جلسة 21 ديسمبر سنة 1944
برياسة حضرة محمد زكي علي بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.
--------------
(176)
القضية رقم 29 سنة 14 القضائية
موظفون.
حق الحكومة في إحالة الموظفين إلى المعاش قبل بلوغ سن التقاعد. إنما يقوم على اعتبارات أساسها المصلحة العامة. الحكومة غير ملزمة ببيان أسباب الفصل. تبين هذه الأسباب من القرار الصادر بالفصل. خضوع هذا العمل لتقدير المحاكم. إحالة الموظف لمجرد مقاربته سن التقاعد. مخالفة للقانون.
الوقائع
تتحصل وقائع هذا الطعن في أن الطاعن التحق بوزارة الداخلية ضابطاً في البوليس في أول أغسطس سنة 1903 وتدرج في وظائفها حتى عين في 23 من مارس سنة 1937 وكيلاً لمديرية المنيا. وفي 16 من يناير سنة 1938 ندب بقرار من مجلس الوزراء للعمل بالديوان العام بوزارة الداخلية، وفي 16 من مايو سنة 1938 صدر قرار وزير الداخلية بنقله إلى الديوان العام، وفي أول سبتمبر سنة 1938 ندب للعمل بإدارة الحج بوزارة الداخلية مساعداً لمدير الإدارة. وبقى الطاعن في هذه الوظيفة حتى أحيل بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من ديسمبر سنة 1939 إلى المعاش اعتباراً من أول يناير سنة 1940 قبل بلوغه السن القانونية للتقاعد بمدة سنتين وثمانية أشهر إذ كان لا يبلغها إلا في أول سبتمبر سنة 1942، وجعل معاشه 40 جنيهاً و500 مليم شهرياً على أساس ضم ستة أشهر إلى مدة خدمته ليستحق ثلاثة أرباع المعاش. فرفع الطاعن على وزارة الداخلية الدعوى أمام محكمة مصر الابتدائية طالباً الحكم له عليها بمبلغ 4646 جنيهاً على سبيل التعويض. وبتاريخ 3 من فبراير سنة 1942 حكمت المحكمة بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع له مبلغ 399 جنيهاً و600 مليم قيمة الفرق بين المعاش والمرتب إلى سن الستين والمصاريف المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، فرفعت وزارة الداخلية استئنافاً عن هذا الحكم ورفع عنه الطاعن استئنافاً آخر وبجلسة 20 من فبراير سنة 1943 تقرر ضم الاستئنافين أحدهما إلى الآخر. وفي 17 من أكتوبر سنة 1943 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 13 من فبراير سنة 1944 فقرر الطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه بني على أن قرار مجلس الوزراء بإحالة الطاعن إلى المعاش قبل بلوغه سن التقاعد وقع صحيحاً في حين أنه مخالف لقانون المعاشات الذي جعل التقاعد عند بلوغ الموظف الستين من عمره لا قبلها. والثابت بالحكم أن السبب الذي بنى عليه قرار مجلس الوزراء إحالة الطاعن وآخرين من موظفي الداخلية إلى المعاش هو مجرد مقاربتهم سن التقاعد مما يبين منه أن الحكومة أرادت خلافاً للقانون تخفيض السن المقررة قانوناً للتقاعد. ولا يمكن أن يشفع لها في ذلك أنها تملك لداع من المصلحة العامة إحالة الموظف إلى المعاش قبل بلوغه هذه السن، فإن المصلحة العامة فيما يتعلق بسن التقاعد قد قدرها القانون ولا يمكن إجراء تعديل في هذا التقدير إلا بقانون كذلك.
وحيث إن سن التقاعد عن الخدمة المقررة في القانون المعامل به الطاعن هو الستون سنة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن أقيم على أن الحكومة لها الحق المطلق في فصل الموظفين من الخدمة قبل بلوغهم سن التقاعد لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة، وأن الطاعن لم يقم الدليل على أن فصله يرجع إلى سبب آخر.
وحيث إن الثابت بالحكم المطعون فيه أن الطاعن أحيل إلى المعاش بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر يوم 23 من ديسمبر سنة 1939 الذي وافق فيه على مذكرة من اللجنة المالية بشأن ثمانية من الموظفين بوزارة الداخلية منهم الطاعن. وهذه المذكرة تقول: "تلقت اللجنة المالية طلبات من وزارة الداخلية ترمي إلى إحالة" "بعض موظفيها إلى المعاش ممن قاربوا السن القانونية على أن يمنحوا بعض" "امتيازات كإضافة مدة إلى سني خدمتهم أو زيادة ما يعود إليهم من المعاش". "وقد بحثت اللجنة المالية هذه الطلبات فرأت الموافقة على البعض منها وتعديل" "البعض الآخر. وفيما يلي بيان تفصيلي بكل طلب وما رأته اللجنة بشأنه". ويلي ذلك أسماء الموظفين الثمانية ورابعهم الطاعن؛ وكان طلب الوزارة بشأنه ضم المدة اللازمة ليستحق ثلاثة أرباع المعاش الكامل وهي سنة وشهر فيصبح معاشه 40 ج و500 م أي بزيادة جنيه 1 و170 مليماً شهرياً، وكان رأي اللجنة الموافقة على ما طلبته الوزارة. وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة يوم 23 من ديسمبر سنة 1939 على رأي اللجنة المالية المبين في هذه المذكرة.
وحيث إن للحكومة الحق في فصل الموظف وإحالته إلى المعاش قبل بلوغه سن التقاعد عن الخدمة المقررة في القانون، ولكنها لا تملك هذا الحق إلا لاعتبارات أساسها المصلحة العامة ولأسباب جدية تكون قائمة بذات الموظف المراد إبعاده عن الخدمة. وإن كانت الحكومة غير ملزمة ببيان أسباب الفصل إلا أنه متى تبينت هذه الأسباب من القرار الصادر به فإنها تكون خاضعة لتقدير المحاكم. فإذا كان السبب الذي من أجله وقع الفصل لا يرجع إلى المصلحة العامة ولا إلى ذات الموظف كان الفصل والحالة هذه إجراءً مخالفاً للقانون وحقت به مسئولية الحكومة.
وحيث إنه يتجلى من مذكرة اللجنة المالية تلك عدم وجود سبب قائم بالطاعن دعا إلى إحالته إلى المعاش كما يتضح أن السبب الذي بنيت عليه هذه الإحالة إنما هو مجرد مقاربته سن التقاعد المقررة قانوناً. ولما كان القانون قد تولى تقدير سن التقاعد التي تتحقق بها المصلحة العامة عادلاً في ذلك مصلحة الحكومة بمصلحة الموظفين فليس للحكومة أن تخالف القانون وترد عليه تقديره بخفضها السن التي قررها للتقاعد، ولا يكون لها حق في إحالة الطاعن إلى المعاش قبل بلوغه هذه السن.
وحيث إنه لما تقدم تكون إحالة الطاعن إلى المعاش قبل بلوغه سن التقاعد عن الخدمة قد وقعت باطلة، والحكم المطعون فيه إذ قال بأنها وقعت صحيحة ثم أسس على ذلك القول قضاءه برفض دعوى الطاعن يكون مخالفاً للقانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق