جلسة 9 من نوفمبر سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد بهجت عتيبه المستشارين.
----------------------
(4)
القضية رقم 882 لسنة 13 القضائية
(أ) - دعوى "طلبات في الدعوى - تكييفها" - يخضع لرقابة القضاء باعتباره تفسيراً لنية المدعي الحقيقية
- طلب المدعي في صحيفة دعواه أولاً الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار المطعون فيه وثانياً في الموضوع الإحالة إلى الدائرة المختصة للفصل في النزاع - قيامه بدفع الرسم المستحق عن طلبي وقف التنفيذ والإلغاء عند إقامة الدعوى - دلالة ذلك كله أن المدعي قصد إلى تضمين صحيفة دعواه طلبي وقف تنفيذ القرار وإلغائه.
(ب) - محال تجارية وصناعية - القانون رقم 453 لسنة 154 بشأن المحال التجارية والصناعية
- جواز وقف إدارة المحل بالطريق الإداري في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام نتيجة هذه الإدارة - مصنع تعسيل الأدخنة - قيام صاحب المصنع بزراعة التبغ محلياً - عمل مؤثم - ولكنه لا يبرر في ذاته وقف إدارة المصنع - احتمال استعمال هذا التبغ في المصنع على نحو يتحقق معه هذا الخطر أمر مبعثه الظن ولا يتحقق معه وجود الخطر المسوغ للإغلاق.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 433 لسنة 21 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد السادة محافظ سوهاج ووزير الحكم المحلي ومدير عام مصلحة الجمارك ووزير الخزانة، بصحيفة أودعت سكرتيرية تلك المحكمة في 13 من ديسمبر سنة 1966 طالباً: أولاً: الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار الصادر من المدعى عليه الأول بصفته بغلق مصنع الطالب واعتباره كأن لم يكن وإعادة حال المصنع إلى ما كانت عليه. ثانياً: وفي الموضوع بالإحالة إلى الدائرة المختصة للفصل قي هذا النزاع. وفي الحالين إلزام المدعى عليهم متضامنين بالمصاريف ومقابل الأتعاب. وقال المطعون عليه شرحاً لدعواه إنه يملك مصنعاً للدخان المعسل والنشوق بشارع الأنصاري بجرجا مرخص بإدارته بمقتضى الترخيص رقم 26 لسنة 1959 الصادر من مصلحة الجمارك في 17 من فبراير سنة 1959 والترخيص الصادر من وزارة الإسكان والمرافق رقم 43/ 18/ 1674 واستمر يباشر نشاطه في المصنع إلى أن فوجئ في 31 من أكتوبر سنة 1966 بغلق المصنع إدارياً بموجب قرار صادر من محافظ سوهاج ولما رجع إلى المحافظة علم أن الإغلاق تم بناء على طلب إدارة الإنتاج بمصلحة الجمارك لاتهامه في القضية رقم 194 لسنة 1966 جمرك القاهرة وموضوعها زراعة أشجار دخان مما يتوافر معه قيام خطر داهم على الصحة العامة يسوغ الإغلاق عملاً بالمادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954، ونعى المدعي على القرار صدوره مخالفاً للقانون مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة. ذلك أن المشرع حدد شروطاً معينة لسحب الرخصة والغلق الإداري وحصرها في مخالفة القوانين واللوائح الخاصة بصناعة الدخان والمعسل في حين لم تقع بالمصنع مخالفة واحدة وأن إدارته تشكل خطراً داهماً على الصحة العامة أو الأمن العام، وأما اتهامه بزراعة الدخان فإنه لا يقوم مبرراً للإغلاق إذ لم يثبت قيام علاقة بين هذه الزراعة والصناعة التي يمارسها إذ أن المصنع كان يستخدم منذ إنشائه إلى تاريخ صدور قرار الغلق دخاناً مشترى من الغير بمقتضى فواتير رسمية وهذا ثابت في دفتر الإنتاج الرسمي ودفاتر المصنع ومن ثم فلا يجوز غلق المصنع استناداً إلى حكم المادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954 إذ أن الظن الذي ساور إدارة الإنتاج من احتمال تصنيع الدخان المزروع بذلك المصنع ليس من شأنه أن يوفر حالة الخطر الداهم على الصحة العامة وهي حالة لا تتوافر إلا بضبط المصنع متلبساً وأما زراعة الدخان فعقوبتها منصوص عليها في القانون رقم 92 لسنة 1964، يضاف إلى ذلك أن الغلق الإداري إنما يتم طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954 من مدير إدارة الرخص بناء على طلب فرع إدارة الرخص الواقع في دائرته المحل المراد غلقه وليس بناء على اقتراح إدارة الإنتاج وانتهى المدعي إلى أن القرار المطعون فيه قد أضر به ضرراً بليغاً يتفاقم كل يوم بسبب منعه من مزاولة عمله الذي يعتبر مصدر رزقه ولذلك يكون ركنا الاستعجال والخطر قائمين في الدعوى.
وردت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة ضمنتها أن القرار المطعون فيه صدر ممن يملك إصداره إذ أن وزير الشئون البلدية والقروية فوض ممثلي وزارته في المحافظات اختصاصات المدير العام لإدارة اللوائح والرخص الواردة في المادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954 وذلك بموجب القرار رقم 720 لسنة 1961، ثم أوردت المذكرة الملابسات التي اكتنفت إصدار القرار فذكرت أن إدارة الإنتاج بمصلحة الجمارك أخطرت محافظة سوهاج بكتابها المؤرخ 27 من يونيه سنة 1966 أنه تم بتاريخ أول مارس سنة 1966 ضبط ما يزيد على سبعة أفدنة منزرعة دخاناً تخص المدعي وقيدت الواقعة قضية جمركية برقم 194 لسنة 1966 القاهرة وقد أبدى المدعي إثر واقعة الضبط استعداده، للتنازل عن الترخيص لعدم قدرته على مواصلة العمل بمصنعه ثم عاد وطلب السماح له باستئناف العمل بالمصنع وطلبت الإدارة العامة لشئون الإنتاج بمصلحة الجمارك النظر في إغلاق المصنع إدارياً استناداً إلى المادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954 لأن الاستمرار في تشغيل المصنع باستعمال الدخان المزروع خفية يؤدي إلى الإضرار باقتصاد البلاد وصحة المستهلكين وبناء على ذلك صدر قرار محافظ سوهاج رقم 898 لسنة 1966 بتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1966 بغلق المصنع بالطريق الإداري إغلاقاً كلياً وذلك طبقاً للمادة 12 المشار إليها. إذ لا تشترط تلك المادة للإغلاق تحقق الخطر الداهم على الصحة العامة أو الأمن العام وإنما تكتفي بوجود ما يؤدي إلى ذلك كما هو الشأن في هذه الحالة إذ لا يمكن أن يكون استغلال الدخان المزروع بعيداً عن مصنع المدعي وفي ذلك إضرار باقتصاد البلاد وصحة المستهلكين.
وبتاريخ 9 من مايو سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار محافظة سوهاج بغلق مصنع تعسيل الدخان المملوك للمدعي بمدينة جرجا بالطريق الإداري إغلاقاً كلياً وألزمت الجهة الإدارية مصروفات الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها موضوعاً وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها وأقامت قضاءها على أنه وإن كان القرار قد صدر من المحافظ بمقتضى التفويض الصادر من وزير الشئون البلدية والقروية بالقرار رقم 720 لسنة 1961 فإن الظاهر من الأوراق أنه وإن كان قد أسند إلى المدعي زراعة ما يزيد على سبعة أفدنة مملوكة له دخان إلا أنه لم يثبت أن المدعي استعمل الدخان المزروع ضبطه في تشغيل مصنعه وأن الأصل في التأثيم ألا يؤخذ بالشك أو الظن بل لثبوته من قيام دليل يقيني قاطع وأن الأوراق قد خلت مما يفيد اقتراف المدعي مخالفة في المصنع يمكن معها القول بأن هناك خطراً داهماً على الصحة العامة يسوغ تدخل الإدارة في إغلاق المصنع إدارياً ومن ثم فإن ركن الجدية في طلب المدعي يسانده الظاهر من الأوراق وأن ركن الاستعجال متوافر إذ أن غلق المصنع المملوك له يلحق به بالغ الضرر وهو مورد رزقه ومن يعولهم من أولاده.
ويقوم الطعن على أن المدعي لم يطلب وقف تنفيذ القرار وإنما طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار موضوع الطعن وفي القضاء له بغير ما طلب مخالفة صريحة للقانون وأن شرط القضاء بوقف التنفيذ أن يضمن المدعي هذا الطلب صحيفة الدعوى وذلك على ما تقضي به المادة 21 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وأن الحكم أخطأ إذ استند إلى أنه لم يثبت أن المطعون ضده قد استعمل الدخان الذي زرعه خفية في صناعته ذلك أن الإدارة وهي بصدد إصدار قرارها هي وحدها التي تقدر ضرورة إصداره وأن الثابت أن المطعون ضده يقوم بزراعة الدخان خفية وقد أدانه القضاء وهو في ذات الوقت يملك مصنعاً لتصنيع الدهان فقدرت الإدارة أنها لا تطمئن إلى عدم استعمال المدعي الدخان المزروع أو جزء منه في صناعته، فأصدرت قرارها بدافع من المصلحة العامة، كما أخطأ الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى توافر ركن الاستعجال ذلك أنه متى كان في الإمكان جبر الضرر فإنه لا يكون هناك ثمة نتائج يتعذر تداركها إذ لو قضي فرضاً بإلغاء القرار فإن باب التعويض يجبر كل ضرر يكون قد لحق المطعون ضده من جزاء إغلاق المصنع. ولذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف تنفيذ القرار المطعون والقضاء برفض الطلب. وأن تأمر دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلى أن يفصل في هذا الطعن وذلك مع إلزام المطعون ضده بالمصرفات.
ومن حيث إنه بالنسبة لما قام عليه الطعن من أن المطعون ضده لم يطلب في صحيفة دعواه وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وأن الحكم إذ قضى بوقف التنفيذ يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم وانطوى على مخالفة القانون، فإن ذلك مردود بأن تكييف الدعوى. إنما يخضع لرقابة القضاء باعتباره تفسيراً للنية الحقيقية التي قصدها المدعي وأنه لما كان ذلك وكان الثابت من الاطلاع على صحيفة الدعوى انتهى فيها إلى طلبين:
الأول: الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن.
الثاني: في الموضوع الإحالة إلى الدائرة المختصة للفصل في النزاع.
وأورد المدعي في صحيفة الدعوى أن القرار المطعون فيه أضر به ضرراً بليغاً يتفاقم كل يوم بسبب منعه من مزاولة عمله المشروع الذي يعتبر مصدر رزقه وأن ركن الاستعجال متوافر في الدعوى، وقد قام المدعي بأداء الرسم المستحق عن طلبي وقف التنفيذ والإلغاء عند إقامة الدعوى.
من حيث إن تضمين المدعي صحيفة دعواه الطلبين المشار إليهما وأحدهما طلبه الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار المطعون فيه والآخر طلب الحكم في موضوعها الذي ينحصر في طلب الإلغاء, وتبريره، في صحيفة الدعوى، طلب الحكم في الطلب المستعجل بتوافر ركن الاستعجال، وأدائه عند إقامة الدعوى الرسم المستحق عن طلبي وقف التنفيذ والإلغاء واضح الدلالة في أن المدعي قصد إلى تضمين صحيفة دعواه طلبي وقف تنفيذ القرار وإلغائه لذلك يكون الحكم المطعون فيه وقد تصدى للفصل في طلب وقف التنفيذ فإنه يكون قد كيف الدعوى تكييفاً سليماً ويكون النص عليه بمخالفة القانون لقضائه بما لم يطلبه المدعي غير سديد.
ومن حيث إنه بالنسبة لموضوع الطلب، فإن طلب وقف تنفيذ القرار الإداري يقوم على ركنين: الأول قيام الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها والثاني متصل بمبدأ المشروعية، بأن يكون ادعاء الطلب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن مدير عام الإدارة العامة لشئون الإنتاج بمصلحة الجمارك أخطر محافظة سوهاج بكتابه المؤرخ 27 من يوليه سنة 1966 بأنه في أول مارس سنة 1966 تم ضبط ما يزيد على سبعة أفدنة دخاناً وأن الأرض التي ضبطت فيها الزراعة تخص السيد/ محمد عبد الرحيم فرغلي صاحب مصنع تعسيل الدخان بجرجا المرخص به من مصلحة الجمارك وأن الواقعة قيدت قضية جمركية برقم 194 لسنة 1966 القاهرة وطلبت الإدارة العامة لشئون الإنتاج في مكاتباتها النظر في إغلاق المصنع إدارياً طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954 لأن الاستمرار في تشغيله باستعمال الدخان المزروع خفية يؤدي إلى الإضرار باقتصاد البلاد وصحة المستهلكين وبناء على ذلك صدر قرار محافظ سوهاج رقم 898 لسنة 1966 بغلق مصنع تعسيل الدخان بمدينة جرجا والمملوك للمطعون ضده إغلاقاً كلياً بالطريق الإداري.
ومن حيث إن المادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية التجارية تنص على أنه في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام نتيجة لإدارة محل من المحال التي يسري عليها أحكام هذا القانون يجوز لمدير إدارة الرخص بناء على اقتراح فرع الإدارة الذي يقع في دائرته المحل إصدار قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً، ويكون هذا القرار واجب النفاذ بالطريق الإداري - ومفاد ذلك الشأن أن المناط في إيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً بالطريق الإداري بالتطبيق لهذه المادة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو الآمن العام نابع من إدارة المحل ونتيجة لهذه الإدارة.
ومن حيث إنه وإن كانت زراعة التبغ محلياً يعتبر تهريباً طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ يعاقب مرتكبه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون المذكور، فإن ارتكاب صاحب المصنع لهذا الفعل وإن كان مؤثماً, لا يتحقق معه في ذاته وجود خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام يسوغ إغلاق المصنع بالطريق الإداري بالتطبيق للمادة 12 من القانون رقم 453 لسنة 1954 إلا إذا ثبت استعمال هذا الدخان في المصنع على نحو يتحقق معه وجود هذا الخطر الداهم أما احتمال استعمال الدخان المزروع على نحو يتحقق معه هذا الخطر فهو أمر مبعثه الظن ولا يتحقق معه وجود الخطر المسوغ للإغلاق.
ومن حيث إنه لما كان ذلك، وكانت الإدارة لم تذهب في دفاعها إلى أن المطعون ضده استعمل دخاناً مزروعاً على نحو يخالف القانون في المصنع الذي يملكه وقد خلت الأوراق مما ينبئ باستعمال هذا الدخان في المصنع لذلك فإن طلب وقف التنفيذ قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية.
ومن حيث إنه عن ركن الاستعجال، فإنه لما كان تنفيذ القرار المطعون عليه ينجم عنه أضرار جسيمة قد يتعذر تداركها تتمثل في حرمان المطعون ضده من الانتفاع بالمصنع وهو مورد رزقه فضلاً عن تشريد عدد من العاملين فيه وهم يعولون أسراً لذلك يكون ركن الاستعجال متوافراً ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه وبالتالي يكون الطعن قد قام على غير سند من القانون مما يتعين معه رفض الطعن وإلزام الحكومة المصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الطاعنة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق