جلسة 23 من نوفمبر سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت محمود عتيبه المستشارين.
----------------
(7)
القضية رقم 587 لسنة 11 القضائية
(أ) - قرار إداري
- قرار إحالة ضابط الشرطة إلى الاحتياط - من شأنه تنحية الضابط عن وظيفته وسلبه حقوقها ومزاياها واعتبار الرتبة التي كان يشغلها شاغرة وإبقاؤه مدة لا تزيد على سنتين متربصاً إعادته إلى الخدمة يحال بعدها إلى المعاش بقرار من المجلس الأعلى للشرطة ما لم يقرر قبلها إعادته إلى الخدمة العاملة - هذا القرار يتعين أن تثبت ضرورته لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام.
(ب) محاكمة تأديبية
- الأصل فيها أن من يبدي رأيه يمتنع عليه الاشتراك في نظر الدعوى والحكم فيها - أساس ذلك - مثال.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن القرار المطعون فيه صدر في 3 من يناير سنة 1965 وفي 21 من فبراير سنة 1965 تقدم الطاعن بطلب لإعفائه من رسوم الطعن تقرر قبوله في 5 من إبريل سنة 1965 فأقام هذا الطعن بإيداع تقدير به قلم كتاب المحكمة في 22 من مايو سنة 1965.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعات تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 22 من أغسطس سنة 1964 أصدر وكيل وزارة الداخلية قراراً بإحالة الرائد فاروق محمد حافظ الشاذلي الضابط بمديرية أمن المنيا إلى مجلس تأديب هيئة الشرطة لمحاكمته تأديبياً عن التهم التالية:
1 - السلوك المخل بكرامته وباعتبار الهيئة التي ينتمي إليها:
وذلك لأنه في خلال عام 1964 ماطل رئيس سفرجية النادي هلال حسن أحمد والشرطي غريب محمد محمود مندوب المشتريات به والسفرجي موسى عبد الكريم في دفع قيمة طلباته من النادي والتي بلغت 33 جنيه و235 مليم طوال مدة سبعة شهور تقريباً رغم مطالبتهم المستمرة له بهذا المبلغ حتى اضطروا إلى تسديده نيابة عنه - ولم يقم بالوفاء إلا بعد أن شرعت إدارة النادي في التحقيق - وكشف التحقيق الذي أجرته سكرتارية النادي عن مدى الهوان الذي تعرض له الضابط بسبب ذلك إذ كان السفرجية يتهربون منه كلما طلب منهم تقديم طلبات له أو لضيوفه.
2 - السلوك المعيب: وذلك لأنه:
( أ ) ادعى في المذكرة التي قدمها وكيله عن قرار إسقاط عضويته من النادي - ودون أن تكون له أية صفة في ذلك - بأن له جهوداً في تحقيق ما أسماه مطالب الضباط والتي كانت ثمرتها - كما قال - جنيهات وفيرة دخلت إلى جيوبهم.
(ب) وجه في المذكرة سالفة الذكر عبارات نابية إلى رئيس نادي ضباط الشرطة تنطوي على الإسفاف وتتنافى مع آداب الكتابة التي يجب أن يتحلى بها ضابط ينتسب إلى هيئة ذات طبيعة نظامية - كما نسب إليه أموراً لو صحت لأوجبت مؤاخذته دون أن يقيم دليلاً على صحتها.
وسلك مسلكاً سلبياً في التحقيق إذ قرر أن فحص هذه الأمور ليس من شأن وزارة الداخلية على نحو ما هو وارد في الأوراق والمذكرات المرافقة.
وقد دفع الرائد فاروق الشاذلي بعدم صلاحية هيئة المجلس وطلب تنحية أعضائه بالتطبيق لنص المادة 64 من قانون هيئة الشرطة بدعوى أن أعضاء المجلس هم في الوقت ذاته أعضاء في المجلس الأعلى للشرطة الذي نظر في قرار إحالته إلى الاحتياط وطلب قفل المجلس وفقاً للبند 74 من قانون الأحكام العسكرية واحتياطياً تأجيل المجلس إلى أجل غير مسمي مع تعيين صديق يختاره هو إلى جانبه عند نظر الاتهام على النحو المقرر في قانون الأحكام العسكرية ولحين أن تفصل جهات القضاء في الادعاءات المرفوعة منه - كما دفع بعدم - اختصاص المجلس بنظر ما نسب إليه من اتهامات باعتبار أن قانون الأحكام العسكرية هو الواجب التطبيق في هذه الحالة بالاستناد إلى المفهوم من الفقرة الثالثة من المادة 137 من قانون هيئة الشرطة - ودفع أيضاً من باب الاحتياط بعدم جواز محاكمته لسابقة توقيع جزاءات تأديبية عليه ذلك لأنه نقل على غير الوجه المقرر في النقل وأنه قد أسقطت عنه عضوية النادي وأنه قد سبقت إحالته إلى الاحتياط - وطلب سماع شهود ولكن المجلس رأى إجابة هذا الطلب وقرر بجلسته المنعقدة في 8 من نوفمبر سنة 1964:
أولاً: رفض طلب تنحية المجلس.
ثانياً: رفض الدفع بعدم اختصاص المجلس واختصاصه بنظر الدعوى.
ثالثاً: رفض الدفع بعدم جواز المحاكمة والحكم بجوازها.
رابعاً: إدانة الضابط فاروق محمد حافظ الشاذلي في جميع ما نسب إليه من تهم عدا الشق الأخير من الاتهام الثاني ومعاقبته عنها بخفض رتبته إلى رتبة نقيب مع تخفيض مرتبه إلى نهاية مربوط هذه الرتبة واعتباره أقدم ضابط فيها.
وقد استأنفت الوزارة هذا القرار في 19 من نوفمبر سنة 1964 استناداً إلى أنه قد أخطأ إذ برأ الضابط المذكور من الشق الأخير من الاتهام الثاني وإلى أن العقوبة التي وقعها لا تتلاءم مع ما أسند إليه مما يستوجب عزله.
كما استأنف الضابط القرار أيضاً في 6 من ديسمبر سنة 1964 وطلب للأسباب المبينة بتقرير الاستئناف قبوله شكلاً وفي موضوعه بإلغاء القرار المستأنف واعتباره كأن لم يكن شاملاً كافة آثاره وبقبول الطلبات السابق طلبها من المجلس الابتدائي.
وبجلسة 3 من يناير سنة 1965 أصدر مجلس التأديب الاستئنافي قراره المطعون فيه برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف المقدم من وزارة الداخلية - وبقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوعهما برفضهما وتأييد القرار المستأنف - وجاء في أسباب هذا القرار أن الضابط الطاعن قد دفع بتنحية رئيس المجلس الاستئنافي وأن المادة 64 من القانون رقم 61 لسنة 1964 - بنظام هيئة الشرطة قضت بأنه في حالة وجود سبب من أسباب التنحي المنصوص عليها في قانون المرافعات بالنسبة إلى أحد أعضاء المجلس يجب عليه التنحي عن نظر الدعوى التأديبية وللضابط المحال إلى المحاكمة حق طلب تنحيته - وأنه بالرجوع إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية يبين أن الفقرة الخامسة من المادة 313 تؤكد عدم الصلاحية في حالة ما إذا كان عضو المجلس قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها - وأن هذا القيد لم يتحقق بالنسبة لنظر موضوع إحالة الضباط إلى الاحتياط أمام المجلس الأعلى للشرطة ذلك أنه موضوع متعلق بأحكام خاصة واردة في قانون هيئة الشرطة ولم يكن ضمن ما عرض الاتهامات المحاكم من أجلها أمام مجلس التأديب ولم يكن لمجلس الشرطة أن يناقش هذه الاتهامات ذلك أن الاختصاص في هذه الحالة منوط بمجلس التأديب دون غيره فيكون الدفع في غير محله - وأنه عن الدفع بالرد فإن قانون هيئة الشرطة لم ينص على الأخذ به فيكون هذا الدفع حقيقاً بالرفض - أما عن الدفع بعدم جواز نظر الاستئناف المقدم من الوزارة والقائم على أنها لم تطلب إصدار القرار بأقصى العقوبة فإنه لا يقوم على أساس - كما تضمنت الأسباب أن المجلس الاستئنافي يعتنق ما استند إليه مجلس التأديب بالنسبة إلى ثبوت التهمة الأولى والتهمة الثانية ( أ ) وأن الطاعن برئ من التهمة الثانية (ب) - أما التهمة الواردة في الفقرة الأخيرة من الاتهام الثاني فإنها ثابتة في حقه فيكون استئناف الوزارة صحيحاً بالنسبة إليها - وانتهى المجلس الاستئنافي في أسباب قراره إلى أنه يرى أن النتيجة التي انتهى إليها مجلس التأديب بالنسبة للعقوبة كافية في حقه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار قد خالف القانون برفضه تنحية ورد رئيس مجلس التأديب الاستئنافي ومن ساهم في عضوية مجلس الشرطة الأعلى الذي أصدر قرار إحالة الطاعن إلى الاحتياط جزاء على نفس الادعاءات التي أقيمت بها الدعوى التأديبية عليه رغم أنهم بذلك يكونون قد أبدوا رأيهم في تلك الادعاءات - كما شابه بطلان لعدم صدوره باسم الأمة وخلوه من الأسباب وعدم إبلاغه إلى الطاعن شاملاً أسبابه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره ولاشتراك رئيس مجلس التأديب الابتدائي السابق تنحيته في عضوية مجلس التأديب الاستئنافي - ولاشتراك مستشار مساعد في عضويته - ولإخلاله بحقوق الطاعن في الدفاع عن نفسه بعدم إجابته إلى طلب إجراء تحقيق ورفضه طلبه استدعاء شهود - كما خالف القرار القانون برفضه الدفع بعدم اختصاص مجلس التأديب الفصل في الادعاءات المنسوبة إلى الطاعن باعتبارها غير متعلقة بشئون وظيفته تطبيقاً لقانون الأحكام العسكرية وبرفضه الدفع بعدم جواز استئناف وزارة الداخلية والدفع بعدم جواز محاكمة الطاعن عن ادعاءات سبق لمجلس إدارة نادي ضباط الشرطة مجازاته عنها وأوقع مجلس الشرطة الأعلى عقوبتها ونقلته وزارة الداخلية جزاء عليها وأحالته إلى الاحتياط - كما شاب القرار عيب إساءة استعمال السلطة لرفضه كل مطلب أبداه الطاعن ولأنه أدانه في ادعاءات باطلة غير صحيحة وأوقع عليه الجزاء الذي فرضه عليه مجلس التأديب الابتدائي وهو جزاء لا يتناسب مع المخالفات المنسوبة إليه على فرض وقوعها منه - وأودع الطاعن مذكرة بدفاعه أصر فيها على طلباته.
ومن حيث إن وزارة الداخلية قد عقبت على الطعن بمذكرة قالت فيها إن قانون هيئة الشرطة لم يأخذ بالرد وأن مجلس الشرطة الأعلى يقوم بأعمال ولائية خاصة بأعضاء الهيئة في حدود ما نص عليه القانون والأعمال الولائية لا تقيد القاضي ولا تمنعه من نظر الموضوع - كما أن الإحالة إلى الاحتياط إجراء مؤقت قد يكون لصالح الموظف إذا كان مريضاً أو لأسباب تتعلق بالصالح العام حماية للوظيفة العامة فهو أقرب ما يكون إلى الوقف عن العمل ومن ثم لا يكون مانعاً من نظر الموضوع وأشارت الوزارة إلى مسئولية الطاعن عن الخطاب الموجه من محاميه إلى رئيس نادي ضباط الشرطة وإلى أن سوء سلوكه في غير النطاق الوظيفي ينعكس أثره على الوظيفة العامة - وذكرت أن ما استند إليه الطاعن من عدول بعض الشهود عن أقوالهم لا يطمأن إليه وانتهت إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أنه بتاريخ 27 من أغسطس سنة 1964 صدر قرار من وكيل وزارة الداخلية بإحالة الطاعن إلى مجلس تأديب هيئة الشرطة لمحاكمته تأديبياً عن التهم السابق بيانها وقبل أن ينعقد مجلس التأديب لمحاكمته عرض أمره على المجلس الأعلى للشرطة بجلسته المنعقدة في 9 من سبتمبر سنة 1964 الذي قرر الموافقة على إحالته إلى الاحتياط - وتضمن محضر جلسة المجلس بيان الأسباب التي بني عليها قراره على الوجه الآتي:
(هذا الضابط ماطل رئيس السفرجية وبعض العمال بنادي ضباط الشرطة في دفع قيمة طلباته حتى سددوها نيابة عنه لخزانة النادي ولم يدفعها لهم إلا بعد أن شعر بإجراء تحقيق في الموضوع مما اضطر مجلس إدارة النادي إلى إصدار قرار بإسقاط عضويته - بعد ذلك قدم هذا الضابط مذكرة إلى سكرتارية النادي بشأن إسقاط العضوية اشتملت على عبارات نابية فيها مساس وقذف في حق السيد رئيس مجلس إدارة النادي ونسب إليه أموراً لو صحت لأوجبت مؤاخذته دون أن يقدم دليلاً على صحتها - ولما حل عليه الدور للترقية لرتبة رائد عرضت حالته على المجلس الأعلى للشرطة ولم يكن موضوع القذف في حق رئيس النادي انتهى تحقيقه فدعاه المجلس ونصحه بأن يسلك سلوكاً مستقيماً - ثم رأت الوزارة إحالة هذا الضابط إلى المحاكمة التأديبية بسبب ما أسنده إليه رئيس مجلس إدارة النادي - وبالرغم من نصحه أمام المجلس وإعلانه بأنه سيحاكم تأديبياً إذا استمر في السلوك المخل بكرامة الوظيفة والمنافي للروح النظامية ويدل على التمرد فرفع دعوى جنحة مباشرة ضد السيد رئيس النادي وضمن عريضة الدعوى قذفاً في حقه فنسب إليه التبديد والتحريض لإصدار قرار إسقاط العضوية وأنه سينال لقاء ذلك جزاءه من عقوبات بدنية ومالية تردعه وتقفه عند حده - وترى مصلحة التفتيش العام عرض حالته على المجلس الأعلى للشرطة للنظر في إحالته إلى الاحتياط - مع استمرار محاكمته تأديبياً لأن إحالة الضابط إلى الاحتياط لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام - إجراء وقائي تنظيمي لتحقيق الصالح العام ولا يرتبط بالمحاكمة التأديبية والمساءلة الإدارية).
وكان من بين أعضاء المجلس الأعلى للشرطة الذين اشتركوا في إصدار القرار بالموافقة على إحالة الطاعن إلى الاحتياط حسبما هو ثابت في محضر جلسته كل من: (اللواء أحمد فتحي رجب وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن العام والشرطة والأستاذ يحيي البشري المستشار المختص لإدارة الفتوى والتشريع) واللواء محمود محمد الشافعي مدير مصلحة الأمن العام.
وقد انعقد مجلس التأديب الابتدائي لموظفي هيئة الشرطة لمحاكمة الطاعن في 27 من سبتمبر سنة 1964 برئاسة اللواء محمود محمد الشافعي وقرر تأجيل المحاكمة لجلسة 12 من أكتوبر سنة 1964 لوجود مانع لدى رئيس المجلس من نظر الدعوى باعتباره كان عضواً حاضراً في مجلس الشرطة الأعلى الذي أصدر قرار بإحالة الضابط إلى الاحتياط - وبعد أن أصدر مجلس التأديب بجلسته المنعقدة في 8 من نوفمبر سنة 1964 قراره فيما أبدي أمامه من دفع وفي موضوع الدعوى التأديبية - استأنفه الضابط الطاعن كما استأنفته وزارة الداخلية -.
وانعقد مجلس التأديب الاستئنافي برئاسة اللواء أحمد فتحي رجب وكان من بين أعضائه الأستاذ يحيى عبد الفتاح البشري - وبجلسة 2 من يناير سنة 1965 طلب الحاضر من الطاعن أن يتنحى رئيس المجلس لأنه كان عضواً بمجلس الشرطة الأعلى الذي قرر إحالته إلى الاحتياط للأسباب موضوع المحاكمة - وبجلسة 3 من يناير سنة 1965 أصدر المجلس قراره المطعون فيه.
ومن حيث إن من بين أسباب الطعن على هذا القرار أن مجلس التأديب الاستئنافي إذ رفض تنحية أو رد رئيسه ومن ساهم من أعضائه في عضوية مجلس الشرطة الأعلى الذي أصدر قرار إحالة الطاعن إلى الاحتياط جزاء على ذات الادعاءات موضوع الدعوى التأديبية - يكون قد شابه ما يبطله.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن من بين الأسباب التي قام عليها قرار المجلس الأعلى للشرطة بالموافقة على إحالة الطاعن إلى الاحتياط ما انطوت عليه المخالفات المنسوبة إليه والتي أقيمت عنها الدعوى التأديبية عن سلوك مخل بكرامة الوظيفة ومناف للروح النظامية ودال على التمرد - ثم استمراره في هذا السلوك رغم نصحه - كما أن الثابت من الأوراق أيضاً أن اثنين ممن اشتركا في إصدار قرار مجلس الشرطة الأعلى بصفتهما عضوين فيه وهما اللواء أحمد فتحي رجب والأستاذ يحيى البشري قد اشتركا أيضاً في إصدار قرار مجلس التأديب الاستئنافي المطعون فيه بصفتهما عضوين في هذا المجلس.
ومن حيث إنه لا مقنع في القول بأن قرار الإحالة إلى الاحتياط إجراء مؤقت شبيه بالوقف عن العمل أو عمل ولائي ليس من شأنه أن يؤثر على صلاحية من اشترك في إصداره لعضوية مجلس التأديب الذي يتولى محاكمة الضابط عن ذلك أن قرار الإحالة إلى الاحتياط من شأنه تنحية الضابط عن وظفته وسلبه حقوقها ومزاياها واعتبار الرتبة التي كان يشغلها شاغرة وإبقاؤه مدة لا تزيد على سنتين متربصاً إعادته إلى الخدمة يحال بعدها إلى المعاش بقرار من المجلس الأعلى للشرطة ما لم يقرر هذا المجلس قبل نهايتها إعادته إلى الخدمة العاملة - والقرار الذي يؤدي إلى مثل هذه النتائج الخطيرة يتعين وفقاً لما تقضي به المادة 83 من قانون هيئة الشرطة رقم 61 لسنة 1964 - أن تثبت ضرورته لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام - وإذ قام قرار إحالة الطاعن إلى الاحتياط إلى الأسباب السابق الإشارة إليها - فإن ذلك ينطوي على إفصاح المجلس الأعلى للشرطة الذي عرض عليه الأمر عن اقتناعه بصحة تلك الأسباب وبثبوت ما نسب إلى الطاعن من مخالفات - وبأن في هذه المخالفات سلوكاً مخلاً بكرامة الوظيفة ومنافياً للروح النظامية.
ومن حيث إن الأصل في المحاكمات الجنائية والتأديبية أن من يبدي رأيه يمتنع عليه الاشتراك في نظر الدعوى والحكم فيها وذلك ضماناً لحيدة القاضي أو عضو مجلس التأديب الذي يجلس من المتهم مجلس الحكم بينه وبين سلطة الاتهام - حتى يطمئن إلى عدالة قاضيه وتجرده عن التأثر بعقيدة سبق أن كونها عن التهم موضوع المحاكمة - وقد رددت هذا الأصل المادتان 247، 248 من قانون الإجراءات الجنائية - كما بينت المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الأحوال التي يكون فيها القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم ومن بين هذه الأحوال سبق الإفتاء أو الكتابة في الدعوى أي إبداء الرأي فيها - ورتبت المادة 314 منه جزاء البطلان على عمل القاضي أو قضائه في الأحوال المتقدمة (وهاتان المادتان تقابلان المادتين 146، 147 من قانون المرافعات الصادر به القانون رقم 13 لسنة 1968) - وقد أحال قانون هيئة الشرطة إلى قانون المرافعات بنصه في المادة 64 منه على أنه (في حالة وجود سبب من أسباب التنحي المنصوص عليها في قانون المرافعات بالنسبة إلى أحد أعضاء المجلس يجب عليه التنحي عن نظر الدعوى التأديبية وللضابط المحال إلى المحاكمة طلب تنحيته..) ولئن كان هذا النص قد ورد في شأن مجلس تأديب ضباط الشرطة - إلا أنه وقد ردد أصلاً عاماً من أصول المحاكمات فإنه ينطبق أيضاً على أعضاء مجلس التأديب الاستئنافي - كما ينطبق على أعضاء مجلس التأديب الأعلى الذين رددت المادة 75 من القانون هذا الأصل في شأنهم.
ومن حيث إنه كان من بين أعضاء مجلس التأديب الاستئنافي الذي أصدر القرار المطعون فيه عضوان سبق لهما إبداء الرأي فيما نسب إلى الطاعن من مخالفات باشتراكهما في إصدار قرار مجلس الشرطة الأعلى بالموافقة على إحالته إلى الاحتياط على الوجه السابق بيانه - فإن القرار المطعون فيه يكون قد شابه عيب جوهري في تشكيل المجلس الذي أصدره يترتب عليه بطلانه بسبب عدم صلاحية العضوين المذكورين وقيام المانع لديهما من نظر الاستئناف.
ومن حيث إنه لذلك - ودون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن - يتعين القضاء ببطلان القرار المطعون فيه بإعادة الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب الاستئنافي للفصل فيها مجدداً بهيئة مشكلة تشكيلاً سليماً - مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه ببطلان القرار المطعون فيه وبإعادة الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة للفصل فيها مجدداً وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق