جلسة 29 من فبراير سنة 1968
برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.
------------------
(68)
الطعن رقم 325 لسنة 34 القضائية
(أ) إثبات. "الإثبات بالقرائن". "حجية الأحكام الجنائية". حكم.
الحكم الجنائي النهائي بإدانة متهم لارتكابه جريمة تبديد سندات دين. حجيته في إثبات سبق وجود تلك السندات وفقدها لسبب لا يد للدائن فيه.
(ب) حكم. "عيوب التدليل". "قصور. ما لا يعد كذلك".
عدم تعويل محكمة الموضوع في إثبات وجود سندات الدين وفقدها على أوراق جنحة اعتمادها على التحقيق الذي أجرته بنفسها. لا يعيب حكمها عدم اطلاعها على تلك الأوراق.
(ج) إثبات. "الإثبات بالقرائن". "حجية الأحكام الجنائية". حكم.
حجية الحكم الجنائي الصادرة ببراءة المدين من تهمة الاشتراك في جريمة تبديد، لا تنفي سبق وجود السندات المبددة ومديونيته بقيمتها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق وفي حدود ما يقتضيه الفصل في هذا الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعنة الدعوى رقم 3028 سنة 1962 مدني كلي القاهرة طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 440 ج و500 م. وقال بياناً لدعواه إنه بعقد مقاولة اتفق مع الطاعنة على أن يقوم ببناء منزل لها. ولما انتهى البناء وتحاسب معها وتبين أنها مدينة له بهذا المبلغ حررت له به 66 سنداً كل منها بمبلغ خمسة جنيهات على أن يستحق كل شهر سند واحد منها ويبدأ استحقاق أولها في 1/ 7/ 1958 و18 سنداً كل منها بمبلغ ستة جنيهات يستحق كل شهر سند واحد ويبدأ استحقاق أولها في 1/ 1/ 1964 كما حررت له إيصالاً مؤرخاً 1/ 6/ 1958 بمبلغ 250 قرشاً. واتفق على أنه إذا تأخرت في سداد قسطين متتاليين حلت باقي الأقساط. وقال المطعون ضده إنه لما كان في حاجة إلى النقود فقد سلم تلك السندات إلى من يدعى عمر عبد الحليم شريف ليبحث له عن شخص يقبل حوالتها إليه مقابل دفع بعض قيمتها إلا أنه سلمها للطاعنة مقابل خمسة عشر جنيهاً فحرقتها. وإذ علم بهذه الواقعة أبلغ النيابة العامة بها وحرر عنها محضر الجنحة رقم 6578 سنة 1959 الوايلي وأقامت النيابة العامة الدعوى الجنائية على عمر عبد الحليم شريف والطاعنة وآخرين متهمة الأولى بتبديد السندات المسلمة إليه والباقين بالاشتراك معه في هذه الجريمة وقد قضى نهائياً بحبس الأول ثلاثة شهور وببراءة الباقين. وأضاف رافع الدعوى أنه لما كانت الطاعنة قد امتنعت عن الوفاء بقيمة تلك السندات فقد اضطر لإقامة الدعوى بطلباته سالفة الذكر. وبعد أن ضمت محكمة أول درجة قضية الجنحة سالفة الذكر أحالت الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وجود السندات ومضمونها وفقدها بسبب أجنبي لا يد له فيه وصرحت للطاعنة بنفي ذلك. وبعد أن سمعت تلك المحكمة شهود الطرفين قضت بتاريخ 11 مايو سنة 1963 بإلزام الطاعن بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ 440 ج و500 م فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1296 سنة 80 ق. وبتاريخ 29 مارس سنة 1964 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه في خصوص ما جاء بالسبب الثالث من أسباب الطعن وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب تنعى الطاعنة في السببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إن محكمة أول درجة إذ أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات سبق وجود السندات وفقدها بسبب أجنبي لا يد للمطعون ضده فيه قد اعتمدت في ذلك على ما تبينته من اطلاعها على قضية الجنحة رقم 6578 سنة 1959 الوايلي. ولما كانت تلك القضية قد أعيدت إلى النيابة العامة قبل نظر الاستئناف وكانت الطاعنة لم تتبين عدم وجودها بين المفردات إلا فترة حجز الدعوى للحكم فقد قدمت إلى محكمة الاستئناف طلباً لفتح باب المرافعة لضم قضية الجنحة إلا أن المحكمة لم تستجب لها وأصدرت الحكم المطعون فيه دون أن تشير في أسبابه إلى ذلك الطلب وترتب على ذلك أنها لم تطلع على جميع المفردات التي اطلعت عليها المحكمة الابتدائية ولم تسمع دفاع الطاعنة بشأنها وبهذا تكون قد أخلت بحق الدفاع وشاب حكمها القصور.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك بأنه مع أن للحكم النهائي الصادر في قضية الجنحة رقم 6588 سنة 1959 الوايلي والذي دان المتهم عمر عبد الحليم شريف لارتكابه جريمة تبديد السندات المسلمة إليه حجيته في إثبات سبق وجود تلك السندات وفقدها لسبب لا يد للمطعون ضده فيه وذلك على ما تقضي به المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 406 من القانون المدني فإن محكمة أو درجة لم تعتمد في إثبات كلا الأمرين على هذه الحجية بل أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثباتهما بشهادة الشهود وأقامت قضاءها في ذلك على ما استخلصته من تلك الأقوال. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه أخذ بأسباب الحكم الابتدائي فإن محكمة الاستئناف لا تكون قد عولت في إثبات سبق وجود تلك السندات وفقدها لسبب أجنبي لا يد للمطعون ضده فيه على ما جاء بأوراق تلك الجنحة ومن ثم فلا عليها إن هي فصلت في الاستئناف دون أن تطلع على تلك القضية. وإذ كان ذلك وكانت الطاعنة لم تبين في طلبها الخاص بفتح باب المرافعة وجه مصلحتها في ضم قضية الجنحة وكانت المحكمة غير ملزمة بإجابة هذا الطلب إذا وجدت أنها في غير حاجة إلى الاطلاع على هذه القضية التي طلب فتح باب المرافعة لاطلاعها عليها وبالتالي ليست ملزمة بالإشارة إلى ذلك الطلب في حكمها وكانت قد صرحت للطاعنة بتقديم مذكرة بدفاعها في فترة حجز الدعوى للحكم غير أنها لم تفعل فإن النعي على محكمة الاستئناف بالإخلال بحق الدفاع وبأن حكمها مشوب بالقصور يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول إنه يشترط لتطبيق المادة 403 من القانون المدني ألا يكون ثمة إهمال يمكن نسبته إلى صاحب السند وأن يثبت ضياعه بحادث قهري لا دخل له فيه. ولما كان المطعون ضده صاحب السندات المدعي بفقدها قد ذكر في مذكراته أنه استأمن على السندات كاتباً عمومياً عرف بعدم الأمانة وقدم التدليل على ذلك إعلاناً بالصحف اليومية يفيد أن هذا الكاتب حصل بطريق غير مشروع على ختم أحد الأشخاص ووقع به على أوراق بيضاء فإن مؤدى ذلك أن المطعون ضده قد أهمل إذ سلم السندات لهذا الشخص وكان يتعين لذلك على محكمة أول درجة ألا تحيل الدعوى إلى التحقيق لإثبات سبق وجود تلك السندات وفقدها لسبب أجنبي لا يد للمطعون ضده فيه وإذ هي فعلت وأيدتها في ذلك محكمة الاستئناف فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول لأن الثابت من مطالعة أوراق الملف المضموم أن الطاعنة لم يسبق لها إثارة هذا الدفاع أمام محكمة الموضوع وإذ كان ذلك فإنه لا يقبل منها التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يجب عرضه على محكمة الموضوع.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت في السبب الأول من أسباب استئنافها بخطأ محكمة أول درجة لإحالتها الدعوى إلى التحقيق لإثبات سبق وجود السندات وفقدها بسبب أجنبي مع أن الحكم الجنائي الصادر في قضية الجنحة رقم 6578 سنة 1959 الوايلي قد قضى نهائياً ببراءة الطاعنة من تهمة الاشتراك في التبديد ولما كان لهذا الحكم الجنائي حجيته عملاً بالمادة 456 من قانون الإجراءات فإنه كان يتعين على محكمة أول درجة أن تأخذ بهذه الحجية وترفض الإحالة إلى التحقيق. كما تمسك في السبب الرابع من أسباب الاستئناف بأمرين (أولهما) عدم اختصاص المحكمة الابتدائية نوعياً بنظر النزاع تأسيساً على أن السندات لم تستحق جميعاً وقت رفع الدعوى. وبأن ما استحق منها يدخل في ولاية القاضي الجزئي وأنه إذ كان الاختصاص القيمي وقت رفع الدعوى من النظام العام فإنه كان يتعين على محكمة أول درجة أن تحكم بعدم اختصاصها. (وثانيهما) أنه على الرغم من عدم استحقاق بعض السندات فقد قضت محكمة أول درجة بإلزام الطاعنة بأن تؤدي قيمتها للمطعون ضده. وقد ردت محكمة الاستئناف على هذين السببين وغيرهما من أسباب الاستئناف بقولها إنها مردودة جملة وتفصيلاً بما ثبت من أقوال الشهود الذين سمعوا أمام محكمة أول درجة. وإذ كان السببان المتقدمان لا يتصلان بأقوال الشهود فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خلا من الرد عليهما ويكون لذلك مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأنه ليس ثمة تعارض بين حجية الحكم الجنائي الصادر ببراءة الطاعنة من الاشتراك في جريمة التبديد وبين ما أثبته الحكم المطعون فيه من مديونية الطاعنة للمطعون ضده بقيمة السندات المبددة ذلك أن حجية الحكم الجنائي فيما قضى به من براءة الطاعنة مقصورة على أنها لم تشترك في جريمة التبديد. ولا تنفي سبق وجود السندات المبددة ومديونيتها بقيمتها. فإذا كان ذلك وكانت محكمة الموضوع قد خلصت إلى إثبات مديونية الطاعنة بقيمة تلك السندات بما استخلصته من أقوال الشهود استخلاصاً سائغاً وفي حدود سلطتها التقديرية فإن الحكم المطعون فيه إذ ذكر أن هذا السبب من أسباب الاستئناف مردود بما قرره الشهود يكون قد أورد الرد الكافي على ما تضمنه. والنعي مردود في شقه المتعلق بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بأن الاختصاص القيمي لم يعد متعلقاً بالنظام العام بعد العمل بالقانون رقم 100 لسنة 1962 إذ أوجبت المادة 132 من قانون المرافعات بعد تعديله إبداء الدفع بعدم الاختصاص القيمي قبل التكلم في الموضوع وإلا سقط الحق فيه. وإذ كان ذلك وكان القانون المذكور قد أدرك الدعوى قبل إحالتها إلى التحقيق وكانت الطاعنة قد حضرت بعد نفاذ ذلك القانون في جلسة أول ديسمبر سنة 1962 ولم تدفع بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى لدخولها في نصاب القاضي الجزئي وإنما تكلمت في الموضوع وطلبت رفض الدعوى فإن حق الطاعنة في إبداء هذا الدفع يكون قد سقط على ما تقضي به المادة 132 من قانون المرافعات بعد تعديله بالقانون رقم 100 لسنة 1962 ويضحى النعي على الحكم المطعون فيه لإغفاله الرد على هذا الدفاع غير منتج لعدم استناده إلى أساس قانوني.
وحيث إن النعي في شقه المتعلق بقضاء الحكم المطعون فيه بقيمة السندات جميعها رغم أن بعضها لم يكن مستحق الأداء. هو نعي في محله ذلك أن الثابت من صحيفة الدعوى أن المطعون ضده قد ذكر "أنه يداين الطاعنة بموجب سندات منها 66 سنداً قيمة كل منها خمسة جنيهات تستحق شهرياً ابتداء من أول يوليه سنة 1958 و18 سنداً قيمة كل منها ستة جنيهات تستحق شهرياً ابتداء من أول يناير سنة 1964 وإيصال بمبلغ 250 قرشاً مؤرخ في أول يونيه سنة 1958 بحيث إذا تأخرت الطاعنة في دفع قسطين متتاليين تحل باقي الأقساط وقد أحالت المحكمة الابتدائية الدعوى إلى التحقيق لإثبات مضمون هذه السندات فلم يشهد أحد من الشهود بوجود هذا الشرط بل ذكر أحد شهود المطعون ضده رافع الدعوى أن هذا الشرط كان وارداً في محضر تسليم المباني وأن الطاعنة رفضت التوقيع على هذا المحضر. وإذ كان ذلك وكانت الطاعنة قد تمسكت بعدم وجود هذا الشرط وبأن الدين الثابت في بعض تلك السندات لم يكن قد حل ميعاد استحقاقه وقت رفع الدعوى وإلى أن صدر الحكم الابتدائي فيها وكان الحكم المطعون فيه قد خلا من الرد على هذا الدفاع فإنه يكون قد أغفل الرد على دفاع جوهري من شأنه لو صح أن يتغير به جزئياً قضاؤه في الدعوى وبذلك شابه قصور يبطله ويستوجب نقضه في هذا الخصوص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق