الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 يوليو 2023

الطعن 1149 لسنة 5 ق جلسة 4 / 2 / 1961 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 2 ق 89 ص 675

جلسة 11 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومحمود محمد إبراهيم والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

-------------------

(89)

القضية رقم 454 لسنة 5 القضائية

جريمة تأديبية 

- اختلاف الذنب التأديبي عن الجريمة الجنائية - عدم خضوعه لقاعدة إلا جريمة بغير نص - أساس ذلك.

----------------
تنص المادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، يعاقب تأديبياً" فالموظف الذي يخالف الواجبات الوظيفية مما تنص عليه القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال الوظيفة التي يجب أن يقوم بها بنفسه، إذا كان ذلك منوطاً به، وأن يؤديها بدقة وعناية وأمانه، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه جزاء على (خطأ وظيفي Faute fonctionnelle) فتتجه إرادة السلطة الإدارية إلى توقيع (عقوبة وظيفيةfonctionnelle Peine) وفقاً للأشكال والأوضاع التي تقررها اللوائح والقوانين وذلك في حدود النصاب المقرر. وغني عن البيان أن الذنب التأديبي يختلف عن الجريمة الجنائية في أنه لا يخضع لقاعدة "ألا جريمة بغير نص" وإنما يجوز لمن يملك قانوناً سلطة التأديب أن يرى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند ممارسته أعمال وظيفته ذنباً تأديبياً إذا كان لا يتفق وواجبات الوظيفة؛ ومن ثم فلا يمكن حصر الذنوب التأديبية مقدماً على خلاف ما يجرى في مجال الجرائم الجنائية وقانون العقوبات.


إجراءات الطعن

في 7 من مارس سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 454 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بجلسة 6 من يناير سنة 1959 في الدعوى رقم 142 لسنة 5 القضائية المقامة من تودري مقاريوس ضد الهيئة العامة للسكة الحديد، والذي يقضي "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإنذار المدعي رسمياً في 19 من نوفمبر سنة 1956 بموجب القسيمة رقم (15311) وألزمت المدعى عليها المصروفات وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش أتعاب المحاماة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 23 من يونيه سنة 1959 وإلى الخصم في أول يوليه سنة 1959 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 22 من مايو سنة 1960 وفيها قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1960 للمرافعة ثم جرى تداول الطعن لجلسات متعاقبة وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 142 لسنة 5 القضائية ضد الهيئة العامة للسكة الحديد أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 19 من يناير سنة 1958 بعد أن حصل على قرار بمعافاته من رسومها في 23 من نوفمبر سنة 1957 طالباً الحكم بإلغاء قرار الجزاء الموقع عليه في 19 من نوفمبر سنة 1956 بموجب القسيمة رقم (15311) وباعتباره كأن لم يكن من إلزام الهيئة العامة للسكة الحديد بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال شرحاً لدعواه أنه في 4 من نوفمبر سنة 1956 صدر قرار من السيد مدير عام المخازن والمشتريات بمصلحة السكك الحديدية بانتداب المدعي بقلم التفتيش بالإدارة ولم يمض يومان على هذا النقل حتى فوجئ بإجراء تحقيق معه بناء على شكوى مقدمة من مفتش منطقة العنابر يقول فيها أن المدعي رفض إخراج أخشاب مطلوبة للملاحة الداخلية خارج المخزن بحجة أن العمال مرهقين بالعمل. وكان هذا الادعاء بعيداً عن الحقيقة لأن مندوب الجهة حضر إلى المدعي في أول نوفمبر سنة 1956 وعاين الخشب المطلوب، وبعد أن وقع اختياره على القطع اللازمة قال أنه سيجرى استلامها في 3 من نوفمبر سنة 1956 وهذا يوافق يوم السبت.
وعلى أثر ذلك طلب مدير ورش العربات من المدعي فتح المخازن يوم الجمعة بإفادة رسمية. فاتصل المدعي بدوره بالإدارة وحصل منها على الموافقة بتشغيل قوة المخازن في ذلك اليوم. وقام العمال بإخراج الخشب المطلوب خارج المخزن انتظاراً لحضور المندوب يوم 3 من نوفمبر سنة 1956 لاستلامه، ولكنه لم يحضر في الميعاد السابق تحديده بل حضر في 5 من نوفمبر سنة 1956 وتسلم الأخشاب المطلوبة بإخراج رقم (92824). وعلى الرغم من إدلاء المدعي بهذه الأقوال في التحقيق الذي أجري بشأن شكوى مفتش منطقة العنابر فقد فوجئ المدعي بإنذار رسمي تضمنته قسيمة الجزاء رقم (15311) الصادرة في 19 من نوفمبر سنة 1956 لتصرفه المعيب في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 على أن يكلف من الآن بأعمال كتابية فقط. وقد أبلغ المدعي بذلك الإنذار في 22 من نوفمبر سنة 1956 فتظلم منه في 17 من يناير سنة 1957، ملتمساً رفع الجزاء لما ينطوي عليه من امتهان لكرامته فضلاً عن مجافاته للحقيقة والواقع، ولكن تظلمه كان دون جدوى فرفع الدعوى بطلب إلغاء الجزاء التأديبي. وقد ردت الهيئة المدعى عليها بأن المدعي بالدرجة الخامسة الفنية الشخصية صرفاً على الدرجة الثامنة بمرتب شهري قدره 25 جنيهاً ولقد قرر السيد مدير عام المخازن والمشتريات إنذاره رسمياً لتصرفه المعيب في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 في وقت العدوان الغاشم على عاصمة الديار، وأن قرار الجزاء المطعون فيه والصادر في 19 من نوفمبر سنة 1956 قد صدر بعد أخذ أقوال المدعي وإجراء تحقيق إداري شامل في موضوع الشكوى من تصرف المدعي وهو عدم تنفيذ ما كلفه به مفتش المنطقة بشأن صرف قطع خشب لازمة لإشغال الجيش في أول نوفمبر سنة 1956 وقالت المصلحة أن القرار سليم من الناحية القانونية وقد صدر كذلك ممن يملك إصداره في حدود السلطة المخولة له قانوناً. وقامت هيئة مفوضي الدولة أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بتحضير الدعوى وقدمت تقريراً بالرأي الذي اتجه إلى قبول دعوى المدعي شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء الموقع بالإنذار على المدعي مع إلزام السكة الحديد بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
وبجلسة 6 من يناير سنة 1959 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإنذار المدعي رسمياً في 19 من نوفمبر سنة 1956 بموجب القسيمة رقم (15311) وألزمت المدعى عليها بالمصروفات وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها على أن الجزاء لم يبن على سببه بناء صحيحاً. فالقرار بالإنذار قد بني على أن المدعي قد تصرف تصرفاً معيباً في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 بينما لم يسفر التحقيق عن أي تصرف معيب من جانب المدعي في ذلك التاريخ بل أن اقتراح مجازاة المدعي بإنذاره إنما كان لعدم تحري المدعي الصدق في أقواله وما دام أن الهيئة المدعى عليها لم يقم في اعتبارها عند إصدار القرار المطعون فيه عدم تحري الصدق في أقواله، وإنما كان الاعتبار الأول والأخير في نظرها هو تصرف المدعي تصرفاً معيباً وهو ما لم تفصح عنه أوراق التحقيق أو يثبت في تلك الأوراق. ورقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع - على فرض وجودها مادياً - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الطعن المقدم من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، يقوم على أن العبرة ليست بما ورد في قسيمة الجزاء وحدها لأن هذه القسيمة لا تعدو أن تكون ملخصاً يحرر فيما بعد للتأشير في الملف بحدوث الجزاء، وإنما العبرة بذات القرار الذي صدر بالجزاء والذي استخلص منه البيان الوارد بالقسيمة رقم (15311) - وهذا الأمر ثابت على المذكرة التي رفعها المحقق إلى مساعد المدير العام بالوقائع سالفة الذكر، فأشر عليها في 13 من نوفمبر سنة 1956 بالموافقة على توقيع الجزاء المقترح، واعتمد هذا الجزاء في 19 من نوفمبر سنة 1956. ومن ثم يكون القرار قد قام على سببه وأن التلخيص الوارد في القسيمة لم يكن شاملاً وبذلك تكون المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات قد جانبت الصواب إذ أقامت قضاءها عليه. وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أن مفتش مخازن منطقة العنابر كتب في 3 من نوفمبر سنة 1956 إلى المفتش الأول بإدارة المخازن بمصلحة السكة الحديد يفيد أن المدير المساعد طلب منه في سرعة صرف وتسليم ثمان قطع قاويش خشب ضخمة لأشغال الجيش، وقد حضر مندوب السلطة العسكرية وقام بمعاينة المطلوب وتحررت قسيمة الصرف كالتعليمات ولكن المندوب وعد بالاستلام صبيحة السبت التالي حتى يتسنى له استحضار لوري خاص من الجيش لنقل الكتل الخشبية، فطلب مفتش المخازن (حسن أبو العلا) من أمين مخازن رقم (2) وهو السيد تودري مقاريوس (المدعي) الانتفاع بقوة عمال المخازن لمناسبة استمرار العمل يوم الخميس أول نوفمبر سنة 1956 لتقوم هذه القوة بنقل الكتل الخشبية الثمانية على دفعتين إلى باب العنابر بواسطة لوري الورش، توطئة لأن تكون جاهزة صباح يوم السبت 3 من نوفمبر سنة 1956 ولكن السيد/ تودري تقاعس عن تنفيذ الأمر.
ولما كانت الحالة الحاضرة تتطلب سرعة الإنجاز والتضحية وكلتاهما غير متيسرة في السيد تودري لذلك طلب مفتش المخازن اعتماد نقله من ذلك العمل وإحلال غيره محله. وقال المفتش أنه إذا لم يتيسر ذلك النقل فوراً فإنه يقترح الموافقة على إسناد عملية أمين المخازن إلى السيد/ إسماعيل عبد السلام وتسليم عهدة هذا الأخير إلى السيد/ فؤاد الصادق القائم بعملية المراقبة بالمخازن، وعلى هذا المستند (رقم 845 ملف الخدمة) أشر المفتش الأول بالآتي "... رجاء الموافقة على ندب تودري مقاريوس للعمل بالإدارة مؤقتاً مع تنفيذ رأي مفتش المنطقة، علماً بأن للسيد/ تودري سوابق تعلمونها في عدم إنجاز الأعمال التي تطلب منه، وتعقيد الأمور بدلاً من تسهيلها". وفي 4 من نوفمبر سنة 1956 صدر القرار الآتي: بناء على تعليمات السيد المدير العام بالنيابة (1) يندب تودري أمين مخازن بولاق رقم 2 إلى الإدارة قلم التفتيش (2) يحقق معه فوراً طبقاً للتعليمات التي وردت أخيراً باعتباره مقصراً في الوقت الحاضر (3) يرتب العمل بالمخازن المذكورة وفقاً لاقتراحات مفتش المنطقة بكتابه المرفق. وهذا القرار صادر من السيد مدير عام المخازن والمشتريات (مستند رقم 847 ملف). وفي 6 من نوفمبر سنة 1956 قام السيد/ سعيد عبد الرحيم مفتش التحقيقات بمصلحة السكة الحديد بفتح محضر تحقيق فسأل السيد مفتش مخازن منطقة العنابر (حسن أبو العلا) ثم استجوب تودري مقاريوس أمين مخازن بولاق في المخالفات الإدارية المنسوبة إليه. وجاء في أقوال المفتش (حسن أبو العلا) أنه "لما تأكد من مندوب الجيش في الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم الخميس أول نوفمبر سنة 1956 بأنه قد تعذر عليه استحضار الجرار لسحب الكتل الخشبية المطلوبة ووعد بالحضور صباح السبت لاستلامها، ولما صدرت لنا التعليمات بأن العمل بصفة مستمرة بكامل قوته حتى الصباح رأيت أن هذا هو أنسب الأوقات لنقل الثماني كتل خشبية على لوري الورشة الذي استحضرته بمعرفتي بواسطة ملاحظ حوش الورش، وقلت لأمين مخازن بولاق (تودري) عليك باستحضار رئيس العتالين وقوة الأنفار التي لا تقل عن مائة وعشرين عاملاً ليقوموا بالترتيب اللازم في وضع هذه الكتل على العربة اللوري وترحيلها إلى باب العنابر الخارجي لتكون جاهزة لتسليمها صباح السبت إلى مندوب الجيش لأن المسافة بين المخزن رقم (2) والباب الخارجي للعنابر تبلغ حوالي كيلو ونصف وأن القاويش الواحد (الكتلة) يقوم بترحيله على العربة عدد لا يقل عن عشرين رجلاً. كما يعلم السيد/ تودري أن هذه الأقوشة الخشبية مطلوبة للاستعاضة عنها في تركيب كوبري في إمبابة، وهو الكوبري الذي أنذر الأعداء بنسفه فقال لي السيد/ تودري أن العمال تعبانه ونترك هذا الأمر ليوم السبت. فقلت له الموجود الآن لا يقل عن مائة وعشرين نفراً والعمل مستمر حسب التعليمات بمعنى إنجاز الأعمال وليس مجرد وجود العمال بالمخازن بدون عمل. وفعلاً استدعيت رئيس العتالين وأمرته بتجميع العمال وسرعة نقل الثماني كتل (أقاويش) وبعد أخذ ورد قام العمال بوضع أربعة كتل فقط على العربة وكان ذلك حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر. ثم تذمرت العمال وقالوا يكفي هذا لصباح الجمعة حيث يعتمد تشغيلهم لتكملة المأمورية وتفريغ العربات. وفي صباح الجمعة قام العمال بترحيل العربة التي عليها الأربع كتل الأولى إلى باب العنابر وأجروا تفريغها وشحن الأربع قطع الباقية عليها. وقال المفتش حسن أبو العلا رداً على سؤال المحقق أنه يعتقد أن سبب امتناع العمال كان نتيجة لسماع بعضهم رد أمين المخازن (تودري) بأن العمال في حالة تعب ولفظ تعب العمال صدر من أمين المخازن وقت تكليفي له بأن يقوم العمال بنقل قطع الخشب إلى باب الورشة الخارجي" وقال المدعي (تودري مقاريوس) عند استجوابه في محضر التحقيق الإداري أن المفتش حسن أبو العلا لم يكلفه بهذا العمل وإنما التكليف كان لأمين مخزن عهدة الأخشاب وهو السيد/ إسماعيل عبد السلام. ولكن المدعي عاد في اليوم التالي للتحقيق معه فكتب في 8 من نوفمبر سنة 1956 إلى مدير عام المخازن والمشتريات قائلاً: فاتني في التحقيق إبداء بعض ملاحظات إظهاراً للحقيقة فأوضحها لسيادتكم فيما يلي: أنه بعد أن نبه مفتش منطقة العنابر (حسن أبو العلا) على السيد/ إسماعيل عبد السلام أمين عهدة الأخشاب بصرف عدد ثماني كتل خشب للملاحة الداخلية تنفيذاً لتعليمات مساعد المدير العام فإني قد علمت من إسماعيل بهذا التنبيه وتذكرت الآن بوصول إفادة لي من مفتش المنطقة بهذا الخصوص ولكنها كانت بعد التنبيه الشفوي فأمرت باتخاذ اللازم من جانبي في الوقت الذي كنت مشغولاً فيه بعمل الترتيبات اللازمة لفتح المخازن بصفة مستمرة كالتعليمات".
ومن حيث إنه على أثر التحقيقات الإدارية التي تمت في هذا الشأن بادر السيد مفتش التحقيقات إلى رفع مذكرة في 10 من نوفمبر سنة 1956 إلى السيد المدير العام بالأمانة جاء في ختامها "وحيث إن أمين المخازن، تودري، قد تخبطت أقواله في التحقيق إذ أنكر معرفته بأي شيء عن تطورات هذا الموضوع إلا ما وصل إلى علمه عن طريق أمين مخزن قسم الأخشاب السيد/ إسماعيل عبد السلام في حين إن واقع الحال يكذبه لأن مفتش المنطقة قدم صورة إفادة مرسلة منه إلى أمين المخازن، تودري، تتضمن تكليفه بصرف هذه الكتل الخشبية (الأقاويش) موضوع التحقيق، وهذه الصورة تحمل توقيع أمين المخازن تودري وفي هذا وحده دلالة واضحة على عدم صدقه. وحيث إنه كإجراء تحفظي فقد صدر أمر بنقله من المخازن للعمل بالإدارة ابتداء من يوم 3 من نوفمبر سنة 1956 وبذلك قطعنا دابر مظنة سوء النية والقصد. وحيث إن أمر النقل قد نفذ ابتداء من 3 من نوفمبر سنة 1956 لذلك نرى إنذار السيد/ تودري مقاريوس إنذاراً رسمياً أو مجازاته بخصوم يوم لعدم تحريه الصدق في أقواله". وقد أشر السيد المدير العام بالنيابة على المذكرة بالعبارة الآتية: "أوافق على إنذار السيد/ تودري مقاريوس رسمياً. وهذا الموظف لا يصلح بعد ذلك لأن يقوم بعمل في المخازن يتصل بالعهدة لسوء تصرفه المعيب، ويكلف من الآن بأعمال كتابية فقط كما لا يرجى منه أن يقوم بعمل رئيسي". ووقع المدير بالنيابة هذه التأشيرة في 13 من نوفمبر سنة 1956 ثم اعتمد السيد مدير عام المخازن في 19 من نوفمبر سنة 1956 هذا القرار واقتصر على ذكر عبارة (موافق) في أسفل ذلك القرار وصدرت في ذات اليوم القسيمة رقم (15311) متضمنة عبارة "إنذار رسمي لتصرفه المعيب في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 وكلف من الآن بأعمال كتابية فقط" وهذه القسيمة ذات طابع خاص أعدت لترسل إلى قلم المستخدمين مع باقي أوراق التحقيق والمذكرات المرفقة بالموضوع.
ومن حيث إنه ما من شك، على ضوء ما تقدم، في أن حالة واقعية أو قانونية، قد قامت وسوغت تدخل الإدارة وأدت إلى توقيع جزاء الإنذار الرسمي على المدعي بالقرار الصادر من المدير العام في 19 من نوفمبر سنة 1956. فالسيد مفتش مخازن منطقة العنابر قد نسب إلى المدعي تقاعساً في تنفيذ أمر عاجل له خطره في ظروف تستلزم من الموظف المختص المزيد من العناية واليقظة وسرعة البت وسلامة التدبير. والسيد المفتش الأول بإدارة المخازن قد سجل على المدعي بأن له سوابق تعلمها الإدارة في عدم إنجاز الأعمال التي تطلب منه، وتعقيد الأمور بدلاً من تسهيلها. وفي التحقيق الإداري الذي أجري معه قال المدعي أن مفتش مخازن المنطقة لم يكلفه بالعمل المنسوب إليه التقصير بشأنه وأنه لا علم له به ولكنه ما لبث أن أقر بعلمه بهذا التكليف في حينه وأن إفادة تلقاها من مفتش مخازن منطقة العنابر بهذا الخصوص وكانت الإفادة بعد التنبيه الشفوي. وجاء في مذكرة السيد المحقق الإداري أن المدعي تخبط في أقواله بالتحقيق فبادر بالإنكار ثم سارع إلى الإقرار بالعلم بموضوع المخالفة الإدارية وعلى سلطات الإدارة أن توقع على المدعي جزاء الإنذار الرسمي أو خصم يوم من مرتبه لعدم تحريه الصدق في القول. وتأسيساً على كل ما تقدم تدخلت الإدارة، ووقعت، بما لها من حرية تقدير أهمية تلك الحالة الواقعية، والخطورة الناجمة عنها، وتقدير الجزاء الذي رأته وأنه مناسباً في حدود النصاب القانوني المقرر، إنذار المدعي رسمياً فهو لا يصلح للقيام بعمل في المخازن يتصل بالعهدة لسوء تصرفه المعيب، ولا جدال في أن النتيجة السليمة قد استخلصت استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً. فقد نصت المادة (83) من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، يعاقب تأديبياً .." فالموظف الذي يخالف الواجبات الوظيفية مما تنص عليه القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال الوظيفة التي يجب أن يقوم بها بنفسه، إذا كان ذلك منوطاً به، وأن يؤديها بدقة وعناية وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه جزاء على (خطأ وظيفي Faute fonctionnelle) فتتجه إرادة السلطة الإدارية إلى توقيع (عقوبة وظيفيةfonctionnelle Peine ) وفقاً للأشكال والأوضاع التي تقررها اللوائح والقوانين وذلك في حدود النصاب المقرر. وغني عن البيان أن الذنب التأديبي يختلف عن الجريمة الجنائية في أنه لا يخضع لقاعدة (أن لا جريمة بغير نص) وإنما يجوز لمن يملك قانوناً سلطة التأديب أن يرى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند ممارسته أعمال وظيفته، ذنباً تأديبياً إذا كان لا يتفق وواجبات الوظيفة ومن ثم فلا يمكن حصر الذنوب التأديبية مقدماً على خلاف ما يجرى في مجال الجرائم الجنائية وقانون العقوبات... وقد نصت المادة (84) من القانون رقم 210 على أن "الجزاءات التي يجوز توقيعها على هؤلاء الموظفين عن المخالفات المالية والإدارية هي (1) الإنذار (2) الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين (3) تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تقل عن ستة أشهر (4) الحرمان من العلاوات (5) الوقف عن العمل.. إلخ".
ومن حيث إن القرار التأديبي محل هذا الطعن قد صدر في ظل قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (366) الصادر في 14 من أكتوبر سنة 1956 بإنشاء هيئة عامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر، وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة منه على أنه "ويقوم المدير تحت إشراف وزير المواصلات بإدارة السكك الحديدية وتصريف شئونها، وله على الأخص فيما يتعلق بالموظفين والعمال سلطة التعيين والنقل والترقية والتأديب وما إلى ذلك من شئونهم وله أن ينيب غيره في بعضها، وذلك كله في حدود القوانين واللوائح. وتحدد اختصاصات المدير بقرار من وزير المواصلات" وجاء في البند الثامن من المادة الرابعة من هذا القانون. "اقتراح وضع لوائح خاصة بموظفي الهيئة ومستخدميها وعمالها تنظم قواعد تعيينهم وترتيب أقدميتهم والتقارير الخاصة بهم وترقيتهم وتحدد وظائفهم أو درجاتهم كما تحدد رواتبهم وعلاواتهم، وتنظم قواعد نقلهم وندبهم وإعارتهم وبعثاتهم وإجازاتهم الدراسية ومصروفات الانتقال وكذلك قواعد إجازاتهم وتأديبهم وإنهاء خدمتهم وذلك مع مراعاة أحكام قانون عقد العمل الفردي رقم (317) لسنة 1952 بالنسبة للعمال، وباقي أحكام قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 بالنسبة لمن عداهم. وتصدر اللائحة بقرار من رئيس الجمهورية". ونصت المادة (85) من قانون موظفي الدولة على أنه "لوكيل الوزارة أو للوكيل المساعد أو لرئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه توقيع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب عن مدد لا تجاوز (45) يوماً في السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة عن (15) يوماً وذلك بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه، ويكون قراره في ذلك مسبباً.." ولمدير عموم المخازن بالسكك الحديدية سلطة توقيع الجزاء في هذه الحالة بمقتضى قرار صادر من السيد وزير المواصلات قضى بأن يعهد إليه بالسلطة المخولة لرئيس المصلحة في المادة (85) من قانون موظفي الدولة بالنسبة للموظفين إلى الدرجة الرابعة. والمدعي في الدرجة الخامسة الفنية الشخصية حسبما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار التأديبي بإنذار المدعي قد صدر سليماً قائماً على سببه وصدر ممن يملك إصداره وفي حدود اللوائح والقوانين، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغائه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق