الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 يوليو 2023

الطعن 910 لسنة 3 ق جلسة 21 / 2 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 72 ص 839

جلسة 21 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم البغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

-------------------

(72)

القضية رقم 910 لسنة 3 القضائية

(أ) جامعة - ترقية إلى درجة أستاذ 

- قرار لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية بإيثار المتفرغين بالترقية على غير المتفرغين واعتماد مجلس جامعة الإسكندرية لقرار اللجنة - العدول عن هذه القاعدة بتعيين درجات لترقية المتفرغين ودرجات لغير المتفرغين - تعديل هذه القواعد وجعل المرجع في الترقية تفضيل الأقدم في الدرجة العلمية فإذا تساوت فضل الأقدم في الدرجة المالية.
(ب) قاعدة تنظيمية عامة - القواعد التي وضعتها لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية 

- هذه القواعد تستمد قوتها من موافقة مجلس الجامعتين عليها - للمجلسين أن يعدلا عن تلك القواعد طالما أن العدول لا ينطوي على إساءة استعمال السلطة.

---------------------
1 - إن ثمت قاعدة وضعتها لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية واعتمدها مجلس جامعة الإسكندرية بجلستيه المنعقدتين في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947 من مقتضاها إيثار المتفرغين بالترقية إلى درجة الأستاذية على غير المتفرغين، ثم عدل عن هذه القاعدة شيئاً فشيئاً في ضوء التجارب التي مرت بالجامعتين؛ بأن عين لترقية المتفرغين درجات ولغير المتفرغين درجات أخرى تتفاوت نسبها في السنوات المختلفة، ثم انتهى الأمر إلى العدول عن هذه القواعد وعدم تخصيص درجات معينة لأي من الطائفتين، وأصبح المرد في الترقية إلى القاعدة الأصلية التي تقضي بتفضيل الأقدم في الدرجة العلية، فإذا تساوت فضل الأقدم في الدرجة المالية.
2 - إن القواعد التي وضعتها لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية ليست بذاتها ملزمة لأي منهما بإتباعها، وإنما هي تستمد قوتها ووجودها من موافقة مجلسي الجامعتين عليها، فهما - والحالة هذه - المنشئان لتلك القواعد؛ ومن ثم فإن لهما بهذه المثابة أن يعدلا عن تلك القواعد أو أن يلغياها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. فإذا كان قد تبين لمجلسي الجامعتين - في ضوء التجارب وظروف الحال - أن العمل بتلك القواعد التي أقراها لا يحقق تماماً المصلحة العامة التي استهدفاها عند إقرارها، فلا تثريب عليهما إذا ما قررا قواعد جديدة تراءى لهما أنها أوفى بالغاية، ما دام لم يكن المقصود من ذلك التحايل في الخروج على هذه القواعد في التطبيق الفردي، أي ليست هناك إساءة لاستعمال السلطة.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 20 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 5870 لسنة 8 ق المرفوعة من السيد الدكتور عمر خيرت ضد وزارة التربية والتعليم والدكتور حنا برسوم، القاضي "بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي عليها بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 24 من أغسطس سنة 1957، وللمدعي في 19 من أكتوبر سنة 1957، وللخصم الثالث في 4 من سبتمبر سنة 1957. وعين لنظره جلسة 8 من نوفمبر سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة 20 من ديسمبر سنة 1958، ثم مدت أجل النطق بالحكم لجلسة 24 من يناير سنة 1959، ثم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه في 6 من أكتوبر سنة 1953 قدم المدعي تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارات الحكومة ومصالحها بالإسكندرية ضد السيد وزير التربية والتعليم والسيد مدير جامعة الإسكندرية قيد برقم 41 سنة 2 ق طلب فيه إلغاء القرار الصادر من مجلس جامعة الإسكندرية في 20 من مايو سنة 1953 والمصدق عليه من السيد وزير التربية والتعليم في 28 من يونيه سنة 1953 بترقية الأستاذين حنا برسوم وشفيق قطري والمتضمن تخطيه في الترقية. وقال في بيان ذلك ما محصله إنه تخرج في كلية الطب بجامعة القاهرة في ديسمبر سنة 1933، ولتفوقه في العلوم الميكروسكوبية أوفد في بعثة إلى انجلترا؛ حيث حصل بعد ستة أشهر على دبلوم طب المناطق الحارة وعلم الصحة من جامعة لندن في أبريل سنة 1936، ثم حصل على درجة دكتوراه الفلسفة Ph.D في البكتريولوجيا من جامعة لندن في سنة 1939، ولما عاد إلى مصر عين مدرساً بهيئة التدريس في 10 من أكتوبر سنة 1939، ومنح الدرجة الخامسة في 17 من مارس سنة 1940. وقد طلبت الجامعة إرجاع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى أبريل سنة 1936، تاريخ حصوله على مؤهله العلمي الأول، ووافق الوزير على ذلك، إلا أن وزارة المالية لم توافق، ثم طلب ترقيته إلى الدرجة الرابعة بعد سنتين من تاريخ ترقيته إلى الدرجة الخامسة، إلا أن هذا الطلب لم يبت فيه لمناسبة إنشاء جامعة فاروق بالإسكندرية وترشيح جامعة القاهرة للمدعي ليتولى فيها وظيفة أستاذ مساعد علم البكتريولوجيا في الدرجة الثالثة بأول مربوطها، وفعلاً صدر قرار من مجلس الوزراء في 15 من ديسمبر سنة 1942 بتعيين المدعي في جامعة الإسكندرية في الدرجة الثالثة اعتباراً من أول يناير سنة 1943، وقد عين مع المدعي في التاريخ عينه كل من الدكتور شفيق قطري وحنا برسوم، ولم يكن أي منهما في السلك الجامعي، وإنما اضطرت الوزارة إلى تعيينهما في وظائف هيئة التدريس للنقص في هذه الهيئة، وقد عنى قانون إنشاء جامعة الإسكندرية بالترخيص بالتجاوز عن المؤهلات العلمية عند التعيين فيها ولفترة معينة. وقد حدث بعد ذلك أن صدر قانون إلغاء الاستثناءات، وكان من سوء حظ المدعي أن اعتبر خطأ ممن حظوا بترقيات استثنائية، فصدر قرار باعتباره مرقى إلى الدرجة الرابعة في أول يناير سنة 1943، ولم يمس هذا القرار لقبه العلمي، فبقى أستاذاً مساعداً من يوم تعيينه بجامعة الإسكندرية في أول يناير سنة 1943. وفي 28 من أبريل سنة 1947 وافق مجلس كلية الطب على ترقية المدعي إلى وظيفة أستاذ (ج)، وكان الزميلان الدكتور برسوم والدكتور قطري في وظيفة أستاذ مساعد، ولم يوافق مجلس الكلية على ترقيتهما إلى أستاذ (ج) إلا في 10 من يونيه سنة 1948، كما رشح آخرون للترقية إلى نفس الوظيفة في 19 من يوليه سنة 1947، أي أن المدعي كان يسبق الجميع في ترشيحات الكلية للترقية إلى وظيفة أستاذ (ج)، ولكن حصل أن أخر مدير الجامعة عرض أمر ترقية المدعي على مجلس الجامعة ثمانية أشهر فلم يعرضها عليه إلا مع من طلبت الكلية ترقيتهم بجلسة 19 من يوليه سنة 1947، بل إنه عمل على استحضار أستاذ أجنبي ليشغل كرسي البكتريولوجيا؛ وبذلك شغل الكرسي الذي رقى مجلس الكلية إليه المدعي؛ الأمر الذي دعا الأستاذ الأجنبي - بمجرد علمه بذلك - إلى طلب نقله إلى وظيفة أستاذ زائر حتى يمكن ترقية المدعي إلى كرسي البكتريولوجيا، والمهم في الأمر أن جميع من طلبت الكلية ترقيتهم إلى وظيفة أستاذ (ج) بعده رقوا جميعاً قبله؛ فقد رقي بعضهم في 22 من ديسمبر سنة 1947، ورقي الدكتوران حنا برسوم وشفيق قطري وآخران معهم في 7 من يوليه سنة 1948، أما المدعي فقد رقى إلى هذه الوظيفة في 6 من فبراير سنة 1949 بعد أن نقل الأستاذ الأجنبي إلى كرسي آخر، ولم يفت الجامعة غرابة وضع المدعي؛ ولذلك اقترن قرار ترقيته بتعديل أقدميته في أستاذ (ج) مع زملائه، وكان مفهوم ذلك أن تجعل أقدمية المدعي في وظيفة أستاذ (ج) راجعة إلى 22 من ديسمبر سنة 1947، تاريخ ترقية من طلبت الكلية ترقيتهم في 19 من يوليه سنة 1947، ولكن مدير الجامعة استصدر قراراً من مجلس الجامعة بأن تكون أقدمية المدعي راجعة إلى 7 من يوليه سنة 1948، أي مع زميليه حنا برسوم وشفيق قطري، وهما اللذان قرر مجلس الكلية ترقيتهما في 10 من يونيه سنة 1948. وقد تظلم المدعي من هذا القرار إلى مدير الجامعة في 2 من مايو سنة 1950، إلا أنه لم يرفع دعواه أمام محكمة القضاء الإداري؛ إذ أنصف بقرار من مجلس الوزراء صدر في 11 من يونيه سنة 1950 ردت فيه أقدميته في الدرجة المالية الثالثة إلى أول يناير سنة 1943واعتبرت فيه أقدميته في الدرجة الثانية المالية من أول يناير سنة 1947؛ وبذلك عادت أقدمية المدعي المالية قبل زملائه الذين كانوا قد سبقوه بسبب شغل الأستاذ الأجنبي لكرسي البكتريولوجيا؛ إذ لم يتعرض قرار مجلس الوزراء للأقدمية العلمية. وقد عرض السيد مدير الجامعة وقتذاك الأمر على مجلس الجامعة، وأفهمه أن الأمر لا يعدو أن يكون استثناء حصل عليه المدعي لصلات شخصية، ولم يبين السيد المدير أن قرار مجلس الوزراء إنما كان تصحيحاً لوضع شاذ وإعادة للأمور إلى نصابها الطبعي، وكان من نتيجة هذا العرض أن أصدر مجلس الجامعة قراراً في أول أغسطس سنة 1950 باعتبار المدعي أستاذاً مساعداً من أول يناير سنة 1947، تاريخ ترقية مجلس الوزراء له إلى الدرجة الثانية المالية، على ألا يكون لهذه الترقية أثر في ترتيبه بالنسبة لزملائه في الجامعة. وقد ألغي بعد ذلك قرار مجلس الوزراء سالف الذكر إثر صدور قانون إلغاء الاستثناءات؛ إذ اعتبر في ذلك الحين استثناء. هذا ويشير المدعي إلى أن مجلس الكلية كان يؤيده في وجهة نظره من حيث الأقدمية، وكتب إلى السكرتير العام للجامعة بذلك في 15 من يونيه سنة 1949. وفي 13 من يوليه سنة 1950 صدر قرار بترقية المدعي مع زميليه الدكتور برسوم والدكتور قطري إلى الدرجة الأولى أستاذ (ب). وقد سمع المدعي - عقب عودته في 22 من يونيه سنة 1953 من مهمة علمية بأمريكا - أن مجلس الجامعة أصدر قراراً بترقية الدكتورين شفيق قطري وحنا برسوم إلى أستاذ ( أ ) متخطياً إياه في الترقية في هذه الدرجة، فتظلم تلغرافياً في 30 من يونيه سنة 1953، ولما علم المدعي أن السيد الوزير وقع القرار بادر إلى التظلم إليه وإلى مدير الجامعة في 23 من أغسطس سنة 1953، ثم قدم تظلمه بعد ذلك إلى اللجنة القضائية؛ بانياً تظلمه على الأسباب الآتية: مخالفة القانون؛ ذلك أن قرار الجامعة الصادر في 20 من مايو سنة 1953 والمصدق عليه من السيد الوزير في 28 من يونيه سنة 1953 قد خالف القانون من عدة أوجه؛ وبيان ذلك أن قانون جامعة الإسكندرية رقم 32 لسنة 1942 ترك لمجلس جامعتها تنظيم شئون التعليم والترقيات بها، وجرى المجلس على إصدار قرارات عامة تنظيمية ينظم بها هذه الشئون ويلتزمها في التطبيقات الفردية، حتى تكون تصرفاته بعيدة عن شبهة التحكم، وليس من شك في أن الجامعة ملزمة باحترام هذه القرارات، ولا يسوغ لها مخالفتها في التطبيق الفردي، وإلا اعتبرت هذه المخالفة مخالفة للقانون. وعلى هدى هذا المبدأ يكون القرار المطعون فيه قد خالف القانون من ثلاثة وجوه: الوجه الأول، في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947 أصدر مجلس جامعة الإسكندرية قراراً عاماً تنظيمياً أطلق عليه "قواعد اشتغال هيئة التدريس في الخارج وشروط ترقيتهم وقواعد الترقية في حدود علمية واحدة وبدل التفرغ للأطباء"، وقد نص هذا القرار تحت ثالثاً على أن تكون درجتا أستاذ ( أ ) وأستاذ (ب) مقصورتين على أعضاء هيئة التدريس المتفرغين، ومعنى هذا أنه عند الترقية إلى درجة أستاذ ( أ ) يجب أن يفضل المتفرغ على غير المتفرغ. ولما كان المدعي هو الوحيد بين زميليه، المتفرغ لعمله، وكان الآخران مرخصاً لهما في مزاولة المهنة خارج الجامعة، فكان لزاماً أن يفضل المدعي في الترقية على زميليه. الوجه الثاني، نص القرار التنظيمي سالف الذكر على أنه لا يجوز ترقية عضو هيئة التدريس من وظيفة علمية إلى وظيفة علمية أخرى أرقى منها إلا بعد أن يكون قد نشر أبحاثاً مبتكرة يقرها مجلس الكلية؛ وتفريعاً على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه باطلاً من الناحية الشكلية ومن الناحية الموضوعية لمخالفته لتلك القواعد. أما من الناحية الشكلية، فلأن القرار لم يصدر على ضوء ترجيح الإنتاج العلمي للمتزاحمين على الدرجة. وأما من الناحية الموضوعية، فإن المدعي - على أساس هذه القاعدة - يفضل زميليه، فالدكتور قطري لا يكاد يوجد له أبحاث، في حين أنه - أي المدعي - له أبحاث علمية عديدة نشرت في أكبر المجلات الطبية العالمية، ثم أشار إلى أعماله الأخرى. والوجه الثالث، خالف القرار المطعون فيه القاعدة العامة التي تضمنتها قرارات الجامعة الصادرة في سنة 1947، والتي تقضي بأنه إذا تعدد المرشحون لدرجة واحدة فضل الأقدم في الوظيفة العلمية (بعد استيفاء شروط الإنتاج العلمي)، ولا شك أن المدعي أقدم من زميليه في السلك الجامعي، أي في الحصول على لقب مدرس. ثم أشار المدعي إلى أن هذه القواعد السابق الإشارة إليها قد استقرت في الجامعة ورسخت رسوخاً بلغ حد أن الجامعات الثلاث ضمنتها المشروع الذي أعدته بشروط توظف أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية وتأديبهم، وذكر المدعي نصوص هذا المشروع. وقد ردت جامعة الإسكندرية على التظلم فقالت ما محصله إن قرارات مجلس الكلية وترشيحاتها الخاصة بالترقية التي فصلها المدعي ليست قرارات نهائية؛ لأن هذه القرارات والترشيحات تبحث في مجلس الجامعة، وهو وحده صاحب السلطة في الموافقة على ما يراه منها متفقاً مع القانون، ورفض ما يراه مخالفاً للقانون. ثم قالت إنه يتضح من كشف الأقدمية أن المدعي يتساوى مع زميليه في أقدمية الوظائف العلمية، ولكنهما يسبقانه في أقدمية الدرجتين الثالثة والثانية الماليتين؛ ومن ثم يكون إدعاؤه غير قائم على أساس من الواقع؛ إذ أن لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية، التي شكلت لوضع قواعد موحدة تسير عليها الجامعتان في أمور الترقيات والاشتغال بالخارج، وضعت قواعد لترقية أعضاء هيئة التدريس، كان من بينها القاعدة الآتية: "إذا تعدد المرشحون لدرجة واحدة فضل الأقدم في الوظيفة العلمية، فإذا تساوت فضل الأقدم في الدرجة المالية، على أن يراعى عند التعيين في الخارج، أي من غير طريق الترقية، أن تحدد أقدمية عضو هيئة التدريس الجديد في وظيفته بين زملائه في وقت تعيينه، ويصح لمجلس جامعة الإسكندرية أن يعيد النظر في مثل هذه الحالات ويحدد الأقدميات". وقد وافق مجلس جامعة الإسكندرية على قرارات اللجنة في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947، واعتمدها الوزير في 8 من مايو سنة 1947، وقد سارت الجامعة على هذه القاعدة منذ ذلك الحين، والتزمتها في الترقية في القرار المطعون فيه. أما عن أقدمية المدعي عن زميليه في السلك الجامعي فتقول الجامعة إنه فضلاً عن أن زميليه كانا في وظائف فنية في وزارة الصحة ويسبقانه في أقدمية الدرجة الخامسة المالية أيضاً، فإنهما يتساريان معه في كل الوظائف التي شغلاها في الجامعة بعد نقلهما معه إلى الجامعة، ولا عبرة بأنه كان يشغل وظيفة مدرس بجامعة القاهرة في 10 من أكتوبر سنة 1939؛ لأنه - بعد إنشاء جامعة الإسكندرية في سنة 1942 واختيار أعضاء هيئة التدريس اللازمة لكلياتها - شكلت لجنة وزارية لتحديد وضع كل المنقولين، فاعتبر المدعي في وظيفة أستاذ مساعد من 16 من ديسمبر سنة 1942، كزميليه المطعون في ترقيتهما وآخرين غيرهم. أما عن كون المتظلم يفضل زميليه في الإنتاج العلمي فإن أي عضو من هيئة التدريس لا يمكن أن يصل إلى درجة الأستاذية إلا إذا كانت له أبحاث منشورة تفحص بمعرفة لجنة علمية وتقرر صلاحيتها لترقيته، وهذا الإجراء التزمته الجامعة عند ترقية جميع الأساتذة بالكليات، هذا وأن الجامعة لا تقره على الطعن في الإنتاج العلمي لزميليه اللذين لهما مكانتهما العلمية التي لا تنكر ولم يبلغا درجة الأستاذية إلا بعد أن شكلت لجان لفص أبحاثهما العلمية، واتضحت صلاحية هذه الأبحاث لترقيتهما. أما أن المدعي متفرغ وزميليه غير متفرغين فإنه ليس بين قواعد التفرغ المعمول بها في الجامعة ما يحول دون ترقية زميليه بعد أن استوفيا كل شروط الصلاحية للترقية. وانتهت الجامعة من ذلك إلى طلب رفض التظلم. وبجلسة 29 من أكتوبر سنة 1953 قررت اللجنة القضائية "رفض التظلم، وإلزام رافعه بالمصروفات". واستندت اللجنة في قرارها إلى أنه "يبين من كثرة ما تناول مسألة بدل التفرغ من تعديل أن الجامعة لم تستقر في شأنها على رأي موحد ولم تتبع قاعدة واحدة بانتظام واطراد، بل كانت تخرج في كل مرة عما وضعته من قواعد.... وأخيراً عدلت عن كل هذه الأوضاع وعادت إلى القاعدة العامة في الترقيات، غير أنها لم تتخذ قراراً بهذا العدول"، وأن "القواعد التي سبق أن قررتها الجامعة في صدد تخصيص درجات للمتفرغين من أساتذة كلية الطب لم تكتسب صفة التطبيق الدائم والاستقرار الذي يكسبها صفة القاعدة التنظيمية العامة التي لا يجوز الخروج عليها والتي يتحتم التزامها، طالما أنها لم تعدل أو تلغى بقرار آخر..."، وأنه "ينبغي لذلك التقرير بأن القاعدة الواجبة الاتباع في شأن الترقية إلى وظائف الأستاذية وفي حدود هذه الوظائف إلى درجاتها المختلفة هي قاعدة الأقدمية مع توافر شروط الأبحاث العلمية، وفي حدود ما قضى به قرار مجلس الجامعة الصادر في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947 من حيث تفضيل الأسبق في الوظيفة العلمية، وإلا الأسبق في الدرجة المالية متى تساووا في الوظيفة العلمية"، وأنه "لذلك يكون الوجه الأول من وجوه الطعن على قرار ترقية الخصمين على غير أساس من القانون". وإنه ولئن كان "قرار لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية في أمور الترقيات والذي أقرته جامعة الإسكندرية في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947 يقضي بأنه لا يجوز ترقية عضو هيئة التدريس من وظيفة علمية إلى وظيفة علمية أخرى أرقى منها إلا بعد أن يكون نشر أبحاثاً مبتكرة يقرها مجلس الكلية"، إلا "أن الترقية من درجة أستاذ (ب) إلى أستاذ ( أ ) لا تعتبر ترقية من وظيفة علمية إلى وظيفة علمية أخرى، بل تعتبر ترقية في حدود وظيفة علمية واحدة؛ لأن الوظائف العلمية هي المدرس والأستاذ المساعد والأستاذ، فالترقية من إحدى هذه الوظائف إلى الأخرى هي التي يعنيها القرار السالف..." وأنه "فضلاً عن أن الترقية من أستاذ (ب) إلى أستاذ ( أ ) لا تخضع لنص قرار مجلس الجامعة السالف، فإن النص المذكور لا يستلزم إجراء مقارنة بين أبحاث المرشحين، بل يكتفي بأن يتقدم المرشح بأبحاثه المنشورة، ويقر مجلس الكلية أبحاثه لتحل ترقيته في حدود القواعد المتبعة، وهي الأقدمية في الوظيفة العلمية أو الدرجة المالية وفقاً لكل حالة، ولا يفهم من ذلك القرار أن الأبحاث العلمية المنشورة تكون مجال مقارنة لتفضيل أبحاث عن أخرى....؛ ذلك أن مجلس الجامعة لم يرم إلى ذلك في قراره؛ لعلمه أن الأساتذة تختلف فروع تخصصهم ويصعب تفضيل أبحاث أحدهم على أبحاث الآخر، فاكتفى بأن يكون للمرشح أبحاث منشورة يرى مجلس الكلية أنها تدل على كفاية المرشح للترقية"، وأن "المتظلم ذاته يقر بأن المرقين تقدما بكشف يبين أبحاثهما المنشورة، ولم تقرر الكلية أن هذه الأبحاث غير كافية لترقيتهما، بل أقرتها وعرضتها مع اقتراح ترقيتهما على مجلس الجامعة، فأصدر قراره بناء عليها بترقيتهما....؛ ومن ثم يكون ما ينعيه المتظلم على القرار المطعون فيه من أنه لم يبن على أساس التفضيل بينه وبينهما في الإنتاج العلمي على غير أساس من القانون". وبعد أن قارنت اللجنة بين أقدمية المدعي وأقدمية زميليه قالت "إن المتظلم والمرقين جميعاً حصلوا على الوظائف العلمية من أستاذ مساعد إلى أستاذ (ب) في تاريخ واحد، فلا يكون لأحدهما سبق على الآخرين في الوظائف العلمية لتساويهم فيها جميعاً"، وأن "المطعون في ترقيتهما ترجع أقدميتهما في الدرجة الثالثة المالية إلى أول يناير سنة 1943، في حين أن أقدمية المتظلم في الدرجة الرابعة ترجع إلى هذا التاريخ.... وبذلك يسبقان المتظلم في الدرجة الثالثة فضلاً عن الثانية ولا يسبقهما هو في أي درجة مالية". وانتهت اللجنة من ذلك إلى أن القرار المطعون فيه قد جاء صحيحاً. وبصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 27 من مارس سنة 1954 طعن المدعي في قرار اللجنة القضائية سالف الذكر طالباً إلغاءه، وردد في طعنه ما ذكره بتظلمه، وردّ على ما ورد بأسباب اللجنة القضائية. وبجلسة 20 من يونيه سنة 1957 حكمت المحكمة "بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وبتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها على أن الطعن يقوم على وجهين: الأول، أن قرار الترقية المطعون فيه قد خالف القواعد التنظيمية الموضوعة في شأن الترقية إلى وظيفتي أستاذ (ب) وأستاذ ( أ ) والتي تضمنت بعض ميزات مقصورة على الأساتذة المتفرغين. والثاني، أنه خالف أيضاً من الناحيتين الشكلية والموضوعية القواعد الخاصة بتوافر شرط الإنتاج العلمي لدى المرشحين. ففيما يتعلق بالوجه الأول "فإنه يبين من استظهار الأوراق المقدمة في الدعوى أن مجلس جامعة الإسكندرية وافق بجلستيه المنعقدتين في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947 على أن تكون درجتا أستاذ ( أ ) وأستاذ (ب) مقصورتين على أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب المتفرغين، كما تضمن قرار المجلس أن جميع أعضاء هيئة التدريس غير الإكلينيكيين يجب أن يكونوا متفرغين. وفي 24 من أكتوبر سنة 1949 عرض على المجلس اقتراح من كلية الطب بترقية الأساتذة الدكاترة حسن صبحي (متفرغ) وإبراهيم مصطفى صبري ومحمد عزيز برادة (غير متفرغين) إلى درجة مدير عام (ب)، وتناقش المجلس في هذا الاقتراح في ضوء قواعد ترقية الأساتذة المتفرغين وغير المتفرغين التي سبق أن وافق عليها المجلس وأقرتها لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية، وفي ضوء ما جرى عليه العمل بعد ذلك في جامعة القاهرة من تخصيص درجات للأساتذة غير المتفرغين يرقون منها على خلاف هذه القواعد، وبعد المناقشة وافق المجلس على اقتراح ترقية الأستاذ المتفرغ إلى درجة مدير عام "ب"، أما بالنسبة للأساتذة غير المتفرغين فقد رأى المجلس أن يطلب إلى لجنة التنسيق بين الجامعتين النظر في المبدأ الذي يتبع في ترقية الأساتذة غير المتفرغين. وبجلسة 27 من نوفمبر سنة 1949 استأنف المجلس بحث الموضوع واستعرض النظام الذي اتبع في جامعة القاهرة بشأن تخصيص بعض درجات مدير عام (ب) للأساتذة غير المتفرغين والبعض الآخر للمتفرغين، بنسبة 2 للفريق الأول و6 للفريق الثاني، وتطبيقاً لذلك وافق المجلس على ترقية الدكتورين إبراهيم صبري ومحمد عزيز برادة لدرجة مدير عام (ب)، وبالجلسة المنعقدة في 8 و11 من يناير سنة 1950 عرض على المجلس اقتراح بترقية كل من الأستاذين الدكتورين جواد حمادة ومحمود أنسي عابدين إلى وظيفة أستاذ (ب) من الدرجة الأولى، ووافق على ترقيتهما أخذاً بالقاعدة التي اتبعت في جامعة القاهرة وهي تخصيص نصف وظائف الأساتذة (ب) لكل من الأساتذة المتفرغين والأساتذة غير المتفرغين. وبالجلسة المنعقدة في 11 و20 من مايو سنة 1953 عرضت على المجلس ترقية الدكتورين شفيق قطري وحنا برسوم إلى وظيفة أستاذ ( أ )، وهي موضوع الطعن، كما عرض اعتراض المدعي والدكتور أحمد نبيه على هذه الترقية....". وبعد المناقشة في ذلك الموضوع "وافق المجلس على الترقية المقترحة"، وأنه "يبين من استعراض قرارات مجلس جامعة الإسكندرية وفق التفصيل المتقدم أنه اتجه أولاً إلى وضع قاعدة بقصر درجات وظيفتي أستاذ ( أ ) وأستاذ (ب) على لأساتذة المتفرغين، ثم عدل عنها إلى قاعدة جديدة تقضي بتوزيع درجات مدير عام (ب) بين الأساتذة المتفرغين والأساتذة غير المتفرغين بنسبة 6 للأولين و2 للآخرين، ثم عدل مرة ثانية إلى قاعدة جديدة من مقتضاها توزيع وظائف الأساتذة (ب) بين الفريقين بنسبة النصف لكل منهما، وانتهى أخيراً بجلسة 11 و20 من مايو سنة 1953 إلى الموافقة على ترقية المطعون في ترقيتهما، وهما غير متفرغين، على أساس أن القواعد المتقدمة لم يعد لها قيام، وهو ما يستفاد من أقوال عضوي المجلس التي أبديت بالجلسة المذكورة، والتي صدر بناء عليها قرار الموافقة على الترقية. وتستخلص المحكمة من موافقة المجلس على الترقية بناء على الأقوال المشار إليها أن المجلس قد انتهى إلى العدول عن القواعد التي تقدم ذكرها، أو إلى إقرار العدول عنها ونسخها، بمعنى أن المجلس لم يقصد إلى إصدار قرار بالترقية يخرج فيه على قواعد تنظيمية قائمة من قبل، وإنما أقر أولاً عدم احترام أو عدم قيام تلك القواعد، وهو ما لا يخرج عن كونه قراراً ضمنياً منه بإقرار نسخها، ثم وافق بعد ذلك على الترقية المقترحة، فكأن قرار المجلس يتكون من شقين: شق تنظيمي، وهو يقضي ضمنياً بالعدول أو بإقرار العدول عن القواعد التي سبق أن وضعها في شأن توزيع الدرجات بين المتفرغين وغير المتفرغين، وشق تطبيقي، وهو يقضي صراحة بالموافقة على ترقية المطعون في ترقيتهما على اعتبار أنها ترقية لا استثناء فيها، وقد درج المجلس على هذا الأسلوب عند إصدار قراراته في شأن توزيع الدرجات بين المتفرغين وغير المتفرغين؛ إذ كان يصدر قراره بالترقية مقروناً أو مسبوقاً في ذات الجلسة بتعديل القاعدة التنظيمية التي سبق له وضعها بما يسمح بهذه الترقية، وهو ما يملكه ولا شائبة فيه قانوناً، ما دام منبعث عن الانحراف في استعمال السلطة. وعلى مقتضى ما تقدم لا يكون ثمت خروج في قرار الترقية المطعون فيه على قاعدة تنظيمية كانت قائمة وقت إصداره..."، وفيما يتعلق بالوجه الثاني للطعن "فإن مجلس جامعة الإسكندرية قرر بجلسته المنعقدة في 18 و19 من نوفمبر سنة 1951 ما يأتي: (أولاً) يشترط في المرشح للترقية من وظيفة مدرس إلى وظيفة أستاذ مساعد ومن وظيفة أستاذ مساعد إلى أستاذ أن تكون له أبحاث منشورة أو مقبولة للنشر تقرر صلاحيتها للترقية لجنة يحسن أن يكون أحد أعضائها من خارج الكلية، (ثانياً) ويشترط في المرشح للترقية من وظيفة مدرس (ب) إلى مدرس ( أ ) ومن وظيفة أستاذ مساعد (ب) إلى أستاذ مساعد ( أ ) وجوب قيامه بأبحاث يقرها مجلس الكلية، (ثالثاً) في كل ترقية من وظيفة أستاذ (ج) فما فوق يقوم الأستاذ المرشح للترقية بياناً بنشاطه العلمي ترسله الكلية مع اقتراح الترقية للجامعة. وواضح من هذا أن وضع أبحاث نشرت أو قبلت للنشر وفحصها بواسطة لجنة لتقرر كفايتها للترقية بما يستتبعه ذلك من موازنة ومفاضلة بين المرشحين قد شرط للترقية بين وظائف التدريس الثلاثة، مدرس وأستاذ مساعد وأستاذ، دون الترقية داخل الوظيفة الواحدة منها؛ والحكمة في هذه التفرقة ظاهرة؛ إذ أنه لا حاجة لتطلب ذلك الشرط عند الترقية في نطاق الوظيفة الواحدة من تلك الوظائف الثلاثة اكتفاء بضرورة توافره مستقبلاً، أو بسبق توافره فيما مضى عند الترقية إلى الوظيفة أو الوظيفتين الأخريين أو منهما، وعلى هذا الأساس رأى مجلس الجامعة أنه يكفي في ترقية المدرس (ب) إلى مدرس ( أ ) أو الأستاذ المساعد (ب) إلى أستاذ المساعد ( أ ) أن يقوم بأبحاث لم يشترط أن تنشر أو تقبل للنشر...، كما رأى أنه يكفي في ترقية الأستاذ (ج) إلى الأستاذ (ب, أ) أن يقدم مجرد بيان بنشاطه العلمي يرسل مع اقتراح الترقية إلى الجامعة، وليس المقصود بهذا البيان أن تختبر من جديد قدرة الأستاذ على البحث وصلاحيته للترقية وأن تعقد في سبيل ذلك المقارنة بينه وبين أقرانه لاختيار أفضلهم؛ إذ سبق إجراء ذلك الاختبار وهذه المقارنة، ولو لا نجاح الأستاذ فيهما ما ارتقى إلى وظيفته، وإنما القصد من البيان المذكور هو مجرد الاستثياق من أن ذلك الأستاذ مع سبق ثبوت صلاحيته وأفضليته لم يقعد عن الاضطلاع بما تفرضه عليه الأستاذية من متابعة البحث وموالاة النشاط العلمي...."، وأنه "ثابت من الأوراق أن كلاً من المطعون في ترقيتهما قد تقدم ببيان عن نشاطه العلمي كان تحت نظر مجلس الجامعة عند تقرير موافقته على الترقية......، وقد أقر المجلس كفايتها باعتباره الهيئة صاحبة السلطان في تقدير هذه الناحية الفنية". ثم ناقشت المحكمة بعد ذلك ما أثاره المدعي حول الأقدمية وأنه أسبق من المطعون في ترقيتهما، وانتهت من ذلك إلى "أن الثابت من الأوراق التي قدمتهما الجامعة للجنة القضائية ومن كتابها رقم 20607 في 11 من مايو سنة 1954 أن المدعي يتساوى مع زميليه في أقدمية الوظائف العلمية، ولكنهما يسبقانه في أقدمية الدرجتين الثالثة والثانية الماليتين؛ ومن ثم يكونان أسبق في الأقدمية، أخذاً بقواعد لجنة التنسيق التي أقرها مجلس الجامعة بجلستيه المنعقدتين في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القاعدة التي تقررت في شأن ترقية أساتذة الجامعة قد اتجهت إلى تفضيل الأساتذة المتفرغين في الترقية؛ تشجيعاً لهم على التفرغ للبحث، فيتجهون بكامل نشاطهم إلى الميدان الجامعي مقابل تعويضهم وإيثارهم في الترقية على غير المتفرغين. ولا جدال في أنه طالما بقيت هذه القاعدة قائمة لم تعدل أو تلغ وجب التزامها عند التطبيق على الحالات الفردية، وإلا عند الخروج عليها مخالفة لقاعدة مقررة تبطل التصرف الصادر على خلافها. والثابت في الدعوى أن شيئاً من هذا لم يحدث في شأن القاعدة المذكورة، بل إن كل الذي حدث هو أن أحد السادة أعضاء المجلس نبه إلى اعتراض المدعي على الترقية المطعون فيها، ولا شك أن مجرد إهمال تظلم المدعي لا يمكن أن يحمل على أنه تعديل للقاعدة، كما لا يسوغ أن نستخلص من الالتفات عن هذا التظلم بأنه تعديل للقاعدة، فتعتبر المخالفة بهذه المثابة كأنها قرار تنظيمي بنسخ أو تعديل للقاعدة بالصورة التي تتمشى مع وجه المخالفة، إنما الصحيح أن ذلك يعد مخالفة واضحة للقاعدة تستتبع إلغاء القرار المشوب بها. وإذ ذهب الحكم المطعون مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من التفصيل الذي أورده الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بترقية الأساتذة المتفرغين وغير المتفرغين أنه كان ثمت قاعدة وضعتها لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية واعتمدها مجلس جامعة الإسكندرية بجلستيه المنعقدتين في 27 من فبراير و20 من أبريل سنة 1947، من مقتضاها إيثار المتفرغين بالترقية إلى درجة الأستاذية على غير المتفرغين، ثم عدل عن هذه القاعدة شيئاً فشيئاً في ضوء التجارب التي مرت بالجامعتين، بأن عين لترقية المتفرغين درجات ولغير المتفرغين درجات أخرى تتفاوت نسبها في السنوات المختلفة، ثم انتهى الأمر إلى العدول عن هذه القواعد وعدم تخصيص درجات معينة لأي من الطائفتين، وأصبح المرد في الترقية إلى القاعدة الأصلية التي تقضي بتفضيل الأقدم في الدرجة العلمية، فإذا تساوت فضل الأقدم في الدرجة المالية، وآية ذلك ما ورد بميزانيات كلية الطب بجامعة القاهرة عن السنوات المالية 1948/ 1949 و1949/ 1950 و1950/ 1951 من تخصيص درجات للمتفرغين وأخرى لغير المتفرغين على النحو التالي: ميزانية 1948/ 1949 - وظائف الأساتذة المتفرغين: عدد 3 مدير عام ( أ ) أستاذ رئيس قسم، عدد 5 مدير عام (ب) أستاذ ( أ )، عدد 8 أولى أستاذ (ب). وظائف لغير المتفرغين: عدد 3 مدير عام (ب) أستاذ ( أ )، عدد 8 أولى أستاذ (ب) عدد 12 ثانية أستاذ (ج). وفي ميزانية 1949/ 1950 - وظائف المتفرغين: عدد 4 مدير عام ( أ ) أستاذ رئيس قسم، عدد 4 مدير عام (ب) أستاذ ( أ )، عدد 8 أولى أستاذ (ب). ولغير المتفرغين: عدد 3 مدير عام (ب) أستاذ ( أ )، عدد 8 أولى أستاذ (ب). عدد 12 ثانية أستاذ (ج). وفي ميزانية 1950/ 1951 - المتفرغين: عدد 5 مدير عام ( أ ) أستاذ رئيس قسم، عدد 4 مدير عام (ب) أستاذ ( أ )، عدد 8 أولى أستاذ (ب). ولغير المتفرغين: عدد 5 مدير عام (ب) أستاذ ( أ )، عدد 8 أولى أستاذ (ب)، عدد 14 ثانية أستاذ (ج). وكذلك الحال بالنسبة للأساتذة المساعدين والمدرسين. ثم ألغي نظام التخصيص هذا اعتباراً من السنة المالية 1951/ 1952، واشتملت ميزانية جامعة القاهرة في العام المذكور على عدد 10 مدير عام ( أ ) أستاذ رئيس قسم، عدد 11 مدير عام أستاذ (ب) فئة ( أ ) عدد 2 أولى أستاذ (ب) فئة (ب). أما كلية الطب بجامعة الإسكندرية فلم يكن لهذا التخصيص في ميزانيتها وجود أصلاً، وجرى العمل فيها على اتباع ما سارت عليه جامعة القاهرة من تخصيص درجات لكل من الطائفتين بنسب مختلفة في أول الأمر ثم العدول نهائياً عن هذا التخصيص عندما ألغته جامعة القاهرة، وكان عدولها في جميع الأحوال بقرارات تصدر من مجلس الجامعة. ففي جلسة 24 من أكتوبر سنة 1949 عرض على مجلس جامعة الإسكندرية اقتراح كلية الطب الموافقة على ترقية الأساتذة الدكاترة حسن صبحي وإبراهيم مصطفى صبري ومحمد عزيز برادة إلى درجة مدير عام (ب)، وقد ورد بمحضر جلسة مجلس الجامعة في هذا الصدد ما يأتي "تناقش المجلس في هذا الاقتراح في ضوء قواعد ترقية الأساتذة المتفرغين وغير المتفرغين التي سبق أن وافق عليها المجلس وأقرتها لجنة التنسيق بين جامعتي فاروق الأول وفؤاد الأول، وفي ضوء ما جرى عليه العمل بعد ذلك في جامعة فؤاد الأول من تخصيص درجات للأساتذة غير المتفرغين يرقون فيها على خلاف هذه القواعد، وبعد المناقشة وافق المجلس على اقتراح الكلية ترقية الأستاذ الدكتور حسن صبحي (متفرغ) إلى درجة مدير عام (ب)، وفيما يتعلق باقتراح ترقية كل من الأستاذين إبراهيم صبري ومحمد عزيز برادة (غير متفرغين) فقد رأى المجلس أن يطلب إلى لجنة التنسيق بين الجامعتين النظر في المبدأ الذي يتبع في ترقية الأساتذة غير المتفرغين". وبجلسة 27 من نوفمبر سنة 1949 أعيد عرض موضوع ترقية كل من الدكتور إبراهيم صبري ومحمد عزيز برادة، و"عرض الرئيس النظام الذي اتبع في جامعة فؤاد الأول بشأن تخصيص بعض الدرجات للأساتذة غير المتفرغين؛ إذ خصص لهم 3 درجات من 11 درجة مدرجة في الميزانية، وتناقش المجلس فيما يلزم العمل به في جامعة فاروق الأول من حيث التمسك بقرار لجنة التنسيق السابق، وهو قصر الترقية على الأساتذة المتفرغين أو السير على تخصيص درجات لهم وفق ما سار عليه العمل في جامعة فؤاد الأول، وبعد المناقشة وافق المجلس على تخصيص بعض درجات مدير عام (ب) للأساتذة غير المتفرغين والبعض الآخر للمتفرغين بنسبة 2 للفريق الأول و6 للفريق الثاني، وتطبيقاً لذلك وافق المجلس على ترقية كل من الأستاذين إبراهيم صبري ومحمد عزيز برادة لدرجة مدير عام (ب). وبجلستي 8 و11 من يناير سنة 1950 عرض على مجلس جامعة الإسكندرية أيضاً اقتراحان من كلية الطب: الأول، باقتراح الموافقة على ترقية الأستاذ جواد حمادة أستاذ جراحة العظام بها إلى وظيفة أستاذ (ب) من الدرجة الأولى، والثاني، باقتراح الموافقة على ترقية الدكتور محمود أنسي عابدين (ج) أمراض الأنف والأذن والحنجرة بها إلى وظيفة أستاذ (ب) من الدرجة الأولى، وقد "نظر المجلس في الاقتراحين المعروضين وافق على عليهما أخذاً بالقاعدة التي اتبعت في جامعة فؤاد الأول، وهي تخصيص نصف وظائف الأساتذة (ب) لكل من الأساتذة المتفرغين والأساتذة غير المتفرغين"، وبعد أن ألغت جامعة القاهرة قاعدة تخصيص درجات لكل من الأساتذة المتفرغين وغير المتفرغين، على ما هو ظاهر من الاطلاع على ميزانية السنة المالية 1951/ 1952 السالف الإشارة إليها، ألغت جامعة الإسكندرية هذه القاعدة، وأصبحت الترقيات منذ ذلك الحين تحكمها القواعد العامة التي تقضي بتفضيل الأقدم في الوظيفة العلمية، فإذا تساوت فصل الأقدم في الدرجة المالية.
ومن حيث إن القواعد التي وضعتها لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية ليست بذاتها ملزمة لأي منهما باتباعها، وإنما هي تستمد قوتها ووجودها من موافقة مجلسي الجامعتين عليها، فهما - والحالة هذه - المنشئان لتلك القواعد؛ ومن ثم فإن لهما بهذه المثابة أن يعدلا عن تلك القواعد أو أن يلغياها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، فإذا كان قد تبين لمجلسي الجامعتين - في ضوء التجارب وظروف الحال - أن العمل بتلك القواعد التي أقراها لا يحقق تماماً المصلحة العامة التي استهدفاها عند إقرارها، فلا تثريب عليهما إذا ما قررا قواعد جديدة إذا تراءى لهما أن ذلك أوفى بالغاية، ما دام لم يكن المقصود من ذلك التحايل في الخروج على هذه القواعد في التطبيق الفردي، أي ليست هناك إساءة لاستعمال السلطة؛ الأمر الذي لم يقم عليه أي دليل.
ومن حيث إن قرار ترقية الدكتورين حنا برسوم وشفيق قطري المطعون فيه قد صدر من مجلس الجامعة في 20 من مايو سنة 1953، واعتمده السيد وزير التربية والتعليم في 28 من يونيه سنة 1953، أي في وقت كانت قد ألغيت فيه القواعد الخاصة بإيثار المتفرغين على غير المتفرغين في الترقية إلى درجة الأستاذية أو تخصيص درجات لكل منهما، وأصبحت الترقيات خاضعة للقواعد العامة التي تقضي بتفضيل الأقدم في الوظيفة العلمية، فإن تساوت فضل الأقدم في الدرجة المالية.
ومن حيث إن الثابت أن المدعي والمطعون في ترقيتهما - وإن تساووا في الوظيفة العلمية - إلا أنهما يسبقانه في أقدمية الدرجتين الثالثة والثانية الماليتين؛ ومن ثم يعتبر المذكوران أقدم من المدعي.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم وللأسباب الأخرى التي أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليها فيما يتعلق بتوافر شرط الإنتاج العلمي لدى المطعون في ترقيتهما، يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويتعين لذلك رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق