الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 25 مايو 2016

عدم دستورية م 398 إجراءات جنائية بقصر المعارضة على أحكام الحبس دون الغرامة

الطعن 56 لسنة 32 قضائية "دستورية". جلسة 5/3/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة 2016م، الموافق الخامس والعشرين من جمادي الأولى سنة 1437ه
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية". 
بعد أن أحالت محكمة جنح مركز كفر الشيخ الجزئية بحكمها الصادر بجلسة 30/12/2009 ملف الجنحة رقم 5620 لسنة 2009.

الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة قد كانت أسندت إلى السيد/ علي محمد الخولي أنه بتاريخ 25/9/2008, بدائرة الرياض مركز كفر الشيخ، بدد مياه للري قدرت قيمتها بمبلغ اثنان وعشرون ألفًا وثمانون جنيها؛ وقد أحالته للمحاكمة الجنائية بطلب عقابه بالمواد (1, 82 بند 1, 89, 91) من القانون رقم 12 لسنة 1984 بشأن الري والصرف. وتدوولت الدعوى بالجلسات أمام محكمة جنح مركز كفر الشيخ الجزئية, حيث قضت المحكمة بجلسة 27/5/2009, غيابيا, بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل, وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ؛ فعارض في هذا الحكم، 
مستندا إلى أن عقوبة تبديد مياه الري، هي الغرامة، وليس الحبس. وإذ تراءى للمحكمة أن نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007 يخالف أحكام المواد (40 و41 و66 و67 و69) من دستور سنة 1971، فقد قررت وقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية هذا النص.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، بعد تعديلها بالقانون رقم 74 لسنة 2007، قد جرى على أن "تقبل المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية وذلك من المتهم أو من المسئول عن الحقوق المدنية في خلال العشرة أيام التالية لإعلانه بالحكم الغيابي خلاف ميعاد المسافة القانونية، ويجوز أن يكون هذا الإعلان بملخص على نموذج يصدر به قرار من وزير العدل، وفي جميع الأحوال لا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة". 
وحيث إن حكم الإحالة نعى على النص المحال مخالفته لدستور سنة 1971 ذلك أنه جعل الأحكام الصادرة في مواد الجنح، غير السالبة للحرية، تعامل معاملة الأحكام الحضورية؛ سواء أمام محاكم أول درجة أو محاكم الاستئناف؛ وبذلك فإنه يكون قد أقام تمييزا تحكميا فيما بين هاتين الطائفتين يخل بالضمانات الإجرائية اللازم توافرها في المحاكمة الجنائية، وينال مباشرة من مبدأ المساواة أمام القانون، وهو ما يترتب عليه بالضرورة من إخلال بالحرية الشخصية، ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وينال من أصل البراءة، وحق الدفاع؛ وذلك بالمخالفة لأحكام المواد (40) و(41) و(66) و(67) و(69) من ذلك الدستور
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرا في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع - لما كان ذلك، وكانت رحى المنازعة في الدعوى الموضوعية، تدور حول أحقية المدعي في المعارضة في الحكم الغيابي الصادر ضده بالحبس عن جريمة عقوبتها القانونية الغرامة، حال أن النص المطعون فيه قد قصر الحق في المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها قانونًا بعقوبة مقيدة للحرية؛ وعلى ذلك، فإن المصلحة تكون متحققة في الدعوى الماثلة بالنسبة لهذا النص، ويتحدد نطاقها فيما لم يتضمنه من قبول المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة، إذ أن الفصل في دستورية هذا النص في حدود نطاقه المتقدم سيكون ذا أثر وانعكاس على الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره؛ إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية؛ وهي أحكام ليس فيها ما يخالف ما أورده حكم الإحالة بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المحال في دستور سنة 1971، باعتبار أن المواد (40) و(41) و(66) و(67) و(69) منه تقابل المواد (53) و(54) و(95) و(96) و(98) من الدستور القائم
وحيث إن المناعي التي ألحقها حكم الإحالة بالنص المحال صحيحة في جملتها. إذ استقر قضاء هذه المحكمة على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن في الأحكام التي تتعلق بها. ذلك أن طرق الطعن في الأحكام لا تعتبر مجرد وسائل إجرائية ينشئها المشرع ليوفر من خلالها سبل تقويم إعوجاجها، بل هي في واقعها أوثق اتصالاً بالحقوق التي تتناولها سواء في مجال إثباتها أو نفيها، ليكون مصيرها عائدا أصلاً إلى انغلاق هذه الطرق أو انفتاحها، وكذلك إلى التمييز بين المواطنين الذين تتماثل مراكزهم القانونية في مجال النفاذ إلى فرصها. كما أن الوسائل الإجرائية التي تملكها سلطة الاتهام في مجال إثباتها للجريمة، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولا يوازنها إلا افتراض البراءة مقرونًا بدفاع مقتدر لضمان ألا يدان عن الجريمة ما لم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها. ومن ثم، لم يكن من الجائز - تبعا لذلك - إسباغ الشرعية الدستورية على نصوص عقابية لا تتكافأ معها وسائل الدفاع التي أتاحتها لكل من سلطة الاتهام ومتهمها، فلا تتعادل أسلحتهم بشأن إثباتها ونفيها
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان النص المحال قد مايز بين المتهمين في الجنح، وذلك في مجال تحديده لمن لهم الحق في سلوك طريق الطعن بالمعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في تلك الجنح؛ إذ سمح لمن صدرت ضدهم أحكام غيابية في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية بسلوك هذا الطريق، ومنع غيرهم ممن صدرت ضدهم أحكام غيابية في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة من ولوجه. وبذلك، فقد أقام النص المحال تفرقة تحكمية في مجال التمييز بين المخاطبين به، على الرغم من تماثل ظروفهم، واتحاد مراكزهم القانونية؛ بوصفهم جميعا محكوما عليهم، تحددت مسئوليتهم الجنائية عن الجنح المقدمين بشأنها إلى المحاكمة الجنائية، بموجب أحكام غيابية، أيا ما كان نوع العقوبة المقضي بها عليهم، بما يوجب كفالة الحماية القانونية المتكافئة لهم، ليضحى حرمان فئة منهم، وهم المحكوم عليهم في جرائم معاقب عليها بعقوبة الغرامة وحدها، من المعارضة في تلك الأحكام متضمنًا تمييزا لا تبرره شروط موضوعية تسانده؛ وهو الأمر المنهي عنه التزاما بمبدأ المساواة أمام القانون الذي أعلته المادة (53) من الدستور القائم. ذلك أن دستورية القوانين الجزائية التي يقررها المشرع في المجال الجنائي - والتي تفرض على هذه الحرية أخطر القيود، وأبعدها أثرا - تفترض ألا يقيم المشرع فيما بين المخاطبين بأحكامها تمييزا غير مبرر، وألا تحول الفوارق بينها دون تساويهم في الانتفاع بضماناتها، وهو ما لم يلتزمه النص المحال
وحيث إن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون الذي اعتور النص المحال قد لازمه كذلك إخلال بمبدأ الحرية الشخصية التي كفلها الدستور بنص المادة (54) منه، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها من خلال تنظيمها. وآية ذلك أن تقرير المسئولية الجنائية عن الأفعال المؤثمة استجابة لضرورة اجتماعية وتحقيقًا لمصلحة مشروعة، يتعين أن يتم بعد اتباع الوسائل القانونية التي يكون تطبيقها موافقًا لأسس الشرعية الدستورية وضوابطها، بوصفه أمرا وثيق الصلة بالحرية الشخصية، كحق طبيعي أوجبت المادة (54) من الدستور صونه وعدم المساس به، باعتباره من الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان، التي لم تجز المادة (92) من الدستور تعطيلها أو الانتقاص منها أو المساس بأصلها أو جوهرها. ومن ثم، فإن التمييز بين المتهمين في الجنح في مراحل تقرير مسئوليتهم عنها، بالحرمان من المعارضة في الحكم الغيابي الذي قضى بالغرامة على أساس العقوبة المقررة قانونًا للفعل، رغم وحدة الغاية من العقوبة أيّا كان نوعها، وهي تقويم الفاعلين وتحقيق الردع العام والخاص، يتضمن مساسا بالحرية الشخصية في أحد جوانبها بالمخالفة لنص المادة (92) من الدستور
وحيث إن من المقرر أن الطعن بطريق المعارضة في الحكم الجنائي من شأنه أن يعيد الخصومة إلى المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي لتحكم فيها من جديد، وكان النص المحال لا يحقق هذه الضمانة للفئة التي استبعدها، وهم المحكوم عليهم غيابيا في الجنح المقرر لها عقوبة الغرامة؛ ومن ثم، فقد حرمهم من مرحلة من مراحل التقاضي، وهو ما يعد انتهاكًا للحق في التقاضي الذي كفلته المادة (97) من الدستور القائم، وإهدارا لقيم العدل التي اعتبرتها المادة (4) من الدستور القائم أساسا لبناء المجتمع، وتحقيق وحدته الوطنية. ولا ينال من ذلك أن قصر التقاضي على درجة واحدة، هو مما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، إذ إن هذا الأمر لا يكون إلا بالقدر وفي الحدود الضيقة التي تقتضيها مصلحة عامة لها ثقلها؛ ولا يتأتى إقراره، إذا سبق أن اختار المشرع التقاضي على درجتين نهجا. إذ أن التقاضي على درجتين، وكلما كان مقررا بنصوص آمرة، يعتبر أصلاً في اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، ومؤداه أن الخصومة القضائية لا تبلغ نهايتها إلا بعد استغراقها لمرحلتيها بالفصل فيها
وحيث إن كفالة المشرع، كأصل عام، لحق المتهم المحكوم عليه غيابيا، في جنحة، في سلوك طريق الطعن بالمعارضة في الحكم الصادر ضده، مؤداه أنه افترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، إعمالاً لنص المادة (96) من الدستور التي كفلت أصل البراءة. ذلك أن المشرع قد أقر هذا الأصل العام، فلا يتأتى له من بعد أن يحرم البعض من ذلك الحق، وهو ما قضى به النص المحال، فجاء مهدرا لأصل البراءة الذي أعلاه الدستور، والذي يمتد في مضمونه إلى كل فرد سواء أكان مشتبها فيه أو متهما، باعتباره قاعدة أساسية في النظام الاتهامي أقرتها الشرائع جميعها، لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين، وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم لها. فالاتهام الجنائي في ذاته – لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دوما، ولا يزايله، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة، أو في أثنائها، وعلى امتداد جلساتها، وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها؛ ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنفد طرق الطعن فيه
وحيث إن إغلاق النص المحال طريق الطعن بالمعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة من شأنه أن ينال من كفالة حق المتهم في الدفاع عن نفسه لصدور الحكم في غيبته، وعدم تمكنه من عرض أوجه دفاعه على نحو ما تقتضيه محاكمته إنصافًا وفقًا للمستويات المتعارف عليها في الأمم المتحضرة، والتي تقتضى أن تُكَفل له من الضمانات ما يساعده على إظهار براءته مما هو منسوب إليه، والحفاظ على حريته مما يتهددها، وصون كرامته، مع تمكينه من إبداء ما يكون لديه من أوجه دفاع أو دفوع أو طلبات في الدعوى الجنائية، ومن ثم فإن النص المحال يكون قد انتهك الحق في الدفاع، وكذلك الحق في المحاكمة المنصفة اللذين كفلتهما المادتان (96 و98) من الدستور
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن النص المحال يعد مخالفًا لأحكام المواد (4) و(53) و(54) و(92) و(95) و(96) و(97) و(98) من الدستور، مما يتعين معه الحكم بعدم دستوريته
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007، فيما تضمنه من قصر قبول المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة.

عدم دستورية الحكم بقيمة البضائع موضوع التهريب الجمركي

 الطعن 289 لسنة 24 قضائية "دستورية" جلسة 5/3/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة 2016م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة 1437ه
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفي علي جبالي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي اسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 289 لسنة 24 قضائية "دستورية".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أنه بتاريخ 2/9/2001 قامت لجنة من إدارة متابعة الإعفاءات الجمركية بجمرك السويس بالتفتيش على المطعم المملوك للمدعي بمدينة الغردقة، للتحقق من استخدام مشمول الشهادات الجمركية أرقام 20/ 2000, 64/ 2000, 90/ 2001 في الغرض المعفاة من أجله جمركيا، وأسفر التفتيش عن عدم وجود أي مستندات أو دفاتر تفيد تسلم المشمول المعفى جزئيا، وكيفية التصرف فيه على وجه صحيح، كما تبين عدم وجود عدد من زجاجات الخمور من مشمول البيانات الجمركية المذكورة سلفًا، وعدم وجود أي سند لصرفها في الأغراض المحددة من الإعفاء، فضلاً عن حيازة عدد آخر من زجاجات الخمور غير مفرج عنها من خلال البيانات الجمركية الموضحة آنفًا، ولم يثبت الإفراج عنها من الجمارك بموجب بيان جمركي. وبتاريخ 19/2/2002 طلب وزير المالية تحريك الدعوى العمومية ضد المدعي طبقًا لنصوص المواد (121, 122, 124) من قانون الجمارك وتعديلاته، والمادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية وتعديلاته، وعلى أثر ذلك قدمت النيابة العامة المدعي إلى المحاكمة الجنائية في القضية رقم 24871 لسنة 2002 جنح الغردقة، بوصف أنه شرع في تهريب البضائع المبينة بالأوراق بإدخالها إلى جمهورية مصر العربية دون أداء الضريبة الجمركية مخالفًا نظام الإفراج المؤقت، وطلبت معاقبته بالمواد (1, 2, 3, 5, 12, 122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنح الغردقة الجزئية دفع المدعي بجلسة 11/9/2002 بعدم دستورية نصوص المواد (121, 122, 124) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963، والبند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986، والمادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن المادة (121) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلة بالقانون رقم 175 لسنة 1998 تنص على أن: "يعتبر تهريبا إدخال البضائع من أي نوع إلى الجمهورية أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة
ويعتبر في حكم التهريب حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهربة، كما يعتبر في حكم التهريب تقديم مستندات أو فواتير مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة أو إخفاء البضائع أو العلامات أو ارتكاب أي فعل آخر يكون الغرض منه التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة
ولا يمنع من إثبات التهريب عدم ضبط البضائع". 
وتنص المادة (122) من القانون ذاته معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 على أنه: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر يعاقب على التهريب أو الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين
ويحكم على الفاعلين والشركاء متضامنين بتعويض يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، فإذا كانت البضائع موضوع الجريمة من الأصناف الممنوعة أو المحظور استيرادها كان التعويض معادلاً لمثلي قيمتها أو مثلي الضرائب المستحقة أيهما أكثر
وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها
.....................". 
وتنص المادة (124) من القانون ذاته معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية في جرائم التهريب المنصوص عليها في المواد السابقة إلا بناء على طلب كتابي من رئيس مصلحة الجمارك
...........................". 
وتنص المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 معدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 على أنه: "مع عدم الإخلال بما نص عليه هذا القانون من أحكام خاصة تخضع الإعفاءات الجمركية للأحكام الآتية
(أ) ............... 
(ز) تلتزم الجهات المعفاة بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك للتأكد من استعمال الأصناف المعفاة في الغرض الذي أعفيت من أجله
ويعتبر عدم مسك هذه الدفاتر أو التلاعب في قيد البيانات بالسجلات على النحو المشار إليه في الفقرة السابقة مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية ويخضع للعقوبة المنصوص عليها في المادة (118) من قانون الجمارك، فإذا وقع الفعل بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها عوقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من قانون الجمارك". 
وتنص المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 معدلة بالقانون رقم 426 لسنة 1954 على أن: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها في الجرائم المنصوص عليها في المادة (184) من قانون العقوبات إلا بناء على طلب كتابي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها
وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية تقديم شكوى أو الحصول على إذن أو طلب من المجني عليه أو غيره، لا يجوز اتخاذ إجراءات التحقيق فيها إلا بعد تقديم هذه الشكوى أو الحصول على هذا الإذن أو الطلب .....". 
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، كما جرى قضاؤها أيضا على أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص بتطبيقه على المدعي قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة، وبالتالي لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معا مفهومها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفي تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، أولهما: أن يقيم المدعي – وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون عليه – الدليل على أن ضررا واقعيا – اقتصاديا أو غيره – قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا، مستقلا بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررا متوهما أو نظريا أو مجهلاً، وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي قد طُبق على المدعي أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها
وحيث إن النيابة العامة أحالت المدعي إلى المحاكمة الجنائية في القضية رقم 24871 لسنة 2002 جنح الغردقة بوصف أنه شرع في تهريب البضائع المبينة بالأوراق بإدخالها إلى جمهورية مصر العربية دون أداء الضريبة الجمركية مخالفًا نظام الإفراج المؤقت وطلبت عقابه بالمواد (1 و2 و3 و5 و12 و122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وكانت هذه الجريمة تجد سندها التشريعي فيما نص عليه البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 معدلاً بالقانون رقم 71 لسنة 1996 من التزام الجهات المعفاة من سداد الضرائب الجمركية بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك، واعتبار عدم إمساك هذه الدفاتر أو انتظام قيدها أو التلاعب فيها بقصد التهرب من الضريبة الجمركية بمثابة جريمة يعاقب مرتكبها بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 63 لسنة 1966، ومن ثم تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على هذا النص وحده، دون أن تمتد لتشمل المادة (121) من القانون ذاته، لخلو قرار الاتهام منه، كما أن الإخلال بالحقوق التي يدعيها المدعي لا يعود إليه، كما لا تمتد هذه المصلحة كذلك لتشمل نص المادة (124) من القانون المشار إليه والتي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية في جرائم التهريب إلا بناء على طلب كتابي من رئيس مصلحة الجمارك، ولا إلى نص المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية التي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية في الأحوال التي يشترط فيها القانون تقديم طلب بذلك، إذ لم يصدر طلب مباشرة الدعوى الجنائية قِبل المدعي من رئيس مصلحة الجمارك، بل صدر من وزير المالية، فضلاً عن أن هذين النصين لم يلحقا ضررا بالمدعي، بحسبانهما يحتويان على ضمانة إجرائية إضافية لصالح المتهم، كما أن تعليق حق النيابة في رفع الدعوى الجنائية بشأن بعض الجرائم على طلب من الجهة التي عينها المشرع لا يعدو أن يكون قيدا استثنائيا على سلطتها في مجال تحريكها، ومفترضا إجرائيا لجواز مباشرتها، ومتى ارتفع هذا القيد – بممارسته – عاد إلى النيابة العامة اختصاصها كاملاً في شأن تحريك الدعوى الجنائية، فلا إلزام عليها في رفعها، بل لها أن تقرر – وفقًا لتقديرها – تحريكها أو إهمالها
وحيث إن من المقرر أن الدعوى الجنائية – وعلى خلاف الدعوى المدنية – تتحدد بالوقائع المحالة إلى محكمة الموضوع وليس بالوصف والقيد الذي وصفت به النيابة العامة هذه الوقائع وأسبغت عليه تكييفها القانوني، ذلك أنه يترتب على إحالة النيابة العامة المتهم إلى المحاكمة الجنائية انتقال الدعوى الجنائية إلى حوزتها، وتستطيع إعمالاً لحكم المادتين (307 و308) من قانون الإجراءات الجنائية أن تسبغ التكييف القانوني الصحيح على الوقائع المحالة إليها، لا يحد سلطتها في ذلك إلا قيدان أولهما: أشخاص المتهمين المحالين فلا تملك الإضافة أو الانتقاص منهم، وثانيهما: الوقائع المحالة إليها فلا يجوز للمحكمة معاقبة المتهم عن وقائع غير التي وردت في أمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور
متى كان ما تقدم، وكان التفتيش الذي قامت به اللجنة المشكلة من إدارة متابعة الإعفاءات الجمركية بجمرك السويس قد أسفر عن عدم وجود أي مستندات أو دفاتر بالمطعم المملوك للمدعي تفيد تسلم المشمول المعفى وكيفية التصرف فيه، وقد كيفت النيابة العامة هذا الفعل بأنه شروع في التهريب عن طريق مخالفة نظام الإفراج المؤقت الذي ينظمه البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 المعدل بالقانون رقم 71 لسنة 1996، والذي يلزم الجهات المعفاة من الجمارك بمسك دفاتر وقيود نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك للتأكد من استعمال الأصناف المعفاة في الغرض الذي أعفيت من أجله، وقد ارتكب هذا الفعل بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها مما يوقعه تحت طائلة العقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلاً بالقانون رقم 160 لسنة 2000، ومن ثم فإن الواقعة الجنائية المنسوب إلى المتهم ارتكابها وهي مخالفة نظام الإفراج المؤقت وما يرتبط بها من العقوبة المقررة لهذا الفعل المؤثم يعدان أمرين مطروحين على محكمة الموضوع، ويكون الفصل في دستورية كل من البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية والمادة (122) من قانون الجمارك أمرا لازما للفصل في صحة الاتهام الموجه إلى المدعي
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد بما تضمنه نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 المعدل بالقانون رقم 71 لسنة 1996 من التزام الجهات المعفاة من الضريبة الجمركية بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك واعتبار عدم مسك هذه الدفاتر مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية، كما يشمل هذا النطاق أيضا العقوبات المنصوص عليها بالمادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلاً بالقانون رقم 160 لسنة 2000 لجريمة التهريب أو الشروع فيه وهي الحبس والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، والتعويض الذي يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، والحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب، أو ما يعادل قيمتها إذا لم تضبط، وذلك في مجال تطبيقها على الفعل المؤثم بالفقرة الثانية من البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المشار إليه
وحيث إن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014
وحيث إن المدعي ينعى على نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية - محددا نطاقًا على النحو المتقدم – أنه اعتبر عدم مسك الدفاتر أو التلاعب في قيد البيانات بالسجلات، بالمخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية، تهربا جمركيا، أي أن المشرع أحلَّ واقعة عدم مسك الدفاتر محل واقعة علمه بتهريب البضائع التي يحوزها والتي يتعين على النيابة العامة إقامة الدليل عليها
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع الدستوري في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية قد نص في المادة (66) من الدستور الصادر عام 1971 ومن بعده في المادة (95) من الدستور القائم على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذه، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، لا تعزل المحكمة نفسها عن واقعة الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعا واضحا، بل تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيا مؤاخذًا عليه قانونًا
وحيث إن المشرع رغبة منه في التأكد من أن الأصناف المعفاة من الضرائب الجمركية قد تم استعمالها في الغرض الذي أعفيت من أجله، ألزم الجهات المعفاة بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك، واعتبر عدم مسك هذه الدفاتر والقيودات مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية يستوجب معاقبة مرتكبها بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة (118) من قانون الجمارك، فإذا كان الغرض من عدم مسك هذه الدفاتر أو التلاعب في قيد البيانات في السجلات بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها، عوقب مرتكب هذه الجريمة بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من قانون الجمارك
متى كان ذلك، وكانت عناصر هذه الجريمة معينة بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وتتمثل في ركن مادي ظاهر هو إمساك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك، ويقع بحسب الأصل بفعل سلبي يتمثل في الامتناع عن مسك هذه الدفاتر والقيودات، كما يمكن أن يكون في فعل إيجابي إذا تم محو بيانات تلك الدفاتر أو القيودات أو التلاعب فيها، وكانت هذه الجريمة في صورتها العمدية تتطلب تحقق العلم والإرادة بعدم إمساك الدفاتر والقيودات أو العلم والإرادة بالتلاعب فيها، فإذا ارتكبت هذه الجريمة بغرض التخلص من أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها تعين توافر قصد خاص لقيام هذه الجريمة هو قصد التهرب من أداء تلك الضريبة كلها أو بعضها. متى كان ذلك وكانت عبارات النص قد صيغت بطريقة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، تكفل أن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها، كما أورد بيانًا لصور الركن المادي المكون للجريمة وما يجب أن يقارنه من قصد عمدي من علم وإرادة وتوافر قصد خاص يتمثل في نية التهرب من أداء الضرائب الجمركية المستحقة، وهي عناصر تتناضل النيابة العامة والمتهم في إثباتها ونفيها أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فقد جاء هذا النص متفقًا وأصل البراءة ويكون النعي عليه بإقامته قرينة قانونية تنافي هذا الأصل مجافيا للحقيقة جديرا بالالتفات عنه
وحيث إن المدعي ينعى على العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثانية من المادة (122) من قانون الجمارك المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 مخالفتها الضوابط الدستورية للنصوص العقابية، وذلك بتحديد عقوبة واحدة لجريمة التهريب الجمركي التامة، والشروع فيها، وتوقيعها على الفاعلين لها، وشركائهم في ارتكابها
وحيث إن هذا النعي غير سديد؛ ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن شرعية الجزاء، جنائيا كان، أو مدنيا، أو تأديبيا، مناطها، أن يكون متناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع، أو حظرها، أو قيد مباشرتها وأن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر ما يكون الجزاء ملائما لجريمة بذاتها، ينبغي أن يتحدد على درجة خطورتها، ونوعية المصالح التي ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفًا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة بين مداه، وطبيعة الجريمة التي تعلق بها، ودون ذلك يعني إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التي فرضتها
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في صور الجزاء ألا تتزاحم جميعها على محل واحد بما يخرجها عن موازين الاعتدال، وألا يتعلق جزاء منها بغير الأفعال التي تتحد خواصها وصفاتها، بما يلائمها، فلا يكون من أثره العدوان دون مقتض على حقوق الملكية الثابتة لأصحابها، مما يتعين معه أن يوازن المشرع قبل تقريره للجزاء بين الأفعال التي يجوز أن يتصل بها، وأن يقدر لكل حال لبوسها، فلا يتخذ من النصوص القانونية ما تظهر فيه مكامن مثالبها، بل يبتغيها أسلوبا لتقويم أوضاع خاطئة
متى كان ما تقدم، وكانت العقوبات الواردة في الفقرتين الأولى والثانية من النص المطعون فيه هي الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، وقد استهدف المشرع من تقريرها تحقيق الردع العام والخاص، ويتحقق الردع الخاص بحرمان الجاني من حريته أو من جزء من ملكه، وهو الإيلام المقصود من العقوبة بوجه عام، وقد جاءت كل عقوبة منها ذات حدين أدنى وأقصى يعمل القاضي سلطته في إيقاع القدر المناسب منها في كل حالة على حدة، ومن ثم تكون هاتان العقوبتان قد جاءتا متناسبتين مع الفعل المنهي عنه، وفقًا لما رآه المشرع محققًا للفائدة الاجتماعية المبتغاة، وفي إطار سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق، كما جاءت العقوبتان بالقدر اللازم لحمل المخاطبين بنص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 على الالتزام بمسك الدفاتر المنصوص عليها في المادة المذكورة، وانتظام بياناتها، لتتحقق الجهات الجمركية من استعمال البضائع المعفاة كليا أو جزئيا في الغرض الذي أعفيت من أجله وحتى لا يكون الغرض من الإخلال بهذا الالتزام التخلص من الضرائب الجمركية كلها أو بعضها
وحيث إن من المقرر أن الالتزام بأداء الضريبة الجمركية يعد أمرا واجبا في كل الأحوال، فإذا تهرب الملتزم بأداء هذه الضريبة من سداد ما هو مستحق منها، شكَّل فعله هذا جريمة تستوجب معاقبته بالجزاء المناسب فضلاً عن إلزامه بسداد قيمة الضريبة الجمركية المستحقة وهو عين ما قضت به الفقرة الثانية من النص المطعون عليه من معاقبة من ارتكب جريمة التهريب بتعويض يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، جبرا للأضرار التي لحقت الخزانة العامة من جراء ارتكاب هذه الجريمة، ومن ثم فلا مخالفة في هذا الجزاء لحكم المادة (38) من الدستور
وحيث إن الفقرة الثالثة من النص المطعون فيه تنص على أنه "وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها". 
ومفاد هذا النص أنه يتعين الحكم بالمصادرة في جرائم التهريب أو الشروع فيها أو ما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب إذا لم تضبط بالإضافة إلى الجزاءات الجنائية المحددة بالنص المطعون عليه والتي تتمثل في الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين والتعويض الذي يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، لتتعامد هذه الجزاءات جميعها على فعل واحد هو مخالفة نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية
وحيث إن من المقرر قانونًا أن المصادرة ما هي إلا إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة – قهرا عن صاحبها وبغير مقابل – وهي عقوبة قد تكون وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشيء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل وهي على هذا الاعتبار تعد تدبيرا وقائيا لا مفر من اتخاذه في مواجهة الكافة، كما قد تكون المصادرة في بعض القوانين الخاصة من قبيل التعويضات المدنية إذا نُص على أن تؤول الأشياء المصادرة إلى خزانة الدولة كتعويض عما سببته الجريمة من أضرار
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه: ألا تُخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية ومن بينها ألا تكون العقوبة متضمنة معاقبة الشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، وألا يكون الجزاء مدنيا كان أو جنائيا مفرطًا بل يتعين أن يكون متناسبا مع الفعل المؤثم ومتدرجا بقدر خطورته
متى كان ذلك، وكانت المصادرة، المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من النص المطعون عليه، أو الحكم بما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب حال عدم ضبطها قد تقررت على سبيل الوجوب، وقد تعامدت مع الجزاءات الجنائية التي نصت عليها الفقرتان الأولى والثانية من النص ذاته على فعل واحد وهو عدم إمساك الدفاتر المبينة بالبند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها، فإن هذا الجزاء يعد منافيا لضوابط الدولة القانونية، ومهدرا للحرية الشخصية، ومنتقصا بالتالي – دون مقتض – من العناصر الإيجابية للذمة المالية للخاضع لأحكام القانون المشار إليه مما يعد مخالفة لأحكام المواد (35, 54, 94) من الدستور
وحيث إن المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 والبند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 والمستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 محددين نطاقًا على النحو المتقدم لا يخالفان أية أحكام أخرى في الدستور
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة:

بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 فيما نصت عليه من (وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها) وذلك في مجال تطبيقها على الفعل المؤثم بالفقرة الثانية من البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 والمستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الثلاثاء، 24 مايو 2016

رجعية أحكام عدم دستورية النصوص الجنائية معدمة لأحكام الإدانة ولو كانت باتة لا سبيل للطعن عليها

الطعن6  لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ".جلسة 6/2/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من فبراير سنة 2016م، الموافق السابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1427هـ
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدکتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 6 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعي إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنايات القاهرة في الجناية رقم 3237 لسنة 2013 المقيدة برقم 1791 لسنة 2013 جنايات کلي جنوب القاهرة، متهمة إياه بأنه في يوم 4/3/2013، بدائرة قسم شرطة المعادي/ محافظة القاهرة: (1): أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا "مسدسا فردي الإطلاق"، (2): أحرز ذخائر (عدد ثلاث طلقات) مما تستعمل على السلاح الناري سالف البيان بدون ترخيص. وبجلسة 9 فبراير سنة 2014، قضت تلك المحكمة حضوريًا بمعاقبة المدعي بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وتغريمه عشرة آلاف جنيه، لم يرتض المدعي هذا الحكم، فطعن عليه أمام محكمة النقض بالطعن رقم 9414 لسنة 84 قضائية فقضت تلك المحكمة بجلسة 4 نوفمبر سنة 2014، بتأييد الحكم المطعون عليه. وإذ أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها في القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، تقدم المدعي بالتماس إلى النائب العام طالبًا إعادة محاكمته في ضوء هذا القضاء إلا أنه تم حفظه على سند من أن الحكم الجنائي أصبح نهائيًا وباتًا.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، المُستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنص على أن: "يُعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز، بالذات أو بالواسطة، بغير ترخيص، سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرافق
ويُعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه كل من يحوز أو يحرز، بالذات أو بالواسطة، بغير ترخيص، سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الأول من الجدول رقم (3) المرافق
وتكون العقوبة السجن المؤبد، وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذا كان الجاني حائزا أو محرزا، بالذات أو بالواسطة، سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثاني من الجدول رقم (3). 
ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز، بالذات أو بالواسطة، ذخائر مما تُستعمل في الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقمي (2 و3). 
وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذا كان الجاني من الأشخاص المذكورين بالبنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) من هذا القانون
ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثاني مكررا من قانون العقوبات، تكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد...... . 
واستثناءً من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، لا يجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة في هذه المادة". 
وتنص المادة (17) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 على أن: "يجوز في مواد الجنايات – إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة - تبديل العقوبة على الوجه الآتي
- عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد
- عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن
- عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة أشهر
- عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة أشهر". 
وحيث إن المدعي أقام منازعة التنفيذ الراهنة؛ على سند من القول بأن الحكم الجنائي البات الصادر بإدانته، يُعد عائقا يحول دون إعمال الأثر الرجعي للحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا في القضيتين الدستوريتين رقمي 196 لسنة 35 قضائية بجلسة 18/11/2014 و78 لسنة 36 قضائية بجلسة 14/2/2015، تطبيقا لما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ من أن الأحكام التي تصدر بالإدانة استنادا إلى نص جنائي قضي بعدم دستوريته تُعتبر كأن لم تكن، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون بأنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي، فإن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادًا إلى ذلك النص تُعتبر كأن لم تكن، حتى ولو كانت أحكاما باتة
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قوام منازعة التنفيذ التي تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فيها وفقا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تعترض تنفيذ حكمها عوائق تحول قانونا - بمضمونها - دون اكتمال مداه، أو تقيد اتصال حلقاته، بما يعرقل جريان آثاره كاملة أو يحد منها، ومن ثم تكون هذه العوائق هي محل منازعة التنفيذ التي تستهدف إنهاء الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها، وتتدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة هذه العوائق التي يُفترض أن تكون قد حالت فعلاً، أو من شأنها أن تحول، دون تنفيذ أحكامها تنفيذا صحيحًا مكتملاً، وسبيلها في ذلك الأمر بالمضي في تنفيذ أحكامها، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذي عطل مجراه. بيد أن تدخل هذه المحكمة لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين جميعهم دون تمييز يفترض أمرين؛ أولهما: أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها، ثانيهما: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقيّا بها ممكنا. فإذا لم تكن لها بها من صلة؛ فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها
وحيث إن الخصومة في الدعوى الدستورية، وهي بطبيعتها من الدعاوى العينية، قوامها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور؛ تحريّا لتطابقها معها إعلاءً للشرعية الدستورية، ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هي موضوع الدعوى الدستورية أو هي بالأحرى محلها، وإهدارها بقدر تهاترها مع أحكام الدستور هي الغاية التي تبتغيها هذه الخصومة، وأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في تلك الدعوى يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى ولو تطابقت في مضمونها، كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما يتصل به من الأسباب اتصالاً حتميًا بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها
وحيث إن المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن: "أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة .... . 
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي، تُعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن. ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه". 
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن قانونها - ضمانا لصون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور واعتبرها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها عدوانا - قد نص في المادة (49) منه على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي فإن أحكام الإدانة الصادرة استنادًا إليه تُعتبر كأن لم تكن. وهو ما يعني سقوطها بكل آثارها ولو صار الطعن فيها ممتنعًا، لتفارقها قوة الأمر المقضي التي قارنتها، وتلك هي الرجعية الكاملة التي أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، وهي - بعد - رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفا لكل عائق على خلافها ولو كان حكمًا باتا
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أن التفسير المنطقي السديد لما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون هذه المحكمة؛ بشأن إعمال الأثر الرجعي للحكم الصادر منها بعدم دستورية نص جنائي صدر بالإدانة واعتباره كأن لم يكن ولو كان باتا، ينسحب إلى الأحكام التي تزيل وصف التجريم أو تضيّق من مجاله؛ باعتباره وضعًا تأباه العدالة إذا ما أسقط الحكم هذا الوصف عن الأفعال التي ارتكبها المتهم، أو عن طريق تعديل تكييفها، أو بتغيير بنيان بعض عناصرها، بما يمحو عقوبتها كلية أو يجعلها أقل وطأة؛ استنادًا إلى أن هذا الحكم يسري في شأن الأحكام السابقة على صدوره ولو كانت باتة، طبقا لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الحكمان الصادران من المحكمة الدستورية العليا في القضيتين الدستوريتين رقمي 196 لسنة 35 قضائية بجلسة 8/11/2014 و78 لسنة 36 قضائية بجلسة 14/2/2015، ولئن لم يتعرضا - سواء في منطوقيهما أو ما يتصل بهما من أسبابهما اتصالاً حتميًا - للفصل في دستورية أي من نصوص مواد الاتهام المسند إلى المدعي ارتكاب الجرائم الواردة بها، والتي صدر على أساسها الحكم بمعاقبته في القضية الجنائية المشار إليها، وهو الحكم الذي يطلب عدم الاعتداد به في منازعة التنفيذ الراهنة، إلا أنهما انتهيا إلى عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، بالنسبة للجرائم المنصوص عليها بالفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة ذاتها؛ وتبعًا لذلك، ينصرف أثر هذين الحكمين إلى إزالة القيد الوارد على السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) المشار إليها، وهو القيد المتمثل في عدم جواز النزول بالعقوبة؛ بما يجعل حكمها - بعد إزالة هذا القيد - أقل وطأة؛ إذا ارتأت استعمال سلطتها التقديرية طبقا لنص المادة (17) من قانون العقوبات، ومن ثم يكون حكم محكمة جنايات القاهرة المشار إليه، فيما تضمنه من عدم إمكان استعمال تلك السلطة التقديرية، مخالفا لما قضت به المحكمة الدستورية العليا في حكميها الآنفي الذكر، وتبعًا لذلك يشكل عقبة عطلت تنفيذ هذين الحكمين؛ مما يتعين معه القضاء بإزالتها، وما يترتب على ذلك من إعادة نظر الدعوى الموضوعية واسترداد محكمة جنايات القاهرة سلطتها التقديرية في هذا الصدد؛ نتيجة الأثر الكاشف لحكمي المحكمة الدستورية العليا؛ إعمالاً لأحكام المادة (49) من قانونها على النحو السالف البيان
وحيث إن طلب المدعي وقف تنفيذ حكم محكمة جنايات القاهرة المشار إليه يُعد فرعا من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ الماثلة، وإذ قضت هذه المحكمة في موضوع النزاع على النحو السالف البيان؛ فإن مباشرتها اختصاص البت في طلب وقف تنفيذ ذلك الحكم قد بات غير ذي موضوع
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بالاستمرار في تنفيذ الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا في القضيتين الدستوريتين رقمي 196 لسنة 35 قضائية بجلسة 8/11/2014 و78 لسنة 36 قضائية بجلسة 14/2/2015، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

التأشير بإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة بالسجل العيني

الطعن 50 لسنة 36 قضائية "دستورية" جلسة 6/2/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من فبراير سنة 2016م، الموافق السابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1437هـ
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعي عمرو ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدکتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 50 لسنة 36 قضائية "دستورية".

الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن كامل أرض وبناء العقار المبين المساحة والحدود والمعالم في صحيفة الدعوى الموضوعية، كان مملوكا على الشيوع لمورث المدعين ومورثة المدعى عليهم رابعا وخامسا، وبموجب عقد مؤرخ 27/9/1967، اتفقا على قسمة العقار بينهما، وتم تنفيذ العقد، وتشييد جدار فاصل بين حصة كل منهما. وإذ نما لعلم المدعين قيام المدعى عليهم رابعًا وخامسا ببيع حصة مورثتهم إلى المدعى عليه السادس، بموجب عقد بيع ابتدائي، لقاء ثمن قدره 36000 جنيه، فقد أعلنوا طرفي التصرف برغبتهم في أخذ العقار بالشفعة، بموجب إنذار على يد محضر، وأودعوا الثمن خزانة المحكمة، وأقاموا ضدهم الدعوى رقم 220 لسنة 2005 مدني، أمام محكمة أشمون الجزئية - والتي قيدت بعد ذلك برقم 491 لسنة 2012 مدني کلي أمام محكمة شبين الكوم الابتدائية – طلبا للحكم بأحقيتهم في أخذ العقار موضوع الدعوى بالشفعة، مقابل ما أودعوه من ثمن ومصاريف إدارية خزانة المحكمة، وما يترتب على ذلك من آثار، ونقل ملكية العقار إليهم، كحصة مفرزة، والتسليم. وبجلسة 26/5/2012، قضت المحكمة بعدم قبول دعوى الشفعة، لعدم التأشير بها في السجل العيني، رغم سريان ذلك النظام على القرية الكائن بها عقار التداعي، قبل رفع الدعوى، بموجب القرار الوزاري رقم 4099 لسنة 2001. وإذ لم يصادف هذا القضاء قبول المدعين، فطعنوا عليه بالاستئناف رقم 658 لسنة 45ق، أمام محكمة استئناف طنطا "مأمورية شبين الكوم"؛ طلبًا للحكم بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجددًا، أصليًا: بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها، واحتياطيًا: الحكم لهم بطلباتهم المبداة في صحيفة افتتاح الدعوى، وحال نظر الاستئناف، دفع الحاضر عن المدعين بعدم دستورية نص المادتين (32 و33) من القانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني، وإذ صرحت لهم المحكمة باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، أقاموا الدعوى الماثلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إنه عن الدفع المبدي من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لعدم اتصالها بالمحكمة الدستورية العليا على النحو المقرر بقانونها، على سند من عدم تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع المبدي أمامها بعدم الدستورية، إذ قرنت تصريحها بإقامة الدعوى الدستورية، بتقديم مذكرات في الدفع، فذلك مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية يفترض أمرين، أولهما: أن يكون النص محل الدفع لازما للفصل في النزاع الموضوعي، وثانيهما: أن يكون للمطاعن الدستورية في شأن هذا النص ما يظاهرها، وهو ما تختص بتقديره محكمة الموضوع. ومن ثم فإن تصريحها بإقامة الدعوى الدستورية، التالي لإبداء الدفع، يُعد بمثابة تقدير لجدية هذا الدفع، لا ينال منه اقتران ذلك التصريح بتقديم مذكرات في الدفع، يؤكد ذلك تعليق محكمة الموضوع حكمها في موضوع الدعوى على الفصل في الدعوى الدستورية التي صرحت بإقامتها
وحيث إن المادة (32) من القانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني، تنص على أن: "الدعاوى المتعلقة بحق عيني عقاري أو بصحة أو بنفاذ تصرف من التصرفات الواجب قيدها، يجب أن تتضمن الطلبات فيها إجراء التغيير في بيانات السجل العيني، ولا تقبل الدعوى إلا بعد تقديم شهادة دالة على حصول التأشير في السجل بمضمون هذه الطلبات". 
وتنص المادة (33) من ذلك القانون على أن: "الدعاوى المشار إليها في المادة السابقة، التي تكون منظورة أمام المحاكم وقت العمل بهذا القانون ولم تسجل صحيفتها، لا يجوز الاستمرار في النظر فيها إلا بعد أن تتضمن الطلبات الختامية فيها إجراء التغيير في بيانات السجل، وبعد التأشير فيه بمضمون هذه الطلبات
ويمنح المدعون في الدعوى ميعاد شهرين من تاريخ العمل بهذا القانون لطلب هذا التأشير، فإذا لم تقدم في أول جلسة بعد انتهاء هذا الميعاد شهادة بحصول هذا التأشير، توقف الدعوى". 
وتنص المادة (36) من القانون ذاته على أنه: "يجب التأشير بإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة في صحف الوحدات العقارية، ويترتب على ذلك، إذا تقرر حق الشفيع بحكم قيد في السجل، أن يكون حجة على من ترتب لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ التأشير المذكور". 
وحيث إنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - توافر المصلحة فيها، ومناطها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ومن ثم، لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين يحددان بتكاملهما معًا مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة كشرط لقبول الدعوى الدستورية، أولهما: أن يقيم المدعي الدليل على أن ضررا واقعيًا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا مستقلاً بعناصره ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررا متوهما أو نظريًا أو مجهلا. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئا عن هذا النص، مترتبًا عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي المطعون فيه قد طبق أصلاً على المدعي، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدّعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها
وحيث إن نص المادة (33) من القانون رقم 142 لسنة 1964 المشار إليه، ينصرف حكمه إلى ما كان منظورا أمام المحاكم في تاريخ العمل بذلك القانون من الدعاوى المتعلقة بحق عيني عقاري ولم تسجل صحيفتها. متى کان ذلك، وكان المدعون قد أقاموا ابتداء دعواهم الموضوعية في سنة 2005، بعد تاريخ العمل بذلك القانون، ومن ثم لا تسري على دعواهم أحكام تلك المادة، وتنتفي مصلحتهم في الطعن بعدم دستوريتها، لكونهم غير مخاطبين بأحكامها، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها
وحيث إن المادة (32) من القانون المشار إليه، أوجبت تضمين الطلبات في الدعاوى المتعلقة بحق عيني عقاري، أو بصحة أو نفاذ تصرف من التصرفات الواجب قيدها في السجل العيني، طلب إجراء التغيير في بيانات ذلك السجل، ولا تقبل الدعوى إلا بعد تقديم شهادة دالة على حصول التأشير في السجل بمضمون هذه الطلبات. وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعين أخذ عقار التداعي بالشفعة، وقد قضت محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى، على سند من أن "دعوى الشفعة أوجب القانون أن يتم التأشير بها في السجل العيني، وأن المدعين لم يقوموا بذلك على الرغم من دخول العين محل التداعي في نظام السجل العيني، قبل رفع الدعوى، بموجب القرار الرقيم 4099 لسنة 2001". ومؤدى ذلك أن المحكمة أعملت حكم المادة (32) من القانون المشار إليه، وإن كانت قد ضمنت أسباب حكمها نص المادة (36) من ذلك القانون، التي توجب التأشير بإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة في صحيفة الوحدات العقارية. وقد طعن المدعون على ذلك الحكم بطريق الاستئناف، ومن بين ما تأسس عليه طعنهم أن عدم قيد صحيفة دعواهم والتأشير بالطلبات الواردة فيها بالسجل العيني، يرجع إلى إصرار القائمين على ذلك السجل على تعديل المدعين طلباتهم إلى أخذ العقار بالشفعة، كحصة شائعة، وليست مفرزة. ومؤدى ذلك، ولازمه أن إجابة المدعين لطلباتهم في الدعوى الموضوعية، يتوقف ابتداء على مدى التزامهم بأحكام المادة (32) من القانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني، ومن ثم تتوافر لهم مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستورية ما تضمنه ذلك النص من أحكام، لما للفصل في دستوريته من انعكاس على الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، ويكون الدفع المبدي من هيئة قضايا الدولة في هذا الشأن على غير محل
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن باشرت رقابتها القضائية على دستورية کامل أحكام المادة (32) من القانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني، فأصدرت بجلستها التي عقدت في الثالث عشر من ديسمبر سنة 2014، حکمها في القضية رقم 36 لسنة 19 قضائية "دستورية" برفض الدعوى. وقد نشر ذلك الحكم في العدد رقم 51 مكرر (ج) من الجريدة الرسمية بتاريخ 22/12/2014. لما کان ذلك، وکانت الخصومة في الدعوى المعروضة تتعلق بالنص التشريعي ذاته، الذي سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا برفض ما أثير في شأنه من مطاعن في الدعوى السابقة. وكان المقرر بقضاء هذه المحکمة أن مقتضى نص المادة (195) من الدستور والمادتين (48 و49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة منها حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو السعي إلى نقضها من خلال إعادة طرحها على هذه المحكمة لمراجعتها من جديد. ومن ثم، تكون الخصومة الدستورية بالنسبة لهذا النص - وهي عينية بطبيعتها – قد انحسمت، مما لزامه الحكم - أيضا - بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة: 

بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.