جلسة 8 من فبراير سنة 1951
(62)
القضية رقم 215 سنة 18 القضائية
قوة الأمر المقضي به. حكم.
قضاؤه بإلزام الشفيع بالمبالغ التي دفعها المشترون إلى البنك المرتهن قبل إبرام عقد البيع الصادر إليهم من الراهنين. اعتباره هذه المبالغ جزءاً من أصل ثمن الأطيان المشفوعة فيها وأن أكثرها حصل دفعة في فترة المفاوضات التي انتهت بالبيع رغم عدم إشارة العقد إلى ذلك. حكم الشفعة. تضمن أسبابه أن عقد شراء الأطيان المشفوعة فيها هو الذي حدد مركز البائع والمشتري إزاء الشفيع بصفة نهائية، أما الأوراق الأخرى التي استند إليها المشترون ومنها وصولات المبالغ التي دفعوها إلى البنك المرتهن فلا تدل على قيام بيع محدد لعلاقة الطرفين وإنما تفيد حصول مفاوضات انتهت بإبرام ذلك العقد الذي يتولد منه حق الشفعة. لا تناقض بين الحكمين.
(المادة 232 من القانون المدني - القديم - ).
الوقائع
في يوم 9 من ديسمبر سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 8 من سبتمبر سنة 1948 في الاستئناف رقم 49 سنة 3 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى، وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 15 من ديسمبر سنة 1948 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن. وفي 28 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 13 من يناير سنة 1949 أودع المطعون عليهم مذكرة بدفاعهم مشفوعة بمستنداتهم طلبوا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 27 منه أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 21 من ديسمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفض السببين الأول والثاني من أسباب الطعن ونقض الحكم المطعون فيه خصوص السبب الثالث وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات. وفي 25 من يناير سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث... إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور؛ ذلك أن الطاعن أسس دفاعه في الدعوى على أن المبالغ المتنازع عليها ومجموعها 712 جنيهاً و123 مليماً دفعها المطعون عليه الأول إلى البنك المرتهن، لا من ماله الخاص هو وباقي المطعون عليهم بوصفهم مشترين، وإنما من مال الراهنين الذين باعوا إليهم الأطيان المحكوم بأحقية الطاعن في أخذها بالشفعة بالحكم الصادر في الدعوى رقم 27 كلي طنطا سنة 1943، مستدلاً على صحة دفاعه بما ذكر في وصولات دفع هذه المبالغ من أن المطعون عليه الأول دفعها نيابة عن الراهنين خصماً من دين الرهن نظراً لأنه قريبهم وعمدة قريتهم ويتردد على القاهرة كثيراً، وبما ورد في عقد البيع أساس حكم الشفعة من أن المشترين تعهدوا بدفع كامل ثمن الأطيان المذكورة وقدره 1950 جنيهاً و167 مليماً إلى البنك رأساً دون أن يشيروا فيه إلى مبالغ سبق دفعها منهم إلى البنك قبل إبرامه، وهو ما كان يجب ذكره في العقد لو كانت قد دفعت من مالهم كما يزعمون، وبما اعترفوا به في المذكرة المقدمة منهم في دعوى إثبات الحالة رقم 1481 كفر الشيخ سنة 1944 من أنهم اشتروا الأطيان المشفوع فيها في 9 من يوليه سنة 1942 وهو تاريخ لاحق لتواريخ أربعة من الوصولات المشار إليها مما كان يقتضي أن يذكروا في العقد ما سبق أن دفعوه من الثمن إلى البنك. ومع أن هذا الدفاع جوهري وتمسك به الطاعن في صحيفة استئنافه وأثبتته المحكمة في صدر حكمها فإنها لم تعن بالرد عليه.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي المؤيد به أنه أقيم في أساسه على أسباب حاصلها أنه ثبت من المستندات المقدمة في الدعوى أن المطعون عليه الأول دفع إلى البنك المرتهن بموجب خمسة وصولات مبالغ مجموعها 712 جنيهاً و123 مليماً على اعتبار أنها جزء من أصل ثمن الأطيان المبيعة إليه هو وباقي المطعون عليهم من الراهنين وأن المطعون عليهم فاوضوا البنك في شراء هذه الأطيان منذ سنة 1941، وأن البائعين اعترفوا بذلك في المكاتبات المتبادلة بينهم وبين البنك وفي المذكرة المقدمة منهم في الاستئناف رقم 784 سنة 61 الذي رفع عن حكم الشفعة وأن من المبالغ المشار إليها أربعة مبالغ مجموعها 520 جنيهاً دفعها المشترون إلى البنك في المدة من يناير سنة 1941 إلى يناير 1942 وهي فترة المفاوضات التي انتهت بالبيع كما سماها حكم الشفعة الصادر في الدعوى رقم 27 كلي طنطا سنة 1943، وأنه لا عبرة بخلو عقد البيع المصدق عليه في 28 من سبتمبر سنة 1941 والمسجل في 6 من أكتوبر سنة 1942 من الإشارة إلى دفع هذه المبالغ إزاء ثبوت حصول دفعها بموجب الوصولات الصادرة من البنك في فترة المفاوضات التي سبقت إبرام هذا العقد واعتراف البنك والبائعين بذلك، وأن دفعها كان له ما يبرره وهو تفادي إجراءات نزع الملكية التي كان البنك قد شرع فيها.
ومن حيث إن تقرير المحكمة أن المبالغ المتنازع عليها قد دفعها المطعون عليهم من أصل ثمن الأطيان المبيعة إليهم، وأن معظم هذه المبالغ حصل دفعه في فترة المفاوضات التي انتهت بالبيع لا يحتمل إلا معنى واحداً هو أن هذه المبالغ قد دفعت من مال المطعون عليهم بوصفهم مشترين، وبذلك تكون المحكمة قد نفت أنها من مال البائعين الراهنين. وفي هذا الرد الكافي على دفاع الطاعن سالف الذكر.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو أن الحكم المطعون فيه، إذ ألزم الطاعن بالمبالغ التي يقول المطعون عليهم إنهم دفعوها إلى البنك المرتهن قبل إبرام عقد البيع الصادر إليهم من الراهنين، يكون قد أخل بقوة الأمر المقضي المقررة للحكم النهائي الصادر في الدعوى رقم 27 كلي طنطا سنة 1943 والقاضي بأحقية الطاعن في أخذ الأطيان المبيعة بالشفعة، ذلك أن هذا الحكم قد قرر في أسبابه أن العقد المصدق عليه في 28 من سبتمبر سنة 1941 والمسجل في 6 من أكتوبر سنة 1942 هو الذي تم البيع بموجبه وتولد منه حق الشفعة دون غيره من الأوراق السابقة عليه، وأن من مقتضى هذا التقرير أن يحل الطاعن بوصفه شفيعاً محل المطعون عليهم بوصفهم مشفوعاً منهم في جميع الالتزامات التي فرضها عليهم العقد المذكور، ومنها التزامهم بدفع كامل ثمن الأطيان المشفوع فيها وقدره 1950 جنيهاً و167 مليماً إلى البنك المرتهن رأساً، وأنه لما كان الطاعن قد وفى البنك بهذا المبلغ تنفيذاً لالتزام المشترين بموجب العقد فتكون ذمته قد برئت منه جميعه قبل المطعون عليهم حتى لو كانوا قد دفعوا المبالغ المتنازع عليها إلى البنك قبل إبرام عقد البيع متى كان لم ينص فيه على استنزالها من مبلغ الثمن - ومن ثم يكون إلزامه بدفع المبالغ المذكورة لهم مخالفاً لما قرره حكم الشفعة المشار إليه.
ومن حيث إنه لما كان يبين من الحكم الصادر في الدعوى رقم 27 كلي طنطا سنة 1943 أنه إذ قضى بأحقية الطاعن في أن يأخذ بالشفعة الأطيان التي اشتراها المطعون عليهم بالعقد المصدق عليه في 28 من سبتمبر سنة 1941 والمسجل في 6 من أكتوبر سنة 1942 مقابل الثمن المتفق عليه فيه وقدره 1950 جنيهاً و167 مليماً، جاء في أسبابه أن العقد المشار إليه هو الذي حدد مركز البائع والمشترى إزاء الشفيع بصفة نهائية، أما الأوراق الأخرى التي استند إليها المطعون عليهم (ومنها وصولات دفع المبالغ موضوع الدعوى) فلا تدل على قيام بيع محدد لعلاقة الطرفين وإنما تفيد حصول مفاوضات انتهت بإبرام ذلك العقد، فهو الذي يتولد منه حق الشفعة - وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقيم في أساسه على أن المبالغ المتنازع عليها دفعها المطعون عليهم على اعتبار أنها جزء من أصل ثمن الأطيان المشفوع فيها وعلى أن معظمها حصل دفعه في فترة المفاوضات التي انتهت بالبيع - لما كان ذلك كان هذا الذي أقيم عليه الحكم لا يناقض ما قرره حكم الشفعة، إذ ليس في إلزام الطاعن بوصفه شفيعاً بما دفعه المطعون عليهم من أصل الثمن إلى البنك في فترة المفاوضات ما يخالف مقتضى العقد الذي حل فيه محلهم بحكم الشفعة، لا سيما أن أمر المبالغ المتنازع عليها كان معروفاً له قبل صدور حكم الشفعة فكان على بينة مما يجب عليه رده للمطعون عليهم وما يجب عليه دفعه من الثمن إلى البنك في حالة القضاء له بالشفعة.
ومن حيث إن السبب الثالث يتكون من وجهين حاصل أولهما أن الحكم مسخ عقد البيع المصدق عليه في 28 من سبتمبر سنة 1941 والمسجل في 6 من أكتوبر سنة 1942، ذلك أن الطاعن أسس دفاعه في الدعوى، على أن المطعون عليهم التزموا فيه بدفع كامل ثمن الأطيان المبيعة وقدره 1950 جنيهاً و167 مليماً إلى البنك المرتهن رأساً خصماً من دين الرهن الذي كان على البائعين وعلى أن الحكم الصادر بأحقيته في أخذ هذه الأطيان بالشفعة قد أحله محل المطعون عليهم في هذا الالتزام فقام بتنفيذه بل إنه دفع إلى البنك أزيد من مبلغ الثمن لما تمسك البنك بعدم قابلية الرهن للتجزئة، نظراً لأن الأطيان المبيعة كانت مرهونة إليه مع أطيان أخرى إذ يبين من عقد الحلول المحرر بينه وبين البنك في 25 من يوليه سنة 1945 أنه دفع إليه مبلغ 2535 جنيهاً و584 مليماً، وعلى أن عقد البيع جاء خلواً من الإشارة إلى دفع المبالغ المتنازع عليها إلى البنك على الرغم مما يدعيه المطعون عليهم من أنهم دفعوها في تواريخ سابقة على تاريخ إبرامه، وعلى أنه لذلك لا يكون ملزماً بدفعها إليه، فكان رد المحكمة على هذا الدفاع هو قولها إن البائعين أقروا في المذكرة المقدمة منهم في الاستئناف رقم 784 سنة 61 الذي رفع عن حكم الشفعة بأن المطعون عليهم قاموا فعلاً بدفع المبالغ المذكورة إلى البنك على اعتبار أنها جزء من أصل ثمن الأطيان المبيعة إليهم، وأنه لا عبرة بخلو عقد البيع من الإشارة إلى خصمها من هذا الثمن متى كانت بأيديهم الوصولات الدالة على دفعها، ويلاحظ على هذا الرد أن إقرار البائعين بدفع المطعون عليهم لهذه المبالغ لا قيمة له إزاء ما هو ثابت بعقد البيع أساس حكم الشفعة من التزام المطعون عليهم بدفع كامل الثمن إلى البنك رأساً وخلوه من الإشارة إلى خصمها منه، وأن وجود الوصولات الدالة على الدفع تحت أيديهم لا أثر له بالنسبة إلى الطاعن متى كان قد دفع إلى البنك كامل الثمن بل وأزيد منه، وأنه إذا كان للمطعون عليهم حق في الرجوع بهذه المبالغ فإنما هذا الحق يكون قبل البائعين الراهنين لا قبل الطاعن الذي لا ذنب له إذ هو احترم نصوص عقد البيع أساس حكم الشفعة وقام بتنفيذها، وبذلك تكون المحكمة قد هدمت المعاني المستفادة من عقد البيع وخرجت منها بنتيجة خاطئة.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأنه لا يخرج في جوهره عن أنه مجادلة في تقدير الأدلة التي اعتمد عليها الحكم وهو أمر تستقل به محكمة الموضوع متى أقامت حكمها على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدي على النتيجة التي انتهت إليها كما هو الحال في الدعوى وليس فيما استخلصته مما سبق بيانه ما يناقض مقتضى عقد البيع.
ومن حيث إن حاصل الوجه الثاني من السبب الثالث هو أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت بالأوراق ومسخ وقائع الدعوى، ذلك أن المحكمة قالت أيضاً في ردها على دفاع الطاعن المبين في الوجه الأول إن الطاعن لم يدفع في الواقع إلى البنك المرتهن من الثمن سوى مبلغ 1226 جنيهاً و875 مليماً قيمة ما يخص الأطيان المشفوع فيها في مبلغ الـ 2535 جنيهاً و584 مليماً المدفوع بمقتضى عقد الحلول منسوبة إلى جميع الأطيان المرهونة، وأن الفرق بين ذلك المبلغ ومبلغ الثمن يقرب من مجموع المبالغ موضوع الدعوى، وأن هذه النتيجة تتفق مع ما ذكره الطاعن في الإنذار الذي أعلنه إلى المطعون عليهم في مارس سنة 1945 إذ أقر فيه بحلوله محل البنك في كافة حقوقه على جميع الأطيان المرهونة، وهذا الذي قالته مردود بما يبين من عقد البيع أساس حكم الشفعة من أن المطعون عليهم لم يتعهدوا فيه بدفع حصة الأطيان التي اشتروها في دين الرهن وإنما التزموا فيه صراحة بدفع كامل ثمنها إلى البنك رأساً وذلك دون أن يذكر فيه شيء عن مقدار الأطيان المرهونة أو مبلغ دين الرهن، مما لا يسوغ معه تقسيم المبلغ المدفوع بموجب عقد الحلول على جميع الأطيان المرهونة، ولا يبرر النتيجة التي استخلصتها المحكمة من أن الطاعن لم يدفع من الثمن إلا ما يخص الأطيان المشفوع فيها في هذا المبلغ، وبذلك تكون المحكمة قد خرجت عن مدلول عقد البيع في هذا الخصوص، هذا فضلاً عن أنها لم تبين المصدر الذي اعتمدت عليه فيما أجرته من تقسيم المبلغ المدفوع بموجب عقد الحلول على جميع الأطيان المرهونة، ويبدو أنها أخذت فيه بقول المطعون عليهم غير المؤيد بأي دليل. أما الإنذار المشار إليه فكل ما قاله الطاعن فيه هو أنه قد حل محل البنك في كافة حقوقه على جميع الأطيان المرهونة، وهو قول لم يقصد به سوى المحافظة على حقوقه بالنسبة إلى ما دفعه بمقتضى عقد الحلول زيادة على مبلغ الثمن، وبذلك تكون المحكمة قد استخلصت من هذا الإنذار ما لا يتفق مع عبارته.
ومن حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أقيم في أساسه على أسباب حاصلها أن المبالغ موضوع الدعوى دفعها المطعون عليهم إلى البنك على اعتبار أنها جزء من أصل ثمن الأطيان المبيعة إليهم وأن معظم هذه المبالغ حصل دفعه في فترة المفاوضات التي انتهت بالبيع - وكانت هذه الأسباب وحدها كافية لحمل الحكم فيما قضى به من إلزام الطاعن بالمبالغ المذكورة، وكان ما قررته المحكمة - مضافاً إلى هذه الأسباب - من أن الطاعن لم يدفع في الواقع من مبلغ الثمن سوى 1226 جنيهاً و875 مليماً بناء على ما استنتجته من تقسيم المبالغ المدفوعة بموجب عقد الحلول على جميع الأطيان المرهونة، وعلى ما ورد في الإنذار المعلن من الطاعن إلى المطعون عليهم في مارس سنة 1945، لا يخرج عن أنه تزيداً استطردت إليه المحكمة دون أن تكون في حاجة إليه، وكان هذا التزيد على ما يبين من الحكم محمولاً على أسباب قائمة بذاتها، وكان لا يعيب الحكم اشتماله على أسباب زائدة، حتى لو كانت خاطئة، متى كانت هذه الأسباب لا تتصل بالأسباب التي أقيم عليها في أساسه ولا تؤثر على صحتها ولا على سلامة النتيجة التي انتهى إليها كما هو الحال في الدعوى - لما كان ذلك يكون هذا الوجه من السبب الثالث مردوداً.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق