جلسة 17 من مارس سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وسليم راشد أبو زيد.
------------------
(85)
الطعن رقم 120 لسنة 32 القضائية
(أ) اختصاص. "اختصاص ولائي". "اختصاص مجلس الدولة". ري وصرف. "تطهير المصارف".
لم ينزع قانون مجلس الدولة من ولاية المحاكم بالنسبة لدعاوى المسئولية المرفوعة على الحكومة سوى ما كان من هذه الدعاوى متعلقاً بطلب التعويض عن القرارات الإدارية المعيبة. دعاوى التعويض عن أعمال الإدارة المادية من اختصاص المحاكم المطلق. الدعوى بطلب تعويض عن ضرر بسبب إهمال جهة الإدارة في تطهير مصرف عمومي. قيامها على عمل مادي واختصاص المحاكم بها.
(ب) ري وصرف. "تطهير الترع والمصارف". تعويض.
لمصلحة الري سلطة تقدير ما يطهر من الترع والمصارف واختيار الوقت الذي تتم فيه عملية التطهير وكيفيتها. حظر مطالبة الحكومة بتعويض عن أي ضرر ينشأ للأفراد من استعمال المصلحة هذه السلطة التقديرية. هذا الخطر مقيد بألا يكون العمل الضار سواء كان إيجابياً أو سلبياً قد اقتضته أو تبرره دواعي المصلحة العامة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام في 25 من ديسمبر سنة 1955 الدعوى رقم 7 سنة 1959 كلي الزقازيق على وزارة الأشغال (الطاعنة الأولى) طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 5700 ج تعويضاً له عن التلف الذي أصاب أرضه وزراعة الفول السوداني التي كانت بها بسبب إهمال هذه الوزارة في تطهير مصرف الوادي العمومي الذي يحد هذه الأرض من الجهة الشرقية مما أدى إلى تراكم الحشائش في مجراه وإعاقة سير المياه والحيلولة دون تصريفها فارتفع منسوبها عن المنسوب الطبيعي وطغت على أرضه في صيف عام 1954 وأهلكت زراعة الفول السوداني التي كانت بها كما أتلفت تربة الأرض - وقد دفعت الوزارة الطاعنة هذه الدعوى بعدم قبولها لرفعها من غير ذي صفة تأسيساً على أن الأرض المدعى بحصول الضرر فيها مملوكة لمصلحة الأملاك وليس للمطعون ضده الأول. وبتاريخ 3 من نوفمبر سنة 1956 قضت المحكمة الابتدائية برفض هذا الدفع وبتحديد جلسة لنظر الموضوع ولدى نظره تدخل باقي الطاعنين منضمين إلى المطعون ضده الأول في طلباته باعتبارهم شركائه في الأرض وطلبوا أن يقضى له بالمبلغ المرفوعة به الدعوى كما أدخل المطعون ضده الأول مصلحة الأملاك - الطاعنة الثانية - ليكون الحكم في مواجهتها وقد عادت الوزارة الطاعنة الأولى ودفعت بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر الدعوى مؤسسة هذا الدفع على أن الدعوى في حقيقتها تتضمن طلب التعويض عن قرار إداري سلبي بعدم تطهير المصرف ومن ثم يختص بنظرها القضاء الإداري عملاً بالمادتين 8 و9 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بمجلس الدولة كما دفعت الوزارة بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية نوعياً بنظر الدعوى على أساس أنها من اختصاص المحكمة الجزئية عملاً بالمادة 46/ 3 من قانون المرافعات وبعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق المرسوم في المادة 19 من قانون الري والصرف رقم 68 لسنة 1953 المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1956 وطلبت احتياطياً رفض الدعوى موضوعاً تأسيساً على أن المادة 32 من القانون المذكور تمنع مطالبة الحكومة بتعويض عن عدم قيامها بتطهير المصارف العمومية. وبتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1960 حكمت المحكمة الابتدائية برفض الدفوع الثلاثة المتقدمة الذكر وبإلزام وزارة الأشغال بأن تدفع للمطعون ضده الأول في مواجهة مصلحة الأملاك - الطاعنة الثانية - مبلغ 1250 ج نظير ما أصابه من ضرر بسبب تلف زراعة الفول السوداني التي كانت بأرضه التي طغت عليها مياه المصرف ونفت المحكمة حصول تلف بتربة الأرض وقد استأنفت وزارة الأشغال هذا الحكم والحكم الصادر في 3 نوفمبر سنة 1956 أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد استئنافها برقم 53 سنة 4 ق وتمسكت في هذا الاستئناف بجميع دفوعها وأوجه دفاعها التي أبدتها أمام المحكمة الابتدائية.
وبتاريخ 7 من فبراير سنة 1962 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكمين المستأنفين - فطعنت الوزارة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين: الأول: أن الحكم قد أخطأ في قضائه برفض الدفع الذي أبدته الطاعنة الأولى أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ذلك أن أحكام قانون الري والصرف قد أطلقت لها سلطة تحديد ما يطهر وما لا يطهر من المصارف العامة وهي إذ تستعمل هذه السلطة إنما تصدر في حقيقة الأمر قرارات إدارية بتحديد المصارف التي ترى أن يجرى تطهيرها في كل سنة وتلك التي يرجأ تطهيرها وبهذه المثابة فإن المطالبة بالتعويض عن الضرر الناشئ عن عدم تطهير مصرف معين تنطوي على طلب تعويض عن قرار إداري مما يختص به مجلس الدولة - بهيئة قضاء إداري - دون غيره تطبيقاً لحكم المادة التاسعة من القانون رقم 55 لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة وبالتالي فلا تختص المحاكم بنظر هذا النزاع. والوجه الثاني: أن الحكم المطعون فيه خالف المادة 32 من قانون الري والصرف رقم 68 لسنة 1953 بقضائه بمسئولية الوزارة الطاعنة عن عدم تطهير مصرف الوادي وبإلزامها بتعويض الضرر الناشئ عن ذلك إذ أن المادة 32 المشار إليها تقضي بأنه لا يجوز مطالبة الحكومة بتعويض عن أي ضرر ينشأ عن استعمال السلطة المخولة لمصلحة الري بمقتضى المادة 31 التي تجعل لها الهيمنة التامة على نظام الري والصرف وتترك لها سلطة تقديرية مطلقة في تحديد ما ترى ضرورة لتطهيره من المصارف العامة مما لا يستقيم معه منطق الحكم المطعون فيه الذي أقام قضاءه بالتعويض على أساس حق القضاء في مناقشة الجهة الإدارية المختصة فيما هو من صميم سلطتها التقديرية التي تزاولها لتحقيق المصلحة العامة وفي حدود إمكانياتها المالية والفنية مع أن المقرر فقهاً وقضاء هو عدم جواز مساءلة الإدارة عما يدخل في سلطتها التقديرية إلا إذا ثبت أنها أساءت استعمال السلطة لغير المصلحة العامة وهو الأمر المنتفي في النزاع الحالي هذا إلى ما في القضاء على الطاعنة بالتعويض من خروج على صريح نص المادة 32 من قانون الري والصرف على النحو السالف بيانه.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول غير سديد ذلك أن قانوني مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 ورقم 55 لسنة 1959 لم ينزعا من ولاية المحاكم بالنسبة لدعاوى المسئولية المرفوعة على الحكومة التي كانت تختص بنظرها سوى ما كان من هذه الدعاوى متعلقاً بطلب تعويض عن القرارات الإدارية المعيبة أما ما عدا ذلك من قضايا التعويض عن أعمال الإدارة المادية فما زال للمحاكم اختصاصها المطلق به - ولما كانت الدعوى قد رفعت من المطعون ضدهم بطلب تعويضهم عما لحقهم من ضرر بسبب خطأ مدعى وقوعه من جانب وزارة الأشغال يتمثل في إهمالها في تطهير مصرف عمومي إهمالاً نتج عنه ارتفاع منسوب المياه في المصرف وطغيانها على أرض المدعين مما ألحق الضرر بهم فإن دعوى المسئولية تقوم في هذه الحالة على العمل المادي - ومن ثم تختص المحاكم بنظرها ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى لم يخطئ في القانون.
وحيث إن النعي في وجهه الثاني صحيح ذلك أن القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف نص في المادة 31 منه على أن "لمصلحة الري الهيمنة على توزيع مياه الري بالمجاري العامة على اختلاف أنواعها وتوزيع مياه كل مجرى عام على المآخذ الخاصة التي تتغذى منه، ولها إدخال ما ترى إدخاله من التغيير والتعديل في نظام الري والصرف وتطهير ما ترى ضرورة لتطهيره من الترع والمصارف العامة في الأوقات وبالكيفية التي تراها" ثم نصت المادة 32 على أنه "لا يجوز مطالبة الحكومة بتعويض عن أي ضرر ينشأ من استعمال السلطة المخولة لمصلحة الري بمقتضى المادة السابقة ولا من عدم كفاية المياه أو عدم وجودها بسبب إقفال ترعة أو إجراء ترميم أو تعديل أو تطهير فيها أو اتخاذ أي إجراء اقتضته المصلحة العامة" ومفاد ذلك أن المشرع ترك لمصلحة الري سلطة تقدير ما يطهر من الترع والمصارف العامة واختيار الوقت الذي تتم فيه عملية التطهير والكيفية التي تجرى بها وحظر المشرع مطالبة الحكومة بتعويض عن أي ضرر ينشأ للأفراد من استعمال المصلحة هذه السلطة التقديرية لكن هذا الحظر ليس مطلقاً بحيث يحصن جميع أعمال الحكومة الضارة وإنما هو مقيد بشرط يستفاد دلالة من عجز المادة 32 المشار إليها وتمليه الأصول العامة لمسئولية الإدارة قبل الأفراد وهذا الشرط هو أن يكون العمل الضار سواء كان إيجابياً أو سلبياً قد اقتضته أو تبرره دواعي المصلحة العامة فإذا ثبت أن ما وقع من مصلحة الري وألحق الضرر بالأفراد لم تكن تقتضيه تلك الدواعي أو تبرره بل كان تحكماً من عمال المصلحة وتعسفاً منها في استعمال السلطة التقديرية المخولة لها لزمها التعويض. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد فسر نص المادة 32 سالفة الذكر بأن الحصانة التي أسبغها المشرع على أعمال مصلحة الري مقصورة على حماية الأعمال المشروعة التي تجريها تلك المصلحة في حدود سلطتها التقديرية السليمة ولا تمتد إلى الأعمال الخاطئة ورتب على ذلك أن كل خطأ مادي يقع منها ويترتب عليه ضرر يكون محلاً للمسئولية - وهو تفسير غير صحيح إذ أن الأعمال المشروعة بطبيعتها لا يمكن أن تترتب عليها مسئولية ما وبالتالي يكون النص على حظر رفع دعوى المسئولية عنها لغواً وإذ كان خطأ الحكم على النحو السابق قد انتهى به إلى اعتبار مجرد إهمال مصلحة الري في تطهير مصرف الوادي العمومي خطأ يستوجب مسئولية وزارة الأشغال الطاعنة عن تعويض الضرر الناشئ عنه للمطعون ضده دون أن يبحث الحكم إذا كان عدم قيامها بالتطهير له ما يبرره من دواعي المصلحة العامة أم لا وهو بحث لازم لترتيب مسئولية الوزارة الطاعنة على ما تقدم ذكره فإن الحكم المطعون فيه يكون مخطئاً في تفسير القانون وفي تطبيقه بما يستوجب نقضه وإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف للفصل في الدعوى على ضوء ما سبق إيراده من قواعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق