جلسة 2 من إبريل سنة 1959
برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، والحسيني العوضي، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.
---------------
(50)
الطعن رقم 42 لسنة 25 القضائية
أحكام عرفية. تعويض.
م 1 من م ق 114 لسنة 1945. ترمي إلى حماية السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبيها من أن توجه إليهم المطاعن عن تصرفات اتخذت من ظروف استثنائية. تقدير الحماية بالقدر اللازم لتغطية هذه التصرفات. استنفاذ السلطة غرضها وهي في مأمن من كل طعن. وقوف الحماية عند هذا الحد وعدم تخطيها إلى التصرفات اللاحقة. مثال في دعوى تعويض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 25/ 1/ 1943 تعاقدت مصلحة التليفونات والتلغرافات مع الطاعن على أن تستأجر منه "دهبية" برفاص ملحق بها لمدة ستة أشهر تبدأ من 1/ 2/ 1943 حتى 31/ 7/ 1943 بإيجار شهري قدره أربعون جنيهاً، وحرر محضر للتسليم في 4/ 2/ 1943 ذكر فيه أن "الدهبية" المؤجرة في حالة جيدة جداً وتعهدت المصلحة بالمحافظة عليها بحيث إذا فقد أو تلف شيء منها تقوم المصلحة بإعادته إلى أصله حتى يتم تسليمها في نهاية المدة بحالتها وقت التعاقد ولما انتهت مدة العقد أبدت وزارة الصحة قسم الملاريا رغبتها في استئجار الدهبية بالرفاص الملحق بها لتشغيلها في مقاومة الملاريا التي تفشت في الوجه القبلي في ذلك الوقف وأخطرت الطاعن بذلك في 18/ 7/ 1943 فلم يستجب لطلبها فاستصدرت بواسطة وزارة التموين قراراً عسكرياً برقم 496 في 10/ 8/ 1943 بالاستيلاء عليها بالجهة التي كانت موجودة بها وقتئذ وهي الشلال أو أية جهة أخرى ونفذ الاستيلاء فعلاً وحرر لهذا الغرض في 21/ 8/ 1953 محضر بمعرفة جهات الإدارة بحضور مندوب عن وزارة الصحة، وتم إبلاغ الطاعن به في 1/ 9/ 1943 وقدر الإيجار بواسطة اللجنة المختصة بمبلغ ثلاثين جنيهاً وفي مارس عام 1945 أخليت "الدهبية" وصدر قرار وزارة التموين برقم 212 سنة 1945 بالإفراج عنها وأبلغ الطاعن بهذا القرار في 30/ 4/ 1945 ويقول الطاعن أنه رفض استلامها بسبب ما تبين له من سوء حالتها وعدم صلاحيتها هي والرفاص للعمل فحرر محضر بالإفراج عنها في 3/ 5/ 1945 بواسطة رجال الإدارة بحضور مندوب عن وزارة الصحة وأقام الطاعن الدعوى المستعجلة رقم 420 لسنة 1945 طلب فيها إثبات حالة "الدهبية" والرفاص الملحق بها، وقضى فيها بندب خبير باشر مأموريته وأثبت في تقريره أن "الدهبية" والرفاص الملحق بها وجميع أدواتها قد أصابها التلف بسبب تحميلها فوق طاقتها والإهمال في استعمالها وقدر نفقات إصلاحها بمبلغ 2145 جنيهاً ومصروفات سحبها من الشلال إلى القاهرة بمبلغ 150 جنيهاً فأقام الطاعن الدعوى رقم 213 سنة 1945 كلي القاهرة مختصماً وزارتي الصحة والمواصلات طالباً إلزامهما متضامنين بمبلغ 2455 جنيهاً من ذلك مبلغ 2995 الذي قدره الخبير في دعوى إثبات الحالة والباقي مقابل الأجرة فقضت المحكمة الابتدائية في 16/ 12/ 1947 بإلزام وزارة المواصلات بمبلغ 150 جنيهاً قيمة تكاليف إعادة الدهبية والرفاص للقاهرة وبإلزام وزارة الصحة بمبلغ 868 جنيهاً مقدار الأجرة المستحقة للطاعن عن مدة استيلائها على "الدهبية" والرفاص وبعدم سماع الدعوى بالنسبة لباقي الطلبات وهي تتعلق بالتعويض عن التلف الذي لحق "بالدهبية" وأدواتها والرفاص الملحق بها حال وجودها تحت يد وزارة الصحة واستندت في قضائها هذا إلى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 114 لسنة 1945 التي تنهى عن الطعن في أي تصرف أمرت به السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبوها، على أساس أن التعويض الذي يطالب به الطاعن مما يدخل في نطاق هذا النص. استأنفت وزارتا الصحة والمواصلات هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافهما برقم 273 سنة 25 ق وطلبتا إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى الموجهة قبل وزارة المواصلات كلية ورفضها قبل وزارة الصحة فيما زاد عن مبلغ 247 جنيهاً و350 مليماً - كما استأنف الطاعن ذات الحكم بالاستئناف رقم 287 سنة 65 ق طالباً إلغاءه فيما قضى به من عدم سماع الدعوى بالنسبة لتعويض التلف الذي لحق "الدهبية" والرفاص طالباً إلزام وزارة الصحة به ومقداره 2145 جنيهاً طبقاً لتقرير الخبير مع فوائده بواقع 5% سنوياً من المطالبة الرسمية حتى السداد. وبتاريخ 17/ 12/ 1950 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض الاستئنافين وتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض في شقه الذي قضى فيه بعدم سماع الدعوى بالنسبة لطلب التعويض الموجه قبل وزارة الصحة بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 2145 جنيهاً وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأبدت النيابة رأيها بنقض الحكم وفي 3/ 2/ 1959 قررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لجلسة 12/ 3/ 1959 وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بعدم سماع الدعوى بالنسبة لطلب التعويض عن التلف الذي لحق "بالدهبية" وأدواتها والرفاص الملحق بها استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 114 لسنة 1945 ذلك أن أحكام المرسوم بقانون إنما تنهى عن الطعن في قرارات السلطة القائمة على الأحكام العرفية أو مندوبيها لتغطية تصرفات الحكومة التي تكون مستندة فيها إلى قانون الأحكام العرفية أما الإجراءات التي تتخذ تنفيذاً لهذه القرارات فإن المرسوم لا يمسها. وهو لم يطعن على قرار الاستيلاء ولم يطالب بتعويض عنه. وإنما بني طعنه على أساس آخر يتعلق بتنفيذ هذا القرار وقد أصبحت المطعون عليها منذ صدوره مستأجراً عادياً تطبق بالنسبة لها أحكام القانون المدني فتلزم باستعمال الشيء المؤجر فيما أعد له ورده بغير تلف فإذا قصرت في ذلك التزمت بالتعويض دون التمتع بالحصانة المقررة بالمرسوم بقانون رقم 114 لسنة 1945.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 114 لسنة 1945 إذ تنص على أنه:
"لا تسمع أمام المحاكم المدنية أو الجنائية أية دعوى أو دفع يكون الغرض منه الطعن في أي إعلان أو تصرف أو أمر أو تدبير وبوجه عام أي عمل أمرت به أو تولته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية وذلك سواء كان هذا الطعن مباشرة من طريق المطالبة بإبطال الشيء مما ذكر أو بسحبه أو بتعديله أو كان الطاعن غير مباشر من طريق المطالبة بتعويض أو بحصول مقاصة أو بإبراء من تكليف أو التزام أو برد مال أو باسترجاعه أو باسترداده أو باستحقاقه أو بأية طريقة أخرى" إنما يرمي إلى حماية السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبيها من أن توجه إليهم المطاعن عن تصرفات اتخذت في ظروف استثنائية تدعو بطبيعتها إلى سرعة البت في الأمور حفظاً على سلامة البلاد وأمنها وهذه الحماية تقدر بالقدر اللازم لتغطية التصرفات المشار إليها فإذا استنفدت السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية غرضها وهي في مأمن من كل طعن فإن الحماية تقف عند هذا الحد فلا تتخطاه إلى التصرفات اللاحقة - ولما كان التصرف الذي اتخذته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية هو القرار العسكري الذي أصدره وزير التموين بمقتضى السلطة المخولة له من الحاكم العسكري بالاستيلاء لدى الطاعن على "دهبية" ورفاص ملحق بها مقابل أجرة حددت بواسطة لجنة إدارية مشكلة لمثل هذه الحالات وكان الثابت أن الطاعن قد رضخ لهذا القرار فلم ينازع في أسبابه ومبرراته أو في مدى ملائمته للمنفعة العامة أو الضرر الناجم عنه بل أذعن له رغم ما تضمنه من تعطيل لإرادته سواء بالنسبة للاستيلاء في ذاته أو مدته ولم يمسه بالطعن مباشرة بطلب إلغائه أو بطريق غير مباشر بالمطالبة بالتعويض عنه - لما كان ذلك، فقد استنفدت السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية غرضها عند هذا الحد وأفادت من الحماية المقررة بالمرسوم بقانون رقم 114 لسنة 1945 بالقدر اللازم لهذا الغرض ولما كانت دعوى الطاعن موجهة إلى وزارة الصحة عن تصرفاتها اللاحقة على صدور القرار العسكري المشار به إليه باعتبارها الجهة المستفيدة منه بأن أسس طلب التعويض على ما نسبه إليها من تقصير موظفيها في المحافظة على "الدهبية" وأدواتها والرفاص الملحق بها حال انتفاعهم بسكناها وقت تشغيلها في أعمال مقاومة الملاريا مما أدى إلى تلفها فإن دعواه على هذه الصورة مما لا ينطبق عليها أحكام المرسوم بقانون السالف الذكر ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بعدم سماع الدعوى استناداً إلى هذا المرسوم بقانون فيتعين نقضه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق