جلسة 5 من إبريل سنة 1951
----------------
(108)
القضية رقم 57 سنة 19 القضائية
(1) استئناف. ضامن.
إفادة ورثة الضامن من الاستئناف المرفوع من ورثة المدين. ثبوت وفاء الدين المطالب به من مال المدين في استئنافهم. يمتنع الرجوع على ورثة الضامن.
(2) التماس إعادة النظر. نقض.
النعي على الحكم أنه قضى للمستأنفين بأكثر مما طلبوه في استئنافهم. هو سبب للطعن فيه بطريق الالتماس لا بطريق النقض.
الوقائع
في يوم 26 من إبريل سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 15 من يناير سنة 1947 في الاستئناف رقم 802 سنة 62 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهم السبعة الأولين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 30 من إبريل سنة 1949 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن. وفي 6 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 30 منه أودع المطعون عليهما الأول والثاني مذكرة بدفاعهما طلبا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ولم يقدم باقي المطعون عليهم دفاعاً. وفي 31 يناير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات. وفي 29 من مارس سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
من حيث إن وقائع هذه الدعوى كما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقامها أمام محكمة المنصورة الابتدائية الوطنية على الشيخ إبراهيم عبد الله الشبلي وباقي المطعون عليهم طالباً الحكم بإلزام الشيخ إبراهيم عبد الله الشبلي وباقي المطعون عليهم بأن يدفعوا إليه من مال مورثهم المرحوم عبد الله الشبلي مبلغ 386 جنيهاً و540 مليماً والفوائد مستنداً إلى أن جده المرحوم عبد الله الشبلي كان قد استدان من مصرف باركليز بالمنصورة بضمانة ابنه - والد الطاعن - إبراهيم عبد الله الشبلي مبلغ 425 جنيهاً بموجب سند إذني مؤرخ في 15 من مايو سنة 1929 ويستحق الوفاء في 30 من نوفمبر سنة 1929 وأنه (أي الطاعن) دفع من هذا الدين من ماله الخاص 386 جنيهاً و540 مليماً وهو المبلغ المطالب به. فدفع المطعون عليهم الأول والثالثة والسادسة الدعوى بأن المبلغ المطالب به إنما دفع من مال مورثهم خصماً من ثمن أقطان كانت مودعة باسمه لدي مصرف بنك باركليز - فقررت المحكمة الابتدائية ندب أحد أعضائها للانتقال إلى المصرف المذكور للاطلاع على سند الدين ومعرفة كيفية الوفاء به وتبين لها من الانتقال أن الطاعن دفع من أصل قيمة السند 280 جنيهاً بموجب إيصال مؤرخ في 26 من نوفمبر سنة 1929، 69 جنيهاً و700 مليم بإيصال مؤرخ في أول مايو سنة 1930، 37 جنيهاً و540 مليماً بإيصال مؤرخ في 2 من مايو سنة 1930 ورفض المصرف بيان ما إذا كان القطن الذي أودع البنك مملوكاً للمورث والمحكمة الابتدائية تأسيساً على ذلك وإزاء عجز المطعون عليهم عن إثبات وجود أقطان لمورثهم المرحوم عبد الله الشبلي في المصرف حكمت للطاعن بطلباته - فاستأنف التميمي وعبد العزيز وبهية وسكينة ونفيسة أولاد عبد الله الشبلي والشيخ شبلي الشامي الشبلي عن نفسه وبصفته ولياً على ولده القاصر الشبراوي المرزوق له من فهيمة عبد الله الشبلي وهم المطعون عليهم السبعة الأولون، ومحكمة الاستئناف قضت بحكمها الصادر في 15 من يناير سنة 1947 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى فطعن محامي الشيخ محمد إبراهيم عبد الله الشامي الشبلي في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه بني على ثلاثة أسباب حاصل السبب الأول منها أن الحكم المطعون فيه مشوب بالبطلان من وجهين الأول - إذ خالف قواعد الإثبات بأن طرح المستندات التي قدمها الطاعن لإثبات دعواه وهي الإيصالات الثلاثة الصادرة من مصرف باركليز بتاريخ 2 من مايو سنة 1930 والتي تقطع نصوصها في أن الدين الذي كان مطلوباً للمصرف المذكور من عبد الله الشبلي وضامنه إبراهيم الشبلي دفع منه 386 جنيهاً و540 مليماً في 26 من نوفمبر سنة 1929 وأول وثاني مايو سنة 1930 من مال الطاعن. أطرح الحكم هذه المستندات رغم مدلولها الظاهر ورغم أنها تأيدت بأوراق أخرى أهمها محضر الانتقال الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى في 27 من مايو سنة 1941 والذي يدل على أن المبلغ المذكور دفع من مال الطاعن - وعدل عن مدلولها الظاهر إلى الأخذ بقرائن لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها - ذلك أنه حصل من التحقيقات التي تمت في الشكوى رقم 970 سنة 1930 المنزلة وقائع أدلى بها بعض الشهود واعتبرها حقائق لا تقبل الجدل رغم ما شهد به شهود آخرون في ذات التحقيقات بما يدحضها ورغم قرار النيابة الصادر بحفظ الشكوى ودون أن تجري المحكمة تحقيقاً بنفسها للوصول إلى الحقائق التي تصلح أساساً للحكم. واتخذت من سكوت الطاعن عن المطالبة بحقه سبع سنوات ومن التناقض في بيان الدافع له على الوفاء بدين جده ومن عدم حصوله على سند الدين المثبت لقيامه بالوفاء ومن وجود هذا السند ضمن الأوراق التي وجدت في حيازة الضامن عند توقيع الحجز عليها - اتخذت من ذلك كله قرائن على عدم صحة الدعوى رغم أن الطاعن لم يسكت عن المطالبة بحقه بل أقام الدعوى أولاً على المصرف وورثة المدين والضامن لدى المحكمة المختلطة فلما حكمت بعدم الاختصاص أقامها أمام المحكمة الوطنية ورغم أن التناقض الذي قال به الحكم إنما استدل عليه بمقارنة عبارة وردت بصحيفة الدعوى مع أخرى وردت بمذكرة الطاعن وهو استدلال غير سليم ورغم أن وجود سند الدين في حيازة الضامن دون الطاعن سببه أن الطاعن لم يقم بوفاء قيمته كلها وأنه لا محل للاعتداد بهذه القرينة إلا في العلاقة بين الدائن الأصلي وهو المصرف ومدينه مباشرة وليس هذا هو الحال في الدعوى، ووجه البطلان الثاني هو أن الحكم فسر كتاب البنك المؤرخ في 11 من فبراير سنة 1930 إلى مأمور مركز المنزلة تفسيراً نأى به عن مدلوله الظاهر ذلك أنه أخذ من خلوه من الإشارة إلى ما دفع من الدين بتاريخ 26 من نوفمبر سنة 1929 إنما دفع من مال الطاعن دليلاً على أن الدفع كان من مال المدين ورتب على هذا التفسير الخاطئ نتائج غير سليمة.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه مردود بما جاء في الحكم المطعون فيه من أن دعوى محمد إبراهيم عبد الله (الطاعن) قوامها الرجوع على مديني بنك باركليز بما دفعه عنهما خصماً من الدين الذي عليهما للبنك دون أن يكون مسئولاً عن الدين ومن غير أن يعهد إليه المدينان أو أحدهما بالسداد بل ومن غير أن يكون أحدهما في حالة إعسار أو في حاجة إلى تدخل الغير لمعاونته في الوفاء بالتزاماته. وقد حار المدعي "الطاعن" نفسه في تعليل هذا التصرف فقال في صحيفة دعواه "وعند حلول الأجل لم يقم لا المدين ولا الضامن بسداد هذه المبالغ مما أدى - بالبنك لعمل برتستو عدم الدفع - ولما كان الطالب تربطه بالمدين والضامن رابطة البنوة بالنسبة للأخير والحفادة بالنسبة للأول وكان للطالب في ذلك الوقت تجارة أقطان يتولاها بنك باركليز فقد قام بدفع مبلغ 386 جنيهاً و540 مليم بمقتضى إيصالات ثلاثة" - هذا ما قاله المدعي في ورقة افتتاح الدعوى ومدلول هذا القول ظاهر لا يحتاج إلى تعليق فالباعث الذي حفزه إلى الدفع هو شعوره بما تقتضيه وشائح القربى من التعاون والتآزر دفعاً لضرر قد يتعرض له والده وجده بسبب برتستو عدم الدفع الذي أعلن إليهما في 30 من نوفمبر سنة 1929 رغم ما هو ثابت من أوراق البنك التي سيجيء الكلام عنها من أن جزءاً كبيراً من الدين دفع قبل حلول الأجل ولم يبق منه سوى 155 جنيهاً وقد دلل محمد إبراهيم على دعواه بتقديم ورقة ممزقة من برتستو عدم دفع معلن في 30 نوفمبر لا يبين فيها بجلاء اسم معلن البرتستو وظروف إعلانه وماذا تم في الإعلان وبماذا أجاب المعلن إليه على أنه إذا كان صحيحاً ما يقوله المدعي من أنه خشي سوء عاقبة البرتستو فمما لا شك فيه أنه لم يكن له أثر عاجل يستنهضه للسداد. لأن الدفعتين اللتين يدعي أنه سددهما من يده تاريخهما لاحق عليه بستة شهور ومجموعهما 106 جنيهات و540 مليماً - وحيث إن محمد إبراهيم عبد الله عاد فيما بعد وأبدى تعليلاً آخر في مذكرته المؤرخة 25 مايو سنة 1946 فقد جاء فيها أن المدينين ظلا متأخرين في سداد قيمة السند الإذني المحرر عليهما بمبلغ 435 جنيهاً إلى وقت تصفية أقطانه الخاصة في أول مايو سنة 1930 فعمد البنك إلى خصم مبلغ 386 جنيهاً و540 مليماً من قيمة السند واستمر في مطالبة موقعيه بالباقي وقد اعترض محمد إبراهيم على إجراء البنك ولكنه أصر عليه معتمداً على ما يعرفه من صلة القربى التي تربطه بالمدينين فلم يستطع التشدد استبقاء لثقة البنك به واضطر للرضوخ وتسلم من البنك ثلاثة إيصالات بالمبالغ جميعهاً في 2 من مايو سنة 1930 - وحيث إن التعليل الذي أوردته المذكرة يختلف تماماً عن التعليل الذي استهل به محمد إبراهيم دعواه ففي أولهما كان متطوعاً تحدوه النخوة والقربى وفي ثانيهما كان مكرها يسعى للتخلص من الورطة التي أوقعه فيها البنك فلما لم يفلح رضخ صاغراً استجداء لثقة البنك من أن تنقطع معاملته معه وليس أدل على ذلك من تردد صاحب الدعوى في تعليل دعواه وجدته في تبرير موقفه وعلى ضوء هذه المقدمات المتداعية يسهل استقصاء ظروف النزاع وملابساته وتعرف حقيقته وحيث إنه على أثر وفاة عبد الله الشبلي في 5 من يناير سنة 1930 انهالت شكوى الورثة من كل صوب على النيابة والبوليس ضد إبراهيم عبد الله الشبلي وولده محمد إبراهيم باتهامهما بتبديد متروكات المورث من حاصلات ومواشي وأوراق وغيرها والتلاعب في أطيانه التي لم يكن نقل تكليفها لاسمه ونظراً لوجود قصر في التركة تدخل المجلس الحسبي في الأمر وأجرت الإدارة تحقيقاً مطولاً قيد تحت نمرة 970 سنة 1930 المنزلة وقد ضم لأوراق الدعوى وسئل فيه عمدة ومشايخ البلاد التي تقع فيها أطيان المتوفى وهي البسراط وميت شريف وميت القمص كما سئل غيرهم من المستأجرين والأهالي والقبانية وتبودلت المكاتبات من مأمور المركز وبنك باركليز وتوقع الحجز التحفظي على أوراق المتوفى التي وجدت في حيازة ابنه إبراهيم عبد الله - وحيث إنه تبين من مجموع هذه التحقيقات (أولاً) - أن عبد الله الشبلي كان يمتلك حوالي خمسين فداناً ومعروفاً بالثراء (ثانياً) - أنه تقاعد عن مباشرة أعماله بنفسه في السنتين السابقتين على وفاته وكان يباشر هذه الأعمال ابنه إبراهيم وحفيده محمد إبراهيم (ثالثاً) - أن الأطيان كان بعضها يؤجر وبعضها يزرع لحساب المالك وأن إبراهيم عبد الله كانت له أطيان خاصة. (رابعاً)، أن الأقطان الناتجة من جميع الأطيان استولى عليها إبراهيم عبد الله وولده بعد وزنها بمعرفة القبانية وأرسلاها إلى المنصورة وقد بلغت مائة وخمسين كيساً يحمل كل كيس منها الحرفين الأولين من اسم المتوفى وهما ع. ش. (خامساً) أن أوراق المتوفى كانت في حيازة ابنه إبراهيم عبد الله ومن بين الأوراق التي وجدت عنده وحجز عليها قضائياً في أول أكتوبر سنة 1930 السند المحرر بمبلغ 435 جنيهاً موضوع هذه الدعوى - وحيث إن التحقيق استدعى مخابرة بنك باركليز بشأن الأقطان التي توردت إليه والسند الإذني الخاص بمبلغ 435 جنيهاً فأجاب البنك مأمور مركز المنزلة عن ذلك بخطابين أحدهما في 11 من فبراير سنة 1930 نصه الآتي: رداً على جوابكم رقم 4 الجاري نعرفكم بأنه بتاريخ 15 يناير سنة 1929 قد تحررت كمبيالة على المرحوم عبد الله عبد الله الشبلي لأمر البنك استحقاق 30 من نوفمبر سنة 1929 وقد دفع منها بتاريخ 26 نوفمبر منه مبلغ 280 جنيهاً فيتبقى عليه مبلغ 155 جنيهاً التي لم تدفع للآن خذوا علماً بذلك "والخطاب الآخر تاريخه 28 من فبراير سنة 1930 ونصه" رداً على خطابكم رقم 20 الجاري نعرفكم بأن الشيخ إبراهيم عبد الله الشبلي له 63 كيس قطن زهر ساحب عليها مبلغ 340 جنيهاً لغاية اليوم والشيخ إبراهيم الشبلي له 87 كيس قطن زهر ساحب عليها مبلغ 454 جنيهاً لغاية اليوم وجميع الأكياس عليها ع. ش. وحيث إن خطاب بنك باركليز المبلغ لمأمور مركز المنزلة في 11/ 2/ 1930 صريح في أن مبلغ 280 جنيهاً دفع في 26 من نوفمبر سنة 1929 أي قبل الاستحقاق بأربعة أيام وحال حياة المدين وأن هذا الأخير هو الذي دفع هذا المبلغ ولو أن أحداً غيره قام بالدفع نيابة عنه أو باسمه الخاص لما تردد البنك في تبيان ذلك في خطابه نظراً لأهميته ولا ريب في أن حصول دفع الجزء الأكبر من الدين في 26 من نوفمبر سنة 1929 لا يتفق مع ادعاء محمد إبراهيم عبد الله فهو يقرر في صحيفة دعواه أنه عند حلول الأجل لم يقم المدين والضامن بالسداد مما أدى بالبنك لعمل برتستو عدم الدفع وفي مذكرته المؤرخة 25 من مايو سنة 1946 يقول أنه صفى في أول مايو سنة 1930 صفقات القطن الذي كان يشتريه ويودعه في شون بنك باركليز فرع المنصورة فتبقى له مبلغ 386 جنيهاً و540 مليماً ونظراً لأن المرحومين عبد الله الشبلي وضامنه إبراهيم عبد الله الشبلي ظلا متأخرين في سداد قيمة السند. إلى آخر ما تقدم ذكره فدعواه أساسها أنه في أول مايو سنة 1930 كان باقياً له من حسابه في بنك باركليز مبلغ 386 جنيهاً و540 مليماً وكان دين البنك قبل والده وجده لا زال قائماً فدفع هذا المبلغ عنهما طوعاً أو كراهية تبعاً لروايتيه المتناقضين بينما الثابت قطعاً من خطاب البنك ومن الإيصال الذي قدمه محمد إبراهيم خاصاً بمبلغ 280 جنيهاً أن هذا المبلغ دفع من المدين في 26 نوفمبر سنة 1929 كما أن خطاب البنك قاطع في الدلالة على أن الدافع هو المدين فأين هذا من قول محمد إبراهيم بأن المدين وضامنه تأخرا في السداد حتى تصفية أقطانه في أول مايو سنة 1930 وأن البروتستو عمل عن المبلغ كله لعدم دفعه وأن مبلغ 280 جنيهاً يدخل ضمن مبلغ 386 و540 مليماً الباقي من حساب أقطانه في أول مايو سنة 1930 مع أنه كان مدفوعاً باعتراف البنك نفسه في 26 نوفمبر سنة 1929 وحيث إن محمد إبراهيم يتمسك بثلاثة إيصالات تحمل كلها تاريخ 2 مايو سنة 1930 وفي الإيصال الخاص بمبلغ 280 جنيهاً يقول البنك أنه قيد هذا المبلغ على حساب محمد إبراهيم خصماً من السند المحرر على عبد الله عبد الله الشبلي بناء على خطابكم (أي محمد إبراهيم) المؤرخ في 26 نوفمبر سنة 1929 ومثل هذا الإيصال لا يمكن التعويل عليه لأنه يتعارض مع خطاب سابق عليه وهو الخطاب المرسل من البنك لمأمور المنزلة في 11 فبراير سنة 1930 وفيه يقرر البنك أن المبلغ دفع من المدين دون إشارة إلى تدخل محمد إبراهيم مع أن وجود تفويض كتابي صادر منه للبنك كان جديراً بأن يتناوله خطاب البنك المرسل بصدد تحقيق جنائي وذلك لوضع الأمور في نصابها - هذا من جهة ومن جهة الجهة الأخرى فإن محمد إبراهيم لم يبين السبب في عدم وجود الإيصال الأصلي تحت يده أو السبب في عدم تحريره إلا في 2 مايو سنة 1930 فضلاً عن أن دعواه قائمة على أن شيئاً من الدين لم يدفع حتى أول مايو سنة 1930 وأن ما دفع لم يتحدد مقداره إلا في هذا التاريخ بعد تصفية حساب أقطانه وحتى في هذه الحالة لم يدفع شيئاً من تلقاء نفسه بل أن البنك أجرى الخصم دون الرجوع إليه فاضطر للنزول على إرادته كرهاً منه... وحيث إنه وقد استبان بجلاء أن المدين كان في حالة تسمح له بالوفاء وكذلك ضامنه وأن لهما معاملات مع بنك باركليز فمن غير المستشاع أن يدفع محمد إبراهيم عبد الله دينهما وأنه يعجز عن بيان السبب الذي حدا به إلى السداد وعلة تناقضه وتخبطه في دفاعه وتسرب سند الدين إلى أحد المدينين الذين سوف يرجع عليهما أو على ورثتهما بما دفعه عنهما ثم علة سكوته عن المطالبة سبع سنوات متتالية مع أن ورثة عبد الله الشبلي وهم أعمامه وعماته سارعوا إلى تقديم شكواهم بعد وفاة مورثهم بأيام قلائل فبدء بتحقيقها في أول فبراير سنة 1930 وشفعوها باستصدار أمر قضائي بالحجز على الأوراق الموجودة لدى إبراهيم عبد الله وبالدعوى المدنية المقيدة بنمرة 14 كلي المنصورة وقد رفعت على إبراهيم عبد الله وعلى محمد إبراهيم أيضاً بدعوى اغتصابهما حقوقهم في التركة. ويبين من هذا الذي أورده الحكم (أولاً) أن المحكمة لم تخرج عن مدلول الإيصالات المقدمة من الطاعن من حيث إنها تدل على وفاء المبالغ الواردة بها ولم تغفل تحقيق مصدر المال الذي وفي به مستعينة في بيان هذا المصدر بالقرائن والظروف التي أوردتها في حكمها ومنها كتاب مصرف باركليز إلى مأمور مركز المنزلة المؤرخ في 11 من فبراير سنة 1930 الدال على أن دفع مبلغ 280 جنيهاً إنما حصل في 26 من نوفمبر سنة 1929 قبل الاستحقاق، في حالة حياة المدين وأنه كان بالمصرف وقتذاك 150 كيساً من القطن تحمل اسم المدين - وليس في ذلك مخالفة لقواعد الإثبات و(ثانياً) أن ما حصلته المحكمة من التحقيقات التي تمت في الشكوى الإدارية رقم 970 سنة 1930 هو أمر يتعلق بتقديرها الموضوعي ولا معقب عليها فيه وهو بعد تحصيل سائغ (ثالثاً) أن التناقض الذي أشار إليه الحكم بشأن ما رواه الطاعن عن سبب وفائه الدين قد بين الحكم سنده ولم ينع عليه الطاعن الخطأ فيما أسنده له (رابعاً) أن ما استخلصه الحكم من عجز الطاعن عن بيان سبب وجود سند الدين في حيازة إبراهيم الشبلي الضامن وهو أحد المدينين الذين أقام الطاعن عليهما الدعوى بالمطالبة بما وفاه عنهما. ومن سكوت الطاعن عن المطالبة سبع سنوات رغم مبادرة الورثة إلى التبليغ ضده بالتبديد هو استخلاص سائغ ولم يقدم الطاعن ما يثبت أنه بادر برفع دعواه أمام القضاء المختلط كما يزعم ليهدم بذلك القرينة التي استندت إليها المحكمة في هذا الخصوص.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو أن الحكم عاره قصور في التسبيب من وجهين الأول أنه رغم ما أثبته من أن أكياس القطن المودعة بشونة المصرف كانت تحمل الحرفين الأولين من اسم المدين لم يقطع في أن القطن المودع كان مملوكاً كله للمورث وليس ثمة ما ينفي أن لا يكون للمورث أقطان أصلاً ما دام أن المحكمة نفسها ترى أن وجود الحرفين الأولين لاسمه على جميع الأكياس لا يمنع من أن لا تكون كلها ملكاً له خصوصاً وأن خطاب البنك المؤرخ 28 من فبراير سنة 1930 صريح في أنه لم تودع أقطان باسمه وأن الإيداع حاصل باسم الطاعن وولده والثاني أنه لم يناقش غير الإيصال الأول المقدم من الطاعن والذي بدل على وفائه بمبلغ 280 جنيهاً في 26 من نوفمبر سنة 1929 أما الإيصالان الآخران فلم تتعرض المحكمة لأي منهما.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه مردود بما ورد في الحكم المطعون فيه من أن "خطاب البنك المتعلق بالأقطان يتضح منه أن عدد الأكياس التي وردت إليه مائة وخمسون كيساً تحمل كلها حرفي ع. ش. وهما الحرفان الأولان لاسم عبد الله الشبلي وذلك يطابق ما أسفرت عنه تحقيقات البوليس في الشكاوى التي تقدمت ضد محمد إبراهيم عبد الله ووالده ومن ضمن ما أسند إليهما فيها تبديد الأقطان واختلاسها فإذا أضيف إلى ذلك ما ثبت من أن للمدين أطياناً وأقطاناً وأن إبراهيم عبد الله كان يديرها أو يستولى عليها كان من حق ورثة المدين أن يتساءلوا عن مصير هذه الأقطان وعن علة وجود الأكياس التي تحمل اسم المورث في شون بنك باركليز إن لم تكن الأقطان كلها أو جلها أقطانه" وهذا الذي أورده الحكم يدل على أن المحكمة إنما أخذت من واقعة وجود أقطان تحمل اسم المورث بشون المصرف دليلاً مادياً على صحة ما استخلصته من تحقيقات الشكوى رقم 970 سنة 1930 المنزلة من أن المورث كانت له أطيان يزرع بعضها ويؤجر البعض الآخر وأنه تقاعد عن مباشرة أعماله بنفسه في السنتين السابقتين على وفاته وكان يباشر هذه الأعمال ابنه إبراهيم وحفيده محمد إبراهيم "الطاعن" وأن إبراهيم عبد الله كانت له أطيان خاصة وأن الأقطان الناتجة من جميع الأطيان استولى عليها إبراهيم عبد الله وولده وأرسلاها إلى المنصورة وقد بلغت مائة وخمسين كيساً يحمل كل كيس منها الحرفين الأولين من اسم المتوفى وهما ع. ش. ولم تكن المحكمة بصدد البحث في بيان مقدار ما يملكه المورث من هذه الأقطان حتى يستقيم النعي على حكمها في هذا الشأن وهي بعد إذا استخلصت من القرائن التي أوردتها أن وفاء الدين بأكمله كان من مال المدين لا من مال الطاعن لم تكن في حاجة إلى الرد على الإيصالين الآخرين المقدمين منه والمؤرخين في 2 من مايو سنة 1930 وهو ذات تاريخ الإيصال الأول.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون بقضائها برفض الدعوى كاملة في حين أن الضامن وورثته من بعده لم يرفعوا استئنافاً عن الحكم الابتدائي الذي قضى للطاعن بطلباته بل استأنفه فقط السبعة الأولون من المطعون عليهم وهو من ورثة المدين عن حصتهم فيما حكم به وهي مقدرة بمبلغ 295 جنيهاً فكان من مقتضى ذلك أن يقتصر الحكم برفض الدعوى على هذا المبلغ فقط ولمصلحة المستأنفين وحدهم.
ومن حيث إن هذا السبب مردود أولاً بأن ورثة الضامن يستفيدون من الاستئناف المرفوع من ورثة المدين عن الحكم الابتدائي فمتى ثبت في استئنافهم أن الدين المطالب به وفي من مال المدين امتنع الرجوع على ورثة الضامن ومردود ثانياً بأنه لو صح ما يدعيه الطاعن من أن الحكم قضى للمطعون عليهم بأكثر مما طلبوه في استئنافهم فإن هذا إنما يكون سبباً للطعن فيه بطريق الالتماس لا بطريق النقض.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق