الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الثلاثاء، 27 مايو 2025

الطعن 6 لسنة 20 ق جلسة 19 / 5 / 1951 مكتب فني 2 ج 3 تنازع اختصاص ق 3 ص 552

جلسة 19 من مايو سنة 1951

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حسن باشا رئيس المحكمة، وحضور حضرات أصحاب السعادة والعزة: أحمد فهمي إبراهيم باشا وأحمد حلمي باشا وكيلي المحكمة وأحمد حسني بك وعبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.

------------------

(3)
القضية رقم 6 سنة 20 ق - تنازع الاختصاص

(أ) اختصاص. 

اختصاص محكمة النقض بالفصل في مسائل تنازع الاختصاص وفقاً للمادة 19 من قانون نظام القضاء يشمل الأحكام الصادرة قبل 15 أكتوبر سنة 1949 في المسائل التي تختص المحاكم الآن بنظرها، سواء أكانت قد صدرت من المحاكم الوطنية أم من المحاكم المختلطة.
(ب) دعوى من أجنبي عن وقف بنفي ما يدعيه ناظر الوقف من حق له في الأعيان التي في حيازة الأجنبي ومنع تعرض الناظر له فيها. لا تعتبر دعوى استحقاق في معنى المادة 38 من لائحة تنظيم المحاكم المختلطة مما يمتنع على هذه المحاكم نظرها. اختصاص المحكمة المختلطة بالفصل فيها وفيما يقدم فيها من دفوع. ليس للمحكمة الشرعية أن تقضي بتسليم أعيان الوقف حتى لو وصفت الدعوى بأنها دعوى استحقاق، لأن المدعى عليها فيها هي الجمعية اليونانية التي في حيازتها لأعيان المدعي وقفها وهي أجنبية، وكذلك إذا وصفت الدعوى بأنها دعوى صحة انعقاد الوقف، لأن المحكمة الشرعية تكون في هذه الحالة قد خرجت عن ولايتها.

-----------------
1 - إن الشارع عندما وضع القانون رقم 147 لسنة 1949 قد أراد أن يقيم هيئة تفصل فيما يقع من تنازع في الاختصاص بين إحدى المحاكم من جهة وبين محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية من جهة أخرى. ومع أن هذا القانون قد وضع لتنظيم محاكم القانون العام ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1949 إلا أنه لا يسوغ القول بأنه قد قصد إلى الاقتصار في خصوص تنازع الاختصاص على أن الأحكام التي تصدر ابتداء من هذا التاريخ، بل إن إطلاق عبارة النص وحكمة التشريع يقطعان في أن اختصاص محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية يشمل أيضاً الأحكام الصادرة قبل ذلك في المسائل التي تختص المحاكم الآن بنظرها سواء أكانت تلك الأحكام قد صدرت من المحاكم الوطنية أم من المحاكم المختلطة ومن ثم تشمل عبارة "إحدى المحاكم" الواردة في المادة 19 من القانون السالف الذكر المحاكم المختلطة.
2 - إذا كانت الدعوى المرفوعة لدى المحكمة المختلطة من المدعية (الجمعية اليونانية) لا تعدو كونها دعوى على الوقف المدعى عليه بنفي ما يدعيه من حق له في الأعيان التي في حيازة الجمعية وكف منازعته ومنع تعرضه لها فيها، فهي بهذا الوصف لا تعتبر دعوى استحقاق مما يخرج عن ولاية المحاكم المختلطة وفقاً لنص المادة 38 من لائحة تنظيمها، بل هي دعوى أقيمت من أجنبي (الجمعية اليونانية) على مصري (جهة الوقف) موضوعها نزاع مدني، وتكون المحكمة المختلطة مختصة بالفصل فيها، كما تكون بالتالي مختصة بنظر ما يقدم فيها من دفوع. ولا تجوز إثارة البحث أمام محكمة النقض فيما إذا كانت أخطأت أو لم تخطئ في تطبيق أحكام التقادم متى كانت مختصة بالفصل في الدعوى وأصبح حكمها فيها انتهائياً.
على أنه من ناحية أخرى سواء أوصفت الدعوى التي أقيمت لدى المحكمة الشرعية وفصلت فيها بأنها دعوى استحقاق أم دعوى صحة انعقاد الوقف فإن المحكمة الشرعية لا تكون مختصة في الحالتين بالقضاء في طلب تسليم الأعيان المدعى وقفها إلى جهة الوقف لأنه إذا كانت الدعوى دعوى استحقاق فلا اختصاص للمحكمة الشرعية وفقاً لنص المادة 38 من لائحة تنظيم المحاكم المختلطة - بنظرها بكافة ما احتوته من الطلبات، لأن المدعى فيها هو الوقف والمدعى عليها فيها هي الجمعية اليونانية التي في حيازتها الأعيان موضوع النزاع، وإذا كانت الدعوى هي صحة انعقاد الوقف فإن ولايتها تقتصر على الفصل في هذا الطلب دون طلب التسليم. فإذا قضت المحكمة الشرعية بتسليم أعيان الوقف فإنها تكون قد خرجت عن ولايتها ويتعين وقف تنفيذ حكمها في هذا الخصوص.


الوقائع

في 28 من سبتمبر سنة 1950 قدم الطالب بصفته إلى هذه المحكمة طلباً يلتمس فيه تحديد جلسة ليسمع المدعى عليه بصفته الحكم بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة العليا الشرعية بتاريخ 28 من يونيه سنة 1950 في الاستئناف رقم 18 سنة 1948 القاضي بتأييد الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الشرعية بتاريخ 24 من يونيه سنة 1948 في القضية رقم 13 سنة 46/ 47، كما قدم حافظة بمستنداته. وفي 10 من أكتوبر سنة 1950 أعلن المدعى عليه بصورة من هذا الطلب. وبجلسة 21 من أكتوبر سنة 1950 المحددة لنظر هذا الطلب قررت المحكمة التأجيل لجلسة 16 من ديسمبر سنة 1950 مع التصريح بتقديم مذكرات، وفي 11 من نوفمبر سنة 1950 قدم المدعى عليه مذكرة طلب فيها رفض الطلب والأمر بوقف تنفيذ الحكم المختلط، كما قدم في 10 من ديسمبر سنة 1950 مذكرة تكميلية أخرى، وفي 13 من ديسمبر سنة 1950 قدمت النيابة مذكرة طلب فيها قبول الطلب شكلاً وفي الموضوع وقف تنفيذ الحكم الصادر من جهة القضاء الشرعي. وبجلسة 31 من مارس سنة 1951 المحددة أخيراً سمعت المرافعة... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن وقائع هذا الطلب تتحصل في أنه في 3 من فبراير سنة 1945 أعلن غبطة البطريرك خريستوفورس الثاني بطريرك الروم الأرثوذكس كلاً من الجمعية اليونانية وبلدية الإسكندرية بصورة إعلامين شرعيين صادرين من محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية أحدهما في 26 من مارس سنة 1942 بإقامته ناظراً على وقف بطريرك الروم الأرثوذكس الأسبق سفرينوس وهو يجرى بوقف قطعة أرض تبلغ مساحتها 2485 ذراعاً كائنة بمدينة الإسكندرية ومبينة الحدود والمعالم بحجة الوقف المؤرخة في أول جمادى الأولى سنة 1292 الموافق 5 من يونيه سنة 1875، والآخر في 4 من يونيه سنة 1942 وبه أقامت محكمة الإسكندرية الشرعية الابتدائية البطريرك خريستوفورس ناظراً على وقف السيدة هيلانه قسطندى مانولي وهو يجرى بوقف قطعة أرض تبلغ مساحتها 16287 ذراعاً مبينة الحدود والمعالم بحجة وقفها المؤرخة في 5 من يونيه سنة 1875 وتضمن الإعلان التنبيه على الجمعية اليونانية بأن تسلم إلى البطريرك الأعيان التابعة للوقفين المذكورين وإلا فتلزم بأن تدفع إلى الوقف غرامة يومية مقدارها عشرة جنيهات حتى يوم التسليم كما تضمن التنبيه على بلدية الإسكندرية بأن تستبدل باسم الاسبتالية اليونانية وهو الاسم المقيد به ذلك المستشفى بدفتر عوائد البلدية اسم وقف سفرينوس وهيلانه وتوافيه بشهادة بهذا الاستبدال وإلا ألزمت بغرامة يومية مقدارها جنيه إلى أن يتم تسليم الشهادة فبادرت الجمعية اليونانية بإقامة الدعوى رقم 853 سنة 70 على بطريرك الروم الأرثوذكس وكبير كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية وبلدية الإسكندرية لدى محكمة الإسكندرية المختلطة وطلبت فيها "الحكم باعتبار غبطة البطريرك غير حائز لأي حق من أي نوع على العقار والأرض والمنشئات موضوع النزاع والحكم بقيد العقار موضوع النزاع في سجلات الأموال الأميرية لبلدية الإسكندرية كملك خاص للجمعية اليونانية بالإسكندرية، وباعتبار الإعلامين الشرعيين المستصدرين من محكمة الإسكندرية الشرعية الأول في 26 من مارس سنة 1942 والثاني في 4 من يونيه سنة 1942 في القضية رقم 65 سنة 1941 - 1942 عديمي الأثر ولا يحتج بهما على الجمعية اليونانية الطالبة وباعتبار الإنذار المعلن بمعرفة غبطة البطريرك في 3 من فبراير سنة 1945 عديم الأثر في مواجهة كل من الجمعية اليونانية وبلدية الإسكندرية والحكم بإلزام غبطة البطريرك بأن يدفع للمدعية مبلغ 110 جنيهات بصفة تعويض والفوائد القانونية حتى تمام الوفاء". وأسست دعواها على أن 16287 ذراعاً من الأرض السابق بيانها كانت مملوكة إلى تيودورتوسيتا بطريق الشراء من سعيد البراوي وآخرين بعقد محرر في شعبان سنة 1233 الموافق يوليه سنه 1818 وفي سنة 1833 أقام أفراد الجالية اليونانية برياسة الأخوين توسيتا على هذه الأرض مستشفى اليونانيين ووضعوه تحت رعاية القنصلية اليونانية. ولما كان تيودورتوسيتا قد اشترى هذه الأرض لحساب أخيه ميشيل فإن هذا الأخير وقد كان في سنة 1852 رئيساً للجالية اليونانية بالإسكندرية وقائماً بوظيفة القنصل العام لليونانيين حرر في سنة 1853 عقداً وهب بموجبه هذه الأرض للجالية كما وهبها المبالغ التي تبرع بها لإقامة المستشفى - وأما باقي الأرض ومساحتها 2485 ذراعاً فقد كان الخديوي إسماعيل منحها إلى البطريرك سوفرينوس بطريرك الروم الأرثوذكس بموجب حجة صادرة في 8 من مارس سنة 1873 وكان قد التمس الإنعام بها عليه لمصلحة الطائفة اليونانية وذلك لتفادي إقامة مبان أخرى بجوار المستشفى وبموجب خطاب مؤرخ في يوليه سنة 1873 وهب البطريرك المذكور هذه الأرض إلى الطائفة فرأت أن تقيم عليها مستشفى كبيراً بدلاً من المستشفى القديم وجمعت لهذا الغرض تبرعات في سنة 1874. ولما كانت هذه الأراضي واقعة في منطقة تحصينات ومفروضاً عليها قيود تمنع إحداث أي تغيير في حالتها بدون ترخيص فإن الجمعية طلبت من التنظيم الحصول على الرخصة اللازمة لهذا الإجراء فامتنع عن إعطائها الرخصة المطلوبة بحجة أن مستندات ملكيتها لا تكفي لهذا الغرض. وتلقاء ذلك ونظراً للتشريع الذي كان معمولاً به في ذلك الحين التجأ القائمون بأمر الجمعية إلى المحكمة الشرعية حيث حررت حجة شرعية في سنة 1875 عن قطعتي الأرض سالفتي الذكر اشترك فيها من ناحية بطريرك الروم الأرثوذكس سوفرينوس واسكندر مانوس قنصل عام اليونانيين بصفتهما وكيلين عن السيدة هيلين أرملة ميشيل المالك الأصلي ومن ناحية أخرى تيودور رالي بصفته رئيساً للطائفة اليونانية وبموجبها وباستعمال مصطلحات ذلك العصر جعلت الأرض وقفاً على المستشفى لكي تؤول إيراداتها إلى الأبد لمصلحة فقراء الطائفة وأقيم تيودور رالي ناظراً على الوقف ونص على أنه يمكن إبداله فيما بعد بالشخص الذي تختاره الطائفة رئيساً لها - وتمسكت الجمعية اليونانية بأنه مع التسليم جدلاً بصحة الوقف فقد سقطت الدعوى به لمضي أكثر من 33 سنة على سنة 1875 دون أية مطالبة من جانب الوقف - فدفع البطريرك بعدم اختصاص القضاء المختلط بنظر الدعوى استناداً إلى المادة 38 من لائحة التنظيم القضائي الصادر بها القانون رقم 49 سنة 1937 باعتبار أن دعوى الجمعية هي دعوى استحقاق مقامة من أجنبي على وقف كما دفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أنها دعوى منع تعرض تختص بنظرها محكمة الأمور الجزئية، ورد على الدفع بالسقوط بأن الجمعية اعترفت بالوقف في الإنذار الذي أعلنته وفي صحيفة دعواها - وفي 29 من مايو سنة 1946 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة برفض الدفعين سالفي الذكر وباختصاصها بنظر الدعوى "واعتبارها على أساس صحيح وبأن البطريرك ليس له أي حق من أي طبيعة كانت على العقار والأرض والمباني الموضحة والموصوفة بصحيفة افتتاح الدعوى وأن يبقى العقار كما كان مقيداً بسجلات الأموال المقررة ببلدية الإسكندرية وبأن الإعلامين الشرعيين اللذين استصدرهما البطريرك من محكمة الإسكندرية الشرعية بلا أثر ولا يحتج بهما على الطائفة وبأن صحيفة الإنذار التي أعلنها البطريرك في 3 من فبراير سنة 1945 عديمة الأثر تجاه الطائفة وتجاه بلدية الإسكندرية وبرفض طلب التعويض". ثم أيدت محكمة الاستئناف المختلطة هذا الحكم في 27 من مايو سنة 1947. وقد أسست المحكمة المختلطة قضاءها على الأسباب الآتية: (أولاً) أن المادة 38 من لائحة التنظيم لم تأت بحكم مغاير للمادة 12 من لائحة التنظيم القديمة والمادة الثامنة من القانون المدني المختلط و(ثانياً) أن قضاء المحاكم المختلطة استقر على اختصاصها بنظر قضايا الوقف عدا ما كان متعلقاً بأصل الوقف وشروط النظر وأنه عند إثارة دفع من هذا القبيل أثناء نظر دعوى مقامة أمامها يكون لها إحالة الخصوم على المحاكم الشرعية ولها ألا تأخذ بحكم المحكمة الشرعية إذا جاوزت حدود اختصاصها و(ثالثاً) أن الطائفة اليونانية هي في الواقع مدعى عليها فدعواها في حقيقتها ليست طلب استحقاق عقار تابع لجهة وقف وفي وضع يده كما يدعي البطريرك إذ هي صاحبة اليد و(رابعاً) أنه لا يكفي أن يدعي البطريرك أن الأرض وقف لتكون كذلك وتكون المحاكم المختلطة غير مختصة بنظر الدعوى لأن العبرة في تعرف حقيقة العقد ليست بالشكل الذي أفرغ فيه ولا بالوصف الذي وصفه به عاقداه و(خامساً) أن المحكمة ليست بصدد الفصل في مسألة تتعلق بأصل الوقف ولكنها بصدد تعرف نوع العقد الذي أبرم سنة 1875 مسترشدة في ذلك بنية العاقدين وكيفية تنفيذهما للعقد وأنه لا نزاع في أن قطعة الأرض الكبرى وهبها الأخوان توسيتا للطائفة وكانت مملوكة لأحدهما وأنه أقيمت عليها المباني القديمة للمستشفى وأن القطعة الصغرى منحها الخديوي إسماعيل إلى البطريرك الذي نقل بدوره ملكيتها إلى الطائفة. وأن الأشخاص الذين حملوا على التدخل أمام المحاكم الشرعية عند تحرير حجة سنة 1875 ليست لهم أية صفة تخولهم التصرف في الأعيان وأنه لم يكن عند الطائفة نية تحويل ملكيتها إلى مال موقوف ولم توكل في ذلك لا البطريرك سوفرينوس ولا القنصل العام ولا رئيس مجلس إدارتها إذ ذاك وأن هذه الحجة لم تحرر إلا بقصد استيفاء الإجراءات التي طلبتها مصلحة التنظيم وقت ذلك الحصول على الرخصة و(سادساً) أن دعوى المدعية ليست من دعاوى وضع اليد ذلك أن موضوعها هو نفي ما يدعيه البطريرك من حق للوقف في الأرض موضوع النزاع و(سابعاً) أن القضاء استقر على أن سكوت الوقف 33 سنة عن المطالبة بأرض تابعة له في حيازة الغير حيازة ظاهرة ومستمرة بنية التملك يترتب عليه ضياع حق الوقف فيها وتملك الحائز لها وعدم قبول دعوى الناظر وأن الجمعية اليونانية هي الواضعة اليد منذ أكثر من ثلاث وثلاثين سنة بنية التملك على الأعيان محل النزاع ولم ينازعها أحد في ذلك لا البطريرك الحالي ولا من سبقوه، وليس صحيحاً أن الجمعية أقرت بالوقف في إنذارها وصحيفة دعواها لأنها نازعت فيهما في تبعية الأرض للوقف.
وأثناء نظر الدعوى المختلطة سالفة الذكر أقام خريستوفورس الثاني بطريرك الروم الأرثوذكس بصفته ناظراً على وقف سوفرينوس بطريرك الروم الأرثوذكس الأسبق والسيدة هيلانة قسطندي مانولي علي نيقولا فاتمبلا بصفته رئيساً للجمعية اليونانية بالإسكندرية الدعوى رقم 13 سنة 1946/ 1947 أمام محكمة الإسكندرية الشرعية وطلب الحكم له بصحة انعقاد الوقفين وأمر المدعى عليه بصفته برد أعيانهما إلى جهة وقفهما وبتسليمها له ليديرها، فدفعت الجمعية بعدم اختصاص المحاكم الشرعية بنظر الدعوى استناداً إلى أن النزاع بين الطرفين فيها يدور على ملكية الأعيان قبل وقفها وموضوعها هو استحقاق عقار تحت يد أجنبي، كما دفعت بعدم جواز سماع الدعوى لأن النزاع سبق أن طرح أمام المحكمة المختلطة وفصلت فيه، ودفعت في موضوع الدعوى بعدم صحة الوقف لصدوره ممن لم يكن يملكه. والمحكمة الشرعية حكمت برفض ما دفعت به المدعى عليها وبصحة الوقفين المشار إليها وألزمت الجمعية بتسليم أعيانهما إلى البطريرك. والمحكمة العليا الشرعية حكمت في الاستئناف رقم 18 سنة 1948 بتاريخ 28 من يونيه سنة 1950 بتأييد الحكم المستأنف وأسست قضاءها على ما يأتي: (أولاً) أن تكييف الدعوى بأنها دعوى استحقاق عقار مرفوعة من جهة الوقف على الجمعية اليونانية واضعة اليد هو تكييف غير صحيح لأن النزاع لا يدور في الدعوى حول ما إذا كان العقار تنطبق عليه حجة الوقف أو لا تنطبق ولكنه يدور على أصل الوقف وصدوره صحيحاً أو غير صحيح وبذلك يخرج من اختصاص المحاكم الوطنية والمحاكم المختلطة وفقاً للمادة 38 من لائحة التنظيم و(ثانياً) أن الحكم الذي أصدرته المحكمة المختلطة صدر من جهة غير ذات ولاية فهو باطل و(ثالثاً) أن الدفع بالتقادم على غير أساس لأن من شروط قبوله التمكن من رفع الدعوى وقد ثبت أن الوقفين ظلا شاغرين من ناظر يدير شئونهما من تاريخ وفاة نيودور رالي في سنة 1885 إلى أن أقيم البطريرك ناظراً في سنة 1942 وذلك عملاً بالمادة 375 من اللائحة و(رابعاً) أنها ترى من بحث الموضوع أن الوقف صحيح. وإزاء هذين الحكمين النهائيين المتناقضين طلبت الجمعية اليونانية إلى محكمة النقض مشكلة بهيئة جمعية عمومية وقف تنفيذ الحكم الشرعي عملاً بالمادة 19/ 2 من القانون رقم 147 لسنة 1949 وطلب البطريرك الحكم برفض طلب الجمعية وعدم جواز تنفيذ حكم محكمة الإسكندرية المختلطة الصادر في 29 من مايو سنة 1946 والمؤيد في 27 من مايو سنة 1947 من محكمة الاستئناف المختلطة ثم دفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الطلب مؤسساً هذا الدفع على أن الشارع حين أصدر القانون رقم 147 سنة 1949 كان يهدف إلى إقامة هيئة تفصل فيما يقع من تنازع على الاختصاص بين المحاكم صاحبة الولاية العامة وبين محكمة القضاء الإداري ولكن مجلس النواب رأى أن يدخل على القانون ما يجعله شاملاً للتنازع الذي يقوم بين المحاكم ذات الولاية العامة وبين محاكم الأحوال الشخصية فأضاف إلى النص المقدم إليه عبارة "أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية" وصدر القانون بهذا التعديل والمقصود بعبارة "إحدى المحاكم" الواردة في صدر النص هي المحاكم التي صدر القانون سالف الذكر لتنظيمها وهي وحدها صاحبة الولاية العامة على شئون جميع المقيمين في البلاد المصرية وهذه المحاكم كانت تسمى قبل 15 من أكتوبر سنة 1949 المحاكم الوطنية إلا أن الشارع رأى عند إصدار قانون تنظيمها أن لا حاجة إلى وصفها بذلك بعد أن زال مقتضى هذا الوصف بإلغاء المحاكم المختلطة وانتهى في دفعه إلى أن المحاكم المختلطة لا تدخل فيما يشمله عموم هذا النص لأنها كانت قد انقضت وزالت ولأن وجودها كان على سبيل الاستثناء من الأصل وأن ما زيد في اختصاص المحاكم الوطنية إنما هو رد لما كان مسلوباً منها فلا يمكن القول بأن المحاكم المختلطة كانت تعادل المحاكم الوطنية على أن هذا لا يعني أن لأحكام المحاكم المختلطة قدسية لا يجوز المساس بها ذلك لأن لمحاكم القانون العام بمختلف درجاتها أن تنظر في خروج أحكامها عن حدود ولايتها باعتبارها صادرة من محاكم استثنائية وهو ما حصل في هذه الدعوى إذ استشكلت الجمعية اليونانية في تنفيذ الحكم الشرعي أمام قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة الإسكندرية فقضى بوقف التنفيذ كما أقامت دعوى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية تطلب الحكم بوقف تنفيذ الحكم الشرعي لصدوره باطلاً وطلبت النيابة العامة رفض هذا الدفع.
ومن حيث إن الشارع عندما وضع القانون رقم 147 سنة 1949 أراد أن يقيم هيئة تفصل فيما يقع من تنازع في الاختصاص بين إحدى المحاكم من جهة وبين محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية من جهة أخرى ومع أن هذا القانون قد وضع لتنظيم محاكم القانون العام ابتداء من 15 من أكتوبر سنة 1949 إلا أنه لا يسوغ القول بأنه قد قصد إلى الاقتصار في مقام تنازع الاختصاص على الأحكام التي تصدرها من هذا التاريخ بل أن إطلاق عبارة النص وحكمة التشريع تقطعان في أن اختصاص هذه الهيئة يشمل أيضاً الأحكام الصادرة قبل ذلك في المسائل التي تنظرها المحاكم الآن سواء أكانت تلك الأحكام قد صدرت من المحاكم الوطنية أم المحاكم المختلطة.
ومن حيث إنه لذلك يكون هذا الدفع على غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الموضوع فقد أسست الجمعية طلبها على أن دعواها لدى المحكمة المختلطة لم تكن دعوى استحقاق عقار موقوف في حيازة جهة الوقف لأنها لم تطلب رد العقار وتسليمه إليها إذ كانت تضع اليد عليه من قديم الزمان بل كانت دعواها مقصورة على طلب الحكم بأن لا حق للبطريرك فيما يدعيه من حقوق على العقار المتنازع عليه وهي بهذا الاعتبار لا ينطبق عليها وصف دعوى الاستحقاق التي أخرجت من اختصاص المحاكم المختلطة بنص الفقرة الأولى من المادة 38 من لائحة التنظيم وأنه يجب التفريق في الاختصاص بين دعوى الاستحقاق التي يقيمها الأجنبي على الوقف ودعوى الاستحقاق التي يقيمها الوقف على الأجنبي فهي تكون من اختصاص المحاكم المختلطة إذا كان المدعى عليه صاحب اليد أجنبياً، ومن اختصاص المحاكم الشرعية إذا كانت اليد على العقار للوقف المدعى عليه أما إذا كان النزاع يتعلق بوضع اليد فإنه يكون من اختصاص المحاكم المختلطة ما وجد أجنبي طرفاً فيه ولم تأت المادة 38 من لائحة التنظيم بحكم يغاير الحكم الذي جاء في المادة 12 من اللائحة القديمة والمادة 8 من القانون المدني المختلط في هذا الشأن وأن عدم نص الشارع في المادة 38 سالفة الذكر على أن يكون العقار المستحق في حيازة الوقف حتى تخرج الدعوى من اختصاص المحاكم المختلطة لا يعني أنه قصد تعديل النص القديم في هذا الخصوص وإنما يرجع ذلك إلى أنه اعتبر ورود هذا النص من قبيل التزيد الذي لا لزوم له ما دامت دعوى الاستحقاق تتضمن بذاتها وبحسب تعريفها في فقه القانون أن تكون العين موضوعها في حيازة المدعى عليه وليس فيما دفعت به الجمعية من سقوط حق الوقف بسبب تركه له وعدم مباشرته إياه مدة تزيد على 33 سنة مساس بأصل الوقف مما تناولته الفقرة الثانية من المادة 38 التي تنص "وكذلك لا تختص المحاكم المختلطة بالمنازعات المتعلقة مباشرة أو بالواسطة بأصل الوقف أو بصحته أو بتفسيره أو بتطبيق شروطه وتعيين النظار وعزلهم" فالفصل في هذا الدفع يدخل في اختصاصها ومن ثم تكون في بحثها له وقضائها بقبوله - وهو ما يكفي لحمل حكمها - لم تخرج عن حدود ولايتها ولا يقدح في ذلك ما دفع به البطريرك من أن المحكمة المختلطة أخطأت في تطبيق المادة 375 من اللائحة الشرعية لأن خطأها في ذلك بفرض حصوله لا يؤثر في قوة الشيء المقضي ما دام الاختصاص ثابتاً لها وأن تفريق المحكمة العليا الشرعية في صدد تحديد اختصاصها بين دعوى استحقاق العقار الموقوف الوارد بحجة الوقف وبين حالة ما إذا كان النزاع يدور على انطباق حجة الوقف على العقار المتنازع عليه هي تفرقة لا سند لها في القانون وأنه ليس فيما ورد بالفقرة الأولى من المادة 38 ما يناقض ما ورد بالفقرة الثانية منها إذ جعل الشارع من دعوى الاستحقاق في العقار الموقوف نوعاً من النزاع قائماً بذاته متميزاً عن غيره من وجوه النزاع الأخرى الواردة في الفقرة الثانية وأخضعه لاختصاص المحاكم المختلطة عند توافر الشروط التي قررها والأخذ بحكم الفقرة الأولى لا يبطل عمل الفقرة الثانية ولا يعطله وأنه قد فات المحكمة الشرعية أن النزاع الذي فصلت فيه لم يقتصر على الوجوه التي ذكرتها واعتبرتها متعلقة بصحة الوقف بل تناول طلبات أخرى منها دفع الجمعية بالتقادم ومنها أن البطريرك طلب فضلاً عن صحة انعقاد الوقف رد الأعيان الموقوفة إلى جهة وقفها وهو طلب يخرج عن اختصاص المحاكم الشرعية عملاً بعموم نص المادة 26 من لائحة التنظيم فتكون بحكمها في ذلك قد جاوزت حدود ولايتها.
ومن حيث إن البطريرك رد على ذلك بأن المادة 38 من لائحة التنظيم إذ نصت على أنه لا تختص المحاكم المختلطة بنظر الدعاوى التي يرفعها الأجانب بطلب استحقاق عقار موقوف أتت بحكم مخالف لحكم المادة 12 من اللائحة القديمة إذ أصبح محظوراً على المحاكم المختلطة بموجبها أن تنظر دعوى الاستحقاق التي يرفعها أجنبي على جهة الوقف خيرياً كان أم أهلياً حتى لو كانت العين المتنازع عليها ليست في يد جهة الوقف لعدم اشتراط النص ذلك، ودعوى الاستحقاق بحسب القانون المصري لا تقتضي أن تكون العين المطلوبة في يد المدعى عليه وأن دعوى الجمعية أمام المحكمة المختلطة إنما كانت دعوى استحقاق خارجة عن ولايتها فضلاً عن أنها تصدت في حكمها لبحث كتاب الوقف ومست أصله مخالفة بذلك نص الفقرة الثانية من المادة 38 سالفة الذكر أما قضاؤها بسقوط حق الوقف بمضي المدة فهو قضاء لا تملكه لأنها غير مختصة بنظر النزاع الأصلي فضلاً عن خطئها في تطبيق المادة 375 من اللائحة الشرعية - وأن المحكمة الشرعية لم تخطئ في تطبيق المادة 38 لأن كل فقرة منها نصت على حالة خاصة فالفقرة الأولى تتحدث عن دعاوى الاستحقاق التي يرفعها أجنبي على الوقف ودعوى الاستحقاق أساسها الادعاء بالتملك وليس بلازم أن يؤدي ذلك إلى الطعن في أصل الوقف وصحته بل إن الادعاء يقوم غالباً على أن العين المدعى بها ليست محل الوقف مما يقتضي تطبيق الحجة ومستندات التمليك على الطبيعة فإذا تناول الادعاء نزاعاً في أصل الوقف انطبقت الفقرة الثانية وأصبحت المحاكم الشرعية هي المختصة وما دام أن المحكمة الشرعية هي المحكمة صاحبة الولاية في بحث النزاع على قيام الوقف فإنها كانت على حق إذ أهدرت الحكم المختلط لصدوره من جهة لا ولاية لها، أما الطلب الخاص برد الأعيان في جهة وقفها فهو طلب ملحق بالطلب الأصلي وهو نتيجة للحكم فيه وليس نظره ممتنعاً على المحكمة الشرعية لأن لها اختصاصاً في الأمر بتنفيذ حكامها.
وطلبت النيابة العامة وقف تنفيذ الحكم الشرعي لخروج المحكمة الشرعية عن ولايتها في قضائها بتسليم أعيان الوقف ورفض طلب وقف تنفيذ الحكم المختلط.
ومن حيث إن دعوى الجمعية لدى المحكمة المختلطة حسب الوقائع السابق بيانها والطلبات المقدمة فيها لا تعدو كونها دعوى منها على الوقف المدعى عليه بنفي ما يدعيه من حق له في الأعيان التي في حيازة الجمعية وكف منازعته ومنع تعرضه لها فيها فهي بهذا الوصف لا تعتبر دعوى استحقاق مقامة من أجنبي على جهة الوقف مما يخرج عن ولاية المحاكم المختلطة للفصل فيه وفقاً لنص المادة 38 من لائحة تنظيمها بل هي دعوى أقيمت من أجنبي - الجمعية اليونانية - على مصري - جهة الوقف - موضوعها نزاع مدني، وعلى هذا الاعتبار يكون للقضاء المختلط ولاية الفصل فيها. ومتى كانت المحكمة المختلطة مختصة بنظرها فإنها تكون مختصة كذلك بنظر ما يقدم فيها من دفوع ولا يجوز إثارة البحث لدى هذه الهيئة فيما إذا كانت أخطأت أو لم تخطئ في تطبيق أحكام التقادم متى كانت مختصة بالفصل في الدعوى فأصبح حكمها فيها انتهائياً.
ومن حيث إنه من ناحية أخرى فإن المحكمة الشرعية لم تكن مختصة بالقضاء في طلب تسليم الأعيان للمدعي بوقفها إلى جهة الوقف سواء أوصفت الدعوى المرفوعة إليها بأنها دعوى استحقاق أم دعوى صحة انعقاد الوقفين ذلك لأنه إذا كانت الدعوى هي دعوى استحقاق فإن المحكمة الشرعية لا تكون مختصة وفقاً لنص المادة 38 من لائحة التنظيم بنظرها بكافة ما احتوته من الطلبات لأنها أقيمت من الوقف - وهو مصري - على الجمعية وهي أجنبية، وإذا كانت الدعوى هي صحة انعقاد الوقفين فإن ولايتها تقتصر على الفصل في هذا الطلب دون طلب التسليم الذي لا تختص به إلا إذا كان تابعاً لدعوى استحقاق من اختصاصها ومن ثم تكون المحكمة الشرعية على كلا الاعتبارين قد خرجت عن ولايتها فيما قضت به من تسليم أعيان الوقف ويتعين وقف تنفيذ حكمها في هذا الخصوص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق