باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر مـن مايو سنة 2023م،
الموافق الثالث والعشرين من شوال سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 12 لسنة 38
قضائية دستورية، بعد أن أحالت المحكمة التأديبية بالبحيرة، بحكمها الصادر بجلسة
26/ 12/ 2015، ملف الدعوى رقم 100 لسنة 20 قضائية.
المقامة من
النيابة الإدارية
ضد
1 - رأفت عبدالتواب عبد العاطي قناوي
2- عاصــــم سامـــي السيد الصاوي
3- أسامـــة عبدالله علي كريـم
---------------------
" الإجـراءات "
بتاريخ السادس والعشرين من فبراير سنة 2016، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقـم 100 لسنة 20 قضائية، بعد أن قضت المحكمة
التأديبية بالبحيرة، بجلسة 26/ 12/ 2015، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه
المحكمة للفصل في دستورية نصوص المواد (43 و44 و45و47 و48و50) من اللائحة
التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية الصادرة بقرار رئيس
الجمهورية رقم 774 لسنة1976، والمادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم
117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------------
" المحكمــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق -
في أن النيابة الإدارية قدمت كلاً من :1- ...... الصراف بالمعهد الطبي القومي
بدمنهور. 2- ..... الطبيب المقيـم بقسم المسـالـك البولية. 3- ...... رئيس
قسم المسالك البولية، بالمعهد ذاته، إلى المحكمة التأديبية بالبحيرة، طالبة
محاكمتهم عن المخالفات المنسوبة إليهم بتقرير الاتهام. وأثناء تداول الدعوى قدم
المحال الثالث مذكرة، دفع فيها ببطلان قرار إحالته للمحكمة التأديبية، لكونه يشغل
وظيفة استشاري وهي تعادل وظيفة أستاذ جامعي، وأن إحالته تمت بالمخالفة للمادة (43)
من اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية الصادرة بقرار
رئيس الجمهورية رقم 774 لسنة 1976. وقد تراءى لمحكمة الموضوع أن نصوص المواد (43
و44 و45و47 و48و50) الواردة في الفصل الرابع المعنون التأديب من تلك اللائحة، بما
قررته من عقد الاختصاص إلى مجلس التأديب المنصوص عليه بالمادة (47) منها، بتأديب
أعضاء الهيئة السالفة الذكر، تشكل انتقاصًا من الاختصاص المعقود لمجلس الدولة
بموجب المادة (190) من الدستور، الذي صار بعد العمل بالدستور الحالي، صاحب الولاية
العامة بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، وبالتالي أصبحت مجالس التأديب تمثل
اعتداءً على اختصاص محجوز دستوريًّا للمحاكم التأديبية بمجلس الدولة، كما أن نص
المادة (43) من اللائحة ذاتها، وكذلك المادة (46) من القرار بقانون رقم 117 لسنة
1958 المشار إليه، يشكلان تعديًّا على اختصاص هيئة النيابة الإدارية المنصوص عليه
بالمادة (197) من الدستور، لما يمثلاه من حجب هيئة النيابة الإدارية عن ممارسة
اختصاصها بإحالة أعضاء الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية إلى قاضيهم
الطبيعي بمجلس الدولة، حال خضوعهم للمساءلة التأديبية، وذلك بالمخالفة لنصوص
المواد (94 و96 و97 و184 و185 و186 و187 و190 و197) من الدستور.
وحيث إن المادة (43) من اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات
التعليمية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية السالف الذكر، قد نصت على أن " تباشر
النيابة الإدارية التحقيق فيما ينسب إلى أعضاء الهيئة وذلك بتكليف من رئيس المجلس
وتقدم إليه تقريرًا بنتيجة تحقيقها.
ولرئيس المجلس بعد الاطلاع على التقرير أن يحفظ التحقيق أو يأمر
بإحالة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إذا رأى محلاً لذلك أو أن يكتفي بتوقيع
عقوبة عليه في حدود ما تقرره المادة (51).
ونصت المادة (44) على أن لرئيس المجلس أن يوقف أي عضو من أعضاء الهيئة
عن عمله احتياطيًّا إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك، ويكون الوقف لمدة لا تزيد
على ثلاثة أشهر ولا يجوز مدها إلا بقرار من مجلس التأديب.
ويترتب على وقف عضو الهيئة عن عمله وقف صرف ربع مرتبه ابتداء من تاريخ
الوقف ما لم يقرر مجلس التأديب صرف كامل المرتب، وإذا لم يرفع الأمر إلى مجلس
التأديب خلال شهر من تاريخ الوقف يصرف كامل المرتب إلى أن يقرر المجلس غير ذلك.
وإذا تقرر حفظ التحقيق أو حُكم بالبراءة أو وُقعت عقوبـة التنبيه صـرف
ما يكون قد أوقف من المرتب، أما إذا وُقعت عقوبة أشد فيتبع في شأن ما أوقف صرفه من
المرتب ما تقرره بشأنه السلطة التي وقعت العقوبة.
ونصت المادة (45) على أن يعلن رئيس المجلس عضو الهيئة المحال إلى مجلس
التأديب ببيان التهم الموجهة إليه وصورة من تقرير التحقيق، وذلك بكتاب موصى عليه
مصحوب بعلم الوصول قبل الجلسة المعينة للمحاكمة بعشرين يومًا على الأقل.
ونصت المادة (47) على أن تكون مساءلة جميع أعضاء الهيئة أمام مجلس
تأديب يشكل من:
(أ) أحد عمداء كليات الطب رئيسًا
(ب) مستشار مجلس الدولة
(ج) أحد الاستشاريين بالهيئة يعينه مجلس إدارة الهيئة سنويًا أعضاء
ومع مراعاة حكم المادة (43) في شأن التحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب
تسري بالنسبة إلى المساءلة أمام مجلس التأديب القواعد الخاصة بالمحاكمة أمام
المحاكم التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة.
ونصت (48) على أن تكون جلسات مجلس التأديب سرية.
ويحضر عضو الهيئة أمام المجلس وله أن يقدم دفاعه كتابة، وللمجلس الحق
في طلب حضور العضو وإذا لم يحضر جاز الحكم في غيبته بعد التحقق من إعلانه.
ونصت المادة (50) على أن تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة العضو وقبول
مجلس إدارة الهيئة لها وموافقة رئيس المجلس، وذلك فيما عـدا الحـالات التي نصت
عليها القوانين واللوائـح الخاصة بالمخالفـات الماليـة. ولا تأثير للدعوى
التأديبية على الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الناشئتين عن ذات الواقعة.
كما تنص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة
1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على أنه لا تسري أحكام
هذا القانون على الموظفين الذين ينظم التحقيق معهم وتأديبهم قوانين خاصة.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها - على
ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة
بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى فى شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد
اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي
وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن نطاق الدعوى الدستورية وإن تحدد أصلاً بالنصوص
القانونية التي أحالتها محكمة الموضوع، إلا أن هذا النطاق يتسع كذلك لتلك النصوص
التي ترتبط ارتباطًا عضويًّا بحكم اللزوم العقلي بالنصوص المحالة، والتي يتعذر
فصلها عنها، وكان ضمها إليها كافلاً للأغراض التي توختها محكمة الإحالة.
لما كان ما تقدم، وكانت محكمة الموضوع قد أحالت المواد (43 و44 و45و47
و48و50) من اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية
الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 774 لسنة 1976، على سند من أن تلك النصوص
الواردة في الفصل الرابع التأديب من اللائحة السالفة البيان، تشكل في مجموعها
نظامًا تأديبيًّا موازيًّا، حلت بمقتضاه بديلاً عن المحاكم التأديبية بمجلس الدولة
بالمخالفة لنصوص الدستور، فإن نطاق الدعوى المعروضة يمتد لنصوص المواد (46 و49
و51) من تلك اللائحة، ذلك أن تلك النصوص جميعها تتضمن أحكامًا ترتبط ارتباطًا لا
يقبل الفصل أو التجزئة بالتنظيم الشامل الذي وضعه المشرع اللائحي لنظام تأديب
أعضاء تلك الهيئة، إذ نصت المادة (46) على أن لعضو الهيئة المحال إلى مجلس التأديب
الاطلاع على التحقيقات التي أجريت وذلك في الأيام التي يعينها له رئيس المجلس.
ونصت المادة (49) على أن الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أعضاء
الهيئة هى: (1) التنبيه. (2) اللوم. (3) اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة لفترة
واحدة أو تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى أو ما في حكمها لمدة سنتين على الأكثر.
(4) العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة.
وكل فعل يزري بشرف عضو الهيئة أو من شأنه أن يمس نزاهته أو فيه مخالفة
لنص المادة (41) يكون جزاؤه العزل.
كما نصت المادة (51) على أن لرئيس المجلس توقيع عقوبتي التنبيه واللوم
المنصوص عليهـمــا في المادة (49) على أعضاء الهيئة الذين يخلون بواجباتهم أو
بمقتضيات وظائفهم وذلك بعد سماع أقوالهم وتحقيق دفاعهم ويكون قراره في ذلك مسببًا
ونهائيًّا.
وعلى رئيس لجنة إدارة المستشفى التعليمي ومدير المعهد التخصصي أن يبلغ
رئيس المجلس بكل ما يقـع مـن أعضـاء الهيئـة من إخلال بواجباتهـم أو بمقتضيات
وظائفهم.
لما كان ما تقدم، وكانت المسألة الدستورية المثارة بحكم الإحالة، تتصل
بولاية تأديب أعضاء الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية، ومن ثم فإن
الفصل في دستورية نظام التأديب الوارد بنصوص المواد ( من 43 حتى 51) من اللائحة
السالفة الذكر يكون له انعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة
فيها، وولاية محكمة الموضوع بالفصل فيها، الأمر الذي تتوافر معه المصلحة في الفصل
في دستورية تلك النصوص. ولا ينال من ذلك، إلغاء تلك اللائحة بموجب المادة (104) من
قرار رئيس الجمهورية رقم 460 لسنة 2017 بإعادة تنظيم الهيئة العامة للمستشفيات
والمعاهد التعليمية. إذ جرى قضاء هذه المحكمة على أن إلغاء النص التشريعي لا يحول
دون النظر والفصل في دستوريته، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري
على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ
إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة
الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ
إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، ومن ثم
فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القاعدتين - القديمة
والجديدة - تخضع لأحكامها، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القاعدة القديمة - كما
هو الحال في الدعوى المعروضة - يظل خاضعًا لها، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت
آثاره في ظل القاعدة الجديدة، يخضع لتلك القاعدة وحدها، ومن ثم فإن المصلحة في
الدعوى المعروضة تكون متحققة بالنسبة للنصوص المذكورة في النطاق المتقدم.
وحيث إن المادة (1) من القانون رقم 69 لسنة 1973 في شأن نظام الباحثين
العلميين في المؤسسات العلمية، تنص على أن تسري أحكام القانون رقم 49 لسنة 1972
بشأن تنظيم الجامعات، على المؤسسات العلمية المحددة بالجدول المرفق وذلك في حدود
وطبقًا للقواعد الواردة في المواد التالية.
ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية بعد العرض على مجلس الوزراء إضافة جهات
أخرى إلى هذه المؤسسات العلمية بشرط أن تكون الجهات المضافة من العاملة في المجال
الذي تختص به الجامعات أو مجال البحث العلمي، وأن تكون أنظمة العاملين في هذه
الجهات متفقة مع القواعد الأساسية المقررة لوظائف أعضاء هيئة التدريس والوظائف
المعاونة لها المنصوص عليها في القانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه.
وتنص المادة (2) من القانون ذاته على أن تصدر بقرار من رئيس الجمهورية
بناء على ما يعرضه الوزير المختص وعلى ما يقترحه المجلس الخاص بالمؤسسة العلمية
الخاضعة لأحكام هذا القانون اللائحة التنفيذية لها.
وتشتمل هذه اللائحة على القواعد المنظمة لما يلي:
(أ) الهيكل التنظيمي العام وتحديد المجالس والقيادات المسئولة بما
يتناسب مع طبيعة النشاط الذي تختص به المؤسسة.
(ب) القواعد التي تسري على المؤسسة من بين الأحكام الواردة بنصوص
القانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه وتحديد السلطات والاختصاصات الواردة بهذه
النصوص والمخولة للمجالس والقيادات المسئولة بالمؤسسة العلمية وتوزيعها طبقًا
للهيكل التنظيمي لها.
(ج) التسميات الخاصة بالوظائف العلمية في المؤسسة وتعادل وظائفها مع
الوظائف الواردة بجدول المرتبات والمكافآت الملحق بالقانون رقم 49 لسنة 1972
المشار إليه.
وتسري فيما لم يرد فيه نص في هذه اللوائح التنفيذية على شاغلي الوظائف
العلمية القواعد الواردة في القانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه، وتسري على
غيرهم من العاملين الأحكام المقررة في القانون رقم 58 لسنة 1971 بإصدار نظام
العاملين المدنيين بالدولة.
ونصت المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية رقم 1002 لسنة 1975 بإنشاء
الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية على أن تنشأ هيئة عامة تسمى الهيئة
العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية تتبع وزير الصحة ويكون مقرها مدينة القاهرة،
وتعتبر من المؤسسات العلمية في تطبيق أحكام القانون رقم 69 لسنة 1973 في شأن نظام
الباحثين العلميين في المؤسسات العلمية.
كما نصت المادة (13) من القرار ذاته على أن تصدر بقرار من رئيس
الجمهورية بناء على ما يعرضه وزير الصحة وعلى ما يقترحه مجلس إدارة الهيئة اللائحة
التنفيذية للهيئة، وتتضمن القواعد المشار إليها في المادة (2) من القانون رقم 69
لسنة 1973 المشار إليه.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم
الجامعات، ينص في المادة (109) منه على أن تكون مساءلة جميع أعضاء هيئة التدريس
أمام مجلس تأديب يشكل من .................
ومع مراعاة حكم المادة (105) في شأن التحقيق والإحالة إلى مجلس
التأديب تسري بالنسبة إلى المساءلة أمام مجلس التأديب القواعد الخاصة بالمحاكمة
أمام المحاكم التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة.
وحيث إن مفاد النصوص التشريعية المتقدم بيانها، أن تقرير الاختصاص
بتأديب الباحثين العلميين في المؤسسات العلمية - ومنهم شاغلو الوظائف العلمية
بالهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية - قد حدده القانون رقم 69 لسنة 1973
السالف البيان، الذي أحال بالفقرة الأخيرة من المادة (2) منه، إلى القواعد الواردة
في قانون تنظيم الجامعات المار ذكره، فيما لم يرد به نص في اللائحة التنفيذية
للهيئة المشار إليها، والتي ناط بها تفصيل القواعد المنظمة للمسائل التي حددتها
البنود (أ، ب ، ج) من المادة (2) من القانون رقم 69 لسنة 1973، المار بيانه، دون
غيرها، وإذ خلت هذه البنود من إسناد تنظيم المساءلة التأديبية لشاغلي الوظائف
العلمية بتلك الهيئة إلى لائحتها التنفيذية، فإن مؤدى ذلك أن يكون تأديبهم موسدًا
إلى قانون تنظيم الجامعات المحال إليه، وليس إلى أداة تشريعية أدنى منه. ولا يعزب
عن النظر، أن دستور سنة 1971 - الذي صدرت اللائحة التنفيذية المحال نصوصها خلال
العمل بأحكامه - وإن نص في مادته (146) على أن يصدر رئيس الجمهورية القرارات
اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة؛ إلا أنه في الأحوال التي يتساند
فيها إنشاء المرافق والمصالح العامة إلى قانون يتضمن تنظيمًا لتأديب العاملين
بالمرفق، فإن هذه الولاية تضحى اختصاصًا استئثاريًّا محجوزًا للقانون، تلتزمه ولا
تخرج عليه الأعمال التشريعية الصادرة من رئيس الجمهورية لتنفيذ ذلك القانون -
أيًّا كانت طبيعتها ومضمونها - إعمالاً منها لحكم المادة (144) من دستور 1971.
وحيث إنه من المقرر - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - أن التحقق
من استيفاء النصوص القانونية لأوضاعها الشكلية يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على
الخوض في عيوبها الموضوعية، ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية هي من
مقوماتها، لا تقوم إلا بها، ولا يكتمل بنيانها أصلاً في غيابها، وبالتالي تفقد
بتخلفها وجودها كقاعدة قانونية تتوافـر لهـا خاصية الإلزام.
ولا كذلك عيوبها الموضوعية، إذ يفترض بحثها - ومناطها مخالفة النصوص
القانونية المطعون عليها لقاعدة في الدستور من زاوية محتواها أو مضمونها - أن
تكـون هـذه النصوص مستوفية لأوضاعهـا الشكلية، ذلك أن المطاعـن الشكلية - وبالنظر
إلى طبيعتها - لا يتصور أن يكون تحريها وقوفًا على حقيقتها، تاليًا للنظر في
المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن
تتقصاها - من تلقاء نفسها - بلوغًا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض
عليها منحصرًا في المطاعن الموضوعية دون سواها، منصرفًا إليها وحدها، ولا يحول
قضاء هذه المحكمة برفض المطاعن الشكلية دون إثارة مناع موضوعية يُدَّعى قيامها
بهذه النصوص ذاتها، وذلك خلافًا للطعون الموضوعية، ومن ثم يكون الفصل في التعارض
المدعى به بين نص قانوني ومضمون قاعدة في الدستور، بمثابة قضاء ضمني باستيفاء النص
المطعون فيه للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور فيه ومانعًا من العودة لبحثها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الأوضاع الشكلية للنصوص
التشريعية - سواء في ذلك المتعلقة بالشروط التي يفرضها الدستور لمباشرة الاختصاص
بإصدارها في غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان منها متعلقًا
باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية - إنما تتحدد على
ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.
متى كان ذلك، وكانت النصوص المحالة، والنصوص التي امتد إليها نطاق
الدعوى المعروضة، قد وردت باللائحة التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد
التعليمية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 774 لسنة 1976، وعُمل بها من تاريخ
نشرها، ومن ثم فإن التحقق من استيفاء هذه النصوص للأوضاع الشكلية المتطلبة
لإقرارها يكون على ضوء دستور 1971، المعمول به في تاريخ صدورها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في
اللوائح التنفيذية التي تصـدر وفقًا لنص المـادة (144) مـن دستور 1971، أنها
تُفصّل ما ورد إجمالاً في نصوص القانون، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء
من تنفيذها، وأن الغرض من صدور اللائحة التنفيذية للقانون يتعين أن ينحصر في إتمام
القانون، أي وضع القواعد والتفاصيل اللازمة لتنفيذه مع الإبقاء على حدوده الأصلية
بلا أدنى مساس، ودون أن تنطوي على تعديل أو إلغاء لأحكامه، أو أن تضيف إليه
أحكامًا تبعده عن روح التشريع، فيجاوز بذلك مُصدرها الاختصاص الدستوري المخول له
متعديًا على السلطة التشريعية. كما أن من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن الأصل
أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسًا على إعمال
القوانين وتنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقًا لتعاون السلطات
وتساندها، فقد عهد الدستور إليها في حالات محددة بأعمال تدخل في نطاق الأعمال
التشريعية، من ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة (144) من
دستور 1971 على أن يصدر رئيس الجمهوريـة اللوائح اللازمـة لتنفيـذ القوانيـن، بما
ليس فيه تعديـل أو تعطيل لهـا أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها،
ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه. ومن ثم لا يدخل في
اختصاصها ذلك توليها ابتداء تنظيم مسائل خلا القانون من بيان الإطار العام الذي
يحكمها، وإلا كان ذلك تشريعًا لأحكام جديدة لا يمكن إسنادها إلى القانون، وليست
تفصيلاً لأحكام أوردها المشرع في القانون إجمالاً، بما يخرج اللائحة - عندئذ - عن
الحدود التي عينها الدستور.
لما كان ما تقدم، وكانت المادة (2) من القانون رقم 69 لسنة 1973
السالفة الذكر، قد فوضت رئيس الجمهورية في إصدار اللوائح التنفيذية للمؤسسات
العلمية، وحددت للقرار الجمهوري الموضوعات التي يضع القواعد المنظمة لها في تلك
اللائحة، ولم يكن تأديب شاغلي الوظائف العلمية بتلك المؤسسات من بينها - بحسبانه
من الموضوعات التي يتعين أن يكون القانون أداة تنظيمها بحسب الأصل، على نحو ما سلف
- فمن ثم فإن النصوص المتعلقة بتأديب أعضاء الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد
التعليمية، الواردة باللائحة التنفيذية لتلك الهيئة والصادرة بقرار رئيس الجمهورية
رقم 774 لسنة 1976 - والمحددة نطاقًا على ما سلف بيانه - تكون قد صدرت مجاوزة حدود
التفويض الممنوح لها، إذ إنها لم تفصل أحكامًا أوردها المشرع إجمالاً في القانون
رقم 69 لسنة 1973 السالف الذكر، وإنما استحدثت نصوصًا جديدة لا يمكن إسنادها إلى
ذلك القانون، خارجة عن الحدود التي رسمتها المادة (144) من دستور 1971 للوائح
التنفيذية، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها.
وحيث إنه عن النعي على نص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية
السالف الذكر من تعدٍ على اختصاص هيئة النيابة الإدارية المنصوص عليه بالمادة
(197) من الدستور القائم، فلما كانت المحكمة قد انتهت إلى عدم دستورية نصوص المواد
المنظمة للتأديب الواردة باللائحة التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد
التعليمية على النحو السالف الذكر، وخضوع شاغلي الوظائف العلمية بالهيئة العامة
للمستشفيات والمعاهد العلمية في شأن مساءلتهم تأديبيًا إلى قانون تنظيم الجامعات
الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 الذى خلت نصوصه من خضوع
المخاطبين بأحكامه لولاية النيابة الإدارية. ومن ثم، فإن إبطال نص قانون النيابة
الإدارية والمحاكمات التأديبية المشار إليه، لن يكون له انعكاس على الطلبات في
الدعوى الموضوعية. الأمر الذي تنتفي معه المصلحة في الطعن عليه، ولزامه القضاء
بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نصوص المواد (43 و44 و45 و46 و47 و48 و49
و50 و51) من اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية،
الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 774 لسنة 1976.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق