جلسة 4 من أبريل سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.
-----------------
(96)
القضية رقم 65 لسنة 4 القضائية
حكم
- الحكم الصادر برفض دعوى مرفوعة من موظف بأحقيته في مرتبه عن مدة فصله - لا يجوز قوة الأمر المقضي في الدعوى التي يرفعها بالمطالبة بتعويض الضرر المادي المترتب على قرار الفصل - أساس ذلك.
إجراءات الطعن
في أول يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة صحيفة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الصحة بجلسة 2 من نوفمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 442 لسنة 4 ق المرفوعة من السيد/ عبد الوهاب غنايم ضد وزارة الصحة والمالية، والقاضي "بإلزام الحكومة بأن تؤدي للمدعي مبلغ 200 ج والمصروفات المناسبة ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وقد طلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض عن الأضرار المادية، والقضاء للمدعي بالتعويض المناسب عن ذلك، مع إلزام الحكومة بمصروفات هذا الطلب. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 5 من يناير سنة 1958، وإلى المدعي في 22 من الشهر المذكور، وعين لنظره جلسة 13 من ديسمبر سنة 1958، وأجلت لجلسة 31 من يناير سنة 1959 للمرافعة، ثم لجلسة 21 من فبراير سنة 1959 للمرافعة كذلك، وقد سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات، وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي عين بخدمة وزارة الصحة العمومية في 12 من ديسمبر سنة 1938، وفي 20 من سبتمبر سنة 1945 صدر قرار بفصله من الخدمة لسوء السلوك، ثم أعيد للخدمة في سنة 1950 مع اعتبار مدة خدمته متصلة، ثم لم يلبث أن فصل ثانية في 1/ 4/ 1952 طبقاً للقانون رقم 36 لسنة 1952 الخاص بإلغاء الاستثناءات على أساس أن إعادة تعيينه في سنة 1950 - رغم سبق فصله في سنة 1945 - يعد خروجاً على القواعد العامة، فيعتبر استثناء أصبح باطلاً بموجب القانون المذكور. ولكنه أعيد ثانية إلى الخدمة بالحالة التي كان عليها قبل الفصل بناء على فتوى إدارة الرأي المختصة بأن إعادة تعيينه في سنة 1950 هي في الواقع سحب لقرار الفصل الأول؛ لما تبين من أنه قرار باطل معدوم الأثر، فما كان من المدعي إلا أن طالب بتسوية حالته؛ على أساس أن هذا القرار لم يصدر في حقه بما يترتب على ذلك من استحقاقه لراتبه عن مدة الفصل، مع اعتبار مدة خدمته كلها متصلة، لكن تظلمه لم يجد نفعاً، فاضطر إلى إقامة الدعوى رقم 2642 لسنة 7 ق أمام محكمة القضاء الإداري يطلب فيها: أولاً - استحقاقه لصرف ماهيته عن مدة الفصل. ثانياً - حساب هذه المدة كأنها مدة خدمة. ثالثاً - إلزام الحكومة بأن تدفع إليه مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت لما أصابه من ضرر مادي وأدبي من جراء الفصل الباطل. وقد بان للمحكمة أن قرار الفصل باطل؛ وبذلك يكون المدعي محقاً في طلب التعويض عن كافة الأضرار التي سببها له، إلا أنه بالنسبة للمرتب فإنه لما كان استحقاقه رهيناً بقيام الموظف بعمله، فإن امتنع عليه ذلك لسبب أو لآخر انتفى بالتبعية سبب المطالبة به، مما يتعين معه رفض طلب صرف هذا المبلغ، بخلاف حساب المدة في الخدمة فإن سببها قيام رابطة التوظيف، وهو متحقق في حالة المدعي باستبعاد قرار الفصل الباطل؛ لذلك انتهت بجلسة 1/ 4/ 1956 إلى الحكم له بحساب مدة الفصل في مدة خدمته، وبإلزام الحكومة بأن تدفع له مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت، وبرفض استحقاقه للمرتب عن مدة الفصل. وأنه بعد أن حصل المدعي على هذا الحكم أقام الدعوى رقم 15296 لسنة 10 ق أمام محكمة القضاء الإداري يطلب فيها الحكم له بالتعويض النهائي الذي قدره بمبلغ 2200 ج كتعويض مناسب عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته نتيجة فصله من الخدمة على النحو الموضح بعريضة الدعوى. وبجلسة 12/ 5/ 1957 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الصحة، ثم بجلسة 2 من نوفمبر سنة 1957 أصدرت المحكمة الإدارية لوزارة الصحة حكمها بإلزام الحكومة بأن تؤدي للمدعي مبلغ مائتي جنيه مصري والمصروفات المناسبة ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات. وقالت المحكمة إنها لا ترى محلاً للقضاء للمدعي بالتعويض عن الأضرار المادية؛ إذ أن هذه الأضرار تتمثل في راتبه الذي حرم منه عن مدة الفصل، وهذا هو عين الطلب الذي رفضته محكمة القضاء الإداري، فبالتالي تكون المطالبة به في صورة أخرى هي في الحقيقة إحياء للنزاع ذاته، فإذا لوحظ أن المدعي لم يقدم دليلاً على أنه ظل عاطلاً طيلة تلك المدة، أو أنه استدان ما يعادل هذا المبلغ كان لا محل للقضاء له بالتعويض عن هذه الأضرار. أما عن الضرر الأدبي فلا شك متحقق في شأن المدعي؛ الأمر الذي تعوضه عنه بالمبلغ الذي حكمت له به. وقد طعنت هيئة المفوضين في هذا الحكم؛ مؤسسة الطعن على أنه يتضح من الوقائع المتقدمة الذكر أنه غير صحيح أن محكمة القضاء الإداري رفضت طلب المدعي تعويضه عما أصابه من أضرار مادية حتى يدفع طلبه بسابقة الفصل فيه، بل الصحيح أنها رفضت استحقاقه للمرتب على أساس أن المرتب رهين بأداء العمل، لكن هذا لا يمنع الموظف الذي حيل بينه وبين عمله من الرجوع على من تسبب بفعله في خلق هذا الوضع بالتعويض المناسب، متى كون هذا الفعل خطأ مستوجباً التعويض لاختلاف الطلبين في الصورتين سبباً وموضوعاً؛ إذ المرتب في طلب التعويض؛ ليس إلا أحد العناصر المقومة له باعتبار أنه بعض ما فات المضرور من كسب نتيجة هذا الفعل الذي كان السبب المباشر في عدم قيام الموظف بأعمال وظيفته، ثم بالتالي في حرمانه من الراتب المستحق عن هذا العمل، يدخله القاضي في تقديره لعناصر التعويض، شأن غيره من العناصر المكونة له، مثل العلاوات والترقيات التي فاتت عليه فرصة الحصول عليها بسبب هذا الفعل. والقاعدة أن المدعي هو المكلف ببيان أوجه هذه العناصر، فهو الذي يدعى حصول الضرر فعليه البينة، على أن هذه القاعدة تكملها قاعدة أخرى تقول إن من يدعي خلاف الظاهر عليه هو عبء الإثبات. ففي ضوء هاتين القاعدتين اللتين ترسمان الأصل العام في الإثبات يتوزع عبؤه بين الخصوم؛ ومن ثم فإنه إذا كان من الواضح أن المدعي حرم فعلاً من راتبه نتيجة حرمانه من عمله، فإنه يكون على الحكومة - إن ادعت أن الموظف أفاد خلال فترة فصله بمقدار ما كان يصيب لو لم يفصل - أن تقيم الدليل على ذلك، أما أن يثقل كاهل الموظف بإثبات عكس ذلك، فهذا في الواقع تكليف بمستحيل لا يقره القانون؛ مما كان يتعين معه - إزاء عجز الحكومة عن تقديم دليل مقنع يفيد عكس هذا الظاهر - القضاء للمدعي بالتعويض عن الأضرار المادية المترتبة على قرار الفصل الباطل. وانتهى رئيس هيئة المفوضين إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض عن الأضرار المادية، والقضاء للمدعي بالتعويض المناسب عن ذلك، وإلزام الحكومة بمصروفات هذا الطلب.
ومن حيث إنه يبين من المساق المتقدم أن مثار المنازعة هو ما إذا كان الحكم الصادر برفض طلب المدعي صرف مرتبه عن مدة فصله من الخدمة يمنع المدعي من إقامة دعوى جديدة بالمطالبة بالتعويض، وبخاصة عن الضرر المادي المترتب على قرار الفصل المذكور.
ومن حيث إنه وإن اتحد الخصوم في القضية الأولى الخاصة بالمطالبة بالراتب وفي القضية الخاصة بالتعويض إلا أن السبب والموضوع يختلفان: فالسبب في الأولى هو ما يزعمه المدعي من أن اعتبار مدة الفصل متصلة يترتب عليه لزوماً استحقاقه للراتب عنها، بينما سبب الدعوى الثانية هو الإدعاء ببطلان قرار الفصل، مما يترتب عليه التعويض عن هذا القرار، أما الموضوع في الدعوى الأولى فهو الراتب، وفي الثانية هو التعويض، والفرق ظاهر بين الطلبين، وإن كان الراتب يكون عنصراً من عناصر التعويض، إلا أن هذا بذاته لا يجعل الراتب هو التعويض بداهة.
ومن حيث إن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالتعويض المؤقت في الدعوى رقم 2642 لسنة 7 ف قد حاز قوة الشيء المقضي فيه سواء بالنسبة للضرر المادي أو الأدبي، وقد أقيمت الدعوى الحالية تأسيساً على الحكم المذكور لتقدير قيمة التعويض بشقيه.
ومن حيث إنه عن الضرر المادي فإنه ثابت بملف خدمة المدعي أنه اعترف بأنه كان عضواً في نقابة الصحفيين، كما أن هذه النقابة سألت عما إذا كان في خدمة الحكومة أم فصل منها، وأنه ولو أن هذين الكتابين كانا في سنتي 1952 و1953، إلا أنهما يدلان على أن المدعي يشتغل بالصحافة؛ مما يرشح للذهن أنه كان يعمل أثناء مدة فصله أو أنه على الأقل كان يستطيع أن يعمل؛ ومن ثم فترى المحكمة - بمراعاة هذه الظروف - القضاء للمدعي بمبلغ ثلثمائة جنيه جبراً للضرر المادي الذي حاق به عن قرار فصله، كما ترى تأييد الحكم بالنسبة لمبلغ المائتي جنيه قيمة التعويض عن الضرر الأدبي للأسباب التي أوردها الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص، وتكون جملة التعويض عن الضررين المادي والأدبي مبلغ خمسمائة جنيه، وهو ما ترى المحكمة تعديل الحكم إليه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه، والقضاء للمدعي بتعويض شامل قدره خمسمائة جنيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق