الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأحد، 25 مايو 2025

الطعن 159 لسنة 19 ق جلسة 22 / 3 / 1951 مكتب فني 2 ج 2 ق 85 ص 462

جلسة 22 من مارس سنة 1951

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة، وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.

------------------

(85)

القضية رقم 159 سنة 19 القضائية

(1) إثبات. شهادة الشهود. 

لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقديرها أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة. اكتفاؤها في تكوين عقيدتها بشهادة الشهود المدونة بمحاضر التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى بغير حاجة إلى إجراء تحقيق جديد. لا تثريب عليها في ذلك.
(2) وصيته. 

سند دين صادر من المورث لأحد ورثته. دعوى من هذا الوارث على بقية الورثة بمطالبتهم من تركة مورثهم بقيمة السند. الحكم برفضها. وإقامة الحكم على أن السند صدر من المورث في مرض موته دون أن يقبض من الوارث الصادر له السند مبلغه وأن نيته قد اتجهت إلى تمليك هذا الوارث المبلغ بعد وفاته قاصداً الإيصاء له به من تركته، وأن هذه الوصية قد حصلت قبل صدور قانون الوصية الجديد، وأن باقي الورثة لم يجيزوها فهي غير نافذة وسندها باطل. الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون، وبالقصور. على غير أساس.
(قانون الوصية رقم 71 سنة 1946).

-------------------
1 - لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير شهادة الشهود أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة، كذلك لا تثريب عليها إن هي اكتفت في تكوين عقيدتها بشهادة الشهود المدونة بمحاضر التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى بغير حاجة إلى إجراء تحقيق جديد متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
2 - متى كان الحكم إذ قضى برفض الدعوى التي أقامتها الطاعنة على المطعون عليهم تطالبهم بأن يدفعوا إليها من تركة مورثهم جميعاً قيمة سند عرفي صدر لها من المورث، قد أقام قضاءه على أن سند الدين موضوع الدعوى قد صدر من المورث في مرض موته دون أن يقبض من الطاعنة مبلغه، وأن نيته قد اتجهت إلى تمليكها هذا المبلغ بعد وفاته قاصداً الإيصاء لها به من تركته، وأنه لما كانت هذه الوصية قد حصلت قبل صدور قانون الوصية الجديد وكان بقية الورثة لم يجيزوها فهي غير نافدة وسندها باطل. فإن الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور يكون على غير أساس، إذ هذا الذي قرره الحكم قد بني على أسباب سائغة تكفي لحمله، كما أنه صحيح قانوناً وفقاً لأحكام الوصية التي كانت سارية قبل صدور قانون الوصية الجديد رقم 71 سنة 1946.


الوقائع

في يوم 6 من سبتمبر سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 30 من إبريل سنة 1949 في الاستئناف رقم 390 سنة 65 ق وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 7 و12 من سبتمبر أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن. وفي 26 منه أودعت الطاعنة أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتها ولم يقدم المطعون عليهم دفاعاً. وفي 8 من يناير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة بالمصروفات. وفي أول مارس سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن وقائع الدعوى على ما يبين من الحكم المطعون فيه وأوراق الطعن، تتحصل في أن المرحوم أحمد بك كامل حسني توفى في 20 من ديسمبر سنة 1943 عن الطاعنة زوجته والمطعون عليهم أولاده من زوجة أخرى وبالصحيفة المعلنة في أكتوبر ونوفمبر سنة 1945 طلبت الطاعنة الحكم بإلزام المطعون عليهم بأن يدفعوا إليها من تركة المورث مبلغ 500 جنيه وفوائده بواقع خمسة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية مرتكنة إلى سند دين تاريخه العرفي 8 من يناير سنة 1942، ودفع المطعون عليهم بأنهم يجهلون توقيع مورثهم على هذا السند، فقضت محكمة الدرجة الأولى في 28 من ديسمبر سنة 1946 بإحالة الدعوى على التحقيق لتثبت الطاعنة بأي طريق من طرق الإثبات صحة صدور هذا السند ولينفي المطعون عليهم ذلك. وبعد أن سمعت شهادة محمد محمد مصطفى شاهد السند الوحيد الذي أشهدته الطاعنة، وقد شهد بأن المورث وقع أمامه على السند في الشهر الأخير من حياته، سلم المطعون عليهم بصحة توقيعه عليه، ولكنهم طعنوا فيه بصدوره منه في مرض الموت وبلا مقابل. وفي 22 من فبراير سنة 1947 قضت محكمة الدرجة الأولى بإحالة الدعوى على التحقيق مرة أخرى لإثبات ونفي هذا الطعن، وبعد تمام هذا التحقيق قضت في 20 من ديسمبر سنة 1947 بطلبات الطاعنة اعتماداً على أن ما شهد به الشاهد محمد محمد مصطفى لا يمكن الوثوق به، لأنه من جهة لم يستطع أن يعلل سبب إعطاء السند تاريخاً سابقاً، ومن جهة أخرى لا يقبل قوله بأنه لم يطلع على تاريخه عند توقيعه عليه، وعلى أن مرض المورث الذي انتهى بموته لم يشتد إلا قبل وفاته بأربعة أشهر، في حين أن السند حرر قبل ذلك بسنتين، وعلى أن المطعون عليهم لم يثبتوا أنه حرر بغير مقابل وبفرض أنه قصد به الهبة فهو صحيح قانوناً وفقاً للمادة 48 من القانون المدني (القديم) التي تجيز الهبة في صورة عقد آخر - استأنف المطعون عليهم هذا الحكم في 13 من إبريل سنة 1948 فقضت محكمة الاستئناف في 30 من إبريل سنة 1948 بإلغائه ورفض دعوى الطاعنة وإلزامها بمصروفاتها.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب: حاصل أولها - أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور، إذ أخذت فيه المحكمة بشهادة الشاهد محمد محمد مصطفى، وبناء عليها اعتبرت تاريخ السند العرفي وهو 8 من يناير سنة 1942 تاريخاً غير صحيح، كما قررت أنه لم يحرر إلا في الشهر الأخير من حياة المورث، وأنه صدر منه وهو في مرض الموت، مع أن شهادة هذا الشاهد لا يمكن الوثوق بها والاطمئنان إليها، ذلك أنه قرر أنه لم يتحقق وقت توقيعه على السند من التاريخ المدون به بينما قال بمعرفته بمبلغه ومقداره خمسمائة جنيه، في حين أن رقم التاريخ كان ظاهراً جلياً ويعلو إمضاءه مباشرة، وأن المبلغ كان موضوعاً في أعلى السند ومدوناً بالكتابة لا بالأرقام، كما أنه مفروض في الشاهد أن يكون قبل توقيعه على السند قد اطلع عليه وعلم بجميع محتوياته، وعلى الخصوص التاريخ الذي يحمله، هذا فضلاً عن أنه لم يستطع أن يعلل سبب إعطاء السند تاريخاً سابقاً وأنه يبعد جداً أن يكون قد تذكر واقعة تحريره في الشهر الأخير من حياة المورث إذ أنه وقت إدلائه بشهادته كان قد مضى على الوفاة نحو ثلاث سنوات، ولذلك كانت محكمة الدرجة الأولى على صواب إذ هي أطرحت شهادته ولم تعول عليها، وكان يجب على محكمة الاستئناف ما دامت قد اتجهت إلى رأي مخالف أن تقرر إعادة سماع هذا الشاهد لمناقشته في جميع الأوجه المتقدمة. يضاف إلى ذلك أن المطعون عليهم قد اعترفوا أخيراً بتحرير السند صلباً وتوقيعاً بخط المورث وأنهم ما كانوا يفكرون في الطعن بصدوره منه وهو في مرض الموت بدليل أنهم اقتصروا في مبدأ الأمر على الدفع بجهلهم توقيعه عليه، وأن شهادة الشاهد المشار إليه هي التي أوحت إليهم بالطعن بصدور السند في مرض موت المورث. ذلك أنهم كانوا يعلمون أنه لم يكن مريضاً بمرض الموت، بدليل أن شاهدهم الدكتور محمد حسن الزيني شهد بأنه كان يستطيع مباشرة عمله خارج منزله إلى يوم وفاته رغم أنه كان مريضاً بالسكر وارتفاع في ضغط الدم، وهو ما تؤيده الأوراق التي كانت مقدمة في الدعوى رقم 1656 مستعجل القاهرة سنة 1943 إذ يبين منها أن المورث كان يتولى أعماله بنفسه إلى شهر يونيه سنة 1943 بل وإلى الشهر الأخير من حياته، وقد أغفلت المحكمة مناقشة جميع الأمور المتقدمة والرد عليها.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقيم على ما يأتي "وبما أنه فيما يتعلق بالتواريخ التي تكتب بالأوراق العرفية الصادرة من المورث لمصلحة بعض الورثة دون البعض الآخر فإنه من المتفق عليها فقهاً وقضاء أن مثل هذه الأوراق لا تعتبر حجة على هذا الفريق الآخر من الورثة ما داموا يطعنون عليها ولا يقرونها، إذ يجوز لهم أن يثبتوا طعونهم عليها بكل طرق الإثبات سواء منها ما كان خاصاً بتاريخها أو بما اشتملت عليه من التزامات وحقوق لبعض الورثة المحررة لصالحهم. ولما كان السند الذي تطالب به الزوجة المستأنف عليها هو سند عرفي من الأوراق المطبوعة ولم يثبت تاريخه بالطريق القانوني وهو صادر لها من مورث الطرفين قبل وفاته، فإن تاريخه العرفي المذيل به وهو 8 يناير سنة 1942 ليس حجة على المستأنفين أولاد المورث ما داموا يجحدونه. وبما أن الشاهد الوحيد الموقع بإمضائه على هذا السند هو محمد محمد مصطفى الذي استدعته المستأنف عليها نفسها شاهداً لها في تحقيق محكمة أول درجة، وقد شهد صراحة بأنه كان يتردد على المرحوم المورث ليحلق له وتصادف أن ذهب إليه ليحلق له في المسكن الذي كان يقيم فيه مع زوجته المستأنف عليها بعد مغادرته المستشفي وذلك في الشهر الأخير من حياته الذي توفى فيه إلى رحمة الله وعندما دخل المسكن وجد المرحوم المورث منفرداً بزوجته ورآه يملأ بخطه بيانات السند المطبوع بدين عليه لها بمبلغ خمسمائة جنيه، وبعد أن انتهى من تحريره وإمضائه طلب منه أن يوقع عليه كشاهد فكتب إمضاءه في آخره تحت كلمة شاهد، ثم قال إن المورث توفى في أواخر سنة 1943 فسأله القاضي المحقق إن هذا القول لا يتفق مع التاريخ الموضوع على السند وهو 8 يناير سنة 1942 أي قبل تحرير السند حسب قوله بنحو سنتين، أجاب بأنه لم يلاحظ أو يطلع على تاريخ التحرير. وبما أن أقوال هذا الشاهد الوحيد الذي استشهدته نفس المستأنف عليها جاءت قاطعة وباتة في أن السند المطالب به لم يكن له وجود ولم يحرره المورث إلا في الشهر الأخير من حياته الذي مات فيه أي في الفترة الواقعة بين يوم 20 نوفمبر سنة 1943 ويوم 20 ديسمبر سنة 1943 الذي فاضت فيه روحه، ولا محل للتشكك في روايته، لأنه ليس شاهد سماع ولا دخيلاً على السند بل هو الشخص الوحيد الذي وقع عليه شاهداً باعتراف المستأنف عليها ذاتها وكان شاهدها الوحيد في التحقيق. وأما ما قاله الحكم المستأنف من أنه لا يثق بما قرره هذا الشاهد لعدم تعليله سبب إعطائه تاريخاً سابقاً وعدم معقولية أن يوقع الشاهد بدون أن يطلع على هذا التاريخ، فاستناد إلى شيء لا دخل للشاهد فيه ولا شأن له به إذ قال الشاهد وقرر في التحقيق أن عمله اقتصر على التوقيع كشاهد في آخر السند بناء على تكليف المورث له بذلك عندما انتهى من تحريره، فلم يكن من حقه ولا مما يهمه والحالة هذه وهو مجرد حلاق للمورث أن يراجع محتويات السند المدونة به ويتحقق من صحتها، ولذلك جاءت شهادته طبيعية وأقرب إلى التصديق من أنه لم يهتم بالاطلاع على التاريخ الموضوع على السند ولم يلتفت إن كان التاريخ مكتوباً على السند وقتئذ أو غير مكتوب. وبما أن هذه المحكمة - محكمة الاستئناف - تطمئن إلى أقوال هذا الشاهد برمتها وترى الأخذ بها كاملة، إذ لا يوجد ما يثير الشك والريبة فيها - ومن ثم ينبغي اعتبار السند المطالب به محرراً في الفترة الواقعة بين يومي 20 نوفمبر سنة 1943 و20 ديسمبر سنة 1943 كما سبق بيانه ويكون التاريخ العرفي الموضوع عليه وهو 8 يناير سنة 1942 ليس إلا تاريخاً مصطنعاً ولا يتفق مع حقيقة الواقع ولم يقصد منه سوى إرجاع السند إلى ما قبل تحريره بنحو سنتين لحاجة في نفس المورث باتفاقه مع زوجته المستأنف عليها وهي إبعاد الشبهة عن أنه لم يحرره لها وهو في مرض موته الأخير وفي حالة يأس من الحياة عندما شعر بدنو أجله. وبما أنه مما يؤيد هذا المعنى ما تبين للمحكمة من أوراق الاستئناف رقم 385 سنة 65 قضائية الخاص بالدعوى المدنية الكلية رقم 1272 سنة 1944 كلي مصر والمنظورة بين الطرفين ومحجوزة للحكم مع الاستئناف الحالي إذ أن المستأنف عليها طالبت المستأنفين بسند آخر بمبلغ خمسمائة جنيه ومؤرخ في أول أكتوبر سنة 1942 وهو ليس من السندات المطبوعة وإنما كتب كله بخط يد المورث على ورقة بيضاء وفصل فيه بإسهاب سبب مديونيته لها بهذا المبلغ. والمهم في الموضوع أن تاريخ هذا السند الأخير لاحق للتاريخ العرفي المكتوب على السند الحالي بتسعة أشهر. وقد أثبتت المستأنف عليها تاريخه رسمياً في 27/ 11/ 1943 فلو كان السند الحالي موجوداً حقيقة قبل السند الآخر بتسعة أشهر كما تزعم لكان هو الأولى بإثبات تاريخه أو كانت على الأقل أثبتت تاريخه مع السند الآخر، ولكنها لم تفعل شيئاً من ذلك مما يعزز الرأي بأنه في الحقيقة لم يحرر ولم يوجد إلا قبيل وفاة المرحوم في شهره الأخير - كما قال الشاهد محمد محمد مصطفى - وبما أنه وقد تقرر ذلك وثبت من تحقيقات محكمة أول درجة أن المورث أصيب بمرض السكر منذ سنة 1936 ثم أخذت مضاعفاته تنتابه بين حين وآخر مما استلزم بتر بعض أصابعه بسبب الغنغرينا حتى اشتدت وطأة المرض عليه في شهر يونيه سنة 1943 فقام بمعالجته الدكتور محمد حسن الزيني الذي شهد بأن حالته الصحية بعد هذا الشهر ما كانت تسمح له بمباشرة أعماله خارج المنزل أو المستشفى نظراً إلى تقدمه في السن وارتفاع ضغط الدم وحالة الغنغرينة في قدمه الناشئة عن مرض السكر المزمن المتقدم، واستمرت حالته هكذا إلى أن مات في 20/ 12/ 1943 بمعنى أن المرحوم المورث عجز وانقطع عن أعماله خارج المسكن منذ شهر يونيه سنة 1943 أي من قبل وفاته بنحو مدة ستة أشهر أمضاها في المعالجة إما في داره وإما في المستشفيات وهو يأس من الشفاء لاشتداد العلة عليه في مرحلتها الأخيرة - فلما شعر بدنو أجله واقتراب نهايته حرر السند المطالب به لزوجته المستأنف عليها قبل أن يموت بنحو شهر واحد فقط كما سبق بيانه، وبذلك تكون نيته اتجهت إلى تمليكها المبلغ المدون به بعد وفاته قاصداً الإيصاء لها به من تركته وحرمان باقي ورثته منه، نظراً إلى أنه كان مبتعداً عنهم وفي شقاق معهم. وبما أنه لا خلاف في أن مرض السكر ومثله من الأمراض المزمنة لا تعتبر من أمراض الموت منذ بدايتها وإنما تعتبر كذلك - كما قال الحكم المستأنف - في فترات اشتداد المرض السابقة على الوفاة والتي يمتنع فيها على المريض مبارحة سكنه ومزاولة عمله المعتاد ويكون تصرفه أثناءها تصرف من يشعر بدنو أجله. وهذه هي الحالة بالضبط التي كان عليها المورث وقت أن حرر السند المطالب به لزوجته المستأنف عليها كما سبق ذكره، إذ حرره لها بدون أن يقبض منها ما يقابله، لأن حالته الصحية المتأخرة وعجزه عن القيام بأعماله ويأسه من الحياة كل أولئك لا يعقل أو يستساغ معه أن يقبض مبلغ الخمسمائة جنيه المدون به من زوجته ليحفظه طرفه وهو على وشك الموت فضلاً عن أن كل هذه الظروف مجتمعة تنفي أنه قصد أن يهبها هذا المبلغ حال حياته حسب التفصيل السابق بيانه. ومن حيث إنه وقد ثبت للمحكمة أن هذه الوصية حصلت في أواخر سنة 1943 قبل صدور قانون الوصية الجديد سنة 1946 وهي بالإيصاء للزوجة التي كانت من ضمن ورثته بعد وفاته ولم يقرها باقي الورثة أو يعتمدوها فتعتبر إذن وصية غير نافذة وسندها غير ذي قيمة، ومن ثم يكون الحكم المستأنف غير مصيب في قضائه بقيمتها للمستأنف عليها وينبغي إلغاؤه والحكم برفض دعواها".
ومن حيث إنه لما كانت هذه الأسباب التي أقيم عليها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكانت أوجه القصور التي تنعاها الطاعنة عليه لا تخرج عن كونها مجادلة في تقدير شهادة الشهود بغية الوصول إلى نتيجة أخرى، وكان لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير هذه الشهادة أن تأخذ نتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة، وكان لا تثريب عليها كذلك إن هي اكتفت في تكوين عقيدتها بشهادة الشهود المدونة بمحاضر التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى بغير حاجة إلى إجراء تحقيق جديد، متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله كما هو الحال في الدعوى - لما كان ذلك كذلك - يكون هذا السبب مرفوضاً.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن مما أثاره المطعون عليهم في دفاعهم أن سند الدين موضوع الدعوى قد صدر من مورثهم بغير مقابل فيكون هبة لم تتم بالقبض وأن مما قالته الطاعنة من باب الاحتياط رداً على هذا الدفاع أنه بفرض أن السند المذكور كان يخفي هبة فهي هبة مستترة في صورة عقد آخر وصحيحة قانوناً، وهو ما أخذت به محكمة الدرجة الأولى عملاً بالمادة 48 من القانون المدني (القديم) ولكن محكمة الاستئناف لم تلق بالاً إلى هذا الدفاع وكل ما قالته في صدده أن ظروف المورث مجتمعة تنفي أنه قصد الهبة وإنما تدل على أنه أراد الوصية لوارث، وأنه لما كان بقية الورثة لم يجيزوها فتكون غير نافذة لحصولها في أواخر سنة 1943 قبل صدور قانون الوصية الجديد، وبذلك لم تفصح المحكمة عن أي القانونين عملت به ولم تبين المواد التي طبقتها، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه من ناحية قد أخطأ في تطبيق القانون، ومن ناحية أخرى قد شابه القصور.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قررته المحكمة بناء على الأسباب السابق بيانها من أن سند الدين موضوع الدعوى قد صدر من المورث وهو في مرض الموت دون أن يقبض من الطاعنة مبلغه، وأن نيته قد اتجهت إلى تمليكها هذا المبلغ بعد وفاته قاصداً الإيصاء لها به من تركته، وأنه لما كانت هذه الوصية قد حصلت في أواخر سنة 1943 قبل صدور قانون الوصية الجديد في سنة 1946 وكان بقية الورثة لم يجيزوها فهي غير نافذة وسندها باطل. وهذا الذي قررته المحكمة قد بني على أسباب سائغة تكفي لحمله كما أنه صحيح قانوناً وفقاً لأحكام الوصية التي كانت سارية قبل صدور قانون الوصية الجديد رقم 71 لسنة 1946.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن المحكمة استنتجت من عدم قيام الطاعنة بإثبات تاريخ سند الدين موضوع الدعوى مع حرصها على إثبات تاريخ سند آخر لاحق له محرر في أول أكتوبر سنة 1942 دليلاً على أنه لم يحرر في تاريخه العرفي 8 من يناير سنة 1942، وهو استنتاج غير صحيح، ذلك أن الطاعنة كانت تعتقد أن زوجها لا يمكن أن يجحد هذا السند لا سيما وأنه وعدها بدفع مبلغه من أجرة أطيانه في شهر أكتوبر من السنة نفسها، ولكنه بدلاً من أن يقوم بهذا الدفع اقترض منها مبلغاً آخر فرأت لتضخم الدين أن تثبت تاريخ سند الدين الجديد ولم تثبت تاريخ السند السابق لمضي مدة طويلة عليه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه لا يخرج عن كونه جدلاً فيما تملكه محكمة الموضوع من تقدير الأدلة مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ومن حيث إنه لجميع ما تقدم يكون الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق