جلسة 30 من نوفمبر سنة 1950
برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.
-------------------
(23)
سبب جديد لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع. لا يحول دون قبول الطعن في الحكم متى كان صادراً في مسألة اختصاص بحسب المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم. حكم صادر من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية - قاضي الأمور المستعجلة - قضاؤه برفض دفع بعدم اختصاصه بتعيين حارس على كنيسة. مبنى هذا الدفع أن الكنائس من الأموال العامة وأنه لا ولاية للمحاكم في نظر دعاوى الحراسة عليها وفقاً لنص المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم. الطعن في هذا الحكم بطريق النقض استناداً إلى سبب جديد قوامه أن الحكم تعرض لمسألة دينية بحتة على نقيض ما تقضي به المادة سالفة الذكر. الدفع بعدم قبول الطعن ارتكاناً إلى أن سببه جديد. غير جائز، إذ الحكم صادر في مسألة اختصاص متعلق بالنظام العام.
(المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم المدنية).
(2) نقض. طعن.
سبب جديد متعلق بالنظام العام لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع. سماعه لأول مرة أمام محكمة النقض. جائز.
(3) دفع بعدم اختصاص المحاكم المدنية مؤسس على المادة 15 من لائحة ترتيبها. حراسة على كنيسة. قوامها النزاع على حقوق الإدارة فيما يتعلق بمنقولاتها وأثاثاتها. يعتبر نزاعاً مدنياً ليس فيه ما يمس العبادات من قريب أو بعيد. الدفع بعدم اختصاص المحاكم المدنية بنظره. على غير أساس.
(المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم المدنية).
الوقائع
في يوم 15 من يونيه سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة مصر الابتدائية (بهيئة استئنافية) الصادر في 14 من إبريل سنة 1949 في الاستئناف رقم 188 سنة 1949 - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من اختصاص المحاكم الوطنية بنظر هذا النزاع وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات وأتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق.
وفي 23 و25 من يونيه سنة 1949 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن.
وفي 5 من يوليو سنة 1949 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 21 منه أودع المطعون عليه الأول مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها أصلياً عدم قبول الطعن واحتياطياً رفضه مع إلزام الطاعن في الحالتين بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن درجات التقاضي. ولم يقدم باقي المطعون عليهم دفاعاً.
وفي 30 من مايو سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها برفض الدفع المقدم من المطعون عليه الأول وقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وفي 16 من نوفمبر سنة 1950 سمعت الدعوى على ما هو مدون بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن واقعة الدعوى - كما أثبتها الحكم المطعون فيه - تتحصل في أن المطعون عليه الأول رفعها إلى قضاء الأمور المستعجلة يطلب فيها تعيين حارس قضائي على منقولات وإيرادات كنيسة رئيس الملائكة الجليل ميخائيل على أن تكون مأموريته استلام أموال ومنقولات الكنيسة والإشراف على النواحي المالية والإدارية وتحصيل الإيرادات من اشتراكات وتبرعات وغيرها ودفع المصاريف الضرورية والمرتبات وإيداع الباقي خزانة المحكمة على ذمة الفصل في الدعوى الموضوعية. فدفعها الطاعن بأن الكنائس هي من الأموال العامة ومن ثم لا ولاية للمحاكم في نظر دعوى الحراسة عليها عملاً بأحكام المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، فرفضت المحكمة هذا الدفع مؤسسة قضاءها في ذلك على أن الكنائس لا تعتبر من الأموال العامة، وقضت في الموضوع بتعيين المطعون عليه الثاني حارساً لأداء المأمورية المبينة بأسباب حكمها، فطعن فيه الطاعن بالنقض.
ومن حيث إن سبب الطعن يتحصل في أن الحكم إذ قضى برفض الدفع بعدم اختصاص قضاء الأمور المستعجلة بتعيين حارس قضائي على أموال الكنيسة خالف القانون في شأن متعلق بالنظام العام وذلك بتعرضه للفصل في نزاع ليست له صفة مالية ولا يعتبر مسألة مدنية بل هو متعلق بناحية دينية بحتة هي من شئون العبادات، ومن ثم يكون قد خالف نص المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم التي تقصر اختصاص المحاكم المدنية على المنازعات المدنية دون الدينية.
ومن حيث إن المطعون عليه الأول دفع بعدم قبول الطعن استناداً إلى أن الحكم المطعون فيه وهو صادر من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية لا يجوز الطعن فيه إلا لخطأ في القانون في ذات مسألة الاختصاص وفقاً للفقرة الثانية من المادة العاشرة من قانون إنشاء محكمة النقض - وأنه لما كان أساس الدفع بعدم اختصاص المحاكم المشار إليه في سبب الطعن يغاير الأساس الذي كان مطروحاً على محكمة الموضوع فإنه يعتبر سبباً جديداً لا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض، ولا يرد على هذا بأن سبب الطعن متعلق بالنظام العام إذ مناط ذلك أن يكون هذا السبب محل بحث وقضاء محكمة الموضوع - الأمر الذي لم يحصل في كافة مراحل النزاع.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن الحكم صدر في دفع بعدم الاختصاص مؤسس على المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم مما يجعل الطعن فيه جائزاً وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة من قانون إنشاء محكمة النقض. أما كون السبب الذي بني عليه الدفع بعدم الاختصاص الوارد في تقرير الطعن هو سبب جديد لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض فمحل بحث ذلك يكون عند نظر موضوع الطعن.
ومن حيث إنه يبين من تقرير الطعن أن الطاعن يؤسس دفعه بعدم ولاية المحاكم بنظر الدعوى على أن موضوعها ديني صرف لا تمتد إليه ولاية المحاكم وأن الشأن في ذلك من اختصاص غبطة البطريرك (الطاعن) دون سواه وفق أحكام خط كلخانة والخط الهمايوني التي تعترف بالحرية الدينية وسلطان البطاركة وحقهم في إدارة الكنائس حسبما يرونه نافعاً لطوائفهم، كما أن التشريعات المنظمة لاختصاصات المجالس الملية ومنها الأمر العالي الصادر في 14 من مايو سنة 1883 والمعدل بالقانون رقم 19 لسنة 1927 بشأن طائفة الأرثوذكس تؤكد هذا الحق.
ومن حيث إنه لما كان يبين من سبب الطعن أنه مقام على سبب متعلق بالنظام العام هو عدم اختصاص المحاكم بالنظر في مسألة هي من الشئون الدينية البحتة كان هذا السبب جائز السماع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع.
ومن حيث إنه في خصوص ما يرتكن إليه الطاعن في سبب طعنه فقد قال الحكم ".. أن غبطة الخصم الثالث (الطاعن) دفع الدعوى موضوعاً بأنه يشترط في طالب الحراسة أن يكون له حق يوازي حق خصمه على العين موضوع النزاع وليس للمستأنف (المطعون عليه الأول) أي حقوق على الكنيسة في حين أن غبطة البطريرك هو صاحب الحق المطلق على الكنائس بمقتضى الفرمانات والخطوط الهمايونية والأوامر العالية وأن يكون هناك نزاع جدي وخطر على حقوق طالب الحراسة ومنازعة المستأنف (المطعون عليه الأول) عارية عن الجدية كما أن الخطر منتف لتعيين ناظر من قبل غبطة البطريرك يقوم بإدارة الكنيسة ويقدم حساباً عنها لغبطته مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له". ثم قال "وحيث إنه لا جدال من الناحية الأخرى في أن اللجنة المؤلفة في سنة 1937 هي التي قامت بمشتري الأرض وبناء الكنيسة عليها من الأموال التي كانت تجمعها من جمهور المشتركين والمتبرعين وأنها ظلت تقوم بإدارة الكنيسة في حدود الأغراض التي ألفت من أجلها حتى دب النزاع بينهما" - ثم قال عن اللجنة: "إنها كونت جمعية لمتابعة نفس الأغراض التي كانت تعمل لها اللجنة وتم تسجيل تلك الجمعية طبقاً للقانون رقم 49 لسنة 1945 وأصبحت لها الشخصية المعنوية" ثم قال "وأن الذي يبدو من تلك الوقائع - دون مساس بالموضوع - أن تلك الجمعية ليست إلا امتداد اللجنة السابقة وأن من حقها لذلك الاستمرار في مزاولة عملها من إدارة الكنيسة وتحصيل الإيرادات ومباشرة وجوه صرفها - فإذا كان غبطة الخصم الثالث (الطاعن) والمستأنف عليهم الثالث والرابع والخامس (المطعون عليهم من الثالث إلى الخامس) قد تعرضوا للجمعية ونازعوها هذا الحق ووضع الناظر المعين من قبل غبطة البطريرك يده على منقولات وأثاثات الكنيسة وأخذ في تحصيل الاشتراكات والتبرعات بإيصالات الجمعية فإن من حق الجمعية أن تلجأ إلى القضاء المستعجل طالبة تعيين حارس قضائي على المال المتنازع عليه إلى أن يقضى في النزاع المطروح على محكمة الموضوع ويكون لهذا القضاء إجابتها على طلبها لجدية المنازعة التي تبني عليها الجمعية طلبها ولتحقق الخطر والضرر على حقوقها في الإدارة ووضع اليد" إلى أن قال في صدد تحديد مأمورية الحارس "تكون - دون مساس بالسلطان الروحي لغبطة الرئيس الديني للطائفة - استلام أموال ومنقولات الكنيسة والإشراف على النواحي المالية والإدارية وتحصيل الإيرادات من اشتراكات وتبرعات وغيرها وصرف المصاريف الضرورية ودفع المرتبات وإيداع الباقي خزانة المحكمة على ذمة الفصل في الدعوى الموضوعية" ويتبين من هذا الذي قرره الحكم أن النزاع بين طرفي الخصومة كان مقصوراً على وضع اليد وحقوق الإدارة فيما يتعلق بمنقولات الكنيسة وأثاثاتها وتحصيل الاشتراكات والتبرعات - وهي كلها أمور مدنية ليس فيها ما يمس العبادات من قريب أو بعيد، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق