشي – وهو ما يتصور وقوعه أحياناً ، دون أن يمتد الإعفاء  للمرتشي ، وإذ كان الحكم قد دلل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن الأول يوفر في حقه جريمة الرشوة باعتباره مرتشياً – وليس وسيطاً ، فإن ما يثيره الطاعن الأول من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقاً للمادة 107 سالف الذكر لا يكون له وجه .
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بالتحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث – وهو الحال في الدعوى الماثلة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني بشأن تحريات عضو الرقابة الإدارية التي عول عليها الحكم يكون غير سديد .
7- لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يدفع بأن اعتراف الطاعن الأول في حقه قد صدر بدافع إعفائه من العقاب ، فلا يقبل منه أن يثــير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق يخرج عن وظيفتها ، كما لا يقبل منه النعي على الحكم إغفال الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها .
8- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أورد ضمن تحصيله مضمون تقرير تفريغ التسجيلات ما مؤداه أنه تم تسجيل الحديث التليفوني بين الطاعنين وأن أولهما أخبر الثاني باستلامه مبلغ 1600 من المجني عليه ( المبلغ ) فوافقه الطاعن الثاني وتواعدا على اللقاء بالقرب من إحدى إشارات المرور ، وعند لقائهما أعطى الأول للثاني مبلغ 1600 جنيه وأخذها منه ونبهه بعدم التحدث في مثل هذه الأمور تليفونياً ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى .
9- من المقرر أن طريقة تنفيذ إذن التسجيل الصادر من النيابة العامة موكولاً إلى عضو الرقابة الإدارية المأذون له إجراءات تسجيل المحادثات الشفوية والسلكية واللاسلكية والتصوير يجريها تحت رقابة محكمة الموضوع ، وله أن يستعين في تنفيذ ذلك بالفنيين ورجال الضبط القضائي وغيرهم بحيث يكونوا تحت إشرافه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم منعى الطاعن الثاني في هذا الخصوص يكون غير قويم .
10- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يدفع ببطلان تسجيل الحديث الذي دار بينه وبين الطاعن الأول لحصوله بعد تنفيذه في مواجهة الطاعن الأول ، فإنه لا يكون له – من بعد – النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها .
11- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش نفاذاً لإذن النيابة الصادر بتاريخ .... – بعد تمام تنفيذه في حق الطاعن الأول – بقوله : " إن الثابت من مطالعة الإذن المؤرخ .... أنه صدر لضبط وتفتيش شخص المتحرى عنهما .... ، .... حال أو عقب قيامهما بالحصول على مبلغ الرشوة ، وهو ما يكفي للقول بعدم جدية هذا الدفع وارتكانه على غير ذي سند من الواقع والقانون " . وكان من المقرر أن لرجل الضبطية القضائية المنتدب لتنفيذ إذن النيابة بالتفتيش تخير الظرف المناسب لإجرائه بطريقة مثمرة وفي الوقت الذي يراه مناسباً ما دام ذلك يتم في خلال الفترة المحددة بالإذن – كما هو الحال في هذه الدعوى – فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد لا يكون سديداً.
12- لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من مشاهدة المحكمة لشريط التسجيل المرئي ، وإنما استندت إلى تلك المشاهدة كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة تلك المشاهدة دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم ويكون ما ينعاه الطاعن الثاني على المحكمة في هذا الخصوص في غير محله .
13- لما كان الحكم المطعون فيه وإن أخطأ فى تطبيق القانون حين لم يقض على كل من الطاعنين بغرامة قدرها ألف جنيه عملاً بحكم المادة 103 عقوبات ، إلا أنه لما كانت النيابة لم تطعن على الحكم ، فإنه لا يجوز لمحكمة النقض التصدى لما يشوب الحكم من أخطاء في القانون طبقاً للمادة 35/2 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، إلا أن يكون ذلك لمصلحة المتهم الأمر المنتفي في هذه الدعوى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما :  بصفتهما موظفين عموميين الأول  " مهندس بالإدارة الهندسية ... " والثاني " مدير الإدارة الهندسية " بالجهة سالفة الذكر طلبا لنفسهما وأخذا عطية لأداء عمل من أعمال وظيفتهما بأن طلبا من ... " مالك شركة ... " مبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل الرشوة أخذا منه مبلغ ألفين وخمسمائة جنيه مقابل توقيعهما بالموافقة على إحدى المستخلصات المتضمنة المستحقات المالية للشركة المملوكة للأخير واتخاذ إجراءات صرف ذلك المستخلص على النحو المبين بالتحقيقات . وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 103 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون . بمعاقبة الطاعنين بالسجن المشدد ثلاث سنوات .
  فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ .
_______________________
المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن – الذي تضمنته مذكرتا الأسباب المقدمة من الطاعنين – هي أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بجريمة الارتشاء قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، وانطوى على خطأ في القانون وبطلان في الإجراءات ، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة التي دانهما بها ، ولم يستظهر توافر القصد الجنائي لديهما ، ولم يبين مؤدى تحريات عضو الرقابة الإدارية التي بنى عليها إذن ضبط وتفتيش الطاعن الثاني ، والتي تدل على ضلوعه في ارتكاب الجريمة التي دين بها ، إذ إن هذه التحريات لم تشمله هو واقتصرت على الطاعن الأول فقط ، كما أن أدلة الثبوت التي ساقها الحكم المطعون فيه لا تكفي للقول بتوافر أركان جريمة الرشوة في حق الطاعنين ويستحيل بها الوقوف على الصورة الصحيحة للواقعة محل الاتهام فضلاً عن خلو أوراق الدعوى من ثمة دليل على ارتكابهما لهذه الواقعة ، كما اطرح الحكم دفاع الطاعن الأول بتمتعه بالإعفاء المنصوص عليه في المادة 107 مكرر من قانون العقوبات لاعترافه بأنه كان وسيطاً فى جريمة الرشوة محل الاتهام ، بما لا يسوغ اطراحه مجتزئاً من أدلة الثبوت ما يؤيد هذا الدفاع ، ويضيف الطاعن الثاني أن الحكم المطعون فيه عول – من بين ما عول عليه في الإدانة – على تحريات أجراها عضو الرقابة الإدارية وعلى ما أقر به الطاعن الأول في حقه ، مع أن التحريات لا تصلح وحدها دليلاً على الإدانة ، كما أن ما أقر به الطاعن الأول في حق الطاعن الثاني كان بدافع الاستفادة من حكم الإعفاء المنصوص عليه في المادة 107 سالفة الذكر والتحلل من جريمة الارتشاء التي ارتكبها وحده ، والتفت الحكم عما أثاره دفاع الطاعن الثاني في هذا الصدد ، ولم يورد مؤدى تقرير تفريغ التسجيلات – التي عول عليه في الإدانة – بطريقة وافية يبين منها تقاضى الطاعن الثاني للجعل محل الاتهام ، هذا إلى أن تلك التسجيلات تمت بمعرفة كل من المبلغ والطاعن الأول وهما ليسا من رجال الضبط المنوط بهم إجراءها قانوناً ، وفضلاً عن ذلك فقد تمسك دفاع الطاعن الثاني ببطلان تسجيل الحديث الذى دار بينه وبين الطاعن الأول لحصوله بعد تنفيذ الإذن به في مواجهة الأخير وتمام ضبطه مما كان لازمه استصدار إذن آخر بتسجيل ذلك الحديث ، كما دفع ببطلان تنفيذ الإذن الصادر بضبطه وتفتيشه في .... بعد تمام تنفيذه – أيضاً – في حق الطاعن الأول بيد أن الحكم اطرح هذين الدفعين بما لا يسوغ اطراحهما . وأخيراً فقد عول الحكم – من بين ما عول عليه في الإدانة – على ما أسفرت عنه مشاهدة هيئة المحكمة لشرائط التسجيل المرئي للواقعة محل الاتهام دون أن تثبت المحكمة أن تلك المشاهدة قد تمت في حضور المتهمين ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وساق على ثبوتها فى حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤدى كل منها في بيان واف يكشف عن مدى إلمامه بتلك الأدلة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعنين طلبا وأخذا عطية من المجني عليه مقابل إنهاء صرف مستحقاته المالية لدى الجهة التي يعملان بها ، وما أورده الحكم يتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادة 103 من قانون العقوبات على ما هي محددة به في القانون ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعنين تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينهما وبين المجني عليه – المبلغ – مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي – كما هو معرف به في القانون – ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أنه أورد في مدوناته – خلافاً لمـا يقوله الطاعن الثاني – أن تحريات عضو الرقابة الإدارية قد أسفرت عن صحة وصدق رواية المبلغ بأن الطاعن الأول طلب منه مبلغ 3000 جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل توقيعه هو والطاعن الثاني على أوراق صرف مستحقاته المالية لدى الجهة التي يعملان بها ، وأنهما سوف يتقاسمان هذا المبلغ معاً ، وأضاف أن التحريات دلت على أن الطاعن الثاني سيء السمعة ، فإن منعاه في هذا الشأن يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها وتقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ويكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة طلب وأخذ الرشوة في حق الطاعنين ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في أدلة الثبوت التي عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا تسوغ إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن الأول بإعفائه من العقاب طبقاً للمادة  107 مكرر من قانون العقوبات ورد عليه بقوله : " ... إن الفقرة الثانية من المادة 107 مكرر من قانون العقوبات والتي تنص على إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها لا ترى المحكمة في أوراق الدعوى ما يدعو لتطبيقها إذ الثابت في التحقيقات أن المتهم الأول يعد مرتشياً توافرت في حقه كل أركان جريمة الرشوة المنصوص عليها في القانون ، فهو قد طلب لنفسه مبلغ الرشوة وحدده تحديداً بنسبة 2 % من جملة مستحقات الدفعة الرابعة للمجني عليه المقدرة بثمانين ألف جنيه فبلغت هذه النسبة 1600 جنيه ، وكان ذلك عن علم وإرادة حرة تحققا من خلال محادثاته التليفونية مع المجني عليه وتسلمه لمبلغ الرشوة من الأخير داخل سيارته نصف النقل الأمر الــذي يوفر في حقه القصد الجنائي لجريمة الرشوة ، ولا ينال من ذلك ما أثاره محاميه من وقوعه لضغوط من جانب رئيسه في العمل وهو المتهم الثاني " . لما كان ذلك ، وكان المشرع في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات قد منح الإعفاء الوارد به للراشي باعتباره طرفاً في الجريمة ، وبكل ما يصح وصفه بأنه وسيط فيها – سواء كان يعمل من جانب الراشي وهو الغالب – أو يعمل من جانب المرتشي – وهو ما يتصور وقوعه أحياناً ، دون أن يمتد الإعفاء  للمرتشي ، وإذ كان الحكم قد دلل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن الأول يوفر في حقه جريمة الرشوة باعتباره مرتشياً – وليس وسيطاً ، فإن ما يثيره الطاعن الأول من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقاً للمادة 107 سالف الذكر لا يكون له وجه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بالتحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث – وهو الحال في الدعوى الماثلة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني بشأن تحريات عضو الرقابة الإدارية التي عول عليها الحكم يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يدفع بأن اعتراف الطاعن الأول في حقه قد صدر بدافع إعفائه من العقاب ، فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق يخرج عن وظيفتها ، كما لا يقبل منه النعي على الحكم إغفال الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أورد ضمن تحصيله مضمون تقرير تفريغ التسجيلات ما مؤداه أنه تم تسجيل الحديث التليفوني بين الطاعنين وأن أولهما أخبر الثاني باستلامه مبلغ 1600 من المجني عليه ( المبلغ ) فوافقه الطاعن الثاني وتواعدا على اللقاء بالقرب من إحدى إشارات المرور ، وعند لقائهما أعطى الأول للثاني مبلغ 1600 جنيه وأخذها منه ونبهه بعدم التحدث في مثل هذه الأمور تليفونياً ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور فى هذا المنحى . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن طريقة تنفيذ إذن التسجيل الصادر من النيابة العامة موكولاً إلى عضو الرقابة الإدارية المأذون له إجراءات تسجيل المحادثات الشفوية والسلكية واللاسلكية والتصوير يجريها تحت رقابة محكمة الموضوع ، وله أن يستعين في تنفيذ ذلك بالفنيين ورجال الضبط القضائي وغيرهم بحيث يكونوا تحت إشرافه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم منعى الطاعن الثاني في هذا الخصوص يكون غير قويم . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يدفع ببطلان تسجيل الحديث الذي دار بينه وبين الطاعن الأول لحصوله بعد تنفيذه في مواجهة الطاعن الأول ، فإنه لا يكون له – من بعد – النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش نفاذاً لإذن النيابة الصادر بتاريخ .... – بعد تمام تنفيذه في حق الطاعن الأول – بقوله : " إن الثابت من مطالعة الإذن المؤرخ ..... أنه صدر لضبط وتفتيش شخص المتحرى عنهما .... ، .... حال أو عقب قيامهما بالحصول على مبلغ الرشوة ، وهو ما يكفي للقول بعدم جدية هذا الدفع وارتكانه على غير ذي سند من الواقع والقانون " . وكان من المقرر أن لرجل الضبطية القضائية المنتدب لتنفيذ إذن النيابة بالتفتيش تخير الظرف المناسب لإجرائه بطريقة مثمرة وفي الوقت الذي يراه مناسباً ما دام ذلك يتم في خلال الفترة المحددة بالإذن – كما هو الحال في هذه الدعوى – فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من مشاهدة المحكمة لشريط التسجيل المرئي ، وإنما استندت إلى تلك المشاهدة كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة تلك المشاهدة دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم ويكون ما ينعاه الطاعن الثاني على المحكمة في هذا الخصوص في غير محله . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه وإن أخطأ في تطبيق القانون حين لم يقض على كل من الطاعنين بغرامة قدرها ألف جنيه عملاً بحكم المادة 103 عقوبات ، إلا أنه لما كانت النيابة لم تطعن على الحكم ، فإنه لا يجوز لمحكمة النقض التصدي لما يشوب الحكم من أخطاء في القانون طبقاً للمادة 35/ 2 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، إلا أن يكون ذلك لمصلحة المتهم الأمر المنتفي في هذه الدعوى . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق