الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 يوليو 2023

الطعن 1059 لسنة 5 ق جلسة 7 / 1 / 1961 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 2 ق 65 ص 505

جلسة 7 من يناير سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة محمود محمد إبراهيم والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد عبد العزيز البرادعي وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

-------------------

(65)

القضيتان رقم 1059 ورقم 1073 لسنة 5 القضائية

(أ) دعوى تأديبية - ميعاد رفعها - مخالفة مالية 

- ميعاد رفع الدعوى عن المخالفات المالية - الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - نصها على رفع الدعوى عن هذه المخالفات خلال 15 يوماً من تاريخ طلب رئيس ديوان المحاسبة - طبيعة هذا الميعاد - هو من قبيل استنهاض النيابة للسير في إجراءات الدعوى بالسرعة التي تقتضيها المصلحة العامة وحسن التنظيم لا من مواعيد السقوط - أساس ذلك.
(ب) دعوى تأديبية - طعن 

- محكمة تأديبية - حكمها في مسألة شكلية دون الفصل في موضوع التأديب - الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا - إلغاؤها إياه - الحكم بإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية المختصة للنظر في موضوعها - أساس ذلك.

--------------------
1 - إن القانون رقم 117 لسنة 1958 الصادر في 11 من أغسطس سنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري، قد أفرد الفصل الرابع من الباب الثاني المتعلق باختصاص النيابة الإدارية، أفرده لبيان ما يتبع عند التصرف في التحقيق. فنصت المادة (12) من هذا القانون على أنه "إذا رأت النيابة الإدارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز (15) يوماً تحيل أوراق التحقيق إلى الوزير أو من يندب من وكلاء الوزارة أو الرئيس المختص وعلى الجهة الإدارية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إبلاغها بنتيجة التحقيق أن تصدر قراراً بالحفظ أو بتوقيع الجزاء. فإذا رأت الجهة الإدارية تقديم الموظف إلى المحاكمة أعادت الأوراق إلى النيابة الإدارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة ويجب على الجهة الإدارية أن تخطر النيابة الإدارية بنتيجة تصرفها في الأوراق خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ صدور قرار الجهة الإدارية" فإذا كانت القرارات المشار إليها في هذه المادة قد صدرت من الجهة الإدارية في شأن "المخالفات المالية" فقد نص المشرع في المادة 13 على إجراء معين خاص بالمخالفات المالية وحدها. فجرى هذا النص على النحو الآتي: "يخطر رئيس ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الإدارية في شأن المخالفات المالية، والمشار إليها في المادة السابقة ولرئيس الديوان خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار أن يطلب تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية، وعلى النيابة الإدارية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوماً التالية" وهذان النصان لم يكن لهما أصل في القانون رقم 480 لسنة 1954 الصادر بإنشاء النيابة الإدارية، وقد استحدثهما القانون رقم 117 لسنة 1958 وعلق عليهما في مذكرته الإيضاحية بما يأتي "أما التصرف في التحقيق فقد وردت أحكامه في الفصل الرابع والأخير من الباب الثاني المنظم لاختصاصات النيابة الإدارية وقد أوردت مواده الأحكام الخاصة بتوزيع الاختصاص بين النيابة الإدارية والجهة التي يتبعها الموظف على النحو الآتي: (1) إذا رأت النيابة الإدارية أن المخالفة تستوجب جزاء يتجاوز الخصم من المرتب لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً أحالت الأوراق إلى المحكمة التأديبية المختصة مع إخطار الجهة التي يتبعها الموظف بالإحالة. (2) إذا رأت النيابة الإدارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز (15) يوماً أحالت الأوراق إلى الوزير أو من يندبه من وكلاء الوزارة أو الرئيس المختص لإصدار قراره في الموضوع. فإذا رأت الجهة الإدارية مع ذلك تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية أعادت الأوراق إلى النيابة الإدارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة. هذا كما أوجب المشرع إخطار النيابة الإدارية بقرار الجهة التي يتبعها الموظف بالقرار الصادر في التحقيق لتكون على بينة بما اتخذ فيه. ونظراً لما للمخالفات المالية من أهمها خاصة بالنسبة إلى مالية الدولة، فقد أوجب المشرع إخطار رئيس ديوان المحاسبة بقرارات الجهة الإدارية الصادرة في شأن هذه المخالفات. وأعطى لرئيس الديوان الحق في أن يطلب من النيابة الإدارية إقامة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة، وفي هذه الحالة يتعين على النيابة الإدارية مباشرة الدعوى". وجاء في المواد 19، 20، 21 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكمة التأديبية: المادة (19) - إذا رأت النيابة الإدارية أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز (15) يوماً ورأت الجهة الإدارية حفظ التحقيق جاز لمدير عام النيابة الإدارية عرض الأمر على الوزير المختص، وفي المادة 20 - على الجهة الإدارية إرجاء تنفيذ القرارات الصادرة في شأن المخالفات السالفة الإشارة إليها في المادة 12 من القانون إلى حين فوات الميعاد المقرر لطلب رئيس ديوان المحاسبة تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية - وفي المادة 21 - إذا طلب رئيس ديوان المحاسبة تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 13 من القانون وجب أن يكون الطلب مسبباً، وأن تخطر به في الوقت ذاته الجهة الإدارية التي أصدرت القرار، ولم تغفل التعليمات العامة للنيابة الإدارية التنبيه إلى مراعاة تفادي الإبطاء والتسويف عند الإعداد لإقامة الدعوى التأديبية في الحالات التي يطلب فيها ديوان المحاسبة تقديم الموظف المتهم بارتكاب مخالفات مالية إلى المحاكمة. فذكرت المادة 114 من هذه التعليمات أنه "إذا طلب رئيس ديوان المحاسبة تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية بعد إخطاره بالقرار الصادر من الجهة الإدارية في شأن مخالفات مالية أحيلت الأوراق فور وصولها إلى النيابة المختصة لإعداد مشروع تقرير الاتهام وقائمة الشهود، وإرسالها على وجه السرعة إلى إدارة الدعوى التأديبية التي يتعين عليها إقامة الدعوى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ طلب رئيس ديوان المحاسبة". وهذا البند من التعليمات العامة واضح الدلالة في بيان قصد الشارع من أنه لا ينبغي أكثر من الحض على الإسراع في إقامة الدعوى التأديبية والحث على المزيد من العناية في إنجاز المحاكمات ذات الطابع المالي، والتي يكون لديوان المحاسبة توجيه إيجابي فيها، وذلك لما للمخالفات المالية من أهمية خاصة بالنسبة إلى مالية الدولة. فإذا كانت النيابة الإدارية قد تراخت في إقامة الدعوى التأديبية في الميعاد الذي نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 "وعلى النيابة الإدارية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوماً التالية" فإن مثل هذا التراخي الإداري، لا يسقط بطبيعة الحال، الحق في السير في الدعوى التأديبية لأن ميعاد الخمسة عشر يوماً المذكورة في عجز هذه المادة ليس، كما قدمنا، ميعاد سقوط للدعوى التأديبية، وإنما هو من قبيل استنهاض النيابة الإدارية للسير في إجراءات الدعوى التأديبية بالسرعة التي تقتضيها المصلحة العامة من التأديب. وهذا من قبيل سلامة التوجيه وحسن التنظيم.
2 - إن المحاكمة التأديبية تقوم على ضمانات لصالح الموظف في التحقيق والدفاع والمحاكمة فهي من هذه الناحية أشبه بالمحاكمات الجنائية وعلى ذلك إذا كان القرار الصادر من المحكمة التأديبية قد فصل في نقطة فرعية شكلية أو خاصة بالاختصاص، غير حاسمة في موضوع التأديب ذاته بالإدانة أو بالبراءة أو بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، ورأت المحكمة الإدارية العليا إلغاء هذا القرار كان لها أن تعيد الدعوى إلى المحكمة التأديبية للنظر فيها من جديد متبعة ما رسمه القانون من إجراءات وما استوجبه من ضمانات في التحقيق والدفاع والمحاكمة، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وبإعادتها إلى المحكمة التأديبية للفصل فيها.


إجراءات الطعن

في 8 من يوليه سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1059 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والعمل والإرشاد القومي والثقافة، بجلسة 11 من مايو سنة 1959 في الدعوى رقم 65 لسنة 1 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد كل من محمد شكري الشرقاوي الكاتب بمنطقة شبين الكوم التعليمية من الدرجة السابعة، وحمزة السيد إبراهيم الكلاف، وكيل حسابات منطقة شبين الكوم التعليمية من الدرجة السادسة والذي قضى: "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن: "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى مع إعادتها إلى المحكمة التأديبية للفصل في موضوعها". وفي اليوم التالي مباشرة لتقديم طعن هيئة المفوضين قدم في 9 من يوليه سنة 1959 محامي إدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد رئيس ديوان المحاسبة، ومدير عام النيابة الإدارية تقريراً بالطعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1073) لسنة 5 القضائية في نفس الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المشار إليها أعلاه، وطلب محامي الحكومة الحكم بذات الطلبات الواردة بعريضة طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة. وقد أعلن الطعن الأول إلى الحكومة في 15 من أغسطس سنة 1959 وإلى الخصم في 18 منه. وأعلن الطعن الثاني إلى الخصم في 18 من يوليه سنة 1959. وعين لنظر كل من الطعنين أمام دائرة فحص الطعون جلستي (30 من أكتوبر، 6 من نوفمبر سنة 1960) فقررت الدائرة إحالتهما إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن، على الوجه المبين بمحضر الجلسة وتقرر نظرهما معاً وأرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إنه سبق التقرير بضم الطعنين رقمي (1059، 1073) لسنة 5 القضائية أحدهما إلى الآخر لأنهما عن حكم واحد.
ومن حيث إن كلاً من الطعنين قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه الدعوى التأديبية، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن النيابة الإدارية قد أودعت أوراق الدعوى، سكرتيرية المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والعمل والإرشاد القومي والثقافة، في 15 من فبراير سنة 1959 طالبة النظر في أمر كل من (1) محمد شكري الشرقاوي، الكاتب بمنطقة شبين الكوم التعليمية من الدرجة السابعة (2) حمزة السيد إبراهيم الكلاف، وكيل حسابات منطقة شبين الكوم التعليمية من الدرجة السادسة، لأنهما ارتكبا المخالفات المالية التي تحصل ملابساتها في أنه بينما كان وكيل حسابات منطقة شبين الكوم التعليمية يقوم في 26 من فبراير سنة 1956 بمراجعة الدفتر المعد لقيد الشيكات المسحوبة على البنوك "دفتر رقم (56) ع/ ح" تبين له أن ثمت خطأ قد وقع في جميع مفردات يوم 22 من فبراير سنة 1956 حيث إن حاصل هذا الجمع المثبت في الدفتر ينقص بمقدار ثلاثة جنيهات عن الرقم الواجب إثباته وببحث الموضوع اتضح له أن هذا الخطأ قد وقع في مرتب محمد شكري محمود الشرقاوي. إذ أن صافي مرتبه المثبت باستمارة الماهيات 132 ج/ ح وكذا باستمارته الخاصة بماهيته هو مبلغ 13 جنيهاً و827 مليماً بينما كان الإخطار المرسل لبنك سوارس المحول عليه ماهية الموظف المذكور قد قيد فيه مبلغ 16 جنيهاً و827 مليماً أي بزيادة قدرها ثلاثة جنيهات، كما اتضح له أن نفس هذا الخطأ قد حدث بمرتب الموظف ذاته عن الشهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر سنة 1955 ويناير سنة 1956 وأن الموظف المذكور كان يرتكب هذا التلاعب بنفسه باعتباره الموظف المختص بالعمليات الحسابية الخاصة بالمرتبات المحولة على البنوك، وأن جملة ما استولى عليه نتيجة لهذا التلاعب مبلغ (15) جنيهاً قام بتسديده في نفس اليوم أي في يوم 26 من فبراير سنة 1956 وعلى أثر ذلك قررت المنطقة إيقافه عن العمل وأحالت الموضوع إلى النيابة الإدارية المختصة لتحقيقه حيث ثبت لها صحة هذا الاتهام. كما ثبت لها مسئولية حمزة السيد إبراهيم الكلاف، وبعرض هذه النتيجة على مدير عام التربية والتعليم لمنطقة شبين الكوم التعليمية قرر في 7 من يناير سنة 1959 مجازاة محمد شكري الشرقاوي بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه مع إعادته للعمل على أن يبعد عن جميع الأعمال المالية والحسابية، وحفظ الموضوع بالنسبة للسيد/ حمزة إبراهيم الكلاف لسابقة توقيع عقوبة الإنذار عليه. وأخطر ديوان المحاسبة بهذا القرار في 11 من يناير سنة 1959 وقد رأى أن التهمة المسندة إلى الموظف الأول هي من الأهمية والخطورة بمكان لما انطوت عليه من تلاعب مكن المتهم من الاستيلاء بغير حق على مبالغ تزيد عما يستحقه فعلاً، فضلاً عما ينطوي عليه هذا التلاعب من جريمة جنائية هي جريمة التزوير في أوراق رسمية واختلاس أموال أميرية، ومن ثم فإن الجزاء الموقع على هذا الموظف لا يتناسب مطلقاً مع خطورة التهمة المسندة إليه، والتي تستوجب إحالته إلى المحاكمة التأديبية كما رأى أن الإهمال الذي وقع من الموظف الثاني يعتبر إهمالاً جسيماً حيث إنه لم يكشف التلاعب المذكور إلا بعد تكرار وقوعه في خمسة شهور متتالية ومن ثم فإن الأمر يقتضي إحالة هذا الموظف أيضاً إلى المحاكمة التأديبية. ووافق في 25 من يناير سنة 1959 على إحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية لتتولى إقامة الدعوى التأديبية ضد الموظفين المذكورين أعلاه. وقد أحالت النيابة الإدارية هذين الموظفين إلى المحكمة التأديبية بإيداع أوراق الدعوى سكرتيرية المحكمة التأديبية في 15 من فبراير سنة 1959.
وبجلسة 11 من مايو سنة 1959 قضت المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون والإرشاد "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد". وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن جزاء الخصم بخمسة عشر يوماً من مرتب المتهم الأول، وجزاء الإنذار للمتهم الثاني قد صدرا من جهة الإدارة في 7 من يناير سنة 1959، ثم أخطر بالجزاء ديوان المحاسبة في 11 من يناير سنة 1959 فأصدر الديوان قراره طالباً تقديم المتهمين إلى المحاكمة التأديبية في 25 من يناير سنة 1959 ومع ذلك فإن النيابة الإدارية لم تودع قرار الإحالة موضوع هذه الدعوى إلا في 15 من فبراير سنة 1959، ومن ثم تكون الدعوى التأديبية قد رفعت من جانب النيابة الإدارية بعد الميعاد الذي حددته المادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958، وكان من المتعين عليها مباشرة الدعوى ضد المتهمين خلال الخمسة عشر يوماً التالية لقرار رئيس ديوان المحاسبة أي في ميعاد غايته 9 من فبراير سنة 1959 ومن المعلوم أن مباشرة الدعوى التأديبية لا تكون إلا بإيداع قرار الإحالة سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة. والثابت من الرجوع إلى ملف الدعوى أن قرار الإحالة لم يودع إلا في 15 من فبراير سنة 1959 كما سلف البيان. وقالت المحكمة التأديبية أن المستفاد من نص المادة (13) هو أن المواعيد الواردة بها هي من مواعيد السقوط لتعلقها بمصير القرارات الإدارية الصادرة بتوقيع الجزاءات التأديبية من السلطات الرئاسية المختصة وصيرورتها نهائية وما ترتبه من مراكز قانونية بالنسبة للموظفين الصادرة في شأنهم - وبهذه المثابة فإن الدعوى، ولم تباشرها النيابة الإدارية خلال الخمسة عشر يوماً التي حددها الشارع تكون مرفوعة بعد الميعاد وترتيباً على ذلك فقد أضحت الجزاءات الصادرة من جهة الإدارة ضد المتهمين في شأن المخالفات المالية موضوع الدعوى نهائية. فالدعوى التأديبية قد رفعت بعد الميعاد الحتمي الذي اشترطه المشرع وأوجب مراعاته.
ومن حيث إن طعن السيد رئيس هيئة المفوضين، وقد تبنت أسبابه أيضاً إدارة قضايا الحكومة، يقوم على أن الأصل في المواعيد الواردة في المادتين 12، 13 من القانون رقم (117) لسنة 1958 أنها مواعيد تنظيمية إلا في حالة ما إذا كانت الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف المتهم قد أصدرت قراراً في الموضوع بحفظه أو بتوقيع جزاء... إلخ... فعندئذ يكون الميعاد المقرر للاعتراض على هذا القرار ميعاد سقوط. وعلة ذلك أن هذا القرار الذي تصدره الجهة الإدارية ذات الشأن بسلطتها التقديرية يكون ناجزاً بطبيعته فإذا كان المشرع قد خول جهة إدارية أخرى سلطة الاعتراض عليه، وحدد لهذا الإجراء ميعاداً تعين على هذه الجهة الأخيرة أن تباشر سلطة الاعتراض خلال هذا الميعاد، وإلا سقط حقها في الاعتراض وتحصن القرار. والقول بغير هذا مؤداه أن يظل القرار معلقاً بما يخرجه عن طبيعته. هذا إلى أن مصلحة الموظف المتهم تتعلق بقرار الجهة الإدارية بمجرد صدوره، وتكون إحالته إلى المحاكمة التأديبية متضمنة أن الفعل المسند إليه من الجسامة بحيث يستأهل جزاء أشد أو من الثبوت بحيث لا يقبل فيه الحفظ. ومن ثم فالميعاد المحدد للاعتراض على القرار في الحالتين يتعين أن يكون ميعاد سقوط لقيام هذه المصلحة. فإذا كان المشرع قد خول رئيس ديوان المحاسبة سلطة الاعتراض على قرار الجهة الإدارية في حالة المخالفة المالية. خلال ميعاد معين فعليه أن يلتزم هذا الميعاد، وأن يباشر السلطة التي خوله القانون إياها قبل انقضائه. فإذا هو لم يعترض، أو هو اعترض بعد فوات هذا الميعاد اعتبر القرار الصادر من الجهة الإدارية صاحبة الولاية التأديبية قراراً حصيناً للسببين سالفي الذكر وعلى العكس يعتبر هذا القرار كأن لم يكن، إذا اعترض رئيس الديوان عليه خلال خمسة عشر يوماً من إخطاره به، وبالتالي يكون الميعاد المحدد للنيابة الإدارية لمباشرة الدعوى التأديبية، في هذه الحالة ميعاداً تنظيماً، لا جزاء على تجاوزه إذ ليس ثمت قرار إداري. والثابت إن رئيس ديوان المحاسبة قد اعترض على قرار جهة الإدارة المختصة في الميعاد، بأن طلب تقديم المتظلم إلى المحاكمة التأديبية، فلا تثريب على النيابة الإدارية إذ هي باشرت الدعوى بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة 13 من القانون سالف الذكر. وإذا أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر، يكون قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه - وانتهى الطعنان إلى طلب الحكم بقبولهما شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى مع إعادتها إلى المحكمة التأديبية للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن القانون رقم 117 لسنة 1958 الصادر في 11 من أغسطس سنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري، قد أفرد الفصل الرابع من الباب الثاني المتعلق باختصاص النيابة الإدارية، أفرده ببيان ما يتبع عند التصرف في التحقيق. فنصت المادة (12) من هذا القانون على أنه "إذا رأت النيابة الإدارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز (15) يوماً تحيل أوراق التحقيق إلى الوزير أو من يندب من وكلاء الوزارة أو الرئيس المختص وعلى الجهة الإدارية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إبلاغها بنتيجة التحقيق أن تصدر قراراً بالحفظ أو بتوقيع الجزاء. فإذا رأت الجهة الإدارية تقديم الموظف إلى المحاكمة أعادت الأوراق إلى النيابة الإدارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة. ويجب على الجهة الإدارية أن تخطر النيابة الإدارية بنتيجة تصرفها في الأوراق خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ صدور قرار الجهة الإدارية" فإذا كانت القرارات المشار إليها في هذه المادة قد صدرت من الجهة الإدارية في شأن "المخالفات المالية" فقد نص المشرع في المادة 13 على إجراء معين خاص بالمخالفات المالية وحدها. فجرى هذا النص على النحو الآتي: "يخطر رئيس ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الإدارية في شأن المخالفات المالية، والمشار إليها في المادة السابقة ولرئيس الديوان خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار أن يطلب تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية، وعلى النيابة الإدارية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية، خلال الخمسة عشر يوماً التالية" وهذان النصان لم يكن لهما أصل في القانون رقم 480 لسنة 1954 الصادر بإنشاء النيابة الإدارية، وقد استحدثهما القانون رقم 177 لسنة 1958 وعلق عليهما في مذكرته الإيضاحية بما يأتي "أما التصرف في التحقيق فقد وردت أحكامه في الفصل الرابع والأخير من الباب الثاني المنظم لاختصاصات النيابة الإدارية وقد أوردت مواده الأحكام الخاصة بتوزيع الاختصاص بين النيابة الإدارية والجهة التي يتبعها الموظف على النحو الآتي: "(1) إذا رأت النيابة الإدارية أن المخالفة تستوجب جزاء يجاوز الخصم من المرتب لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً أحالت الأوراق إلى المحكمة التأديبية المختصة مع إخطار الجهة التي يتبعها الموظف بالإحالة. (2) إذا رأت النيابة الإدارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز (15) يوماً أحالت الأوراق إلى الوزير أو من يندبه من وكلاء الوزارة أو الرئيس المختص لإصدار قراره في الموضوع. فإذا رأت الجهة الإدارية مع ذلك تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية أعادت الأوراق إلى النيابة الإدارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة. هذا كما أوجب المشرع إخطار النيابة الإدارية بقرار الجهة التي يتبعها الموظف بالقرار الصادر في التحقيق لتكون على بينة بما اتخذ فيه. ونظراً لما للمخالفات المالية من أهمية خاصة بالنسبة إلى مالية الدولة، فقد أوجب المشرع إخطار رئيس ديوان المحاسبة بقرارات الجهة الإدارية الصادرة في شأن هذه المخالفات. وأعطى لرئيس الديوان الحق في أن يطلب من النيابة الإدارية إقامة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة، وفي هذه الحالة يتعين على النيابة الإدارية مباشرة الدعوى". وجاء في المواد 19، 20، 21 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكمة التأديبية "المادة 19 - إذا رأت النيابة الإدارية أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز (15) يوماً ورأت الجهة الإدارية حفظ التحقيق جاز لمدير عام النيابة الإدارية عرض الأمر على الوزير المختص، وفي المادة 20 - على الجهة الإدارية إرجاء تنفيذ القرارات الصادرة في شأن المخالفات السالفة الإشارة إليها في المادة 12 من القانون إلى حين فوات الميعاد المقرر لطلب رئيس ديوان المحاسبة تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية، وفي المادة 21 - إذا طلب رئيس ديوان المحاسبة تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية، وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 13 من القانون وجب أن يكون الطلب مسبباً، وأن تخطر به في الوقت ذاته الجهة الإدارية التي أصدرت القرار"، ولم تغفل التعليمات العامة للنيابة الإدارية التنبيه إلى مراعاة تفادي الإبطاء والتسويف عند الإعداد لإقامة الدعوى التأديبية في الحالات التي يطلب فيها ديوان المحاسبة تقديم الموظف المتهم بارتكاب مخالفات مالية إلى المحاكمة. فذكرت المادة 114 من هذه التعليمات أنه "إذا طلب رئيس ديوان المحاسبة تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية بعد إخطاره بالقرار الصادر من الجهة الإدارية في شأن مخالفات مالية أحيلت الأوراق فور وصولها إلى النيابة المختصة لإعداد مشروع تقرير الاتهام وقائمة الشهود، وإرسالها على وجه السرعة إلى إدارة الدعوى التأديبية التي يتعين عليها إقامة الدعوى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ طلب رئيس ديوان المحاسبة". وهذا البند من التعليمات واضح الدلالة في بيان قصد الشارع من أنه لا يبغى أكثر من الحض على الإسراع في إقامة الدعوى التأديبية والحث على المزيد من العناية في إنجاز المحاكمات ذات الطابع المالي، والتي يكون لديوان المحاسبة توجيه إيجابي فيها، وذلك لما للمخالفات المالية من أهمية خاصة بالنسبة إلى مالية الدولة. فإذا كانت النيابة الإدارية قد تراخت في إقامة الدعوى التأديبية في الميعاد الذي نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 "وعلى النيابة الإدارية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوماً التالية" فإن مثل هذا التراخي الإداري، لا يسقط بطبيعة الحال، الحق في السير في الدعوى التأديبية لأن ميعاد الخمسة عشر يوماً المذكورة في عجز هذه المادة ليس، كما قدمنا، ميعاد سقوط للدعوى التأديبية، وإنما هو من قبيل استنهاض النيابة الإدارية للسير في إجراءات الدعوى التأديبية بالسرعة التي تقتضيها المصلحة العامة من التأديب. وهذا من قبيل سلامة التوجيه وحسن التنظيم.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والعمل والإرشاد القومي، وقد تبين لها أن السيد رئيس ديوان المحاسبة قد اعترض في 25 من يناير سنة 1959 على قرار الجهة الإدارية بمجازاة الموظف المتهم الأول بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه وبمجازاة المتهم الثاني بالإنذار، وطلب من النيابة الإدارية محاكمتهما تأديبياً لما نسب إليهما من مخالفات مالية، فأقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية أمام تلك المحكمة في 15 من فبراير سنة 1951 أي بعد الموعد القانوني لجواز رفع هذه الدعوى بالمخالفة لنص الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958، قضت في هذه الدعوى بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد، فإن هذا الحكم المطعون فيه، يكون قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه، كما يتعين قبول الدعوى شكلاً.
ومن حيث إن المحاكمة التأديبية تقوم على ضمانات لصالح الموظف في التحقيق والدفاع والمحاكمة فهي من هذه الناحية أشبه بالمحاكمات الجنائية وعلى ذلك إذا كان القرار الصادر من المحكمة التأديبية قد فصل في نقطة فرعية شكلية أو خاصة بالاختصاص، غير حاسمة في موضوع التأديب في ذاته بالإدانة أو بالبراءة أو بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، ورأت المحكمة الإدارية العليا إلغاء هذا القرار، كان لها أن تعيد الدعوى إلى المحكمة التأديبية للنظر فيها من جديد متبعة ما رسمه القانون من إجراءات وما استوجبه من ضمانات في التحقيق والدفاع والمحاكمة، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وبإعادتها إلى المحكمة التأديبية للفصل فيها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى وبإعادتها إلى المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم للفصل فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق