الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 يوليو 2023

الطعن 54 لسنة 4 ق جلسة 14 / 2 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 65 ص 784

جلسة 14 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

-------------------

(65)

القضية رقم 54 لسنة 4 القضائية

ترقية 

- الأصل أنه لا يجوز طبقاً للمادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ترقية الموظف غير المؤهل إلى أعلى من الدرجة الخامسة - إجازة هذه المادة استثناء ترقية الموظفين غير المؤهلين الذين بلغوا الدرجة الخامسة فعلاً أو جاوزوها عند صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 إلى الدرجة التالية لدرجتهم فقط - الترقية في هذه الحالة جوازية - حجة ذلك.

---------------------
إن المستفاد من نص المادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن القانون وضع حداً أعلى لسلم الدرجات بالنسبة للموظفين غير الحاصلين على مؤهلات دراسية حفظاً للمستوى الوظيفي، وكانت الدرجة السادسة هي الحد الذي وضعته الحكومة أولاً، ثم رأى البرلمان التوسعة على هؤلاء الموظفين فرفع هذا الحد إلى الدرجة الخامسة، أي أن الأصل ألا يتعدى الموظف غير المؤهل الدرجة الخامسة، إلا أنه لما كانت هناك طائفة من هؤلاء الموظفين بلغوا الدرجة الخامسة فعلاً أو جاوزوها إلى الدرجة التالية لها عند صدور القانون رقم 210 لسنة 1951؛ فقد رؤى - استثناء من الأصل العام - جواز ترقيتهم إلى الدرجة التالية لدرجتهم فقط. وليس من شك في أن هذه الترقية - وهي استثناء من الأصل - إنما هي جوازية متروك تقديرها للجهة الإدارية على ما هو ظاهر من صريح نص المادة 35 السالفة الذكر، فضلاً عن الحكمة التي استهدفها المشرع من تقرير الحكم الذي تضمنته هذه المادة، وهي المحافظة على المستوى الوظيفي؛ ومن ثم لم يجعل القانون للموظفين الحاليين غير المؤهلين سبيلاً للترقية إلا بالقدر الذي تراه الجهة الإدارية محققاً للمصلحة العامة، أي أن يكون الموظف جديراً بأن يرقى إلى الدرجة التالية لوظيفته.


إجراءات الطعن

في 16 من ديسمبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 31 من أكتوبر سنة 1957 في الدعويين رقمي 854 و855 لسنة 11 ق المرفوعتين من عطا الله عزيز ضد وزارة العدل، القاضي "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 10 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية، وما يترتب على ذلك من آثار، وبعدم قبول الدعوى بالنسبة للقرار الصادر في 31 من مارس سنة 1956 لانتفاء المصلحة، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعويين، وإلزام المدعي بمصروفاتهما". وقد أعلن الطعن للحكومة في 21 من ديسمبر سنة 1957، وللمدعي في 26 منه، وعين لنظره جلسة 13 من ديسمبر سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة العدل في 16 من يونيه سنة 1956 أقام المدعي الدعوى رقم 357 لسنة 3 ق ضد وزارة العدل ونجيب تادرس طلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 251 الصادر من السيد وزير العدل في 10 من مارس سنة 1956 بترقية السيد/ نجيب تادرس إلى الدرجة الرابعة الإدارية، والقرار الصادر في 27 من مايو سنة 1956 برفض التظلم المقدم من المدعي عن القرار رقم 251 سالف الذكر، والحكم بترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة الإدارية التي خلت من قبل يوليه سنة 1955، وذلك ابتداء من أول يوليه سنة 1955، مع ما يترتب على ذلك من صرف فروق المرتب والعلاوات الدورية، مع إلزام الوزارة بالمصروفات. وقال في بيان ذلك إنه يشغل وظيفة سكرتير محكمة استئناف المنصورة بالدرجة الخامسة الإدارية، وهو أقدم الموظفين في هذه الدرجة، حيث حصل عليها في 31 من مارس سنة 1951، وقد خلت وظيفة بالدرجة الرابعة قبل يوليه سنة 1955، وكان المدعي بحكم أقدميته أول المرشحين لهذه الدرجة، إلا أنه في 10 من أغسطس سنة 1955 صدر قرار من السيد الوزير بقيد السيد/ نجيب تادرس على الدرجة الرابعة، مع أنه لم يكن قد أمضى في الدرجة الخامسة ثلاث السنوات اللازمة قانوناً للترقية إلى الدرجة الرابعة، فتظلم المدعي من هذا القرار، ولكن تظلمه رفض. وفي 10 من مارس سنة 1956 أصدر السيد الوزير القرار رقم 251 بترقية نجيب تادرس الموظف بمحكمة استئناف مصر إلى الدرجة الرابعة المقيد عليها اعتباراً من التاريخ المذكور، فتظلم المدعي من ذلك القرار أيضاً، ولكن تظلمه رفض، وأعلن به المدعي في 28 من مايو سنة 1956. من أجل ذلك أقام المدعي هذه الدعوى طعناً في القرار رقم 251 سالف الذكر؛ مؤسساً طعنه على ما يأتي: بني القرار المطعون فيه على ما جاء بالمادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من أن الموظفين غير الحاصلين على مؤهل دراسي لا يجوز ترقيتهم إلى أعلى من الدرجة الخامسة إذا لم يكونوا قد وصلوا إليها بعدُ حين صدور ذلك القانون، غير أن من يكون من أولئك الموظفين في ذلك الوقت قد وصل إلى تلك الدرجة أو درجة أعلى منها، فإنه يجوز ترقيته إلى الدرجة التالية لدرجته فقط، ولم يقصد القانون من هذا النص أن يجعل ترقية مثل هذا الموظف أمراً جوازياً للسلطة الإدارية تمنحه إن شاءت وتحرم منه إن شاءت، بل إن القانون أراد بهذا النص المفارقة بين طائفتين من الموظفين الذين لا يحملون مؤهلات في وقت صدوره: الطائفة الأولى، هي طائفة الموظفين الذين لا يكونون قد وصلوا بعدُ - وقت صدور القانون - إلى الدرجة الخامسة. والطائفة الثانية، هي طائفة الموظفين الذين يكونون قد وصلوا - وقت صدوره - إلى تلك الدرجة أو أية درجة أخرى أعلى منها، أما الطائفة الأولى فقد منع القانون ترقيتهم بصفة مطلقة إلى ما بعد الدرجة الخامسة؛ أو بمعنى آخر أنه أجاز ترقيتهم طبقاً للأصول المتبعة دواماً وعلى وجه الاستمرار إلى أن يصلوا إلى الدرجة الخامسة، ثم تقف ترقيتهم بصفة مطلقة إلى أن يحالوا إلى المعاش. أما الطائفة الثانية فقد قصد القانون بالنسبة لهم في الفقرة الثانية من المادة 35 أن يخالف ما سبق النص عليه في الفقرة الأولى منها بأن جعل من الممكن ترقيتهم إلى درجة أعلى من درجتهم متخطين بذلك الحد الأعلى الذي وضعه القانون للموظفين غير ذوي المؤهلات وهو الدرجة الخامسة، ويظل حقهم في الترقية ثابتاً طبقاً للأصول المتبعة، ومتى جاء دورهم استحقوا الترقية ولكن إلى الدرجة التي تلي درجتهم فقط دون غيرها إلى أن يحالوا إلى المعاش. والقول بغير ذلك يعطي الجهة الإدارية الحق في أن تمنع الترقية منعاً باتاً عن موظفيها بصفة مطلقة نهائية؛ لأن جميع نصوص القانون رقم 210 لسنة 1951 قد صيغت في معرض الكلام عن الترقيات بلفظ الجواز، مع أن الترقية حق ثابت وقانوني مقرر للموظفين. وعلى أساس هذا الفهم الصحيح كان يتعين ترقية المدعي، وهو أقدم موظفي الدرجة الخامسة، بل هو المستحق الوحيد للدرجة الرابعة إلى تلك الدرجة. وحكم القانون في هذا الشأن واضح كل الوضوح من نص المادة 39 التي تقضي بأن الترقيات إلى سائر درجات الكادرين الفني المتوسط والكتابي يكون بالأقدمية فيما عدا استثناء بسيط خاص بالترقية - في نسبة مئوية ضعيفة - على أساس الاختيار للكفاية. ولا يغيب عن الذهن أن الاختيار للكفاية مرجعة التفاضل بين اثنين كل منهما مستحق للترقية عند خلو الدرجة، وإذا قيل بأن الترقية هي من إطلاقات الإدارة فقد وجب أن تستعملها في حدود التطبيق القانوني الصحيح، فإما ألا ترقى أحداً وإما أن تعطيها لصاحب الحق فيها وهو الأقدم. وبصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة العدل في 3 من سبتمبر سنة 1956 أقام المدعي الدعوى رقم 407 سنة 3 ق ضد وزارة العدل والسيد/ حسن فهمي طلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 314 الصادر من السيد وزير العدل في 31 من مارس سنة 1956، بترقية السيد/ حسن فهمي إلى الدرجة الرابعة الإدارية، والقرار الصادر في 6 من أغسطس سنة 1956 برفض التظلم المقدم من المدعي، والحكم له بنفس الطلبات التي تضمنها طعنه السابق المقيد برقم 357 سنة 3 ق. واستند في دعواه إلى ما ورد بصحيفة دعواه الأولى رقم 357 سنة 3 ق على ما سلف البيان. وقد ردت الوزارة على الدعوى فقالت ما محصله إنه في 28 من يوليه سنة 1955 اجتمعت لجنة موظفي محاكم الاستئناف نظراً لخلو وظيفة من الدرجة الرابعة الإدارية، واستعرضت كشف أسماء موظفي الدرجة الخامسة الإدارية، فتبين لها أن الأول في كشف الأقدمية، وهو السيد عطا الله عزيز، لا يحمل مؤهلاً علمياً. وتطبيقاً لنص المادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951 رأت اللجنة تركه وترقية من يليه وهو السيد/ نجيب تادرس. وقالت اللجنة إنه لما كان السيد/ نجيب تادرس يكمل مدة الثلاث السنوات في الدرجة الخامسة الإدارية في 6 من مارس سنة 1956؛ فقد اقترحت اللجنة قيده على الدرجة الرابعة الإدارية مع ترقيته إليها اعتباراً من 7 من مارس سنة 1956 حيث إنه يؤدي عمله بحالة مرضية وحسنت الشهادة في حقه، وأن الوظيفة التي يشغلها هي رياسة قلم المستخدمين لمحاكم الاستئناف ذات مسئولية كبيرة، بينما يشغل المدعي وظيفة سكرتير محكمة استئناف المنصورة، وهي وظيفة أقل مسئولية من الوظيفة الأولى. ثم رفعت اللجنة محضرها للسيد الوزير مع مذكرة فاضلت فيها بين السيد/ نجيب تادرس والمدعي، وانتهت إلى أن الأول يفضل الثاني في الكفاية، وأنها لذلك لم تر محلاً لاستعمال حقها الجوازي في ترقية المدعي. وفي 10 من أغسطس سنة 1956 صدر القرار الوزاري رقم 1221 بقيد السيد/ نجيب تادرس على الدرجة الرابعة الإدارية، فقدم المدعي التظلم رقم 1187 لسنة 1956، وطلب إعادة النظر في القرار المتظلم منه، وقد رأى السيد المفوض في 22 من أكتوبر سنة 1956 رفض التظلم، فأمر السيد الوزير في 24 من أكتوبر سنة 1956 برفضه. وقد خلت بعد ذلك درجة رابعة أخرى عرضت على لجنة شئون الموظفين بجلسة 3 من ديسمبر سنة 1955، وبعد أن استعرضت اللجنة أسماء موظفي الدرجة الخامسة رأت - كما رأت بالنسبة للدرجة السابقة - ترك المدعي وترقية من يليه في الأقدمية، وهو السيد/ حسن فهمي الذي حسنت الشهادة في حقه، فضلاً عن أنه أكبر من المدعي سناً وسوف يحال إلى المعاش قبله. ولما كان السيد/ حسن فهمي يكمل مدة الثلاث السنوات بالدرجة الخامسة في 6 من مارس سنة 1956 فقد اقترحت اللجنة قيده على الدرجة الرابعة الإدارية مع ترقيته إليها في 7 من مارس سنة 1956. وفي 31 من ديسمبر سنة 1955 صدر القرار الوزاري رقم 1884 بقيد السيد/ حسن فهمي على الدرجة الرابعة الإدارية، وقد تظلم المدعي من ذلك القرار ورفض تظلمه، ثم صدر بعد ذلك القرار الوزاري رقم 251 في 10 من مارس سنة 1956 بترقية السيد/ نجيب تادرس إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 10 من مارس سنة 1956، فتظلم المدعي مرة أخرى من قرار الترقية سالف الذكر، كما تظلم من قرار قيد السيد/ حسن فهمي على الدرجة الرابعة، وقد قضى في التظلمين بالرفض، ثم صدر بعد ذلك القرار الوزاري رقم 314 في 31 من مارس سنة 1956 بترقية السيد/ حسن فهمي إلى الدرجة الرابعة، فتظلم منه المدعي أيضاً. وانتهت الوزارة من كل ذلك إلى أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم من القانون؛ ومن ثم يتعين رفضها. وبجلسة 14 من أبريل سنة 1957 حكمت المحكمة الإدارية في كل من الدعويين بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري لاختصاصها. واستندت في ذلك إلى أن القرار المطعون فيه يمس مركز موظف من الفئة العالية بالكادر الإداري. وبجلسة 31 من أكتوبر سنة 1957 حكمت محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقمي 854 و855 سنة 11 ق بإلغاء القرار الصادر في 10 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية، وما يترتب على ذلك من آثار، وبعدم قبول الدعوى بالنسبة للقرار الصادر في 31 من مارس سنة 1956 لانتفاء المصلحة، وألزمت الحكومة بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن المادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951 "قد وضعت قاعدة عامة مقتضاها جواز ترقية الموظفين غير الحاصلين على شهادات دراسية إلى أعلى من الدرجة الخامسة، ثم جاءت باستثناء لهذه القاعدة في الفقرة الثانية منها قصدت بها استثناء الموظفين الذين كانوا وقت صدور القانون في الدرجة الخامسة أو في درجة أعلى منها، فأجازت ترقيتهم إلى الدرجة التالية لدرجتهم فقط، ولم يقصد بعبارة "تجوز" إعطاء الإدارة سلطة مطلقة في منع الترقية أو منحها لمن تشاء، بل المقصود بذلك إعطاء الإدارة سلطة تقديرية، وهي السلطة المخولة لها في جميع الأحوال التي ترى فيها ترقية الموظف، سواء أكانت بالأقدمية أم بالاختيار، وإذا ما استوفى الموظف الشروط اللازمة للترقية بالأقدمية ورأت الوزارة ملاءمة شغل الوظيفة؛ فعندئذ تلتزم بترقية هذا الموظف، وإذا ما تخطته فتكون قد أساءت استعمال سلطتها"، وأنه يبين من الاطلاع على محضر لجنة شئون الموظفين المنعقدة في 28 من يوليه سنة 1955 أن اللجنة استعرضت كشف أسماء موظفي الدرجة الخامسة الإدارية، ووازنت بين المدعي - الذي لا يحمل مؤهلاً علمياً - وبين السيد/ نجيب تادرس، ثم "رأت تخطي المدعي على أساس أنه لا يحمل مؤهلاً دراسياً، وأن وظيفته أقل مسئولية من وظيفة المطعون في ترقيته". وأنه لما كانت "المادة 38 من قانون نظام موظفي الدولة نصت على أن الترقيات إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري تكون بالأقدمية في الدرجة وأوضحت النسب التي تجوز الترقية فيها بالاختيار، كما نصت المادة 40 على أنه (في الترقيات إلى الدرجات المخصصة منها نسبة للأقدمية ونسبة أخرى للاختيار يبدأ بالجزء المخصص للترقية بالأقدمية ويرقى فيه أقدم الموظفين مع تخطي الضعيف إذا كان قد قدم عنه تقريران سنويان متتاليان بدرجة ضعيف)"، وأنه "يبين من محضر لجنة شئون الموظفين المشار إليه أن الترقية إلى الدرجة الرابعة المطعون فيها كانت في نسبة الأقدمية، وأن الأسباب التي استندت إليها اللجنة في تفضيل السيد/ نجيب تادرس على المدعي لا تخول ترك المدعي في الترقية طالما أنه لم يقدم عنه تقريران سنويان متتاليان بدرجة ضعيف"، وأنه "بالنسبة للدعوى رقم 854 لسنة 11 ق فإنه وقد ثبتت أحقية المدعي في طلب إلغاء قرار وزير العدل الصادر في 10 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية، فليس ثمت مصلحة للمدعي في إلغاء القرار الصادر في 31 من مارس سنة 1956، والقاضي بترقية السيد/ حسن فهمي إلى الدرجة الرابعة الإدارية التي خلت بعد ذلك؛ ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبولها".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه واضح من نص المادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن المشرع قصد إلى وضع حد ثابت لسلم الترقية للموظفين غير الحاصلين على شهادات دراسية تنتهي عند الدرجة الخامسة؛ باعتبار ما قدره من أن وظائف الدرجة الرابعة وما يعلوها هي من الوظائف الرئيسية التي تتطلب في شاغليها مستوى علمياً معيناً يكفل لهم المعرفة والقدرة اللازمة للنهوض بأعبائها بمراعاة التناسق والانسجام الذي اقتضاه التطور العلمي في البلاد دفعاً للحرج عن المرءوسين من أن يرأسهم موظف غير مؤهل يشرف عليهم ويوجههم، كل ذلك بما يتكافأ مع المسئوليات الخطيرة التي تواجهها الدولة في مختلف المرافق في الوقت الحاضر، فخطر - كقاعدة عامة - شغل الوظائف من الدرجة الرابعة وما يعلوها بغير المؤهلين، إلا أنه في الوقت نفسه لم ينس الموظفين الحاليين غير المؤهلين، فترفق بهم عندما أجاز ترقيتهم إلى الدرجة التالية لدرجاتهم إن رأت الإدارة أن ليس في استعمال هذه الرخصة ما يتعارض مع الأغراض التي استهدفها القانون، فترخص في إجراءات الترقية أو منعها عن غير المؤهل بحسب ما تراه محققاً للمصلحة العامة، دون معقب عليها في ذلك، ما دام خلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة. يؤكد هذا النظر النص الجديد للمادة المعدل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 إذ ورد على النحو الآتي: "الموظفون غير الحاصلين على شهادات دراسية وكذلك الحاصلون على الشهادة الابتدائية أو ما يعادلها لا تجوز ترقيتهم إلى أعلى من الدرجة الرابعة، ومع ذلك تجوز ترقية الحاصلين على الشهادة المذكورة أو ما يعادلها إلى الدرجة الثالثة، على أن تكون في النسبة المخصصة للترقية بالاختيار إذا توافرت شروطها ورأت الوزارة استعمال حقها في ذلك"؛ فكشف المشرع بذلك عن رغبته الأكيدة في الارتفاع بمستوى الوظيفة العامة، حتى أنه اعتبر الحاصلين على الابتدائية في حكم غير الحاصلين على شهادات دراسية؛ ليرتفع بالمستوى العلمي للموظفين، فأضحى ذلك هو الأصل في سياسة التوظف؛ ومن ثم فإن ما يرد على خلافه يكون هو الاستثناء لا الأصل كما ذهبت المحكمة، فواجب الإدارة ألا تستعمل هذه الرخصة إلا في أضيق الحدود بحيث يمتنع عليها كأصل عام شغل الوظائف بغير المؤهلين إلا إذا اقتضت المصلحة العامة الخروج على ذلك الأصل لأسباب قوية تبررة. وعلى ذلك فليس ثمت إلزام على الإدارة في شغل وظائفها بغير المؤهلين بما يتعارض مع الأغراض التي استهدفها المشرع، بل الأمر بصريح النص متروك لمطلق تقديرها إن رأت استعمال حقها في ذلك دون معقب. فإذا كانت وزارة العدل قد أصدرت القرارين المطعون فيها مستهدفة ذلك كله فإنها تكون قد التزمت جانب القانون نصاً وروحاً، مما كان يتعين معه رفض الدعوى، وإذ ذهب الحكم المطعون غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه لا خلاف بين الطرفين على وقائع الدعوى، وإنما يدور الخلاف حول تفسير المادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وهل ترقية الموظفين غير الحاصلين على شهادات دراسية إلى الدرجة التالية لدرجتهم فقط أمر جوازي متروك لتقدير الجهة الإدارية، أم أن لهم حقاً ثابتاً في هذه الترقية متى استوفوا الشروط الواردة بالمادتين 38 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على تقرير اللجنة المالية بمجلس الشيوخ عن مشروع قانون نظام موظفي الدولة أنه ورد به عن المادة 35 من ذلك القانون ما يأتي: "ونص في المشروع الوارد من الحكومة على أن الموظفين غير الحاصلين على شهادات دراسية لا تجوز ترقيتهم إلى أعلى من الدرجة السادسة، ورأت اللجنة باتفاقها مع زميلتها بمجلس النواب جواز ترقيتهم إلى الدرجة الخامسة تشجيعاً للمجدين، كما رأت أن من يكون من هؤلاء في هذه الدرجة أو في درجة أعلى تجوز ترقيتهم إلى الدرجة التالية لدرجته فقط، ولما كان المقصود ألا يستفيد من هذا الوضع الأخير إلا الموظفون الحاليون فقد أوضحت اللجنة هذا المعنى في ذات النص منعاً للبس". وبناء على ذلك عدلت المادة 35 وأصبح نصها يجرى بما يأتي: "الموظفون غير الحاصلين على شهادات دراسية لا تجوز ترقيتهم إلى أعلى من الدرجة الخامسة، غير أن من يكون من الموظفين الحاليين في هذه الدرجة أو في درجة أعلى منها تجوز ترقيته إلى الدرجة التالية لدرجته فقط".
ومن حيث إن المستفاد من نص المادة 35 سالفة الذكر أن القانون وضع حداً أعلى لسلم الدرجات بالنسبة للموظفين غير الحاصلين على مؤهلات دراسية حفظاً للمستوى الوظيفي، وكانت الدرجة السادسة هي الحد الذي وضعته الحكومة أولاً، ثم رأى البرلمان التوسعة على هؤلاء الموظفين، فرفع هذا الحد إلى الدرجة الخامسة، أي أن الأصل ألا يتعدى الموظف غير المؤهل الدرجة الخامسة، إلا أنه لما كانت هناك طائفة من هؤلاء الموظفين بلغوا الدرجة الخامسة فعلاً أو جاوزوها إلى الدرجة التالية لها عند صدور القانون رقم 210 لسنة 1951، فقد رؤى - استثناء من الأصل العام - جواز ترقيتهم إلى الدرجة التالية لدرجتهم فقط. وليس من شك في أن هذه الترقية - وهي استثناء من الأصل - إنما هي جوازيه متروك تقديرها للجهة الإدارية، على ما هو ظاهر من صريح نص المادة 35 السالفة الذكر، فضلاً عن الحكمة التي استهدفها المشرع من تقرير الحكم الذي تضمنه المادة المذكورة، وهي المحافظة على المستوى الوظيفي؛ ومن ثم لم يجعل القانون للموظفين الحاليين غير المؤهلين سبيلاً للترقية إلا بالقدر الذي تراه الجهة الإدارية محققاً للمصلحة العامة، أي أن يكون الموظف جديراً بأن يرقى إلى الدرجة التالية لوظيفته.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن لجنة شئون موظفي ومستخدمي محاكم الاستئناف بجلستيها المنعقدتين في 29 من يوليه و3 من ديسمبر سنة 1955 - وهي بسبيل الترشيح إلى الدرجتين الرابعة موضوع الدعوى - استعرضت المادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وفاضلت بين المدعي والمطعون في ترقيتهما، ولما تبين لها أنهما يفضلانه في الكفاية رأت ألا محل لاستعمال حقها الجوازي في ترقيته؛ وبناء على ذلك صدر القراران المطعون فيهما.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك فإنه ليس ثمت مطعن على القرارين المذكورين، ما دامت الوزارة قد التزمت بالقانون في تصرفها، كما خلا هذا التصرف من سوء استعمال السلطة، الأمر الذي لم يقم عليه أي دليل.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن قد قام على أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون قد جانب الصواب، ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق