جلسة 21 من فبراير سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني ومحيى الدين حسن وعلي إبراهيم البغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.
------------------
(73)
القضية رقم 162 لسنة 4 القضائية
حكم غير نهائي
- القانون رقم 79 لسنة 1956 - إلغاؤه بأثر رجعي قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8/ 4 و30/ 5 و11/ 7/ 1948 بتقرير معاملة خاصة لموظفي وعمال خط القنطرة شرق - رفح من حيث المرتبات والأجور وإعانة الغلاء - نصه على اعتبار الدعاوى المنظورة أمام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية المتعلقة بتطبيق قرارات مجلس الوزراء المشار إليها منتهية بقوة القانون واعتبار القرارات والأحكام غير النهائية كأن لم تكن - المقصود بالأحكام غير النهائية الأحكام المنظور بشأنها دعوى وقت نفاذ القانون أياً كان مثار النزاع فيها سواء تعلق بالشكل أو الدفوع أو الموضوع.
إجراءات الطعن
في 30 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة) بجلسة 2 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 2385 لسنة 2 ق المرفوعة من وزارة المواصلات ضد محمد فتحي علي يوسف، الذي قضى "باعتبار الخصومة منتهية بقوة القانون، ورد الرسوم المحصلة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم جواز الاستئناف، مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 11 من فبراير سنة 1958، وللمستأنف عليه في 12 من أكتوبر سنة 1958، وعين لنظره جلسة 24 من يناير سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الإيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية في 9 من نوفمبر سنة 1954 أقام المستأنف عليه الدعوى رقم 36 سنة 2 ق قال فيها إنه صدر من مجلس الوزراء قراران في 5 من مايو و11 من يوليه سنة 1948 بمنح الموظفين المنتدبين من مصلحة السكك الحديدية للعمل بخط القنطرة - رفح المرتبات المعادلة تماماً من حيث الماهية وغلاء المعيشة لأمثالهم من موظفي وعمال الخط الأصليين الذين كانوا يعملون بسكك حديد فلسطين فبل استيلاء الحكومة على الخط، وقد نفذ هذان القراران فعلاً ثم أوقف العمل بهما مؤقتاً اعتباراً من أول يونيه سنة 1950 بناء على تعليمات السيد المدير العام، ولما كان المدير العام لا يملك تعطيل قرار صادر من مجلس الوزراء فإنه يطلب الحكم باستحقاقه للمرتب وإعانة غلاء المعيشة المعادلة لمرتب زميله في الخط اعتباراً من 15 من فبراير سنة 1954. وقد ردت المصلحة بما مصلحه أن قراري مجلس الوزراء سالفي الذكر أوقف العمل بأحكامهما بناء على تعليمات المدير العام للمصلحة في أول يونيه سنة 1950. وبجلسة 31 من يناير سنة 1955 حكمت المحكمة "بأحقية المدعي في المرتب المعادل لأمثاله من موظفي خط القنطرة - رفح، اعتباراً من تاريخ ندبه للعمل بالخط المذكور، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعي عليها بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها على أنه "قد استقر رأيها على أن قرارات مجلس الوزراء الصادر في شأن خط سكك حديد فلسطين القنطرة شرق - رفح لا تزال قائمة للآن، طالما لم يصدر قرار آخر من ذات السلطة التي أصدرتها، وهى مجلس الوزراء، بإنهاء العمل بها؛ وعلى ذلك تكون هذه القرارات، ومن بينها القراران سالفا الذكر، سارية المفعول ومنتجة الأثر، ولا يقدح في ذلك ما ذهبت إليه المصلحة في الدعاوى المماثلة من أن قرار 11 من يوليه سنة 1948 لا يسري إلا بالنسبة لمن باشر عمله بالخط قبل صدوره...، إذ بالاطلاع على كل من قراري 30 من مايو و11 من يوليه سنة 1948 لم يتبين المعنى الذي تسوقه المصلحة في هذا الشأن، بل إن عباراتها جاءت عامة مطلقة، فتسري أحكامها على من ترى المصلحة الاستعانة بهم لإدارة الخط...". وبصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 5 من يوليه سنة 1955 استأنفت وزارة المواصلات الحكم المذكور وقيد الاستئناف برقم 2385 سنة 2 ق (استئناف)، وطلبت الحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية سالف الذكر، إلزام المستأنف ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. بجلسة 2 من ديسمبر سنة 1957 حكمت المحكمة "باعتبار الخصومة منتهية بقوة القانون، ورد الرسوم المحصلة". وأقامت المحكمة قضاءها على أنه لما كانت "طلبات المستأنف ضده الختامية أمام المحكمة الإدارية كانت تقرير أحقيته في صرف إعانة الغلاء طبقاً للنظام المقرر لموظفي خط القنطرة شرق - رفح عن المدة من أول مارس سنة 1950 إلى 31 من ديسمبر سنة 1953، وما يترتب على ذلك من آثار"، وأنه "لما كانت إعانة غلاء المعيشة من المرتبات الإضافية التي تنسب للمرتب وتأخذ حكمه فإن القضاء في استحقاق هذه الإعانة يترتب عليه آثار قانونية بعيدة المدى في مجموعة من الروابط اللائحية التي تحكم علاقة الموظفين والمستخدمين بالحكومة بحيث لا يمكن التكهن بها مقدماً؛ ومن ثم فإن الحكم الصادر بشأنها يكون قابلاً للاستئناف"، وأن "الحكم المستأنف قد صدر استناداً إلى أن العبرة في تطبيق أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1948 هو القيام بالعمل في خط سكك حديد فلسطين القنطرة شرق - رفح، وأن مدير عام مصلحة السكك الحديدية لا يملك التعديل من أحكام هذا القرار أو الحرمان من الانتفاع به؛ لأنه سلطة أدنى من السلطة التي أصدرته"، وأن "المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 1956 تقضى بأنه (مع عدم الإخلال بالأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة والقرارات النهائية الصادرة من اللجان القضائية والأحكام النهائية الصادرة من المحاكم الإدارية تعتبر ملغاة من أول مارس سنة 1950 قرارات مجلس الوزراء المشار إليها الصادرة في 18 من أبريل سنة 1948 و30 من مايو سنة 1948 و11 من يوليه سنة 1948 بتقرير معاملة خاصة لموظفي وعمال خط القنطرة شرق - رفح وامتداده داخل فلسطين، من حيث المرتبات والأجور وإعانة الغلاء)، ونصت المادة الثانية على أن تعتبر منتهية بقوة القانون الدعاوى المنظورة أمام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية المتعلقة بتطبيق قرارات مجلس الوزراء المشار إليها في المادة السابقة ابتداء من تاريخ إلغائها من أول مارس سنة 1950، وتعتبر كأن لم تكن القرارات والأحكام غير النهائية الصادرة في التظلمات والدعاوى التي من هذا القبيل من اللجان والمحاكم الإدارية، وترد الرسوم المحصلة عن الدعاوى سالفة الذكر"، وأنه لما كان "الحكم المستأنف لم يكن قد أصبح نهائياً بعد؛ ومن ثم يتعين الحكم باعتبار الخصومة منتهية بقوة القانون، وترد الرسوم المحصلة".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه لا خلاف من الناحية القانونية المجردة على المبدأ الذي ساقه الحكم المطعون فيه وانتهى به إلى القضاء بجواز الاستئناف، وإنما يقوم الخلاف على تطبيق هذا المبدأ على هذه الدعوى بذاتها؛ إذ الثابت أن المدعي أقام دعواه طالباً القضاء بأحقيته في صرف إعانة غلاء المعيشة بالقدر الذي كان يتقاضاه من حكومة الانتداب بفلسطين قبل ضمه إلى خدمة مصلحة السكة الحديد؛ وذلك إعمالاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من أبريل سنة 1948، وقد طلب صرف إعانة الغلاء من تاريخ قرار مدير المصلحة بحرمانه منها في أول مارس سنة 1950 حتى أول يناير سنة 1954، وهو التاريخ الذي سويت فيه حالته، وأن الفروق التي طالب بها المدعي وقضى بها الحكم المستأنف دون النصاب النهائي للمحكمة الإدارية، فإذا كان الأمر كذلك وكانت فروق إعانة غلاء المعيشة تختلف عن العلاوات الدورية التي تندمج في الراتب وتصبح جزءاً منه وتؤثر في المزايا التي تتقرر للموظف تبعاً لمقدار راتبه، فإن الدعوى - والحالة هذه - تكون واضحة المعالم ظاهرة الحدود، بحيث لا يمكن أن يقال إنها غير مقدرة القيمة. ولما كانت قيمة الدعوى دون النصاب النهائي للمحكمة الإدارية فإن الطعن بالاستئناف في الحكم الصادر فيها غير جائز؛ ومن ثم فلا يجوز الإخلال به طبقاً لحكم القانون رقم 79 لسنة 1956. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 1956 أن الشارع ألغى بنص صريح وبأثر رجعي قرارات مجلس الوزراء الصادر في 8 من أبريل سنة 1948 و30 من مايو سنة 1948 و11 من يوليه سنة 1948 بتقرير معاملة خاصة لموظفي وعمال خط القنطرة شرق - رفح وامتداده داخل فلسطين، من حيث المرتبات والأجور وإعانة الغلاء اعتباراً من أول مارس سنة 1950، فتعتبر هذه الحقوق وكأنها لم تكن، واستثنى الشارع من ذلك الحقوق التي تقررت بموجب أحكام من محكمة القضاء الإداري أو قرارات نهائية من اللجان القضائية أو أحكام نهائية من المحاكم الإدارية، وقد نصت المادة الثانية من القانون المشار إليه على اعتبار الدعاوى المنظورة أمام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية المتعلقة بتطبيق قرارات مجلس الوزراء المشار إليها في المادة الأولى ابتداء من تاريخ إلغائها من أول مارس سنة 1950 منتهية بقوة القانون، وتعتبر كأن لم تكن القرارات والأحكام غير النهائية الصادرة في التظلمات والدعاوى التي من هذا القبيل من اللجان القضائية والمحاكم الإدارية، وترد الرسوم المحصلة عن الدعاوى سالفة الذكر. ويبين من ذلك أن المقصود بالأحكام التي لا يمسها الأثر الرجعي هو تلك التي ما كانت وقت نفاذ القانون منظورة بشأنها دعوى، أما إذا كان ثمت طعن قائم بشأنها فيسري عليه الحكم المستحدث ذو الأثر الرجعي باعتبار الطعن فيها دعوى منظورة أياً كان مثار النزاع فيها، سواء تعلق بالشكل أو الدفوع أو الموضوع، ولا مندوحة من اعتبارها منتهية بقوة القانون دون الفصل فيها، سواء في شكلها أو في دفوعها أو في موضوعها؛ ومن ثم يكون الطعن على غير أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه سليماً في النتيجة التي انتهى إليها من اعتبار الخصومة منتهية بقوة القانون ورد الرسوم المصلحة، بقطع النظر عن تعرضه في الأسباب للبحث في جواز أو عدم جواز الاستئناف، إذ لم يكن مناص من النزول على حكم القانون من اعتبار الخصومة منتهية بقوته بغير فصل في الدعوى، سواء في شكلها أو في دفوعها أو في موضوعها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق