باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني مــن أبريل سنة 2022م،
الموافق الأول من رمضان سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيـــــم سليم ومحمـــــود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز
محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة
محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله
رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 82 لسنة 40
قضائية دستورية.
المقامة من
رئيس جامعة الأزهر، بصفته رئيس مجلس إدارة صندوق التكافل الاجتماعي
بجامعة الأزهر
ضد
1- وزيــر الاستثمار
2- رئيس مجلس الوزراء
----------------
" الإجراءات "
بتاريخ السادس عشر من أغسطس سنة 2018، أودع المدعى بصفته صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًــا الحكم بعدم دستورية نص المادة
(14 مكررًا 1) من اللائحة التنفيذية لقانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون
رقم 54 لسنة 1975، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادي رقم 78 لسنة
1977، المضافة بقرار وزير الاستثمار رقم 109 لسنة 2015.
وقدمت هيئة قضايا الدولة ثلاث مذكرات، حددت فيها طلباتها الختامية في طلب
الحكم، أصليًّـــا: بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى،
واحتياطيًّـــا: بعدم قبول الدعوى، ومن باب الاحتياط الكلى: برفض الدعوى.
وخلال تحضير الدعوى، حضر عبدالقادر محمد حسن عبدالله، مدير عام صندوق
التكافل الاجتماعي بجامعة الأزهر، وطلب التدخل انضماميًّـــا إلى المدعى بصفته في الدعوى
الدستورية.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن المدعى بصفته رئيس مجلس إدارة صندوق التكافل الاجتماعي بجامعة الأزهر، كان
قد أقام الدعوى رقم 11493 لسنة 70 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري، ضد المدعى
عليه الأول، ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، طالبًــا الحكم - وفقًــا
لطلباته الختامية فيها - بوقف تنفيذ قرار وزير الاستثمار رقم 109 لسنة 2015 بتعديل
بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون صناديق التأمين الخاصة، الصادر بالقانون رقم
54 لسنة 1975، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادي رقم 78 لسنة 1977،
وقرارات الهيئة العامة للرقابة المالية أرقام: 99 لسنة 2015 بشأن القواعد والضوابط
المنظمة لإدارة محفظة استثمار صناديق التأمين الخاصة، و101 لسنة 2015 بشأن قواعد
وضوابط حوكمة صناديق التأمين الخاصة، و792 لسنة 2015 بشأن تعديل نموذج النظام الأساسي
لصناديق التأمين الخاصة ، وفى الموضوع بإلغائها جميعًـــا مع ما يترتب على ذلك من
آثار. وذلك على سند من أنه على إثر صدور قرار وزير الاستثمار رقم 109 لسنة 2015
بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون صناديق التأمين الخاصة متضمنًــا إضافة
نص المادة (14 مكررًا 1)، التي ألزمت الصناديق التي يبلغ حجم أموالها المستثمرة
أكثر من مائة مليون جنيه - ومنها الصندوق المدعى - بتعيين مدير متفرغ مسئول عن
الاستثمار، أو التعاقد مع شركة أو أكثر على إدارة ما لا يقل عن (80%) من أمواله،
قد صدرت قرارات الهيئة العامة للرقابة المالية السالفة الذكر تنفيذًا لأحكامه، بما
يُعرض أموال الصندوق للانهيار، وسحب الأعضاء لأموالهم؛ لأن مؤدى القرارات المشار
إليها، غل يد مجلس إدارة الصندوق عن إدارة أمواله، بما يُعرض أموال الأعضاء
للمخاطر، ويكلف الصندوق أعباء مالية، مما يُعد اعتداءً صارخًــا على أموال الصندوق
- وهى أموال خاصة - وتضحى معه هذه القرارات مخالفة للدستور والقانون. وأثناء نظر
الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (14 مكررًا 1) المضافة بقرار وزير
الاستثمار رقم 109 لسنة 2015، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، صرحت للمدعى
بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة، ناعيًّــا على النص المطعون فيه
مخالفة نصوص المواد (35، 101، 170، 221) من الدستور، والمواد (23، 27، 35) من
قانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، والمواد (39، 43،
48) من لائحة النظام الأساسي للصندوق.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى،
استنادًا إلى أن لائحة النظام الأساسي لصندوق التكافل الاجتماعي بجامعة الأزهر،
وكذا اللائحة التنفيذية لقانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانــون رقم 54
لسنة 1975 - والمطعون على المــادة (14 مكررًا 1) مــن قـرار وزيــــر الاستثمار
رقــــم 109 لسنة 2015 بتعديلها - لا تعدو أن تكون تنظيمًــا اتفاقيًّــا خاصًــا
بين أعضاء الصندوق الخاص بالتكافل الاجتماعي لجامعة الأزهر، بقصد تحقيق الرعاية
الصحية والاجتماعية لهم ولأسرهم، وهو الأمر الذي ينفى عن هـذه اللائحة وصف التشريع
الأصلي أو اللائحي، وهو مناط الرقابــة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية
العليا على دستورية القوانين واللوائح.
وحيث إن هذا الدفع مردود، بأن المادة (192) من الدستور الحالى،
والمادة (25) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قد عينا
اختصاصاتها، وحددا ما يدخل في ولايتهــــا، فخولاهـــا اختصاصًــا منفردًا
بالرقابــــة على دستورية القوانين واللوائح، وينحصر هذا الاختصاص في النصوص
التشريعية أيًّــا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أصدرتها، فلا تنبسط
هذه الولاية إلا على القانون بمعناه الموضوعى باعتباره منصرفًــا إلى النصوص
القانونية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص
بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية
التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها، وأن
تنقبض تلك الرقابة - تبعًــا لذلك - عما سواها.
وحيث كان ذلك، وكان القرار رقم 109 لسنة 2015، المطعون فيه، قد صدر عن
وزير الاستثمار، بشأن تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون صناديق التأمين
الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975 المشار إليها، ومن ثم فإنه يُعد - بهذه
المثابة - قرارًا لائحيًّــا، داخلاً في إطار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين
الصادرة طبقًــا لنص المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971، وتقابلها المادة
(170) من الدستور الحالى الصادر سنة 2014، مستهدفًــا تفصيل وتنفيذ نصوص قانون
صناديق التأمين الخاصة السالف الذكر، وتتولد عنه مراكز قانونية عامة مجــــردة، وبذلك
يعتبر تشريعًــا بالمعنى الموضوعى، وتنبسط عليه ولاية المحكمة الدستورية العليا،
وينعقد اختصاصها بإعمال رقابتها على نصوص هذا القرار. ومن ثم، يغدو الدفع بعدم
اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إنه عن طلب التدخل في الدعوى المعروضة، فإن قضاء هذه المحكمة قد
استقر على أنه يشترط لقبول طلب التدخل الانضمامى، طبقًــا لما تقضى به المادة
(126) من قانون المرافعات، أن يكون لطالب التدخل مصلحة شخصية ومباشرة في الانضمام
لأحد الخصوم في الدعوى، ومناط المصلحة في الانضمام بالنسبة للدعوى الدستورية أن
يكون ثمة ارتباط بينها وبين مصلحة الخصم الذي قُبل تدخله في الدعوى الموضوعية
المثار فيها الدفع بعدم الدستورية، وأن يؤثر الحكم في هذا الدفع على الحكم فيما
أبداه هذا الخصم أمام محكمة الموضوع من طلبات. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر
جلسة محكمة القضاء الإدارى المعقودة في السابع من نوفمبر سنة 2017 في الدعوى رقم
11493 لسنة 70 قضائية، أنه وإن كان طالب التدخل قد طلب قبول تدخلة في هذه الدعوى
منضمًــا للمدعى في طلباته، إلا أن محكمة الموضوع لم تقل كلمتها في شأن قبول
تدخله، وبالتالى لم يصبح بعد طرفًــا في الدعوى الموضوعية المطروحة عليها، ولم
تثبت له تبعًــا لذلك صفة الخصم التي تسوغ اعتباره من ذوى الشأن في الدعوى
الدستورية الذين تتوافر لهم المصلحة في تأييدها أو دحضها، وبالتالى يكون طالب
التدخل - بهذه المثابة - غير ذى مصلحة قائمة في الدعوى المعروضة، ويتعين لذلك الحكم
بعدم قبول تدخله.
وحيث إن المادة (14 مكررًا 1) من اللائحة التنفيذية لقانون صناديق
التأمين الخاصة الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادى رقم 78 لسنة 1977،
المضافة بقرار وزير الاستثمار رقم 109 لسنة 2015 تنص على أنه يلتزم الصندوق الذي يبلغ
حجم أمواله المستثمرة أكثر من 100 مليون جنيه بتعيين مدير متفرغ مسئول عن
الاستثمار ترخص له الهيئة على أن يتبعه عدد كافٍ من العاملين وذلك كله وفقًــا
للضوابط التي يصدرها مجلس إدارة الهيئة بشأن مهامه ومسئولياته والاشتراطات الواجب
توافرها فيه.
ويجــــوز للصندوق بــــدلاً مــــن ذلــــك التعاقــــد مــــع
شركــــة أو أكثر علــــى إدارة ما لا يقل عن (80%) من أمواله وفقًــا لما هو وارد
بالمادة (18).
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة
لاتحاد الطلبات في الدعويين الموضوعية والدستورية، فهو مردود بأن اتحاد كل من
الدعويين الموضوعية والدستورية شرطه اتحاد هاتين الدعويين في محلهمـا، بحيث لا
يكون أمام محكمة الموضوع ما تُجيل فيه بصرها، بعد أن تفصل المحكمة الدستورية
العليا في دستورية النصوص التشريعية المطعون فيها، سواء بتقرير صحتها أو بطلانها،
ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الدعوى الموضوعية والدعوى الدستورية تتوجهان في جميع
جوانبهما لغاية واحدة، ومسألة وحيدة ينحصر فيها موضوعهما، هى الفصل في دستورية
النصوص التشريعية المطروحة عليهما. متى كان ذلك، وكان الفصل في دستورية نص المادة
(14 مكرر1) المضافة بقرار وزير الاستثمار رقم 109 لسنة 2015، أيًّــا كان قضاء هذه
المحكمة فيه، لن ينهى كامل الطلبات الموضوعية المعروضة أمام محكمة القضاء الإدارى
التي تتصل بمشروعية قرارات الهيئة العامة للرقابة المالية أرقام 99، 101، 792 لسنة
2015، وليبق إعمال أثر قضاء هذه المحكمة في المسألة الدستورية المعروضة عليها، على
مشروعية هذه القرارات مطروحًــا على محكمة الموضوع، التي تستقل به دون المحكمة
الدستورية العليا، مما يتعين معه الالتفات عن هذا الدفع.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية
المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين
المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وقوامها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية
لازمًــا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها
في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان المدعى يبتغى من دعواه الموضوعية إلغاء
قرار وزير الاستثمار رقم 109 لسنة 2015 المشار إليه، وكذا قرارات الهيئة العامة
للرقابة المالية أرقام 99 لسنة 2015، 101 لسنة 2015، 792 لسنة 2015، وكان نص
المادة (14 مكررًا 1) المضاف بقرار وزير الاستثمار رقم 109 لسنة 2015 - محل الطعن
في الدعوى الدستورية - هو الذي ألزم الصناديق الخاصة التي يبلغ حجم أموالها
المستثمرة أكثر من 100 مليون جنيه - ومنها الصندوق الذي يمثله المدعى - بتعيين
مدير متفرغ مسئول عن الاستثمار، أو التعاقــــد مــــع شركــــة أو أكثر على إدارة
ما لا يقــــل عــــن (80%) من أموالــــه، وقـــد تأسس القرار الصادر من الهيئة
العامة للرقابة المالية رقم 99 لسنة 2015 المشار إليه على النص المطعون فيه، ومن
ثم فإن الفصل في دستورية نص المادة (14 مكررًا 1) السالفة الذكر، يكون ذا أثر
مباشر وانعكاس أكيد على الدعوى المعروضة، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة
الموضوع فيها، الأمر الذي تتوافر معه للمدعى مصلحة في الطعن على دستوريته، ويتحدد
به نطاق الدعوى المعروضة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (35،
101، 170، 221) من الدستور، والمواد (23، 27، 35) من قانون صناديق التأمين الخاصة
الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، والمواد (39، 43، 48) من لائحة النظام الأساسى
لصندوق التكافل الاجتماعى لأعضاء هيئة التدريس والعاملين بجامعة الأزهر؛ على سند
من أن هذا النص فيما استلزمه من تعيين مدير استثمار متفرغ، وتعديله لقواعد إدارة
الصناديق التي يزيد حجم أموالها المستثمرة عن 100 مليون جنيه، بإسنادها إلى مدير
استثمار مرخص له من الهيئة العامة للرقابة المالية أو شركة إدارة استثمار وفقًــا
للضوابط التي يصدرها مجلس إدارة تلك الهيئة، قد أضاف حكمًــا جديدًا للائحة
التنفيذية لقانون صناديق التأمين الخاصة ينتقص من اختصاص مجلس إدارة تلك الصناديق
في إدارة أموالها، بما يتضمن تعديلاً لأحكام قانون صناديق التأمين الخاصة الصادر
بالقانون رقم 54 لسنة 1975؛ فضلاً عن أنه يضيف اختصاصًــا جديدًا للهيئة العامة
للرقابة المالية يخرج عن اختصاصها المحدد في الدستور، الذي ينحصر في الرقابة
والإشراف على تلك الصناديق، الأمر الذي يُعد في حقيقته اغتصابًــا لولاية السلطة
التشريعية، كما أن النص المطعون فيه يُخل بحق الملكية الخاصة لتلك الصناديق،
باعتبار أنها تنظيمات اتفاقية خاصة، وتُعد أموالها أموالاً خاصة لا يجوز المساس
بها، إذ كلف النص المطعون فيه تلك الصناديق بأعباء مالية، فضلاً عن تعريضه أموالها
للخطر.
وحيث إنه عن نعى المدعى بمخالفة النص المطعون فيه لنصوص كل من قانون
صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، والنظام الأساسى لصندوق
التكافل الاجتماعى لأعضاء هيئة التدريس والعاملين بجامعة الأزهر - الذي يُعد مجرد
اتفاق خاص بين أطرافه ينحسر عنه وصف التشريع - السالف بيانها؛ فإن المقرر في قضاء
المحكمة الدستورية العليا أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح؛
أن يكون أساس الطعن هو مخالفة التشريــــع لنص دستــــورى، فلا يمتــــد لحالات
التعارض بيــــن اللوائح والقوانيــــن، ولا بين التشريعـات ذات المرتبـة
الواحـدة، ومـــن ثـم فـــإن هــــذا النعى - أيًّــا كان وجـه الـرأى في قيام هذا
التعارض - لا يعدو أن يكون نعيًّــا بمخالفة القانون ، وهو ما لا تمتد إليه ولاية المحكمة؛
الأمر الذي يتعين معه الالتفات عن هذا النعى.
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص المطعون فيه للمادتين (101، 170) من
الدستور؛ فمردود بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في اللوائح
التنفيذية التي تصدر وفقًــا لنص المادة (170) من الدستور، أنها تُفصل ما ورد
إجمالاً في نصوص القانون بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وأن
الغرض من صدور اللائحة التنفيذية للقانون يتعين أن ينحصر في إتمام القانون، أى وضع
القواعــــد والتفاصيل اللازمــــة لتنفيذه، مــــع الإبقــــاء علــــى حــــدوده
الأصلية بلا أدنى مساس، ودون أن تنطوى على تعديل أو إلغاء لأحكامه، أو أن تضيف
إليه أحكامًــا تبعده عن روح التشريع، فيجاوز بذلك مُصدرها الاختصاص الدستورى
المخول له متعديًــا على السلطة التشريعية.
كما أن المقــــرر في قضــــاء هــــذه المحكمة أن الأصــــل أن السلطة
التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسًــا على إعمال القوانين،
وتنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل، وتحقيقًــا لتعاون السلطات وتساندها، فقد
عهد الدستور إليها في حالات محددة بأعمال تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، ومن ذلك
إصــدار اللــوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة (170) مــــن الــدستور
على أن يصدر رئيس مجلس الوزراء اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه
تعطيل، أو تعديل، أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها، إلا إذا
حــــدد القانــــون مــــن يصدر اللوائــــح اللازمــــة لتنفيذه. ومــــن ثــــم
لا يدخــــل في اختصاصها ذلك توليها ابتداء تنظيم مسائــــل خــــلا القانــــون
من بيــــان الإطــــار العــــام الذي يحكمهــــا، وإلا كان ذلك تشريعًــا لأحكام
جديدة لا يمكن إسنادها إلى القانون، وليست تفصيلاً لأحكام أوردها المشرع في القانون
إجمالاً، بما يُخرج اللائحة - عندئذ - عن الحدود التي عينها الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه فيما تضمنه من إلزام صناديق التأمين الخاصة
التي يزيد حجم أموالها المستثمرة عن 100 مليون جنيه، بتعيين مدير مسئول عن استثمار
أمواله - باعتباره طريقًا لتوظيف تلك الأموال -، مرخص له من الهيئة العامة للرقابة
المالية - باعتبارها الجهة المختصة بالرقابة والإشراف على أنشطة التأمين طبقًــا
للقانون رقم 10 لسنة 2009 بتنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير
المصرفية، والمادة (221) من الدستور - ضمانًــا لتوافر الخبرة والكفاءة لديه - على
أن يتبعه عدد كافٍ من العاملين، وذلك كله وفقًــا للضوابط التي يصدرها مجلس إدارة
تلك الهيئة بشأن مهامه ومسئولياته والاشتراطات الواجــــب توافرها فيه، وأنه يجوز
للصندوق بدلاً من ذلك التعاقد مع شركة أو أكثر على إدارة ما لا يقل عن (80%) من
أمواله، وفقًــا لما هو وارد بالمادة (18) من قانون صناديق التأمين الخاصة؛ فإنه -
النص المطعون فيه - يكون قد صدر استنادًا لنص المادة (12) من قانون صناديق التأمين
الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، التي منحت الوزير المختص بإصدار اللائحة
التنفيذية لذلك القانون الاختصاص بتعيين طريقة توظيف أمواله، باعتبار أن عائد
استثمار أمـوال الصندوق هى مورد أساسى من الموارد المالية للصندوق طبقًــا لنص
المادة (10) منه، حتى يستطيع الوفاء بأغراضـه التي حددتهــا المادة (1) منه
أيضًــا لصالح أعضائـه أو المستفيدين منه، الأمر الذي يكون معه ذلك النص غير مجاوز
لحدود التفويض الصادر من المشرع بشأن وضع القواعد المنظمة لطريقة توظيف أموال
الصندوق، ذلك أن عبارة تعيين طريقة توظيف الأموال، الواردة بنص المادة (12)
السالفة الذكر، عبارة تسع كل الطرق والوسائل التي تؤدى إلى تنمية المال واستثماره،
ومن بينها لزومًــا تحديد آلية إدارة استثمار أموال الصندوق ومنها تعيين مدير
استثمار أو التعاقــــد مع شركة إدارة استثمار، ومــــن ثــــم يكون النعى على
النص المطعون فيه باغتصاب مُصدره أحد اختصاصات السلطة التشريعية، هو نعيًّــا غيرَ
سديد يتعين الالتفات عنه.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة
تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع
محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها،
وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًــا، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه
إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، تعتبر تخومًــا لها
ينبغى التزامها، وحيث إن المقرر أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر من فراغ، ولا يعتبر
مقصودًا لذاته، بل مرده إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا
للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم، باعتباره أداة تحقيقها، وطريق
الوصول إليها.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد تغيا الحفاظ على أموال
الصناديق، التي يزيد حجم أموالها المستثمرة عن 100 مليون جنيه، وتنميتها وتعظيم عوائدها
والارتقاء بإدارتها، بتعيين مدير مسئول عن الاستثمار، ترخص له الهيئة العامة
للرقابة المالية، أو التعاقد مع شركة لإدارة ما لا يقل عن (80%) من أموال الصناديق
المستثمرة، وذلك بعد موافقة الجمعية العمومية للصندوق طبقًــا للإجراءات الواردة
بنص المادة (18) من قانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم54 لسنة 1975،
وذلك نظرًا لكبر حجم أموال هذه الصناديق، وما تتطلبه من إدارة متفرغة ومتخصصة وذات
خبرة عملية في مجال الاستثمار، وهو ما يمكن أن تفتقر إليه مجالس إدارة هذه
الصناديق. فالنص المطعون فيه قد اختار من البدائل أفضلها بما يحقق الغرض من
استثمار أموال صناديق التأمين الخاصة، ذلك أنه لـم يُطلـق سلطة مجلس الإدارة في استثمـار
أمـوال الصندوق، دون قيد أو ضابط ، بما قد يُعرضها للخطر، ويؤثر بالسلب على دورها
في دعم التكافل والتضامن الاجتماعى داخل المجتمع، ورفع معــــدل نمــــو الاقتصاد
القومــــى، ولم يقيدها بقيود تغل يد مجلس إدارتها في إدارة أموالها، واختيار
مجالات توظيفها باعتبارها تنظيمات اتفاقية خاصة، بل كان بين ذلك قوامًــا، فضلاً
عن أنه لم يسلب اختصاص مجلس إدارة الصندوق في إدارة أموالــــه، إذ يظــــل مجلس الإدارة
هــــو المنوط بــــه اختيــــار مديــــر الاستثمار أو شركة إدارة الاستثمار،
واللذين يقتصر دورهما فقط على مجرد الإدارة التنفيذية الفنية لخطة وإستراتيجية
الصندوق التي يضعها مجلس إدارته. ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون قد صدر في إطار
السلطة التقديرية الممنوحة للمشرع اللائحى في تنظيم الحقوق، مراعيًـــا تحقيق
التوافق بينه وبين أحكام القانون الصادر تنفيذًا له، مستهدفًــا غايات مشروعة
تلتئم مع الهدف الذي يسعى لتحقيقه، ملتزمًــا بالضوابط الدستورية الحاكمة له.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة النص المطعون فيه للمادة (221) من
الدستور؛ فمردود بأن تلك المادة تنص على أنه تختص الهيئة العامة للرقابة المالية
بالرقابة والإشراف على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، بما في ذلك ....
أنشطة التأمين، ....، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون، وقد جاء هذا النص
ترديدًا حرفيًّــا للاختصاص الوارد في المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 2009
بتنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، وحيث إن ما تضمنه النص
المطعون فيه من إعطاء الهيئة العامة للرقابة المالية سلطة الترخيص لمدير الاستثمار
المتفرغ، لاستثمار أموال صناديق التأمين الخاصة السالفة الذكر، ووضع الضوابط بشأن
مهامه ومسئولياته والاشتراطات الواجب توافرهــــا فيه، لا يتضمن تعديلاً لاختصاصات
تلك الهيئة، بل أتى بضمانة للحفاظ على أموال تلك الصناديق من خلال وضع الضوابط،
وتحديد الأُطــــر الحاكمة لعمــــل ذلك المديــــر، بما يضمن توافر الخبرة
والكفاءة لديه، حرصًــا على حمايتها، وذلك كله يندرج ضمن الاختصاص المُناط بالهيئة
العامة للرقابة المالية في العمل على سلامة واستقرار الأسواق المالية غير المصرفية
وتنظيمها وتنميتها وإصدار القواعد التي تضمن كفاءتها - ومنها صناديق التأمين
الخاصة - وذلك وفقًــا لنص المادة الرابعة من القانون رقم 10 لسنة 2009 السالف
الذكر، وكذا دورها في الرقابة والإشراف عليها، الذي يتسع ليشمل كل ما يضمن ضبط عمل
ذلك المدير المسئول، مما يتعين معه الالتفات عن هذا النعى.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه أنه يمثل عدوانًــا على
الملكية الخاصة، ومساسًــا بحرمتها ومصادرة لها؛ فمردود بأن المقرر في قضاء هذه
المحكمة أن اضطلاع الملكية الخاصة، التي صانها الدستور بمقتضى نص المادة (35)،
بدورها في خدمة المجتمع، يدخل في إطار أدائها لوظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لا
يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًــا، بل تمليها طبيعة الأموال محل
الملكية، والأغراض التي ينبغى رصدها عليها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها
الدستور على الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يُمليها خير
الفرد والجماعة.
وحيث إن الدستور وإن اعتبر بمقتضى نص المادة (17) منه أموال التأمينات
والمعاشات أموالاً خاصة، وذلك بالنظر إلى الغرض منها، وأيًّــا كان الشكل القانونى
الذي تتخذه، أو الهيئة أو الجهة القائمة عليها، بالنظر إلى أنها هى وعوائدها
حقًــا للمستفيدين منها، فحفاظًــا على هذه الأموال وتنميتها لصالحهم، أوجب
الدستور استثمارها استثمارًا آمنًــا، وهو ما يُعد التزامًــا دستوريًــا تتقيد به
الهيئة القائمة على إدارتها بموجب نص المادة (17) من الدستور، لا تستطيع منه
فكاكًــا، كما ألقى هذا النص على الدولة التزامًــا دستوريًــا آخر بضمان هذه
الأموال، على نحو يُعد معه إشرافها على استثمارها في أوجه الاستثمار الآمن
داخـــلاً ضمن وفـــاء الدولـــة بهـــذا الالتزام، بما لا يمس ملكية هذه الأموال
أو ينتقص منها، إذ شرع النص المطعون عليه تكريسًا لحمايتها والحفاظ عليها بما
استلزمه من تعيين مدير مسئول عن استثمار أموالها، ترخص له الهيئة العامة للرقابة
المالية، وفقًا للضوابط والشروط التي تضعها، وذلك بما يضمن توافر الخبرة والكفاءة
لديه، أو التعاقد مع شركة استثمار متخصصة وذات خبرة أيضًا في هذا المجال، وذلك
حفاظًا على سلامة المراكز المالية لتلك الصناديق ودعمًا لقدرتها في الوفاء
بالتزاماتها قبل أعضائها في ظل تنوع وتعدد قنوات الاستثمار، ومن ثم يكون هذا النعى
غير سديد، متعينًــا الالتفات عنه.
وحيث كان ما تقدم جميعه، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر
من أحكام الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بصفته
المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق