جلسة 21 من فبراير سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.
----------------
(74)
القضية رقم 545 لسنة 4 القضائية
إعانة غلاء معيشة
- قرار مجلس الوزراء في 29 من أكتوبر سنة 1952 - اشتراطه لاستحقاق إعانة الغلاء أن تصرف الأجور والرواتب من اعتماد مؤقت بالميزانية - القصد من ذلك أن يكون لهذا المصرف المالي قوام قانوني ثابت محدد المعالم لمواجهة نفقات الصرف - الحساب الجاري الذي يتكون من فروق الأسعار الناشئة من استيلاء الحكومة على بذرة القطن لأغراض التموين لقاء ثمن محدد ثم إعادة بيعها للمعاصر بثمن آخر - لا يعتبر اعتماداً مؤقتاً بالميزانية - صرف المدعي أجره من هذا الحساب الجاري يجعل تطبيق قرار 29 من أكتوبر سنة 1952 غير متوافر في حقه.
إجراءات الطعن
في يوم 20 من مايو سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 25 من مارس سنة 1958 في القضية رقم 389 لسنة 4 القضائية المرفوعة من السيد/ علي إبراهيم علي ضد مصلحة القطن ووزارة التجارة، القاضي "باستحقاق المدعي إعانة غلاء معيشة طبقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات المناسبة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وقد طلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، مع إلزام رافعها بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للمدعي في 14 من يونيه سنة 1958، وللحكومة في 17 و25 منه، وعين لنظره جلسة 18 من أكتوبر سنة 1958، وتأجلت لجلسة 13 من ديسمبر سنة 1958 للسبب المبين بالمحضر، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأودع المدعي مذكرة بدفاعه، وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 389 لسنة 4 القضائية أمام محكمة الإسكندرية الإدارية بعريضة مودعة في 12 من نوفمبر سنة 1955 مع قرار إعفائه من الرسوم القضائية طلب فيها الحكم باستحقاقه إعانة غلاء معيشة طبقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لذلك إنه عين في 13 من يناير سنة 1950 عاملاً بمصلحة القطن بأجر يومي قدره 220 م، وظل كذلك دون صرف إعانة غلاء المعيشة التي يقضي قرار مجلس الوزراء السالف الذكر بمنحها للموظفين والمستخدمين والعمال المعينين بصفة غير منتظمة على اعتماد مؤقت بعد مضي سنة من تاريخ تعيينهم، ومن مضى عليه منهم سنة تمنح له الإعانة من تاريخ موافقة مجلس الوزراء. وقال المدعي إن هذا القرار ينطبق بتوافر شرطين: الأول، أن يكون الموظف أو العامل معيناً بصفة غير منتظمة، والثاني، أن يكون معيناً على اعتماد مؤقت، وهذان الشرطان يتوافران في حقه؛ ذلك لأنه من العمال الموسميين الذين يعملون بصفة غير منتظمة. ثم أضاف المدعي بعد ذلك في مذكراته التي قدمها خلال نظر الدعوى طلباً احتياطياً، وهو منحه إعانة الغلاء بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ تعيينه طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في أول يوليه سنة 1941. وقد ردت الحكومة على ذلك بأن المدعي عين في سبتمبر سنة 1952 بأجر يومي قدره 140 م بصفة موسمية على حساب جاري بذرة القطن وليس على اعتماد مدرج بالميزانية وكان تعيينه كعامل عادي وطبقاً لقواعد كادر العمال، ومنح علاوة غلاء معيشة من تاريخ تعيينه؛ ومن ثم فلا ينطبق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952؛ لأنه غير معين على اعتماد مدرج بالميزانية، وطلبت رفض الدعوى. وبجلسة 25 من مارس سنة 1952 قضت المحكمة باستحقاق المدعي إعانة غلاء المعيشة طبقاً لقرار مجلس الوزراء السالف الذكر، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. وأسست قضاءها على أن وزارة التموين عمدت منذ عام 1942 إلى الاستيلاء على بذرة القطن، ثم تقوم بتوزيعها على المعاصر بأسعار أعلى لتحقق بذلك فرقاً تستخدمه في خفض أسعار المواد التموينية، وأسندت إلى قسم مراقبة القطن تنفيذ عملية الاستيلاء على البذرة والإشراف على توزيعها وحصرها، وقد عين المدعي ولفيف من زملائه ضمن الجهاز المكلف بالإشراف على تلك العملية، وكانت تصرف أجورهم من فروق الأسعار المتخلفة عن عملية الاستيلاء ثم توزيع البذرة على المعاصر، وهو ما أطلق عليه حساب جاري بذرة القطن، ولم تدرج هذه الأجور في صورة اعتماد واردة في الميزانية، ولكن كان ذلك يتم بطريقة حسابية عن طريق إدارة حسابات الحكومة، كما أن ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية لقرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 خاصاً بالموظفين والمستخدمين والعمال الذين يعينون على اعتمادات مؤقتة لا يستفاد منه أنه يجب أن يكون طالب الإعانة معيناً على اعتماد، بل يكفي قيام علاقة وظيفية بين الموظف أو المستخدم أو العامل وبين الدولة، وأن يتم هذا التعيين على مصرف مالي مؤقت أياً كانت صورته؛ ذلك لأن تصوير هذا المصرف في شكل اعتماد أو محاسبة خاصة تجريها إدارة الحسابات - كما هو شأن حساب بذرة القطن - لا يؤثر في الغرض من تقرير إعانة الغلاء.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القواعد الخاصة بإعانة غلاء المعيشة، كما يبين من مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 29 من أكتوبر سنة 1952، تقضي بألا تصرف هذه الإعانة للموظفين والمستخدمين والعمال المعينين بصفة غير منتظمة، وهؤلاء هم الذين يعينون على اعتمادات مؤقتة وليس لها صفة الدوام، ولما كانت هناك بعض الاعتمادات بالميزانية يجوز تعيين موظفين أو عمال عليها بالرغم من وصفها بأنها مؤقتة غير أنها قد تستمر إلى سنتين أو ثلاث أو أكثر بحسب نوع العمل المخصص له الاعتماد؛ لذلك رأى ديوان الموظفين أن الأمر يحتاج إلى وضع قواعد ثابتة لتنظيم حالات الموظفين أو المستخدمين أو العمال الذين يعينون على اعتمادات مؤقتة من حيث استحقاقهم علاوة غلاء المعيشة، واقترح منحهم إعانة غلاء بعد مضي سنة من تاريخ تعيينهم. وإذ يبين من هذه المذكرة أن شرط استحقاق إعانة الغلاء للموظفين المشار إليهم هو تعيين أمثالهم على اعتماد، وهذا الشرط غير متوافر في حالة المدعي الذي يتقاضى أجره من حساب لا يتوافر له هذا الوصف؛ فمن ثم يكون الحكم السالف الذكر قد خالف القانون، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت في الطعن رقم 719 لسنة 3 القضائية بجلسة 29 من نوفمبر سنة 1958 بأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 قصد به أن يشمل طائفة الموظفين والمستخدمين والعمال المؤقتين المعينين بصفة غير منتظمة ممن استطالت مدة خدمتهم سنة فأكثر من تاريخ تعيينهم بميزة الانتفاع بإعانة غلاء المعيشة بشرط أن يكون لمرتباتهم أو أجورهم مصرف من اعتماد مرصد لها في ميزانية المصلحة التي يتبعونها.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي عين عاملاً موسمياً على حساب جاري بذرة القطن في 17 من يناير سنة 1950 بأجر يومي قدره 150 م، ثم فصل في 8 من أكتوبر سنة 1950، ثم أعيد تعينه في 9 من أكتوبر سنة 1950، ثم فصل في 10 من يوليه سنة 1951، وأعيد تعيينه في 11 منه، وفصل في 14 من أكتوبر سنة 1951، ثم أعيد تعيينه في اليوم التالي، ثم فصل في 16 من سبتمبر سنة 1952، وأعيد تعيينه في اليوم التالي، ثم رفع أجره اليومي إلى 220 م اعتباراً من 5 من أكتوبر سنة 1952، وهكذا إلى أن فصل من خدمة المصلحة بالاستقالة اعتباراً من 11 من مارس سنة 1956 لتعيينه كاتباً في الدرجة الثامنة بوزارة التربية والتعليم. ولما صدر قرار مجلس الوزراء في 29 من أكتوبر سنة 1952 استطلعت المصلحة رأي ديوان الموظفين في مدى تطبيقه على العمال المعينين على حساب جاري بذرة القطن، فأفاد بعدم منحهم إعانة غلاء المعيشة؛ لأن أجورهم لا تصرف من اعتماد ثابت في الميزانية لهذا الغرض. وكانت المصلحة قد تقدمت في أوائل أكتوبر سنة 1952 إلى وزارة المالية والاقتصاد طالبة زيادة أجور هؤلاء العمال بمثابة تعويض لهم لعدم منحهم إعانة غلاء معيشة ولتعذر إنشاء اعتماد خاص بهم في الميزانية؛ لأن عملهم مؤقت ينتهي بانتهاء عملية الاستيلاء على بذرة القطن وبانتهاء موسمها، فوافق السيد الوزير في 18 من أكتوبر سنة 1952 على رفع أجرهم اليومي إلى 220 م على أساس أن أجورهم لا يصرف عنها إعانة غلاء، وكان المدعي يوصف في جميع المكاتبات والأوراق التي يحويها ملف خدمته بأنه من العمال الموسميين والمؤقتين المعينين على حساب جاري بذرة القطن.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 - إذ اشترط لمنح إعانة الغلاء أن تصرف الأجور والرواتب من اعتماد مؤقت بالميزانية - إنما قصد أن يكون لهذا المصرف المالي قوام قانوني ثابت محدد المعالم لمواجهة نفقات الأجور والمرتبات، وهو ما لا يتحقق في الحساب الجاري الذي كان يصرف منه على أجور المدعي وأمثاله، والذي يتكون من فروق الأسعار الناشئة من استيلاء الحكومة على بذرة القطن لأغراض التموين لقاء ثمن محدد ثم إعادة بيعها للمعاصر بثمن آخر؛ وبهذه المثابة فإن الحساب الجاري يضيق ويتسع فقد لا يتمخض عنه وفورات تكفي لمواجهة نفقات الأجور فضلاً عن إعانة الغلاء، فيتمتع - والحالة هذه - قياسه على الاعتماد المؤقت الذي تقدر فيه الأجور وملحقاتها على وجه التحديد، وعلى هذا الأساس فإن شرط تطبيق قرار مجلس الوزراء سالف الذكر متخلف في حالة المدعي، وقد عولجت حالته وحالة أمثاله برفع أجورهم ليكون ذلك عوضاً لهم عن إعانة الغلاء، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ويتعين إلغاؤه، ورفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق