جلسة 7 من ديسمبر سنة 1950
برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
-------------------
(24)
القضية رقم 189 سنة 18 القضائية
حكم. تسبيبه.
قضاؤه باعتبار عقود بيع صادرة من مورث لأحد ورثته تخفي وصية وأنها ليست هبات مستترة في صورة عقود بيع. استناده إلى أدلة سائغة. تكييف صحيح. المناقشة في تقدير الأدلة. جدل موضوعي.
الوقائع
في يوم 4 من أكتوبر سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 17 من فبراير سنة 1948 في الاستئناف رقم 293 سنة 64 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وفي 4 من أكتوبر سنة 1948 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن. وفي 20 منه أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم. وفي أول نوفمبر سنة 1948 أودع المطعون عليهم مذكرة بدفاعهم مشفوعة بمستنداتهم طلبوا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 15 من إبريل سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة.
وفي جلستي 19 من أكتوبر سنة 1950 و23 من نوفمبر سنة 1950 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
من حيث إنه بني على ثلاثة أسباب: يتحصل السبب الأول منها في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بأن العقود الثلاثة التي صدرت من السيدة مريم إبراهيم إلى مورث الطاعنين إنما هي عقود وصية لا بيع - إذ قضى بذلك يكون قد أخطأ في تكييف هذه العقود؛ ذلك أن مجال التفسير والتأويل هو حيث تكون عبارات العقود غامضة، أما والعقود المذكورة واضحة الدلالة على أنها عقود بيع بات منجز فإن إخراج مدلولها عن معناه الصريح إلى معنى عقود أخرى يكون تكييفاً خاطئاً يخضع لرقابة محكمة النقض. ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم عاره قصور في التسبيب إذ أخذت المحكمة بظاهر القرائن المستمدة من تراخي مورث الطاعنين في التسجيل ومن الإيصال المؤرخ 15 من مارس سنة 1942 الصادر من مريم إبراهيم إلى المستأجر منها بقبض إيجار الصيفي، ومما ورد بعريضة الدعوى التي رفعتها على روفائيل إبراهيم أخيها بأقساط متأخرة لها قدرها ثمانية وخمسون قسطاً شهرياً تنتهي في أكتوبر سنة 1942 عن ريع حصتها في المنزل الواقع بروض الفرج الذي باعته إلى أمين أفندي فهمي جرجس مورث الطاعنين، أخذت بظاهر هذه القرائن دون أن تلقي بالاً لردود الطاعنين القاطعة عليها، وهي تتحصل في أن التراخي في التسجيل كما يكون الباعث عليه نية الإيصاء فقد يكون الباعث عليه وثوق المشتري من البائعة أو مجرد الإهمال وعدم تقدير ظروف المستقبل خصوصاً وأن البائعة أقرت بعقود البيع الرسمية بقبض الثمن بوضع يد المشتري، أما الإيصال المؤرخ في 15 من مارس سنة 1942 فقد ذكر به أنه عن إيجار الصيفي وهو عن عام 1941 وقد أخطأت محكمة الاستئناف في فهم مدلوله إذ قررت أن إيجار الصيفي يحل في أكتوبر سنة 1941 وأخذت من ذلك أنه إقرار من المشتري الذي وقع على الإيصال بصفته شاهداً ببقاء الملك للبائعة بعد البيع والصحيح أن إيجار الصيفي يستحق في إبريل ومايو حسب العرف الزراعي. ومن ذلك يبين أن الإيصال تناول مدة سابقة على عقد البيع الصادر في 29 من مايو سنة 1941 - وأما عريضة الدعوى عن ريع حصة البائعة في المنزل فقد تناولت مدة نهايتها أكتوبر سنة 1942 أي قبل صدور عقد بيع المنزل في 2 من نوفمبر سنة 1942 - والمحكمة إذ أغفلت هذه الردود تكون قد استخلصت من القرائن ما لا تؤدي إليه، وذلك منها قصور يبطل الحكم. ويتحصل السبب الثالث في أنه مع التسليم جدلاً بأن البيع لم يدفع فيه ثمن فإن العقود موضوع الدعوى تكون هبات مستترة يجيزها القانون، غير أن الحكم لمطعون فيه لم يأخذ بذلك بمقولة إن التصرفات غير ناجزة مستنداً إلى القرائن الخاطئة السابق الإشارة إليها دون أن يعني بأهم العناصر التي تفيد نجاز هذه الهبات ومنها وضع يد الطاعنين الدال عليه دفعهم الأموال الأميرية عن الأطيان والمنازل.
ومن حيث إن هذه الأسباب مردودة بأن الحكم المطعون فيه أقيم على أن الطاعنين يستندون إلى ثلاثة عقود رسمية صادرة من السيدة مريم إبراهيم إلى زوجها أمين أفندي فهمي جرجس مورثهم الأول مؤرخ في 29 من مايو سنة 1941 عن 1 س و4 ط و10 ف وورد به أن الثمن دفع خارج مجلس العقد ولم يسجل إلا في 4 من يناير سنة 1943 والثاني مؤرخ في 2 من نوفمبر سنة 1942 عن حصة في منزل قدرها 19 س و5 ط وورد به أن الثمن دفع خارج مجلس العقد ولم يسجل إلا في 4 من يناير سنة 1943 والثالث مؤرخ في 25 من يناير سنة 1943 عن 17 س و12 ط و1 ف وورد به أيضاً أن الثمن دفع خارج مجلس العقد ولم يسجل إلا في 16 من فبراير سنة 1943 وأن المطعون عليهم دفعوا ببطلانها لأن حقيقتها وصية إلى وارث فهي باطلة، وقدموا على ذلك قرائن هي: أولاً بقاء العقود بدون تسجيل إلى ما قبل وفاة البائعة مع أنها عقود حررت بصفة رسمية، وما كان يلزم لتسجيلها سوى تقديمها إلى القلم المختص بالتسجيل لأن الرسوم تدفع عند تحرير العقد أمام الموثق، الأمر الذي يؤخذ منه أن نية البائعة لم تكن البيع المنجز وأن المشتري أقر هذه النية بعد تقديمه العقود للتسجيل فور تحريرها، وثانياً استمرار الأعيان المبيعة في وضع يد البائعة، واستدل المطعون عليهم على ذلك بإيصالات قدموها وعريضة دعوى أقامتها المورثة في 26 من نوفمبر سنة 1942 بالمطالبة بنصيبها في ريع الحصة المملوكة لها في المنزل المبين بعريضة تلك الدعوى وهي موضوع عقد البيع الصادر منها إلى مورث الطاعنين في 2/ 11/ 1942 وفي العريضة إقرار من المورثة ببقاء الملك لها لغاية رفع الدعوى ونظرها بجلسة 23 من يناير سنة 1943 فلما توفيت وعجلها الزوج لم يذكر شيئاً عن ملكيته لهذه الحصة، كما استندوا إلى إيصال مؤرخ في 16 من مارس سنة 1942 موقع عليه من مورث الطاعنين شاهداً وقد ذكر به أن المؤجرة قبضت إيجار الأطيان المملوكة لها، الأمر الذي يدل على عدم تمسك مورث الطاعنين بعقد البيع الصادر له عن الأرض المحرر عن إيجارها هذا لإيصال وأن المحكمة استخلصت من قرينة بقاء العقود بغير تسجيل زمناً طويلاً بعد تحريرها بصفة رسمية ومن استمرار وضع يد المورثة على الأعيان المبيعة لغاية وفاتها ومن علاقة الزوجية وعدم وجود نقود لدى المورثة عند وفاتها، الأمر الدال على عدم دفع ثمن خصوصاً وقد ذكر في العقود أن الثمن دفع خارج مجلس العقد ومن أن العقود صدرت متتابعة من المورثة إلى زوجها مورث الطاعنين وتناولت كل ما تملكه المورثة - استخلصت من ذلك كله أن هذه العقود تخفي وصية لوارث فهي باطلة وأنها ليست هبات مستترة في صورة عقود بيع لأنها غير منجزة، وهذا منها تكييف صحيح وليس فيما استخلصته عيب. أما ما يثيره الطاعنون في ذلك فلا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا شأن لهذه المحكمة به، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس ومتعين الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق